سرعان ما تحول النزاع العراقي الايراني في سبتمبر 1980 الى حرب شاملـة ، كان لسلاح جو البلدين اليد الطولى خلاله في الايذاء المتبادل للمنشئات الاستراتيجية داخل عمق البلدين الجاريـن .. مباشرة و دون مقدمات في ليلة 22-23 سبتمبر الجانب العراقي الذي كان يملك قطعا اغلبها سوفييتي المنشأ استلمها في السبعينات ، اضافة الى مقاتلات هاوكر هانتر البريطانية من تركـة نهاية الخمسينات سيبدأ سلسلة غارات جوية ضد قواعد في الاحواز القريبة و القواعد الاساسية قرب الحدود عبر طلعات لنسخة القصف الأرضي من الفلوغر Mig 23BN ، ليتجاوز الأمر الى استهداف مطار مهرآباد الدولي و قواعد للجيش الايراني ضواحي طهران .. لم يكن سلاح الجو العراقي ندا تقنيا واضحا لنظيره الايراني لكنه كان قادرا على الايذاء ، خصوصا عبر قاذفاته السوفياتية Tu 16 و Tu 22 مع قنابل FAB 9000 ذات التأثير الضخم ، قدرة العراق على ايصال سلاح مماثل الى قلب ايران كانت تؤرق الطرف الآخر ..
لم يتأخر الايرانيون كثيرا فبعد سويعات من بدء العمليات الحربية العراقية أقلعت سريعا أكثر من 200 طائرة ، المهمــة : شل نسبة مهمة من قدرات العراق الجوية و تدمير القواعد القريبة من الحدود الايرانية .. عبر سلاحهم الجوي المتفوق نفذ الايرانيون حملة كبرى شاركت فيها أسراب مقاتلاتهم القاذفـة التكتيكية اف 4 فانتوم مرفقة بمظلة التحريم الجوي المهيبة لأسطول الأف 14 تومكات ..و 4 أسراب من الأف 5 تايغر 2 ... رمز العمليـة : كمــان 99
العمليـة كمان 99 و التي كان مخططـا لها قبل سنوات في عهد نظام الشاه كرد سريع على اي اعتداء عراقي ، استطاعت الحاق اضرار واضحة خصوصا في قاعدة الناصرية و بشكل كبير الى متوسط قواعد الكوت و كركوك و ام قصر و قاعدة الموصل الجوية .. لكنها لم تحقق نفس النجاح ضد قواعد الرشيد و تموز و المثنى حيث جعلها موقعها القريب من العاصمة منيعة بفضل كثافة الدفاعات الجوية و الحضور القوي هناك لمقاتلات العراق الإعتراضية ..
خسر الايرانيون أكثر من 60 طائرة في الحــملة
(حسب ادعاء العراقيين) لكنهم استراتيجيا قلموا اضافر العراق الجوية بنسبة غير مهملة.. لكن مهلا ، اسطول العراق من قاذفات التوبوليف لم يتضرر، استعملها العراق مجددا في أكتوبر ضد المدن الايرانية الداخلية وصولا لطهران .. العراقيون يحتلون خرمشهـر في الاحواز ( خوزستان) و يحاصرون عبدان النفطية الاستراتيجية .. الى كل هذا السوء تنضاف مفاجئة غير سارة ستاتي قريبا ، ضيف غربي على غير العادة سيـدخل المعادلة على الجانب العراقي ..
الكولونيل جواد فكوري قائد القوات الجوية الايرانية و وزير الدفاع المقبل مع الجنرال بهرام هوشيار إضافة الى نخبـة قادة سلاح الجو كانوا يعــون جيدا ان الخطر لم يحيـد تماما .. تقارير استخبارية وصلت بداية العام 1981 تــفيد بنقل العراق جزءا من قاذفاته غربا و وصول شحنات اسلحة مهمة من مصـر ، اضافة الى بدء تلقي العراق دفعته الأولى من الميراج أف 1 الفرنسية .. كل هذا يتم في قــاعدة بعيـدة عن الأخطار المباشرة ، قرب الحدود الاردنية في صحراء الأنبار ..
قاعدة الوليد الجوية التي كـانت مجرد مدرج بسيط تابع لشركة العراق النفطية عند محطة الضخ H3 لأنبوب حيفـا - الموصل ، استطاع العراقيون و بفضل شركات انشاءات يوغوسلافية من تحــويلها الى وحش عملاق ، هنغارات اسمنتية و مباني للطيارين و الضباط اضافة الى 3 مدارج متقـاطعة H 3 Main ; H 3 N-W; H 3 S-W ...
القاعدة بعيدة عن الحدود الايرانية بحوالي 1000 كلم و الذهاب المباشر نحوها يستلزم المرور فوق أجواء العاصمة المكتضـة بالدفاعات الجوية و المقاتلات العراقيـة ، مسار كهذا سيستلزم من الفانتوم الايرانية تنفيذ عمليتي تزود بالوقود فوق الأجواء المعادية ، منها واحـدة قرب بغداد ، و هو أمر مستحيل النجـاح .. كل هذه العقبات العملياتية جعلت الضباط الايرانيين يفكرون في مسار آخر .. نعم طويل و شاق ، لكـنه مخادع جدا و غير متوقع .. الايرانيون لاحظوا أن فوق كردستان العراق عادة حركة خفيفة لسلاح الجو العراقي و التضاريس هناك جبلية و مساعدة على التخفي عن انظمة الرصد ، و بالقليل من المكر و الحظ يمكنهم الوصول الى هدفهم رغم المسافة الهائلة .. فوق 6 آلاف كلم طول الرحلـة ذهاباً و إيابا ! ! !
القوات المشاركة كانت من الجناحين التكتيكيين الجويين 31 و 32 ، من بينهـا 8 مقاتلات قاذفة من طراز فانتوم اف 4 ، 4 مقاتلات سيادة جوية أف 14 تومكات ، اضافة الى طائرة تحليل الكتروني و اتصالات C 130 H و طائرة بوينغ 747 لقيادة العمليات من بعيد .. دون نسيان طائرات التانكر بوينغ 707 و 747 التي كان دورها الاقلاع من مطار سوري و الالتحام بالتشكيل الايراني في مرحلة من العملية ..
بــه نــامِ خُـدا .. باسم الله ، تقلـع صبيحـة 04/04/1981 على الساعة العاشرة و النصف ثمــاني قاذفـات F-4 Phantom II الى جانب مقاتلتين احتياطيتين من القاعدة الجوية الثالثة في همـدان بقيـادة العقيد الجوي و قائد العملية الكولونيل قاسم كولشين و الماجور فرج الله براتبور .. مقاتلتي أف 14 تمسح المجال الجوي العراقي انطلاقا من أقصى غرب ايران عبـر رادارها الجبار AWG-9 و مثقلة بصواريخ AIM 54 لاصطياد اي تحرك عراقي جوي مضاد .. في الوقت نفسه اقلعت 3 مقاتلات أف 5 تايغر من قاعدة تبريز منفذة غارات على قاعدة كركوك الجوية لــتشتيت الانتباه ..
التشكيل الايراني من طائرات الفانتوم أف 4 سيتـجه نحو الشمال الغربي فوق بحيرة Urmiah قرب المثلث الحدودي ايران-تركيا-عراق منفذا هناك أول عملية تزود بالوقود ، لتـخترق المجال الجوي فوق الحدود العراقية التركيـة بصمت راديوي مطبــق و على علو 100 متر فقـط لتجنب الرادارات العراقية و التركيـة ، الرادارات العراقية سترصدها لفترة وجيزة رغم هذا سيتم اعتبار الأمر انها مقاتلات فانتوم تـركية في دورية على الحدود.. عند وصولها للحدود السورية من الجهة الاخرى ستلتقي بطائرات التانكر الايرانية المقلعة من سوريا ، حيث سيتم تنفيذ أحد أكثر عمليات التزود بالوقود جرأة و خطورة في التاريخ .. تزود من البوينغ 4 مرات على علو أقل من 100 متر ..
اقترب التشكيل من قاعـدة H 3 و تفرق الى مجموعتين : الأولى ستضرب المدارج لمنع اي اقلاع اعتراضي ، بينما المجموعة الثانية ستنهال على المقاتلات المركونة و على الهنغارات بالقنابل العنقودية و قنابل MK 82 -81 ..درجـة الذهول العراقي منعتهم من الاستجابة السريعة و محاولة اعتراض الهجوم المفاجئ ، الامر اعطى التشكيل الايراني الوقت للالتفاف مرات عديدة و تدمير طائرات اخرى و منشآت حتى باستعمال المدافع الرشاشة للطائرات ...
كانت الخسائر ثقيلة على الجانب العراقي ، تم احصاء تدمير 48 مقاتلة ، منها 5 ميراج اف 1 أتت للتو من فرنسا ، قاذفة توبوليف 16 ، 3 طائات نقل انتونوف 12 اضافة الى عدد من مقاتلات ميغ 23 و ميغ 21 و قاصفات سوخوي 22..
ستعــود المقاتلات الايرانية سالمة الى قـواعدها بعد ان انهت واحــدة من أنجح الغــارات في تاريخ العمليات الجوية على الاطلاق .. عمليــة قــاربت المستحيل لكنها نجحت بشكل عجيب دون خطأ ..
من أبرز المشاركين في الـعملية :
الماجور فرج الله براتبور ، العقيـد قاسم كولشين ، الملازم سيد اسماعيل موسوي ، و الرائد المميز حسين خلعتبري مكرم .. هــذا الأخير الذي يعد واحدا من خيرة طياري الفانتوم الايرانيين و قائد السرب المهاجم لـبغداد في عمليـة كمان 99 ، سيقضي نحبــه عام 1985 بعـد اصطياد مقاتلته بـصاروخ R 40 أطلقه الـ Ace العراقي الرائد مـحمد ريـان طيار الفوكسبات Mig 25 ..