تحرير وهران و المرسى الكبير 1792

walas313

صقور الدفاع
إنضم
5 سبتمبر 2007
المشاركات
5,989
التفاعل
15,186 155 33
الدولة
Algeria

1يقترح علينا أبوراس الناصري في تأليفه : "عجائب الأسفار ولطائف الأخبار" بحثًا حول تحرير مدينتي وهران والمرسى الكبير سنة 1792، يتناول فيه قضايا الحصار والمواجهات العسكرية والرباطات والمفاوضات ثم الجلاء، بطريقة مغايرة تركز على التمثلات الاجتماعية أكثر مما تهتم بالحدث السياسي.

2لم يكن فتح وهران على يدّ الباي محمد الكبير حدثا عاديا، لأنه ترك صدى عميقا في المخيلة الاجتماعية لساكنة الغرب الجزائري وساكنة بلاد المغرب الكبير عامة. لقد كان حديث الناس في تونس والشرق الجزائري؛ يقول أبوراس في هذا الصدد :"لما خرجنا من البحر في شهر شعبان سنة خمس ومائتين وألف وجدنا خبر محاصرة المنصور بالله سيدي محمد بن عثمان لوهران بسوسة والمنستير وصفاقس. ووجدنا خبر الجهاد عند أهل جربة وأيضا أهل تونس سمعوا.." (محمد بن أحمد أبي راس الناصري، 2005، ص. 33). وحين انتهى به المطاف إلى ديار الوطن كان "خبر الجهاد قد انتشر في الإيالة القسنطينية : مدنها وأريافها" (محمد بن أحمد أبي راس الناصري، ص. 33).

3تؤكد شهادة أبي راس مدى اهتمام الساكنة المغاربية بكل حدث يثير شعورها الإسلامي الحاد ويبعث فيها روح الأمل في ظرف دولي يتزايد فيه الخطر الغربي على البلاد الإسلامية وبالمقابل يعكس مثل هذا الشعور نهاية معاناة ساكنة الغرب الجزائري من الوجود الإسباني.

4تحفل المصادر المحليّة بأخبار الأولياء الصالحين وكراماتهم وتكثر فيها الخرافات والأساطير عن الجن والإنس، لا لإثبات أحداث تاريخية بل لتجسيد هموم شرائح اجتماعية عريضة في المدن والأرياف، فهي تكشف عن المتخيّل الاجتماعي وعلاقته بالواقع الاجتماعي.

5إن مثل هذا البعد الرمزي لا يزال منقوصا في جزء كبير من البحث التاريخي في الجزائر، فإذا تمكنا من الوصول إلى فك روابطه المعقدة، عبر دراسات جديدة تؤرخ للذهنيات، لدخلنا في أعماق المجتمعات. ألا يهدف علم التاريخ إلى تصوير الأحداث كما عايشها الناس وشعروا بها ؟

  • 1 كان هذا عنوان محاضرة ألقيت في الملتقى الثالث حول النخب الدينية وتحرير الأوطان. جامعة وهران، يومي 5-
  • 2 أنظر على سبيل المثال، لا الحصر :
    المدني، أحمد توفيق .(1976). حرب 300 سنة بين الجزائر وإسبانيا. الجزا
6ماذا يمكن أن نضيف للبحث التاريخي ونحن نحيي كل سنة ذكرى تحرير وهران والمرسى الكبير من الاحتلال الإسباني إذا كان اهتمامنا منصبا على دراسة الحدث ومقاربته بالطريقة التقليدية، أي التاريخ الحدثي ؟ لا شيء تقريبا. فمنذ فترة ليست بالقصيرة والباحثون الجزائريون وغيرهم يحلّلون المصادر المحلية والأجنبية، وقد أحاطوا بالحدث وجزئياته وتناولوا ظروفه وملابساته . لدينا معلومات مفصلة عن الحصار الذي فرضه الباي محمد بن عثمان على الحامية العسكرية الإسبانية في وهران والمرسى الكبير : أطواره ونتائجه. ونعرف الشيء نفسه عن الرباطات والمواجهات العسكرية ثم المفاوضات بين الداي والإسبان إلى توقيع الصلح سنة 1785 دون تسوية مسألة وهران. ونعرف عن الحصار الحقيقي بعد الزلزال الذي أصاب المدينة في أكتوبر 1790 وفشله نتيجة وصول الإمداد الإسباني والخلل في خطة الحصار، ثم عودة الباي محمد الكبير إلى معسكر لوضع خطة عسكرية جديدة وإعداد الجيش وتزويده بالمدافع التي أتى بها من جبل طارق، ثم تنقلّه من جديد إلى وهران لإحكام حصارها الأخير إلى أن وافق الإسبان على الجلاء.
7وتتوفر لدينا معارف شتى عن تركيبة الجيش والمتطوعين والطلبة المرابطين براس العين : عددهم وعدتهم وتنظيماتهم وقيادتهم ومواقعهم. يقول أحمد بن سحنون "فجاءهم في جند عظيم. شديد البأس يحتوي على خمسين ألفا. وقد قسّمه، فترك معظمه معه وأنزل الباقي مع ابنه الأنجب السيد عثمان، وبعضه الآخر مع صهره الأجل السيد محمد بن إبراهيم، كل منهما على جهة بمحلة عظيمة، مع الأول أهل تلمسان وأحوازها وقبائل من الأعراب كفليتة وغيرهم، ومع الثاني أهل مازونة ومستغانم وأعراب الشرق" (أحمد بن سحنون، ص. 220).

8وعن العتاد والسلاح يقول : "ولم يزل جادا في جمع الآلات والبارود والرصاص وكور المدافع، فوجه رسله إلى بلاد الإنجليز لشراء ذلك.. وبعث أيضا إلى ناحية زواوة من أتاه بكثير من البارود، وجمع أرباب الصنائع من النجارين والخراطين والحدادين وصُنّاع البارود من كل بلد، الجزائر وتلمسان ومستغانم، وبعث إلى ناحية فقيق من يأتيه بحفرة الألغام فقدم عليه بمائة منهم وألحقهم بالطلبة... " (أحمد بن سحنون، ص. 248).

9وتتحدث المصادر المحلية عن الطريق الذي سلكه الباي محمد بن عثمان بجيشه من معسكر قاعدة البايلك إلى سيق، ومن سيق إلى وادي تليلات ومنها إلى أغبال ومسولان(الكرمة حاليا)، ثم تموقع الجيش والمتطوعون في المبرك (أو جرف المبرك) ومسرغين ووادي الهايج (يمتد على طول : حي أسامة وحي العثمانية ثم حي عبد المؤمن)، ونزل الطلبة برباط رأس العين بجبل المائدة، ثم تُسردُ أخبارٌ قيّمة عن المعارك حول الأبراج وعن المفاوضات ثم الجلاء ودخول محمد الكبير المدينة في موكب بهيج يتقدمه العلماء وهم يقرؤون البردة.

10غير أن المؤرخ اليوم مطالب بالانتقال من الحدث إلى أبعاده الرمزية، فلا يجوز له أن يكتب التاريخ بطريقة تجزيئية وجافة، بل يتناوله كما عايشه معاصروه في مستوى شعورهم وتصوراتهم. عليه أن يتساءل عن الذهنيات العامة التي رافقت الحدث، وعن التَّمثلات و المواقف التي ميّزت "الوعي الجمعي" وقتذاك.

11يعتبر المؤرخ البولوني يوهان هوزنكا "حقل المتخيل والعاطفة بقيمة الاقتصاد نفسها" (لوڤوف، ص. 284)، ويؤكد المؤرخ الألماني نوربير الياس "أن النفسيات العامة لها قيمة أية حقيقة تاريخية أخرى" (لوڤوف، ص. 279-280)، فالذهنيات العامة لا تقل أهمية، في منظور المؤرخ الجديد، عن الأحداث السياسية والظواهر الاقتصادية والثقافية.

12نجحت مدرسة الحوليات في إدخال الذهنيات إلى مجال التاريخ، فالمؤرخ -اليوم- مطالب بإعادة قراءة المصادر من زاوية مغايرة وبمنظور جديد، فيسعى إلى إعادة بناء "المواقف الذهنية والتمثلات الاجتماعية التي تجسد تصورات العالم والإنسان والطبيعة. لأن الناس كانوا يربطون ما يُرى بما لا يرى في حياتهم اليومية وفي معتقداتهم. إن هذه الظواهر النفسية هي التي أدخلها تاريخ الذهنيات في إشكالياته العامة ومباحثه المتنوعة" (لوڤوف، ص. 305-306).

13تتكون البنية الذهنية من جملة التمثلات الناتجة عن التجارب الإنسانية والجماعية. فلكل ثقافة أو مستوى ثقافي ذهنيته : اليأس والخوف من المجاهل المقلقة للحاضر والمستقبل، الأمل وعودة الحياة ومقاومة المخاوف من الفواجع الطبيعية والحروب والأهوال والأمراض، كلها عناصر نفسية تشكل المخيال الجمعي في لحظة زمنية معينة ... (لوڤوف، ص. 305-306).

14يسعى تاريخ الذهنيات إلى الغوص في اللاوعي الاجتماعي عبر تطور التصورات وإلى البحث عن المعنى من خلال منظومة التمثلات والمكانة التي تحتلها داخل البنى الاجتماعية وفي الواقع، فالغرض هو التمييز بين حتميات الواقع وتصورات العالم. فالمقاربة التاريخية الموضوعية لا تكتفي بوصف الظواهر النفسية والطريقة التي يرى بها الناس عصرهم، بل تهتم بالدرجة الأولى، بالعلاقة بين الظواهر النفسية وما أحدثها في الواقع. إن جدلية الذهني والاجتماعي هي الإشكالية التي يعتمدها المؤرخ المختص في الذهنيات )برودال، 1958). لقد كسب تاريخ الذهنيات شرعيته وأثبت مصداقيته العلمية منذ خمسينات القرن العشرين، لأنه تاريخ يُعنَى بالكتل الاجتماعية وبالشعوب لا بالأفراد والبطولات.

15في الواقع يجب أن نكف عن التأريخ للأبطال والأفراد، بل نكتب تاريخ الناس الذين اختبروا الحياة، فعاشوا وفرحوا وتألموا. إنها دعوة إلى أنسنة التاريخ. يؤكد المؤرخ الفرنسي الشهير فرناند برودال : "إن البنى الذهبية تتغير بتغير الأطر الاجتماعية والثقافية، غير أن تطورها يتم بإيقاع أبطأ من إيقاع الأحداث السياسية السريع. إن زمنها هو المدى الطويل.." (برودال، 1958).

16منذ أن احتل الإسبان مدينتي وهران والمرسى الكبير في مطلع القرن السادس عشر، مرّ المخيال الجمعي لساكنة بايلك الغرب بمرحلتين متميزتين :

17تمكن الأتراك منذ قدومهم إلى الجزائر من تحرير المدن الساحلية التي احتلها الإسبان بين 1505 و1512، عدا مدينتي وهران والمرسى الكبير، ورغم المحاولات المتكررة خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، و الخسائر البشرية الكبيرة التي تكبدوها فإنهم لم ينجحوا. فتارة يصل الجيش والمتطوعون إلى أسوار المدينة، فيدكونها بالمدافع ويحدثون ثغرات فيها أو يستولون على أحد الأبراج فيها لكنهم يفشلون في الأخير. وتارة أخرى، يفرضون حصارا شديدا عليها بحرا وبرا، ويمنعون الأهالي من تموينها ويطول الحصار، لكن شدّة مقاومة الحامية الإسبانية و مناعة أسوار المدينة تحولان دون تحريرها.

18هكذا كان الحال خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر وذلك رغم دعوات العلماء المتكررة لتجديد الجهاد وتفعيله مهما كانت الظروف. فالعالم أبو محلى، نزيل واحة بني عباس في الصحراء يؤكد بوضوح أن شرعية النفوذ العثماني متوقفة على تحرير السواحل المغربية كاملة :

  • 3 أبو محلي (1560-1613) : عالم وقاضي شهير، ثار على المولى زيدان السعدي لكثرة مظالمه، فتمكن من الاستلاء
ألستم أخذتم دار ملككم التي من أشرط فتحها وذا فى العلائم
(أبوراس الناصر، ص. 45)
  • 4 محمد بن عبد المؤمن، قاضي الحنفية بالجزائر على عهد الداي محمد بكداش وصاحب كتاب التحفة المرضية في أخب
ودعا قاضي الجزائر محمد بن عبد المؤمن الداي محمد بكداش قائلا (أبوراس الناصر، ص. 45 46 -) :
نادتك وهران فلب نداها وانزل بها لا تقصدن سواها
وقد سبقه الشيخ محمد القوجبلي من علماء القرن 17 سنة 1656 م حين خاطب الباشا أحمد خوجة قائلا (أبوراس الناصر، ص. 46).

وبغربنا وهران ضرس مؤلم سهل اقتناع في اعتناء سرور
فانهض بعزمك نحوها مستندا بالله في جد و في تشمير
هكذا تكررت دعوات النخبة الدينية، لا لأن الجهاد واجب ديني فقط بل لأن البلاد – والعباد- صارت مهددة في وجودها.

19تسبب الوجود الإسباني في وهران بأضرار وخيمة منذ القرن السادس عشر إلى مطلع القرن الثامن عشر. و لم تتوقف الغارات العسكرية على الأهالي وامتدت إلى محيط وهران والأقاليم البعيدة مثل غريس ومستغانم وتلمسان إلى جبال ندرومة. فقد دأب الجيش الإسباني على شن الهجمات العسكرية تلو الأخرى. و كان غرضه نهب الأموال وسبي النساء و الأطفال وقتل الرجال إلى درجة إبادة قبائل بكاملها، فقد كان يباغت الأهالي في قراهم ليلا ونهارا بفضل جواسيس كانوا يراقبون حركات تنقل التجمعات السكانية ويرصدون مواقعها، ويتم له ذلك دون أن يجد مقاومة تمنعه من الفساد. إلى ذلك يشير أبوراس قائلا : "وكان طاغية النصارى يشن الغارات على المسلمين إلى أن دخل في طاعته فرق من بني عامر وغمرة. وتعددت غزواته على الأقربين والأبعدين" (أبوراس الناصر، ص. 71).

  • 5 تقع عين الترك على بعد 16 كيلومترا غربي وهران.
  • 6 تبعد هبرة عن وهران ب 72 كلم . وتقع غريس بإقليم معسكر، أما وادي التاغية فتقع قريته على مسافة 50 كم ج
20تحولت أحواز وهران إلى "دار البارود" بعد أن كانت تلقب ببساتين وهران، "لأن الحامية الإسبانية أرادت تأمين المدينة. فاضطرت قبائل كاملة إلى هجرة أراضيها. فقرية "عين الترك" تكرّرت هجمات الإسبان عليها إلى "أن استأصلوا سكانها وهرب الجل الباقي" فصارت خرابا (أبوراس الناصر، ص. 126) . أما قرية سيرات من عمالة مستغانم وملاتة من عمالة عين تموشنت "فأصبحتا من جملة بلاده يتردد بهما في ليله ونهاره"، وتكررت غزواته على هبرة من إقليم المحمدية الحالية. والحرب بينهم وبينه سجال إلى أن تلاشوا واضمحلوا " (أبوراس الناصر، ص. 44) .
21ومن الأقاليم التي عانت من ويلات الغزوات الإسبانية "بنو شقران" برمال عين الفرس الشرقية، فأثخن فيهم إثخانا عظيما وسبيا." و"امتدت غاراته على غريس ووادي التاغية، فقتل الرجال وسبى النساء والأطفال واستولى على الزرع والماشية." (أبوراس الناصر، ص. 45).

22يؤكد الباحث تركي حساين الذي درس الوثائق الرسمية الإسبانية بمدريد على النتائج الوخيمة التي ترتبت عن احتلال وهران :"أفضى العدوان الإسباني على المرسى الكبير ووهران إلى خسائر بشرية فادحة وتهجير واسع لساكنتها نحو المدن الأخرى والأرياف وإلى زوال أنشطتها الحرفية والتجارية"، ثم يوضح : " لقد جهَّز حكام وهران الأوائل جيشا ضخما كان يشن الغارات على الإقليم لتوسيع مناطق نفوذهم في البلاد وللنهب والسلب، وخلال القرن السابع عشر وصلت هذه الهجمات العسكرية إلى ذروتها، إلى درجة أن المدينة كانت تعيش حصرا على تجارة الأسرى والغنائم، فقد بالغ الجيش الإسباني في استعمال القوة المفرطة ضد السكان العزّل .. وقد قارن حاكم وهران العسكري : فاليخو (1734-1738) هذه الغارات بغارات التتار على أوربا" (تركي حساين، 2004).

23تقلصت الساكنة بفعل الحروب والغارات، فهجوم الإسبان على وهران سنة 1509 أودى بحياة 4000 نسمة، وأسر أعدادِ كبيرة من الأهالي : 8000 حسب المصادر(المدني، ص. 111-112 و Julien p. 252و De Grammont p. 13) ، وأبيدت قبائل بكاملها، وتحولت الأراضي الزراعية الشاسعة إلى أراضِ بور ترعى فيها الماشية، وتدهورت المبادلات التجارية، وانهارت الحرف والصنائع. فأصبحت مجرد قلعة تحيط بها أسوار وتعاني من الجوع قبل العدو. أما المرسى الكبير فقد كان قبل احتلاله سنة 1505 - حسب الرحالة مارمول- أحسن مرفأ في شمال إفريقيا غير أن تجارته مع المدن الإيطالية توقفت بفعل الاحتلال الإسبانيّ، كما انقطعت مبادلاته مع الأرياف المجاورة. ويشير الرحالة نفسه إلى سهل البطحاء الخصب الذي هجره سكانه ورفضوا غراسته خوفا من اعتداءات الإسبان المتكررة.

24كانت إرادة الأوروبيين ثابثة تسعى إلى احتكار التجارة البحرية، وهذا ما تم للإسبان في النهاية بعدما خربوا موانئ المغرب. إنها فترة بئيسة من الانحطاط والتفكك والتقهقر، انهارت فيها مدينتا مستغانم ومزغران، "لأن صنّاعها مياسير، لكن سقوط وهران في يد الإسبان قد أثر على صناعتها إذ كان أهلها يبيعون ما ينتجون في أسواقها، كذلك كان حال مستغانم القريبة منها التي اشتهرت بالمنسوجات، فقد اختلت صناعتها عند احتلال وهران" (ليون الإفريقي، ص. 88).

25تضررت الحياة الاقتصادية بإقليم تسالة وحصنه، فانتقل السكان إلى الجبال المجاورة له، مما جعل الرحالة الإسباني مارمول كرفخال يعلق على هذا الأمر قائلا" : "المسلمون لا يجراون على تعمير هذا الحصن خوفا من المسيحيين"(حساني، ص. 155). وتعرض إقليم ندرومة إلى التخريب بسبب هجمات الأسطول الإسباني على سواحله. يستعرض صاحب كتاب وصف إفريقيا الحالة البائسة التي وصلت إليها هنين-ميناء تلمسان- حين زارها، فيقول : "تألمت كثيرا للحالة التي صارت عليها المدينة بعد أن خربها أسطول شارل الخامس سنة 1531، وحتّى الفواكه التي كانت ببساتينها تسقط في الأرض ولم تجد من يقطفها"، لأن ساكنتها غادرتها إلى جبال ترارة المجاورة. أما قرية الكرط القريبة من معسكر فغادرتها ساكنتها الفلاحية والتجأت إلى جبال كسانة شرقي غريس وحلّ قسم منها بمضارب مغراوة ووادي فروحة" (حساني، ص. 16).

  • 7 الجامعي، عبد الرحمان. فتح وهران ورقة 45 : مخطوط رقم 2521 م.و.ج.
26ويقدم الجامعي -شارح أرجوزة الحلفاوي- شهادته عن انقطاع المبادلات التجارية في إقليم تلمسان قائلا : "تعطلت حركة المبادلات بين المدن والأرياف وكانت الركاب العظيمة تعجز عن قطع المفازة البعيدة خوفا من النصارى ومن انضم إليهم" . ويضيف عن الحالة العامة ببايلك الغرب : "كثرت على المسلمين غاراته واشتدت شوكته . فلا يزال الطاغية يدس لهم الجواسيس والطلائع المعروفين بالمغاطيس حتى يرصدوهم له في الأمكنة التي يستطيع الإغارة عليهم، فيصدهم هناك بخيله ورجله، فيقتل المقاتلة ويسبي الذرية وينهب الأموال ويأسر النساء والرجال. فما زال كذلك حتى خافته المدن فضلا عن القرى" (الجامعي، ورقة 45
 
27انفلت الأمن وانقطعت السبل وانزوت الجبال عن نفسها، فانتشرت اللصوصية وتحولت إلى حرابة منظمة؛ فإقليم أنجاد الذي كان خاضعا للدولة الزيانية "أصبح مأوى لصوص من الأعراب على استعداد دائم ليفتكوا بالمارّين بالطريق المؤدية من تلمسان إلى فاس. وقلّما ينجو التجار من سطوهم ولاسيما في فصل الشتاء" (ليون الإفريقي، ص. 26).

28ولم تكن اللصوصية شائعة في الأسواق والطرقات بل تحولت إلى حرابة يكتسب أصحابها منها أموالا طائلة، وامتدت إلى أعراض الناس في القرى والبوادي. فالمزيلي يمتعض من الحالة التي آلت إليها ناحية غريس قائلا : فانتشرت الفوضى في إقليم غريس بسبب أعمال عصابة من ذوي الضلال، شأنهم سفك الدماء وهتك الحرام وسلب الأموال.

29ويرسم محمد بن سليمان التلمساني في كتابه "كعبة الطائفين" لوحة قاتمة عن إقليم تلمسان قائلا :"لا نجد نحن من هذا القرن الحادي عشر إلا العقارب و اللفاع والشقاق والنزاع وظهور الهمج والرعاع الموثورين سبل الشر والابتداع، ومالنا من دفع ما نزل بنا قدرة ولا قوة لنا على التحول من أهل هذا الحال ولا طول" (سعد الله ص. 138).

  • 8 الجامعي، عبد الرحمان. مخطوط فتح وهران رقم 2521 م.و.ج : مصطفى الرماصي فقيه وعالم له الحاشية على مختص
30إنها صورة مجتمع قد استنبط الخوف من الحاضر بسبب عجز النخب عن رفع التحدّيات والاستجابة لرهانات الحاضر. وعن حالة الذعر الذي أصاب المجتمع قبل الفتح الأول لوهران سنة 1708. يقول الجامعي "قبل عهد بكداش، كان الناس مروعين لا يهدأون ولا ينامون ولا يتلذذون بنوم وغيره لشدة خوفهم من عدوهم. فالنوم يكون عادة مع الأمان وفراغ القلب من الأحزان". وفي ضاحية تلمسان "أخبر المرابط، الخير أبو الحسن على أبو الحسون العبدلّي أنهم كانوا لا يهنأ لهم في بلدهم منام إلا إذا جعلوا من يحرسهم ومهما ينم أحد تجده يهذي بإغارة النصارى عليهم ويصرخ في نومه من شدّة خوفهم" . وفي إقليم القلعة، انتشر اليأس وعمّ الذعر ونشأت أزمة نفسانية اتخذت بالضرورة لونا غريبا سنشرحه.
31يقول الجامعي على لسان الفقيه الرماصي، مستعظما حالة الذعر التي أصابت قلوب الساكنة : "كنت وفدت عقب الفتح (أي سنة 1708) على العلامة سيدي مصطفى القلعي الرماصي، فوجدته يسكن بأهله بيوت الشعر قرب غابة في رأس جبل يأوي إليه ليلا ويظل نهارا في داره ومسجده، فسألته عن ذلك، فقال لي : كنا على هذه الحالة على عهد النصارى خوفا منهم لأننا كنا لا نأمن منهم في الدور من أن يصكونا ليلا" (يداهمونا ليلا). ويضيف قائلا : "فانظر إلى أين بلغ بالمسلمين خوف أولئك الطواغيت، فلا يعرف حلاوة الأمان إلا من ذاق مرارة الخوف".

32إضافة إلى ذلك فقد رضخت الساكنة إلى أشكال من المذلة والإهانة لم يعهدها المسلمون من قبل أي تولية اليهود عليهم وقد عبر الجامعي عن ذلك قائلا "ولما ملكوا وهران أنزلوا اليهودي بهذا البرج (برج زهوة) وفوضوا له التصرف في الخرجات البرية والبحرية وتوارثها عنه بنوه من سنة تسع مئة وخمس عشرة إلى ثمانين . فكان يخرج العامل اليهودي من المرسى الكبير إلى مضارب بني عامر في زي الملوك بخدم من أسارى المسلمين . فيحكم بين أهل المسلمين في شكاياتهم ويأمر وينهى ويفصل ويقتل ويضرب . حاصله يتصرف كيف شاء وهذا أكبر المصائب وأفضح المعايب" (أبوراس الناصر ، ص 69).

33يتأسّف أبو محلى للحالة التي آل إليها المغرب في عصره بسبب الخطر الأجنبي وعجز الأمراء على ردعه قائلا : "وقد طال ليل الكرب، وفاض دمع الأسف، تعطلت قلائد الشكر واسودّ وجه الزمان وعمّ البلاء الأركان ولا مغيث يرجوه الغريق، ولا حيلة لأحد من الخلق مع ما أنزل بهم من البؤس" فيرد عليه أبوراس بنفس النبرة "فاتصلت علينا أواصر النكبات والبليات من الخوف والجوع والروع الذي في الفؤاد مودوع" (نقلا عن مقدمة الثغر الجماني ص 46). وتأثرت الحياة الثقافية بما أحدثته الغارات الإسبانية المتكررة من انعدام الاستقرار في ربوع القطاع الوهراني، فحتى الزوايا والمراكز العلمية الأخرى أصبحت عرضة للغزو. فلما فشل الحصار الذي ضربه الباي شعبان على المدينة قبل مقتله، اشتدت شوكة الإسبان على الأهالي، إذ "غزوا ولي الله سيدي بلاحة بمهاجة القعدة فأخذوا زاويته وقتلوا وسبوا وأسروه هو وبناته"، ثم جاء دور زاوية الشيخ محمد بن يحيى مقري الجن، "فلقوا خيلا من بني عياد أحد بطون الحشم، فتحاربوا واستشهد منهم العروسي، وأخذوا رأسه، وانقلبوا إلى وهران" (ابن سحنون، ص. 59-60).
 

42خلال عام 1708 استغل الداي محمد بكداش الحرب الأروبية حول عرش إسبانيا، حيث كان ملك فرنسا لويس الرابع عشر يواجه تحالف باقي ملوك أوربا، فأرسل أسطولا حربيا بقيادة صهره حسن أوزن لإحكام الحصار البحري على وهران، ثم طلب من الباي مصطفى بوشلاغم بتطويق القاعدة الإسبانية برّا.
43توجت الحملة بالنصر وخرجت الفرق الإسبانية من القاعدتين، وفور جلائها، نقل الباي عاصمته إلى وهران، فأعاد تعميرها بعد نزوح الجالية المسيحية عنها وأقام المساجد وزيّن ساحتها العامة بالأقواس، فانتعشت الحرف والصنائع وازدهرت التجارة وعادت العلاقة بين المدينة وريفها إلى ما كانت عليه من قبل. وتحول ميناؤها إلى أكبر قاعدة تجارية بعد الجزائر العاصمة. عاد الأمن والاستقرار من جديد إلى المنطقة وعادت الساكنة إلى نشاطاتها السابقة دون خوف على الأرزاق والأرواح فانقشع ليل الغارات القاتلة لكن لمدّة قصيرة.
  • 12 حسب الرواية الإسبانية .
44في سنة 1732، اعتلى عرش إسبانيا فليب الخامس من أسرة بوربون الفرنسية، فكان عليه أن يمسح عار الهزيمة (تركي حساين، ص.197-222) فجهز حملة عسكرية ضخمة استعاد بها المدينة ومرساها رغم أن الخسائر البشرية كانت ثقيلة من الجانبين.
45تركت الهزيمة أثرا عميقا في الوعي الجمعي، إذ عادت الغارات الإسبانية العنيفة على الإقليم وتوالت الهجمات القاتلة على ساكنته. إلا أن ميزان القوى العسكرية بدأ يتغير لصالح السلطة والجماعات السكانية؛ ففي نوفمبر 1732، تصدت قوات الباي بوشلاغم لهجوم إسباني وكبدته خسائر فادحة (800 قتيل و1500 جريح) وفي جوان 1733، أسفرت المواجهات العسكرية على مقتل 800 جندي إسباني وإقالة الحاكم العسكري لوهران (تركي حساين، 2004).
46وأعلنت القبائل النفير ودعت النخب الدينية إلى الجهاد وقرر البايات إحكام الحصار الاقتصادي على القاعدتين، فمنعوا السكان المجاورين من تموينهما وبثوا العيون والجواسيس لترقب حركات العدو.

47استمرت المناوشات وتجددت المعارك وأثمرت سياسة الحصار الاقتصادي، فامتنعت كرشتال وكنستال عن التعامل مع الحامية الإسبانية. أحكم الباي ابراهيم مند 1775 الحصار وواصله خليفته الباي خليل الذي تمكن في أكتوبر 1777 من الزحف على الحصون الإسبانية وراح يستفز الجيش الإسباني للمعركة. وفي سبتمبر 1780، قام محمد بن عثمان بتخريب المسالك المائية التي تمون المدينة.
48عندئذ اشتدت الضائقة الاقتصادية على الحامية الإسبانية واختلت المواصلات بينها وبين إسبانيا. فعانت الأمرّين وانهارت معنويات الجنود، فلجأ بعضهم إلى الهروب عبر السفن القادمة من الموانئ الإسبانية واستسلم بعضهم للمسلمين(تركي حساين، 2004). يؤكد محمد الميلي : "بلغت تكاليف احتلال هاتين المدينتين 4 ملايين ريال وألف قتيل في كل سنة" (الميلي، 1964، ص. 239 و De Grammont p. 343).
49تغيّر ميزان القوى بوضوح حين فرض الباي الجديد محمد الكبير حصارا طويلا على وهران بدأه سنة 1785 حسب المصادر المحلية. فتوقفت الغارات الإسبانية على السكان وانتقل الخوف، هذه المرّة، إلى الجانب الإسباني فقد توقف التموين وقلّ الغذاء والماء في المدينة، فعانت الجالية الإسبانية من ويلات الجوع في انتظار وصول الإمدادات من إسبانيا.
 
موضوع جميل بس ياليت مرفق معه خرائط وصور حتى نستوعب التوسعات الجغرافية لاننا في المشرق العربي بعيدين ولا نعرف المنطقة.
 
تزوير التاريخ للداخل : ينفع ربما
تزوير التاريخ للخارج : غباء يمشي على رجليه
 
ذكرني الموضوع بطريقة نشر المواضع في احدى المنتدايات
يفضل لو تم تلخيص الموضوع و دعمه بالخرائط و الصوار ، اما نسخه من مصدره كما هو فلا معنى له

 
ذكرني الموضوع بطريقة نشر المواضع في احدى المنتدايات
يفضل لو تم تلخيص الموضوع و دعمه بالخرائط و الصوار ، اما نسخه من مصدره كما هو فلا معنى له

صحيح كان عليه قراءة الموضوع وتلخيصه بطريقته لا أحد لديه الوقت لتضييعه في هذه التفاهات
 

حررتها تكتونية الصفائح و دخلها الاتراك بعد قرار ملك إسبانيا اخلاءها بعد دمارها من الزلزال.. قالك حررناها هههههه من انتم؟؟ و ما دخلكم؟؟
زلزال اتت به الطبيعة و انسحاب امر به الاسبان من مدينة مدمرة و انكشارية اتراك دخلوها من بعد... محتل اخذها من محتل بعد ضربها بزلزال، اين انتم من كل هذا...

موضوع كوميدي من صديقنا المهرج والاس الكازاخي.. وااصل ابداعاتك
 
عودة
أعلى