استراتيجيا استهدافها تعود إلى القرون الوسطى
إن استراتيجيا حرب المدن فكرة ممتدة عبر التاريخ ولعلها ترجع إلى القرون الوسطى وما قبلها حينما كان يتم دك الحصون والتجمعات السكانية باستخدام أساليب قذف تقليدية ويبدو أنها تبلورت وظهرت بوضوح خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، فقد سعى قائد ألمانيا النازية هتلر لتطبيقها، إلى إخضاع الجزر البريطانية عبر غارات جوية متواصلة ومدمرة على مدينة لندن.
وبعد اكتشاف وتجربة القنبلة الذرية التي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما وناغازاكي في العام1945 وعجلت باستسلام اليابان ثم نجاح الاتحاد السوفييتي في تفجير أول قنبلة ذرية في سبتمبر 1949 وتلاها ظهور القنابل الهيدروجينية، حدثت تغييرات في الاستراتيجيات التي تبنتها كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق بالنسبة لاستهداف المدن الرئيسية.
1. استراتيجيا استهداف المدن
حينما تنشب الحروب النووية فإن إيقاف توالي الأحداث يكون مستحيلا بل يتطور الصراع إلى دمار متبادل فالمدن لا يمكن تحصينها وتبقى دائما أهدافا سهلة لأنها ليست كمواقع الأسلحة التي تكون محمية ومحصنة لتأمين عدم تعرضها للتدمير. ويرى مؤيدو هذه الاستراتيجيا أنها تستند إلى استراتيجيا (نهاية الردع) فكلما ازداد التهديد عنفا ازداد ردعا. ويرون أيضا أنها تعتمد على إمكانية حرب محدودة ومنعها من أن تصبح أكبر شمولا وامتدادا، لأن تدمير المراكز الصناعية الكثيفة السكان والبنى التحتية سيكون كارثة أعظم بالنسبة للدولة التي تبدأ بتوجيه الضربة الأولى على المدن علاوة على إضعاف الروح المعنوية للسكان بشكل كبير ومؤثر ( وهناك من يرى أن الطرف الذي سيبدأ الحرب سيجد دوافع وجيهة لعدم مهاجمة المدن الكبرى في الموجات الأولى للهجوم، بل سيتركها المهاجم للمساومة والمراهنة عليها بالتهديد بتدميرها في محاولة لإرغام الخصم على التفاوض، ولهذا نجد أن الإبقاء على المدن الكبرى قد يصبح ذا جدوى من الناحية الاستراتيجية، مما يؤيد ويدعم الآراء التي ترى معاملة المدن الكبرى كمدن مفتوحة. في العام 1962 أعلن ماكنمار وزير الدفاع الأمريكي الأسبق (استراتيجيا تجنيب المدن) بغية خفض الخسائر من المدنيين إلى أدنى حد في حرب نووية لأن الضربات التي توجه ضد المدن تؤدي إلى قتل عدد هائل من السكان وتدمير معظم المدينة بل وتدمير مدن برمتها، ولكنه تحول تدريجيا خلال توليه المنصب إلى الإقناع بأن سياسة كهذه غير قابلة للتطبيق فعليا لأسباب مادية وعسكرية، فالخسائر في المدنيين تكون كبيرة، كما أنه لا يوجد ما يضمن أن الخصم سيتبع تجنب المدن، بل على العكس قد يختار المراكز الآهلة بالسكان أهدافا مباشرة لضرباته. ثم مالبث أن غيّر الوزير موقفه فتحول إلى سياسة (التعويق الردعي والتدمير الأكيد) وهي القدرة على تدمير مرافق العدو السياسية والعسكرية والصناعية وبنيته التحتية.
ويتم بشكل عام في العصر الحديث تطبيق استراتيجيا مهاجمة المدن باستخدام الأسلحة التقليدية، وتخلف تلك آثاراً ونتائج كارثية على السكان وعلى مقومات المدن ذاتها.
2. استراتيجيا استهداف القوات المضادة
يرى مؤيدو هذه الاستراتيجيا ضرورة الاقتصار على ضرب الأهداف العسكرية النائية المعادية فقط، مع عدم استهداف المدن والمراكز الآهلة بالسكان، حتى لا يلجأ العدو إلى العمل بالمثل فيوجه ضرباته المضادة للمدن ولكن يصعب تطبيق هذه الاستراتيجيا لأن العديد من الأهداف العسكرية يتمركز في مواقع قريبة من المدن مثل المطارات المدنية والمصانع التي تقع على تخوم المدن وتستخدم كمطارات انتشار للطائرات المقاتلة وكمصانع للمجهود الحربي تعمل عند حدوث الطوارئ ويسبب توجيه الهجمات إليها خسائر عالية مادياً وبين المدنيين.
لذا يتطلب تطبيق هذه الاستراتيجيا تحديداً دقيقا لمواقع وتجمعات العدو العسكرية وتوفير معلومات وافية وتفصيلية عن مواقع تمركز الأهداف العسكرية للعدو، حتى لا تحدث أخطاء عكسية في ضربها الأمر الذي يثير الرأي العام العالمي ويضعف من سرعة اتخاذ القرار ، وبذلك تصبح استراتيجيا استهداف القوات المضادة أكثر صعوبة خلال فترة القتال.
3. استراتيجيا مختلطة
تجمع بين استراتيجيا استهداف المدن والمناطق الآهلة بالسكان واستراتيجيا استهداف القوات المضادة ، وذلك بتوجب الضربات ضدها وضد السكان في الوقت نفسه ، مع مراعاة أن تكون الضربة الأولى الاستباقية ساحقة بحيث تقضي على أي احتمال لقيام الخصم بتوجيه ضربة مضادة لاحقة.
4. المدنيون تحت النيران
نتيجة لسيادة وهيمنة المهاجم أصبح السكان المدنيون معرضين للهجوم بشكل غير متوقع ، وكذلك الحال بالنسبة للثروات والمصادر الاقتصادية . ولن يتمكن أي قائد أن يضمن حماية الأفراد والثروات ضد الهجمات النووية المدمرة، وقد ظلت الأسلحة الاستراتيجية النووية لدى الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق لسنوات طويلة من الضخامة بحيث يمكن لكل منهما جعل السكان المدنيين في الدول (رهائن) لدى الدولة الأخرى لكي تضمن عدم حدوث هجوم نووي مدمر ومفاجئ، مما جعل خبراء الاستراتيجيا يعتقدون أن الفضل في تجنب الحروب العالمية يرجع إلى أن علاقة المدنيين المتبادلة بين الدولتين ظلت واقعا ماديا مفروضا ذا أهمية كبرى طيلة أي تغيير رئيسي في السياسة الاستراتيجية.
ونتيجة لهذا الواقع الذي لا بديل عنه – وهو أن مواطني الدولتين معرضون لخطر فادح في حالة وقوع حرب نووية – اتجه الاهتمام إلى ترسيخ العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين الدولتين، وإيجاد خطوط اتصال ساخنة على أعلى المستويات.
5. الإرهاب يضرب المدن
يتخّذ الخوف والهلع من الهجمات الإرهابية ضد المدن أبعاداً بالغة الخطورة منذ بداية التسعينات إلى الآن، وأصبحت المدن مهددة بالأخطار وإثارة الفزع والرعب وإضعاف الروح المعنوية بين السكان ، فالإرهاب المحلي والدولي يركز على إيقاع أكبر عدد من الخسائر ماديا وبشريا بجانب إشاعة الفوضى ، وأصبح قادراً على استخدام منظومات تسليحية وأساليب أكثر تطورا وتعقيدا بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل الكيماوية والحيوية والنووية والإشعاعية، فالمنظمات الإرهابية الدولية قد تنجح في الحصول على ما يعرف (بالقنبلة القذرة) وهي عبارة عن مواد نووية مشعة يمكن وضعها في متفجرات تقليدية، بحيث يؤدي تفجيرها إلى انتشار الإشعاع النووي على مساحات شاسعة ، محدثا أضرارا بشرية ومادية فادحة. أما الأسلحة النووية فهي أخطر أنواع أسلحة الدمار الشامل وأكثرها تأثيرا وفتكا بالبشرية ، وهي متوافرة لمن يريد ، كما أنها سهلة التصنيع ولها أنواع متعددة
ولابد من الإشارة هنا إلى أن الهجمات الإرهابية باتت تتم من خلال عمليات انتحارية مباشرة، ما يصعّب إيقافها أو منعها، وهي فعالة لأنها تستهدف التجمعات المدنية والمراكز الحيوية.
ولا شك أن تاريخ حروب المدن طويل وممتد، ولكننا نسلط الضوء على أهمها وأشدها قسوة في العصر الحديث:
القنابل الذرية على اليابان
في 6 أغسطس 1945 ألقت قاذفة القنابل الأمريكية (بي - 29) أول قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما وألقت القنبلة الثانية بعدها بثلاثة أيام 9 أغسطس على مدينة ناغازاكي اليابانيتين وقتل هذان الانفجاران المروعان ما يزيد على 200 ألف شخص خلال اللحظة الرهيبة،وأديا إلى تشويه 100 ألف آخرين ، علاوة على الدمار الشامل الذي أصاب المدينتين. واستمع اليابانيون لأول مرة إلى الإمبراطور هيروهيتو (1901 - 1989) حينما أعلن استسلام بلاده دون قيد ولا شرط في 15 أغسطس 1945 . وكان ذلك بداية سباق محموم في التسليح النووي وامتد أثر ومعاناة الانفجار النووي، على أجيال أخرى من اليابانيين ولدت بعد القنبلتين بعقود .
وتعمل الحكومة اليابانية سنوياً على تذكير شعبها والعالم بمآسي ومخاطر القنبلة الذرية ونتائجها المدمرة والكبيرة على الأحياء والمنشآت ، وتحديدا على ما عانته مدينتا هيروشيما وناغازاكي.
الحرب الكورية (1950 – 1953 )
في هذه الحرب استخدمت الولايات المتحدة في غاراتها الجوية المواد الحارقة بشكل كبير ضد المناطق الصناعية والمدن، ففي مدينة بيونغ يانغ تم حرق 70 ألف منزل من إجمالي المنازل البالغ عددها 73 ألفاً ، كما تحولت أغلب المناطق الصناعية إلى دمار ، وأحدثت الحرائق في المدن أثراً معنوياً ونفسياً كبيراً طال كل السكان.
الحرب العراقية – الإيرانية ( 1980 – 1988 )
تبادل طرفا النزاع في هذه الحرب الهجوم على المدن، وجرى استخدام موسع للصواريخ العراقية أرض – أرض من نوع (سكود) ضد إيران ، وبدأت الهجمات على المدن في العام 1984، ولكنها لم تستمر لأنه تم التوصل إلى اتفاق على وقف ضرب الأهداف المدنية. ولكن في بدايات 1985 نشبت حرب المدن مرة أخرى بين الدولتين، واستمر تصاعد وتيرة القصف الجوي والصاروخي وأحدث خسائر جسيمة في المناطق المأهولة .
وكانت القيادة العراقية تشن الغارات على المدن الرئيسية الإيرانية في إطار سياسة الاستمرار في تضييق الخناق على النظام الإيراني الحاكم، حتى يضطر إلى الرضوخ وقبول التسوية السلمية الشاملة.
أما القيادة الإيرانية فكانت تطلب من العراق العودة إلى الالتزام باتفاق وقف ضرب الأهداف المدنية الذي تم التوصل إليه عام 1984 ، ولكن العراق كان يرفض الاستجابة لهذا الطلب على أساس أن وقف ضرب الأهداف المدنية لن يكون هدنة تمكن القيادة الإيرانية من التقاط أنفاسها واستئناف هجماتها البرية. ولم تتخل إيران عن شروطها الخاصة بإنهاء الحرب ، وأعلنت أنها على استعداد لبحث وقف جزئي لإطلاق النار يقضي بوقف قصف المدن واستهداف الناقلات النفطية.
واستمرت إيران في رفض مطالب العراق بالوقف الكامل للعمليات العسكرية والتفاوض من أجل بلوغ حل سلمي، وأعلنت أنها ستواصل تطبيق أسلوب ضربة بضربة في مواجهة القصف العراقي للمناطق المدنية.
وفي النهاية وبعد أن حطت الحرب أوزارها كانت النتيجة قتلى ودمار هنا وهناك ، ومعاناة كبيرة للسكان المدنيين والبنية التحتية ، واستنزاف كبير للموارد.
حرب تحرير الكويت
شهدت هذه الحرب استخداماً واسعاً للصواريخ العراقية أرض – أرض ( صواريخ الحسين) وتعرضت المناطق السكنية في بعض المدن للقصف الصاروخي العراقي وبلغ مجموع الصواريخ العراقية التي أطلقت على المملكة العربية السعودية منذ بدء عملية (عاصفة الصحراء) في 17 يناير 1991 نحو 41 صاروخا بالإضافة إلى صاروخ واحد في اتجاه مملكة البحرين ، وآخر في اتجاه دولة قطر.
وتركز الضرب الصاروخي على مدينة الرياض وعلى المنطقة الشرقية في مدينتي الظهران والدمام في السعودية، وكانت جميع الصواريخ التي أطلقت تحمل رؤوساً تقليدية محدودة التدمير وكانت تطلق أثناء الليل في فترات متفاوتة بهدف الإزعاج والتأثير على الروح المعنوية ، وأغلب الخسائر التي حدثت نجمت عن سقوط بقايا الصواريخ. ولعل ذلك ما حدث حينما يسقط الحطام فوق حي سكني مثل سقوط حطام أحد الصواريخ في حرم الجامعة الإسلامية بالرياض مساء يوم 12 فبراير 1991 . وكان الحادث الأعنف الذي نجم عنه خسائر كبيرة وقع يوم 15 فبراير حينما أطلق العراق صاروخا على مدينة الظهران (منطقة الخبر) وسقط الرأس الحربي على مسكن أفراد القوات الأمريكية وتناثرت شظايا الانفجار فوق المباني ونتج عنه مقتل 28 وإصابة 100 فرد.
كما أطلق العراق عدداً من الصواريخ (نحو 37 صاروخا) على إسرائيل ولم تحدث تلك الصواريخ تأثيراً مادياً كبيراً ، وإنما كان لها وقع نفسي كبير لدى السكان.
حرب البلقان
بعد تردد استمر عدة أشهر بدأ حلف شمال الأطلسي (الناتو) مساء 24 مارس 1999 الغارات الجوية المركزة على يوغسلافيا لإجبارها على وقف عمليات الإبادة العرقية الصربية لألبان كوسوفو، وفي سباق مع الزمن لإنقاذ عشرات الآلاف من سكان إقليم كوسوفو من الإبادة العرقية والتشريد، كثف حلف الناتو عملياته العسكرية لإجبار الرئيس اليوغسلافي على الإذعان لمطالب المجتمع الدولي ووضع حد للكارثة الإنسانية الكبيرة بكوسوفو، وقصفت الطائرات ثلاث مدن يوغسلافية رئيسية كبرى من بينها مدينة نيتش بالقنابل والصواريخ ، وكثفت الغارات على إقليم كوسوفو دون مراعاة لاحتمال سقوط ضحايا من المدنيين الألبان والأعراق الأخرى.
وفي 27 إبريل 1999 قررت قمة حلف الأطلسي في واشنطن تصعيد حملتها ضد بلغراد عاصمة يوغسلافيا ، وأعطت الجنرال ويلي كلارك القائد الأعلى لقوات الحلف الضوء الأخضر في مهاجمة المنشآت والأهداف المدنية الحساسة في يوغسلافيا دون الرجوع إلى القادة السياسيين في حلف الأطلسي للحصول على موافقتهم مسبقا على الأهداف المرصودة للهجوم، واشتملت تلك الأهداف الحيوية محطات الطاقة الكهربائية والمياه ومحطات الإذاعة والتلفاز والمنشآت الخاصة بالرئيس اليوغسلافي ومقراته الأمنية.
وتعرضت العاصمة اليوغسلافية بلغراد للهجمات الجوية التي دمرت برجا للإذاعة والتلفاز ، وهو أعلى مبنى وسط بلغراد يوجد فيه مقر الحزب الاشتراكي الحاكم في صربيا، كما أطلق الطيران الصواريخ على بريشتينا عاصمة إقليم كوسوفو ، وعلى الجسور والمطارات وغيرها .
العراق ... مجدداً
وفي العام 2003 هاجمت القوات الأمريكية العراق وقصفت العاصمة العراقية بغداد بآلاف القنابل باستخدام سلاح الطيران والقذائف الموجهة، مما دمر البنية التحتية وتسبب بمقتل مئات العراقيين علاوة على نتائج كارثية أخرى مدمرة.
إن حروب المدن تتواصل عبر التاريخ، ومما لا شك فيه أن لإسرائيل دوراً مميزاً وبارزاً فيها عبر حروبها واعتداءاتها على مدن الدول المحيطة بها نتيجة لعدم احترامها لأي معاهدات أو مواثيق، ولعل من أهمها ما حدث من تدمير لمدينة بيروت عاصمة لبنان وقتل مئات السكان نتيجة لحرب يوليو تموز 2006 التي استخدمت خلالها القوات المعتدية مختلف أنواع أسلحة التدمير، وكماً هائلاً من القنابل العنقودية الممنوعة دولياً.
ومن خلال ما تم طرحه يتضح الآتي:
1. رغم كثافة الخسائر المادية والمعنوية التي تحدث نتيجة تبادل القصف الجوي والصاروخي بالأسلحة التقليدية في حرب المدن، فإن الخبراء في هذا المجال يعتقدون أن تلك الخسائر لا تكفي عادة لدفع الخصم إلى مائدة المفاوضات، طالما أن كلاً من طرفي الحرب لديه المقدرة على الصمود العسكري والمادي والنفسي.
2. يكون وقع تأثير أحداث ونتائج حرب المدن شديداً في وسائل الإعلام والرأي العام وعلى صناع القرار في دول العالم، الأمر الذي ينعكس سلبا أو إيجابا على طرفي صراع حرب المدن.
3. حدوث نزوح وهجرات جماعية كبيرة للسكان من مناطق وبؤر النزاع الملتهبة إلى أماكن أكثر أمنا وبعيدة عن مديات ومواقع الإصابة النارية.
4. في حال نشوب حرب نووية فإن كبح جماحها سوف يكون مستحيلا، وسوف يتطور الصراع سريعا إلى دمار متبادل تتكبد فيه المدن والأهداف الاقتصادية وغيرها خسائر فادحة . ولأن المدن تكون مكشوفة ويصعب تحصينها إذا قورنت بمواقع الأسلحة المحصنة، فإنها سوف تبقى أهدافا يسيرة ومعرضة للهجمات الجوية والصاروخية ، والهجمات الإرهابية أيضاً.
5. شبح الهجمات الإرهابية يثير الهلع في المدن ، وخاصة في حال الإرهاب الحيوي ، فالأسلحة والمواد الحيوية لها آثار خطيرة ومباشرة نتيجة نشرها الأوبئة والأمراض في قطاعات كبيرة من السكان، وما يترتب عليها من إيقاف نشاط الدولة وشلها، كما يؤدي إلى تحطيم وإضعاف الروح المعنوية .
لقد تنامى خطر الإرهاب وأخذت مخاطر الإرهاب النووي والحيوي والكيميائي تتصدر التهديدات الموجهة للمدن، ويمكن معرفة ذلك من خلال ما يحدث في مدن ودول عديدة.
إن استراتيجيا حرب المدن فكرة ممتدة عبر التاريخ ولعلها ترجع إلى القرون الوسطى وما قبلها حينما كان يتم دك الحصون والتجمعات السكانية باستخدام أساليب قذف تقليدية ويبدو أنها تبلورت وظهرت بوضوح خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، فقد سعى قائد ألمانيا النازية هتلر لتطبيقها، إلى إخضاع الجزر البريطانية عبر غارات جوية متواصلة ومدمرة على مدينة لندن.
وبعد اكتشاف وتجربة القنبلة الذرية التي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما وناغازاكي في العام1945 وعجلت باستسلام اليابان ثم نجاح الاتحاد السوفييتي في تفجير أول قنبلة ذرية في سبتمبر 1949 وتلاها ظهور القنابل الهيدروجينية، حدثت تغييرات في الاستراتيجيات التي تبنتها كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق بالنسبة لاستهداف المدن الرئيسية.
1. استراتيجيا استهداف المدن
حينما تنشب الحروب النووية فإن إيقاف توالي الأحداث يكون مستحيلا بل يتطور الصراع إلى دمار متبادل فالمدن لا يمكن تحصينها وتبقى دائما أهدافا سهلة لأنها ليست كمواقع الأسلحة التي تكون محمية ومحصنة لتأمين عدم تعرضها للتدمير. ويرى مؤيدو هذه الاستراتيجيا أنها تستند إلى استراتيجيا (نهاية الردع) فكلما ازداد التهديد عنفا ازداد ردعا. ويرون أيضا أنها تعتمد على إمكانية حرب محدودة ومنعها من أن تصبح أكبر شمولا وامتدادا، لأن تدمير المراكز الصناعية الكثيفة السكان والبنى التحتية سيكون كارثة أعظم بالنسبة للدولة التي تبدأ بتوجيه الضربة الأولى على المدن علاوة على إضعاف الروح المعنوية للسكان بشكل كبير ومؤثر ( وهناك من يرى أن الطرف الذي سيبدأ الحرب سيجد دوافع وجيهة لعدم مهاجمة المدن الكبرى في الموجات الأولى للهجوم، بل سيتركها المهاجم للمساومة والمراهنة عليها بالتهديد بتدميرها في محاولة لإرغام الخصم على التفاوض، ولهذا نجد أن الإبقاء على المدن الكبرى قد يصبح ذا جدوى من الناحية الاستراتيجية، مما يؤيد ويدعم الآراء التي ترى معاملة المدن الكبرى كمدن مفتوحة. في العام 1962 أعلن ماكنمار وزير الدفاع الأمريكي الأسبق (استراتيجيا تجنيب المدن) بغية خفض الخسائر من المدنيين إلى أدنى حد في حرب نووية لأن الضربات التي توجه ضد المدن تؤدي إلى قتل عدد هائل من السكان وتدمير معظم المدينة بل وتدمير مدن برمتها، ولكنه تحول تدريجيا خلال توليه المنصب إلى الإقناع بأن سياسة كهذه غير قابلة للتطبيق فعليا لأسباب مادية وعسكرية، فالخسائر في المدنيين تكون كبيرة، كما أنه لا يوجد ما يضمن أن الخصم سيتبع تجنب المدن، بل على العكس قد يختار المراكز الآهلة بالسكان أهدافا مباشرة لضرباته. ثم مالبث أن غيّر الوزير موقفه فتحول إلى سياسة (التعويق الردعي والتدمير الأكيد) وهي القدرة على تدمير مرافق العدو السياسية والعسكرية والصناعية وبنيته التحتية.
ويتم بشكل عام في العصر الحديث تطبيق استراتيجيا مهاجمة المدن باستخدام الأسلحة التقليدية، وتخلف تلك آثاراً ونتائج كارثية على السكان وعلى مقومات المدن ذاتها.
2. استراتيجيا استهداف القوات المضادة
يرى مؤيدو هذه الاستراتيجيا ضرورة الاقتصار على ضرب الأهداف العسكرية النائية المعادية فقط، مع عدم استهداف المدن والمراكز الآهلة بالسكان، حتى لا يلجأ العدو إلى العمل بالمثل فيوجه ضرباته المضادة للمدن ولكن يصعب تطبيق هذه الاستراتيجيا لأن العديد من الأهداف العسكرية يتمركز في مواقع قريبة من المدن مثل المطارات المدنية والمصانع التي تقع على تخوم المدن وتستخدم كمطارات انتشار للطائرات المقاتلة وكمصانع للمجهود الحربي تعمل عند حدوث الطوارئ ويسبب توجيه الهجمات إليها خسائر عالية مادياً وبين المدنيين.
لذا يتطلب تطبيق هذه الاستراتيجيا تحديداً دقيقا لمواقع وتجمعات العدو العسكرية وتوفير معلومات وافية وتفصيلية عن مواقع تمركز الأهداف العسكرية للعدو، حتى لا تحدث أخطاء عكسية في ضربها الأمر الذي يثير الرأي العام العالمي ويضعف من سرعة اتخاذ القرار ، وبذلك تصبح استراتيجيا استهداف القوات المضادة أكثر صعوبة خلال فترة القتال.
3. استراتيجيا مختلطة
تجمع بين استراتيجيا استهداف المدن والمناطق الآهلة بالسكان واستراتيجيا استهداف القوات المضادة ، وذلك بتوجب الضربات ضدها وضد السكان في الوقت نفسه ، مع مراعاة أن تكون الضربة الأولى الاستباقية ساحقة بحيث تقضي على أي احتمال لقيام الخصم بتوجيه ضربة مضادة لاحقة.
4. المدنيون تحت النيران
نتيجة لسيادة وهيمنة المهاجم أصبح السكان المدنيون معرضين للهجوم بشكل غير متوقع ، وكذلك الحال بالنسبة للثروات والمصادر الاقتصادية . ولن يتمكن أي قائد أن يضمن حماية الأفراد والثروات ضد الهجمات النووية المدمرة، وقد ظلت الأسلحة الاستراتيجية النووية لدى الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق لسنوات طويلة من الضخامة بحيث يمكن لكل منهما جعل السكان المدنيين في الدول (رهائن) لدى الدولة الأخرى لكي تضمن عدم حدوث هجوم نووي مدمر ومفاجئ، مما جعل خبراء الاستراتيجيا يعتقدون أن الفضل في تجنب الحروب العالمية يرجع إلى أن علاقة المدنيين المتبادلة بين الدولتين ظلت واقعا ماديا مفروضا ذا أهمية كبرى طيلة أي تغيير رئيسي في السياسة الاستراتيجية.
ونتيجة لهذا الواقع الذي لا بديل عنه – وهو أن مواطني الدولتين معرضون لخطر فادح في حالة وقوع حرب نووية – اتجه الاهتمام إلى ترسيخ العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين الدولتين، وإيجاد خطوط اتصال ساخنة على أعلى المستويات.
5. الإرهاب يضرب المدن
يتخّذ الخوف والهلع من الهجمات الإرهابية ضد المدن أبعاداً بالغة الخطورة منذ بداية التسعينات إلى الآن، وأصبحت المدن مهددة بالأخطار وإثارة الفزع والرعب وإضعاف الروح المعنوية بين السكان ، فالإرهاب المحلي والدولي يركز على إيقاع أكبر عدد من الخسائر ماديا وبشريا بجانب إشاعة الفوضى ، وأصبح قادراً على استخدام منظومات تسليحية وأساليب أكثر تطورا وتعقيدا بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل الكيماوية والحيوية والنووية والإشعاعية، فالمنظمات الإرهابية الدولية قد تنجح في الحصول على ما يعرف (بالقنبلة القذرة) وهي عبارة عن مواد نووية مشعة يمكن وضعها في متفجرات تقليدية، بحيث يؤدي تفجيرها إلى انتشار الإشعاع النووي على مساحات شاسعة ، محدثا أضرارا بشرية ومادية فادحة. أما الأسلحة النووية فهي أخطر أنواع أسلحة الدمار الشامل وأكثرها تأثيرا وفتكا بالبشرية ، وهي متوافرة لمن يريد ، كما أنها سهلة التصنيع ولها أنواع متعددة
ولابد من الإشارة هنا إلى أن الهجمات الإرهابية باتت تتم من خلال عمليات انتحارية مباشرة، ما يصعّب إيقافها أو منعها، وهي فعالة لأنها تستهدف التجمعات المدنية والمراكز الحيوية.
ولا شك أن تاريخ حروب المدن طويل وممتد، ولكننا نسلط الضوء على أهمها وأشدها قسوة في العصر الحديث:
القنابل الذرية على اليابان
في 6 أغسطس 1945 ألقت قاذفة القنابل الأمريكية (بي - 29) أول قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما وألقت القنبلة الثانية بعدها بثلاثة أيام 9 أغسطس على مدينة ناغازاكي اليابانيتين وقتل هذان الانفجاران المروعان ما يزيد على 200 ألف شخص خلال اللحظة الرهيبة،وأديا إلى تشويه 100 ألف آخرين ، علاوة على الدمار الشامل الذي أصاب المدينتين. واستمع اليابانيون لأول مرة إلى الإمبراطور هيروهيتو (1901 - 1989) حينما أعلن استسلام بلاده دون قيد ولا شرط في 15 أغسطس 1945 . وكان ذلك بداية سباق محموم في التسليح النووي وامتد أثر ومعاناة الانفجار النووي، على أجيال أخرى من اليابانيين ولدت بعد القنبلتين بعقود .
وتعمل الحكومة اليابانية سنوياً على تذكير شعبها والعالم بمآسي ومخاطر القنبلة الذرية ونتائجها المدمرة والكبيرة على الأحياء والمنشآت ، وتحديدا على ما عانته مدينتا هيروشيما وناغازاكي.
الحرب الكورية (1950 – 1953 )
في هذه الحرب استخدمت الولايات المتحدة في غاراتها الجوية المواد الحارقة بشكل كبير ضد المناطق الصناعية والمدن، ففي مدينة بيونغ يانغ تم حرق 70 ألف منزل من إجمالي المنازل البالغ عددها 73 ألفاً ، كما تحولت أغلب المناطق الصناعية إلى دمار ، وأحدثت الحرائق في المدن أثراً معنوياً ونفسياً كبيراً طال كل السكان.
الحرب العراقية – الإيرانية ( 1980 – 1988 )
تبادل طرفا النزاع في هذه الحرب الهجوم على المدن، وجرى استخدام موسع للصواريخ العراقية أرض – أرض من نوع (سكود) ضد إيران ، وبدأت الهجمات على المدن في العام 1984، ولكنها لم تستمر لأنه تم التوصل إلى اتفاق على وقف ضرب الأهداف المدنية. ولكن في بدايات 1985 نشبت حرب المدن مرة أخرى بين الدولتين، واستمر تصاعد وتيرة القصف الجوي والصاروخي وأحدث خسائر جسيمة في المناطق المأهولة .
وكانت القيادة العراقية تشن الغارات على المدن الرئيسية الإيرانية في إطار سياسة الاستمرار في تضييق الخناق على النظام الإيراني الحاكم، حتى يضطر إلى الرضوخ وقبول التسوية السلمية الشاملة.
أما القيادة الإيرانية فكانت تطلب من العراق العودة إلى الالتزام باتفاق وقف ضرب الأهداف المدنية الذي تم التوصل إليه عام 1984 ، ولكن العراق كان يرفض الاستجابة لهذا الطلب على أساس أن وقف ضرب الأهداف المدنية لن يكون هدنة تمكن القيادة الإيرانية من التقاط أنفاسها واستئناف هجماتها البرية. ولم تتخل إيران عن شروطها الخاصة بإنهاء الحرب ، وأعلنت أنها على استعداد لبحث وقف جزئي لإطلاق النار يقضي بوقف قصف المدن واستهداف الناقلات النفطية.
واستمرت إيران في رفض مطالب العراق بالوقف الكامل للعمليات العسكرية والتفاوض من أجل بلوغ حل سلمي، وأعلنت أنها ستواصل تطبيق أسلوب ضربة بضربة في مواجهة القصف العراقي للمناطق المدنية.
وفي النهاية وبعد أن حطت الحرب أوزارها كانت النتيجة قتلى ودمار هنا وهناك ، ومعاناة كبيرة للسكان المدنيين والبنية التحتية ، واستنزاف كبير للموارد.
حرب تحرير الكويت
شهدت هذه الحرب استخداماً واسعاً للصواريخ العراقية أرض – أرض ( صواريخ الحسين) وتعرضت المناطق السكنية في بعض المدن للقصف الصاروخي العراقي وبلغ مجموع الصواريخ العراقية التي أطلقت على المملكة العربية السعودية منذ بدء عملية (عاصفة الصحراء) في 17 يناير 1991 نحو 41 صاروخا بالإضافة إلى صاروخ واحد في اتجاه مملكة البحرين ، وآخر في اتجاه دولة قطر.
وتركز الضرب الصاروخي على مدينة الرياض وعلى المنطقة الشرقية في مدينتي الظهران والدمام في السعودية، وكانت جميع الصواريخ التي أطلقت تحمل رؤوساً تقليدية محدودة التدمير وكانت تطلق أثناء الليل في فترات متفاوتة بهدف الإزعاج والتأثير على الروح المعنوية ، وأغلب الخسائر التي حدثت نجمت عن سقوط بقايا الصواريخ. ولعل ذلك ما حدث حينما يسقط الحطام فوق حي سكني مثل سقوط حطام أحد الصواريخ في حرم الجامعة الإسلامية بالرياض مساء يوم 12 فبراير 1991 . وكان الحادث الأعنف الذي نجم عنه خسائر كبيرة وقع يوم 15 فبراير حينما أطلق العراق صاروخا على مدينة الظهران (منطقة الخبر) وسقط الرأس الحربي على مسكن أفراد القوات الأمريكية وتناثرت شظايا الانفجار فوق المباني ونتج عنه مقتل 28 وإصابة 100 فرد.
كما أطلق العراق عدداً من الصواريخ (نحو 37 صاروخا) على إسرائيل ولم تحدث تلك الصواريخ تأثيراً مادياً كبيراً ، وإنما كان لها وقع نفسي كبير لدى السكان.
حرب البلقان
بعد تردد استمر عدة أشهر بدأ حلف شمال الأطلسي (الناتو) مساء 24 مارس 1999 الغارات الجوية المركزة على يوغسلافيا لإجبارها على وقف عمليات الإبادة العرقية الصربية لألبان كوسوفو، وفي سباق مع الزمن لإنقاذ عشرات الآلاف من سكان إقليم كوسوفو من الإبادة العرقية والتشريد، كثف حلف الناتو عملياته العسكرية لإجبار الرئيس اليوغسلافي على الإذعان لمطالب المجتمع الدولي ووضع حد للكارثة الإنسانية الكبيرة بكوسوفو، وقصفت الطائرات ثلاث مدن يوغسلافية رئيسية كبرى من بينها مدينة نيتش بالقنابل والصواريخ ، وكثفت الغارات على إقليم كوسوفو دون مراعاة لاحتمال سقوط ضحايا من المدنيين الألبان والأعراق الأخرى.
وفي 27 إبريل 1999 قررت قمة حلف الأطلسي في واشنطن تصعيد حملتها ضد بلغراد عاصمة يوغسلافيا ، وأعطت الجنرال ويلي كلارك القائد الأعلى لقوات الحلف الضوء الأخضر في مهاجمة المنشآت والأهداف المدنية الحساسة في يوغسلافيا دون الرجوع إلى القادة السياسيين في حلف الأطلسي للحصول على موافقتهم مسبقا على الأهداف المرصودة للهجوم، واشتملت تلك الأهداف الحيوية محطات الطاقة الكهربائية والمياه ومحطات الإذاعة والتلفاز والمنشآت الخاصة بالرئيس اليوغسلافي ومقراته الأمنية.
وتعرضت العاصمة اليوغسلافية بلغراد للهجمات الجوية التي دمرت برجا للإذاعة والتلفاز ، وهو أعلى مبنى وسط بلغراد يوجد فيه مقر الحزب الاشتراكي الحاكم في صربيا، كما أطلق الطيران الصواريخ على بريشتينا عاصمة إقليم كوسوفو ، وعلى الجسور والمطارات وغيرها .
العراق ... مجدداً
وفي العام 2003 هاجمت القوات الأمريكية العراق وقصفت العاصمة العراقية بغداد بآلاف القنابل باستخدام سلاح الطيران والقذائف الموجهة، مما دمر البنية التحتية وتسبب بمقتل مئات العراقيين علاوة على نتائج كارثية أخرى مدمرة.
إن حروب المدن تتواصل عبر التاريخ، ومما لا شك فيه أن لإسرائيل دوراً مميزاً وبارزاً فيها عبر حروبها واعتداءاتها على مدن الدول المحيطة بها نتيجة لعدم احترامها لأي معاهدات أو مواثيق، ولعل من أهمها ما حدث من تدمير لمدينة بيروت عاصمة لبنان وقتل مئات السكان نتيجة لحرب يوليو تموز 2006 التي استخدمت خلالها القوات المعتدية مختلف أنواع أسلحة التدمير، وكماً هائلاً من القنابل العنقودية الممنوعة دولياً.
ومن خلال ما تم طرحه يتضح الآتي:
1. رغم كثافة الخسائر المادية والمعنوية التي تحدث نتيجة تبادل القصف الجوي والصاروخي بالأسلحة التقليدية في حرب المدن، فإن الخبراء في هذا المجال يعتقدون أن تلك الخسائر لا تكفي عادة لدفع الخصم إلى مائدة المفاوضات، طالما أن كلاً من طرفي الحرب لديه المقدرة على الصمود العسكري والمادي والنفسي.
2. يكون وقع تأثير أحداث ونتائج حرب المدن شديداً في وسائل الإعلام والرأي العام وعلى صناع القرار في دول العالم، الأمر الذي ينعكس سلبا أو إيجابا على طرفي صراع حرب المدن.
3. حدوث نزوح وهجرات جماعية كبيرة للسكان من مناطق وبؤر النزاع الملتهبة إلى أماكن أكثر أمنا وبعيدة عن مديات ومواقع الإصابة النارية.
4. في حال نشوب حرب نووية فإن كبح جماحها سوف يكون مستحيلا، وسوف يتطور الصراع سريعا إلى دمار متبادل تتكبد فيه المدن والأهداف الاقتصادية وغيرها خسائر فادحة . ولأن المدن تكون مكشوفة ويصعب تحصينها إذا قورنت بمواقع الأسلحة المحصنة، فإنها سوف تبقى أهدافا يسيرة ومعرضة للهجمات الجوية والصاروخية ، والهجمات الإرهابية أيضاً.
5. شبح الهجمات الإرهابية يثير الهلع في المدن ، وخاصة في حال الإرهاب الحيوي ، فالأسلحة والمواد الحيوية لها آثار خطيرة ومباشرة نتيجة نشرها الأوبئة والأمراض في قطاعات كبيرة من السكان، وما يترتب عليها من إيقاف نشاط الدولة وشلها، كما يؤدي إلى تحطيم وإضعاف الروح المعنوية .
لقد تنامى خطر الإرهاب وأخذت مخاطر الإرهاب النووي والحيوي والكيميائي تتصدر التهديدات الموجهة للمدن، ويمكن معرفة ذلك من خلال ما يحدث في مدن ودول عديدة.