انتشار السلاح النووي ، خلفية الحرب؟
قليلة هي تحاليل الحرب الأمريكية التي تأخذ بعين الاعتبار عاملا حاسما في العلاقات الدولية وفي «فوضى» العالم الراهن ، ألا وهو نتائج انتشار الأسلحة النووية و الصراع الضاري بين الدول الساعية الى الظفر بمكانتها كقوة جهوية عبر امتلاك السلاح الذري. و لقد صدر في فرنسا كتابان للصحفية دومينيك لورانتز Dominique Lorentz(1)، نقوم هنا بتلخيصهما، و هما يرسمان تاريخا مدهشا لهذا الانتشار، و يوضحان أحداثا و تحالفات تبدو لأول وهلة مستعصية عن الفهم. ومن شأن هذا أن يشكل أحد مفاتيح فهم تفجيرات 11 شتنبر و رهانات الحرب الحالية.
عودة إلى تاريخ جاوية *القنابل
منذ الحرب الكورية، قررت الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفياتي، اللذان لم يستطيعا استخدام قدراتهما على التدمير المتبادل في النزاعات الجهوية ، تسليح بعض الحلفاء. و اختارت الولايات المتحدة الأمريكية فرنسا بمثابة شريك مفضل في القارة الأوربية. و لقد تم وضع برنامج دوكَول De Gaulle، مع المهندسين الإسرائيليين، الذين صمموا القنبلة الأمريكية سنة1945، و باستعمال التكنولوجيا الأمريكية. و كانت تجارب 1960 في الجزائر تجارب فرنسية إسرائيلية، و حدت الولايات المتحدة الأمريكية بفرنسا الى تقاسم دراية الصناعة النووية مع ألمانيا.وتمكن دوكَول من التظاهر بمغادرة منظمة حلف الشمال الأطلسي، و قامت فرنسا بدور المقاول من الباطن لفائدة الولايات المتحدة الأمريكية، بحيث أن كل المحطات النووية التي سوف تبيعها فراماتومFramatome هي بترخيص من ويستينكهاوسwestinghouse،التي تملك%45 من أسهم فراماتوم إلى حدود سنة 1975.
ونهجا معا فيما بعد سياسة تكاثر مستجيبة لمنطق الحرب الباردة:الاحتفاظ في كنف الغرب بقوى متوسطة تسعى الى الحصول على التكنولوجيا النووية من الاتحاد السوفياتي، و موازنة بلد مع جاره بمضاعفة " الردع الجهوي" ، ولكن أيضا منع ارتقاء هذه القوى المتوسطة إلى مكانة القوى الكبرى الخمس بمجلس الأمن .
وبسبب تعذر إعلام الرأي العام بأنه يجري تنظيم نشر السلاح الذري في ربوع الأرض، تم ذلك النشر بشكل سري و عبر مدارات غامضة، وبادعاء بيع محطات نووية لأغراض «مدنية». و منذ سنة1963،سوف يتم ذلك باتجاه أفريقيا الجنوبية، بفضل تعاون بين فرنسا و إسرائيل و ألمانيا. و بعد نزاع الصين والهند حل دور الهند، ثم برازيل المحكومة من العسكر.و في 1971 تقاربت الولايات المتحدة الأمريكية مع الصين فحلت مكان الاتحاد السوفياتي في التعاون النووي مع هذا البلد.
تنظيم البلدان الغربية للانتشار النووي
سنة1976،كان الثنائي فرنسا-المانيا يؤمن نسبة45% من الصادرات النووية، و مع الولايات المتحدة الأمريكية كان الثلاثي يغطي نسبة85%.و بقيت نسبة15% للاتحاد السوفياتي. وهكذا لم يكف عن الارتفاع عدد البلدان المسماة بلدان«العتبة» ،أي تلك القادرة على تطوير سلاح ذري دون القيام بتجارب على ترابها. و في سنة 1991 اعترف تشينيR.Cheney كاتب الدولة الأمريكي في الدفاع بأنه " من الآن إلى نهاية هذا القرن، ستصبح 15 إلى 20 دولة من بلدان العالم الثالث الواقعة حول البحر المتوسط و بالشرق الأوسط و آسيا ، قادرة على إرسال صواريخ بالستية ، و سيتمكن نصفها من امتلاك القنبلة الذرية".وعلاوة على الهند و إسرائيل و باكستان ،المعروف تقدم الاعمال بها، كان المقصود بلدان أفريقيا الجنوبية و الأرجنتين و البرازيل و الكوريتان و العراق و ليبيا ،(تحليل خاطيء) التي "باتت قادرة على صنعها".أما إيران و سوريا و تايوان " فستصبح قريبا قادرة على صنع القنبلة "
لقد أخذ هذا الانتشار مجرى خاصا مع البلدان المنتجة للبترول في الخليج الفارسي.فلا يمكن ان يكون طلبها للتكنولوجيا النووية سوى لأهداف عسكرية وليس لإنتاج الطاقة الكهربائية لكونها مستندة على احتياطات بترولية تضمن لها استقلالا في مجال الطاقة بثمن بخس. و سوف يستثمر الرأسمال العربي الإيراني بكثافة في الاقتصاديات الإمبريالية ويزود تلك البلدان بوسائل تمويل برامج مكلفة جدا. لقد كانت تسعى الى تشكيل كتلتها الجهوية الخاصة، إلى جانب الكتلة السوفياتية و الكتلة الغربية.و لكن جلي أن الدول الكبرى ستبذل قصاراها لمنع تحقق ذلك السيناريو(تم فعل هذا مع العراق)، مستعملة الترغيب تارة و الترهيب تارة اخرى .و جرى الشروع في تطبيق برامج نووية، ثم توقفت أو لم تنفذ بالكامل .كان ذلك أولا باتجاه إران الشاه، الذي قدم بترودولاراته و وسعى الى جعل بلده " القوة العسكرية الخامسة في العالم،ذات منشآت ذرية و" مركز سوق مشتركة للدول المتاخمة للمحيط الهندي " و الى جعل" البترول يباع بثمنه العادل" .في أول الأمر ،لم يقاوم الغربيون عقود التجهيزات والتسليح المذهلة التي أمنتها لهم بترودولارات الشاه. فتم توقيع عقد لتسليم 4 محطات (2 باعها الفرنسيون، و2 باعها الألمان) و دخلت إيران بمستوى نسبة10% في رأسمال الاتحاد المالي أوريديف Eurodif، الذي يؤمن بفرنسا إنتاج اليورانيوم المخصب، بمشاركة إيطالية وإسبانية و بلجيكية. و لإيران الحق في امتلاك نسبة 10% من الإنتاج. و عندما انبثقت الثورة الإيرانية التي أسقطت الشاه، قام الفرنسيون و الأمريكيون بكل ما بوسعهم لمساعدة الخميني: فبصفته إسلاميا سيظل دوما معارضا للاتحاد السوفياتي، و بما هو حليف الغرب سيسحق القوى السياسية و الاجتماعية اليسارية التي قامت بالثورة. وسيشكل ذلك إحدى ثوابت السياسة الأمريكية و السعودية إزاء طالبان : حكم الإسلاميين افضل من أنظمة ذات ميول قومية.و سوف تنقلب إيران الخميني ضد الولايات المتحدة الأمريكية...
الابتزاز الإرهابي لأجل السلاح النووي الإيراني
وفي آخر المطاف تنازلت الولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا.و ابرم ميتران اتفاقية مع إيران في دجنبر 1991،على خلفية تفكك الاتحاد السوفياتي. و توقفت الاعتداءات. و منذئذ انخرط الأوربيون في «حوار بناء» مع إيران، مساندين ما يسمى "المعتدلين" الملتفين حول خاتمي، قصد إعادة إيران إلى اللعبة ، بموافقة الولايات المتحدة الأمريكية، رغم ابقاء هذه على عقوبات شكلية . و تمتلك إيران اليوم عدة مفاعلات نووية، و لها أسهم في أوروديف Eurodif و لها حق الحصول على حصتها من اليورانيوم المخصب. و نتعلم من هذا الحدث أن الدول الكبرى قد تتنازل أمام ابتزاز إرهابي.
إن الدول العظمى، بنظريتها حول الردع قد ضاعفت في الواقع الانتشار النووي، الذي حاولت تنظيمه لكن دون أن تنهيه أبدا. و يعترف جاك اتالي، المكلف بوضع تقريرعن المسألة، في مؤلفه "اقتصاد نهاية العالم" Economie de l’Apocalypse، أن " الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا تجدي نفعا " ، "فعملها تافهومنعدم" ، بل انها" تعمل بالمقلوب كمركز لتعلم الانتشار النووي " .
وفي نفس الوقت، تسعى الدول الكبرى دوما الى الفوز بتفوق تكنولوجي حكر عليها وعلى بعض الحلفاء " الموثوقين " عند الاقتضاء : أسلحة نووية بحجم دقيق للاستعمال بالميدان في النزاعات الجهوية ، وصواريخ و ومضادات للصواريخ ، و تجارب على الحاسوب ليس لغير الولايات المتحدة الأمريكية تحكم بتقنيتها. وجرى الاتفاق في غضون عدة سنوات، بعد انهيار جدار برلين، على تدمير الأسلحة القديمة العابرة للقارات عديمة الجدوى،لاسيما عبر مساعدة روسيا على تقليص ترسانتها ، القادرة على كل حال على تدمير الكرة الأرضية مئات المرات. وبعد ذلك جرى استئناف السباق بشكل ضاري . و قبل تحديث السلاح الذري وجب القيام بجملة تجارب. و اسند هذا الدور سنة1995 إلى شيراك الذي أطلق حملة،.إنها التجارب الفرنسية الأمريكية. وصرح خلف الديغولية القومية " لقد بلغت التجارب التي قمنا منتهى الإتقان ، أؤكد منتهى الإتقان...يمكن أن أقول لكم إن الأمريكيين اندهشوا " .و عقب ذلك، وقعت فرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية اتفاقا ما زال ساريا حول تبادل معطيات التجارب والتمثيل simulation وتغيرات القوة . وبالمقابل تقدم الولايات المتحدة الأمريكية برامج معلوماتية حسابية بالغة القوة . وبعد أن اصبح الطريق سالكا جاء دور الصين بتجارب أخرى. و في سنة1998 انكبت الهند من جديد بمساعدة إسرائيل على ذلك. و بعد أسبوعين،أجرت باكستان تجاربها الأولى.
إيران و باكستان و الهند، "مخزن متفجرات" نووي
كانت فرنسا طرفا أساسيا في البرنامج الباكستاني منذ 1976. وكانت الصين قد باعتها أول محطة نووية ،و وافق ميتران سنة1990، في زيارة لبنزير بوتو، على بيع محطة نووية ثانية، و كذلك على اتفاقية تعاون نووي قيل رسميا كالعادة إنها " ذات أهداف سلمية" . و في نفس الوقت زودت فرنسا الهند بمفاعلين نوويين.و في سنة1994 أبرمت الصين اتفاقية مع إيران وباكستان لتزويدهما بصواريخ. وقد تم تمويل البرنامج الباكستاني بمساعدة العربية السعودية و ماليزيا(لأن باكستان ليست دولة غنية مصدرة للبترول،بل غارقة في الديون).(لكن بتوفر الاراده يتحقق كل شيء) و في ماي 1998 أجرت باكستان أولى تجاربها: " شحنات من 35 كيلوطن،اي ضعف قنبلة هيروشيما، و أربعة شحنات تكتيكيةمركبة على صواريخ صغيرة، يمكن استعمالها في ساحة المعركة في مواجهة تركزات جنود ". وكان تسلحها النووي من مستوى رفيع. وقد جرت التجارب على بضع كيلومترات من الحدود الإيرانية،في بالوتشيستان. وقد أجابت الحكومة المتسائلين عن وجود نية عدوانية تجاه إيران بأنه " تمت استشارة إيران قبل القيام بالتجارب و عرضت مساعدتها لباكستان على مواجهة العقوبات" . وقد أجابت إيران بأن " باكستان هي افضل محاورينا في هذه المنطقة كلها". و استنتجت مؤلفة كتاب " أعمال ذرية ": انه " تواطؤ نووي كامل "
و من بعد ، و رغم الضغوط الغربية، رفضت الهند و باكستان توقيع معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.و حاولت إدارة كلنتون جعل الهند تقبل نزع سلاحها مقابل قيام باكستان بالمثل. و لكن الهند رفضت ما دامت الصين خارج المفاوضات و مستمرة طيلة تلك السنوات في استخدام باكستان بيدقا في اللعبة النووية الكبرى حول الهند. وخلال هذه السنوات أيضا ، بعد التجارب الباكستانية و اعتداءات كينيا و طانزانيا، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تعيد النظر في سياسة دعمها لطالبان.وجرت إطاحة الرئيس الباكستاني الذي بدأ التفكير في توقيع اتفاق منع انتشار السلاح النووي ، وذلك بانقلاب نظمه الجناح الإسلامي الراديكالي في الجيش بقيادة مشرف. وعززت المصالح السرية الباكستانية (ISI)و العسكريون دعمهم لابن لادن، والتزاما بجهادهم وبعد ان صاروا اعداء للولايات المتحدة الامريكية قاموا بمعيتها بتأجيج الحرب في كشمير. وانشؤوا. تنظيم حرب عصابات يقترف اعتداءات العمياء و لا يطالب باستقلال كاشمير بل بضم كاشمير الهندية الى باكستان.
نجد هنا اذن جزءا من تفسير انقلاب حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية هؤلاء القدامى على سيدهم.
ان " نظاما عالميا " ما كانت الولايات المتحدة و الاتحاد السوفياتي جمدتاه خلال الحرب الباردة قد زال نهائيا سلبيا كان الأمر او إيجابيا . ولم تعد الولايات المتحدة الأمريكية قادرة وحدها على مراقبة كل شيء،لاسيما الطموحات الجهوية لهذه القوى "المزودة بالنووي " أو المتطلعة اليه . انها بحاجة بوجه خاص إلى إعادة التفاوض مع روسيا والصين حول اتفاق يالتاYalta جديد.
حرب حبلى بالرهانات و الأخطار النووية
رغم ان أحداث 11شتنبر،لم تكن ابتزازا نوويا كما كانت الاعتداءات الإيرانية، فإن مسائل نووية كثيرة توجد في خلفية الحرب الحالية.اذ شهدت الأسابيع التي تلت أحداث 11سبتمبر استعادة اللعبة النووية لحقوقها:
- اشتد الجدل منذ شهور حول مشروع الدرع المضاد للصواريخ العزيز على بوش ، وذلك بوجه خاص مع الصين، التي كانت تزود باكستان بالصواريخ.و قبل 11سبتمبر كانت الهند مؤيدة لـ" مشروع الدرع " هذا ، وكذلك إسرائيل. و كانت فرنسا قد تركت جانبا أحكامها المسبقة. فهل تستدعي إعادة بناء التحالفات،الإبقاء على هذا الدرع أو تعديله و تغيير البلدان المستفيدة ؟ بات هذا موضوع المفاوضات الراهنة: ففي فاتح نونبر تباحث رئيس الديبلوماسية الروسية في واشنطن حول " أفغانستان و تقليص الأسلحة النووية والدفاع المضاد للصواريخ " . و صرحت كوندوليزا رايس عن الولايات المتحدة الأمريكية قائلة :" إننا نقوم بتقدم مستمر " .
- و لضم إيران الى التحالف وجبت الاستجابة لمطالبها . هكذا أبرمت روسيا مع إيران في نهاية شتنبر اتفاقية حول تسليم ما قيمته 300 مليون دولار من الأسلحة(صواريخ، طائرات)و محطة نووية ثانية. وأصبحت روسيا التي توجد من الآن فصاعدا في معسكر "الطيبين" وارث مساعدة إيران، و هذا كله بموافقة الولايات المتحدة الأمريكية ما في الامر شك. وقامت روسيا بإتمام بناء محطة بوشهر Bushehr في إيران المجهزة بتكنولوجيا من صنع أمريكي، والتي بدأها الفرنسيون إبان سنوات 1970، و واصلتها ألمانيا الشرقية RFA، ثم الأرجنتين وبعدها الصين. هذا هو الثمن الذي دفعته الدول الكبرى للحصول على تعاون إيران، و إبعادها من تعاون نووي مع باكستان و العربية السعودية، ثم محاولة دمجها و والتحكم بها و تفادي انزلاقها الى عداوة خطيرة. و في أكتوبر 2001 انعقد اجتماع مذهل لمسؤولي المصالح السرية الأمريكية و التركية و الإيرانية، مبرزا أن تحالفا جديدا هو في طور التأسيس. و ثمة علامة إضافية هي قبول منظمة الأمم المتحدة في أكتوبر لسوريا عضوا غير دائم في مجلس الأمن، منتقلة بذلك من وضع " دولة مارقة" إلى دولة محترمة عضو بالمجلس.
- قام كولن باول في نهاية أكتوبر بجولة في باكستان ثم في الهند، و تلتها الصين لحضور قمة آسيا –أوقيانيا. ولا شك أن متابعة خطواته يدل على المشاكل المستدعية لتسوية عاجلة. لقد ضمن باول أولا للعسكريين أن القنبلة الذرية الباكستانية غير مستهدفة. و في الأسبوع الذي تلى اعتداءات 11 سبتمبر، رفعت الولايات المتحدة الأمريكية العقوبات التي اتخذتها ضد باكستان على إثر التجارب النووية لسنة 1998 و أعادت جدولة ملايين الدولارات من ديون باكستان( المبرمة لاجل نفقاتها العسكرية و النووية): وهذا ما يكفي لشراء موافقة العسكريين الحاكمين على التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية. وتفكر هذه الأخيرة في أمر إعادة ترخيص تزويد باكستان بالأسلحة . و في الأيام التالية لقصف أفغانستان ، قام مشرف بعزل أهم جنرالاته و رئيس مخابراته، ثم اتصل بالوزير الأول الهندي معتذرا عن الاعتداءات في كاشمير قبل أسبوع ،و أعاد فتحالحوار.
كيف يمكن استعادة التحكم بهذا البلد المرشح للوقوع بين أيدي جناح سلفي ديني من الجيش متمسك بكل قواه برنامجه النووي، و ومساند لطالبان وبن لادن و مؤجج مع هؤلاء للحرب في كاشمير ؟ لا شك ان هذا هو صلب هذه الحرب . العملية محفوفة بالمخاطر،و المخرج غير مضمون. و كما يقول فاروق طارق سكرتير حزب العمال الباكستاني :" دخلت الهند وباكستان في حرب بكارجيل Kargil(كاشمير الهندية) في نهاية 1998،أي بعد التجارب النووية..لقد عرض امتلاك هاتين الطبقتين الحاكمتين للأسلحة النووية أمن الكرة الأرضية للخطر. و في كلا المعسكرانتوجد قوى دينية سلفية بالغة القوة إن وضعت ذات يوم يدها على هذه الأسلحة فسنكون ازاء وضع مقلق للغاية وغير مسبوق" (2).
كلما تزعزعت باكستان ، غدا انقلاب عسكري ضد مشرف واردا. و لدعمه يتعين على الولايات المتحدة الأمريكية قبول حد أدنى من شروط النظام التي أكدها ثانية في خطابه الى الأمة: "الانتعاش الاقتصادي، و مصالحنا الإستراتيجية النووية و صواريخنا، و القضية الكشميرية " . و لكن جرى يوم 2 نونبر اعتقال 3 من مسؤولي البرنامج النووي الباكستاني بسبب تعاونهم مع طالبان. و كانت صحيفة نيو يوركر قد كشفت إنه في حال إفلات الوضع ستقوم فرق كوماندو تابعة للاستخبارات الأمريكيةCIA، بتعاون مع وحدة إسرائيلية خاصة ، بعملية استيلاء على 30 رأس نووي باكستاني.أما الجارة الهندية فإنها " تتأهب لكل حادث محتمل "
و أخيرا، ومنذ أن وسعت اعتداءات المركز العالمي التجاري نطاق الممكن، باتت أعمال إرهابية مستعملة للنووي تهديدا حقيقيا يتعذر على الحكومات تجاهله.وقد تتيح تجارة مواد نووية أن تسمح لإرهابيين، أو لدول هامشية حتى دون صنع قنبلة، نثر نفايات نووية في اعتداءات كلاسيكية. و بات معروفا أن ضرب محطة نووية بطائرة عادية سيؤدي الى ما يعادل كارثة تشرنوبيل. وكشأن الولايات المتحدة الأمريكية، اضطرت الحكومة الفرنسية الى نشر صواريخ أرض جو في لاهاكـ Hague و حول عدة مواقع نووية،معترفة بذلك بأخطار صناعتها النووية المفرطة. وقد أعلن بن لادن،في 8 دجنبرأن " بإمكاننا الرد بأسلحة نووية و كيميائية " . و من جهتها قامت الولايات المتحدة بتصعيد الضغط لاسماع أن بإمكانها عند الاقتضاء استعمال Mininuke " وهي قنبلة مصممة بحجم صغير تطلقها قاذفتهاB2،ضد الغرف المحصنة تحت الأرض. قد يكون هذا دعاية "رادعة " من الجانيين، و لكن احتمال انزلاق نووي لم يسبق أبدا ان بلغ هذا المستوى من القوة .
لقد لعبت القوى الإمبريالية طيلة خمسين عاما دور مطلق الجن بالسلاح النووي. وستتصرف كعادتها ليس بوقف الانتشار بل بتقوية حلقة من الدول المأمول ان تكون "حليفا" و بالتدخل عسكريا حيث يبدو الوضع منفلتا منها.
إن النضال من أجل نزع السلاح النووي في جميع البلدان و النضال للتخلي عن الاستعمال المدني للنووي مسائل حيوية لمستقبل الإنسانية، و ينبغي دمجها ضمن أهداف الحركات المناضلة ضد حروب بداية القرن الواحد و العشرين هذه.
المصدر http://maroc.attac.org/jooomla/index.php?option=com_content&task=view&id=386&Itemid=123
قليلة هي تحاليل الحرب الأمريكية التي تأخذ بعين الاعتبار عاملا حاسما في العلاقات الدولية وفي «فوضى» العالم الراهن ، ألا وهو نتائج انتشار الأسلحة النووية و الصراع الضاري بين الدول الساعية الى الظفر بمكانتها كقوة جهوية عبر امتلاك السلاح الذري. و لقد صدر في فرنسا كتابان للصحفية دومينيك لورانتز Dominique Lorentz(1)، نقوم هنا بتلخيصهما، و هما يرسمان تاريخا مدهشا لهذا الانتشار، و يوضحان أحداثا و تحالفات تبدو لأول وهلة مستعصية عن الفهم. ومن شأن هذا أن يشكل أحد مفاتيح فهم تفجيرات 11 شتنبر و رهانات الحرب الحالية.
عودة إلى تاريخ جاوية *القنابل
منذ الحرب الكورية، قررت الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفياتي، اللذان لم يستطيعا استخدام قدراتهما على التدمير المتبادل في النزاعات الجهوية ، تسليح بعض الحلفاء. و اختارت الولايات المتحدة الأمريكية فرنسا بمثابة شريك مفضل في القارة الأوربية. و لقد تم وضع برنامج دوكَول De Gaulle، مع المهندسين الإسرائيليين، الذين صمموا القنبلة الأمريكية سنة1945، و باستعمال التكنولوجيا الأمريكية. و كانت تجارب 1960 في الجزائر تجارب فرنسية إسرائيلية، و حدت الولايات المتحدة الأمريكية بفرنسا الى تقاسم دراية الصناعة النووية مع ألمانيا.وتمكن دوكَول من التظاهر بمغادرة منظمة حلف الشمال الأطلسي، و قامت فرنسا بدور المقاول من الباطن لفائدة الولايات المتحدة الأمريكية، بحيث أن كل المحطات النووية التي سوف تبيعها فراماتومFramatome هي بترخيص من ويستينكهاوسwestinghouse،التي تملك%45 من أسهم فراماتوم إلى حدود سنة 1975.
ونهجا معا فيما بعد سياسة تكاثر مستجيبة لمنطق الحرب الباردة:الاحتفاظ في كنف الغرب بقوى متوسطة تسعى الى الحصول على التكنولوجيا النووية من الاتحاد السوفياتي، و موازنة بلد مع جاره بمضاعفة " الردع الجهوي" ، ولكن أيضا منع ارتقاء هذه القوى المتوسطة إلى مكانة القوى الكبرى الخمس بمجلس الأمن .
وبسبب تعذر إعلام الرأي العام بأنه يجري تنظيم نشر السلاح الذري في ربوع الأرض، تم ذلك النشر بشكل سري و عبر مدارات غامضة، وبادعاء بيع محطات نووية لأغراض «مدنية». و منذ سنة1963،سوف يتم ذلك باتجاه أفريقيا الجنوبية، بفضل تعاون بين فرنسا و إسرائيل و ألمانيا. و بعد نزاع الصين والهند حل دور الهند، ثم برازيل المحكومة من العسكر.و في 1971 تقاربت الولايات المتحدة الأمريكية مع الصين فحلت مكان الاتحاد السوفياتي في التعاون النووي مع هذا البلد.
تنظيم البلدان الغربية للانتشار النووي
سنة1976،كان الثنائي فرنسا-المانيا يؤمن نسبة45% من الصادرات النووية، و مع الولايات المتحدة الأمريكية كان الثلاثي يغطي نسبة85%.و بقيت نسبة15% للاتحاد السوفياتي. وهكذا لم يكف عن الارتفاع عدد البلدان المسماة بلدان«العتبة» ،أي تلك القادرة على تطوير سلاح ذري دون القيام بتجارب على ترابها. و في سنة 1991 اعترف تشينيR.Cheney كاتب الدولة الأمريكي في الدفاع بأنه " من الآن إلى نهاية هذا القرن، ستصبح 15 إلى 20 دولة من بلدان العالم الثالث الواقعة حول البحر المتوسط و بالشرق الأوسط و آسيا ، قادرة على إرسال صواريخ بالستية ، و سيتمكن نصفها من امتلاك القنبلة الذرية".وعلاوة على الهند و إسرائيل و باكستان ،المعروف تقدم الاعمال بها، كان المقصود بلدان أفريقيا الجنوبية و الأرجنتين و البرازيل و الكوريتان و العراق و ليبيا ،(تحليل خاطيء) التي "باتت قادرة على صنعها".أما إيران و سوريا و تايوان " فستصبح قريبا قادرة على صنع القنبلة "
لقد أخذ هذا الانتشار مجرى خاصا مع البلدان المنتجة للبترول في الخليج الفارسي.فلا يمكن ان يكون طلبها للتكنولوجيا النووية سوى لأهداف عسكرية وليس لإنتاج الطاقة الكهربائية لكونها مستندة على احتياطات بترولية تضمن لها استقلالا في مجال الطاقة بثمن بخس. و سوف يستثمر الرأسمال العربي الإيراني بكثافة في الاقتصاديات الإمبريالية ويزود تلك البلدان بوسائل تمويل برامج مكلفة جدا. لقد كانت تسعى الى تشكيل كتلتها الجهوية الخاصة، إلى جانب الكتلة السوفياتية و الكتلة الغربية.و لكن جلي أن الدول الكبرى ستبذل قصاراها لمنع تحقق ذلك السيناريو(تم فعل هذا مع العراق)، مستعملة الترغيب تارة و الترهيب تارة اخرى .و جرى الشروع في تطبيق برامج نووية، ثم توقفت أو لم تنفذ بالكامل .كان ذلك أولا باتجاه إران الشاه، الذي قدم بترودولاراته و وسعى الى جعل بلده " القوة العسكرية الخامسة في العالم،ذات منشآت ذرية و" مركز سوق مشتركة للدول المتاخمة للمحيط الهندي " و الى جعل" البترول يباع بثمنه العادل" .في أول الأمر ،لم يقاوم الغربيون عقود التجهيزات والتسليح المذهلة التي أمنتها لهم بترودولارات الشاه. فتم توقيع عقد لتسليم 4 محطات (2 باعها الفرنسيون، و2 باعها الألمان) و دخلت إيران بمستوى نسبة10% في رأسمال الاتحاد المالي أوريديف Eurodif، الذي يؤمن بفرنسا إنتاج اليورانيوم المخصب، بمشاركة إيطالية وإسبانية و بلجيكية. و لإيران الحق في امتلاك نسبة 10% من الإنتاج. و عندما انبثقت الثورة الإيرانية التي أسقطت الشاه، قام الفرنسيون و الأمريكيون بكل ما بوسعهم لمساعدة الخميني: فبصفته إسلاميا سيظل دوما معارضا للاتحاد السوفياتي، و بما هو حليف الغرب سيسحق القوى السياسية و الاجتماعية اليسارية التي قامت بالثورة. وسيشكل ذلك إحدى ثوابت السياسة الأمريكية و السعودية إزاء طالبان : حكم الإسلاميين افضل من أنظمة ذات ميول قومية.و سوف تنقلب إيران الخميني ضد الولايات المتحدة الأمريكية...
الابتزاز الإرهابي لأجل السلاح النووي الإيراني
آنذاك قام الأمريكيون و الأوربيون بتسليح العراق بشكل مفرط و جره الى حرب ضد جاره الذي جرى تسليحه أيضا بغية إنهاك البلدين لبعضهما في حرب دامت ثماني سنوات و أدت الى موت ثلاثة ملايين شخص. وتم تزويد العراق ببداية قدرة نووية'(بنت فرنسا محطة نووية و دمرها القصف الإسرائيلي ، و أعادت فرنسا بناءها،ودمرتها ثانية قنابل حرب الخليج)
و لكن إيران آيات الله طالبت باحترام الاتفاقية النووية التي أبرمت مع الشاه. و رفضت فرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية خوفا من" قنبلة إسلامية " و منعا لامتلاك إيران نسبة10% من يورانيوم أوروديف Eurodif. ويبين كتاب " أعمال ذرية"Affaires atomiques “ أن مصدر سلسلة الاعتداءات ما بين سنة1984 و سنة 1990 هو ابتزاز لا يصدق مارسته إيران: اعتداءات عديدة في باريس ،وسوق تاتي Tati و قصر الإليزيه ،و قضية كوردجي Gordji ، و العمليات الانتحارية ضد الجنود الفرنسيين و الأمريكيين في بيروت، و احتجاز الرهائن الصحفيين الفرنسيين والأمريكيين من طرف حزب الله اللبناني لفائدة إيران. ثم اعتداءات لوكيربي وطائرة د س 10DC الرابطة بين برازافيل وباريس المنفجرتان في الجو و اللتان نسبتهما DST وFBIزورا الى ليبيا القذافي .يتجلى معنى هذا كله عند مقارنة مطالب هذه الاعتداءات،التي تضم دوما ضمن أمور أخرى "تسوية نزاع أوروديفEurodif مع إيران " . وبعد ذلك جاءت اغتيالات الأشخاص الرئيسين للصناعة النووية الفرنسية، ميشيل باروانMichel Baroin،الذي يوجد دائما في قلب " المغامرة الذرية " الفرنسية،و جورج بيسGeorges Besse،مؤسس أوروديفEurodif وCEA ،و الجنرال أودرانAudran الذي يوجد في قلب النووي العسكري الفرنسي.وفي آخر المطاف تنازلت الولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا.و ابرم ميتران اتفاقية مع إيران في دجنبر 1991،على خلفية تفكك الاتحاد السوفياتي. و توقفت الاعتداءات. و منذئذ انخرط الأوربيون في «حوار بناء» مع إيران، مساندين ما يسمى "المعتدلين" الملتفين حول خاتمي، قصد إعادة إيران إلى اللعبة ، بموافقة الولايات المتحدة الأمريكية، رغم ابقاء هذه على عقوبات شكلية . و تمتلك إيران اليوم عدة مفاعلات نووية، و لها أسهم في أوروديف Eurodif و لها حق الحصول على حصتها من اليورانيوم المخصب. و نتعلم من هذا الحدث أن الدول الكبرى قد تتنازل أمام ابتزاز إرهابي.
إن الدول العظمى، بنظريتها حول الردع قد ضاعفت في الواقع الانتشار النووي، الذي حاولت تنظيمه لكن دون أن تنهيه أبدا. و يعترف جاك اتالي، المكلف بوضع تقريرعن المسألة، في مؤلفه "اقتصاد نهاية العالم" Economie de l’Apocalypse، أن " الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا تجدي نفعا " ، "فعملها تافهومنعدم" ، بل انها" تعمل بالمقلوب كمركز لتعلم الانتشار النووي " .
وفي نفس الوقت، تسعى الدول الكبرى دوما الى الفوز بتفوق تكنولوجي حكر عليها وعلى بعض الحلفاء " الموثوقين " عند الاقتضاء : أسلحة نووية بحجم دقيق للاستعمال بالميدان في النزاعات الجهوية ، وصواريخ و ومضادات للصواريخ ، و تجارب على الحاسوب ليس لغير الولايات المتحدة الأمريكية تحكم بتقنيتها. وجرى الاتفاق في غضون عدة سنوات، بعد انهيار جدار برلين، على تدمير الأسلحة القديمة العابرة للقارات عديمة الجدوى،لاسيما عبر مساعدة روسيا على تقليص ترسانتها ، القادرة على كل حال على تدمير الكرة الأرضية مئات المرات. وبعد ذلك جرى استئناف السباق بشكل ضاري . و قبل تحديث السلاح الذري وجب القيام بجملة تجارب. و اسند هذا الدور سنة1995 إلى شيراك الذي أطلق حملة،.إنها التجارب الفرنسية الأمريكية. وصرح خلف الديغولية القومية " لقد بلغت التجارب التي قمنا منتهى الإتقان ، أؤكد منتهى الإتقان...يمكن أن أقول لكم إن الأمريكيين اندهشوا " .و عقب ذلك، وقعت فرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية اتفاقا ما زال ساريا حول تبادل معطيات التجارب والتمثيل simulation وتغيرات القوة . وبالمقابل تقدم الولايات المتحدة الأمريكية برامج معلوماتية حسابية بالغة القوة . وبعد أن اصبح الطريق سالكا جاء دور الصين بتجارب أخرى. و في سنة1998 انكبت الهند من جديد بمساعدة إسرائيل على ذلك. و بعد أسبوعين،أجرت باكستان تجاربها الأولى.
إيران و باكستان و الهند، "مخزن متفجرات" نووي
كانت فرنسا طرفا أساسيا في البرنامج الباكستاني منذ 1976. وكانت الصين قد باعتها أول محطة نووية ،و وافق ميتران سنة1990، في زيارة لبنزير بوتو، على بيع محطة نووية ثانية، و كذلك على اتفاقية تعاون نووي قيل رسميا كالعادة إنها " ذات أهداف سلمية" . و في نفس الوقت زودت فرنسا الهند بمفاعلين نوويين.و في سنة1994 أبرمت الصين اتفاقية مع إيران وباكستان لتزويدهما بصواريخ. وقد تم تمويل البرنامج الباكستاني بمساعدة العربية السعودية و ماليزيا(لأن باكستان ليست دولة غنية مصدرة للبترول،بل غارقة في الديون).(لكن بتوفر الاراده يتحقق كل شيء) و في ماي 1998 أجرت باكستان أولى تجاربها: " شحنات من 35 كيلوطن،اي ضعف قنبلة هيروشيما، و أربعة شحنات تكتيكيةمركبة على صواريخ صغيرة، يمكن استعمالها في ساحة المعركة في مواجهة تركزات جنود ". وكان تسلحها النووي من مستوى رفيع. وقد جرت التجارب على بضع كيلومترات من الحدود الإيرانية،في بالوتشيستان. وقد أجابت الحكومة المتسائلين عن وجود نية عدوانية تجاه إيران بأنه " تمت استشارة إيران قبل القيام بالتجارب و عرضت مساعدتها لباكستان على مواجهة العقوبات" . وقد أجابت إيران بأن " باكستان هي افضل محاورينا في هذه المنطقة كلها". و استنتجت مؤلفة كتاب " أعمال ذرية ": انه " تواطؤ نووي كامل "
و من بعد ، و رغم الضغوط الغربية، رفضت الهند و باكستان توقيع معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.و حاولت إدارة كلنتون جعل الهند تقبل نزع سلاحها مقابل قيام باكستان بالمثل. و لكن الهند رفضت ما دامت الصين خارج المفاوضات و مستمرة طيلة تلك السنوات في استخدام باكستان بيدقا في اللعبة النووية الكبرى حول الهند. وخلال هذه السنوات أيضا ، بعد التجارب الباكستانية و اعتداءات كينيا و طانزانيا، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تعيد النظر في سياسة دعمها لطالبان.وجرت إطاحة الرئيس الباكستاني الذي بدأ التفكير في توقيع اتفاق منع انتشار السلاح النووي ، وذلك بانقلاب نظمه الجناح الإسلامي الراديكالي في الجيش بقيادة مشرف. وعززت المصالح السرية الباكستانية (ISI)و العسكريون دعمهم لابن لادن، والتزاما بجهادهم وبعد ان صاروا اعداء للولايات المتحدة الامريكية قاموا بمعيتها بتأجيج الحرب في كشمير. وانشؤوا. تنظيم حرب عصابات يقترف اعتداءات العمياء و لا يطالب باستقلال كاشمير بل بضم كاشمير الهندية الى باكستان.
نجد هنا اذن جزءا من تفسير انقلاب حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية هؤلاء القدامى على سيدهم.
ان " نظاما عالميا " ما كانت الولايات المتحدة و الاتحاد السوفياتي جمدتاه خلال الحرب الباردة قد زال نهائيا سلبيا كان الأمر او إيجابيا . ولم تعد الولايات المتحدة الأمريكية قادرة وحدها على مراقبة كل شيء،لاسيما الطموحات الجهوية لهذه القوى "المزودة بالنووي " أو المتطلعة اليه . انها بحاجة بوجه خاص إلى إعادة التفاوض مع روسيا والصين حول اتفاق يالتاYalta جديد.
حرب حبلى بالرهانات و الأخطار النووية
رغم ان أحداث 11شتنبر،لم تكن ابتزازا نوويا كما كانت الاعتداءات الإيرانية، فإن مسائل نووية كثيرة توجد في خلفية الحرب الحالية.اذ شهدت الأسابيع التي تلت أحداث 11سبتمبر استعادة اللعبة النووية لحقوقها:
- اشتد الجدل منذ شهور حول مشروع الدرع المضاد للصواريخ العزيز على بوش ، وذلك بوجه خاص مع الصين، التي كانت تزود باكستان بالصواريخ.و قبل 11سبتمبر كانت الهند مؤيدة لـ" مشروع الدرع " هذا ، وكذلك إسرائيل. و كانت فرنسا قد تركت جانبا أحكامها المسبقة. فهل تستدعي إعادة بناء التحالفات،الإبقاء على هذا الدرع أو تعديله و تغيير البلدان المستفيدة ؟ بات هذا موضوع المفاوضات الراهنة: ففي فاتح نونبر تباحث رئيس الديبلوماسية الروسية في واشنطن حول " أفغانستان و تقليص الأسلحة النووية والدفاع المضاد للصواريخ " . و صرحت كوندوليزا رايس عن الولايات المتحدة الأمريكية قائلة :" إننا نقوم بتقدم مستمر " .
- و لضم إيران الى التحالف وجبت الاستجابة لمطالبها . هكذا أبرمت روسيا مع إيران في نهاية شتنبر اتفاقية حول تسليم ما قيمته 300 مليون دولار من الأسلحة(صواريخ، طائرات)و محطة نووية ثانية. وأصبحت روسيا التي توجد من الآن فصاعدا في معسكر "الطيبين" وارث مساعدة إيران، و هذا كله بموافقة الولايات المتحدة الأمريكية ما في الامر شك. وقامت روسيا بإتمام بناء محطة بوشهر Bushehr في إيران المجهزة بتكنولوجيا من صنع أمريكي، والتي بدأها الفرنسيون إبان سنوات 1970، و واصلتها ألمانيا الشرقية RFA، ثم الأرجنتين وبعدها الصين. هذا هو الثمن الذي دفعته الدول الكبرى للحصول على تعاون إيران، و إبعادها من تعاون نووي مع باكستان و العربية السعودية، ثم محاولة دمجها و والتحكم بها و تفادي انزلاقها الى عداوة خطيرة. و في أكتوبر 2001 انعقد اجتماع مذهل لمسؤولي المصالح السرية الأمريكية و التركية و الإيرانية، مبرزا أن تحالفا جديدا هو في طور التأسيس. و ثمة علامة إضافية هي قبول منظمة الأمم المتحدة في أكتوبر لسوريا عضوا غير دائم في مجلس الأمن، منتقلة بذلك من وضع " دولة مارقة" إلى دولة محترمة عضو بالمجلس.
- قام كولن باول في نهاية أكتوبر بجولة في باكستان ثم في الهند، و تلتها الصين لحضور قمة آسيا –أوقيانيا. ولا شك أن متابعة خطواته يدل على المشاكل المستدعية لتسوية عاجلة. لقد ضمن باول أولا للعسكريين أن القنبلة الذرية الباكستانية غير مستهدفة. و في الأسبوع الذي تلى اعتداءات 11 سبتمبر، رفعت الولايات المتحدة الأمريكية العقوبات التي اتخذتها ضد باكستان على إثر التجارب النووية لسنة 1998 و أعادت جدولة ملايين الدولارات من ديون باكستان( المبرمة لاجل نفقاتها العسكرية و النووية): وهذا ما يكفي لشراء موافقة العسكريين الحاكمين على التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية. وتفكر هذه الأخيرة في أمر إعادة ترخيص تزويد باكستان بالأسلحة . و في الأيام التالية لقصف أفغانستان ، قام مشرف بعزل أهم جنرالاته و رئيس مخابراته، ثم اتصل بالوزير الأول الهندي معتذرا عن الاعتداءات في كاشمير قبل أسبوع ،و أعاد فتحالحوار.
كيف يمكن استعادة التحكم بهذا البلد المرشح للوقوع بين أيدي جناح سلفي ديني من الجيش متمسك بكل قواه برنامجه النووي، و ومساند لطالبان وبن لادن و مؤجج مع هؤلاء للحرب في كاشمير ؟ لا شك ان هذا هو صلب هذه الحرب . العملية محفوفة بالمخاطر،و المخرج غير مضمون. و كما يقول فاروق طارق سكرتير حزب العمال الباكستاني :" دخلت الهند وباكستان في حرب بكارجيل Kargil(كاشمير الهندية) في نهاية 1998،أي بعد التجارب النووية..لقد عرض امتلاك هاتين الطبقتين الحاكمتين للأسلحة النووية أمن الكرة الأرضية للخطر. و في كلا المعسكرانتوجد قوى دينية سلفية بالغة القوة إن وضعت ذات يوم يدها على هذه الأسلحة فسنكون ازاء وضع مقلق للغاية وغير مسبوق" (2).
كلما تزعزعت باكستان ، غدا انقلاب عسكري ضد مشرف واردا. و لدعمه يتعين على الولايات المتحدة الأمريكية قبول حد أدنى من شروط النظام التي أكدها ثانية في خطابه الى الأمة: "الانتعاش الاقتصادي، و مصالحنا الإستراتيجية النووية و صواريخنا، و القضية الكشميرية " . و لكن جرى يوم 2 نونبر اعتقال 3 من مسؤولي البرنامج النووي الباكستاني بسبب تعاونهم مع طالبان. و كانت صحيفة نيو يوركر قد كشفت إنه في حال إفلات الوضع ستقوم فرق كوماندو تابعة للاستخبارات الأمريكيةCIA، بتعاون مع وحدة إسرائيلية خاصة ، بعملية استيلاء على 30 رأس نووي باكستاني.أما الجارة الهندية فإنها " تتأهب لكل حادث محتمل "
و أخيرا، ومنذ أن وسعت اعتداءات المركز العالمي التجاري نطاق الممكن، باتت أعمال إرهابية مستعملة للنووي تهديدا حقيقيا يتعذر على الحكومات تجاهله.وقد تتيح تجارة مواد نووية أن تسمح لإرهابيين، أو لدول هامشية حتى دون صنع قنبلة، نثر نفايات نووية في اعتداءات كلاسيكية. و بات معروفا أن ضرب محطة نووية بطائرة عادية سيؤدي الى ما يعادل كارثة تشرنوبيل. وكشأن الولايات المتحدة الأمريكية، اضطرت الحكومة الفرنسية الى نشر صواريخ أرض جو في لاهاكـ Hague و حول عدة مواقع نووية،معترفة بذلك بأخطار صناعتها النووية المفرطة. وقد أعلن بن لادن،في 8 دجنبرأن " بإمكاننا الرد بأسلحة نووية و كيميائية " . و من جهتها قامت الولايات المتحدة بتصعيد الضغط لاسماع أن بإمكانها عند الاقتضاء استعمال Mininuke " وهي قنبلة مصممة بحجم صغير تطلقها قاذفتهاB2،ضد الغرف المحصنة تحت الأرض. قد يكون هذا دعاية "رادعة " من الجانيين، و لكن احتمال انزلاق نووي لم يسبق أبدا ان بلغ هذا المستوى من القوة .
لقد لعبت القوى الإمبريالية طيلة خمسين عاما دور مطلق الجن بالسلاح النووي. وستتصرف كعادتها ليس بوقف الانتشار بل بتقوية حلقة من الدول المأمول ان تكون "حليفا" و بالتدخل عسكريا حيث يبدو الوضع منفلتا منها.
إن النضال من أجل نزع السلاح النووي في جميع البلدان و النضال للتخلي عن الاستعمال المدني للنووي مسائل حيوية لمستقبل الإنسانية، و ينبغي دمجها ضمن أهداف الحركات المناضلة ضد حروب بداية القرن الواحد و العشرين هذه.
المصدر http://maroc.attac.org/jooomla/index.php?option=com_content&task=view&id=386&Itemid=123