كيف تعامل الأميركان مع قصة إعدام الصدر وشقيقته
الإدارة الأميركية امتدحت سياسة صدام واعتبرتها «بشيراً للاستقرار السياسي ودليلاً على انتهاج سياسة واقعية وعملية»
جواد هاشم
* هكذا اطبق صدام قبضته الحديدية على الحكم
* قيادي عراقي اعتمدته السفارة الأميركية في بغداد عميلا لها
* عشرات القرارات بالإعدام ومحاكم خاصة للتصفيات
* رئيس مجلس قيادة الثورة هو الحاكم المطلق الذي لا يسري عليه القانون
* كان صدام حسين قد خطط وعمل على السيطرة المطلقة على الحكم منذ عام 1968 ليصفي بالتالي القياديين والوزراء الذين لا يدينون بالولاء له. في الحلقة التاسعة من كتابه «مذكرات وزير عراقي مع البكر وصدام» يمضي جواد هاشم، وزير التخطيط العراقي الاسبق بسرد الاحداث التي ادت الى استيلاء شخص واحد على اللعب بمقدرات البلد مشيرا الى دعم الادارة الاميركية لصدام حسين اعتمادا على الوثائق السرية للخارجية الاميركية.
هنا ايضا يتحدث الدكتور جواد عن الصلاحيات المطلقة التي يتمتع بها رئيس مجلس قيادة الثورة والتي عطلت كل القوانين وصارت قرارات المجلس والقاضية بالاعدام ومحكمتي الثورة و(الخاصة) هي البديل عن القضاء العراقي.
* عمد صدام إلى رسم مخطَّط شامل للكيانات المتعددة التي أُنشئت تدريجياً، منذ عام 1968، مستهدفاً بذلك زعزعة البنيان الإداري للدولة العراقية، وحصر الصلاحيات جميعها بيده شخصياً، سواء خلال مسؤوليته كنائب لرئيس مجلس قيادة الثورة، أو حين تسلمه المواقع الأولى في الدولة رئيساً للجمهورية ورئيساً للوزراء وقائداَ عاماً للقوات المسلحة، أو حين وصوله في الحزب إلى الأمانة العامة للقيادة القطرية لحزب البعث.
* المكاتب الاستشارية
* كانت الخطوة الأولى تشكيل المكاتب الاستشارية في نطاق ما بات يعرف بأعلى سلطة للبلاد: مجلس قيادة الثورة. فقد بدأ المجلس بعد مرور أقل من ثلاثة أشهر على الانقلاب، بإصدار قرارات تنص على تكوين مكاتب استشارية له من دون أن تتناول تلك القرارات مهام هذه المكاتب وعلاقاتها بأجهزة الدولة الأخرى. وأول مكتب تم تأسيسه هو «مكتب العلاقات العامة»برئاسة سعدون شاكر، حيث تحول هذا المكتب بعدئذ إلى إدارة المخابرات العامة. كان هذا المكتب مرتبطاً بصدام حسين مباشرة، ولم يكن أحد منا يعرف أعضاءه وطبيعة عمله، بل كنا نظن أن مهمته هي تطوير علاقات الحزب بالجماهير لتطمينها من خلال +العلاقات العامة; التي تتولاها عادة مؤسسات متخصصة في دول العالم المتحضر. ولم يخطر ببال أحد، في ذلك الوقت، أن هذا المكتب إنما هو اللبنة الأولى في بناء المخابرات العراقية ليقوم بمهام حماية النظام، وليتطور بعدئذ إلى حماية صدام شخصياً، وهو في ذلك امتداد لجهاز «حنين» الذي كان صدام يشرف عليه قبل الثورة، وكانت مهمته تصفية العناصر المناوئة للحزب.
لقد تحولت مكاتب مجلس قيادة الثورة إلى أدوات فعالة في استخدام أساليب العمل السري محل أساليب الإدارة العلمية، وأدت في النهاية إلى ابتلاع الدولة، وزعزعة البروتوكول الرسمي، وتهديم البنيان التحتي للتسلسل الوظيفي. ولم يعد الوزراء، من غير أعضاء تلك المجالس والمكاتب، يعلمون بما يجري في الدولة، أو إلى من يكتبون في شؤون وزاراتهم. ولم يعد لمجلس الوزراء وجود فعلي بعد أن توقفت اجتماعاته الدورية.
إن نظرة فاحصة إلى تركيبة المكاتب والمجالس، ترينا بوضوح الأسلوب الذي اتّبعه صدام حسين في الهيمنة شيئاً فشيئاً على أجهزة الدولة. فقد ارتبطت به الأجهزة التالية:
مجلس التخطيط، المخابرات العامة، مجلس الأمن القومي، لجنة المتابعة لشؤون النفط وتنفيذ الاتفاقيات، مكتب الشؤون الاقتصادية، المكتب العسكري، لجنة الطاقة الذرية، مكتب الثقافة والإعلام، مؤسسة البحث العلمي، اللجنة العليا لشؤون الشمال.
أما أحمد حسن البكر، فلم ترتبط به سوى المكاتب التالية:
المجلس الزراعي الأعلى، مكتب الشؤون القانونية، الهيئة العليا للعمل الشعبي.
وضاعت نتيجة لهذا الأمر، أسس التمييز بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. أما السلطة القضائية فقد فقدت استقلاليتها منذ الأسابيع الأولى للانقلاب، ولم يعد لمحاكم العراق دور في إدارة القضاء وتسيير أمور المواطنين الاعتيادية، حيث أصبحت محكمة الثورة والمحاكم الخاصة التي لا تلتزم بقانون محدد ـ وليس للمواطن المحال عليها حق استئناف الأحكام أو الاعتراض، ـ تنظر في أغلب القضايا، وأصبح تعيين الحكام منعقداً على الولاء الحزبي، وليس على المقدرة القانونية العادلة. أما أحكام وإجراءات التحقيق وقانون أصول المحاكم الجنائية والمحاكم المدنية، فلم تعد تطبَّق نظراً إلى الاستثناءات العديدة التي أحدثها مجلس قيادة الثورة بقراراته المتعاقبة.
لقد أصبح الاستثناء هو القاعدة، والقاعدة هي الاستثناء.
* 1974: بداية القبضة الحديدية
* وجاء عام 1974، وإذا بمفاتيح السياسة النفطية بيد صدام يساعده في ذلك عدنان حسين الحمداني، ثم استأثر بمفاتيح مقاولات المشاريع الصناعية الكبيرة بصفته رئيساً لمجلس التخطيط، يساعده في ذلك جهاز وزارة التخطيط والجهاز المركزي للإحصاء. وأصبحت أدوات العمل السري والمخابرات تحت إشراف صدام يساعده في ذلك سعدون شاكر وبرزان التكريتي. ولكي تزداد قبضة صدام على كل مرافق الحياة وتُسخَّر جهود كل الناس وأفكارهم لخدمته من خلال تنظيمات حزب البعث، فوجئ العراقيون يوم الأحد الموافق 6 تشرين الأول (أكتوبر) 1974 بقرار مجلس قيادة الثورة المرقَّم 1083، الذي جعل التقرير السياسي للمؤتمر القطري الثامن لحزب البعث قانوناً يقود السلطة والدولة، ومنهاجاً ودليل عمل لجميع أجهزة الدولة ومؤسساتها ومدارسها وجامعاتها.
بتعبير آخر، لم يعد للوزارة الائتلافية التي شُكلت عام 1972 وضمت أعضاء من الحزب الشيوعي والأحزاب القومية والكردية الأخرى، أي دور فعلي في إدارة دفة الحكم، إلا إذا انصاع الوزراء غير البعثيين وارتضوا لأنفسهم الإيمان بمقررات المؤتمر القطري الثامن للحزب.
ولم يمض على صدور قانون الحزب القائد سوى شهر واحد، وإذا بتعديل وزاري كبير دخل الوزارة وفقاً له مَن هو موال لصدام حسين، وأُبعد منها من يُشَك في ولائه المطلق له.
* رأي الإدارة الأميركية في التشكيل الوزاري
* نشرت وزارة الخارجية الأميركية في 2 كانون الثاني (يناير) 1997، وثيقة مؤرخة في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 1974.
والوثيقة عبارة عن تقرير سري من شعبة رعاية المصالح الأميركية في بغداد إلى وزير الخارجية الأميركي تتضمن تحليلاً لأسباب التعديل الوزاري الذي جرى يوم 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 1974.
وقد يكون مفيداً ترجمة الوثيقة وتلخيصها كما يلي:
رقم الوثيقة: PR تاريخ الوثيقة: 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 1974 الموضوع: أهم وأكبر تعديل وزاري في العراق منذ تسلم البعث السلطة عام 1968.
حدث يوم 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 1974 أكبر وأهم تغيير وزاري في العراق. وتشير تقديراتنا وتحليلاتنا الأولية إلى أن صدام حسين كان وراء هذا التغيير الهام من أجل بسط سيطرته وتقويتها على مؤسسات الدولة، وذلك عن طريق تعيين مجموعة من البعثيين الموالين له وإبعاد من يُشَك بولائه المطلق. إن هذا التغيير الوزاري دليل واضح على تصميم حزب البعث على عدم السماح لأية جهة بمشاركته في الحكم وفي السلطة، سواءً كانت الجهة الحزب الشيوعي، أو حركة القوميين العرب، أو أية حركة أو مجموعة تقدمية.
إننا في الإدارة الأميركية على ثقة تامة بأن أعضاء الوزارة الجديدة أعلى كفاءة ومقدرة من أعضاء الوزارة السابقة. فوزير الخارجية الجديد هو الدكتور سعدون حمادي (وزير النفط سابقاً) التكنوقراطي، المتخرج من الجامعات الأميركية.
إننا نعتبر التغيير الوزاري الذي أُجري يوم 11 تشرين الثاني (نوفمبر) بشيراً للاستقرار السياسي واستمراراً لسياسة عدم الانحياز ودليلاً على أهمية صدام حسين في انتهاج سياسة واقعية وعملية في إدارة دفة الحكم. إن أهم ما يلفت النظر في هذا التغيير الواسع، هو زرع الموالين لصدام حسين في مناصب الدولة الرئيسية لدعم مركزه كنائب لرئيس مجلس قيادة الثورة ونائب للسكرتير العام لحزب البعث. أما أحمد حسن البكر رئيس الجمهورية، فلم يكسب شيئاً من هذا التغيير بالرغم من احتفاظه بمنصب وزير الدفاع.
وختاماً، لا بد من التأكيد أن جميع الوزارات الرئيسية هي الآن بأيدي البعثيين الموالين لصدام حسين، وعليه يجب اعتبار التغيير الوزاري الجديد بمثابة تلاحم وتماسك سلطة البعث وانتقال حقيقي للسلطة إلى مجلس الوزراء، وهو أمر سيساعد على الإسراع في جهود التنمية لبناء العراق. كما يُعتبر التغيير الوزاري استمراراً لسيطرة حزب البعث المباشرة والقوية على جميع الشؤون الرسمية.
إن التخلص من الوزراء القوميين وتقليص عدد الوزراء الأكراد وعدم إسناد أي منصب وزاري إلى شيوعيين آخرين بالرغم من مساهمة جميع تلك القوى في الجبهة الوطنية، إنما هي الدليل القاطع على تصميم حزب البعث على الانفراد بالسلطة والمحافظة على نقاوتها الآيديولوجية.
وأخيراً، نحن نعتقد أن الحزب الشيوعي العراقي ومن ورائه الاتحاد السوفياتي، سيعيدان النظر في مواقفهما من السلطة العراقية بعد أن كان الاتحاد السوفياتي يمارس الضغط على الحكومة العراقية لكي توسع من مشاركة كافة القوى الشعبية والتقدمية في الحكم. وأكثر من ذلك، فإن الاتحاد السوفياتي وجهات أخرى ستفسر تعيين سعدون حمادي انفتاحاً على أميركا وإرضاءً لها.
المخابرات الأميركية ومجلس قيادة الثورة بحثت كثيراً في الوثائق الأميركية التي نُشرت مؤخراً عسى أن أجد شيئاً عن اتصالات خفية أُشيع عن وجودها بين حكام نظام البعث الذين تعاقبوا على حكم العراق والإدارة الأميركية، فلم أعثر على الكثير، غير أن وثيقة واحدة استرعت انتباهي لأنها تشير إلى وجود «مصدر موثوق به» داخل القيادة العراقية له اتصال مباشر مع الإدارة الأميركية، هذه الوثيقة هي تقرير سري مؤرَّخ في 24 نيسان (أبريل) 1980 حول إشاعة إعدام رجل الدين المعروف آية اللَّه محمد باقر الصدر وشقيقته آمنة الصدر.
لا تكمن أهمية هذا التقرير في كونه يبحث في ما كان يدور في بغداد آنذاك من إشاعات حول تنفيذ حكم الإعدام بالسيد الصدر وشقيقته، وإنما في تكرار التقرير الإشارة إلى مصدر معلومات السلطات الأميركية واعتمادها على شخص في القيادة العراقية أو وثيق الصلة مع سلطة اتخاذ القرار.
الرقم: PRZ التاريخ: 24 نيسان (أبريل) 1980 من شعبة رعاية المصالح الأميركية ـ بغداد، إلى وزارة الخارجية ـ واشنطن
أ ـ الموضوع: قضية آية الله باقر الصدر: شهادات متضاربة.
ب ـ ما زالت الشائعات المحيرة والمتضاربة حول مصير الإمام الشيعي آية الله الصدر مستمرة. لقد كنا على وشك إنهاء التقرير عن هذه القضية نقول فيه بأنه من غير المنطقي أن تُقْدم الحكومة العراقية على استفزاز الغالبية من سكان العراق الذين هم من الشيعة بإعدامها شخصية مرموقة كالسيد الصدر، ذلك لأن الحكومة العراقية سوف لن تكسب شيئاً من هذا العمل. وما إن انتهينا من التوصل إلى هذا التحليل المنطقي حتى وصلتنا أخبار مؤكدة تشير إلى تنفيذ حكم الإعدام بالسيد باقر الصدر بعد محاكمة سرية. إن التفسيرات التي أُعطيت لنا تعزو أسباب التسرع في تنفيذ حكم الإعدام إلى اعتقاد الحكومة العراقية أن باقر الصدر ميتاً هو أقل خطراً من بقائه حياً في مدينة النجف، أو في المنفى.
ج ـ ما ذكر أعلاه هي الإشاعات التي تدور في بغداد. غير أننا قد أُخبرنا مباشرة من مصدرنا الموثوق ذي الاتصالات المباشرة، بأن الحكومة العراقية قد حكمت فعلاً على باقر الصدر بالإعدام، إلا أن الحكم لم ينفَّذ بعد. ويذهب مصدرنا الموثوق به إلى التأكيد أن إشاعة تنفيذ حكم الإعدام هي لجس النبض. فإن حدث تململ وتذمر لدى الشيعة في العراق تقوم الحكومة عندئذ بإظهار السيد الصدر على شاشة التلفزيون تكذيباً للشائعات، أما إذا لم تُحدث شائعاتُ تنفيذ حكم الإعدام سوى ردود فعل بسيطة في العراق أو من قِبَل حكام إيران، فإن حكم الإعدام سيُنفَّذ سراً ومن دون ضجة إعلامية.
د ـ يؤكد مصدرنا المعتمَد أن سلطات الأمن والمخابرات على ثقة تامة من أن الاضطرابات التي قامت في النجف وكربلاء وبغداد قد قُضي عليها نهائياً، حيث يسود الهدوء والسكينة المناطق الشيعية. كما يؤكد مصدرنا المعتمَد عزم القيادة العراقية على القضاء بكل ضراوة وعنف شديد على أي نشاط معاد.
هـ ـ إننا نواجه المعضلة التي عرفت بها بغداد، إذ ليس هناك وسيلة مباشرة لمعرفة ما إذا كان باقر الصدر حياً أم ميتاً، خاصة أن حزب البعث العربي الاشتراكي يتعمد إثارة قصة إعدامه فعلياً. يعتقد المجتمع الدبلوماسي في بغداد أن حكم الإعدام قد نُفذ فعلاً، إلا أن مصدرنا الموثوق به والمعتمَد من قِبَلنا، يقسم اليمين ويؤكد أن أعضاء بارزين في مجلس قيادة الثورة وفي قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي ومكاتبه المتخصصة ينفون نفياً قاطعاً إشاعات تنفيذ حكم الإعدام بالسيد الصدر.
و ـ إن المسؤولين العراقيين يؤمنون بالواقع العملي. وما لم يشكل باقر الصدر خطراً مباشراً عليهم فإنه لا يوجد سبب ضروري للقضاء عليه، فقد يؤدي موته إلى إشعال نار ثورة كبيرة فشل الخميني حتى الآن في إثارتها وإشعالها.
ز ـ أما إذا أساءت السلطة العراقية تدبير قضية باقر الصدر، فإن النتيجة قد تكون لها عواقب وخيمة على نظام صدام والدول المجاورة.
التوقيع: إدوارد بيك EdwardLPeck
* الإعدام... بقرار
* ليس الهدف من هذا الفصل مناقشة القوانين العراقية التي تنص على عقوبة الإعدام لمرتكبي بعض الجرائم، بل هو تبيان الاستثناءات العديدة التي أصدرها مجلس قيادة الثورة ووسَّع بموجبها قاعدة الأفعال التي يُعاقَب مرتكبوها بالإعدام.
ويمكن اعتبار الدستور المؤقت الذي أصدره مجلس قيادة الثورة ـ وضمنه مادتان خطيرتان أعطتا للمجلس صلاحيات واسعة تتجاوز كل القوانين والأعراف، بل تتجاوز الدستور نفسه ـ بدايةَ هذه الظاهرة الغريبة.
إحدى هاتين المادتين هي الفقرة «أ» من المادة 42، التي أعطت المجلس صلاحية إصدار قرارات لها قوة القانون، والمادة الأخرى هي الفقرة «ب» من المادة 65 التي جعلت مجلس قيادة الثورة، الجهةَ المخوَّلة بتعديل الدستور نفسه. يضاف إلى ذلك ما جاءت به المادة 40 من الدستور، حيث نصت على تمتع كل من رئيس ونائب الرئيس وأعضاء مجلس قيادة الثورة بالحصانة الكاملة وعدم مساءلتهم عن أي عمل يقومون به، وعدم جواز اتخاذ أي إجراء بحقهم من دون موافقة المجلس.
وقد توسع المجلس نتيجة لتلك الصلاحيات الواسعة المتوَّجة بالحصانة الكاملة، في إصدار القرارات، ولم يعد لديوان التدوين القانوني أي دور للنظر في دستورية تلك القرارات، وأصبح رئيس المجلس هو الحاكم المطلق الذي لا يسري عليه القانون، ولا يلتزم بأحكام الدستور. فهو السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في آن واحد، بل أصبح أيضاً السلطة القضائية التي تنظر في الأحكام الصادرة من محاكم العراق، بما فيها محكمة الثورة والمحاكم الخاصة.
وتجاوز المجلس، أو بالأحرى رئيس المجلس، في استخدام صلاحياته، فأصبح يتدخل حتى في الترقيات العلمية لأساتذة الجامعة، فيمنح من يشاء لقب «الأستاذية» أو يسحبه منه لأسباب لا علاقة لها بالشؤون العلمية. وأذكر في هذا الصدد، صدور قرار من مجلس قيادة الثورة عام 1977، يقضي بسحب لقب «الأستاذية» من الدكتور عبد الحسين القطيفي (أستاذ القانون الدولي بجامعة بغداد)، لأن الرائد علي العبيدي، سكرتير صدام حسين، قد فشل في امتحان الماجستير، وكان الممتحِن هو الدكتور القطيفي.
* قرارات الإعدام
* في ما يلي أهم القرارات التي أصدرها مجلس قيادة الثورة، وحدد فيها عقوبة الإعدام لمجموعة من الأفعال بما في ذلك حكم الإعدام الإلزامي mandatory لبعض الأنشطة السياسية:
أ ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 865 في 12 آب (أغسطس) 1974، الذي نص على إعدام من ينتمي إلى حزب البعث ويُخفي علاقاته السابقة بالتنظيمات السياسية الأخرى، أو كان منتمياً إلى حزب البعث وأبقى على علاقاته الحزبية السابقة مع التنظيمات الأخرى.
ب ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 1244 في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 1976 والذي يُحكم بموجبه بالإعدام بمن ترك حزب البعث وانتمى إلى حزب آخر أو عمل لمصلحة حزب آخر حتى بعد تركه حزب البعث.
ج ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 1357 في 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 1971 والذي كان يحرّم العمل السياسي داخل القوات المسلحة، وقد عُدِّل عام 1976 بحيث نص على عقوبة الإعدام على كل عسكري يمارس نشاطاً سياسياً باستثناء النشاط السياسي لحزب البعث.
د ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 734 في 30 أيار (مايو) 1978 الذي يقضي بإنزال عقوبة الإعدام بكل عراقي، وكل أجنبي مقيم في العراق، إذا ثبت أن لهما علاقة داخل العراق أو خارجه بأجهزة المخابرات الأجنبية، أو تعاملا مع تلك الأجهزة بأية طريقة، من دون موافقة السلطات العراقية المختصة.
هـ ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 784 في 7 حزيران (يونيو) 1978 الذي يقضي بإنزال عقوبة الإعدام بكل من عمل على تنظيم شخص له علاقة بحزب البعث، ليعمل لصالح حزب أو جماعة سياسية أخرى.
و ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 884 في 3 تموز (يوليو) 1978 الذي يقضي بإنزال عقوبة الإعدام بكل متقاعد من أفراد القوات المسلحة أو قوات الشرطة أو المتطوعين الذين سُرِّحوا من الخدمة أو الذين أُنهيت خدماتهم لأي سبب كان بعد 17 تموز (يوليو) 1968، إذا عملوا أو انتموا إلى جماعة سياسية غير حزب البعث.
ز ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 1447 في 30 تشرين الأول (أكتوبر) 1979 الذي نص على إعدام كل من عاد إلى اعتناق البهائية.
ح ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 461 في 31 آذار (مارس) 1980 الذي نص على إعدام كل من انتمى إلى حزب الدعوة الإسلامية، مع النص صراحة على جعل القرار بأثر رجعي يسري على الحالات السابقة لصدور القرار. ويُلاحَظ في هذا القرار مخالفته واستهتاره الصارخ للمبدأ القانوني الذي يقضي بعدم رجعية القوانين، وبالأخص في القضايا الجنائية، إلا إذا كانت لصالح المتهم. ويخالف أيضاً الفقرة +ب; من المادة 66 من الدستور التي تنص صراحة على عدم رجعية القوانين.
ط ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 1140 في 26 آب (أغسطس) 1981 القاضي بإعدام كل من يتهرب من الخدمة العسكرية. وقد عُدِّل هذا القرار في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 1981 بالقرار رقم 1540 حيث وسع نطاقه ليشمل أفراد الجيش الشعبي وحرس الحدود.
ي ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 877 في 7 تموز (يوليو) 1982 القاضي بإعدام من يتغيب عن وحدته العسكرية لمدة خمسة أيام من دون عذر مشروع.
ك ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 1133 في 2 أيلول (سبتمبر) 1982 الذي يقضي بإعدام كل من يرتكب سرقة في وقت الحرب.
ل ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 1370 في 1983 الذي يقضي بإعدام كل من بلغ الثامنة عشرة من عمره أثناء قيامه بأي عمل من الأعمال التي تكون عقوبتها الإعدام كالهروب إلى خطوط العدو، أو التآمر على سلامة الدولة، أو الانتماء إلى حزب الدعوة، أو التهرب من الخدمة العسكرية.
م ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 313 في 13 آذار (مارس) 1984 الذي ينص على إعدام كل من يقوم بتهريب العملة العراقية أو الأجنبية أو الذهب ويتعامل بها مع العدو الفارسي (كذا).
ن ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 384 في 31 آذار/مارس 1984 بإصدار قانون عقوبات الجيش الشعبي رقم 32 لسنة 1984. وقد نص هذا القانون في عدد من مواده على مجموعة من الأفعال التي يُعاقَب مرتكبوها بالإعدام، ومن هذه الأفعال ثبوت الجبن والتخاذل، من دون تعريف لمعنى الجبن أو تحديد للجهة التي تضع المعيار.
س ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 458 في 21 نيسان (أبريل) 1984 ويقضي بإعدام كل من انتمى إلى حزب أو جماعة أو جمعية، تستهدف تغيير حكومة البعث، إما بواسطة القوة المسلحة، أو بالتعاون مع جهات أجنبية.
ع ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 960 في 23 آب (أغسطس) الذي ينص على إنزال عقوبة الإعدام بكل من يعمل لدولة أجنبية أو مع شخص آخر يعمل لصالح تلك الدولة، أو يتصل بتلك الدولة، إذا ثبت أن عمله أو اتصاله يضر بمصالح العراق العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية. ويُعدَم أيضاً كل من أتلف أو أخفى أو سرق أو زوّر وثائق يمكن أن تفيد العراق لإثبات حقوقه تجاه دولة أجنبية أو لها علاقة بأمن الدولة الخارجي أو بأية مصالح وطنية.
ف ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 120 في 29 كانون الثاني (يناير) 1986 ويقضي بإعدام كل من ارتكب تزويراً في جواز سفر صادر عن دولة أخرى، أو في وثائق صادرة عن السلطات العراقية المختصة، مستهدفاً من وراء ذلك الحصول على منافع مالية تضر بالاقتصاد الوطني.
ص ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 840 في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 1986 الذي يقضي بعقوبة السجن المؤبد ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة لكل من يُهين رئيس الجمهورية أو نائبه، أو مجلس قيادة الثورة، أو حزب البعث، أو المجلس الوطني، أو الحكومة. وتكون العقوبة الإعدام إذا كانت الإهانة واضحة وتستهدف إثارة الرأي العام ضد السلطة.
وأذكر في هذا الصدد، أن صلاح الدين سعيد رئيس تحرير جريدة «العراق» زار لندن عام 1987 فسأله أحد الصحافيين البريطانيين عما إذا كانت نقابة الصحافيين العراقيين ستدافع عن عضو فيها إذا اتُّهم بكتابة مقالة أو ما شابه ووُجد فيها ما يمكن تفسيره بأنه انتقاد لصدام حسين. وكم كانت دهشة الصحافي البريطاني عندما أجابه «زميله» العراقي بأن نقابته لا تدافع عن «المجرمين»، و«إذا حدث وانتقدتَ الرئيس فأنت مجرم، وتستحق الإعدام».
* المحاكم الخاصة
* تنص الفقرة «و» من المادة 43 من الدستور العراقي، على أن مجلس قيادة الثورة هو الجهة التي تضع القواعد الخاصة بمحاكمة أعضائه، وهو الذي يشكل المحاكم الخاصة لذلك الغرض ويحدد إجراءاتها.
وحسب المعلومات المتوفرة، فإن المحاكم الخاصة التي شُكلت بقرارات من المجلس، هي:
أ ـ المحكمة الخاصة عام 1970 لمحاكمة المتهمين بما سمي «مؤامرة» عبد الغني الراوي وصالح السامرائي.
وقد تشكلت هذه المحكمة من طه الجزراوي (عضو مجلس قيادة الثورة)، ودامت جلساتها 36 ساعة فقط.
ب ـ المحكمة الخاصة عام 1973 لمحاكمة المتهمين بقضية ناظم كزار وجماعته. وقد تشكلت هذه المحكمة برئاسة عزت الدوري (عضو مجلس قيادة الثورة) وعضوية طاهر أحمد أمين معاون مدير المخابرات حينذاك، وخليل إبراهيم العزاوي معاون مدير الاستخبارات العسكرية، ودامت جلساتها يومين فقط.
ج ـ المحكمة الخاصة عام 1977 لمحاكمة المتهمين بمظاهرات النجف وكربلاء. وتشكلت هذه المحكمة في أول الأمر من عزت مصطفى (عضو مجلس قيادة الثورة) وفليح حسن الجاسم (عضو مجلس قيادة الثورة). ولما رفضا إصدار أحكام الإعدام، تم فصلهما من القيادة والحزب. واستمر بقية أعضاء المحكمة في إصدار الأحكام. وقد دامت جلسات المحكمة أربع ساعات فقط، د ـ المحكمة الخاصة عام 1979 لمحاكمة المتهمين من أعضاء القيادة القطرية بعد تسلم صدام حسين مواقع السلطة الأولى، ودامت جلساتها ستة أيام فقط.
وكانت محكمة خاصة قد شُكلت عام 1974 سُميت محكمة كركوك الخاصة، لمحاكمة مجموعة من المواطنين الأكراد اتُّهموا بارتكاب أعمال سياسية مناهضة. وقد اتخذت هذه المحكمة من إحدى القواعد العسكرية في كركوك مقراً لها، وعقدت جلساتها في سرية تامة، وحرمت المتهمين من حق توكيل المحامين ومن حق تمييز قراراتها، وأصدرت سلسلة من أحكام الإعدام بحق مجموعة من الأكراد، لم يُعلَن عنها في حينه.
* محكمة الثورة
* استُحدثت محكمة الثورة بموجب القانون رقم 180 في 9 كانون الأول (ديسمبر) 1969. وجرت عدة تعديلات على هذا القانون بموجب القوانين المرقَّمة 1، 85، 120، لسنة 1969.
ينص القانون المذكور على أن عضوية المحكمة تكون من ثلاثة أشخاص، اثنان منهم على الأقل من الحكام، وقد يكون الأعضاء الثلاثة مدنيين أو عسكريين أو من السلكين.
تنظر المحكمة، طبقاً لقانون إنشائها، في الجرائم المتعلقة بالأمن الداخلي والأمن الخارجي للدولة، والرشوة، والاختلاس، والسرقة، وتجارة المخدرات، والتهريب، وتجارة السلاح، وكذلك في جميع المخالفات الاقتصادية والمالية الأخرى وأي قضايا تحال إليها من قِبَل السلطة.
وينص القانون المذكور، على أن تكون إجراءات محكمة الثورة وفقاً لما هو منصوص عليه في قانون أصول المحاكمات الجزائية، غير أن المحكمة لم تلتزم بذلك وكانت أحكامها قطعية بما في ذلك أحكام الإعدام. وقد بلغ استهتار المحكمة المذكورة بالحقوق القانونية للمواطنين حداً أثار اهتمام لجان حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية، التي أرسلت بعثة خاصة إلى العراق عام 1983 حيث قابلت عدداً من المسؤولين في وزارتي العدل والداخلية، لبحث تجاوزات محكمة الثورة وإخلالها بحق الدفاع المشروع. وقد أجابت الحكومة العراقية عن تساؤلات منظمة العفو الدولية بما يلي:
إن محكمة الثورة ترتبط بمكتب رئيس الجمهورية، ولا تخضع لإشراف وزارة العدل. كما أن المحكمة تفسر القوانين وفقا لمبادئ حزب البعث، وأن أعضاءها الثلاثة هم أعضاء في حزب البعث.
أما اعتراضات منظمة العفو الدولية على الأسلوب اللاشرعي واللاإنساني للمحاكم الخاصة، فقد أجابت عنها الحكومة العراقية بما يلي:
بالنسبة إلى المحكمة الخاصة لسنة: 1977 إن المحكمة عقدت جلساتها ليومين وليس أربع ساعات. إن هذا النوع من المحاكم ضروري للقضاء على الطائفية التي يغذيها أعداء الشعب من أجل شق وحدة الصف الوطني وعرقلة الجهود المتطلعة للتقدم والازدهار.
وبالنسبة إلى المحكمة الخاصة لسنة 1979، فإن هذه المحكمة دستورية بكل معنى الكلمة لأنها شُكلت طبقا للفقرة «هـ» من المادة 38 من الدستور العراقي، لتنظر في القضايا المتعلقة بأعضاء في حزب البعث. وهي تخص الشؤون الداخلية للحزب.
ومن الطريف، أن جواب وزير العدل العراقي عن تساؤل منظمة العفو الدولية عن حق المتهمين في الاعتراض، كان: «يحق لكل مواطن عراقي الاعتراض على الحكم الصادر بحقه، بأن يسترحم رئيس الجمهورية لإعادة النظر في الحكم الصادر بحقه. ورئيس الجمهورية هو بمثابة محكمة التمييز».
الإدارة الأميركية امتدحت سياسة صدام واعتبرتها «بشيراً للاستقرار السياسي ودليلاً على انتهاج سياسة واقعية وعملية»
جواد هاشم
* هكذا اطبق صدام قبضته الحديدية على الحكم
* قيادي عراقي اعتمدته السفارة الأميركية في بغداد عميلا لها
* عشرات القرارات بالإعدام ومحاكم خاصة للتصفيات
* رئيس مجلس قيادة الثورة هو الحاكم المطلق الذي لا يسري عليه القانون
* كان صدام حسين قد خطط وعمل على السيطرة المطلقة على الحكم منذ عام 1968 ليصفي بالتالي القياديين والوزراء الذين لا يدينون بالولاء له. في الحلقة التاسعة من كتابه «مذكرات وزير عراقي مع البكر وصدام» يمضي جواد هاشم، وزير التخطيط العراقي الاسبق بسرد الاحداث التي ادت الى استيلاء شخص واحد على اللعب بمقدرات البلد مشيرا الى دعم الادارة الاميركية لصدام حسين اعتمادا على الوثائق السرية للخارجية الاميركية.
هنا ايضا يتحدث الدكتور جواد عن الصلاحيات المطلقة التي يتمتع بها رئيس مجلس قيادة الثورة والتي عطلت كل القوانين وصارت قرارات المجلس والقاضية بالاعدام ومحكمتي الثورة و(الخاصة) هي البديل عن القضاء العراقي.
* عمد صدام إلى رسم مخطَّط شامل للكيانات المتعددة التي أُنشئت تدريجياً، منذ عام 1968، مستهدفاً بذلك زعزعة البنيان الإداري للدولة العراقية، وحصر الصلاحيات جميعها بيده شخصياً، سواء خلال مسؤوليته كنائب لرئيس مجلس قيادة الثورة، أو حين تسلمه المواقع الأولى في الدولة رئيساً للجمهورية ورئيساً للوزراء وقائداَ عاماً للقوات المسلحة، أو حين وصوله في الحزب إلى الأمانة العامة للقيادة القطرية لحزب البعث.
* المكاتب الاستشارية
* كانت الخطوة الأولى تشكيل المكاتب الاستشارية في نطاق ما بات يعرف بأعلى سلطة للبلاد: مجلس قيادة الثورة. فقد بدأ المجلس بعد مرور أقل من ثلاثة أشهر على الانقلاب، بإصدار قرارات تنص على تكوين مكاتب استشارية له من دون أن تتناول تلك القرارات مهام هذه المكاتب وعلاقاتها بأجهزة الدولة الأخرى. وأول مكتب تم تأسيسه هو «مكتب العلاقات العامة»برئاسة سعدون شاكر، حيث تحول هذا المكتب بعدئذ إلى إدارة المخابرات العامة. كان هذا المكتب مرتبطاً بصدام حسين مباشرة، ولم يكن أحد منا يعرف أعضاءه وطبيعة عمله، بل كنا نظن أن مهمته هي تطوير علاقات الحزب بالجماهير لتطمينها من خلال +العلاقات العامة; التي تتولاها عادة مؤسسات متخصصة في دول العالم المتحضر. ولم يخطر ببال أحد، في ذلك الوقت، أن هذا المكتب إنما هو اللبنة الأولى في بناء المخابرات العراقية ليقوم بمهام حماية النظام، وليتطور بعدئذ إلى حماية صدام شخصياً، وهو في ذلك امتداد لجهاز «حنين» الذي كان صدام يشرف عليه قبل الثورة، وكانت مهمته تصفية العناصر المناوئة للحزب.
لقد تحولت مكاتب مجلس قيادة الثورة إلى أدوات فعالة في استخدام أساليب العمل السري محل أساليب الإدارة العلمية، وأدت في النهاية إلى ابتلاع الدولة، وزعزعة البروتوكول الرسمي، وتهديم البنيان التحتي للتسلسل الوظيفي. ولم يعد الوزراء، من غير أعضاء تلك المجالس والمكاتب، يعلمون بما يجري في الدولة، أو إلى من يكتبون في شؤون وزاراتهم. ولم يعد لمجلس الوزراء وجود فعلي بعد أن توقفت اجتماعاته الدورية.
إن نظرة فاحصة إلى تركيبة المكاتب والمجالس، ترينا بوضوح الأسلوب الذي اتّبعه صدام حسين في الهيمنة شيئاً فشيئاً على أجهزة الدولة. فقد ارتبطت به الأجهزة التالية:
مجلس التخطيط، المخابرات العامة، مجلس الأمن القومي، لجنة المتابعة لشؤون النفط وتنفيذ الاتفاقيات، مكتب الشؤون الاقتصادية، المكتب العسكري، لجنة الطاقة الذرية، مكتب الثقافة والإعلام، مؤسسة البحث العلمي، اللجنة العليا لشؤون الشمال.
أما أحمد حسن البكر، فلم ترتبط به سوى المكاتب التالية:
المجلس الزراعي الأعلى، مكتب الشؤون القانونية، الهيئة العليا للعمل الشعبي.
وضاعت نتيجة لهذا الأمر، أسس التمييز بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. أما السلطة القضائية فقد فقدت استقلاليتها منذ الأسابيع الأولى للانقلاب، ولم يعد لمحاكم العراق دور في إدارة القضاء وتسيير أمور المواطنين الاعتيادية، حيث أصبحت محكمة الثورة والمحاكم الخاصة التي لا تلتزم بقانون محدد ـ وليس للمواطن المحال عليها حق استئناف الأحكام أو الاعتراض، ـ تنظر في أغلب القضايا، وأصبح تعيين الحكام منعقداً على الولاء الحزبي، وليس على المقدرة القانونية العادلة. أما أحكام وإجراءات التحقيق وقانون أصول المحاكم الجنائية والمحاكم المدنية، فلم تعد تطبَّق نظراً إلى الاستثناءات العديدة التي أحدثها مجلس قيادة الثورة بقراراته المتعاقبة.
لقد أصبح الاستثناء هو القاعدة، والقاعدة هي الاستثناء.
* 1974: بداية القبضة الحديدية
* وجاء عام 1974، وإذا بمفاتيح السياسة النفطية بيد صدام يساعده في ذلك عدنان حسين الحمداني، ثم استأثر بمفاتيح مقاولات المشاريع الصناعية الكبيرة بصفته رئيساً لمجلس التخطيط، يساعده في ذلك جهاز وزارة التخطيط والجهاز المركزي للإحصاء. وأصبحت أدوات العمل السري والمخابرات تحت إشراف صدام يساعده في ذلك سعدون شاكر وبرزان التكريتي. ولكي تزداد قبضة صدام على كل مرافق الحياة وتُسخَّر جهود كل الناس وأفكارهم لخدمته من خلال تنظيمات حزب البعث، فوجئ العراقيون يوم الأحد الموافق 6 تشرين الأول (أكتوبر) 1974 بقرار مجلس قيادة الثورة المرقَّم 1083، الذي جعل التقرير السياسي للمؤتمر القطري الثامن لحزب البعث قانوناً يقود السلطة والدولة، ومنهاجاً ودليل عمل لجميع أجهزة الدولة ومؤسساتها ومدارسها وجامعاتها.
بتعبير آخر، لم يعد للوزارة الائتلافية التي شُكلت عام 1972 وضمت أعضاء من الحزب الشيوعي والأحزاب القومية والكردية الأخرى، أي دور فعلي في إدارة دفة الحكم، إلا إذا انصاع الوزراء غير البعثيين وارتضوا لأنفسهم الإيمان بمقررات المؤتمر القطري الثامن للحزب.
ولم يمض على صدور قانون الحزب القائد سوى شهر واحد، وإذا بتعديل وزاري كبير دخل الوزارة وفقاً له مَن هو موال لصدام حسين، وأُبعد منها من يُشَك في ولائه المطلق له.
* رأي الإدارة الأميركية في التشكيل الوزاري
* نشرت وزارة الخارجية الأميركية في 2 كانون الثاني (يناير) 1997، وثيقة مؤرخة في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 1974.
والوثيقة عبارة عن تقرير سري من شعبة رعاية المصالح الأميركية في بغداد إلى وزير الخارجية الأميركي تتضمن تحليلاً لأسباب التعديل الوزاري الذي جرى يوم 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 1974.
وقد يكون مفيداً ترجمة الوثيقة وتلخيصها كما يلي:
رقم الوثيقة: PR تاريخ الوثيقة: 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 1974 الموضوع: أهم وأكبر تعديل وزاري في العراق منذ تسلم البعث السلطة عام 1968.
حدث يوم 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 1974 أكبر وأهم تغيير وزاري في العراق. وتشير تقديراتنا وتحليلاتنا الأولية إلى أن صدام حسين كان وراء هذا التغيير الهام من أجل بسط سيطرته وتقويتها على مؤسسات الدولة، وذلك عن طريق تعيين مجموعة من البعثيين الموالين له وإبعاد من يُشَك بولائه المطلق. إن هذا التغيير الوزاري دليل واضح على تصميم حزب البعث على عدم السماح لأية جهة بمشاركته في الحكم وفي السلطة، سواءً كانت الجهة الحزب الشيوعي، أو حركة القوميين العرب، أو أية حركة أو مجموعة تقدمية.
إننا في الإدارة الأميركية على ثقة تامة بأن أعضاء الوزارة الجديدة أعلى كفاءة ومقدرة من أعضاء الوزارة السابقة. فوزير الخارجية الجديد هو الدكتور سعدون حمادي (وزير النفط سابقاً) التكنوقراطي، المتخرج من الجامعات الأميركية.
إننا نعتبر التغيير الوزاري الذي أُجري يوم 11 تشرين الثاني (نوفمبر) بشيراً للاستقرار السياسي واستمراراً لسياسة عدم الانحياز ودليلاً على أهمية صدام حسين في انتهاج سياسة واقعية وعملية في إدارة دفة الحكم. إن أهم ما يلفت النظر في هذا التغيير الواسع، هو زرع الموالين لصدام حسين في مناصب الدولة الرئيسية لدعم مركزه كنائب لرئيس مجلس قيادة الثورة ونائب للسكرتير العام لحزب البعث. أما أحمد حسن البكر رئيس الجمهورية، فلم يكسب شيئاً من هذا التغيير بالرغم من احتفاظه بمنصب وزير الدفاع.
وختاماً، لا بد من التأكيد أن جميع الوزارات الرئيسية هي الآن بأيدي البعثيين الموالين لصدام حسين، وعليه يجب اعتبار التغيير الوزاري الجديد بمثابة تلاحم وتماسك سلطة البعث وانتقال حقيقي للسلطة إلى مجلس الوزراء، وهو أمر سيساعد على الإسراع في جهود التنمية لبناء العراق. كما يُعتبر التغيير الوزاري استمراراً لسيطرة حزب البعث المباشرة والقوية على جميع الشؤون الرسمية.
إن التخلص من الوزراء القوميين وتقليص عدد الوزراء الأكراد وعدم إسناد أي منصب وزاري إلى شيوعيين آخرين بالرغم من مساهمة جميع تلك القوى في الجبهة الوطنية، إنما هي الدليل القاطع على تصميم حزب البعث على الانفراد بالسلطة والمحافظة على نقاوتها الآيديولوجية.
وأخيراً، نحن نعتقد أن الحزب الشيوعي العراقي ومن ورائه الاتحاد السوفياتي، سيعيدان النظر في مواقفهما من السلطة العراقية بعد أن كان الاتحاد السوفياتي يمارس الضغط على الحكومة العراقية لكي توسع من مشاركة كافة القوى الشعبية والتقدمية في الحكم. وأكثر من ذلك، فإن الاتحاد السوفياتي وجهات أخرى ستفسر تعيين سعدون حمادي انفتاحاً على أميركا وإرضاءً لها.
المخابرات الأميركية ومجلس قيادة الثورة بحثت كثيراً في الوثائق الأميركية التي نُشرت مؤخراً عسى أن أجد شيئاً عن اتصالات خفية أُشيع عن وجودها بين حكام نظام البعث الذين تعاقبوا على حكم العراق والإدارة الأميركية، فلم أعثر على الكثير، غير أن وثيقة واحدة استرعت انتباهي لأنها تشير إلى وجود «مصدر موثوق به» داخل القيادة العراقية له اتصال مباشر مع الإدارة الأميركية، هذه الوثيقة هي تقرير سري مؤرَّخ في 24 نيسان (أبريل) 1980 حول إشاعة إعدام رجل الدين المعروف آية اللَّه محمد باقر الصدر وشقيقته آمنة الصدر.
لا تكمن أهمية هذا التقرير في كونه يبحث في ما كان يدور في بغداد آنذاك من إشاعات حول تنفيذ حكم الإعدام بالسيد الصدر وشقيقته، وإنما في تكرار التقرير الإشارة إلى مصدر معلومات السلطات الأميركية واعتمادها على شخص في القيادة العراقية أو وثيق الصلة مع سلطة اتخاذ القرار.
الرقم: PRZ التاريخ: 24 نيسان (أبريل) 1980 من شعبة رعاية المصالح الأميركية ـ بغداد، إلى وزارة الخارجية ـ واشنطن
أ ـ الموضوع: قضية آية الله باقر الصدر: شهادات متضاربة.
ب ـ ما زالت الشائعات المحيرة والمتضاربة حول مصير الإمام الشيعي آية الله الصدر مستمرة. لقد كنا على وشك إنهاء التقرير عن هذه القضية نقول فيه بأنه من غير المنطقي أن تُقْدم الحكومة العراقية على استفزاز الغالبية من سكان العراق الذين هم من الشيعة بإعدامها شخصية مرموقة كالسيد الصدر، ذلك لأن الحكومة العراقية سوف لن تكسب شيئاً من هذا العمل. وما إن انتهينا من التوصل إلى هذا التحليل المنطقي حتى وصلتنا أخبار مؤكدة تشير إلى تنفيذ حكم الإعدام بالسيد باقر الصدر بعد محاكمة سرية. إن التفسيرات التي أُعطيت لنا تعزو أسباب التسرع في تنفيذ حكم الإعدام إلى اعتقاد الحكومة العراقية أن باقر الصدر ميتاً هو أقل خطراً من بقائه حياً في مدينة النجف، أو في المنفى.
ج ـ ما ذكر أعلاه هي الإشاعات التي تدور في بغداد. غير أننا قد أُخبرنا مباشرة من مصدرنا الموثوق ذي الاتصالات المباشرة، بأن الحكومة العراقية قد حكمت فعلاً على باقر الصدر بالإعدام، إلا أن الحكم لم ينفَّذ بعد. ويذهب مصدرنا الموثوق به إلى التأكيد أن إشاعة تنفيذ حكم الإعدام هي لجس النبض. فإن حدث تململ وتذمر لدى الشيعة في العراق تقوم الحكومة عندئذ بإظهار السيد الصدر على شاشة التلفزيون تكذيباً للشائعات، أما إذا لم تُحدث شائعاتُ تنفيذ حكم الإعدام سوى ردود فعل بسيطة في العراق أو من قِبَل حكام إيران، فإن حكم الإعدام سيُنفَّذ سراً ومن دون ضجة إعلامية.
د ـ يؤكد مصدرنا المعتمَد أن سلطات الأمن والمخابرات على ثقة تامة من أن الاضطرابات التي قامت في النجف وكربلاء وبغداد قد قُضي عليها نهائياً، حيث يسود الهدوء والسكينة المناطق الشيعية. كما يؤكد مصدرنا المعتمَد عزم القيادة العراقية على القضاء بكل ضراوة وعنف شديد على أي نشاط معاد.
هـ ـ إننا نواجه المعضلة التي عرفت بها بغداد، إذ ليس هناك وسيلة مباشرة لمعرفة ما إذا كان باقر الصدر حياً أم ميتاً، خاصة أن حزب البعث العربي الاشتراكي يتعمد إثارة قصة إعدامه فعلياً. يعتقد المجتمع الدبلوماسي في بغداد أن حكم الإعدام قد نُفذ فعلاً، إلا أن مصدرنا الموثوق به والمعتمَد من قِبَلنا، يقسم اليمين ويؤكد أن أعضاء بارزين في مجلس قيادة الثورة وفي قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي ومكاتبه المتخصصة ينفون نفياً قاطعاً إشاعات تنفيذ حكم الإعدام بالسيد الصدر.
و ـ إن المسؤولين العراقيين يؤمنون بالواقع العملي. وما لم يشكل باقر الصدر خطراً مباشراً عليهم فإنه لا يوجد سبب ضروري للقضاء عليه، فقد يؤدي موته إلى إشعال نار ثورة كبيرة فشل الخميني حتى الآن في إثارتها وإشعالها.
ز ـ أما إذا أساءت السلطة العراقية تدبير قضية باقر الصدر، فإن النتيجة قد تكون لها عواقب وخيمة على نظام صدام والدول المجاورة.
التوقيع: إدوارد بيك EdwardLPeck
* الإعدام... بقرار
* ليس الهدف من هذا الفصل مناقشة القوانين العراقية التي تنص على عقوبة الإعدام لمرتكبي بعض الجرائم، بل هو تبيان الاستثناءات العديدة التي أصدرها مجلس قيادة الثورة ووسَّع بموجبها قاعدة الأفعال التي يُعاقَب مرتكبوها بالإعدام.
ويمكن اعتبار الدستور المؤقت الذي أصدره مجلس قيادة الثورة ـ وضمنه مادتان خطيرتان أعطتا للمجلس صلاحيات واسعة تتجاوز كل القوانين والأعراف، بل تتجاوز الدستور نفسه ـ بدايةَ هذه الظاهرة الغريبة.
إحدى هاتين المادتين هي الفقرة «أ» من المادة 42، التي أعطت المجلس صلاحية إصدار قرارات لها قوة القانون، والمادة الأخرى هي الفقرة «ب» من المادة 65 التي جعلت مجلس قيادة الثورة، الجهةَ المخوَّلة بتعديل الدستور نفسه. يضاف إلى ذلك ما جاءت به المادة 40 من الدستور، حيث نصت على تمتع كل من رئيس ونائب الرئيس وأعضاء مجلس قيادة الثورة بالحصانة الكاملة وعدم مساءلتهم عن أي عمل يقومون به، وعدم جواز اتخاذ أي إجراء بحقهم من دون موافقة المجلس.
وقد توسع المجلس نتيجة لتلك الصلاحيات الواسعة المتوَّجة بالحصانة الكاملة، في إصدار القرارات، ولم يعد لديوان التدوين القانوني أي دور للنظر في دستورية تلك القرارات، وأصبح رئيس المجلس هو الحاكم المطلق الذي لا يسري عليه القانون، ولا يلتزم بأحكام الدستور. فهو السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في آن واحد، بل أصبح أيضاً السلطة القضائية التي تنظر في الأحكام الصادرة من محاكم العراق، بما فيها محكمة الثورة والمحاكم الخاصة.
وتجاوز المجلس، أو بالأحرى رئيس المجلس، في استخدام صلاحياته، فأصبح يتدخل حتى في الترقيات العلمية لأساتذة الجامعة، فيمنح من يشاء لقب «الأستاذية» أو يسحبه منه لأسباب لا علاقة لها بالشؤون العلمية. وأذكر في هذا الصدد، صدور قرار من مجلس قيادة الثورة عام 1977، يقضي بسحب لقب «الأستاذية» من الدكتور عبد الحسين القطيفي (أستاذ القانون الدولي بجامعة بغداد)، لأن الرائد علي العبيدي، سكرتير صدام حسين، قد فشل في امتحان الماجستير، وكان الممتحِن هو الدكتور القطيفي.
* قرارات الإعدام
* في ما يلي أهم القرارات التي أصدرها مجلس قيادة الثورة، وحدد فيها عقوبة الإعدام لمجموعة من الأفعال بما في ذلك حكم الإعدام الإلزامي mandatory لبعض الأنشطة السياسية:
أ ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 865 في 12 آب (أغسطس) 1974، الذي نص على إعدام من ينتمي إلى حزب البعث ويُخفي علاقاته السابقة بالتنظيمات السياسية الأخرى، أو كان منتمياً إلى حزب البعث وأبقى على علاقاته الحزبية السابقة مع التنظيمات الأخرى.
ب ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 1244 في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 1976 والذي يُحكم بموجبه بالإعدام بمن ترك حزب البعث وانتمى إلى حزب آخر أو عمل لمصلحة حزب آخر حتى بعد تركه حزب البعث.
ج ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 1357 في 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 1971 والذي كان يحرّم العمل السياسي داخل القوات المسلحة، وقد عُدِّل عام 1976 بحيث نص على عقوبة الإعدام على كل عسكري يمارس نشاطاً سياسياً باستثناء النشاط السياسي لحزب البعث.
د ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 734 في 30 أيار (مايو) 1978 الذي يقضي بإنزال عقوبة الإعدام بكل عراقي، وكل أجنبي مقيم في العراق، إذا ثبت أن لهما علاقة داخل العراق أو خارجه بأجهزة المخابرات الأجنبية، أو تعاملا مع تلك الأجهزة بأية طريقة، من دون موافقة السلطات العراقية المختصة.
هـ ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 784 في 7 حزيران (يونيو) 1978 الذي يقضي بإنزال عقوبة الإعدام بكل من عمل على تنظيم شخص له علاقة بحزب البعث، ليعمل لصالح حزب أو جماعة سياسية أخرى.
و ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 884 في 3 تموز (يوليو) 1978 الذي يقضي بإنزال عقوبة الإعدام بكل متقاعد من أفراد القوات المسلحة أو قوات الشرطة أو المتطوعين الذين سُرِّحوا من الخدمة أو الذين أُنهيت خدماتهم لأي سبب كان بعد 17 تموز (يوليو) 1968، إذا عملوا أو انتموا إلى جماعة سياسية غير حزب البعث.
ز ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 1447 في 30 تشرين الأول (أكتوبر) 1979 الذي نص على إعدام كل من عاد إلى اعتناق البهائية.
ح ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 461 في 31 آذار (مارس) 1980 الذي نص على إعدام كل من انتمى إلى حزب الدعوة الإسلامية، مع النص صراحة على جعل القرار بأثر رجعي يسري على الحالات السابقة لصدور القرار. ويُلاحَظ في هذا القرار مخالفته واستهتاره الصارخ للمبدأ القانوني الذي يقضي بعدم رجعية القوانين، وبالأخص في القضايا الجنائية، إلا إذا كانت لصالح المتهم. ويخالف أيضاً الفقرة +ب; من المادة 66 من الدستور التي تنص صراحة على عدم رجعية القوانين.
ط ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 1140 في 26 آب (أغسطس) 1981 القاضي بإعدام كل من يتهرب من الخدمة العسكرية. وقد عُدِّل هذا القرار في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 1981 بالقرار رقم 1540 حيث وسع نطاقه ليشمل أفراد الجيش الشعبي وحرس الحدود.
ي ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 877 في 7 تموز (يوليو) 1982 القاضي بإعدام من يتغيب عن وحدته العسكرية لمدة خمسة أيام من دون عذر مشروع.
ك ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 1133 في 2 أيلول (سبتمبر) 1982 الذي يقضي بإعدام كل من يرتكب سرقة في وقت الحرب.
ل ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 1370 في 1983 الذي يقضي بإعدام كل من بلغ الثامنة عشرة من عمره أثناء قيامه بأي عمل من الأعمال التي تكون عقوبتها الإعدام كالهروب إلى خطوط العدو، أو التآمر على سلامة الدولة، أو الانتماء إلى حزب الدعوة، أو التهرب من الخدمة العسكرية.
م ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 313 في 13 آذار (مارس) 1984 الذي ينص على إعدام كل من يقوم بتهريب العملة العراقية أو الأجنبية أو الذهب ويتعامل بها مع العدو الفارسي (كذا).
ن ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 384 في 31 آذار/مارس 1984 بإصدار قانون عقوبات الجيش الشعبي رقم 32 لسنة 1984. وقد نص هذا القانون في عدد من مواده على مجموعة من الأفعال التي يُعاقَب مرتكبوها بالإعدام، ومن هذه الأفعال ثبوت الجبن والتخاذل، من دون تعريف لمعنى الجبن أو تحديد للجهة التي تضع المعيار.
س ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 458 في 21 نيسان (أبريل) 1984 ويقضي بإعدام كل من انتمى إلى حزب أو جماعة أو جمعية، تستهدف تغيير حكومة البعث، إما بواسطة القوة المسلحة، أو بالتعاون مع جهات أجنبية.
ع ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 960 في 23 آب (أغسطس) الذي ينص على إنزال عقوبة الإعدام بكل من يعمل لدولة أجنبية أو مع شخص آخر يعمل لصالح تلك الدولة، أو يتصل بتلك الدولة، إذا ثبت أن عمله أو اتصاله يضر بمصالح العراق العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية. ويُعدَم أيضاً كل من أتلف أو أخفى أو سرق أو زوّر وثائق يمكن أن تفيد العراق لإثبات حقوقه تجاه دولة أجنبية أو لها علاقة بأمن الدولة الخارجي أو بأية مصالح وطنية.
ف ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 120 في 29 كانون الثاني (يناير) 1986 ويقضي بإعدام كل من ارتكب تزويراً في جواز سفر صادر عن دولة أخرى، أو في وثائق صادرة عن السلطات العراقية المختصة، مستهدفاً من وراء ذلك الحصول على منافع مالية تضر بالاقتصاد الوطني.
ص ـ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 840 في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 1986 الذي يقضي بعقوبة السجن المؤبد ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة لكل من يُهين رئيس الجمهورية أو نائبه، أو مجلس قيادة الثورة، أو حزب البعث، أو المجلس الوطني، أو الحكومة. وتكون العقوبة الإعدام إذا كانت الإهانة واضحة وتستهدف إثارة الرأي العام ضد السلطة.
وأذكر في هذا الصدد، أن صلاح الدين سعيد رئيس تحرير جريدة «العراق» زار لندن عام 1987 فسأله أحد الصحافيين البريطانيين عما إذا كانت نقابة الصحافيين العراقيين ستدافع عن عضو فيها إذا اتُّهم بكتابة مقالة أو ما شابه ووُجد فيها ما يمكن تفسيره بأنه انتقاد لصدام حسين. وكم كانت دهشة الصحافي البريطاني عندما أجابه «زميله» العراقي بأن نقابته لا تدافع عن «المجرمين»، و«إذا حدث وانتقدتَ الرئيس فأنت مجرم، وتستحق الإعدام».
* المحاكم الخاصة
* تنص الفقرة «و» من المادة 43 من الدستور العراقي، على أن مجلس قيادة الثورة هو الجهة التي تضع القواعد الخاصة بمحاكمة أعضائه، وهو الذي يشكل المحاكم الخاصة لذلك الغرض ويحدد إجراءاتها.
وحسب المعلومات المتوفرة، فإن المحاكم الخاصة التي شُكلت بقرارات من المجلس، هي:
أ ـ المحكمة الخاصة عام 1970 لمحاكمة المتهمين بما سمي «مؤامرة» عبد الغني الراوي وصالح السامرائي.
وقد تشكلت هذه المحكمة من طه الجزراوي (عضو مجلس قيادة الثورة)، ودامت جلساتها 36 ساعة فقط.
ب ـ المحكمة الخاصة عام 1973 لمحاكمة المتهمين بقضية ناظم كزار وجماعته. وقد تشكلت هذه المحكمة برئاسة عزت الدوري (عضو مجلس قيادة الثورة) وعضوية طاهر أحمد أمين معاون مدير المخابرات حينذاك، وخليل إبراهيم العزاوي معاون مدير الاستخبارات العسكرية، ودامت جلساتها يومين فقط.
ج ـ المحكمة الخاصة عام 1977 لمحاكمة المتهمين بمظاهرات النجف وكربلاء. وتشكلت هذه المحكمة في أول الأمر من عزت مصطفى (عضو مجلس قيادة الثورة) وفليح حسن الجاسم (عضو مجلس قيادة الثورة). ولما رفضا إصدار أحكام الإعدام، تم فصلهما من القيادة والحزب. واستمر بقية أعضاء المحكمة في إصدار الأحكام. وقد دامت جلسات المحكمة أربع ساعات فقط، د ـ المحكمة الخاصة عام 1979 لمحاكمة المتهمين من أعضاء القيادة القطرية بعد تسلم صدام حسين مواقع السلطة الأولى، ودامت جلساتها ستة أيام فقط.
وكانت محكمة خاصة قد شُكلت عام 1974 سُميت محكمة كركوك الخاصة، لمحاكمة مجموعة من المواطنين الأكراد اتُّهموا بارتكاب أعمال سياسية مناهضة. وقد اتخذت هذه المحكمة من إحدى القواعد العسكرية في كركوك مقراً لها، وعقدت جلساتها في سرية تامة، وحرمت المتهمين من حق توكيل المحامين ومن حق تمييز قراراتها، وأصدرت سلسلة من أحكام الإعدام بحق مجموعة من الأكراد، لم يُعلَن عنها في حينه.
* محكمة الثورة
* استُحدثت محكمة الثورة بموجب القانون رقم 180 في 9 كانون الأول (ديسمبر) 1969. وجرت عدة تعديلات على هذا القانون بموجب القوانين المرقَّمة 1، 85، 120، لسنة 1969.
ينص القانون المذكور على أن عضوية المحكمة تكون من ثلاثة أشخاص، اثنان منهم على الأقل من الحكام، وقد يكون الأعضاء الثلاثة مدنيين أو عسكريين أو من السلكين.
تنظر المحكمة، طبقاً لقانون إنشائها، في الجرائم المتعلقة بالأمن الداخلي والأمن الخارجي للدولة، والرشوة، والاختلاس، والسرقة، وتجارة المخدرات، والتهريب، وتجارة السلاح، وكذلك في جميع المخالفات الاقتصادية والمالية الأخرى وأي قضايا تحال إليها من قِبَل السلطة.
وينص القانون المذكور، على أن تكون إجراءات محكمة الثورة وفقاً لما هو منصوص عليه في قانون أصول المحاكمات الجزائية، غير أن المحكمة لم تلتزم بذلك وكانت أحكامها قطعية بما في ذلك أحكام الإعدام. وقد بلغ استهتار المحكمة المذكورة بالحقوق القانونية للمواطنين حداً أثار اهتمام لجان حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية، التي أرسلت بعثة خاصة إلى العراق عام 1983 حيث قابلت عدداً من المسؤولين في وزارتي العدل والداخلية، لبحث تجاوزات محكمة الثورة وإخلالها بحق الدفاع المشروع. وقد أجابت الحكومة العراقية عن تساؤلات منظمة العفو الدولية بما يلي:
إن محكمة الثورة ترتبط بمكتب رئيس الجمهورية، ولا تخضع لإشراف وزارة العدل. كما أن المحكمة تفسر القوانين وفقا لمبادئ حزب البعث، وأن أعضاءها الثلاثة هم أعضاء في حزب البعث.
أما اعتراضات منظمة العفو الدولية على الأسلوب اللاشرعي واللاإنساني للمحاكم الخاصة، فقد أجابت عنها الحكومة العراقية بما يلي:
بالنسبة إلى المحكمة الخاصة لسنة: 1977 إن المحكمة عقدت جلساتها ليومين وليس أربع ساعات. إن هذا النوع من المحاكم ضروري للقضاء على الطائفية التي يغذيها أعداء الشعب من أجل شق وحدة الصف الوطني وعرقلة الجهود المتطلعة للتقدم والازدهار.
وبالنسبة إلى المحكمة الخاصة لسنة 1979، فإن هذه المحكمة دستورية بكل معنى الكلمة لأنها شُكلت طبقا للفقرة «هـ» من المادة 38 من الدستور العراقي، لتنظر في القضايا المتعلقة بأعضاء في حزب البعث. وهي تخص الشؤون الداخلية للحزب.
ومن الطريف، أن جواب وزير العدل العراقي عن تساؤل منظمة العفو الدولية عن حق المتهمين في الاعتراض، كان: «يحق لكل مواطن عراقي الاعتراض على الحكم الصادر بحقه، بأن يسترحم رئيس الجمهورية لإعادة النظر في الحكم الصادر بحقه. ورئيس الجمهورية هو بمثابة محكمة التمييز».