أفغانستان .. الحرب المستمرة

معمر القذافى

عضو مميز
إنضم
8 أكتوبر 2008
المشاركات
2,471
التفاعل
81 0 0
أفغانستان .. الحرب المستمرة (الحلقة الأولى) ـ الهيروين والفقروالغضب تغذي حرب طالبان

أفغانستان على أعتاب أن تصبح دولة مخدرات وعصابات تجارة المخدرات.. أكبر خطرا من الميليشيات


ضابط شرطة أفغاني يجري تفتيشا على الطريق السريع ما بين غزني وكابل أمس (أ. ب)


قوات التحالف تمر وسط حقول الهيروين

هلمند (أفغانستان): محمد الشافعي
أمور كثيرة حصلت في أفغانستان منذ إطاحة نظام حركة «طالبان» في نهاية العام 2001. فقد قامت حكومة جديدة، وعقد مجلسان لأعيان البلاد (لويا جيركا)، وبدأت عملية إعادة بناء الجيش الوطني الافغاني بعد سنوات من الاقتتال تحت اشراف البريطانيين، واعلن انتخاب أول رئيس منتخب شعبياً لأفغانستان بعد عقود من الانقلابات والاحتلال الاجنبي وصراع قادة المجاهدين. لكن كل هذه الخطوات تبدو مهددة بشكل كبير اليوم مع استمرار وتيرة تصاعد عمليات حركة «طالبان» وتنظيم «القاعدة» في ولايات الجنوب والجنوب الشرقي، حيث وصل العنف الدامي أخيراً إلى العاصمة كابل في سلسلة عمليات انتحارية استهدفت قوات الأمن والمساعدة «إيساف» ومسؤولي حكومة الرئيس حميد كرزاي. «الشرق الأوسط» زارت مقاطعة هلمند بالجنوب الافغاني التي تنشط فيها عناصر حركة طالبان، والتقت جنود وضباط إيساف وأجرت حوارات مع مواطنين افغان وتجولت في منطقة المواجهة الساخنة مع طالبان. ويقول الجنود البريطانيون في هلمند، إنهم لا يستطيعون معرفة عناصر طالبان من باقي السكان الافغان من البشتون من خلال دوريات الامن والمساعدة «ايساف» لانهم جميعهم يشبهون بعضهم البعض بلحى وعمامات سوداء. واليوم هناك تعليمات على سيارات «ايساف» تطالب الأفغان بعد الاقتراب خوفا من الانتحاريين الذين طوروا عملياتهم باستخدام الدراجات النارية السريعة.
وحتى قبل ساعة السفر الحاسمة من قاعدة برايز نورتون البريطانية العسكرية في ضواحي مدينة أوكسفورد على طائرة «تريستار» تابعة لقوات سلاح الجو الملكي البريطاني التي أقلتنا الى مطار قندهار، العاصمة الروحية للملا محمد عمر زعيم حركة طالبان المخلوع، كان الهاجس الامني يسيطر على الرحلة، وكانت التعليمات الصادرة تقتضي بارتداء صديرية واقية من الرصاص وخوذة من الفولاذ تسلمناها في المطار قبل ركوب الطائرة المزدحمة بجنود جدد ذاهبين الى هناك للمرة الاولى، واخرين انتهوا من اجازاتهم في طريقهم الى صحراء هلمند. وعندما حطت الطائرة ليلا في مطار قندهار المدجج بالعتاد الاميركي، والذي تحول الى ما يشبة ثكنة عسكرية محاطة بسواتر خراسانية بعد رحلة طيران تجاوزت اكثر من عشر ساعات، كانت سيارات ساكسون المدرعة والدبابات تنتظر تحت بطن الطائرة، وكانت تعليمات الكابتن مارك المسؤول الاعلامي في حديثه لنا تقتضي بارتداء الصديرية الواقية من الرصاص والخوذة العسكرية داخل السيارة المصفحة التي باتت مثل الفرن، والبقاء داخل «الساكسون» اذا ما تعرض الموكب لأي هجوم، والارتماء ارضا عند سماع أصوات لطلقات رصاص. واعتبارا من اليوم تنشر «الشرق الاوسط» في سلسلة حلقات عن الأوضاع في أفغانستان وحربها المستمرة، وتتعرض الى أزمة نجاح زراعات الهيروين التي تغذي حرب طالبان، كما تتحدث مع قائد القوات البريطانية في افغانستان الذي يتحدث العربية عن رؤيته للمستقبل واستراتيجيته القائمة على السعي لكسب ثقة الافغان. كما التقت «الشرق الأوسط» مع عدد من الجنود المسلمين الذين يعملون مع قوات إيساف، وتحدثت مع مواطنين أفغان حول همومهم ومشاغلهم، ومع عدد من المترجمين الافغان من عناصر البشتون الذين يعملون في خدمة القوات الاجنبية داخل المعسكرات، وحالة الرعب الدائم التي يعيشونها بسبب الخوف من طالبان.

تغذي المخدرات والفقر ومشاعر الإحباط من الحكومة الأفغانية التمرد الذي يقوده مسلحو طالبان الذين يبدو أن قوتهم تتنامى رغم وصول المزيد من القوات الأجنبية الى جنوب افغانستان في محاولة تحسين الأوضاع الأمنية.

وتعتبر اعمال العنف التي شهدها جنوب افغانستان خلال الاسابيع الماضية واحدة من أسوأ الموجات منذ أن أطاحت القوات التي تقودها الولايات المتحدة، طالبان من السلطة عام 2001 ، ففي الأيام الأخيرة قتل أكثر من 100 في تفجيرات ومعارك بالرصاص في جنوب أفغانستان، واختطفت طالبان 22 متطوعا كوريا جنوبيا، وهددت بقتل المانيين كانت قد اختطفتهما قبل ايام. وفي الوقت الذي تسعى فيه القوات الأجنبية وحكومة الرئيس حميد كرزاي لبسط سلطتها على الريف تعمل طالبان ايضا على توسيع نطاق نفوذها. وقال سكان إن طالبان توغلت على سبيل المثال إلى قرى على بعد عشرة كيلومترات فقط من غزنة عاصمة الإقليم الذي يحمل نفس الاسم ويقع جنوب غربي العاصمة كابل.

«الشرق الاوسط» زارت هلمند بجنوب افغانستان، وكانت في ضيافة المعسكرات البريطانية في لشكرجاه وباستين. وتعتبر هلمند التي زارتها «الشرق الأوسط» في خط المواجهة الأول بين القوات الدولية والأفغانية وقوات طالبان.

ويقول مطلعون «المواطنون لديهم شكاوى تتعلق والفساد والشفافية.. هناك إحباط لأن المواطنين لم يجدوا ما ينتظرونه من الحكم». فبعد إطاحة طالبان راود الناس الأمل في أن تتحسن الاوضاع الاقتصادية ويعاد بناء أفغانستان، لكن يبدو أن الآمال لم تتحقق. كما أن جهود الحكومة التي يدعمها الغرب للقضاء على زراعة الأفيون خدمت مصالح طالبان. وتقول دوائر اجنبية «بدلا من القبض على المسؤولين المتورطين في عمليات التهريب لجأت الحكومة لمعاقبة المزارعين الفقراء مما أثار حالة من الغضب بين المواطنين».

وفي هلمند ووداي سانجين وانكمين ولشكرجاه اينما تسير ترى حقول الهيروين المغطاة بالنبتات ذات اللون الوردي الفواح، ووسط تلك المزارع في انكمين على الخط الاول، تمارس طالبان ليلا لعبة الكر والفر بتوجيه مدافعها وبنادقها الى القوات البريطانية، ولا يحسم المعركة في معظم الاحوال الا تدخل طائرات اباتشي ومقاتلات قوات التحالف. ويعترف المراقبون الغربيون بأن أفغانستان على اعتاب أن تصبح دولة مخدرات حيث تمثل عصابات تجارة المخدرات خطرا أكبر من الميليشيات وحركة طالبان. وتأمل قوات حلف الأطلسي في أن توفر للحكومة ووكالات المعونة بعض الأمن حتى تبدأ في تحسين مستوى المعيشة.

وطبقاً لتقارير مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات، فعلى الرغم من الجهود المنسقة لإبادة زراعات المخدرات واستبدالها بمحاصيل نافعة، إلا أن حصيلة إنتاج أفغانستان من الأفيون بلغت 87% من الإنتاج العالمي خلال عام 2005 ـ حوالي 4.1 آلاف طن ـ وبلغت العائدات غير المشروعة من هذا الإنتاج ما يقرب من 2.7 مليار دولار أميركي، وهو ما يعادل حوالي 52% من الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان. وطبقاً للتقديرات التي خرج بها تقرير مسح الأفيون في أفغانستان لعام 2005، والذي صدر في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فإن القيمة الإجمالية لهذا الأفيون، بعد تحويله إلى هيروين وتوزيعه في كافة أنحاء العالم، قد تتجاوز أربعين مليار دولار أميركي. وقال تقرير لمكتب الامم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة ان افغانستان عادت الى موقعها كأكبر منتج للافيون في العالم بعد سنوات من منع حركة طالبان السابقة لزراعة المخدرات في البلاد. واضاف التقرير، ان انتاج المحصول كان الاكبر هذا العام وانه يخشى ان تصبح افغانستان دولة مخدرات. وقال التقرير ان زراعة الافيون انتشرت في اقاليم افغانستان البالغ عددها 32 اقليما وهو ما يخالف الاتجاه السائد في المناطق الرئيسية لانتاج الافيون في اميركا اللاتينية وجنوب شرقي اسيا التي شهت تراجعا في الانتاج. وتشكل تجارة المخدرات نحو ثلث اقتصاد البلاد. وتنفذ الولايات المتحدة برنامجا مع بريطانيا والحكومة الافغانية لاستهداف محصول العام القادم. لكن بعض الناس يقولون ان غياب سلطة القانون في مناطق رئيسية لزراعة المخدرات يجعل تنفيذ مثل هذه البرامج امرا مستحيلا. فضلاً عن ذلك، فقد شهدت المصانع والمعامل الخاصة بمعالجة الأفيون لتحويله إلى هيروين نمواً هائلاً في أفغانستان خلال الأعوام الأخيرة، حيث أنتجت 420 طناً من الهيروين خلال العام الماضي فقط. كانت هذه الزيادة في إنتاج الهيروين محلياً في أفغانستان بمثابة دفعة هائلة لسوق التجزئة المحلي، الأمر الذي أدى إلى تفاقم المخاوف بشأن انتشار مرض الإيدز والفيروس المسبب له في بلد يعاني من بنية أساسية فقيرة وغياب كامل للخدمات الصحية. والتقت «الشرق الاوسط» مفتش شرطة اسكتلنديارد السابق في فرقة مكافحة الارهاب اليكس موريسون الذي يعمل حاليا مستشارا لفرقة مكافحة المخدرات الافغانية في مقاطعة لشكرجاه. وقال موريسون ان قوات الامن والمساعدة «ايساف» ليس من مهمتها تدمير مزارع الافيون، بل مهمتها الاساسية التي جاءت من اجلها هي تعقب فلول طالبان، مشيرا الى ان المهمة ملقاة على عاتق القوات الافغانية. وقال ان زراعة الخشخاش تجني ارباحا هائلة تفوق زراعة القمح او الخضروات، مما يجعل الامر سهلا على الافغان الذين يتلقون حماية امنية من بارونات المخدرات. واشار الخبير البريطاني الى ان كيلو الهيروين النقي يبلغ سعره في افغانستان نحو 200 دولار، ولكن بعد تهريبه يصل سعره في اوروبا الغربية وبعد خلطه بمكونات اخرى الى 32 الف دولار.

واشار الى ان الفدان المزروع بالهيروين يحتاج الى 2.5 كيلوغرام من حبوب الخشخاش، وينتج الفدان الواحد نحو 120 الف نبتة من الخشخاش التي تنتج الهيروين، وكل نبتة تنتج من 3 الى 5 زهرات تفرز لحاء الهيروين الخام». ويقول موريسون ان زراعة الخشخاش في محافظة هلمند من شهر سبتمبر الى نوفمبر تقدم الافضل من انتاج الهيروين الخام، لانها ارض رملية وتتناسب مع جذور النبات الذي لا يستطيع بسهولة اختراق الارض الطينية. ويوضح ان عائلة افغانية مكونة من خمسة افراد تستطيع بسهولة جني ارباح جيدة من زراعة هكتار واحد من الهيروين، بمساعدة الأسمدة والمبيدات الزراعية، التي في معظم الاحوال يستلفونها من بارونات المخدرات القادرين على تصريف انتاجهم في الاسواق الخارجية. ويعتبر الخبير البريطاني ان موسم الحصاد الجيد للفدان الواحد من الهيروين الخام، يمكن ان يحقق نحو 32 كيلوغراما، ولكن اغلب الاراضي الافغانية تحقق ما يزيد عن 15 كيلوغراما من الفدان الواحد، حيث يتم تجفيف الهيروين الخام تحت اشعة الشمس قبل طيه في حقائب بلاستيكية وتخزينه في انتظار تجار الجملة من بارونات المخدرات الافغان. ويحقق الفلاحون الافغان البسطاء ما يقدر بنحو 3 الاف دولار من زراعة فدان واحد من نبات الخشخاش، باعتبار ان الفدان ينتج نحو 15 كيلوغراما من الهيروين النقي، وبلغ سعر الكيلوغرام من الهيروين في محافظة هلمند، بحسب الخبير البريطاني نحو 200 دولار في شهر فبراير (شباط) الماضي. ويعترف مسؤولو فرق مكافحة المخدرات ان هناك نحو 1.7 مليون افغاني يعملون مباشرة في زراعة وانتاج ما قيمته نحو 4 الاف طن تصدر الى الخارج عبر منافذ بارونات المخدرات الى ايران وباكستان وتركيا ومنها الى اوروبا الغربية واميركا. ويقول موريسون خبير مكافحة المخدرات ان الهيروين الافغاني النقي يمر باياد كثيرة قبل ان يصل الى تجار المخدرات في اوروبا الغربية، وهناك من يخلطونه بالدقيق وبودرة الحليب من اجل تحقيق مزيد من الارباح، وبعد ان يصل الى شوارع لندن وبرمنجهام، قد يكون فقد نحو 40 من نقائه. واعتبر موريسون ان تركيا محطة رئيسية في نقل الهيروين الافغاني الى شوارع لندن عبر مشبوهين من الاكراد والاتراك يعيشون في شوارع لندن. ويقدر المسؤول البريطاني ان 90 في المائة من المخدرات التي تهرب الى بريطانيا تأتي من افغانستان، بما قيمته نحو 40 طن، تضبط الشرطة على اقصى تقدير 4 اطنان منها. وقال ان جرام الهيروين في الشارع البريطاني اليوم يبلغ نحو 50 استرلينيا، مما يعني ان الكيلوغرام من الهيروين الافغاني عند منافذ التوزيع بالقطاعي سيبلغ 50 الف استرليني. ورغم قيام قوات أمن المديريات الأفغانية بتشكيل قوات مشتركة لمكافحة زراعة الأفيون بولايات ولشكرجاه وننجرهار. وتتولى القوات إتلاف عشرات الآلاف من الأفدنة المزروعة بالنبات المخدر، وسط مخاوف من مصادمات محتملة مع المزارعين الذين يعتبرونه مصدر رزقهم الأساسي، الا ان الخبير البريطاني موريسون يؤكد لـ«الشرق الاوسط» ان مكافحة المخدرات تواجه باكبر عقبة وهي قلة مرتبات الضباط العاملين، مشيرا الى أن كولونيل في فرقة مكافحة المخدرات مرتبه الشهري لا يتخطى 100 دولار. وتحاول السلطات الأفغانية تطهير عشرات الآلاف من الأفدنة المزروعة بالأفيون في ننجرهار ولشكرجاه وهلمند ووادي سانجين، ويعارض المزارعون تلك المحاولات بكل قوة، مشيرين إلى أن السلطات أزالت زراعات الأفيون العام الماضي ولم تعوّض أصحابها. ويعتبر المزارعون أن زراعة الأفيون هي السبيل الوحيد لحل مشاكلهم الاقتصادية، وخاصة في العام الحالي، حيث يعانون من الجفاف. ولا تحتاج زراعة الأفيون إلى كميات كبيرة من المياه، ويحقق محصوله إيرادا ضخما.

وتصر الحكومة الأفغانية بزعامة الرئيس كرزاي على إتلاف زراعات الأفيون في البلاد. ولكن الأيام المقبلة قد تشهد مشاكل، خاصة أن المزارعين في ولايات عديدة، من بينها هلمند وقندهار وننجرهار، قد زرعوا الأفيون على مساحات واسعة من أراضيهم، رغم علمهم بصدور قرارات من قبل الحكومة تمنع زراعته.

فضلاً عن ذلك فقد شهدت المصانع والمعامل الخاصة بمعالجة الأفيون لتحويله إلى هيروين نمواً هائلاً في أفغانستان خلال الأعوام الأخيرة، حيث أنتجت 420 طناً من الهيروين خلال العام الماضي فقط. كانت هذه الزيادة في إنتاج الهيروين محلياً في أفغانستان بمثابة دفعة هائلة لسوق التجزئة المحلي، الأمر الذي أدى إلى تفاقم المخاوف بشأن انتشار مرض الإيدز والفيروس المسبب له في بلد يعاني من بنية أساسية فقيرة وغياب كامل للخدمات الصحية.

فضلاً عن ذلك فإن المسارات التي تسلكها قوافل التصدير لم تعد مقتصرة على «الطريق الذهبي» السيئ السمعة والذي يمر عبر باكستان وإيران، بل لقد تضاعفت هذه المسارات بتوظيف نقاط خروج في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة مثل طاجيكستان، وأوزبكستان، وتركمنستان. وهذا من شأنه أن يساعد على تفاقم حالة عدم الاستقرار في هذه البيئات السياسة المتقلبة المتفجرة.

في الوقت الحالي ترزح السياسة الدولية لمكافحة المخدرات تحت ضغط المنادين بنتائج سريعة وملموسة. لكن مشاريع إبادة الزراعات وتوفير وسائل كسب العيش البديلة تؤثر في الأساس على الطرف الأدنى من سلسلة القيمة المضافة، أي المزارعين، لكنها لا تؤثر تأثيراً حقيقياً على الأطراف العليا مثل كبار ملاك الأراضي وتجار المخدرات المحليين، فضلاً عن ملوك المخدرات الذين يتمتعون بنفوذ هائل، والعصابات الدولية. والحقيقة أن أغلب المزارعين الذين لا يملكون أرضاً يجدون صعوبة بالغة في التحول إلى زراعة محاصيل مختلفة، فلا يجدون فكاكاً من العمل في سوق الأفيون غير المشروعة، ويضطرون للحياة تحت رحمة تجار المخدرات الذين يوفرون لهم مصدراً لكسب العيش. ويقول الخبراء البريطانيون الذين يتولون مهمة مكافحة المخدرات في افغانستان: «إن أفغانستان تجازف بالتحول إلى دولة «كسولة» تعتمد على الوصول السهل إلى الموارد التي تدعم الفساد في كافة جوانب نظامها، فتبادر إلى تمويل الجماعات المسلحة، وتغذي حالة عدم الاستقرار في المنطقة. والحقيقة أن الشبكات الأفغانية غير المشروعة، والتي تحاكي الأساليب المعروفة التي تبنتها الجريمة المنظمة بنجاح لعدة عقود في أجزاء أخرى من العالم، أصبحت قادرة على الحركة وواسعة الحيلة والمصادر، وتستطيع إقحام نفسها في نطاق واسع من الأنشطة الاقتصادية المشروعة التي تسعى بها إلى تعزيز مركزها. كل هذا قد يدفع أفغانستان إلى طريق بلا عودة، فتتحول إلى دولة مخدرات وتبتعد عن أي شكل من أشكال حكم القانون وتتبرأ من العقد الاجتماعي الهش القائم بينها وبين مواطنيها والذي كانت قد بدأت في ترسيخه.
 
رد: أفغانستان .. الحرب المستمرة

أفغانستان .. الحرب المستمرة (الحلقة الثانية) ـ قائد القوات البريطانية في أفغانستان: الانتحاريون لن يجعلونا نتخلى عن مهمتنا

البريجادير جون لورمير لـ«الشرق الاوسط» دراستي للتاريخ الإسلامي واللغة العربية في كامبريدج ساعدتني على فهم الشخصية الأفغانية


البريجادير لورمير بين جنوده على الخط الاول في انكمين

هلمند ( افغانستان ): محمد الشافعي
البريجادير جون لورمير قائد القوات البريطانية في افغانستان من القادة العسكريين القلائل الذين يجيدون العربية قراءة وكتابة فهو حاصل على ماجستير في الدراسات العربية والاسلامية من جامعة كامبريدج، قبل ان يلتحق بخدمة العلم البريطاني عام 1981. ذهب الى مصر من اجل دراسة اللغة العربية التى احبها، وخدم في مناطق عديدة منها العراق وتامبا بالولايات المتحدة وقطر قبل ان يقود القوات البريطانية العاملة في هلمند منذ ثلاثة شهور. ويستخدم قائد القوات البريطانية لغة التاريخ والاستعارات من تاريخ الأمويين والعباسيين وسقوط بغداد عام 1258 اكثر من لغة العسكر في فهمه للشخصية الافغانية، ودور ذلك المؤثر في محاولة كسب ثقة الافغان واحلال الامن والسلام كخطوة اولى نحو الاستقرار واعادة التعمير. واعتمدت أفغانستان بشكل كبير على القوات الغربية لتوفير الامن وعلى أموال المانحين في اقتصادها منذ اطاحة القوات التي تقودها الولايات المتحدة بطالبان في عام 2001.
وهناك نحو 7000 جندي بريطاني في أفغانستان يتركزون أساسا في اقليم هلمند الجنوبي حيث واجهوا مقاومة شرسة من مقاتلي طالبان. وسيرتفع عدد القوات البريطانية المنتشرة في أفغانستان الى 7700 هذا العام. ويعتبر العام الجاري هو الاكثر دموية في افغانستان منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للاطاحة بحكومة طالبان من السلطة. وفي حين لم ينفذ المسلحون تهديدهم بشأن هجوم الربيع الا ان العنف تواصل من خلال التفجيرات الانتحارية والهجمات الاخرى. كنا ثلاثة صحافيين، (عربي وبريطانيان)، وعشرات من الجنود والضباط العسكريين على متن طائرة «تراي ستار» المتجهة من مطار برايز نورتون العسكري خارج مدينة اوكسفورد المتجهة الى قاعدة قندهار، وكان العسكريون العائدون من اجازات سريعة مع الاهل والاحباب وآخرون على وشك بدء مهمتهم الأولى في صحراء هلمند ضمن القوات البريطانية العاملة في افغانستان. قبل الهبوط في مطار قندهار، صدرت التعليمات داخل الطائرة التابعة للقوات الجوية الملكية البريطانية بارتداء الخوذة والدرع الواقي خوفا من اطلاق نيران معادية، وبعد الوصول تناوب عدد من الضباط على اصدار التعليمات ضمن الـ « بريفننغ (التنوير المعتاد) عن الاجراءات الواجب اتباعها: «أفعل ذلك، هذه أشكال ألغام لا تقترب منها، لا تخرج من السيارات المصفحة الا بعد تأمينها من قبل الحراس الذين يرافقونك». وكلما سألت البريجادير لومير خلال لقاء «الشرق الاوسط» معه في خيمة القيادة العسكرية بمعسكر لاشكجار عن الاحول في هلمند كانت الثقة بادية على وجهه في مواجهة التحديات اليومية، ضد عمليات طالبان الانتحارية، وكان يستعين بالشعر تارة وفواصل من التاريخ العربي والاسلامي وقصة حياة الجندي والفيلسوف اسامة بن منقذ تارة اخرى في الرد على اسئلة «الشرق الاوسط»، الذي تحدث عنه كثيرا كقائد وشاعر وفارس عربي ولد عام 1095 اي قبل الحروب الصليبية بعامين، وقال ان يقرأ له كثير من اشعاره وكتاباته، ومن مؤلفاته «الاعتبار» و «لباب الآداب» ومختصر سيرة عمر بن عبد العزيز».

وعندما انتقلت من قاعدة باستين العسكرية وهي عبارة عن قلعة حصينة تحيط بها سواتر ترابية وحواجز من الاسمنت المسلح وحواجز لا تنتهي بطائرة شينوك في وسط صحراء هلمند الى خط المواجهة الاول ضد طالبان في منطقة انكمين، هبطت الطائرة في قاعدة لاشكجار ودخل اليها بسرعة القائد العام البريجادير لورمين وبجانبه الكولونيل شارلي لومان المسؤول الاعلامي الذي كنت قد التقيته عدة مرات في لندن قبل سفري الى افغانستان، وكلاهما يرتدي عدة القتال كاملة مثل جميع الجنود، الخوذة والدرع الواقي، والطبنجة مربوطة باحكام على الجنب، وبين اليدين البندقية اس 80، وخلف الظهر حقيبة صغيرة بها مياه شرب ومعدات ميدان. وفي انكمين تعرفت « الشرق الاوسط» على مجموعة من المقاتلين الاشداء يقفون في مواجهة طالبان على بعد مئات من الياردات، وامامهم مئات الافدنة من مزارع الخشخاش، وبداخلها يمارس عناصر طالبان هواية الضرب والكر والفر، ويعيش الجنود في ظروف حياة بدائية للغاية، لا كهرباء ولا مياه ساخنة، ولا طعام ساخن مثل باقي المعسكرات بل وجبات جافة معدة سلفا، ويسكن هؤلاء المقاتلون منزل احد قادة المجاهدين الذي كانت تحيطه افدنة من الخشخاش قبل حرقها، وعلى مد البصر ترى آلاف الافدنة المزروعة بالهيروين المملوكة لفلاحين فقراء واخرى مملوكة للوردات «المجاهدين» الاقوياء، الا ان قادة الجيش يؤكدون ان مهمتهم ليست حرق مزروعات الهيروين بل التصدي لعناصر طالبان الذين يستخدمون اسلوب الكر والفر. وجاء الحوار مع قائد القوات البريطانية في افغانستان البريجادير لورمير على النحو التالي :

* ما الذي تريد ان تحققه في افغانستان ؟

- لقد ساعدتني قراءة التاريخ الاسلامي على فهم الثقافات والاعراق المتعددة التي تحيط بنا، وعلى بناء جسور الصداقة مع الافغان سواء المسؤولين العسكريين او المدنيين او المواطنين العاديين، ويظهر ذلك بوضوح كلما خرجت دوريات «ايساف» الى احياء الافغان في هلمند وسرنجار ولاشكجار. دراسة التاريخ ساعدتني على فهم التحديات التي يواجهها الافغان في سعيهم نحو الامن الاستقرار من اجل اعادة بناء مدنهم من جديد.

* كيف تصف علاقاتك مع محافظ هلمند السيد وفا والجنرال محيي الدين قائد القوات العسكرية الافغانية ؟

- استطيع ان اؤكد انها علاقات اكثر من ممتازة، ونحن نلتقي احيانا، بصفة دورية اسبوعيا، ويتكرر اللقاء خلال ايام بناء على رغبة أي منا، وهناك صداقة وشفافية واحترام متبادل يجمع بيننا في التعامل، وهدفنا واضح هو التغلب على طالبان، واعادة الامن والاستقرار وكسب ثقة المواطن الافغاني في وجود قوات التحالف، والحقيقة الواضحة أن الاغلبية العظمى من الشعب الافغاني تريدنا هنا، واذا كان هناك شيء واحد يعرفونه بوضوح فهو انهم لا يرغبون في العودة للايام المظلمة من حكم طالبان المشابهه للعصور الوسطى.

* كم ستبقى القوات البريطانية في افغانستان حتى تحقق اهدافها ؟

- نحن ضيوف الحكومة الافغانية وهدفنا قد لا يتحقق بين يوم وليلة، وقد يستغرق سنوات، ولا نريد ان نتخلى عن الشعب الافغاني الذي جئنا من اجله بعد سقوط حركة طالبان، بقاؤنا هنا لمساعدة الشعب الافغاني في محاربة الارهاب واخراج البلاد من الفقر. وقد نبقى سنوات في أفغانستان لمساعدتها في التعافي من ثلاثين عاما من الحروب وسحق تمرد طالبان. وقد يستغرق ذلك خمس سنوات وربما اكثر، نحن امام ماراثون وليس سباق عدو عاديا، لأن ضمن مهمتنا بالاضافة الى مشاركتنا ضمن القوات الدولية « ايساف» مهمة تدريب القوات الافغانية لتستطيع ان تقف في نهاية المطاف على قدميها في مواجهة المتمردين ومنعهم من تجنيد آخرين لتوسيع لنشطتهم الارهابية.

* بماذا يمكن ان تصف مقاتلي طالبان ؟

- ربما هم مقتنعون ان لديهم قضية يحاربون من اجلها، لديهم تصميم وعزيمة، لديهم امدادات من السلاح والذخيرة والعتاد، الا ان تكتيكاتهم تقليدية وهي خليط من خطط الارهابيين على الارض، ولكننا في نهاية الامر قادرون على هزيمتهم ومنعهم من تجنيد آخرين لتنفيذ عملياتهم الانتحارية، والخطوة الاولى نحو ذلك هي كسب ثقة الافغان التي نعتبرها من اولويات وجودنا في هلمند.

* كيف تحمل الجنود البريطانيون درجات الحرارة العالية التي تخطت 45 درجة واقتربت من الخمسين مئوية في بعض ايام الصيف ؟

- الجنود البريطانيون من خلال التدريبات المستمرة قبل الانتقال الى ميادين القتال تدربوا على التعامل مع الظروف الصعبة للطقس، والذي نعتبره في الوقت ذاته جزءا من التحديات اليومية وليس مواجهة طالبان فحسب، بالاضافة الى اللياقة البدنية العالية للجنود والمياه المتوفرة في القواعد العسكرية والادوية والمستشفيات الميدانية مع المحاولات المستمرة لتوفير اكبر قدر من الضروريات الحياتية للجنود للتواصل مع عوائلهم.

* كيف تفرقون بين طالبان والمدنيين ؟

- لا شيء يميز طالبان عن المدنيين فهم يرتدون نفس العمامات السوداء ولحاهم سوداء او التي خطها المشيب، وطالبان يسكنون في احياء المدنيين او قل يحتمون بهم كدروع بشرية انها مهمة صعبة للغاية.

* هل حدثت مفاوضات مع طالبان وخصوصا ما تردد حول مدينة موسى قلعة التي سيطرت عليها طالبان لبعض الوقت ثم تخلوا عنها ؟

- لم تحصل أي مفاوضات مع طالبان، وهذه مهمة الحكومة الافغانية، ربما حدثت مفاوضات مع كبار السن في القرى الافغانية. نتحدث اليهم لكسب ثقتهم، لأنهم ابناء هذا البلد، وتأييدهم كبير ومهم بالنسبة لنا، وتحدثنا الى مسؤولين حكوميين وشعبيين على جميع المستويات ضمن ما نهدف اليه من كسب ثقة الشعب الافغاني.

* هل المواطنون الافغان يقدرون جهودكم ؟

- نعم يقدرون جهودنا في كثير من المناطق التي ذهبت اليها لأنهم تعودوا على ظهورنا في الاحياء والشوارع وكلما ذهبنا الى تلك المناطق وجدنا ترحيبا من الاطفال وكبار السن. وفي كل مكان نذهب اليه نجد ترحيبا من عموم الافغان. وفي بعض المناطق الاخرى التي لم نذهب اليها من قبل مثل المنطقة الخضراء شمال نهر هلمند، وهي مناطق جديدة علينا قد يشكون في جهودنا.

* هل هناك تكتيكات خاصة تتخذها القوات البريطانية ضد الانتحاريين الذين نشطوا في هلمند وسرنجار ولاشكجار؟

- الانتحاريون في نهاية المطاف لن يجعلونا نتخلى عن مهمتنا التي قدمنا اليها من اجل مساعدة الافغان على اقرار الامن وترسيخ الاستقرار كخطوة اولى نحو اعادة البناء والتعمير. وعموما استطيع القول ان انتحاريي طالبان في طريقهم الى الاندحار، وهناك تكتيكات خاصة لمواجهتهم، ضمنها كتابات بالبشتو والداري على سيارات قوات التحالف بالابتعاد عن قوافل «ايساف»، وخلال الـ 12 اسبوعا الماضية قتل جندي بريطاني واحد في عملية انتحارية.
 
رد: أفغانستان .. الحرب المستمرة

أفغانستان .. الحرب المستمرة (الحلقة الثالثة) ـ مترجمو أفغانستان: نعيش في خطر وطالبان تعتبرنا جواسيس الأعداء

يجيدون البشتو والداري وتعلموا الإنجليزية داخل باكستان وعادوا للعمل في معسكرات التحالف


المترجم سانجر شاولي تحت قبعة ليفربول ناديه المفضل

هلمند (أفغانستان): محمد الشافعي
تخطت درجة الحرارة 45 درجة مئوية في صحراء هلمند بجنوب افغانستان، حيث يوجد معسكر لاشكجار البريطاني، يرتدي يوميا المترجم الافغاني سانجر شاولي الصديرية الواقية من الرصاص والخوذة بعد الافطار في الصباح الباكر، وينطلق في سيارة أميركية لاندروفر مصفحة بصحبة عدد من خبراء التعمير الاجانب الذين جاءوا ضمن منظمات غير حكومية او منظمات تخضع للتمويل والاشراف الدولي لتقديم المشورة في مجالات متعددة مثل مكافحة المخدرات او مكافحة الادمان الذي انتشر بصورة خطيرة بين شباب الافغان رجالا ونساء بسبب رخص انواع المخدرات من حشيش وهيروين. وداخل معسكر لاشجكار بوسط صحراء هلمند الى جانب عدة قواعد عسكرية اخرى مثل باستين وقندهار، وزارته «الشرق الأوسط»، كان داخل المعسكر الذي يضم قيادة الاركان البريطانية في افغانستان، عدد من المترجمين الاكفاء بلغ نحو 45 مترجما يجيدون البشتو والاردو والداري واللغة الانجليزية، واغلب هؤلاء المترجمين تعلموا اللغة الانجليزية في المدن الباكستانية مثل بيشاور وكويتا الحدوديتين والعاصمة اسلام اباد خلال فترة حكم طالبان من 1996 حتى سقوطها نهاية عام 2001. يشد المترجم على صدره درعه الواقي من الرصاص، ويضع على رأسه قناعا أسود سميكا قبل الخروج من بوابة المعسكر المحاطة بسواتر خراسانية، ويشد مغطيا عينيه بنظارة شمس سوداء اللون وكاب فريق نادي ليفربول عندما ينوي الذهاب الى عائلته او احد اقاربه كل اسبوعين لقضاء عدة ساعات مع زوجته التي اقترن بها قبل خمسة اسابيع، كل ذلك من أجل إخفاء آخر دليل يكشف عن هويته الافغانية يعمل مع قوات التحالف. والمترجم سانجر تعلم اللغتين الانجليزية والعربية والقرآن والتفسير في مدينة كويتا الحدودية داخل باكستان، وعاد الى مسقط رأسه لاشكجار بعد سقوط حركة طالبان نهاية عام 2001، ليجد وظيفة مترجم التي يعتبرها مهنة مرموقة لراتبها الضخم الذي يتقاضاه ويبلغ 600 دولار شهريا، وهو مرتب كبير للغاية اذا ما قارنته بمرتبات ضباط المباحث الجنائية او فرقي مكافحة المخدرات، والتي لا تتعدى 100 دولار شهريا. وخرجت في الصباح الباكر مع المترجم سانجر وعدد من الحراس الاشداء في الصباح الباكر من قاعدة لاشجكار بوسط هلمند لزيارة مركز البحث الجنائي بالمدينة، الذي تشرف على تطويره هيئة الاعمار والانشاء التي يشارك في تمويلها عدد من دول التحالف. وقال المترجم سانجر لـ«الشرق الأوسط» هناك من يحسدني بسبب الراتب الذي يبلغ 600 دولار، وحياة المعسكر البريطاني، ولكنني اعيش في خطر مثل غيري من المترجمين، لاننا اليوم في عيون طالبان جواسيس الاعداء، لان حركة طالبان تعتبرنا عيون الاعداء واذانهم. ويوضح لقد تلقيت عائلتي التي تقيم في لاشجكار العديد من التحذيرات بسبب عملي لدى البريطانيين، وهي مهنة خطيرة، ولا يستطيع ان يتنقل خارج اسوار المعسكر البريطاني عندما يذهب لرؤية زوجته او عائلته لامر طارئ بدون التخفي وتغيير معالم وجهه. ويتذكر المترجم سانجر خطف طالبان لاحد المترجمين الذين ذبحوه عقابا على تعاونه مع «الاعداء» واعطاء دروس للاخرين من المترجمين والعاملين والطهاة الذين يخدمون في معسكرات القوات البريطانية والاميركية وفي قندهار وهلمند والعاصمة كابل. واضاف: «لقد ابلغت عناصر طالبان عائلة زميلي المترجم في لاشجكار الا يبحثوا عنه، لانهم ذبحوه ودفنوه». والمترجون الافغان يعملون مع العسكريين ومع المنظمات غير الحكومية ومع مسؤولي الخارجية البريطانية، واخطر وظيفة هي مترجم القوات التابعة للتحالف وقوات الامن والمساعدة «ايساف» لكن تنقلاتهم في جميع الاحوال تكون في سيارات مصفحة، ويرتدي المترجمون الصديريات الواقية ضد الرصاص والخوذات باوامر رسمية لا تقبل الجدال حفاظا على حياتهم من الاخطار وقناصة طالبان. وعن اخطر موقف تعرض له المترجم سانجر يقول انه شاهد انتحاريا يفجر سيارته بالقرب من المركز الحكومي الذي يترأسه الجنرال وفا قبل عام حيث كانت اشلاء الجثث تتطاير في كل مكان قبل مرور الموكب الذي كان بداخله على بعد امتار. وفي داخل المعسكر البريطاني يوجد مجمع المترجمين وهو عبارة من عدة غرف وعنابر يأكلون وينامون فيها، وبداخله مطبخ يطهون فيه الطعام والخبز الافغاني «نان». ودعاني المترجم سانجر على طعام الغداء، وكان لحما بالبصل والبهارات وبامية وزبادي وخبز، ووضع الطعام على مفرش كبير على الارض، وكان ضمن الحضور جندي اميركي من القوات الخاصة، مفتول العضلات يهوى الطعام الافغاني. ويقول المترجم سانجر داخل المعسكر لا توجد مشاكل من أي نوع، بل تبدأ المشاكل بعد الخروج مباشرة من بوابة المعسكر، حيث تبدأ مرحلة التخفي عند الذهاب للقاء العائلة او الزوجة. وهناك خطر اخر يتهدد المدنيين ومنهم المترجمون الذين حلقوا لحاهم وارتدوا الجينز بدلا من «سروال قميص» تماشيا مع ظروف وابجديات المرحلة الجديدة، فهم معرضون بصورة كبيرة لملاحقة من عناصر طالبان، او ايقافهم في الاسواق والشوارع بصورة مستفزة يسألونهم عن سبب حلق لحاهم وارتدائهم الجينز. ويضيف: «في كل مرة أغادر فيها القاعدة العسكرية أشعر بأن أحدا ما يلاحقني ويحاول أن يطلق علي النار». ويرتدي المترجم داخل المعسكر البريطاني قبعة نادي ليفربول الانجليزي الاكثر حصدا للكؤوس، ويحلم بان الحظ سينعم عليه يوما لحضور مباراة لفريقه المفضل في ملعب انفيلد، ويتحدث بالساعات عن لاعبيه المفضلين مثل سامي هيبا وستيفن جيرارد، والفنلندي ديرك كاوت، والمالي محمد لاميني سيسوكو، وقدامى النجوم الذين تابعهم منذ صغره مثل مايكل اوين. والمترجم سانجر شاولي مثله مثل مئات المترجمين الافغان الذين يخدمون في صفوف قوات، يحيا حياة مؤلمة، يطارده التوبيخ والتهديد بالموت من بني وطنه البشتون عناصر طالبان، كما أنه يعاني من الإساءات والشعور بعدم الثقة من بعض الجنود الأميركيين، ولكن عمله مهم وحاسم للغاية، وبخاصة مع زيادة العمليات العسكرية المشتركة ما بين الجيش الأميركي والمتمردين في مهامهم المشتركة من أجل حماية ودعم حكومة الرئيس كرزاي واعادة الامن والاستقرار كخطوة اساسية نحو البناء والتعمير. يقول سانجر في بعض الأحيان عندما أكون بمفردي داخل المعسكر أجهش بالبكاء، فأنا أشعر بالتناقض بصورة كبيرة، فأنا أشعر بالفخر بما أفعله لانني اعتمد على نفسي واساعد عائلتي وزوجتي، ولكني في الوقت ذاته أخفي وجهي، احاول التخفي عندما اخرج من بوابة المعسكر، حتى لا يتعرف طالبان علي بسبب انني معرض للتوقيف لحلق ذقني وهيئتي الغربية، ولكن المعضلة الاساسية انه لا يستطيع احد ان يتعرف على طالبان، نعم هناك بعض المناطق، نحاول الابتعاد عنها، لهم فيها نفوذ قوي، ولكن طالبان مثل باقي البشتون على نفس الهيئة من العمائم السوداء واللحي السوادء والسراويل القصيرة. واسأل المترجم شاولي البشتوني الاصل عن تمويل طالبان، فيجيب بقوله: «انهم يسرقون الاخرين، واحيانا يفرضون الاتاوات على الطرق بين المدن البعيدة عن سيطرة قوات التحالف الغربي».
 
رد: أفغانستان .. الحرب المستمرة

أفغانستان .. الحرب المستمرة (الحلقة الرابعة) ـ أفغانستان: مقاتلات بريطانيات على خط المواجهة ضد طالبان

يستمتعن بالحياة العسكرية وتغلبن على درجات الحرارة العالية وسط صحراء هلمند


الكابتن جو سمالي وزميلتها الكابتن زو ريس جاي امام لوحة فرقة الدعم اللوجستي («الشرق الاوسط»)


ضابطات من القوات البريطانية في هلمند

هلمند (أفغانستان): محمد الشافعي
مقاتلات بريطانيات من الطراز الأول برتب مختلفة على الخط الأول للمواجهة العسكرية في مقاطعة هلمند الافغانية حيث تتصاعد العمليات العسكرية من قبل عناصر طالبان عبر انتحاريين على دراجات نارية، او في سيارات مفخخة جاهزة للتفجير تترصد قوات التحالف الدولية في شوارع لاشكجار واحياء قندهار وسنجر وانكمين بالقرب من الخط الاخضر، أو عبر زرع عبوات ناسفة ليلا على الطرق الترابية غير الممهدة ليلا، او اطلاق قاذفات «آر بي جي» المضادة للدروع من الاحياء السكنية على قوافل القوات الدولية في عمليات كر وفر لا تهدأ. وايضا سعاة بريد او بوسطجية عسكريين يعتبرون ملوك المعسكرات البريطانية وينقلون الرسائل والطرود من العائلات الى الجنود والضباط حتى المواقع الامامية.
محمد الشافعي موفد «الشرق الاوسط» التقى ضابطات وجنديات في عمر الزهور شقراوات وسمر وحسناوات برتب مختلفة من كابتن الى شاويش الى عقيد في معسكر باستين وسط صحراء هلمند بمساعدة وترتيب خاص من الكابتن جيمس بيلوي وهو محلل مالي سابق في مؤسسة ميريل لينش ترك الحياة المدنية بكل صخبها وضجيجها من اجل خدمة العلم البريطاني وحب الجندية الذي وجد انه يسري في عروقه حتى النخاع، والكابتن جيمس عندما تتحدث اليه تشعر انك امام احد ابناء الطبقة الارستقراطية، وهو خريج اكاديمية ساند هيرست مثل زملاؤه من الضابطات اللاتي قدمهن الى «الشرق الاوسط» في المعسكر البريطاني. اما سعاة البريد الذين التقتهم «الشرق الاوسط» فهم ضباط.

وصلت الى معسكر باستين من قندهار عاصمة الملا عمر على طائرة نقل هيراكليس من طراز سي 130، وجلست الى جانبي في الطائرة العملاقة الكابتن جو سمالي من قوة الدعم اللوجستي، وهي فتاة حسناء وكانها ممثلة سينمائية، كانت تغطي عينيها بنظارات سوداء، وترتدي الملابس العسكرية بإحكام وإتقان، وهي خريجة اداب قسم لغة انجليزية قبل ان تلتحق باكاديمية «ساند هيرست» العسكرية البريطانية، وساعدتني الكابتن سمالي على احكام حزام الامان حول جسمي وارتداء الخوذة والصدرية الواقية قبل ان تقلع الطائرة في طريقها الى قاعدة باستين، والتعليمات الأمنية على الطائرات العسكرية لا تعرف كبيرا او صغيرا، وحتى بعد الاقلاع لا يمكن خلع الخوذة او التخلص من الدرع الواقي الذي يزن نحو 15 كيلوغراما حول الصدر الذي يكتم الانفاس «ولكن هذه الصدرية انقذت حياة الكثيرين من الجنود على الخط الامامي في ارض المعركة من رصاص قناصة طالبان». في صبيحة اليوم التالي ذهبت مع الكابتن جيمس بيلوي الى قوة الدعم اللوجستي حيث كان لقائي الثاني مع الكابتن جو سمالي ومجموعة من الجنديات والضابطات ممن يعملن معها في وسط صحراء باستين، وبعضهن يخدمن في الجيش البريطاني منذ 15 عاما مثل السرجنت فيونا وايت. وفي عيون هؤلاء الجنديات كنت اجد عزيمة وإصرارا على الصمود على مواجهة الظروف الطبيعية الصعبة في صحراء هلمند من درجات حرارة تعدت الـ 45 درجة واقتربت من الخمسين في بعض الايام ومواصلة مهمات الدعم اللوجستي ونقل الاسلحة والذخائر والمياه والطعام الى زملائهم من جنود وضباط في الخط الاول، والجنديات البريطانيات يتنافسن مع الرجال من أجل الصمود والاستمرار تحت ظروف الطقس غير الطبيعية وفي مواجهة تحديات العمل، حين تكون الجندية في أجمل صورها». والكابتن جو سمالي لم تفتقد تلال انجلترا الخضراء والحياة الوادعة الامنة في شوارع لندن وباكينهام شاير، وسط نوبات العمل التي لا تهدأ والخيام البنية اللون المحيطة بها في كل مكان حتى الحمامات وعنابر السكن داخل خيام بنية اللون تتماشى مع طبيعة الصحراء من اجل التمويه ضد عيون المتمردين من عناصر طالبان». والتحقت الكابتن جو سمالي بالجيش البريطاني منذ 10 سنوات منذ تخرجها من «ساند هيرست». وتقول سمالي: «الناس هنا مختلفون، نحن نعمل كفريق واحد متجانس، منذ ان خرجنا سويا من كتيبتنا في اوكسفوردشاير، الشيء الوحيد الذي لم نحسب حسابه هو درجات الحرارة العالية، ولكن تدريجيا تعودنا عليها». ودرجات الحرارة العالية لم تقلل من سحر الجنديات البريطانيات في القاعدة العسكرية ولا درجة مرحهن وهن يتبادلن القفشات واحدة وراء الاخرى». وتقول الملازم ليديا دون هيو ان الشيء الوحيد الذي اعجبها في صحراء هلمند هو انه لا توجد اشارات مرور او كاميرات لمراقبة السرعة اثناء قيادتها للمركبة العسكرية في طريقها الى مدرج المطار لنقل المعدات اللوجستية على عجل».

اما السرجنت فيونا وايت وهي في خدمة العلم البريطاني منذ 15 عاما، فلا تشعر بالوحدة لأنها غير متزوجة، وتتصل بأهلها مرة واحدة اسبوعيا لمدة 30 دقيقة مجانا مثل باقي زملائها، او عبر البريد الالكتروني، وتقول وايت انها في هلمند منذ ثلاثة شهور، ومن المقرر ان تقضي في افغانستان 6 شهور مثل باقي زملائها، لكن المفيد في خدمة افغانستان هو كسب مزيد من الاصدقاء يوميا». اما الكابتن زو ريس جاي فهي تفتقد زوجها وهو ضابط يخدم في كتيبة اخرى داخل الوطن وتراه مرة كل خمسة شهور». وتخدم الكابتن جاي في الجيش البريطاني منذ 7 اعوام، ومعظم عملها يتلخص في اعداد البيانات عن الدعم اللوجستي الذي تطلبه القوات، وتنفيذ ذلك على الارض». وتقول انها لم تخطط ابدا ان ينتهي بها المطاف في صحراء هلمند، ولكن على العكس كانت تحلم وهي طفلة صغيرة ان تكون طبيبة بيطرية لحبها للحيوانات الاليفة او على اقصى تقدير ضابطة في الشرطة البريطانية، ولكنها في جميع الاحوال تستمتع بالحياة وسط الظروف الصعبة والمخاطر التي تحيط بها مع بنات جنسها اللاتي خرجن معها من كتيبة الدعم اللوجستي في اوكسفورد الى صحراء هلمند». وتعترف الكابتن جو سمالي انها تعرفت على الجندية وحياة الجيش البريطاني من برنامج تلفزيوني اسبوعي يتعلق بحياة الجنود، ولكن لو عاد الزمن الى الوراء تجيب ردا على سؤال لـ«الشرق الاوسط» وهي تثير الضحك من حولها انها كانت تفضل ان تكون زوجة لاعب كرة قدم مشهور تجلس في البيت كل يوم تتابع تدريباته وتسجيلاته في المربع الاخضر».

اما ليديا دون هيو وهي برتبة ملازم فهي تحنو الى تلال يوركشاير الخضراء. وتنفي الجنديات البريطانيات تعرضهن الى أي ضغوط او مضايقات من زملائهن الرجال بل على العكس يؤكدن تلقيهن كل دعم وعون من زملائهن وبصفة خاصة من رؤسائهن». اما الكابتن روث ايرل من كتيبة الهندسة الميكانيكية في صحراء هلمند فهي خريجة هندسة قبل ان تلتحق بأكاديمية ساند هيرست، وهي تخدم في افغانستان منذ ثلاثة شهور، وهي تحن كثيرا الى ستافودشاير ميدلاند حيث تقيم عائلتها، ومهمتها الاساسية مع فريق من زملائها اصلاح السيارات والمدرعات المعطوبة، وخارج خيمتها هناك بعض السيارات في طور الاصلاح والصيانة، وقالت لـ«الشرق الاوسط» انها تعد الساعات حتى يحين موعد اجازتها لمدة اسبوعين لرؤية عائلتها قبل ان تعود مرة اخرى الى الخدمة. اما الملازم فيونا فورست من الكتيبة الثالثة للشرطة العسكرية فقد التحقت بالخدمة عام 2005، وقد وصلت الى معسكر باستين قبل ثلاثة شهور، ومهمة الشرطة العسكرية في المعسكر البريطاني تتعلق اساسا بضبط الايقاع ومراقبة المنحرفين، وهي حالات نادرة، مثل تعرض بعض الجنود لسرقات بسيطة، وتبادل المعلومات الامنية والتفتيش وإلقاء القبض على المخالفين، واعتقال عناصر طالبان اثناء العمليات قبل تسليمهم الى القوات الافغانية». يذكر أن النساء يقمن بقيادة الطائرات المقاتلة في الجيش البريطاني، ويؤدين الخدمة على متن السفن الحربية ولكن ليس في الغواصات، كما ينفذن 70% من مهام الجيش التي يقوم بها الرجال، ومن بينها العمل مع المهندسين الميدانيين، وفي سلاح المدفعية. ولكنه غير مسموح لهن بالانخراط في الوحدات التي تتلاحم مع العدو كسلاح القوات الخاصة والمشاة وكوماندوز البحرية الملكية والمدرعات.
 
رد: أفغانستان .. الحرب المستمرة

أفغانستان .. الحرب المستمرة (الحلقة الرابعة) ـ سعاة البريد «ملوك» المعسكرات البريطانية

ينقلون الأخبار المفرحة والمحزنة أحيانا إلى الجنود في المواقع الأمامية والرسالة تحتاج 5 أيام للوصول


ضابطة مهمتها نقل الطرود الى الجنود في السرايا والوحدات

هلمند (افغانستان): «الشرق الأوسط»
رغم انتشار ظاهرة البريد الالكتروني و«الماسنجر» وطوابير الجنود التي تقف خلف كبائن الانترنت في المعسكر البريطاني للتواصل مع الاحباب والزوجات والخلان، الا ان ساعي البريد او «بوسطجي معسكرات التحالف» هو صديق الجميع لما يحمله في جعبته من اخبار سارة ، كلما حطت طائرات النقل السريع، مثل سي 130، والهليكوبتر من طراز شينوك، التي تتنقل بين المعسكرات في هلمند وباستين وقندهار وكابل في حركة لا تهدأ ابدا طوال ساعات اليوم ويزداد عملها ليلا تفاديا لهجمات طالبان. وساعي البريد هو ملك المعسكر البريطاني في لاشجكار بهلمند، رأيته داخل مكتبه يسلم الجنود أظرفا وطرودا وهدايا ارسلت من قبل عوائلهم، ويثير الضحكات والقفشات يمينا ويسارا من حوله، وأحيانا ينتظره الجنود داخل الخيام البنية اللون في الفترات العصيبة، يكرهونه أحيانا ـ بلا ذنب ـ إذا جاء حاملا خبرا سيئا، يتهمونه بالفضول، ويعتبرونه في احيان اخرى مفرج الكروب، حين يأتي حاملا خطاباته وأخباره السارة الساخنة. الضابط مارتين لايمز الذي التقته «الشرق الاوسط» في معسكر لاشجكار البريطاني، حيث مقر قيادة الاركان البريطانية في صحراء هلمند، خدم من قبل كساعي بريد مدني في المدن البريطانية، قبل ان يلتحق بالجيش البريطاني، ومنذ وصوله الى هلمند يعرف ان مهمته «تحمل في مضمونها رفع معنويات الجنود الذين يخدمون في صحراء قاسية، وامام عدو لا يعرف الرحمة». وكشف لايمز لـ«الشرق الاوسط» عن وجود 22 ساعيا للبريد في المعسكرات البريطانية في افغانستان، مؤكدا ان بوسطجية المعسكرات البريطانية يعملون بكفاءة متناهية. واشار الي ان الخطابات تستغرق خمسة ايام حتى تصل الى الجنود في خيامهم. وقال ردا على سؤال لـ «الشرق الاوسط» انه يوزع نحو الفي رسالة اسبوعيا، بالاضافة الى طرود اخرى تحمل هدايا أعياد الميلاد وأعياد الزوج، وتكون محملة في الغالب بالحلويات والبسكويت» ويوضح «حتى على خطوط القتال الامامية في مواجهة طالبان تصل الخطابات الى الجنود في انكمين ووادي سانجين وجريش عبر طائرات الهليكوبتر التي تنقل اليهم ايضا التموين اليومي من طعام وذخيرة ومعدات قتالية». وهناك أمور كثيرة حصلت في أفغانستان منذ إطاحة نظام حركة طالبان في نهاية العام 2001، والمعسكرات البريطانية في افغانستان تحيط بها سواتر ترابية عالية وحواجز من الاسمنت المسلح وحواجز لا تنتهي. ويعيش داخل تلك المعسكرات جنود هم جزء من القوة الدولية التابعة لـ«إيساف» والمكلفة إحلال الامن والسلام في افغانستان، ولا يسمح لأحد من الجنود من الخروج من بوابة تلك المعسكرات الا في دوريات او تحت الحراسة المشددة في عربات لاندروفر مصفحة». ويعتبر مطار قندهار أكبر مطارات أفغانستان، (جنوب شرقي مدينة قندهار على طريق قندهار بولدك) جزءا من طريق طهران ـ نيودلهي الدولي، وقد اتخذته القوات الأميركية مقرا لها منذ سقوط حكومة طالبان، اكبر معسكرات التحالف وبه وحدة خاصة لتسلم الرسائل والطرود قبل توزيعها الى بقية الوحدات الاخرى في كابل وهلمند ولاشجكار وننجرهار». اما الضابط البريطاني روب جونز، وهو ساعي بريد اخر يخدم في المعسكرات البريطانية في هلمند بجنوب افغانستان، ويبلغ من العمر 43 عاما، وخدم من قبل في «تيريتوريال آرمي» أو «جيش المناطق» اكثر من 18 عاما، قبل ان يسافر الى افغانستان ضمن الكتيبة 88 من معسكرات الامير ويليام في غلوستر بجرانثام، فقد كان الامر صعبا عليه في ترك ابنتيه أيمي، التي تبلغ من العمر 15عاما، وصوفي، 3 أعوام، ونجله اريك 11عاما، لمدة 6 شهور من اجل الخدمة في معسكرات هلمند، والتواصل عبر الخطابات والطرود التي يتلقاها مع زملائه الجنود. وقال لـ«الشرق الاوسط» انه بالرغم من ان رجال البريد في بريطانيا يفكرون في شن اضراب، لكن خدمة توصيل الخطابات لا تتوقف في افغانستان، لان العسكرية لا تعرف التهديد او التلويح بإضراب. ووصل الضابط روب الى صحراء افغانستان في مارس (اذار) الماضي، ويتعين عليه البقاء لمدة ستة شهور تتخللها اجازة الى الاهل لمدة اسبوعين، ومهمته الاساسية تتلخص في تأمين توصيل الخطابات والطرود الى الجنود في المعسكرات البريطانية في «سوتر كامب» بالعاصمة كابل، وفي معسكر باستين بصحراء هلمند، وفي معسكر القيادة في لاشجكار، وبقية الوحدات على خطوط اطلاق النار مثل وادي سانجين وجريش وانكمين. ويضيف روب انه بالرغم من درجات الحرارة العالية في صحراء هلمند بجنوب افغانستان، الا ان التجربة في حد ذاتها مثمرة، لانه يشعر بسعادة بالغة كلما عاد الجنود بعد ساعات طويلة من دوريات «ايساف» ومطاردة عناصر طالبان، ليجدوا الخطابات والانباء السارة من عوائلهم وأحبائهم على اسرتهم في داخل الخيام». واشار الى ان بعض الخطابات الاخرى تحمل احيانا اخرى اخبارا غير سارة مثل زوجة تطلب تحويلا ماليا من زوجها لانها أنفقت ما تركه لها على حفلة اعياد ميلاد لابنها او ابنتها. او خطيبة تطلب من صديقها الانفصال لانها وجدت عريسا آخر يلبي طموحاتها». وقال انه يفتقد عائلته الى حد كبير، ولكنه يؤدي وظيفة مهمة للغاية تتمثل في تأمين الطرود والخطابات للجنود». وخلال اسبوعين يوزع الضابط روب ما يقدر بنحو 2.5 طن من الخطابات والطرود على الجنود والضباط في الوحدت القتالية البريطانية». وكثيرا ما شاهدت الضابط روب ينتظر بتأهب لهبوط طائرات شينوك لينطلق بخوذته وصديريته الواقية من الرصاص نحو اسفل الطائرة لتناول البريد في جوالات محكمة الاغلاق هو ومساعدوه.
 
رد: أفغانستان .. الحرب المستمرة

أفغانستان .. الحرب المستمرة (الحلقة الخامسة) ـ طالبان تستورد تكتيكات متفجرات العراق وأحرقت 183 مدرسة في هلمند

قائد بريطاني: لا تستطيع أن تفرق بين طالبان والآخرين إلا بعد أن يبدأوا في إطلاق النار


جنود أفغان في مركز البحث الجنائي في لشكرجاه


قوات أفغانية في صحراء هلمند، تتعقب عناصر طالبان


جندي من قوات إيساف الدولية عند نقطة مراقبة بعد حلول الليل

هلمند (افغانستان): محمد الشافعي
الطريق إلى مركز التحقيقات الجنائية بوسط مدينة لشكرجاه بمحافظة هلمند، يمر عبر طرق متربة غير ممهدة تعتبر مصدر خطر دائم لقوات التحالف التي تتخوف من وضع عناصر طالبان عبوات ناسفة على الطريق ليلا، ومنذ الخروج في الصباح الباكر من معسكر قيادة القوات البريطانية في لشكرجاه، وبعد وضع الخوذة والدرع الواقي الذي يزن نحو 15 كيلوغراما وربطه بأحكام حول الصدر، وترديد دعاء السفر عدة مرات في العربة المدرعة، الذي هو: سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له منقلبين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون. كنت أراقب الحراس الأشداء وهم ضباط سابقون في الجيش البريطاني، وايديهم على بنادق من طراز، اس.ايه 80، ومسدسات جاهزة على الفخذ للتعامل مع الخطر ايضا، وكان الموكب مكونا من ثلاث سيارات لاندروفور مصفحة، وكانت التعليمات من الحراس الأشداء لا تغادر السيارة، إذا حدث تبادل لإطلاق النار حتى نأمرك نحن بذلك، وعندما تسمع إطلاق نار، ارم نفسك على الأرض لو كنت خارج السيارة، وكانت التعليمات عبر اللاسلكي بين السيارات الثلاث لا تتوقف: على يمينك دراجة نارية قد تكون لانتحاري ابعد عنها واحذرها، لا تجعل السيارة القادمة من الطرف تدخل بيننا، اكسر عليه بسرعة. وكانت عيون الحراس والسائقين وجميعهم رفضوا التقاط أي صور تذكارية، لأنهم يوميا في خط المواجهة الاول، لا تتوقف عن البحث عن قنابل موضوعة على الطريق، وهو تكتيك جديد استوردته طالبان من العراق، والخوف اليوم في هلمند التي تنشط فيها عناصر طالبان ليس من الانتحاريين فقط، بل ايضا من العبوات الناسفة الموضوعة على الطريق، أو اطلاق نار من مدافع «آر.بي.جي» من فوق أسطح المنازل المبنية بالطوب اللبن على سيارات التحالف الدولية، التي تغير طرقها، ولا تتخذ نفس الطريق أبدا، كلما خرجت في مهمة رسمية، انها التعليمات التي لا تقبل النقاش، لأن المسألة تتعلق بالحياة وتفادي الموت. وكانت السيارات ذات الدفع الرباعي تنطلق بسرعة مجنونة على الطرق غير الممهدة، وأنا مشغول بترديد الآيات القرأنية، خوفا من الموت متفحما في السيارات المصفحة رغم الدرع الواقي، الذي يخنق أنفاسي والخوذة التي اغرقتني في حمام من العرق، وكان ذهني مشغولا بالذكريات التي تتداعى، وصور التفجيرات الانتحارية وبقايا أشلاء بشرية شاهدتها من قبل عبر وكالات الأنباء في لندن، وصورة بقايا سيارة متفحمة تعرضت لهجوم انتحاري في قرية انكمين على الخط الأول في مواجهة طالبان بالقرب من المنطقة الخضراء. وقوة المعاونة الأمنية الدولية التابعة لحلف الناتو (إيساف) المنتشرة منذ ديسمبر (كانون الاول) 2001 في أفغانستان تحولت إلى قيادة حلف الناتو في عام 2003، وتولت عقب ذلك السيطرة على مناطق الشمال ثم الغرب، ثم الجنوب الذي يعد المنطقة الأكثر اضطرابا، والتي يتمركز فيها بكثافة مقاتلو حركة طالبان. وتوعدت حركة طالبان الأفغانية بأن يكون عام 2007 أكثر الأعوام دموية للقوات الأجنبية في البلاد منذ دخولها عام 2001. وبجانب الشرق، يشهد جنوب أفغانستان في هلمند ووادي سانجين هذا العام، أسوأ مواجهات منذ أطاحت القوات التي تقودها الولايات المتحدة، نظام حكم حركة طالبان في إطار الحرب التي أعلنتها واشنطن على الإرهاب، في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة.
وفي مركز التحقيقات الجنائية تعرفت «الشرق الأوسط» على عزيز ضابط التحقيقات الجنائية، الذي كان يعمل بائعا للأحذية خلال عهد طالبان في لشكرجاه، واليوم عزيز حليق الذقن، ولكنه في الوقت ذاته يتخوف من انتقام طالبان، لأنه يعمل في الخندق الآخر، ويعترف أن طالبان لها وجود قوي في لشكرجاه والمناطق المحيطة بها، ولا يمكن بأي حال من الأحوال التفرقة بين طالبان وبقية المدنيين عبر زجاج السيارات المصفحة، فالغالبية العظمى ترتدي نفس العمامات السوداء، وتطلق نفس اللحى الطويلة والجميع يتحدث لغة البشتون.

وكما يقول ضابط بريطاني كبير التقته «الشرق الأوسط» في معسكر باستين بوسط صحراء هلمند: لا تستطيع أن تفرق بين طالبان والآخرين، الا بعد أن يبدأوا في اطلاق النار علينا، أو من خلال مدافع «آر.بي.جي» التي يحملونها فوق ظهورهم او الكلاشنيكوف فوق اكتافهم. وذهبت «الشرق الأوسط» إلى مبنى سجن لشكرجاه العمومي الذي تقوم الحكومة البريطانية بتجديده، وبناء مبني آخر مساعد لمركز التحقيقات الجنائية، بالإضافة الى تدريب كوادر التحقيقات الجنائية على استخدام الأساليب الحديثة في اجراء التحقيقات للحد من ظاهرة العنف. وداخل السجن كان هناك العشرات من الأحداث الذين تورطوا في براثن الجريمة، بسبب البطالة وقلة الوعي، بالاضافة الى عناصر من طالبان في أعمار مختلفة. ورغم أن السائقين الأفغان، يعدون من بين أكثر السائقين شجاعة في العالم، فإن سلسلة التفجيرات التي قامت بها طالبان مؤخرا، استهدفت قوافل عسكرية أجنبية استطاعت أن تغير من هذا الأمر. ولم يتوقف الأمر عند حد السائقين بل امتد ليشمل مناحي أخرى من الحياة. مثل المترجم سانجر الذي يعيش داخل الثكنة العسكرية في لشكرجاه، الذي رافق «الشرق الأوسط» كمترجم في رحلة الذهاب الى مقر محافظة لاشكجاه، ومبنى السجن العمومي، ويخرج سانجر وهو من البشتون، حليق الذقن مرة كل اسبوعين من داخل معسكر القيادة في هلمند، متخفيا بأساليب مختلفة، من اجل قضاء عدة ساعات مع زوجته التي اقترن بها قبل خمسة شهور، لأنه تلقى تهديدا صريحا من طالبان بقطع رقبته لأنه يتعامل مع العدو. والمترجم سانجر مثل العشرات من المترجمين الأفغان، الذين يجيدون البشتو والداري والاردو، ويعملون في خدمة قوات التحالف الدولية في قواعد قندهار وباستين ولشكرجاه وسوتر في كابل يتقاضون مرتبات خيالية، تتقلص الى جانبها تهديدات وارهاب طالبان، فالمترجم سانجر يتقاضى 600 دولار شهريا، بينما ضابط المباحث الجنائية لا يتعدى مرتبه الـ100 دولار شهريا،. ويقول المترجم سانجر، إن الخطر يحيط بحياته من كل جانب كلما خرج من بوابة المعسكر، سواء في مهمة عمل مع ضباط أو مع مسؤولي الإعمار والتشييد، ويضيف: إذا لم يستطع تفادي عناصر طالبان، فإنه يبتهل إلى الله ليل نهار، أن يغفر له ويدخله الجنة إذا مات، هذا كل ما أستطيع فعله. الجميع خائفون على ما أعتقد.

ويلجأ السائقون حاليا إلى الإبطاء أو الخروج عن أي طريق لتفادي القوافل العسكرية، خشية أن يسقطوا ضحايا لأي هجوم تنفذه حركة طالبان. ولا يقتصر خوف سائق السيارات عند حد هجمات طالبان، بل امتدت لتشمل الخوف من إطلاق النار من قبل جنود تلك القوافل، الذين أصابهم التوتر، إذا ما اقترب منها أكثر مما ينبغي، وهو ما دفع الأمم المتحدة وجماعات إغاثة أجنبية أن تنصح سائقيها بتجنب القوافل العسكرية.

وفي إطار التغير الذي شهدته هلمند مع تزايد هجمات طالبان، منع بعض السكان أطفالهم من الذهاب إلى المدارس مفضلين بقاءهم في المنزل، بسبب ما اعتبروه زيادة المخاطر في العاصمة، بحسب علي مسلماني احد قادة قبائل البشتون ومسؤول لجنة اعادة الاستقرار في هلمند. ويقول مسلماني إن طالبان احرقت مدرستين في نواحي هلمند، واعتدت على المدرسين، وهو أمر أثار الفزع في نفوس أولياء الأمور. ويضيف مسلماني، منعت بعض العائلات اطفالها من الذهاب الى المدارس، بسبب خطر الهجمات الانتحارية.

وهناك اليوم تقارير افغانية رسمية تقول إن طالبان أحرقت 183 مدرسة، وقتلت 61 أستاذًا وتلميذًا خلال العامين الماضيين، بالإضافة لأعمال التمرد التي أدت إلى إغلاق نحو 400 مدرسة معظمها في المناطق التي قالت طالبان إنها تود فتح مدارس فيها، وسط تشكيك في مزاعم طالبان بأنهم سيسمحون للفتيات بتلقي التعليم في المدارس. وخلال سنوات حكم طالبان في أفغانستان منذ 1996 وحتى سقوط الحركة الأصولية نهاية عام 2001 لم يكونوا يسمحون لأية فتاة بالذهاب إلى المدارس العامة. ويقول مسؤولون حكوميون في هلمند يبدو أن طالبان تستغل التعليم كواجهة لإقامة مدارس دينية محافظة تعلم التطرف الإسلامي، الذي يغذي التمرد. ويقول مسلماني إن طالبان يفعلون ذلك تمهيدًا لنقل مدارس الكراهية إلى أفغانستان لتدريب الإرهابيين، إنهم يرغبون في إيجاد سبيل لنقل المدارس إلى أفغانستان.

وشرح لي دبلوماسي بريطاني يعمل في برامج اعادة الإعمار والتنيمة، قضى جزءا كبيرا من حياته في الشرق الأوسط، التقيته في معسكر باستين، مفاتيح الشخصية الباشتونية المحيرة في تعاملهم مع القوات الأجنبية، مؤكدا انهم لا يحبون الأجانب، وخصوصا الذين يحملون السلاح في اراضيهم. وقال ان هناك حالة من «بادال» أو انتقام ضمن مفاتيح الشخصية الباشتونية، التي يجب أن نفهمها عند التعامل مع قياداتها، لأن بريطانيا جاءت الى هذه الأراضي ثلاث مرات وخسرت الحرب بسبب شجاعة الافغان، فخلال القرن التاسع عشر، وقعت أفغانستان فريسة للصراع البريطاني ـ الروسي. فخاضت على أثر ذلك ثلاث حروب مع بريطانيا. ففي الحرب الأولى (1839 ـ 1842)، هُزِم الجيش البريطاني شرَّ هزيمة. وفي الثانية (1878 ـ 1880)، والكلام ما زال للخبير البريطاني في الشأن الأفغاني هزم البريطانيون أيضاً، وانسحبت القوات البريطانية، وصعد الأمير عبد الرحمن خان على العرش الأفغاني، الذي أدار البلاد بحكمة، وانتهج سياسة خارجية محايدة بين الامبراطوريتين البريطانية والروسية (استمرت حتى عام 1955). أما الحرب الثالثة (1919)، فقد انتهت بتوقيع بريطانيا معاهدة روالبِندي في 19 أغسطس (آب) 1919، التي تعترف باستقلال أفغانستان داخلياً وخارجياً، ومن ثَم أصبح ذلك التاريخ ذكرى للاستقلال. وتولى حلف شمال الأطلسي (الناتو) مسؤولية الشؤون الأمنية في جميع أرجاء أفغانستان، بعد تسلمه القيادة في شرق البلاد من قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، وذلك في أكبر عملية منذ إنشائه. ولا يمكن الخروج من القواعد العسكرية في باستين او قندهار او لشكرجاه او سانجار بدون مرافقة الحراس او ضمن قوافل ايساف. وقوة المعاونة الأمنية الدولية التابعة لحلف الناتو (إيساف) المنتشرة منذ ديسمبر (كانون الأول) 2001 في أفغانستان، تحولت إلى قيادة حلف الناتو في عام 2003، وتولت عقب ذلك السيطرة على مناطق الشمال ثم الغرب، ثم الجنوب الذي يعد المنطقة الأكثر إضرابا، والتي يتمركز فيها بكثافة مقاتلو حركة طالبان. وتوعدت حركة طالبان الأفغانية بأن يكون عام 2007 أكثر الأعوام دموية للقوات الأجنبية في البلاد، منذ دخولها عام 2001، وأعلنت الحركة أن الاستعدادات للحرب تجري على قدم وساق.
 
رد: أفغانستان .. الحرب المستمرة

أفغانستان .. الحرب المستمرة (الحلقة السادسة) ـ توثيق وتأريخ الحرب مع طالبان على الخط الأمامي بالصورة

المصور العسكري جون بيفان.. عاشق الكاميرا واللقطات النادرة


المصور العسكري جون بيفان على الخط الأمامي


جندي من إيساف في دورية بعدسة بيفان

هلمند (افغانستان): محمد الشافعي
كانوا يقولون لنا في مدارسنا، إن الصورة بألف كلمة، فأصبحنا نقول: بل بألف ألف، وكانوا يقولون: إن الصورة مرآة الحقيقة، فلما تأملناها أدركنا أن ثمة وجوها عديدة للحقيقة، والصورة الفوتوغرافية ذاكرة حية متجددة، ووثيقة صادقة لا تكذب أو تنحاز، لديها القدرة على كشف التفاصيل والبوح بكثير من الأسرار التي قد تعجز عنها الوثيقة المكتوبة، ومنذ اختراعها، وهي تسير جنبًا إلى جنب مع النص المكتوب في رصد حركة الحياة، وتوثيق تطورها في كثير من المجالات، ولكن على الخطوط الأمامية في المواجهات العسكرية، هناك كثير من التضحيات تبذل من المصورين العسكريين لرصد الحقيقة على جبهات القتال، وفي يوم مشمش تخطت درجة الحرارة فيه الـ45، وأنا جالس تحت التكييف في مكتب الكابتن جيمس بايلي المسؤول الاعلامي لقاعدة باستين بصحراء هلمند، في انتظار التعليمات للانتقال الى قاعدة لاشكجار في اليوم التالي، دخل علينا المصور العسكري العريف جون بيفان.
وكان يحمل فوق ظهرة عدة القتال ودرعا واقيا وخوذة تغطي رأسه، وفي يمينه بندقية اس.ايه 80، وفي يساره كاميرا بعدسات وتلسكوب، ووجهه أشعث مغبر كأنه خرج للتو من جهنم، وساعده زملاؤه في القسم الاعلامي على انزال ما فوق ظهره من أحمال واثقال قتالية قبل ان يرحل بابتسامة رقيقة، ويستأذن للذهاب الى خيمته بعد مشاركته في دورية راجلة لمدة 36 ساعة على الخطوط الامامية للقتال خلف الخط الأخضر لاقتفاء اثر عناصر طالبان، التي تجيد لعبة الكر والفر، في ارض خبرتها جيدا وتعرف تضاريسها مثل كف اليد على حد قول المصور الصحافي بيفان. والمصور بيفان خدم في الشرطة العسكرية البريطانية لمدة 16 عاما قبل ان ينتقل الى مدرسة التصوير الفوتوغرافي التابعة للجيش البريطاني، ليتعلم أصول المهنة التي احبها واغرم بها، وكادت تودي به الى المهالك في الخطوط الامامية للقتال في أكثر من مرة، وفي مدرسة التصوير الفوتوغراقي تعلم بيفان كيف يخطف اللقطات الانسانية، واهمية الصورة كوثيقة تاريخية، وذاكرة ثقافية، ومرآة اجتماعية قادرة على تثبيت اللحظات التاريخية المهمة والحاسمة والاحتفاظ بها كما هي، وكيفية خطف اللقطات الانسانية للجنود في الأوقات الصعبة. وداخل جهاز الكومبيوتر الخاص بالمصور بيفان هناك العشرات والعشرات من الصور، ولكل منها قصة وحكاية، وهو يعد اليوم لمعرضه للصور الفوغرافية في متحف الجيش بتشلسي العام المقبل. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» في خيمته بصحراء هلمند، قال إن الكاميرا هي سلاحه على خط النار، واشار الى انه يهتم بالكاميرا اكثر كثيرا من تسليحه الشخصي ببندقية «اس.إيه 80»، وقال إن الكاميرا هي سلاحه في مواجهة طالبان. وعلى واجهة كومبيوتره الخاص صورة له مع ابنه جو ذي الثلاثة اعوام يرتدي خوذته، والصورة التقطتها زوجته الضابطة التي تعرف عليها اثناء خدمته في الشرطة العسكرية». وخدم المصور بيفان من قبل في البلقان وايرلندا الشمالية والعراق عام 2003، وقال «ان صحراء هلمند ارحم كثيرا من الخدمة في العراق». ويضيف «بدأت علاقتي بالكاميرا، وأنا طفل صغير؛ حيث أعطاني أحد أصدقائي الكاميرا وبدأ يعلمني فتحة العدسة، والزووم، وكافة التقنيات المتعلقة بالتصوير». ويحن بيفان كثيرا الى هضاب وتلال مدينته سوانسي وتلال ويلز الخضراء، وهناك كثير من اللقطات التي تعلق بها بيفان، ويستطيع ان يحكي عنها لساعات، مثل لقطات بوسطجي المعسكر الذي يلتقط حقائب البريد من طائرة سينوك والتي تحمل الأخبار السارة الى الجنود، وزيارة خاصة الى مستشفى هلمند، وعشرات من الصور لطفل افغاني أجرى الجراحون له عملية في القلب، ثم صوره وهو يلعب كرة القدم، وصور اخرى للجنود في الاحياء الشعبية بهلمند والمدن الافغانية. ولا يدعي المصور بيفان البطولة، وهو يتحدث عن اللقطات النادرة في الدورية الراجلة التي ذهب معها لمدة 36 ساعة لاقتفاء اثار عناصر طالبان، بل هو اكثر تواضعا، عندما يتحدث عن بطولات زملائه على خطوط المواجهة الاولى، ويقول ان كل واحد منهم يستحق مزيدا من التقدير والتشجيع، وهو ما يجده دوما من رؤسائه الذين يطلبون رؤية صور الخطوط الامامية لخط النار. وهناك كثير من الصور ذات الحس الانساني التقطها المصور بيفان لجنود في ساعات الراحة وهم نائمون، بعد ساعات من القتال تحت سيارات لاندروفر وفايكنج، وآخرون يقومون بالحراسة قبل ان تبزغ شمس اليوم التالي.

وصدق وإيمان المصور بيفان المطلق بأن التوفيق والحظ حالفاه كثيرا على خطوط المواجهة، وذاكرته مليئة بالكثير من القصص والحكايات لصورالتقطها ربما ستظل ثابتة في التاريخ العسكري للحروب، منها محاولة طائرة هليكوبتر بريطانية النزول الى خط المواجهة لانقاذ حياة عدد من عناصر طالبان لنقلهم الى المستشفى للعلاج، ولكن الطائرة تتعرض لنيران كثيفة من طالبان تبعدها عن ارض المعركة». وينفي المصور بيفان ان يكون اليوم استاذا في مهنته، ولكنه كما يقول يسعى للتعلم والاحترافية في عمله». وبيفان في صوره التي حصلت «الشرق الأوسط» على بعض من نسخها، فنان أصيل يرى بعينه الثاقبة ما يخفى على كثيرين، وهو يتحاور بذكاء مع عدسته، ويمتلك تركيزا عاليا وذهنا حاضرا، ويدير كاميرته في كل اتجاه ليقتفي بها أثر الحدث سعيا للانفراد، وطلبت من المصور بيفان التقاط عدة صور له وهو يمسك الكاميرا سلاحه الاول، كما يقول، ولكنه أعطاني ايضا صور خاصة به في ساحة الوغى على الخط الأول في الخنادق، وهو ممسك بكاميرته، هي لقطات التقطها زملاؤه خلال ساعات خمد فيها اطلاق النار من قبل عناصر طالبان. وقد شاهدت المصور بيفان داخل الطائرة شينوك، وهو يحاول الثبات والوقوف والتقاط صور للقائد البريطاني العام جون لومير، والضباط والجنود الذين اصطحبوه الى خطوط القتال الأمامية في انكمين، وصورة اخرى لجندي يقف متأهبا خلف مدفع الـ«شينوك» جاهز للتعامل مع عناصر طالبان، اذا ما اطلقت النار من فوق اسطح ومنازل الجنوب الافغاني، والطائرة تتلوى يمينا ويسارا بسرعة خارقة، في طريقها الى قاعدة لاشكجار.
 
عودة
أعلى