كود:
يوم 9 أكتوبر 1967 مات تشي غيفارا إذ اغتاله الجيش البوليفي ومستشارو وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA …
وسيكون أكتوبر 1997، الذكرى الثلاثين لاغتياله، مناسبة، في فرنسا وفي غيرها من بقاع العالم، لظهور سير عديدة لحياته وكتب وأفلام وحتى أقراص مدمجة.
هل عاد تشي ليصبح موضة جديدة ؟ منذ بضع سنوات عادت صوره للظهور في كل مكان، في الملصقات وفي الحيطان وفي الأقمصة وحتى في جييبات الأقراص المدمجة لمجموعات الغناء الشعبية (Rage against the machine أو Renaud )
يحظى تشي حاليا، بعد ثلاثين سنة من وفاته، بشعبية عالمية لدى العديد من الشباب. ونجد صورته على صدر شباب كل القارات ( أمريكا اللاتينية وأفريقيا وأوربا والولايات المتحدة الأمريكية …)
لا شك ان بقاء صورة جيدة عن تشي لدى الشباب لا يعود إلى سحر عينيه و قبعته، بل إلى كونه رمزا للتمرد ضد ظلم واضطهاد العالم الذي نعيش فيه.
يمثل تشي عن حق صورة ثوري كبير لا تشوبه شبهة أي مسؤولية عن تلك الكارثة التي شكلتها الستالينية. ربما كانت صورة روبن دو بوا Robin des Bois أحمر هي الجانب الذي يعجب الشباب. على كل حال هذه هي الكيفية التي تعيد بها ذكراه وأفكاره الاعتبار للسياسة في وقت يجردها منه الساسة المحترفون والفاسدون.
منذ تأسيس منظمتنا عام 1966 ونحن نتبنى، إلى جانب أمور أخرى، تشي غيفارا. إنه رمز دورة من التجارب الثورية ألهبت في سنوات 60 و70 بلدان عديدة بأمريكا اللاتينية.
حياة في خدمة الثورة
ولد إرنستو يوم 14 يوليوز 1928 في بيونس ايريس بالأرجنتين. ومراعاة لصحة ابنها المصاب بالربو استقرت أسرته في ألتا غراسيا في السيرا دو كوردوبا. وفيها أسس والده لجنة مساندة للجمهورية الإسبانية عام1937, وفي 1944 استقرت الأسرة في بيونس ايريس.
ومن 1945 إلى 1953 أتم إرنيستو بنجاح دراساته الطبية. و بسرعة جعلته صلته بأكثر الناس فقرا وحرمانا وبالمرضى مثل المصابين بالجذام، وكذا سفره المديد الأول عبر أمريكا اللاتينية، واعيا بالتفاوت الاجتماعي وبالظلم.
الأسفار تكون الشباب … والوعي!
حصل تشي بالكاد على شهادته لما غادر من جديد الأرجنتين نحو رحلة جديدة عبر أمريكا اللاتينية. وقد كان عام 1951، خلال رحلته الأولى، قد لاحظ بؤس الفلاحين الهنود. كما تبين استغلال العمال في مناجم النحاس بشيلي والتي تملكها شركات أمريكية. وفي عام 1953 في بوليفيا والبيرو، مرورا بباناما وبلدان أخرى، ناقش مع منفيين سياسيين يساريين من كل مكان تقريبا، ولاسيما مع كاسترويين كوبيين. تسيس، وفي تلك اللحظة قرر فعلا الالتحاق بصفوف الثوريين. واعتبر نفسه آنذاك شيوعيا.
وفي العام 1954 توقف في غواتيمالا التي كانت تشهد غليانا ديمقراطيا في ظل حكومة جاكوب أربنز. وشارك تشي في مقاومة الانقلاب العسكري الذي دبرته المخابرات الأمريكية والذي انهى الإصلاحات الزراعية التي قام بها أربنز، وستطبع هذه التجربة فكره السياسي.
التحق آنذاك بالمكسيك. وهناك تعرف في يوليوز 1955 على فيديل كاسترو الذي لجأ إلى ميكسيكو بعد الهجوم الفاشل على ثكنة مونكادا في سانتياغو دو كوبا. وجنده كاسترو طبيبا في البعثة التي ستحرر كوبا من ديكتاتورية باتيستا. وهناك سمي بتشي وهو تعبيير تعجب يستعمله الارجنتينيون عمليا في نهاية كل جملة.
وفي يوينو 1956 سجن تشي في مكسيك مع فيدل كاسترو ومجموعة متمردين كوبيين. واطلق سراحهم بعد شهرين.
1956-1965 الثورة الكوبية
بدءا من 1965 ارتمى تشي مع رفاقه في التحرير الوطني لكوبا.
المقاتل …
يوم 2 ديسمبر 1956 غادر 82 رجلا السواحل المكسيكية على ظهر الباخرة جرانما وحطوا الرحال بشكل كارثي على سواحل كوبا شرق الجزيرة وتعرضوا في الحين لمضايقات قوات باتيستا. وبسرعة لم يبق منهم غير 22 رجلا ونجحت المجموعة في إعادة تنظيم نفسها في السيرا مايسترا وأحرزت نجاحاتها الأولى. وتعزز جيش المتمردين بعد بضع سنوات من المعارك بين عشرات من مقاتلي الغوار (حرب العصابات) و000 40 جندي يشكلون جيش باتيستا.
وفي غشت 1958 تسلم تشي قيادة كتيبة من 148 مقاتل وانتقل إلى مركز الجزيرة بهدف عزل مدينة سانتا كلارا.
استولت قوات الكوماندانتي تشي غيفارا على المدينة يوم 30 ديسمبر 1958. آنذاك جاء الهجوم الكبير بتقدم كتائب مقاتلي حرب الغوار نحو العاصمة هافانا. وانهارت الديكتاتورية وفر باتيستا من هافانا المشلولة بالإضراب العام: ودخلت قوات تشي و كاميلو سيانفويغوس العاصمة يوم 2 يناير 1959. انه انتصار الثورة الكوبية.
…وقائد الثورة الكوبية
قام تشي بدور متقدم في الحكومة الثورية. وضعت الحكومة إصلاحا زراعيا ونظمت نزع ملكية المنشآت الأمريكية ومصادرة المساكن وتوزيعها. وخصصت الثروات لتلبية الحاجات الاجتماعية. ووضعت برنامج صحة وتعليم لاسيما في مجال محو الأمية.
في نوفمبر 1959 كان تشي اولا رئيسا للبنك الوطني فأصاب الذهول عالم المالية الدولية (الأوراق النقدية الكوبية موقعة باسم تشي ) وأصبح في فبراير 1961 وزيرا للصناعة. فدفع تشي في اتجاه تصنيع عام لكوبا لكن واقع البلد ما كان يتيح التقدم بالسرعة التي أراد. وكانت مواقفه بصدد التصنيع، وبشكل أعم حول ضرورة تنظيم اجتماعي واقتصادي جديد، معروضة في مقالاته خلال السجالات العمومية التي تعارض فيها مع وجهات نظر أخرى قريبة من موسكو. يتعلق الأمر أساسا بخيار سياسي يهم تصنيع الاقتصاد. وعارض غيفارا بوجه خاص عملية دمج الاقتصاد الكوبي في إطار « القسمة الاشتراكية للعمل » المملاة من الاتحاد السوفيتي. وقام تشي بأسفار عديدة ناطقا باسم بلدان العالم الثالث في منظمة الأمم المتحدة ، وشارك في مؤتمر القارة الأمريكية في بونتا ديل ايستي وفي المؤتمر العالمي للتجارة في جنيف. وزار جزائر بن بلة مرارا عديدة وقاد الوفد الكوبي إلى احتفالات الذكرى 47 لثورة أكتوبر. وفي الجزائر مرة أخرى ألقى خطابا أساسيا انتقد فيه صراحة سياسة الاتحاد السوفيتي.
لكن ربما لم يرضيه هذا الدور إرضاء تاما.
فبدعوته إلى تضامن كافة المضطهدين في العالم كان ينوي المشاركة بنشاط في امتداد الثورة. وغادر كوبا في مارس 1965 متخليا عن كافة مسؤولياته الرسمية.
1965-1967 حياة في خدمة توسع الثورة
في 1965 و1966 سعى تشي إلى المشاركة في تطور تجارب حرب غوار في افريقيا السوداء، في الكونغو البلجيكي(زايير). ومر بسان دومينغ ليلتحق فيما بعد ببوليفيا في نوفمبر 1966. وظهرت نوات مقاتلي حرب غوار في منطقة ناشواسو.
قام تشي بإسقاط النموذج الكوبي على نطاق الكوكب: ستصبح سلسلة جبال الأنديز بمثابة سيرا مايسترا أمريكا اللاتينية. وسرعان ما تعرضت تلك النواة لمطاردة من قوات مسلحة عديدة وتم عزلها بسرعة. وبقيت المجموعة في ظروف صعبة بعد امتناع الحزب الشيوعي البوليفي عن مساندتها. وخلال مواجهة يوم 8 أكتوبر 1967 جرح تشي واعتقل مع اغلب رفاقه. وفي اليوم الموالي تم إعدامه بضغط من المخابرات الأمريكية .
ومن موته ولدت أسطورة من وضع حياته في خدمة وبين يدي الثورة لأجل القضاء على كل أشكال الظلم.
واصبح وجهه رمزا للتمرد في كل مكان بالعالم. وُتستوحى من تشي صورة مقاتل حرب الغوار ذي اللحية والقبعة أكثر مما ُتستوحى أفكاره وكتاباته. ومع ذلك لم يستعمل تشي يديه لحمل السلاح فقط بل أيضا لنقل أفكاره إلى الورق.
--------------------------------------------------------------------------------
فكر تشي غيفارا السياسي
الثورة
كانت الماركسية بنظر تشي نظرية للعمل الثوري قبل كل شيء. وقد تبنى فكرة ماركس: لا يكفي تفسير العالم بل يجب تغييره. وكان يعتبر، مستندا إلى لينين، إن دور الثوريين هو المساهمة في خلق شروط الاستيلاء الثوري على السلطة، وهذه هي الفكرة التي نجد عند تشي بصدد دور حرب الغوار.
فبنظره لا يمكن قضاء الوقت في انتظار استيفاء شروط الاستيلاء على السلطة كما كانت تفعل غالبية الأحزاب الشيوعية بأمريكا اللاتينية، بل تجب المساعدة على خلق شروط الثورة. ولا يعني هذا بأي وجه أن لتشي تصور إرادوي صرف للعمل الثوري لا يأخذ بالحسبان الشروط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع، بل طور فكرة استحالة تطور الثورة دون فعل المنظمات الثورية والجماهير. وقد كان هذا التصور في قطيعة تامة مع تصورات غالبية منظمات اليسار التقليدي بأمريكا اللاتينية آنذاك، ولا سيما الأحزاب الشيوعية التي كان لها تصور للثورة على مراحل وكانت تنتظر يوم تستوفى فيه الشروط لطرح مشكل الاستيلاء الثوري على السلطة. بهذا المعنى يتعين فهم جملة تشي:« واجب كل ثوري ان يقوم بالثورة ». وتبنى تشي فكرة ماركس التي مؤداها أن تاريخ البشرية يتميز بكون البشر أنفسهم صانعيه وأن الثورة الاشتراكية هي بداية صنعه بوعي. ومن جهة أخرى يتعذر تحقيق الثورة والاشتراكية، بنظر تشي، دون تعبئة شعبية وليس فقط بطليعة ثورية تستولي على السلطة وتبني مجتمعا اكثر إنسانية. فبرأيه يستحيل أي تغيير حقيقي للمجتمع دون تدخل الجماهير. وتبنى صيغة تحرر العمال من صنع العمال أنفسهم. وسيكون كامل نشاط تشي الثوري موجها بهذا الفكر السياسي التي يمثل قطيعة مع التصورات القائمة في الحركة العمالية بأمريكا اللاتينية آنذاك.
يكمن تفسير تطور فكر تشي السياسي جزئيا في الأسفار التي قام بها في أمريكا اللاتينية بين 1951 و1956. وكانت إقامته في غواتيمالا هامة من زاوية النظر هذه. فهناك شهد كيف تمت إطاحة حكومة البلد التي حاولت تطوير إصلاحا زراعيا، وذلك بتدخل عسكري مدعوم من الولايات المتحدة ومن جيش غواتيمالا. ويؤكد هذا أن الوصول إلى الحكم دون الإطاحة بالمجتمع القديم محكوم بالفشل. ليس التصور القائم على تحويل إصلاحي للمجتمع غير أوهام بنظره، فالقطيعة الشاملة، والثورية بالضرورة، مع النظام الاجتماعي القديم، هي التي تجعل تغييرا حقيقيا للمجتمع أمرا ممكنا.. وبعد بضع سنوات من موت تشي كان المثال الشيلي هو أيضا منيرا.
فحكومة أليندي،الذي وصل إلى السلطة بالطريق الانتخابي ، حاولت القيام بإصلاحات اجتماعية هامة لكن دون استناد فعلي إلى الجماهير الشعبية ودون تدمير جهاز الدولة القديم، أطيح بها بانقلاب بينوشيه سنة 1973 ، وهو الانقلاب الذي دعمته ومولته وسلحته كبريات التروستات الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية.
أخيرا، لأجل فهم التصور الذي طوره تشي لثورتهم يجب إدراك أنه كان ذي رؤية واضحة لمكانة البرجوازية في بلدان أمريكا اللاتينية. وكانت الأحزاب الشيوعية آنذاك تدافع عن وجوب قيام البرجوازية الوطنية بالثورة وتطوير البلد مثل البرجوازية الفرنسية في 1789 قبل وضع الثورة الاشتراكية على جدول الأعمال. أدرك تشي استحالة الدفاع عن هذه الرؤية الميكانيكية للثورة. فبرجوازية البلدان الخاضعة للسيطرة اختارت بشكل ممنهج الارتباط بمصالح الإمبريالية، و كانت ضد أي ثورة خوفا من ثورة شعبية تقوم بإصلاح زراعي وتمس المصالح الاقتصادية للإمبريالية عبر تأميمات. بفعل عجزها عن تطوير ثورة ديمقراطية، الناتج عن كونها تابعة، وخشيتها من ثورة ديمقراطية تمس مصالحها، لا تقوم برجوازية البلدان التابعة باي دور ثوري، لا بل هي تعارض الثورة. لذا لا يمكن، بنظر تشي، الوصول إلى إصلاح زراعي جذري وإلى النضال الفعال ضد الإمبريالية وتدخلها بأمريكا اللاتينية ولأجل الخروج من التخلف، إلا بالاستناد على الجماهير الشعبية، لاسيما الفلاحين الفقراء والسير نحو ثورة اشتراكية. وهنا أيضا كان مثال الثورة الكوبية هو المغذي لفكر تشي. إذ واجهت هذه الثورة مجموع هذه المسائل فيما بين استيلاء الثوريين على السلطة سنة 1959 وسياسة التغييرات الاجتماعية التي طبقت فيما بعد وإعلان الطابع الاشتراكي للثورة عام 1961. ومن هنا انطرحت بالنسبة لتشي ضرورة ثورة اشتراكية على صعيد قارة أمريكا اللاتينية برمتها ومجموع العالم الثالث بوجه عام. يلتقي هذا التصور إلى حد كبير مع ذاك الذي دافع عنه تروتسكي والتروتسكيون ومؤداه ان مهام الثورة الديمقراطية بالبلدان التابعة هي على كاهل الجماهير العمالية والفلاحية نفسها لأن البرجوازية، المستندة إلى الإمبريالية، لا تسير بها إلى النجاح. وعلى هذا النحو يتعين أن تكون الثورة دائمة وليست عبر مراحل بحيث تشكل الثورة الديمقراطية والثورة الاشتراكية سيرورة واحدة.
نظرية عن حرب الغوار
كان تشي مقتنعا بحتمية النضال المسلح. وكان يدرك أن ثورة إشتراكية، أي ثورة تضع موضع الاتهام مصالح الطبقات الحاكمة وسلطتها، لن تنتصر سوى بمواجهة جهاز الدولة القديم وتدميره. وسيكون وهما الإعتقاد أن الطبقات الحاكمة ستترك السلطة تفلت منها دون رد فعل. يتعين إذن على الثورة أن تكون قادرة على الظفر عسكريا أيضا. علاوة على أن التاريخ أبرز مرارا عديدة، في أمريكا اللاتينية، أن الجيش الوطني والقوى الامبريالية قد تتدخل لسحق الحركات الشعبية، وصولا حتى إلى فرض ديكتاتورية عسكرية. ومن جهة أخرى خبَر غيفارا ذلك غداة إنزال وحدات من أتباع الديكتاتور السابق باتيستا، الذين سلحتهم الولايات المتحدة الأمريكية ودربتهم وأطرتهم، في Playa Gijon قصد إطاحة حكومة كاسترو في أبريل 1961. وقد كان ما كسب تشي من تجربة خلال رحلاته في قارة أمريكا اللاتينية برمتها حاسما ومفيدا في النظر الى النضال الثوري بما هو نضال مسلح ايضا.
سوف يضع تشي، انطلاقا من تصوراته السياسية ومن دراسة حركات حرب غوار أخرى بالعالم، نظريته الخاصة بحرب الغوار. وهي ترتكز على فكرة أن جماهير الفلاحين المستغَلين هي من يشكل في نفس الوقت حلقة المجتمع الضعيفة وقطاع السكان الذي يتعين على الحركات الثورية الاعتماد عليه. ومن جهة أخرى، يعتبر من زاوية نظر الاستراتيجية العسكرية، أن القرى تقدم للثوريين مجالا ملائما (إمكانية إيجاد مخابىء، والانسحاب بعيدا عن منال قوى القمع...) . ولا يمكن بنظره أن تحدث الثورة إلا إذا اجتمعت شروط عديدة، ألا وهي سياق سياسي واجتماعي ملائم، ووعي الجماهير بإمكانية التغيير و توقها إليه. أي أنه لا يعتبر حرب الغوار كفيلة وحدها بانتصار الثورة. كان تشي يرى أن تطور حرب غوار في وسط ملائم يتيح ظهور شروط الإنتصار الثوري. إنها تقوم بدور حافز لتناقضات المجتمع بكشفها للطبيعة الحقيقية للسلطة وإمكانية النضال ضدها بفعالية.
لم يكن تشي يرى في حرب الغوار هذه طليعة تناضل منعزلة عن الجماهير. بالعكس يتوجب عليها الاستناد على هذه الأخيرة، والظهور بمثابة المعبر عن نضالها الطبقي، واستقطاب مقاتلين منها. تمثل حرب الغوار استمرارا مسلحا لنضال سياسي في المقام الأول.إن دورها إذن سياسي بقدر ما هو عسكري، وتقوم فضلا عن عمل الدعاوة الكلاسيكي، بالدعاوة بالأفعال بإبراز عدم استقرار السلطة القائمة وباتخاذ تدابير ثورية في المناطق التي يتحكم بها مناضلو حرب الغوار (نزع ملكية ، وتوزيع الأراضي على الفلاحين ،وتنظيم تعاونيات وبناء سلطة أخرى...). وتدريجيا تؤسس وضع سلطة مزدوجة بظهورها كسلطة بديلة عن السلطة القائمة. وللعلاقة التي تقيمها مع الفلاحين معنى مزدوج لأنها تتعلم وتتكيف مع الوضع الحقيقي ومع مطالب الفلاحين. وعلى هذا النحو تميل أكثر فأكثر إلى تشكيل جسم واحد مع جماهير الفلاحين.
كان تشي فضلا عن ذلك واعيا بالدور الذي يتعين على قطاعات المجتمع الأخرى أن تقوم به. وكان يدرك بوجه خاص أن على الطبقة العاملة أن تلعب دورا مركزيا في النضال الثوري. وهكذا فإن تنسيقا بين مقاتلي حرب الغوار والطبقة العاملة ضروري و يتيح معا إطاحة النظام و توحيد مجموع الفئات الشعبية في النضال الثوري ( مثال فيتنام ). و للإضراب العام في وجهة النظر تلك دور مركزي. و كان نموذج الثورة الكوبية حاسما بالطبع، إذ أن الضربة القاضية على نظام باتيستا جاءت من الإضراب العام في فاتح يناير 1959.
المبدأ الأممي
لا يمكن فهم أممية تشي سوى على ضوء إنسانيته الثورية. فهو يرى أن وحدة مصالح المستغَلين في بقاع الأرض واقع له نتائج سياسية ملموسة. وكان يعرِف الأممي الحقيقي بما هو القادر على « إحساس القلق كلما اغتيل إنسان في مكان ما في العالم و التحمس كلما رفعت راية حرية جديدة في مكان ما » وبما هو الذي يحس « بكل اعتداء ، وكل إهانة لشرف الإنسان وسعادته، بصفتهما إهانة لشخصه أيا كان موقع حدوثهما بالعالم ». وينبغي ممارسة هذا المبدأ الأممي وتطويره عبر تضامن ملموس بين الشعوب المناضلة ضد الإمبريالية وعبر مساعدة اقتصادية وعسكرية من البلدان الاشتراكية للشعوب السائرة إلى تحررها. وأوضح في « خطاب الجزائر» (فبراير 1965) كيف ينبغي على البلدان الاشتراكية ألا تقيم علاقات اقتصادية مع بلدان العالم الثالث على قاعدة علاقات تبادل لامتكافئة قائمة على قانون القيمة. غير أن ذلك ما حدث، لاسيما في كوبا، في إطار « قسمة العمل الاشتراكية » التي نظمها الكوميكون. كانت البلدان الاشتراكية المصنعة، لاسيما الإتحاد السوفيتي، تقيم علاقات تبعية اقتصادية قوية إزاء شركائها. وكان ستالين ينهج تلك السياسة بهدف تطوير تبعية البلدان الاشتراكية «للرفيق الأكبر» السوفيتي. وتدفع كوبا اليوم غاليا عواقب تلك السياسة.
وانطلاقا من أزمة الصواريخ عام 1962 بوجه خاص، لما كان خطر تدخل أمريكي في كوبا داهما، اقتنع تشي أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تتدخل ضد كل ثورة في أمريكا اللاتينية. فطور انطلاقا من ذلك فكرة تضامن أممي وتصد منظم على مستوى أمريكا اللاتينية ضد الإمبريالية الأمريكية. وكان كذلك معنى التزامه في حرب الغوار ببوليفيا سنة 1967 التي اعتبرها نقطة انطلاق ثورة على صعيد القارة. ولكن سرعان ما امتد تصوره للمبدأ الأممي إلى المستوى العالمي ، وبوجه خاص مع مسألة دعم نضال الشعب الفيتنامي ضد الإمبريالية الأمريكية، لاسيما لحظة تشديد هذه الأخيرة تدخلها العسكري. وطور تحليله سنة 1967 في رسالة إلى منظمة القارات الثلاث Tricontinentale حيث أوضح أن تدخل الإمبريالية في كل مكان بالعالم يستدعي تصديا من الثوريين في نفس المستوى، ليس عبر مساعدة الدول الاشتراكية للشعوب المناضلة وحسب، بل عبر تضامن أممي بين الشعوب التي عليها واجب محاربة الإمبريالية في أي مكان قصد إضعافها. كان تشي يرى وجوب مساعدة فعالة لفيتنام طليعة النضال المناهض للإمبريالية. وصرح في مؤتمر ما بين القارات Intercontinentale « فيتنام، فيتنامان، ثلاث فيتنامات، فيتنامات عديدة ذاك ما يحتاجه العالم !». والهدف إرغام الإمبريالية على تشتيت قواها وعلى هذا النحو مساعدة نضال الشعب الفيتنامي بشكل ملموس. كان تشي يعيد الارتباط عبر هذا التصور الأممي مع الأهداف الأولى للأممية الشيوعية قبل أن تغدو أداة في خدمة سياسة الإتحاد السوفيتي الخارجية. وقد طبق تصوره بالدفع بحرب الغوار ببوليفيا وبالمشاركة فيها، حيث كانت أحد أهدافها فتح جبهة جديدة ضد الإمبريالية.
وبعيدا عن منظور عالم- ثالثي محض للمبدأ الأممي، كان لدى تشي تصور مرتبط بتصور الصراع الطبقي على المستوى العالمي، حيث كان يرى أن المواجهة بين البروليتاريا والبرجوازية على الصعيد العالمي هي المحددة، وأن تضامنا بين بروليتاريا مختلف البلدان ضروري، بما في ذلك بين بروليتاريا بلدان المتروبول الإمبريالية وبروليتاريا بلدان العالم الثالث. على هذا النحو كان يتصور الثورة العالمية وإقامة الشيوعية التي لن تتحقق سوى على الصعيد العالمي. هكذا كان يعيد الصلة مع التصور الحقيقي لأممية الحركة العمالية.
فكر تشي الاقتصادي
بعد الثورة الكوبية، انطرحت مسألة تحقيق الاشتراكية وإلاجراءات الاقتصادية اللازمة لبلوغها. و شارك تشي مباشرة في ذلك النقاش (كان حينئذ رئيس البنك الوطني ووزير الصناعة ). وتشكل فكره خلال النقاش الاقتصادي الذي شهدته كوبا عامي 1963 و1964. تناول ذلك النقاش المشاكل الاقتصادية بكوبا وكذلك مسائل ذات طابع نظري أكثر مرتبطة بتصور الاشتراكية. ودافع تشي عن تصوراته ضد الذين يدافعون عن النموذج السوفيتي.
وهنا انتسب تشي مرة أخرى إلى أفكار لينين. وتمثل العنصر المحدد بنظره بخصوص كوبا في كون الثورة الاشتراكية انتصرت في بلد متخلف. ثمة إذا تناقض بين علاقات الإنتاج والقوى المنتجة في طور الانتقال إلى الاشتراكية. أي أنه يمكن اتخاذ إجراءات ملموسة وبرغماتية على المستوى الاقتصادي للتقدم نحو مجتمع إشتراكي. وبذلك يرفض كل تصور ميكانيكي أو دوغمائي للفكر الاقتصادي الماركسي، معتبرا أن مقاربة ديالكتيكية للمسألة ( تفاوت علاقات الإنتاج والقوى المنتجة ) وحدها قادرة على تحديد السياسة الاقتصادية.
يتمحور فكر تشي الاقتصادي حول فكرة وجوب ميل التدابير المتخدة على الصعيد الاقتصادي، خلال المرحلة الانتقالية، إلى تجاوز الرأسمالية و التقدم نحو مجتمع اشتراكي. بعد قول هذا كان واعيا أن هذا التغيير يتطلب وقتا وأن بعض عناصر الاقتصاد الرأسمالي ستظل حاضرة خلال مرحلة بكاملها. وهكذا لا يمكن لقانون القيمة الذي ينظم إشتغال السوق في النظام الرأسمالي أن يزول فورا، ولكن يجب أن تميل السياسة الاقتصادية المطبقة إلى إزالة علاقات اقتصاد السوق. كان يرى في مسألة التخطيط مسألة رئيسية. إذ أنها تمثل التدخل الواعي للإنسان في تدبير الاقتصاد وتضع أسس مجتمع اشتراكي. وعلاوة على ذلك، يميز تشي بين التخطيط الممركز والتخطيط البيروقراطي المطبق بالاتحاد السوفيتي. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه ، من وجهة نظر عالمية،كان تشي ضد تصور التخطيط الاشتراكي الذي دافع عنه الاتحاد السوفيتي بهدف تطوير تبعية كوبا، كالبلدان الأخرى « السائرة في فلكه» ، إزاء « الشقيق الأكبر » السوفيتي. إن مسألة الرقابة الديموقراطية، تلك المسألة الأساسية للانتقال إلى اقتصاد اشتراكي مسير ذاتيا، هي التي في الرهان. يوضح هذا الوجه من فكر تشي مواقفه بصدد الجزائر التي كانت، من نواح عديدة في وضع مماثل.
في تلك المرحلة، شارك إرنست ماندل، أحد أبرز قادة الأممية الرابعة، في النقاش الاقتصادي، مدافعا عن تصور لمرحلة الانتقال إلى الاشتراكية قريب من تصور تشي. أما في ما يتعلق بمسائل الميزانية وتمويل الأنشطة الاقتصادية، فقد كان تشي يتصورها في إطار التخطيط وعبر تدبير اقتصادي مراقب من هيئات مركزية.
الإنسان الجديد
كان تشي يقول: « من أجل بناء الشيوعية يجب تغيير الإنسان و القاعدة الاقتصادية ». ُطرحت خلال النقاش الاقتصادي في كوبا مسألة حفز البشر إلى النشاط الاقتصادي. و تواجه تصوران : تصور الحوافز المادية وتصور الحوافز المعنوية. وكان تشي معارضا للتصور الذي يعتبر الحوافز المادية ضرورية لإتاحة مستوى نمو اقتصادي من شأنه القضاء على أشكال السلوك الفردي القائمة في ظل الرأسمالية. و جلي بنظره أن تغيير السلوك الإنساني لا يصبح واقعا بين عشية وضحاها، بل لا بد من ارتباطه بالتغييرات البنيوية في المجتمع. وهكذا قد يتيح التعليم ومشاركة الجماهير في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية... تغيير سلوك الأفراد. كان واجبا إذن تأسيس مشاركة الناس في النشاط الاقتصادي إلى ابعد حد على حوافز معنوية، أي على مشاركة حقيقية في القرارات وفي التسيير الاقتصادي وعلى تطوير الوعي السياسي. وفي هذا الإطار يندرج، بنظر تشي، العمل التطوعي. إذ يرى فيه أولى الخطوات نحو مستقبل العمل في ظل الشيوعية. إنه مشاركة العمال الواعية في بناء الاشتراكية، ويجب أن يلغي فصل العمل اليدوي عن العمل الذهني. وهنا أيضا توجد مسألة الرقابة الديموقراطية على سيرورة التغيير الاقتصادي، في صلب النقاش.
--------------------------------------------------------------------------------
راهنية فكر تشي وحدوده
تتبنى منظمتنا السياسية أفكار تشي غيفارا. أولا، لأنه كان يرى في الثورة ، دون غيرها ، سبيل القضاء على البؤس والمعاناة والاستغلال. واليوم أيضا كيف يمكن الاعتقاد بإمكان خلاص، بالشمال كما بالجنوب، دون انتزاع بالقوة لسلطة هذه الأقلية التي تسبب معاناة غالبية السكان كل يوم. تعيش تلك الأقلية عيشة باذخة بفضل بؤس الآخرين وبطالتهم وتغتني على ظهر ملايين الأشخاص الذين يموتون جوعا.... كان تشي يري أن تغييرا شاملا هو الكفيل بوضع حد لحكم تلك الأقلية. ومازال حكمها مستمرا حتى الآن، مما يثبت أن فكر تشي ملائم وراهني.
شيوعي ثوري
وعلاوة على ذلك خلف تشي، بفعل عدم تبنيه برنامج موسكو، صورة شيوعي ثوري حقيقي نجح، في سنوات 60، في رد الاعتبار لمنظور مجتمع اشتراكي، وديموقراطي مسير ذاتيا، ومتحرر من ظل الستالينية.
لقد نجح تشي، بمثاله الخاص و بأفكاره، في تحديد أعباء عديدة تنيخ بثقلها على الحركة الشيوعية منذ سنوات 30، كثقل البيروقراطية أو التخلي عن مشروع ثوري أممي حقيقي. ونجح تشي، من زاوية النظر هذه ، في فتح ثغرة في طوق الستالينية الحديدي.
غير أن حصيلة تجربته الخاصة، تبرز بخصوص هاذين الأمرين على سبيل المثال، حدود إقتراحاته لإيجاد أجوبة لذلك النوع من المسائل.
حدود تصوره الغواري للثورة
شكل امتداد الثورة إحدى اهتمامات تشي الكبرى. وتشكل حياته الخاصة مثالا لذلك. كان يرى أن مصير الثورة في بلد ما مرتبط بمصير الثورة العالمية. فلا يمكن لشعب أن يتحرر كليا إذا بقي شعب آخر مضطهدا في بلد آخر. وتؤكد الصعوبات التي اعترضت كوبا منذ الثورة صواب رأيه.
يتصور تشي امتداد الثورة تصوره للثورة نفسها أي على النمط الغواري. فبنظره يجب على نواة من مناضلي حرب الغوار ان تشن هجوما عسكريا ضد الجيش وأن تستقطب مناضلين بقدر تنامي تأثيرها حتى النصر النهائي. ترتكز نظريته على تصور عسكروي للغاية لنواة حرب الغوار هذه، المشكلة وفق نظام حياة وأخلاق خاصين. فقد كان يؤكد وجوب أن يولد « الإنسان الجديد » في الجبال عند مناضلي حرب الغوار. .
وطور تشي بالتعميم نظرية « بؤر» حرب الغوار، التي عليها أن تشعل نار الثورة بأمريكا اللاتينية، على صورة ما حدث خلال الثورة الكوبية.
ونحن لا نعارض مبدئيا هكذا تصور للثورة. إذ ساندنا نحن الشبيبة الشيوعية الثورية والتيار العالمي الذي ننتمي إليه، أي الأممية الرابعة، مساندة نشيطة أحيانا العديد من حروب الغوار. ولكننا نعتقد أن تلك الأطروحة محدودة، وفي كل حال غير كافية لرفعها إلى مقام نظرية عامة تتيح نجاح سيرورة ثورية.
نحن نؤمن بالنضال النشيط باتجاه الجماهير وداخلها، انطلاقا من مستوى وعيها وكفاحيتها الفعلية لأجل السعي إلى ارتقائها إلى درجة تقرر فيها الجماهير نفسها حمل السلاح والاستيلاء على السلطة بوجه قمع قوى الدولة.
يستلزم ذلك العمل سياسيا في المصانع والأحياء والقرى لاقتراح حلول لشرور المجتمع عبر مطالب وأساليب نضال. وفي تلك النضالات، سوف تغدو ضرورة التنظيم والنضال معا وتغيير المجتمع أكثر وضوحا... وكذلك الجرأة وفائدة التسلح والدفاع عن النفس.
يتمثل بنظرنا الخطر الرئيس المحدق بنواة حرب غوار، ُيراد أن تكون انطلاقا من الجبل نقطة الارتكاز الرئيسية لامتداد الثورة، في انعزالها عن بقية المجتمع، أي عن عمال المدن والشباب... وقيامها مقام نضالات الجماهير نفسها. ونحن نعتبر فكرة «تحرر الجماهير سيكون من صنعها الجماهير نفسها » العنصر المركزي لكل إستراتيجية ثورية. ومن وجهة نظر هذه، ليست بعض حركات حرب الغوار أو النضال المسلح سوى كاريكاتورا مأسويا للانحراف الذي قد تشكله نظرية كفاح مسلح تخوضه نواة ثوريين عازمين. هذا ما يوجب على الثوريين المشاركة، مع الجماهير، في بناء أدوات النضال (جمعيات ونقابات وأحزاب..). ونعتقد من جهتنا أن بناء حزب ثوري ذي نفوذ جماهيري، منغرس بين الفلاحين والعمال والنساء والشباب والمهاجرين، هو الكفيل بربط حركة الجماهير نفسها بأهداف الثورة.
لقد ظفرت الثورة الكوبية لأن المدن انتفضت خلال إضرابات عامة. لكن الثورة فشلت في بوليفيا عام 1967، لأن مجموعة تشي من مناضلي حرب الغوار ( نحو عشرين شخصا ) وجدت نفسها منعزلة في مناطق قروية خالية بعيدا عن المراكز الصناعية الكبرى.لم يتحقق الارتباط، لاسيما في غياب حزب ثوري متصل ببنيات التنظيم الذاتي .
حدود « برنامج» تشي المناهض للبيروقراطية
كان تشي مناهضا للبيروقراطية بشكل «عفوي». فعندما كان في حكومة كوبا الثورية، كتب وناضل ضد كل أشكال الامتيازات للذين يتقلدون مسؤوليات في الحزب أو في الدولة أو في المنشآت.
يؤمن تشي بمسؤولية القادة الشخصية في تجنب أشكال الانحراف المؤدية إلى احتكار السلطة السياسية بيد أقلية و أعطى بنفسه مثالا لا مأخذ عليه. وللأسف ليست إرادة تعيين « أكثر العناصر الثورية إخلاصا ونزاهة » في تلك الوظائف ضمانة بحد ذاتها. فحتى أفضل تلك العناصر قد يُفسد لاسيما في وضع الحاجة.
إننا نرى أن المطلوب هو ضمانات سياسية غير فردية، أي رقابة ديموقراطية دائمة على هيئات القيادة على جميع المستويات عبر:
انتخاب منتظم للمسؤولين القابلين للعزل في كل لحظة أمام الجماهير.
بناء تنظيم شعبي دائم عبر لجان ومجالس مستقلة، في الأحياء والقرى والمصانع والمؤسسات العمومية.
. ضمان الحريات الديموقراطية: حق التعبير ( الشفهي والكتابي ) وحق التنظيم وتكوين نقابات وأحزاب.
وحتى في المجال الاقتصادي، ليس بالضرورة من ُيعتقد أنهم « الأفضل» لاتخاذ القرار أفضل بالفعل. ففي كوبا اتخذ « الاختصاصيون » قرارات بشأن الزراعة ( اختصاص قصب السكر أي أكثر الزراعات انتشارا بكوبا ) دون استشارة الفلاحين. ونتج عن ذلك إنهاك التربة وإضعاف معنويات الفلاحين، وحذرهم من السلطات... تتمثل الضمانة الوحيدة ،من وجهة نظر التنمية، في مشاركة الجماهير الديموقراطية في الاختيارات السياسية والاقتصادية.
--------------------------------------------------------------------------------
بعد 30 سنة، من اجل استمرار الحلم!
بعد ثلاثين سنة من اغتيال تشي، مازالت الرأسمالية مع موكب بؤسها وعنصريتها وحربها حية. ويواصل أشخاص النضال في في عالم المجانين هذا، حيث كل شيء يدور بالمقلوب، و حيث تملك 300 عائلة تقريبا 80% من ثروات العالم. وبعد انهيار جدار برلين، وبينما يسعى أناس «عاقلون جدا » إلى فرض الرأسمالية وشريعة الغاب، كأفق مستحيل التجاوز، تظهر من جديد نضالات فاتحة ثغرة في تلك السيرورة التي تقود العالم إلى الكارثة. ومن بين أولئك المناضلين الذين يواجهون النيوليبرالية الظافرة، نجد عدة حركات منتسبة دوما إلى تشي..
لقد أضاءت الحركة الزاباتية بإقليم تشاباس بالمكسيك وميض أمل يشبت به العديد من المضطهَدين في بقاع العالم، بحملها السلاح للتخلص من البؤس وديكتاتورية الحزب الثوري المؤسسي المكسيكي PRI. وعلى طريق كفاح تشي، يطرح الزاباتيون من جديد مسألة حرب الغوار والنضال لتغيير المجتمع، والسعي نحو استخلاص الدروس من التجارب السابقة وإعادة تجديد الكفاح المسلح، وفقا لوضع سياسي جديد.
ومنذ سنوات عديدة يتعبأ الفلاحون عديمو الأرض بالبرازيل، ويواجهون البوليس والجيش للاستيلاء على أراضي كبار ملاكي الأراضي.
وفي السنة الماضية، قامت الحركة الثورية لتوباك أمارو MRTA بحجز مسؤلين نهبوا البيرو كرهائن في سفارة.
بعد ثلاثين عاما، ترك لنا تشي أفكاره وكفاحه، في سياق جديد. ومازالت صورته تتيح لنا الحفاظ على فكرة إمكانية النضال من أجل مجتمع آخر غير النظام الرأسمالي الحالي.
وفي فرنسا تسعى الليبرالية إلى فرض نفسها علينا وها هي البطالة والهشاشة في الموعد. إنه الوجه الحديث لاستغلال الشباب. وبوجه أنصار هذا « الفكر الوحيد» يجب القيام ب ديسمبر 1995 [2] جديد وتحرك « كلنا معا » جديد، يكون ظافرا هذه المرة حيث يفرض الشباب وكل أجراء القطاع الخاص والقطاع العام حقوقهم ومطالبهم.
سيعتبرنا أنصار شريعة الأقوى والربح الأقصى مجرد حالمين. ربما! لكننا، بوجه الواقعية الحالية ليسار مزيف، سنواصل بإصرار رفع شعار تشي « لنكن واقعيين، لنطالب بالمستحيل !» لأن ما هو واقعي في هذا المجتمع، و ضروري لنا، مستحيل قبوله من طرف المسيطرين. إن ما لا غنى عنه حاليا هو إعادة بناء مشروع ثوري مكيف مع حقبة شهدت فشل البلدان الشرقية. ويجب علينا، ونحن نواصل تبني أفكار تشي، أن نساهم في إعادة ابتكار وإعادة بناء مشروع اشتراكي لتغيير المجتمع !
ونستمر اليوم في الحلم مع الزاباتيين وآخرين عديدين، بأن شيئا آخر غير الكابوس الحالي ممكن، ونستمر في النضال في ذلك الاتجاه يوميا!
Hasta la victoria siempre !
دائما حتى النصر !
--------------------------------------------------------------------------------
لا للحصار الأمريكي !
منذ انتصار الثورة الكوبية لم تكف الولايات المتحدة الأمريكية عن محاربتها. لقد كان قادة الولايات المتحدة الأمريكية ومازالوا لا يحتملون انتصار ثورة اجتماعية بالقرب منهم. أن كل الوسائل حسنة لمحاربة الثورة بنظر الساعين إلى فرض نظامهم العالمي : المحاربة الأيديولوجية والتدخل العسكري والحرب الاقتصادية. ومازالت الولايات المتحدة الأمريكية تفرض حاليا حصارها الاقتصادي مفاقمة مصاعب البلد الاقتصادية. أكيد أن الهدف هو خنق كوبا والرمز الذي مازالت تجسده، وليس محاربة ديكتاتورية كاسترو و العمل من أجل الديموقراطية. لذلك السبب نحن متضامنون مع الشعب الكوبي ضد الإمبريالية الأمريكية، ونحن مع رفع الحصار.
و لا يعني هذا غياب مشاكل على مستوى الديموقراطية بكوبا. إذ يفرض النظام ديكتاتوريته على فكرة الثورة الكوبية نفسها. ولكن انتصار الإمبريالية الأمريكية على كوبا سيكون هزيمة لكل من يتبنى النضال الثوري، لاسيما في أمريكا اللاتينية.
لذلك نحن مع النضال ضد ذلك الحصار الجائر، المفروض على الشعب الكوبي الذي تجرأ على تحدي الولايات المتحدة الأمريكية.
[1] شهدت فرنسا في دجنبر 1995 موجة نضالات عمالية وجماهيرية غير مسبوقة مند عقود (م)
[2] شهدت فرنسا في دجنبر 1995 موجة نضالات عمالية وجماهيرية غير مسبوقة مند عقود (م)
معلومة من اجل الاستفادة وليس للعبادة