القرآن الكريم ليس نص مغلق او قوانين صارمة بل رسائل الى القلوب

ابو مهند الزهراني

صقور الدفاع
إنضم
8 يونيو 2015
المشاركات
20,956
التفاعل
71,890 1,269 4
الدولة
Saudi Arabia
1616900990570.png


القرآن ليس نصا مغلقا

جاء القرآن الكريم ليصلح ذوات الصدور وليبين للناس طريق القسط والعدل فيما بينهم وليبصرهم بالمعاد
هو إذن كتاب هداية وتشريع
فهو ليس قانونا جامدا هدفه تبيان ما يفعل وما يترك في واقع الناس فقط


بل هو مع ذلك رسالة إلى القلوب توقظها من رقاد الغفلة عن الأسئلة الوجودية الكبرى
حول أصل هذا الكون
ومساره ومصيره بعد الفناء الموت المكتوب عليه

وقد أمر القرآن المسلمين بالتواصل المباشر مع آياته
لأنها رسالة الله إلى كل قلب بشري
عليه أن يأخذ منها قسطه ونصيبه
وهو ما يعرف بالتدبر، قال تعالى:
“كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ”

وقال تعالى
عاتبا على الذين يعرضون عن ذلك ومبينا أن على القلوب البشرية أقفالا مفاتيحها تدبر آيات الله المسطورة:
“أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا”.

لكن فهْما غير دقيق لمواقف بعض الصحابة من تفسير القرآن
وتنزيلا غير واع لبعض القواعد المنهجية التي رسمها علماؤنا الأوائل للتعامل مع النص القرآني

جعل الخطاب الدعوي والعلمي السائد يغلق الأبواب بين الناس مع القرآن
ويضع المتاريس في طريق الراغبين في التواصل مع كتاب ربهم
وهو الخطاب الذي حول القرآن من رسالة مباشرة من الله إلى عباده جميعا
إلى رسالة خاصة بنمط من الناس هم (العلماء)
لتبقى العامة من المسلمين -وهم الأغلبية في كل عصر ومصر بعيدة عن الاستهداء بكتاب ربها
مكتفية بما تتسقطه من أخبار عن معاني هذا الكتاب العظيم.

لتجاوز هذا الإشكال

يجب علينا ان نفهم ما هو التدبر وما هو التفسير؟
وما الفرق بين الاثنين؟


التدبر مسلك روحي

التدبر: مصدر الفعل (تَدَبَّرَ) وهو من التفعُّل، ويعني لغة النظر إلى دبر الشيء
فهو نظر في عواقب الأمور وأسبابها وتتبع لمسارها مقبلة ومدبرة، هذا من الناحية اللغوية
أما من الناحية الاصطلاحية فكما قال فريد الأنصاري رحمه الله: “”مسلك روحي يقود القلب إلى التوبة والإنابة
وإلى مجاهدة النفس من أجل الترقي بمراتب العلم بالله”
ومن خصائصه أنه عمل قلبي ونظر نفسي لا يستطيع أحد أن ينوب فيه عن أحد
ولذلك جاء الأمر به عاما “ليدبروا آياته” “أفلا يتدبرون القرآن”
وهو لا يتأتى إلا بعد فهم الآية الـمُتَدَبَّرَة، ولكن الفهم المطلوب للتدبر هو فهم المعنى العام لأنه أساس المعنى
ثم بعد ذلك تبدأ شجرة الفهم في النمو ولا نهاية لفروعها في الأعلى
فهي شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، فمثلا قوله تعالى:
“الحمد لله رب العالمين” مفهومة المعنى الأساسي لكل عربي
ولكن الفهوم تتفاوت حسب قوة الإدراك وكثرة المعارف في دلالات الحمد هنا ولماذا عبر بالاسم ولم يبدأ بالفعل إلخ.

لا يحتاج التدبر سوى وعي عام باللغة العربية ونفس مؤمنة بما جاء في القرآن
وشيء من السكينة القلبية تسمح بتدفق الفيوض الربانية على القلب أثناء التلاوة
ومن ضوابط التدبر أنه إذا جاء فيه ما يستغرب يرجع به إلى كتب التفسير
حتى يعلم هل هو منسجم مع أدوات الاستنباط المنهجي من النص القرآني.


التفسير قراءة منهجية

أما التفسير فهو قراءة في المعنى الدقيق الذي تدل عليه البنية اللفظية والتركيبية
ويهدي إليه سياق الكلام ومساقه، وهو عمل يحتاج أدوات منهجية خاصة للقيام به
خاصة إذا أريد منه استنباط الأحكام الشرعية والقواعد السلوكية

أما إذا كان للاتعاظ وتحريك القلوب فهو سيكون نمطا من التدبر الذي تحدثنا عنه في الفقرة السابقة

والحقيقة أن التفريق بين الاثنين لا يمكن أن يكون دقيقا لأنهما متداخلان ضرورة في بعض المستويات
ولذلك كان الأقدمون يخلطون بين المصطلحين فيطلقون كل واحد منهما على الآخر.

إنه لا بد أن نفهم أن النص القرآني ليس نصا مغلقا، بل هو نص مفتوح في الألفاظ والأساليب
وهذا أحد أوجه إعجازه، حيث إنه لا ينتمي في وضوح ألفاظه وجزالتها وسهولة أسلوبه وقوته إلى طبيعة الترسل في الفترة التي نزل فيها
حيث تسيطر المفردات الغريبة والأساليب الصعبة على البيان العربي حينه
وحينما نقوم بمقارنة بين الشعر والنثر العربيين في فترة نزول القرآن وبين النص القرآني سنجد أن هذه الملاحظة دقيقة.

ثم هو نص مدعوم (بالتعبير المعاصر) من الله سبحانه، أي “ميسر للذكر” بالتعبير القرآني، وفيه شيء من طبيعة الشريعة التي يحملها
يسرا وسهولة، فالعربي المعاصر الذي لا يعرف العربية قواعد ومعجما يستطيع أن يفهم أكثر من ثلثي اللغة القرآنية فهما عاما
يمكنه من التدبر والاتعاظ والعمل، كما أن غير العربي يستطيع أن يفهم مبادئه وقيمه ورسالته لملاءمتها للفطرة البشرية.



إسلام أون لاين

 
عودة
أعلى