تفكر القوات الجوية الأمريكية بجدية في إيجاد بدائل لـF 35، الطائرة الأمريكية الشهيرة التي تمثل أكبر وأغلى برنامج عسكري في التاريخ، حيث سيكلف ذلك دافعي الضرائب الأمريكيين تريليون دولار عبر سنوات عمره المتوقعة.
إذ تبين للمخططين الأمريكيين أنهم في حاجة لاتخاذ القرار الصعب والمحرج بالبحث عن بدائل لـF 35، لأسباب متعددة منها عدم قدرتها على أن تحل محل الطائرة الشهيرة الأقدم الـF16.
يقول قائد البحرية الأمريكية والطيار السابق كريس هارمر، وهو أيضاً محلل بحري في معهد دراسات الحرب الأمريكي، لموقع Business Insider، إن الطائرة F-35 لديها ميزة واحدة فقط تتفوق بها على طائرات حقبة الحرب الباردة التي جاءت لتحل محلها وهي القدرة على التخفي من الرادارات.
ولكن من خلال التركيز على هذه النقطة المهمة أدى ذلك إلى عيوب أساسية في تصميم الطائرة، فلقد خسرت الـF-35 بشكل سيئ أمام المقاتلات الأقدم في المعارك الافتراضية التي تحاكي القتال الجوي القريب، وفقاً لهارمر.
وقال خبير الطيران القتالي جاستن برونك لموقع Business Insider إن الطائرة F-35 لا يمكنها أبداً الفوز في معركة عنيفة مع طائرة روسية أو بريطانية متقدمة "خلال مليون عام"، حسب تعبيره.
وتمتلك الولايات المتحدة بالفعل طائرة أخرى من الجيل الخامس بقدرات تخفٍّ أفضل، مع ميزات مناورة لا تضاهى، وهي F 22.
وعندما تناقش الولايات المتحدة العمليات في أكثر المجالات الجوية المتنازع عليها في العالم، فإن الحديث يدور دوماً عن الطائرة F-22 كمقاتلة لا يمكن التفوق عليها من أي مقاتلة موجودة أو قيد التطوير.
ولم يخطط مسؤولو الدفاع الأمريكيون مطلقاً لأن تحدث F-35 ثورة في مجال القتال القريب، بدلاً من ذلك أرادوا تغيير مفهوم القتال الجوي ككل.
إذ تم تصميم الطائرة F-35، لكي يكاد يكون من المستحيل على طائرات العدو اكتشافها، على أن تقوم بإسقاط مقاتلات الأعداء من مسافات طويلة قبل أن يصبحوا قريبين بدرجة كافية لمسافة القتال القريب.
ويعتقد أنها تفتقد القدرة على المناورة في القتال القريب في مواجهة الطائرات الروسية والصينية من الجيل الرابع والنصف خاصة السوخوي 27، وبالأكثر نسخها الروسية الأحدث سوخوي 30/35، والنسخ الصينية J 11 وJ 15 وJ 16 (تقليد صيني للسوخوي، 27 ، 33 و35 على التوالي).
وفقاً لهارمر الذي أمضى معظم حياته مع الطائرات العاملة على حاملات الطائرات، فإن مزايا F-35 تبدأ وتنتهي بالتخفي.
تم التخطيط ليكون سعر الطائرة F-35 في الأصل 50 مليون دولار في عام 2001.
ولكن الواقع كان مختلفاً.
كانت أبرز محاور فلسفة F 35 إنتاج طائرة واحدة بنسخ مختلفة (للقوات الجوية، وللعمل من حاملات الطائرات الكبيرة التابعة للبحرية وسفن المارينز) وذلك بدلاً من طائرات متعددة لكل سلاح، كما كان الأمر في الجيل السابق من الطائرات الأمريكية حيث كانت الإف 16 طائرة خفيفة ورخيصة للقوات الجوية، والإف 15 خصصت للقوات الجوية أيضاً كطائرة كبيرة وغالية الثمن وعالية القدرات خاصة السرعة والمدى لمهام الهيمنة الجوية والقصف العميق، والإف 18 كطائرة متوسطة ولديها ميزة تحمل ظروف التشغيل القاسية التي تميز العمل مع القوات البحرية والمارينز، وقدرات خاصة في مجال الانطلاق والهبوط من حاملات الطائرات).
وبالفعل خرجت ثلاث نسخ للإف 35، واحدة قياسية للقوات الجوية، وأخرى بأجنحة أكبر للعمل من حاملات الطائرات، وثالثة مزودة بقدرات الإقلاع القصير والهبوط العمودي لكي تعمل مع مشاة البحرية من الأماكن غير المؤهلة والسفن التي توصف بحاملات الطائرات الصغيرة، وذلك حتى لو كانت الميزة الأخيرة المثيرة للإعجاب تقلل من قدراتها الأخرى.
كان الهدف من مفهوم طائرات متعددة بنسخ مختلفة، تقليل تكلفة التصنيع والتشغيل على السواء، لطائرة سوف تستمر عقوداً مع القوات الجوية الأمريكية والدول الصديقة.
فهل تحقق ذلك؟
ولكن ظلت تكلفة ساعة الطيران الفعلي لـF 35 مرتفعة للغاية إذ تبلغ: 44 ألف دولار للساعة الواحدة.
ويطير طيار سلاح الجو الأمريكي العادي 200 ساعة في السنة، أو 350 ساعة في السنة أثناء الانتشار العسكري، أي التكلفة ستتراوح بين 9 و15.7 مليون دولار لكل طيار سنوياً، حسبما ورد في تقرير لموقع Popular Mechanics.
يعني ذلك أن الطيار الذي يقضي 1000 ساعة في قمرة القيادة يكلف الجيش الأمريكي نحو 44 مليون دولار، أي أكثر من نصف ثمن شراء الطائرة.
وعدد ساعات الطيران الكبيرة مسألة مهمة للغاية خاصة للتدريب بالنظر إلى أنها تزيد من جاهزية الطيارين وقدراتهم وتكشف الأخطاء وتختبر التكتيكات وتطورها.
منذ عام 2019 تحاول القوات الجوية الأمريكية وشركة لوكهيد مارتن المنتجة للطائرة خفض تكلفة الساعة إلى 25 ألف دولار، لكن البنتاغون يعتقد منذ فترة طويلة أن هذا الرقم قد يكون بعيد المنال.
وحذر سلاح الجو الأمريكي أيضاً من أنه إذا لم تنخفض التكلفة، فقد ينتهي الأمر بشرائه عدداً أقل من طائرات F-35.
أدى كل ذلك لإثارة الكثيرين لمخاوف بشأن برنامج F-35، والذي سيكلف دافعي الضرائب تريليون دولار على مدى عمر البرنامج.
وقيل إن باتريك شاناهان، وزير الدفاع بالوكالة الذي تولى المنصب في نهاية عهد دونالد ترامب، كان يكره برنامج الطائرة F 35 ويصفه بأنه أغلى نظام أسلحة على الإطلاق.
ويرى أنه يمكن تعديل هذه الطائرات القديمة التي أثبتت جدارتها بتزويدها بإلكترونيات الطيران المتقدمة وخوذة الاستهداف المتقدمة التي تميز طائرة F-35 عن بعض من هذه المقاتلات.
فمقابل جزء بسيط من تكلفة تطوير F-35، كان بالإمكان تحديث الطائرات القديمة والحصول على جزء كبير من قدرات F-35″، حسبما يقول هارمر لموقع Business Insider.
يقول هارمر: "على سبيل المثال، خضعت الطائرة F-18 بالفعل لإعادة تطوير مكثف، لتظهر في النسخة الأحدث والأكبر المسماة F-18 Super Hornet، التي تزيد في الحجم بنسبة 25% عن F-18 الأصلية، ولديها مقطع عرضي للرادار أصغر من سابقتها وهي واحدة من الطائرات الأرخص سعراً في الولايات المتحدة، من حيث تكلفة الشراء والتشغيل".
لكن المشكلة أن مقاتلات الهيمنة الجوية من طراز F-15 على سبيل المثال والتي تمتلك قدرات هائلة في السرعة والمناورة والمدى والحمولة، حتى لو تم تزويدها بإلكترونيات الطيران من الجيل الخامس وقدرة الاستهداف الحديثة، فإنها ستظل تفتقر إلى التصميم الشبحي المتكامل لطائرة F-35.
إذ يجب أن تدرج قدرات التخفي في هندسة الطائرة منذ بداية تصميمها ولا يمكن إضافته ببساطة في وقت لاحق، (رغم محاولات إنتاج نسخة شبحية من الإف 15 تحت اسم Silent Eagle).
وتفكر القوات الجوية الأمريكية بجدية في طلب المزيد من طائرات F-16 المقاتلة، بعد أكثر من 42 عاماً من دخولها الخدمة، بعدما كان قد تعهد سلاح الجو الأمريكي من قبل بأنه لن يشتري مقاتلة غير خفية مرة أخرى، لكن التكلفة الباهظة للمقاتلات الشبحية مثل F-35 قد غيرت رأيه على ما يبدو.
لدى سلاح الجو الأمريكي حالياً أكثر من 900 طائرة من طراز F-16، متوسط عمر أسطول F-16C هو 28.7 سنة.
ولم يشترِ سلاح الجو الأمريكي طائرات F-16 جديدة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ومعظم الترقيات الجديدة كانت مدفوعة بطلبات التصدير إلى دول مثل إسرائيل وكوريا الجنوبية.
صممت جنرال ديناميكس F-16 في الأصل لتكون مقاتلة رشيقة وخفيفة الوزن وغير مكلفة متعددة الأدوار تهدف إلى تحقيق التوازن بين المقاتلة الأكثر قدرة- والأكثر تكلفة- F-15 Eagle..
كان من المفترض أن تكون الطائرة F-35 هي البديل للـ F-16، ولكن يبدو أن الطائرة F-16 يمكنها مرة أخرى تكرار دورها كمقاتلة منخفضة التكلفة بعد أكثر من 40 عاماً من دخولها الخدمة لأول مرة.
في وقت سابق اقترح مساعد وزير القوة الجوية للتكنولوجيا واللوجستيات المنتهية ولايته، ويل روبر، بالفعل أن نسخة Block 70/72 من مقاتلة F-16 يمكن أن تكون أحد بدائل لـ-F 35 لتعزيز الأسطول التكتيكي للقوات الجوية الأمريكية.
فعدم قدرة F-16 Viper على تلقي تحديثات البرامج بالسرعة المطلوبة وافتقارها إلى بروتوكولات برامج البنية المعلوماتية المفتوحة هي بعض الأسباب التي تجعل براون يشعر أن النسخ الأحدث منها لا ترقى إلى المستوى المطلوب.
كما يبدو أن الطائرة F-16 رغم قدرتها إلا أن تصميمها يفتقد ميزات أخرى يريدها سلاح الجو الأمريكي، بما في ذلك المدى الطويل.
فصعود الجيش الصيني وعودة النفوذ الروسي يعنيان أنه يجب على المخططين الأمريكيين التفكير في صراعات محتملة في آسيا والمحيط الهادئ أو أوروبا تنطوي على قطع الطائرات لمسافات بعيدة.
قد تضطر مقاتلة سلاح الجو الأمريكي المتمركزة في إيطاليا إلى الطيران لأكثر من ألف ميل لضرب أهداف في روسيا الأوروبية أو قد يحتاج طيار مقره في جزيرة غوام الأمريكية بالمحيط الهادئ إلى القدرة على اعتراض القاذفات الصينية في مدى بعيد، قبل أن تتمكن هذه القاذفات من إطلاق صواريخ تفوق سرعة الصوت.
تحتوي طائرة F-35 على الكثير من الأشياء، لكن المدى البعيد ليس أحدها.
إن التحليق في مثل هذه المهام، التي لم يكن من الممكن تصورها عندما تم تصميم F-35 لأول مرة، من شأنه أن يجبرها على التزود بالوقود جواً وحمل خزانات الوقود الخارجية التي تجعل من السهل رؤيتها على الرادار.
يفترض أن يتمكن التصميم المفتوح للطائرة المقاتلة الجديدة من تلقي تحديثات البرامج في تتابع سريع، وربما حتى أثناء المهمة.
يأمل براون في أن التقدم العلمي سيسرِّع عملية تصميم وإنتاج الطائرة الجديدة، مشيراً إلى تقنيات الهندسة الرقمية الجديدة التي استخدمها سلاح الجو مؤخراً لبناء وتصميم واختبار طائرة مقاتلة جديدة في غضون عام واحد فقط، بالمقارنة بـ13 استغرقتها الطائرة F-35 حتى تصل لمرحلة الطيران.
من المحتمل أن تفتقر الطائرة الجديدة المقترحة إلى قدرات التخفي الفائقة التي تتمتع بها الطائرة F-35، بالنظر إلى أن قدرات التخفي هي السبب في ارتفاع تكلفة التشغيل لـF 35 وعلماً بأنه للمفارقة كان أحد أهداف إنتاجها هي أن صيانة أنظمة التخفي بها أبسط، وأقل تكلفة من الأجيال الأقدم للطائرات الشبحية مثل F 22 (والتي لديها قدرات تخف أعلى).
إذ يبدو أن التخفي ومنطقية تكلفة التشغيل وبساطة الصيانة لا يجتمعان.
يعني ذلك أن الطائرة الجديدة ستكون من الجيل الرابع ونصف، أو ما يسميه المسؤولون الأمريكيون الجيل الخامس ناقص.
ولكن يؤمل أن تتوفر للطائرة الجديدة العديد من مميزات F 35 الأخرى.
سيكون لدى المقاتلة المقترحة بعض التقنيات المضادة للرادار المدمجة، لكنها ستفتقر إلى الخطوط المستقيمة والتصميم القائم على الزوايا الذي يميز الطائرات الشبحية، حسبما ورد في موقع Popular Mechanics.
ستكون المقاتلة التي يفترض أنها ستنتمي إلى الجيل الرابع والنصف أكبر من الـ F-16، من أجل استيعاب إمدادات وقود داخلية أكبر. من المحتمل أن تحتوي الطائرة على نفس الميزات الموجودة في الـF-35، بما في ذلك رادار متقدم ماسح ضوئياً إلكترونياً، ومجموعة 360 درجة من كاميرات الأشعة تحت الحمراء، والقدرة على مشاركة البيانات مع الطائرات الأمريكية الأخرى، والسفن، وغيرها من الأنظمة. ومثل الطائرة F-16، سيكون للطائرة الجديدة محرك واحد.
ماذا يعني هذا بالنسبة لطائرة F-35؟ لا يزال سلاح الجو بحاجة إلى طائرات F-35 للمساعدة في تطهير سماء طائرات العدو واختراق الدفاعات الجوية للعدو- ولكن يمكن أن يقلل بشكل كبير من شرائه لهذه الطائرات المقاتلة.
إذا قامت القوات الجوية الأمريكية ببناء مقاتلات من جيل 4.5، فمن الصعب اعتبار F-35 برنامجاً ناجحاً.
حدث في هذا التاريخ للسوفييت والأمريكيين على السواء، قدم السوفييت الطائرات ميغ 23 كطائرة أسرع من الجيل الثالث وكبديل لطائراتهم الأسطورية ميغ 21 من الجيل الثاني التي كان يعاب عليها بساطة التصميم وقصر المدى وقلة التسليح.
ولكن سرعان ما تبين أن الميغ 23 أكثر تعقيداً وأعلى تكلفة، وأقل قدرة في المناورة الجوية حتى لو كانت أسرع، ومالت أغلب القوات الجوية المستخدمة للطائرتين لإعطاء الأولوية للطائرة الأقدم، ميغ 21، وقيل إنه في مناوشات جوية بين مصر وليبيا، في منتصف السبعينيات تفوقت الطائرات ميغ 21 المصرية الأقدم على الميغ 23 الليبية التي كان القذافي قد اشتراها للتو من موسكو.
وطال عمر الميغ 21 لدى أغلب الجيوش أكثر من الميغ 23.
ولم تثبت الميغ 21 جدارتها أمام مواطنتها الميغ 23 فقط، بل أمام الطائرة الأمريكية الأحدث منها إف 4 فانتوم التي تنتمي للجيل الثالث، فأبلت الميغ العجوز بلاءً حسناً في فيتنام وحرب العبور خاصة في معركة المنصورة الشهيرة بين سلاحي الجو المصري والإسرائيلي.
ويبدو أن مصير الإف 35 التي ركزت على الشبحية والتكنولوجيا وتنوع المهام على حساب المناورة، والتكلفة المقبولة، والمدى، كمصير طائرات الجيل الثالث التي خرجت من الخدمة قبل طائرات الجيل السابق لها.
إذ تبين للمخططين الأمريكيين أنهم في حاجة لاتخاذ القرار الصعب والمحرج بالبحث عن بدائل لـF 35، لأسباب متعددة منها عدم قدرتها على أن تحل محل الطائرة الشهيرة الأقدم الـF16.
نقاط ضعف الإف 35
في حين أن فكرة إطلاق طائرة واحدة متطورة متخفية لفروع خدمات متعددة بدت جيدة على الورق، وفازت في النهاية بموافقة المخططين العسكريين الأمريكيين على أعلى مستوى لتخرج في شكل برنامج F 35 الضخم الذي يشارك فيه عدد من حلفاء أمريكا، فلقد تبين أن الفكرة لم تكن أبداً الخيار الوحيد أو حتى الأفضل.يقول قائد البحرية الأمريكية والطيار السابق كريس هارمر، وهو أيضاً محلل بحري في معهد دراسات الحرب الأمريكي، لموقع Business Insider، إن الطائرة F-35 لديها ميزة واحدة فقط تتفوق بها على طائرات حقبة الحرب الباردة التي جاءت لتحل محلها وهي القدرة على التخفي من الرادارات.
ضعف المناورة
في الواقع، تعد القدرة على التهرب من تتبع الرادارات والتصميم الشبحي المتكامل أمراً أساسياً في الطائرة F-35 وتكتيكاتها.ولكن من خلال التركيز على هذه النقطة المهمة أدى ذلك إلى عيوب أساسية في تصميم الطائرة، فلقد خسرت الـF-35 بشكل سيئ أمام المقاتلات الأقدم في المعارك الافتراضية التي تحاكي القتال الجوي القريب، وفقاً لهارمر.
وقال خبير الطيران القتالي جاستن برونك لموقع Business Insider إن الطائرة F-35 لا يمكنها أبداً الفوز في معركة عنيفة مع طائرة روسية أو بريطانية متقدمة "خلال مليون عام"، حسب تعبيره.
وتمتلك الولايات المتحدة بالفعل طائرة أخرى من الجيل الخامس بقدرات تخفٍّ أفضل، مع ميزات مناورة لا تضاهى، وهي F 22.
وعندما تناقش الولايات المتحدة العمليات في أكثر المجالات الجوية المتنازع عليها في العالم، فإن الحديث يدور دوماً عن الطائرة F-22 كمقاتلة لا يمكن التفوق عليها من أي مقاتلة موجودة أو قيد التطوير.
ولم يخطط مسؤولو الدفاع الأمريكيون مطلقاً لأن تحدث F-35 ثورة في مجال القتال القريب، بدلاً من ذلك أرادوا تغيير مفهوم القتال الجوي ككل.
إذ تم تصميم الطائرة F-35، لكي يكاد يكون من المستحيل على طائرات العدو اكتشافها، على أن تقوم بإسقاط مقاتلات الأعداء من مسافات طويلة قبل أن يصبحوا قريبين بدرجة كافية لمسافة القتال القريب.
ويعتقد أنها تفتقد القدرة على المناورة في القتال القريب في مواجهة الطائرات الروسية والصينية من الجيل الرابع والنصف خاصة السوخوي 27، وبالأكثر نسخها الروسية الأحدث سوخوي 30/35، والنسخ الصينية J 11 وJ 15 وJ 16 (تقليد صيني للسوخوي، 27 ، 33 و35 على التوالي).
وفقاً لهارمر الذي أمضى معظم حياته مع الطائرات العاملة على حاملات الطائرات، فإن مزايا F-35 تبدأ وتنتهي بالتخفي.
التكلفة الباهظة
أحد الأسباب الرئيسية لانطلاق الحديث عن بدائل لـF 35، هو التكلفة، وتحديداً تكلفة التشغيل وليس تكلفة الشراء.تم التخطيط ليكون سعر الطائرة F-35 في الأصل 50 مليون دولار في عام 2001.
ولكن الواقع كان مختلفاً.
كانت أبرز محاور فلسفة F 35 إنتاج طائرة واحدة بنسخ مختلفة (للقوات الجوية، وللعمل من حاملات الطائرات الكبيرة التابعة للبحرية وسفن المارينز) وذلك بدلاً من طائرات متعددة لكل سلاح، كما كان الأمر في الجيل السابق من الطائرات الأمريكية حيث كانت الإف 16 طائرة خفيفة ورخيصة للقوات الجوية، والإف 15 خصصت للقوات الجوية أيضاً كطائرة كبيرة وغالية الثمن وعالية القدرات خاصة السرعة والمدى لمهام الهيمنة الجوية والقصف العميق، والإف 18 كطائرة متوسطة ولديها ميزة تحمل ظروف التشغيل القاسية التي تميز العمل مع القوات البحرية والمارينز، وقدرات خاصة في مجال الانطلاق والهبوط من حاملات الطائرات).
وبالفعل خرجت ثلاث نسخ للإف 35، واحدة قياسية للقوات الجوية، وأخرى بأجنحة أكبر للعمل من حاملات الطائرات، وثالثة مزودة بقدرات الإقلاع القصير والهبوط العمودي لكي تعمل مع مشاة البحرية من الأماكن غير المؤهلة والسفن التي توصف بحاملات الطائرات الصغيرة، وذلك حتى لو كانت الميزة الأخيرة المثيرة للإعجاب تقلل من قدراتها الأخرى.
كان الهدف من مفهوم طائرات متعددة بنسخ مختلفة، تقليل تكلفة التصنيع والتشغيل على السواء، لطائرة سوف تستمر عقوداً مع القوات الجوية الأمريكية والدول الصديقة.
فهل تحقق ذلك؟
عيب لا تستطيع أي قوات جوية تحمله
كان سعر التكلفة لطائرات F 35 الأولى 300 مليون دولار ولكنه انخفض بشكل كبير خلال العقد الماضي إلى 77.9 مليون دولار، وهو رقم جيد مقارنة بأسعار المقاتلات من الجيل الرابع ونصف مثل الرافال الفرنسية واليوروفايتر البريطانية الباهظتي الثمن، حيث يصل سعر الرافال إلى أكثر من 200 مليون دولار حالياً.ولكن ظلت تكلفة ساعة الطيران الفعلي لـF 35 مرتفعة للغاية إذ تبلغ: 44 ألف دولار للساعة الواحدة.
ويطير طيار سلاح الجو الأمريكي العادي 200 ساعة في السنة، أو 350 ساعة في السنة أثناء الانتشار العسكري، أي التكلفة ستتراوح بين 9 و15.7 مليون دولار لكل طيار سنوياً، حسبما ورد في تقرير لموقع Popular Mechanics.
يعني ذلك أن الطيار الذي يقضي 1000 ساعة في قمرة القيادة يكلف الجيش الأمريكي نحو 44 مليون دولار، أي أكثر من نصف ثمن شراء الطائرة.
وعدد ساعات الطيران الكبيرة مسألة مهمة للغاية خاصة للتدريب بالنظر إلى أنها تزيد من جاهزية الطيارين وقدراتهم وتكشف الأخطاء وتختبر التكتيكات وتطورها.
منذ عام 2019 تحاول القوات الجوية الأمريكية وشركة لوكهيد مارتن المنتجة للطائرة خفض تكلفة الساعة إلى 25 ألف دولار، لكن البنتاغون يعتقد منذ فترة طويلة أن هذا الرقم قد يكون بعيد المنال.
وحذر سلاح الجو الأمريكي أيضاً من أنه إذا لم تنخفض التكلفة، فقد ينتهي الأمر بشرائه عدداً أقل من طائرات F-35.
أدى كل ذلك لإثارة الكثيرين لمخاوف بشأن برنامج F-35، والذي سيكلف دافعي الضرائب تريليون دولار على مدى عمر البرنامج.
وقيل إن باتريك شاناهان، وزير الدفاع بالوكالة الذي تولى المنصب في نهاية عهد دونالد ترامب، كان يكره برنامج الطائرة F 35 ويصفه بأنه أغلى نظام أسلحة على الإطلاق.
مقترحات عدة لإيجاد بدائل لـF 35
البديل قد يكون مزيداً من الطائرات القديمة مع بعض الإضافات الحديثة
يقترح هارمر أنه بدلاً من بناء F-35، كان على الولايات المتحدة ببساطة تحديث الطائرات الحالية، مثل F-15 وF-16 وF-18.ويرى أنه يمكن تعديل هذه الطائرات القديمة التي أثبتت جدارتها بتزويدها بإلكترونيات الطيران المتقدمة وخوذة الاستهداف المتقدمة التي تميز طائرة F-35 عن بعض من هذه المقاتلات.
فمقابل جزء بسيط من تكلفة تطوير F-35، كان بالإمكان تحديث الطائرات القديمة والحصول على جزء كبير من قدرات F-35″، حسبما يقول هارمر لموقع Business Insider.
يقول هارمر: "على سبيل المثال، خضعت الطائرة F-18 بالفعل لإعادة تطوير مكثف، لتظهر في النسخة الأحدث والأكبر المسماة F-18 Super Hornet، التي تزيد في الحجم بنسبة 25% عن F-18 الأصلية، ولديها مقطع عرضي للرادار أصغر من سابقتها وهي واحدة من الطائرات الأرخص سعراً في الولايات المتحدة، من حيث تكلفة الشراء والتشغيل".
لكن المشكلة أن مقاتلات الهيمنة الجوية من طراز F-15 على سبيل المثال والتي تمتلك قدرات هائلة في السرعة والمناورة والمدى والحمولة، حتى لو تم تزويدها بإلكترونيات الطيران من الجيل الخامس وقدرة الاستهداف الحديثة، فإنها ستظل تفتقر إلى التصميم الشبحي المتكامل لطائرة F-35.
إذ يجب أن تدرج قدرات التخفي في هندسة الطائرة منذ بداية تصميمها ولا يمكن إضافته ببساطة في وقت لاحق، (رغم محاولات إنتاج نسخة شبحية من الإف 15 تحت اسم Silent Eagle).
نسخ جديدة من F 16
سيطلق سلاح الجو الأمريكي دراسة حول مزيج الطائرات التكتيكية التي يجب أن تكون في الخدمة لديه في عشرينيات القرن الحالي، حسب رئيس أركان القوات الجوية تشارلز كوينتون براون جونيور، الذي قال إنه يجب أن تكتمل الدراسة بحلول عام 2023.وتفكر القوات الجوية الأمريكية بجدية في طلب المزيد من طائرات F-16 المقاتلة، بعد أكثر من 42 عاماً من دخولها الخدمة، بعدما كان قد تعهد سلاح الجو الأمريكي من قبل بأنه لن يشتري مقاتلة غير خفية مرة أخرى، لكن التكلفة الباهظة للمقاتلات الشبحية مثل F-35 قد غيرت رأيه على ما يبدو.
لدى سلاح الجو الأمريكي حالياً أكثر من 900 طائرة من طراز F-16، متوسط عمر أسطول F-16C هو 28.7 سنة.
ولم يشترِ سلاح الجو الأمريكي طائرات F-16 جديدة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ومعظم الترقيات الجديدة كانت مدفوعة بطلبات التصدير إلى دول مثل إسرائيل وكوريا الجنوبية.
صممت جنرال ديناميكس F-16 في الأصل لتكون مقاتلة رشيقة وخفيفة الوزن وغير مكلفة متعددة الأدوار تهدف إلى تحقيق التوازن بين المقاتلة الأكثر قدرة- والأكثر تكلفة- F-15 Eagle..
كان من المفترض أن تكون الطائرة F-35 هي البديل للـ F-16، ولكن يبدو أن الطائرة F-16 يمكنها مرة أخرى تكرار دورها كمقاتلة منخفضة التكلفة بعد أكثر من 40 عاماً من دخولها الخدمة لأول مرة.
في وقت سابق اقترح مساعد وزير القوة الجوية للتكنولوجيا واللوجستيات المنتهية ولايته، ويل روبر، بالفعل أن نسخة Block 70/72 من مقاتلة F-16 يمكن أن تكون أحد بدائل لـ-F 35 لتعزيز الأسطول التكتيكي للقوات الجوية الأمريكية.
ما الذي توصلت إليه القوات الأمريكية؟
ومع ذلك لا يشارك رئيس أركان القوات الجوية الأمريكية الرأي نفسه ويعتقد أن إصدار نسخة متقدمة من F 16 ليس هو الحل الذي تبحث عنه القوات الجوية الأمريكية بالنسبة لمستقبل أسطولها.فعدم قدرة F-16 Viper على تلقي تحديثات البرامج بالسرعة المطلوبة وافتقارها إلى بروتوكولات برامج البنية المعلوماتية المفتوحة هي بعض الأسباب التي تجعل براون يشعر أن النسخ الأحدث منها لا ترقى إلى المستوى المطلوب.
كما يبدو أن الطائرة F-16 رغم قدرتها إلا أن تصميمها يفتقد ميزات أخرى يريدها سلاح الجو الأمريكي، بما في ذلك المدى الطويل.
فصعود الجيش الصيني وعودة النفوذ الروسي يعنيان أنه يجب على المخططين الأمريكيين التفكير في صراعات محتملة في آسيا والمحيط الهادئ أو أوروبا تنطوي على قطع الطائرات لمسافات بعيدة.
قد تضطر مقاتلة سلاح الجو الأمريكي المتمركزة في إيطاليا إلى الطيران لأكثر من ألف ميل لضرب أهداف في روسيا الأوروبية أو قد يحتاج طيار مقره في جزيرة غوام الأمريكية بالمحيط الهادئ إلى القدرة على اعتراض القاذفات الصينية في مدى بعيد، قبل أن تتمكن هذه القاذفات من إطلاق صواريخ تفوق سرعة الصوت.
تحتوي طائرة F-35 على الكثير من الأشياء، لكن المدى البعيد ليس أحدها.
إن التحليق في مثل هذه المهام، التي لم يكن من الممكن تصورها عندما تم تصميم F-35 لأول مرة، من شأنه أن يجبرها على التزود بالوقود جواً وحمل خزانات الوقود الخارجية التي تجعل من السهل رؤيتها على الرادار.
مواصفات الطائرة الجديدة
قال رئيس أركان القوات الجوية الأمريكية إنه يفضل التفكير في تصنيع مقاتلة أسرع وأكثر تطوراً عن طائرات F-16.يفترض أن يتمكن التصميم المفتوح للطائرة المقاتلة الجديدة من تلقي تحديثات البرامج في تتابع سريع، وربما حتى أثناء المهمة.
يأمل براون في أن التقدم العلمي سيسرِّع عملية تصميم وإنتاج الطائرة الجديدة، مشيراً إلى تقنيات الهندسة الرقمية الجديدة التي استخدمها سلاح الجو مؤخراً لبناء وتصميم واختبار طائرة مقاتلة جديدة في غضون عام واحد فقط، بالمقارنة بـ13 استغرقتها الطائرة F-35 حتى تصل لمرحلة الطيران.
من المحتمل أن تفتقر الطائرة الجديدة المقترحة إلى قدرات التخفي الفائقة التي تتمتع بها الطائرة F-35، بالنظر إلى أن قدرات التخفي هي السبب في ارتفاع تكلفة التشغيل لـF 35 وعلماً بأنه للمفارقة كان أحد أهداف إنتاجها هي أن صيانة أنظمة التخفي بها أبسط، وأقل تكلفة من الأجيال الأقدم للطائرات الشبحية مثل F 22 (والتي لديها قدرات تخف أعلى).
إذ يبدو أن التخفي ومنطقية تكلفة التشغيل وبساطة الصيانة لا يجتمعان.
يعني ذلك أن الطائرة الجديدة ستكون من الجيل الرابع ونصف، أو ما يسميه المسؤولون الأمريكيون الجيل الخامس ناقص.
ولكن يؤمل أن تتوفر للطائرة الجديدة العديد من مميزات F 35 الأخرى.
سيكون لدى المقاتلة المقترحة بعض التقنيات المضادة للرادار المدمجة، لكنها ستفتقر إلى الخطوط المستقيمة والتصميم القائم على الزوايا الذي يميز الطائرات الشبحية، حسبما ورد في موقع Popular Mechanics.
ستكون المقاتلة التي يفترض أنها ستنتمي إلى الجيل الرابع والنصف أكبر من الـ F-16، من أجل استيعاب إمدادات وقود داخلية أكبر. من المحتمل أن تحتوي الطائرة على نفس الميزات الموجودة في الـF-35، بما في ذلك رادار متقدم ماسح ضوئياً إلكترونياً، ومجموعة 360 درجة من كاميرات الأشعة تحت الحمراء، والقدرة على مشاركة البيانات مع الطائرات الأمريكية الأخرى، والسفن، وغيرها من الأنظمة. ومثل الطائرة F-16، سيكون للطائرة الجديدة محرك واحد.
ماذا يعني هذا بالنسبة لطائرة F-35؟ لا يزال سلاح الجو بحاجة إلى طائرات F-35 للمساعدة في تطهير سماء طائرات العدو واختراق الدفاعات الجوية للعدو- ولكن يمكن أن يقلل بشكل كبير من شرائه لهذه الطائرات المقاتلة.
إذا قامت القوات الجوية الأمريكية ببناء مقاتلات من جيل 4.5، فمن الصعب اعتبار F-35 برنامجاً ناجحاً.
حدث في هذا التاريخ للسوفييت والأمريكيين على السواء، قدم السوفييت الطائرات ميغ 23 كطائرة أسرع من الجيل الثالث وكبديل لطائراتهم الأسطورية ميغ 21 من الجيل الثاني التي كان يعاب عليها بساطة التصميم وقصر المدى وقلة التسليح.
ولكن سرعان ما تبين أن الميغ 23 أكثر تعقيداً وأعلى تكلفة، وأقل قدرة في المناورة الجوية حتى لو كانت أسرع، ومالت أغلب القوات الجوية المستخدمة للطائرتين لإعطاء الأولوية للطائرة الأقدم، ميغ 21، وقيل إنه في مناوشات جوية بين مصر وليبيا، في منتصف السبعينيات تفوقت الطائرات ميغ 21 المصرية الأقدم على الميغ 23 الليبية التي كان القذافي قد اشتراها للتو من موسكو.
وطال عمر الميغ 21 لدى أغلب الجيوش أكثر من الميغ 23.
ولم تثبت الميغ 21 جدارتها أمام مواطنتها الميغ 23 فقط، بل أمام الطائرة الأمريكية الأحدث منها إف 4 فانتوم التي تنتمي للجيل الثالث، فأبلت الميغ العجوز بلاءً حسناً في فيتنام وحرب العبور خاصة في معركة المنصورة الشهيرة بين سلاحي الجو المصري والإسرائيلي.
ويبدو أن مصير الإف 35 التي ركزت على الشبحية والتكنولوجيا وتنوع المهام على حساب المناورة، والتكلفة المقبولة، والمدى، كمصير طائرات الجيل الثالث التي خرجت من الخدمة قبل طائرات الجيل السابق لها.
التعديل الأخير بواسطة المشرف: