ملوك الجزائر الابطال

إنضم
9 فبراير 2009
المشاركات
205
التفاعل
3 0 0
عرفت الجزائر والشمال الافريقي ككل بروز أبطال أمازيغ صمدوا في وجه الامبراطورية الرومانية وألحقوا بها هزائم نكراء في وقت كان العالم يرتجف خوفا من جبروتها وقوتها الرهيبة.
خاضوا معارك وبطولات بقيت راسخة الا يومنا هدا ولن ينساهم التاريخ أبدا
أبرز هؤلاء الأبطال : تاكفاريناس - ماسينيسا - يوغرطة


1- تاكفاريناس

يعد تاكفاريناس Tacfarinasمن أهم أبطال المقاومة الأمازيغية قديما، وقد أظهر شجاعة كبيرة في مواجهة المحتل الروماني، و قد لقنه درسا لاينسى في البطولة والمقاومة الشرسة، وهو مازال محفورا في ذاكرة تاريخ الإمبراطورية الرومانية . كما أخرت مقاومته الشعبيةاحتلال تامازغا من قبل المتوحش الروماني لمدة طويلة تربو على عقد من الزمن. ولم يتمكن العدو من احتلال بعض أجزاء أفريقيا الشمالية إلا بعد مقتل تاكفاريناس في ساحة الحرب. إذا من هو تاكفاريناس؟ وماهي دواعي مقاومته وأسبابها الذاتية والموضوعية؟ وماهي أهم المراحل التاريخية التي عرفتها مقاومته للإمبراطورية الرومانية في إفريقيا الشمالية؟ وما هي آثار هذه المقاومة و نتائجها؟
1-من هو تاكفاريناس؟
تاكفاريناس من أهم قواد نوميديا ( الجزائر) الأمازيغية، نشأ في أسرة نبيلة ذات نفوذ كبير، وينتمي لقبيلة موسالامس( Musalams)، وۥجنّد مساعدا في الجيش الروماني في سن السادسة عشرة برتبة مساعد ، واكتسب أثناء العمل تجربة عسكرية كبيرة؛ لكنه سيفر منالجندية بعد أن رأى ظلم الرومان الذي كان يمارس ضد الأمازيغيين وتلمس طغيانهم واستبدادهم المطلق. فعين من قبل أتباعه ومحبيه قائدا لقبائل" المزاملة" سنة 17م، فشكل منها جيشا نظاميا من المشاة والفرسان على الطريقة الرومانية في تنظيم الجيوش. وفقد عمه وأخاه وابنه في الحروب التي خاضها ضد الجيش الروماني في شمال أفريقيا، وقد دامت ثورته سبع سنوات ثم انهزم قتيلا في في منطقة سور الغزلان بالجزائر . وتعلم تاكفاريناس الكثير من خطط الجيش الروماني وطرائقه الاستراتيجية في توجيه الحروب و المعارك، كما اطلع على أسلحته وما يملكه من عدة ماديةوبشرية، وما يتسم به هذا الجيش من نقط الضعف التي يمكن استغلالها في توجيه الضربات القاضية إليه أثناء اشتداد المواجهات والمعارك الحامية الوطيس.
2-أسباب مقاومة تاكفاريناس:
إذا كان موقف الأمازيغيين من الفينيقيين والقرطاجيين إيجابيا، فإن موقف الأمازيغيين من الرومان كان سلبيا إلى حد كبير؛ لأنالحكومة الرومانية كانت تسعى إلى التوسع والاستيطانواستغلال ثروات شعوبالآخرين عن طريق التهديد وإشعال الفتن والحروب كما فعلت مع الدولة القرطاجنية في تونس في إطار ما يسمى بالحروب البونيقية.
وإذا كان القرطاجنيون قد اهتموا بالتجارة والصيد، فإن الرومان بالعكس كانوا يركزونكثيرا على الفلاحة ؛ مما دفعهم للبحث عن الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة. وهذا ما أدى بالحكومة الرومانية للتفكير في استعمار شمال أفريقيا قصد نهب خيراتها والاستيلاء على أراضيها التي أصبحت فيما بعد جنانا للملاكين الكبار وإقطاعات لرجال العسكر وفراديس خصبة للساهرين على الكنيسة الكاثوليكية، في حين أصبح الأمازيغيون عبيدا أرقاء وخداما رعاعا وأجراء مستلبين في أراضيهم مقابل فضلات من الطعام لاتقي جوع بطونهم التي كان ينهشها الفقر والسغب. ومن ثم، « طبقت روما سياسة اقتصادية جشعة طوال احتلالها، تلخصت في جعل ولاياتها تخدم اقتصادياتها وتلبي حاجياتها من الغذاء والتسلية لفقرائها... والتجارة المربحة لتجارها والضرائب لدولتها... والإبقاء على النزر اليسير لسد متطلبات عيش الأمازيغ الخاضعين...".
ويعني هذا أن سياسة الرومان في أفريقيا الشماليةكانت تعتمد علىالتوسع والغزووإيجاد الحلول المناسبة لمشاكلها الداخلية وتصديرها إلى الخارج مع البحث عن الموارد والأسواق لتحريك دواليب اقتصادها المعطل وإيجاد مصادر التمويل والتموين لقواتها العسكرية الحاشدة عددا وعدة. ومن ثم، لم " يكتف الرومان باحتلال أجود الأراضي الفلاحية الأمازيغية فحسب، بل قام الإمبراطور الروماني أغسطس بتشجيع استيطان عدد مهم من سكان إيطاليا في شمال إفريقيا، خصوصا منهم الجنود وقادة الجيش المسرّحون أو المتقاعدونورجال الأعمال والتجار مما كان له دوره في تغيير التوازن والتوافق السكاني، الذي كان سائدا في السابق بين ساكنة المنطقة، بل كلما تم استقدام أعداد منهم من إيطاليا، إلا ويكون على حساب الأراضي الفلاحية والرعوية للأهالي الأمازيغ. ويظهر هذا في نسبة العمران والتمدين الروماني الذي بدأ في سواحل البحر المتوسط خصوصا بعد فترة الإمبراطور أغسطس. أما المناطق الداخلية فلم تبق بمعزل عن هذه التطورات خصوصا أن الرومان كانوا يضمون الأراضي الأمازيغية باستمرار نحو الداخل، إما بهدف الحصول على أراضي جديدة للقادمين الجدد ، أو الحصول على أماكن بناء الحصون والقلاع لحماية أراضي المعمرين.".
ومن الأسباب الأخرىالتي أدت إلى اندلاع ثورة تاكفاريناس الانتقام للملك الأمازيغي الأول يوغرطة الذي وحد الأمازيغيين وأعدهم لمواجهة العدو الروماني الغاشم، بيد أن الجيش الروماني نكل به تنكيلا شديدا ليكون عبرة للآخرين، بله عن الثأر من الجيش الروماني نظرا لما قام به من اعتداء صارخ على القبائل الموسولامية التي وقفت كثيرا في وجه الغزو الروماني، ناهيك عن التفاوت الطبقي والاجتماعي في المجتمع الأمازيغي الذي خلقه الاحتلال الروماني، وتردي أحوال الفقراء والمعدمين وهذا ما سيؤدي بهم فيما بعد إلى ثورة جماعية تسمى بالدوارين؛ لأنهم كانوا يحومون ويدورون حول مستودعات الحبوب لسرقتها. و لا ننسى رجال الكنيسة الأمازيغيين الذين ساهموا في إشعال عدة فتن وثورات ضد المحتل الروماني خاصة الدوناتيين نسبة إلى رجل الدين الأمازيغي المسيحي دوناتوس الذين كانوا يطالبون إخوانهم الأمازيغيين بعدم الانتظام في الجندية الرومانية وطرد كبار الملاك من أراضيهم وأصحاب النفوذ من المسيحيين الكاثوليك من بلادهم.
3-تطور مقاومة تاكفاريناس ضد الاحتلال الروماني:
لقد بينا سابقا أن تاكفاريناس لم يرض بالتدخل الإيطالي و لم يقبل كذلك بالظلم الروماني وبنزعته التوسعية الجائرة التي استهدفت إخضاع الأمازيغيين وإذلالهم ونهب ثرواتهم والاستيلاء على خيراتهم وممتلكاتهم عنوة وغصبا . كما لم يرض بتلك السياسة العنصرية التي التجأ إليها الرومان لطرد الأمازيغيين خارجخط الليمس (Limes) وهو خط دفاعي يفصل الثلث الشمالي المحتل عن الجنوب الصحراوي غير النافع. وقد ۥشيّد هذا الخط الفاصل بعد القرن الثاني الميلادي بعد أن تمت للرومان السيطرة الكاملة على أراضي أفريقيا الشمالية. ويتركب خط الليمس من جدران فخمة شاهقة وخنادق وحفر وحدود محروسة وقلاع محمية من قبل الحرس العسكري، ويمكن تشبيهه بالجدار المحصن ضد الهجومالأمازيغي المحتمل. وكان هذا الخط الفاصل يتكون من الفوساطوم الذي يتألف من أسوار تحفها خنادق من الخارج، ومن حصون للمراقبة غير بعيدة عن الفوساطوم، وطرق المواصلات الداخلية والخارجية التي تتصل بالفوساطوم قصد إمداد الحاميات بالمؤن والأسلحة. ويعني هذا أن خط الليمس كان يقوم بثلاثة أدوار أساسية: دور دفاعي يتمثل في حماية الحكومة الرومانية في إفريقيا الشمالية والحفاظ على مصالحها وكينونتها الاستعمارية من خلال التحصين بالقلاع واستعمال الأسوار العالية المتينة الشاهقة، ودور اقتصادي يكمن في إغناء التبادل التجاري مع القبائل الأمازيغية التي توجد في المنطقة الجنوبية لخط الليمس، ودور ترابي إذ كان الليمس يفصل بين منطقتين : منطقة شمالية رومانية ومنطقة جنوبية أمازيغية. ولا يعبر هذا الخط الواقي إلا عن سياسة الخوف والحذر وترقب الهجوم الأمازيغي المحتمل في كل آن و لحظة.
هذا، ولقد امتدت مقاومة تاكفاريناس شرقا وغربا لتوحيد الأمازيغيين قصد الاستعداد لمواجهة الجيش الروماني المحتل.وكانت الضربات العسكرية التي يقوم بها تاكفاريناس تتجه صوب القاعدة الرومانية الوسطى مع استخدام أسلوب المناورة والتشتت للتجمع والتمركز مرة أخرى ، والتسلح بحرية الحركة و استخدام تقنية المناورة واللجوء إلى الانسحاب والمباغتة والهجوم المفاجئ وحرب العصابات المنظمة لمحاصرة الجيش الروماني وضربه في قواعده المحصنة. وهذه الطريقةفي المقاومة لم يألفها الجيش الروماني الذي كان لايشارك إلا في الحروب والمعارك النظامية وينتصر فيها بكل سهولة نظرا لقوة عتاده المادي وعدته البشرية والعسكرية . ويبدأ امتداد تاكفاريناس من طرابلس الحالية غربا حتى المحيط الأطلسي شرقا والامتداد في مناطق الصحراء الكبرى جنوبا.
وكل من يستقرى تاريخ مقاومة تاكفاريناس لابد أن يعتمد على كتابات المؤرخ اللاتيني تاكيتوس الذي كان قريبا من تلك الأحداث، ولكنه لم يكن موضوعيا في حولياته التاريخية وأحكامه على الأمازيغيين، وكان ينحاز إلى الإمبراطورية الرومانية وكان يعتبر تاكفاريناس ثائرا إرهابيا جشعا يريد أن يحقق أطماعه ومآربه الشخصية على حساب الآخرين وحساب أصدقائه القواد مثل: القائد الشجاع مازيبا. ويعني هذا حسب المؤرخ اللاتيني الروماني تاكيتوس أن الحكومة الرومانية لم تأت إلى أفريقيا الشمالية إلا لتزرع الخير وتنقذ الجائعين وۥتحضّر البدويين والرحل الرعاع وتزرع السلام والمحبة بين الأمازيغيين، بينما - والحق يقال- لم تقصد الجيوش الرومانية ربوع تامازغا بجيشها الجرار وأسلحتها الفتاكة سوى لاحتلالها والاستيطان بها والاستيلاء على أراضيها ونهب ثرواتها والتنكيل بأهاليها. ويقول تاكيتوس في حق تاكفاريناس:" اندلعت الحرب في إفريقية في نفس السنة (17م)، وكان على رأس الثوار قائد نوميدي يسمى تاكفاريناس، كان قد انتظم بصفة مساعد في الجيوش الرومانية ثم فر منها. وفي أول أمره جمع حوله بعض العصابات من قطاع الطريق والمشردين وقادهم إلى النهب، ثم جعل منهم مشاة ففرسانا نظاميين وسرعان ما تحول من رأس عصابة لصوص إلى قائد حربي للمزالمة، وكانوا قوما شجعانا يجوبون الفلوات المتاخمة لإفريقية. وحمل المزالمة السلاح وجروا معهم جيرانهم الموريين الذين كان يقودهم مازيبا. واقتسم القائدان الجيش، فاستبقى تاكفاريناس خيرة الجند، أي جميع من كانوا مسلحين على غرار الرومان ليدربهم على النظام ويعودهم على الامتثال، أما مازيبا فكان عليه أن يعمل السيف ويشعل النار ويذعر الذعر بواسطة العصابات".
ويستعمل تاكيتوس (تاسيت Tacite) أسلوبا ذكيا في توجيه الطعنات إلى تاكفاريناس عندما اعتبره رجل عصابة يفر من الجندية و يتحول إلى قائد عسكري خائن أناني يستحوذ على خيرة الجند، بينما لا يترك لصديقه مازيبا سوىعصابة من الإرهابيين تنشر الذعر في نفوس الأبرياء من الروم!!!
ونحن سنقلب القراءة لتتجهعكس مسار قراءة تاكيتوس لنثبت بأن تاكفاريناس كان رجلا شجاعا ومواطنا أمازيغيا غيورا على بلده، لم يرض بالضيم الإيطالي والذل الروماني ، فوحد القبائل الأمازيغية سواء أكانت في الشرق أم في الغرب أم في الجنوب، أي إنه استعان بكل القبائل المناوئة للمحتل الروماني حتى بالقبائل الصحراوية التي كانت ترفض هذا العدو المغتصب وتناهضه.
وتعتمد مقاومة تاكفاريناس على نوعين من القوات العسكرية : قوة عسكرية منظمة على الطريقة الرومانية التي تتكون من المشاة والفرسان، وقوة غير منظمة تتخذشكل عصابات مباغتة مشروعة في أهدافها ونواياها توجه ضربات خاطفة موجعة للجيش الروماني وتزرع في صفوفه الرعب والهلع والخوف، وفي دياره الدمار والخراب وخاصة في موسم الحصاد أثناء جني المحصول ، وبذلك كان يوجه الضربات السديدة إلى الاقتصاد الروماني بحرق المحصول أو السيطرة عليه أو منع الأمازيغيين من بيعه للحكومة الرومانية التي احتلت الأمازيغيين لمدة خمسة قرون. وبالتالي، فهذه" الحرب أضرت بالمصالح الاقتصادية لروما. فكانت جميع المعارك تقع في أواخر الربيع وفصل الصيف، ومن بين أسباب ذلك إغارة تاكفاريناس على المدن وقت الانتهاء من حصاد الحبوب للسيطرة على المحصول من جهة وللحيلولة دون بيع كل غلة الحبوب لروما. كما كان تاكفاريناس يشتري الحبوب من التجار الرومانيين للحيلولة دون وصولها إلى العاصمة الإمبراطورية".
وقد استمرت ثورة تاكفاريناس في مواجهة الرومان مدة سبع سنوات من 17م إلى 24م سنة مقتله في معركة الشرف ضد الجيش الروماني. ويعني هذا أن ثورة تاكفاريناس ثورة عنيفة شرسة، وتعتبر أقوى مقاومة في تاريخ الحضارة الأمازيغية في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط. وهي لا تعبر عن صراع الحضارة والبداوة أو الصراع الطاحن بين النظام والفوضى كما يقول الكثير من المؤرخين الغربيين بما فيهم المؤرخ الروماني تاكيتوس صاحب كتاب الحوليات ، بل هي تعكس صراعا جدليا بين الظلم والحق وبين الحرية والعبودية.
ومن أسباب نجاح ثورة تكافاريناس أنه تبنى عدة طرائق في المواجهة العسكرية ولاسيما الجمع بين الخطة النظامية وحرب العصابات وتوحيد القبائل الأمازيغية في إطار تحالف مشترك واستغلال الظروف العصيبة التي كانت تمر بها الحكومة الرومانية لضربها ضربات موجعة. وبالتالي، لم يقتصر في تحالفه على قبائل الموسلام، بل انفتح على القبائل الصحراوية وتحالف مع الموريين، أي مع قوات موريطانيا الطنجية التي كان يقودها مازيبا. أما الحاكم يوبا الثاني ملك موريطانيا الطنجية فقد كان عميلا للرومان ومتحالفا مع الحكومة القيصرية، لذلك لم يستجب له الشعب وانساق وراء القائد مازيبا الثائر، دون أن ننسىقبائل الكينيتيين الشجعان الذين كانوا يوجدون في الجنوب الشرقي للقبائل الموسولامية وقد تحالفوا عن اختيار وطواعية مع القائد البطل تاكفاريناس.
وبعد أن استجمع تاكفاريناس القبائل الثائرة عبر المناطق الجنوبية لخط الليمس من سرت حتى المحيط الأطلسي انطلق في هجماته التي كانت تخضع للمد والجزر و الهجوم والانسحاب، ولكنه استطاع أن يلحق عدة هزائم بالجيش الروماني وأن يقض مضجع الحكومة المركزية في روما. وكان تاكفاريناس يعتمد على البدو الذين كانوا يعرفون مناطق الصحراء ويتحركون بسرعة على جمالهم ويباغتون الجيش الرومانيفي الوقت الذين يحددونه والمكان الذي يعينونه ويختارونه بدقة. لذالك، كانت الكرة في مرمى جيش تاكفاريناس يستخدمها في الوقت المناسب وفي المكان المناسب. بينما ينتظر الجيش الروماني ضربات الهجوم للرد عليها. ولكن الرومان استطاعوا أن يتحالفوا مع الأمازيغيين الموالين لهم كيوبا الثاني وابنه بطليموس وأن يسخروا الجنود الأمازيغيين لضرب إخوانهم ؛ وكان المثل عند كل المحتلين لأراضي الأمازيغ من الرومان مرورا بالبيزنطيين إلى الوندال:" ينبغي أن تحارب الأمازيغيين بإخوانهم الأمازيغيين". بيد أن يوبا الثاني وابنه بطليموس لم يستطيعا أن يؤثرا على الموريين الذينمالوا إلى تاكفاريناس ومازيباللدفاع عن أراضيهم المغتصبة من قبل الرومان وحرياتهم الطبيعية والمشروعة التي يريد الرومان انتزاعها من أصحابها ليحولونهم إلى أجراء وأرقاء مذلولين. ويقول تاكيتوس في حولياته:" تاكفاريناس لا زال ينهب في إفريقيا مساندا من طرف الموريين الذين فضلوا مساندة الثورة على الولاء للعبيد العتقاء الذين يشكلون حاشية الملك الصغير بطليموس.".
وقد هاجم تاكفاريناس حصون الجيش الروماني وقلاعه وهدد مدينة" تهالة"، وطالب الرومان بأراضي خصبة لزراعتها أو للرعي فيها، لكن الرومان استمالوا بعض أتباع تاكفاريناس ووعدوهم بالعفو و بأجود الأراضي لزراعتها. وهكذا دب الشقاق فيجيش تاكفاريناس وانتشرت الخيانة. وفي جهة مقابلة، سارعت الحكومة الرومانية إلى توشيح كل القادة العسكريين الذين يصدون بعنف لهجمات تاكفاريناس ووضعوا تماثيل شاهدة على إنجازاتهم. وقد قال تاكيتوس ساخرا بذلك:" يوجد في روما ثلاثة تماثيل متوجة وتاكفاريناس لا زال حرا طليقا في إفريقيا".
لكن مع تعيين البروقنصل كورنيليوس دولا بيلا Cornelius Dolabella، ستتغير موازين الحرب في أفريقيا الشمالية وسيحاصر هذا القائد الروماني الجديد جيوش تاكفاريناس بعد أن قضى على الكثير من أتباعه الموزولاسيينواستطاع أن يباغت جيشه في حصن أوزيا شرق نوميديا في الصباح الباكر قبل استيقاظ قوات تاكفاريناس، فاستطاع بسهولة أن يقبض على ابن الثائر أسيرا، وأن يتمكن من أخ تاكفاريناس. وبعد ذلك، دخل دولابيلا في معركة حامية الوطيس مع القائد تاكفاريناس الذي توفي في المعركةسنة 24م. وكانت هذه الهزيمة في الحقيقة نتاجا للخيانة التي دبرت في الكواليس الرومانية في تنسيق مع الأهالي الأمازيغيين ، ومن هنا، طعن تاكفاريناسفي الظهر كما في كل السيناريوهات الحربية والعسكرية التي حبكت من قبل الرومان للتخلص من أعدائهم الأمازيغيين...
ويقول محمد بوكبوط مصورا نهاية تاكفاريناس:" شن تاكفاريناس الحرب على المدن والقرى الخاضعة للرومان، وامتدت الحركة من موريطانيا إلى خليج السرت، مما جعله يضغط بقوة ويطالب الإمبراطور بتسليمه الأراضي، مهددا بشن حرب لاهوادة فيها.
غير أن الرومان استطاعوا أن يحدثوا شرخا في صفوف الثوار الأمازيغ، بقطع الوعود وتقديم تنازلات بسيطة. ورغم ثورة الموريين عقب تولي بطليموس، فإن البروقنصل دولابلا Dolabellaأفلح في الظفر بتاكفاريناس الذي قتل وهو يحارب سنة 24م. لتنتهي بذلك ثورته."
وهكذا تنتهي ثورة تاكفاريناس بعد سنوات طوال من المقاتلة والنضال والكفاح من أجل تحرير البلاد من الغزاة، ليتسلم الثوار الآخرون بعد ذلك مشعلالمواجهة والتصدي ليكون تاريخ الأمازيغيين طوال حياتهم تاريخ المقاومات الشريفة والملاحم البطولية.
خاتــمــــة:
وبعد التخلص من ثورةتاكفاريناس التي دامت سنوات طويلة، ارتاح الرومان وتنفسوا الصعداء بعد ضيق كبير، وۥخيّبت آمال الأمازيغيين في الحصول على استقلالهم ونيل حرياتهم في تسير شؤون بلادهم بأنفسهم. وبدأت الجيوش الرومانية في التوغل في أراضي تامازغا شرقا وغربا وجنوبا قصد الاستيلاء على كل الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة والري. واستطاعت أن تفرض نفوذها الإداري على كثير من أجزاء أفريقيا الشمالية، وأن تعين في كل ولاية البروكونسولProconsul لجمع الضرائب ومراقبة نفقات الدولة وتجنيس الأهالي وتطبيق القوانين الرومانيةعلى الأمازيغيين مع التصدي لكل من سولت نفسه مهاجمة الجيش الروماني. ولكن ثورة تاكفاريناس ستولد ثورات شعبية واجتماعية ودينية أخرى ستعمل علىتعكير صفو الحكومة الرومانية التي كانت تعتمد في الصد والدفاع عن نفسها وحماية مصالحها على قوات إيطالية وإسبانية وأمازيغية في حروبها مع أهالي تمازغا الذين كانوا يشرئبون إلى الحرية والاستقلال ويتعطشون إلى الدفاع عن أرضهم بالنفس والنفيس.


2- ماسينيسا

يعد ماسينيسا من أهم أبطال المقاومة الأمازيغيةالذين عملوا على توحيد الممالك الأمازيغية إلى جانب فارمينا وصيفاقس ويوغرطة ومازيبا وإدمون تمهيدا لمقاومة الاحتلال الروماني القادم إلى إفريقيا الشمالية لاحتلالها ورومنتها تمهيدا للاستيلاء على ربوعها ونهب ثرواتها واستغلال ممتلكاتها. وقد احتل هذا العدو تامازغا لمدة خمسة قرون راغبا في مسخها وإذلالها وتشويه حضارتها والقضاء على ثقافتها. بيد أن الأمازيغيين استطاعوا بكل ما لديهم من قوة من طردهم والتنكيل بهم في عدة وقائع ومعارك يشهد بها تاريخ الرومان قبل تاريخ الأمازيغيين.
وسنحاول في هذه الدراسة التعريف بماسينيسا، وتبيان تطورات مقاومته واستخلاص آثارها ونتائجها مع إبراز الجوانب الحضارية التي يتميز بها عهده.
1- من هو ماسينيسا؟
يعتبر ماسينيسا Masinissa المازيليمن أهم ملوك دولةنوميديا الأمازيغية، ولد في سنة202 قبل الميلاد، وهو ابن گايا بن زيلالسان بن أيليماس. وهو من مواليد قسنطينة الجزائرية التي حولها إلى سيرتا فاتخذها عاصمة لحكمه في منطقة مسيلة. وقد كرس حياته الطويلة لخدمة الأمازيغيين الذين زرع فيهم حب الوفاء والعمل والإخلاص. واستغل ظروف الحرب البونيقية (264-146قبل الميلاد) التي كانت تدور بين الرومان والقرطاجنيين ليسهر على توحيد الأمازيغيين في صف واحد وفي مملكة واحدة وتحت سلطة سياسية وإدارية واحدة.. وقد تولى ماسينيسا حكم نوميديا بعد أن انتصر على الملك صيفاقس الماسايسولي حليف قرطاجة، وقام بأسره حتى يحصل على دعائم ملكه. ومن المعروفأن ماسينيسا كان يمتلك مؤهلات حربية قوية وخبرة كبيرة في تسيير الحروب والتخطيط لها.
وتوفي ماسينيسا حوالي 148 قبل الميلاد عن سن تجاوزت التسعين من عمره بعد أن بقي في عرشه مدة طويلة ما يقرب من ستين سنة من حوالي 205 إلى 148ق.م. ويوجد قبره إلى حد الآن في قرية الخروب في ضواحي قسنطينة (سيرتاCirtha).
2- تطور مقاومة ماسينيسا:
شكل الملك ماسينيسا جيشا أمازيغيا قويا بعد أن وحد كل قبائل شمال إفريقيا الموجودة في القسم الأوسطضمن مملكة أمازيغية موحدة وهي مملكة نوميديا. ويعرف على سياسة ماسينيسا أنها تعتمد في جوهرها على الحنكة والتجربة والذكاء والخبرة في التعامل الدبلوماسي مع الدول القوية كما يظهر ذلك واضحا في مهادنتها للرومان، ولاسيما في مواجهتها للقرطاجيين الذين كانوا يعاملون البربر معاملة سيئة.وكان ماسينيسا يعترف بأحقية الأمازيغيين في استرجاع أملاكهم من القرطاجيين التي استلبوها من أجدادهم حسب ما أورده المؤرخ تيت ليف:" إن القرطاجيين أجانب في بلادنا، فقد استولوا غصبا على أملاك أجدادنا، ولذلك يجب أن نسترد منهم بجميع الوسائل ماانتزعوه منا بالقوة".
وهذا ما دفع ماسينيساليتحالف مع الرومان كي يساندوه في معاركه الطاحنة مع جيرانه القرطاجنيين، فأسفرت تلك الحروب على هزيمة قرطاجنية شنيعة.
وإليكم الشروط التي فرضتها روما على قرطاجنة المنهزمة:
"1- تعترف قرطاجنة بسيادة روما المطلقة حتى على إسبانيا؛
2-تسلم لها الأسطول والفيلة وتؤدي لها- فوق ذلك - غرامة حربية كذلك؛
3- تقيم ماسينيسا ملكا على نوميديا وتدفع له غرامة حربية كذلك؛
4- تأخذ قرطاجنة على نفسها ألا تعلن حربا، بعد، إلا بمشورة روما.".
وهكذا، أصبحت قرطاجنة منهوكة ومستلبة الإرادة وضعيفة اقتصاديا وسياسيا تحت رحمة الملك ماسينيسا الذي كان حليفا للرومان في شمال إفريقيا. وكلما تلقى ماسينيسا الأوامر من حكومة روما إلا واستعد لمجابهة قرطاجنة، وقد كان من الأسباب غير المباشرة في القضاء على أقوى جنرال حربي في شمال إفريقيا القديمةألا وهو القائد "حنبعل". وإذا كان صيفاقس حليف القرطاجيين بشكل كبير، فإن ماسينيسا كان عدوهم اللدود، وذلكبمساندة الرومان و الحاكم باگا Baga ملك موريطانيا.
وكما قلنا سابقا لقد استطاعأوگليد (الملك) ماسينيسا في فترة الحروب البونيقية التي كانت تدور رحاها بين الرومان والقرطاجنيين أن يوحد القبائل الأمازيغية تحت راية واحدة هي رايةسلطنة نوميديا، وعملة برونزية نحاسية واحدة، وكتابة قومية تسمى بكتابة تيفيناغ.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، من استفاد من هذه المناوشات والمعارك الطاحنة بين جيوش ماسينيسا وقوات قرطاجنة: هل هو ماسينيسا الذي يريد أن يحافظ على وحدة الشعب الأمازيغي بمهادنة الحكومةالرومانية والاستفادة من تشجيعاتها، أم حكومة روما التي استعملت ماسينيسا أداة لمجابهة قرطاجة وإضعافها قبل أي تدخل روماني قوي؟! وفي هذا يقول عبد الله العروي:" قد يتنازعالمؤرخون إلى ما لانهاية حول السؤال التالي: هل استغلت روما ماسينيسا للقضاء على قرطاج أم بالعكس استخدم ماسينيسا روما لبناء دولة نوميدية قوية بقصد توحيد شمال إفريقيا بعد استيعاب الحضارة البونيقية؟ (انظر فرانسوا دوكريه ومحمد فنطر. إفريقيا الشمالية في القديم، 1981م)، لكن الأمر المحقق هو أن كل المبادرات كانت بيد مشيخة روما، بعد انتهاء الحرب البونيقية الثالثة سنة202ق.م. كان الرومان يستطيعون في أي وقت توقيف أي حركة يشمون فيها خطرا على مصلحتهم".
ويذهب محمد شفيق إلى أن روما كانت تخطط للسيطرة على شمال إفريقيا من خلال ضرب الأمازيغيين بالأمازيغيين، وتسليطهم على الفينيقيين الموجودين بقرطاجنة لكي يفسح للحكومة الإيطالية المجال من أجل الانقضاض على كل الممالك الأمازيغية:" فبينما كانت كل مملكة من هذه الممالك الثلاث تحاول جمع الشمل في المنطقة الخاضعة لنفوذها، كانت الحروب تتوالى بين روما وقرطاجة، فنتج من ذلك أن كلا الطرفين المتحاربين صار يغري الأمازيغيين بالتحالف معه، ويستغل التنافس الذي يطبع علاقات الملوك بعضهم ببعض. وفي أثناء الحرب البونيقية الثانية استطاعت روما، بفضل معرفتها لمعطيات المجال السياسي الإفريقي، أن تكسب صداقة أشد الملوك حنقا على قرطاجة، وهو ماسينيسا، وأن تتحالف معهم، فكانت تلك المحاولة هي الثلمة الأولى التي تسربت منها الهيمنة السياسية الرومانية، شيئا فشيئا إلى مراكز الحكم في أقطار المغرب كلها؛ ذلك أن روما اتخذت جميع أساليب الترغيب والترهيب منهجية لها لإغراء الملوك الأمازيغيين بعضهم ببعض، في كل من امتنع أن يكون عميلا لها، واستمرت على تلك الخطة ما يقرب من قرنين، موسعة نطاق سيطرتها في اتجاه الغرب إلى أن قضت على الممالك كلها؛ ولم تبق بصورة شكلية، إلا على عرش موريطانيا. فأجلست عليه الأمير الأمازيغي الشاب يوبا بن يوبا الذي كانت قد أسرته، وهو صبي بعد التخلص من أبيه. فظل يوبا لها عميلا إلى أن توفي. فسار ابنه بطليموس على نهجه، إلى أن استدرجه ابن خالته، الإمبراطور الروماني" كاليگولا"Caligula إلى حضور احتفالات رسمية بمدينة" ليون" الغالية، حيث أمر باغتياله، سنة 40 م. وبموته انقرضت الممالك الأمازيغية القديمة."
ولم تضعف مملكة ماسينيسا العظيمة إلا بوفاته في سيرتا بعد أمد طويل في الحكم، لتجعل روما سلطة نوميديا بين أبناء ماسينيسا، وۥتدخل نوميديا بعد ذلك في دوامة الحروب الأهلية استعدادا للسيطرة كليا على تامازغا.
3- مظاهر الحضارة الأمازيغية في عهد ماسينيسا:
من أهم منجزات ماسينيسا أنه وحد القبائل والممالك الأمازيغية تحت شعار: " إفريقيا للأفارقة"، خاصة القبائل التي كانت تسكن بين منطقتي طرابلس الليبية شرقا ونهر ملوية غربا. وبذلك أسس ما يسمى بمملكة نوميديا الكبيرة المستقلة عن الحكم القرطاجني وأصبح ملكا لها يحمل لقب" أگليد"(الملك باللغة الأمازيغية). وكانت تطلق كلمةنوميديا في تلك الفترةعلىالقسم الأوسط من إفريقيا الشمالية، وتنقسم بدورها إلى قسمين: نوميديا الشرقية أو "ماسولة"، ونوميديا الغربية أو "مازيسولة"، يفصل بينهما نهر الشليف الحالي الموجود بالجزائر. أما موريطانيا فكانت تطلق في تلك الفترة على القسم الغربي من شمال إفريقيا والممتد من نهر ملوية الحالي حتى المحيط الأطلسي غربا. وقد اتخذ اسمه من اسم القبائل المورية الأمازيغية التي كانت تعيش هناك، بينما يوجد في شرق مملكة نوميديا أفريكا التي كانت تجمع بين ليبيا وتونس على حد سواء.
ومن أسباب توحيد مملكة نوميديا أن ماسينيسا كان يعتمد على أسس السياسية التقليدية كالاعتماد على المصاهرات والتعاقد مع زعماء القبائل واستغلال الشعور الوطنيالمبني على الهوية الأمازيغية وإيقاظ المشاعر الدينية في خدمة الشعور الوطني والاعتماد على الحروب عند الضرورة القصوى.كما أن "الأداة الأساسية لتحقيق هذا المشروع السياسي (توحيد الدولة) هو الجيش، الذي أحكم تنظيمه ليشتهر ببسالته وإمكانياته الحربية. والملاحظ أن الأمازيغ النواميد تحلوا بالانضباط والتمسك بالملكية، بحيث سادت في أوطانهم عبادة الملك- الإله وانتقل الحكم وراثيا في بيت ماسينيسا".
ومن جهة أخرى، أرسى ماسينيسا مملكة أمازيغية عاصمتها سيرتا (قسنطينة) بناها في منطقة مسيجة بالجبال المنيعة وهي جبال الأوراس العتيدة. وقد جعل للمدينة أسوارا وحصونا، وقسم المدينة إلى أحياء سكنية وتجارية ومرافق عمومية وإدارية ودينية. وقد تأثر ماسينيسا في بناء مدينتهبالحضارة القرطاجنية والحضارة اليونانية.
وعمل ماسينيسا أيضا على وضع أبجدية أمازيغيةليبيةمحلية تسمى بكتابة تيفيناغ متأثرا في ذلك باللغة الفينيقية الكنعانية والحروف البونيقية القرطاجنية. ومن أسباب إقبال الأمازيغيين على اللغة الفينيقية الكنعانية التقارب العرقي والوجداني واللغوي بين اللغتين: تيفيناغ واللغة الفينيقية الكنعانية (لغة الشام). وفي هذا يقول عبد الرحمن الجيلالي في كتابه:" تاريخ الجزائر العام":" لقد أقبل البربر على اللغة الكنعانية الفينيقية، عندما وجدوا ما فيها من القرب من لغتهم وبسبب التواصل العرقي بينهم وبين الفينيقيين".
ومن الناحية الاجتماعية، لقد حفز ماسينيسا الأمازيغيين البدو والرعاة على الاستقرار في المدن و الضواحي والقرىلخلق اقتصاد زراعييعتمد على الحبوب والفواكه والثمار؛ مما جعل القطاع الزراعي يعرف فائضا في الإنتاج بسبب التأثر بتقنيات الزراعة المستوردة من اليونان وإيطاليا. ومن ثم، يلتجئ ماسينيسا إلى تصدير ذلك الفائض لتعويض النقص الذي يعاني منه على مستوى الواردات. ومن هنا نقول بأن ماسينيسا هو الذي حضّر شعبه وأخرجه من البداوة إلى المدنية والاستقرار الاجتماعي، وفي هذا يقول بوليب:" هذا أعظم وأعجب ما قام به مسينيسا، كانت نوميديا قبله لافائدة ترجى منها، وكانت تعتبر بحكم طبيعتها قاحلة لاتنتج شيئا، فهو الأول الوحيد الذي أبان بالكاشف أن بإمكانها أن تدر جميع الخيرات مثل أية مقاطعة أخرى، لأنه أحيى أراضي شاسعة فأخصبت إخصابا".
ولتحريك العملية الاقتصادية والتجاريةداخل مملكة نوميديا، فرض ماسينيسا الجبايات والضرائب على السكان، وفتح مملكته للتجار اليونانيين، و سك عملة نقدية نحاسية وبرونزية تحيل على الرغبة في الاستقلال والتعبير عن قوة مملكة نوميديا سياسيا واقتصاديا. ويشير وجه العملةإلى رأس ماسينيسا وفوقه تاج الملك والسيادة وخلفه صولجان الحكم، وأمام وجهه تتدلى سنبلة قمح. وتحيل هذه العلامات السيميائية على السلطة السياسية والسلطة الاقتصادية، وتعبر عن عظمة مملكة نوميديا السياسية وتقدمها الاقتصادي. كما يظهر لنا من خلال قراءتنا لمكونات العملة مدى تأثر ماسينيسا بالحضارة الإغريقية المقدونية.
ومن جهة أخرى، يحمل ظهر العملة النقدية ثلاثعلامات أيقونية بصرية: حصان أمازيغي رشيق، وصولجان الحكم، وكتابة تيفيناغ. وتحيل هذه الدوال الرمزية على قوة الملك السياسي، وشجاعة الإنسان الأمازيغي الفارس وشهامته في الحروب والمعارك ضد المحتل، بينما تشير الكتابة إلى الخاصية الحضارية التي تتميز بها مملكة نوميديا القوية التي تتجلى في اعتمادها على كتابة تيفيناغ في تسيير دواليب الدولة وتدبير مرافقها السياسية والتربوية والعسكرية والاقتصادية. كما يتبين لنا أن الملك ماسينيسا كان يحمل الصولجان ويضع على رأسه العرش ويحيط رأسهبحبات القمح على غرار التاج اليوناني الهليني.
وفيما يتعلق بالمجال العسكري، فقد كان ماسينيسا قائدا حربيا محنكا ورجلا عسكريا مدربا على أحدث الطرق الحربية المنظمة وخاصة الطريقتين: الرومانية و اليونانية.وهذا ما دفعه ليعد جيشا أمازيغيا موحدا عتيدا يجمع بين المشاة والفرسان، كما كان يملك أسطولا تجاريا قويا يساهم في إثراء المبادلات التجارية بين الشعوب الأخرى، وكان يتوفر أيضا على أسطول بحري عتيد للدفاع عن حدود نوميديا.
وعلى المستوى الخارجي، ربط ماسينيسا علاقات ودية مع روما عدوة قرطاجنة، ومع اليونان التي كان يجلب منها العلماء والخبراء والفنانون والأدباء.
هذا، وقد انتشرت في عهد ماسينيسا" الثقافة البونية بين الأمازيغيين أكثر من ذي قبل، مع معاداته لقرطاجة، وقدم العاصمة" قيرطا/ سيرتا" عدد من الأدباء والفنانين اليونان، وجعلوا منها مدينة راقية في حياتها المادية والفكرية. كان الملك نفسه معجبا بالحضارة اليونانية، وكان يعمل بتقاليد الملوك اليونانيين، فأكل في الآنية الفضية والذهبية، واتخذ جوقة من الموسيقيين الإغريق. ولاشك أن التجار اليونانيين كانوا يروجون بضاعتهم بفضل ولوعه بكل ماهو يوناني.".
وعلى العموم، فلقد حقق ماسينيسا إنجازات سياسية واقتصادية وثقافية وحضارية كبيرة لصالح الأمازيغيين وصالح تامازغا. و كان ماسينيسا ملكا ذكيا ودبلوماسيا محنكا في تعامله مع الشعوب القوية كالرومان واليونان. واستطاع بدهائه أن يؤسس مملكة نوميديا، وأن يوسع أطرافها على حساب قرطاجنة، وأن يدافع عنهوية الأمازيغيين ولغتهم وكتابتهم " تيفيناغ" التي هي رمز حضارهم وأس كينونتهم الوجدودية وعنوان ذاكرتهم التاريخية.
خاتمة:
وفي الأخير، لم يتحقق لماسينيسا ماكان يحلمبه كثيرا، أي أن يوسع مملكته على حساب قرطاجنة وموريطانيا. ولقد توفي هذا البطل الشهم قبل أن تنهار قرطاجنة التي كان ينتظر الفرصة السانحة للانقضاض عليها وضمها إلى مملكته الواسعة الأطراف. فلما أحس الرومان بما كان يطمح إليه ماسينيسا ألا وهو توسيع مملكة نوميديا على حساب جيرانه الأعداء،وتقوية نفوذ سلطته شرقا وغربا، سارعت الحكومة الإيطالية إلى تقسيم عرش ماسينيسا بين أولاده الثلاث، وهم: ماسيبسا الذي تولى السلطة الإدارية، و مستعنبعل الذي تكلف بالشؤون القضائية، وغولوسن الذي كان يهتم بالشؤون العسكرية.
وقد تم توزيع السلطات بين أبناء ماسينيسا الثلاثة بحضور الحكومة الرومانية في شخص قائد جيوشها الجرارة سيبيون الإيميلي الذي حاصر قرطاجة، وجاء ليعلن تبعية مملكة نوميديا للعاصمة روما.


3- يوغرطة

يعد يوغرطة من أهم أبطال المقاومة الأمازيغية الذين وقفوا في وجه الحكومة الرومانية الجشعةالتي أرادت إذلال نوميديا وتقسيمها، بعد أن وحدها الملك ماسينيسا ووسع نفوذها شرقا وغربا وجنوبا. وقد استطاعالملك يوغرطة بحنكته العسكرية أن ينظم جيشا أمازيغيا مدربا، وأن يقوم بإصلاحات اقتصادية واجتماعية قصد التصدي للمحتل الروماني الذي أعد سدا أمنيا عتيدا لحماية المركزية الرومانية في إفريقيا الشمالية ضد الثورات التحررية الأمازيغية المقاتلة. ولكن مقاومة يوغرطةستؤثر بشكل سلبي على سياسة روما بعد أن ذاقت القوات الرومانية الغازية مرارة الهزائم المتكررة على أبواب نوميديا، لكن مقاومة يوغرطة لن تدوم طويلا لكي يقتل هذا الملك الأمازيغي الشهم خيانة وغدرا على يد الرومان سنة 106قبل الميلاد.
وسنحاول في هذه الدراسة التعريف بيوغرطة وبأهم منجزاته الإصلاحية داخل مملكته مع ذكر أهم المراحل التي عرفتها مقاومته ونتائجها المباشرة وغير المباشرة.
1-من هو يوغرطة أو يوغرثن؟
تعني كلمة يوغرطة أو يوگرتن أو يوجيرتن Jugurthaفي المعجم الأمازيغي أكبر القوم سنا، وقد تعني أيضا الملك أو كبير الأسرة أو القوم أو العشيرة أو القبيلة أو الجد الأكبر أو الرجل الكبير المحترم.
هذا، وقد ولد يوغرطة المازيلي بنوميديا سنة 118 قبل الميلاد، وهو سليل أسرة ماسينيسا الحاكمة، ومن ملوك قبائل نوميديا، تولى الحكم بعد وفاة ميسبسا(148-118قبل الميلاد) الذي وسّع التجارة الداخلية والخارجية بين مملكة نوميديا ودول حوض البحر الأبيض المتوسط.
وقد اشتهر يوغرطة بين أقرانه بالشجاعة والهيبة والوقار والذكاء وحب العمل وممارسة الصيد والفروسية حتى امتلك موهبة في مجال الحرب والتنظيم العسكري. وكان معروفا بتفوقه في مجال السباق داخل حلبات الفروسية والمبارزة العسكرية، وأصبح بعد ذلك قائدا عسكريا محنكا وكون جيشا أمازيغيا ليدافع عن سيادة نوميديا مذكرا جيشه دائما بالهوية الأمازيغية وبضرورة الدفاع عن راية الوطن والوقوف بكل شراسة في وجه الرومان المتوحشين الذين لايريدون من الأمازيغيين سوى استغلالهم واستلابهم ونهب ثرواتهم وممتلكاتهم وإخضاعهم رقا وذلا.
ويعترف المؤرخ الروماني سالوست Salluste في كتابه" حرب يوغرطة" بعظمة هذا الملك الشاب الذي أظهر مقاومة بطولية في مقاتلة الرومان. يقول سالوست:" أثار يوغرطة انتباه الناس منذ أول شبابه، بفعل نشاطه وهيبته ووقاره وذكائه. ولم يكن من الذين ينخدعون بمظهر التبرج ويستلمون للراحة، ولكنه كان (...) يمارس الفروسية ويتدرب على الرمي بالرمح وينافس أقرانه للإحراز على جائزة أسرع سباق...وكان يصرف جزءا كبيرا من وقته في الصيد...ولم يكن أحد يشتغل، أكثر منه، ولم يكن أحد يتحدث عن أعماله أقل منه.
... وأمر بأن تستعرض أمامه الكوكبات والرايات (الأمازيغية) واحدة بعد واحدة. فصار يرغبها في تذكير ماضيها المجيد وفي انتصارها....على الأعداء، وفي الدفاع عن حوزة الوطن والملك، ويحذرها من شر الرومان وجشعهم... لقد عمل كل ما يمكن أن يعمله قائد جيش ليهيئ لنفسه أحسن الظروف في ميدان القتال... وعندما يعرف جنديا سبق له أن جازاه على إقدامه وشجاعته، فإنه يقدمه كمثال للآخرين. وكان يعد ويوعد ويرغب ويرهب، ويستعمل كل الوسائل لحث جيوشه على الإقدام...."
ومن جهة أخرى، قام يوغرطة بإصلاحات اقتصادية واجتماعية وإدارية وعسكرية من أجل بناء مملكة أمازيغية قوية على غرار السياسةالإصلاحية التي قام بها عمه ماسينيسا. وفعلا، استطاعت قوات يوغرطة أن تقف في وجه ثلاثة قواد رومانيين كبار أرسلتهم المشيخة الرومانية للقضاء على ثورة يوغرطة النوميدية، وهم: ميتيلوس وماريوس وسيلاّ.
وخير من تحدث ومازال يتحدث عن تاريخ يوغرطة وحروبه القاسية ضد الرومان المؤرخ الروماني سالوست في كتابه" حروب يوغرطة"، إلا أن مدونات سالوست التاريخية كانت تعبر" عن تناقضات الجمهورية الرومانية بقدر ماتروي قصة ثورة يوغرطة. فقد يكون هذا الأخير قد خطط فعلا لتوحيد البربر وطرد الرومان، لكن يستحيل أن نجد لهذا الهدف صدى عند المؤرخ الروماني الذي يذكر أعمال يوغرطة لغرض واحد هو إصدار أحكام قاسية على زعماء روما وهي في دور الانحطاط.
لا نقول: إن سكوت سالوست- يقول عبد الله العروي- يدل على عدم وجود أي مشروع توحيدي وتحريري في ذهن يوغرطة، بل نقول إن الوثيقة المكتوبة، هي وثيقة رومانية، لا يمكن أن تسوق الأخبار من وجهة نظر مغربية. وهذا أمر بديهي". "
ويبين لنا هذا التوجه النقدي للوثيقة التاريخية للمؤرخ سالوست أن المؤرخين الرومان كانوا غير موضوعيين في أحكامهم القاسية التي يصدرونها في حق أبناء تامازغا، وكانوا يعتبرون الأبطال الأمازيغيين إرهابيين ومنشقين عن الحكم الروماني، وبمثابة زعماء العصابات ورؤساء جماعات اللصوص الذين يثيرون الهلع والذعر والخوف والفزع في نفوس المواطنين الذين يسكنون في القرى والمدن النوميدية وخاصة الجالية الرومانية التي كانت تسيطر على مراكز القرار ودواليب الاقتصاد و التجارة والخدمات.
2-تطور المقاومة الأمازيغية بقيادة يوغرطة:
بادرت الحكومة الرومانية منذ نزول قواتها على أراضي تمازغا وبعد وفاةالملك ماسينيسا إلى تقسيم شمال إفريقية إداريا إلى ثلاث مناطق رئيسية، وهي: أفريكا اللاتينية ويقصد بها تونس وكانت خاضعة كليا لقبضة الرومان، ونوميديا وتمتد من التراب التونسي إلى العاصمة الأمازيغية سيرتا (قسنطينة)، وتنقسمهذه المملكة الجزائرية إلى قسمين: القسم الأول كان تحت نفوذ مسبسا ابن ماسينيسا(146-118 ق.م)، والقسم الآخر كان تحت تصرف يوغرطة. أما موريطانيا Maurétanieفقد وضعوها تحت تصرف القائد البربري بوكوس Boccus. ولقد اختار الرومان لمراقبة هذه الممالك الأمازيغية عاصمة في تونس تكون بديلا لقرطاجنة سموها ب "جنونيا".
ومن جهة أخرى، شرع الرومان في بناء سد أمني يسمى خط الليمس Limes وهو عبارة عن حصون وقلاع وخنادق ومراكز المراقبة للسيطرة على إفريقيا الشمالية والتحكم في مواردها الاقتصادية، وهذا الخط يمتد طولا بين الساحل المتوسطي وحدود التراب الصحراوي جنوبا. أما عرضا فيمتد الخط من طرابلس مرورا بالبحيرات التونسية وجبال الأوراس، فيمر ببسكرة جنوبا، ثم يجتاز قرية بوسعادة حتى نهر وادي شلف. وبعد ذلك يقطع تاخمارت والزفيزف وتلمسان ومغنية. ويعبر هذا الخط الفاصل الحدودي المغرب مرورا بتازة ومنعرجا بمدينتي وليلي وطنجة حتى يصل إلى جنوب الرباط.
بيد أن الأمازيغ لم يرضوا بالحكم الروماني في إفريقيا الشمالية ولم يقبلوا بتدخلاته في نوميديا وموريطانيا، ولم يرضوا كذلك بخط الليمس الذي اعتبروه خطا استعماريا عنصريا يراد منه طرد الأمازيغيين من أراضيهم الخصبة وتحويلهم إلى شعب ذليل وفقير من الدرجة الدنيا. هذا ما دفع يوغرطة ليجمع الأمازيغ ويوحدهم في مملكة واحدة بعد أن اغتال أبناء عمه ماسينيسا "أذربعل" و"هيمسعال" ليسيطر على حكمهما، وۥيخضع مملكة نوميديا ليسيرها بنفسه. وبالتالي، اتخذ يوغرطة سيرتا (قسنطينة) المدينة الجبلية الواقعة في جبال الأوراس عاصمته منذ سنة 104 ق.م، واستطاع أن ينظم الجيش ويقسمه إلىمشاة وفرسان، وأن يدربه على أحدث الطرق العسكرية لمجابهة الاحتلال الروماني. وقد كان الجيش الأمازيغي كله تحت تصرف القائد يوغرطة الذي ضرب به الجيش الروماني مرات عدية، فانتصر عليه في عدة معارك وخاصة معركة سوتول قرب گالمة بالجزائر. وكانت الحروب التي خاضها يوغرطة ضد الرومان تسمى عند المؤرخ اللاتيني سالوست ب"حروب يوغرطة" التي وقعتبين 111 و105 ق.م.
هذا، وقد حقق يوغرطة انتصارا حاسما على ألبيونس سنة 110ق، وكان لهذه الهزيمة " وقع شديد في روما حيث ساد السخط والتذمر أوساط الشعب بقيادة زعمائه وخطبائه الشعبيين، الذين طالبوا بخوض حرب لاهوادة فيها ضد الملك النوميدي لرد الاعتبار والثأر للكرامة الرومانية. مما يبدو معه مدى انعكاس تناقضات المجتمع الروماني على سير الأحداث في شمال إفريقيا، فحرب نوميديا كانت ميدانا للحسم في الصراعات الاجتماعية السياسية بين الطبقات الرومانية.
في خضم ذلك الوضع المشحون صعد ميتيلوس إلى مركز الزعامة الرومانية فقاد حملته على نوميديا سنة 109 ق.م. وألحق الهزيمة بيوغرطة، ثم سيطر على عاصمته سيرتا ليزحف على شرق ووسط نوميديا. فاضطر يوغرطة إلى بذل جهود لإيجاد دعم لمواجهة الموقف، فاستطاع تجنيد قبائل جدالة القاطنة في الهوامش الصحراوية، كما أقنع بوكوس الأول ملك موريطانيا بضرورة التصدي المشترك للزحف الروماني".
وهكذا بدأت القوات الأمازيغية تتحرك بقيادة يوغرطةنحو سيرتا لمواجهة ميتيلوس الذي اتخذها قاعدة عسكرية، لكن الحكومة الرومانية ستعين قائدا عسكريا شعبيا محترفا في مجال التكتيك الحربي يسمى ماريوس الذي" ضم جموعا هائلة من الفقراء والرعاع إلى القوات المحاربة في نوميديا، وبدأ بنشر الذعر بين سكان القرى والمدن النوميدية لرفع معنويات جنوده. علاوة على ذلك نجح الرومان في جر الملك الموريطاني بوكوس الأول إلى التآمر على حليفه يوغرطة، إذ غدر به وألقي عليه القبض سنة 104 ق.م وسلمه لأعدائه الرومان ليعدم سنة 106 ق.م، وبذلك انتهت حرب نوميديا التحررية ضد روما.".
بيد أن مقاومة يوغرطة لم تدم كثيرا في مقاتلة الرومان بالمقارنة مع مقاومة تاكفاريناس، إذ سرعان ما قضى الرومان على حكومته وجيشه بسبب الغدر والمكيدة، وذلك عندما فر إلى صهره بوكوس ملك موريطانيا طلبا لمناصرته وإيوائه، " ولكن الخائن بوكوس يخاف على عرشه، ويتسرب الجشع إلى نفسه الدنيئة، فيسلمه لسيلا (Sylla) خليفة ماريوس القائد الروماني المشهور. ولايلبث الرومانيون أن يقدموا للملك بوكوس جائزة ذات قيمة واعتبار على خيانته، وذلك بضم الجهة الغربية من منطقة نوميديا (الجزائر الحالية) إلى موريطانيا الطنجية جزاء له على خيانته! ولما توفي بوكوس الذي سعى في توسيع مملكته بالصورة التي رأيت، حاول الإمبراطور الروماني أوگست (Auguste) أن يجعل من موريطانيا الغربية بلادا مستقلة، وأجلس على عرشها ملكا من أشهر ملوك البربر، نظرا لما أنجزه من إصلاحات وما قام به من أعمال جليلة في سبيل مصلحة بلاده، وهو يوبا الثانيJuba 2".
وهكذا، نجد بوكوس الأول ملك موريطانيا ويوبا الثاني ملك موريطانيا الطنجية يتحالفان ضد يوغرطة ويسلمانه أسيرا للروم سنة104 ق.مفي طبق من ذهب ليموت يوغرطة في سجنه سنة 106 ق.م.
3- نتائج ثورة يوغرطة:
بعد وفاة يوغرطة تقسم مملكة نوميدياإلى قسمين: القسم الغربي من نصيب بوكوس الأول ملك موريطانيا وحليف روما، بينما القسم الشرقي يتولاه الملك گودا. وعند وفاة بوكوس ملك موريطانيا ستنقسم مملكته بدورها إلى قسمين: مملكة غربية يملكها بوگود، ومملكة شرقية يملكها بوكوس الثاني أو بوكوس الشاب.
" وفي عهد الإمبراطور الروماني أوكتافيوس (Octavianus) (63ق.م-14 ق.م) تمكن بوكوس من الاستيلاء على ممتلكات بوگود، وامتدت موريطانيا- في ذلك التاريخ- من المحيط الأطلسي حتى نهر المساقة".
ومما يؤسف لهحقا أنالرومان والبيزنطيين والوندال كانوادائما يضربون الأمازيغيين بإخوانهم الأمازيغيين، ويشعلوننار الفتنةبينهم، ويستعملون كل وسائل الغواية والإغراءلكسب تحالفهم ؛ وقد شجع هذا الأمر الفظيع على انتشار الحسد والحقد والخيانة بين صفوف الأمازيغيين للتحايل على إخوانهم غدرا ومكرا؛ وهذا كان ييسر بطبيعة الحال المهمات والسبل أمام الأعداء الألدة للانقضاض عليهم بكل سهولة وسرعة.
وعلى الرغم من القضاء على ثورة يوغرطة من قبل الرومان وحلفائهم الخونة، إلا أن هذه الثورة ستبقى مشعلا للمقاومة الأمازيغية ودربا للكفاح والنضال من أجل نيل الحرية والاستقلال والتخلص من المستعمر الروماني وستشعل ثورة يوغرطة الباسلة فعلا ثورات عسكرية أخرى كثورة تاكفاريناس، وثورات اجتماعية ذات طابع اقتصادي كثورة "الدوارين"، وثورات دينية كثورة "إدمون" التي كانت تطالب بطرد الرومان ورجال الدين الكاثوليك والنبلاء الأجانب المستغلين من أرض نوميديا ومن كل أراضي تامازغا.
خاتمة:
وعليه، فبعد تصفية يوغرطة حساباته السياسية مع أبناء عمه ماسينيسا، وحّد القبائل الأمازيغية، ونظم جيشا عتيدا، وقام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية وعسكرية. وكل هذامن أجل توسيع نفوذ مملكتهقصد الاستعداد لمجابهة القوات الرومانية وأسوار خط الليمس المنيعة. ولكنه في الأخير سيقع أسيرا في أيدي الرومان بسبب خيانة بوكوس الأول ويوبا الثاني.
وبعد مقتل يوغرطة خيانة وغدرا ستضع الحكومة الرومانية نهاية لكل التطلعات الأمازيغية في تأسيس دولة تامازغا.
ويلاحظ المتتبعون للمقاومة الأمازيغية أن حركات القرن الأول التحررية ابتداء من ماسينيسا ويوغرطة وتاكفاريناس كانت مقاومة ضد الغزو الروماني واغتصاب الأرض، ولكن مع بداية القرن الثاني الميلادي ستتخذ الثورات الأمازيغية طابعا اجتماعيا بعد تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في الوسط الأمازيغي بسبب بطش الحكم الروماني واستيلائه المطلق على كل ثروات الأمازيغيين وطردهم خارج خط الليمس أو ما يسمى بالسد الأمني.

ونختم مقالنا المتواضع بقولة ليوغرطة يندد فيها بالإمبراطورية الرومانية ويشنع بسياستها التوسعية وبأطماعها الجشعة مستشرفا نهايتها الأكيدة:"روما، أيتها المدينة المعروضة للبيع! أنت هالكة لو تجدين مشتريا !"
 
رد: ملوك الجزائر الابطال

شكرا لك
أنا شخصيا لا أحب أن أتفاخر بالحقبة القبل إسلامية
فنحن اليوم كرمنا الله بالإسلام و هذا من فضله و لا فخر
 
رد: ملوك الجزائر الابطال

شكرا على الموضوع اخي الهواري ونتمنى عودتك قريبا
 
رد: ملوك الجزائر الابطال

سلام عليكم

شكرا لك والله على الموضوع الجميل
 
رد: ملوك الجزائر الابطال

معلومات قيمة بارك الله فيك اخي الكريم
 
رد: ملوك الجزائر الابطال

شكرا لك
أنا شخصيا لا أحب أن أتفاخر بالحقبة القبل إسلامية
فنحن اليوم كرمنا الله بالإسلام و هذا من فضله و لا فخر
انا احترم رايئيك ووجهة نظر اخي الكريم
لكن نفتخر ومن حقنا هذا فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام خيركم في الجاهلية خيركم في الاسلام
فالرسول اقر بخيرية بعض صحابته وخلقهم شجاعتهم قبل ان يدخلو الاسلام اصلا
 
عودة
أعلى