لماذا انتحرت السفينة الحربية اليابانية الخارقة (ياماتو) خلال الحرب العالمية الثانية؟

al kanase

عضو
إنضم
27 أكتوبر 2020
المشاركات
1,390
التفاعل
2,121 27 3
الدولة
Morocco

تعتبر قصة السفينة الحربية اليابانية ياماتو تحذيرًا لجميع القوات المسلحة والجيوش وتحفيزًا لها بضرورة اللحاق بركب تطور التكنولوجيا العسكرية وعدم التشبث بالماضي والقديم.​


السفينة الحربية اليابانية (ياماتو)



كان تدمير السفينة الحربية اليابانية (ياماتو) أمرًا محتومًا، فقد كان واضحًا آنذاك أن عصر السفن الحربية قد ولى وقد تجاوزه ظهور حاملات الطائرات، غير أن إصرار الجنرالات المتعلقين بتكتيكات السفن الحربية والمتشبثين بتكنولوجيا عسكرية ولى زمنها أثر بشكل سلبي للغاية على مسار الحرب بالنسبة لليابان، كما أرسل بآلاف البحارة اليابانيين إلى حتفهم سدًى.
في أوائل سنة 1945، اتخذت البحرية الإمبراطورية اليابانية قرارا صعبًا، ألا وهو التضحية بأكبر وأقوى سفينة حربية يتم صنعها من طرف الإنسان في سبيل حماية (أوكيناوا)، بوابة البر الرئيسي لليابان.

حسم القرار قدر ومستقبل السفينة الحربية (ياماتو) وطاقمها، غير أنه للأسف لم يأت بثماره ولم يتمكن من حماية الجزيرة من غزو الحلفاء.
كانت السفينة الحربية اليابانية (ياماتو) من بين أكبر وأقوى السفن الحربية على مر التاريخ، حيث كادت بسبب قوتها وحجمها أن تصبح أسطورة، وكانت بمثابة مثال حي عن افتتان اليابان بالبطوليات التافهة وعديمة الجدوى.

تم بناء السفينة في سنة 1937 في ترسانة (كور) البحرية بالقرب من هيروشيما، وقد كان بناؤها أمرًا سريًا حتى لا يلفت انتباه الولايات المتحدة الأمريكية.
كانت اليابان قد قامت مؤخرًا آنذاك بالانسحاب من معاهدة واشنطن البحرية التي تحدّ من وزن وحجم السفن الحربية، وبالتالي أصبحت حرة لبناء سفنها بالحجم الذي ترغب فيه مهما كان كبيرًا.

وكان ذلك بالضبط ما قامت به اليابان فيما يتعلق ببناء سفينة (ياماتو)، التي كان طولها يبلغ 255 مترًا عند مستوى الماء وكان وزنها يبلغ 70 ألف طنٍّ، وبالتالي كانت (ياماتو) أكبر سفينة حربية آنذاك ولم يسبق أن تفوقت عليها سفينة أخرى منذ التاريخ، وظلت الأكبر والأقوى إلى غاية ظهور حاملات الطائرات الأمريكية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
تم تسليح السفينة الحربية (ياماتو) وشقيقتها (موساشي) بتسعة مدافع بحرية ذات 19 إنشٍ، والتي تم وضعها على أبراج تتضمن على 6 مدافع بحرية ثانوية بحجم 155 ميليمتر، و24 مدفعًا بحجم 5 إنشات، و162 مدفعًا مضادًا للطائرات بحجم 5 ملم، و4 رشاشات ثقيلة ذات 13.2 ملم.

كان المراد بكل هذه القوة الضاربة إغراق السفن الحربية التابعة للعدو، وبعد فترة أُخضعت السفينة لعملية إعادة تهيئة أضيف خلالها عليها عدد كبير من المدافع المضادة للطيران، وذلك من أجل الإبقاء على السفينة آمنة في وجه القوات الجوية الأمريكية إلى أن تصبح على مسافة قريبة من حاملات الطائرات ما يمكّنها من إغراقها.
لسوء حظ السفينة الحربية (ياماتو) وطاقمها، فقد أصبحت مندثرة بحلول الزمن الذي أطلقت فيه سنة 1941، حيث كان بمقدور حاملات الطائرات السريعة بواسطة طوربيداتها المتطورة وقاذفات القنابل خاصتها مهاجمة السفينة الحربية من على مسافة حوالي 400 كلم أو أكثر، أي أبعد من مدى مدافع السفينة الحربية بكثير.

لو استخدمنا مصطلحًا أكثر عصرية، لقلنا عن تكنولوجيا السفن الحربية أنها أصبحت ”موضة قديمة“ في وجه حاملات الطائرات والتطور الحاصل فيها.
مع حلول سنة 1945، كانت الوضعية الإستراتيجية لليابان في الحرب محبطة، حيث ظلت المساعي التوسعية للجيش الإمبراطوري الياباني في منطقة المحيط الهادئ تنحصر شيئًا فشيئًا مدفوعة للخلف من طرف إنزالات جيوش الحلفاء في (غوادالكانال) في شهر أغسطس سنة 1942، كما فقدت اليابان كلًا من الفيليبين وجزر السولومون و(غيلبرت) و(كارولاين) وأصبح أعداؤها آنذاك على أبوابها حرفيًا.

كانت جزيرة (أوكيناوا) هي أكبر جزيرة في سلسلة جزر (ريوكيو) وكانت آخر حصن ومعقل لليابان قبل أن يصل الخطر والعدو للبر الرئيسي، حيث لم تكن تبعد عن مدينة (كاغوشيما) المتواجدة في البر الرئيسي باليابان سوى بحوالي 260 كلم.
بدأ غزو جزيرة (أوكيناوا) في الفاتح من أبريل سنة 1941. في ردها على ذلك، فعّلت البحرية الإمبراطورية اليابانية عملية Ten-Go العسكرية، التي تقضي بإبحار (ياماتو) مرفوقة بالبارجة (ياهاغي) تحت قيادة القائد الشهير (تاميشي هارا) وثمانية سفن مدمرة إلى أوكيناوا لاعتراض قوة الغزو التابعة للحلفاء.

ثم كان مقررا لـ(ياماتو) الجنوح على الشاطئ لتصبح بمثابة مدفعية برية، وكانت تلك نهاية مذلة لسفينة حربية عملاقة ومهيبة قادرة على التحرك بسرعة 27 عقدة بحرية، غير أن نقص الوقود وبعض الموارد العسكرية الأخرى جعل أمرها ميؤوسا منه وقدرها محتومًا.
غادرت (ياماتو) والقوة الضاربة التابعة لها مدينة (توكوياما) في اليابان في السادس من أبريل متجهة جنوبا صوب مضيق (بونغو).

تم إخطار القوات الأمريكية مسبقًا بالعملية العسكرية اليابانية Ten-Go، وذلك بفضل فك الشفرة العسكرية التي كانت القوات اليابانية تستخدمها في مراسلاتها، وعلى إثر ذلك أُرسل بغواصتين أمريكيتين لاعتراض الأسطول الياباني.
ظلت الغواصات الأمريكية تراقب (ياماتو) والقوة الضاربة المرافقة لها من بعيد، ولم تكن الغواصات قادرة على الاشتباك معها بسبب سرعة الأسطول الكبيرة واعتماده تكتيكات التحرك في خطوط متعرجة.

كان واضحًا أن هدف الأسطول الياباني بقيادة السفينة الحربية (ياماتو) هو القوات البحرية التابعة للحلفاء المتواجدة حول (أوكيناوا). على إثر المعلومات الواردة إليها، قامت ستة سفن حربية قديمة تابعة لفرقة العمليات 54 تحت قيادة الأميرال (مورتن ديو) بتحضير دفاعاتها وتجهيز نفسها للاشتباك مع الأسطول الياباني المتجه صوبها، ثم تم سحبها في آخر لحظة لصالح تنفيذ ضربات جوية.
في تمام الساعة الثامنة من يوم السابع من أبريل، رصدت طائرات بحث واستطلاع تابعة لقوات الحلفاء السفينة الحربية (ياماتو)، التي كانت ماتزال في منتصف الطريق باتجاه (أوكيناوا). أطلق الأميرال (ميتشر)، قائد فريق العمليات 58، ضربة جوية بـ280 طائرة مقاتلة وقاذفة قنابل وحاملة طوربيدات، وهكذا بدأت المعركة.

لمدة ساعتين، خضع الأسطول الياباني لقصف جوي لا يرحم، انضمت الطائرات الحربية الخاصة بـ11 حاملة طائرات للمعركة، وقد كانت السماء تعج بالطائرات الحربية لدرجة أصبح الخوف من اصطدامها ببعضها البعض حقيقيا ومؤرقًا.
هرع الطيارون الحربيون لإلحاق الضرر بالسفينة اليابانية ”التي لا تُقهر ولا تغرق“.

خلال هذه المعركة، تلقت السفينة (ياماتو) ضربتين، وسقطت عليها قنبلتان، واصطدم بها طوربيد واحد، بينما غرقت اثنتان من المدمرتان المرافقتان لها.
انضمت آرمادا جوية ثانية للمعركة، والتي كانت تتكون من 100 طائرة حربية. بينما بدأت سفينة (ياماتو) تغرق، غير الطيارون العسكريون التابعون لقوات الحلفاء تكتيكاتهم، حيث لاحظوا أن السفينة بدأت تميل بشكل سيئ، فقام أحد أسراب المقاتلات بتغيير عمق الطوربيدات من 10 أقدام حيث كان مقدرا لها الاصطدام بحزام الدرع الرئيسي، إلى 20 قدمًا حيث كانت لتضرب الهيكل المنخفض الذي أصبح مكشوفًا الآن بعد ميلها.

على متن (ياماتو)، ارتفعت زاوية الميل لأكثر من 20 درجة، فأصدر القبطان قرارا صعبًا للغاية يقضي بإغراق غرفة المحرك الخارجي في الميمنة، وهو ما كان يعني في نفس الوقت إغراق 300 رجل في محاولة لإعادة التوازن للسفينة.
كانت (ياماتو) قد تعرضت لضربات 10 طوربيدات وانفجرت بها سبعة قنابل، وكانت متضررة للغاية.

على الرغم من إغراق الميمنة لإعادة التوازن للسفينة، استمر الميل في الازدياد، وبمجرد أن وصلت لـ35 درجة، منح الأمر بتركها، فقام القبطان والكثير من أفراد طاقم برج القيادة بربط أنفسهم بمراكزهم وغرقوا مع السفينة بينما حاول البقية الهرب والنجاة بحياتهم.
في تمام الساعة 14:23، حدث المحتوم، وانفجرت مخازن الذخيرة الداخلية في السفينة محدثة كرة لهب هائلة الحجم، لقد كانت بمثابة انفجار سلاح نووي.

قام ضابط بحرية ياباني على متن واحدة من المدمرات التي نجت من المعركة لاحقًا بحساب طول عمود النار الصادر عن الانفجار بحوالي 2000 متر، كما بلغت غيمة عش الغراب الناجمة عنه ارتفاع 6000 متر.
تمت مشاهدة وميض إنفجار ”موت ياماتو“ من مدينة (كوغوشيما) على البر الرئيسي، كما تسبب الإنفجار في سقوط عدة طائرات أمريكية كان طياروها يحلقون على مقربة لمشاهدة السفينة وهي تغرق.

عندما انتهى كل شيء، تم تدمير الأسطول الياباني كله تقريبًا. غرقت السفينة الحربية العتيدة (ياماتو) إلى جانب البارجة (ياهاغي) وثلاثة مدمرات، بينما تضررت عدة سفن مرافقة لأضرار بليغة، ومن بين البحارة الـ2700 الذين شكلوا طاقم (ياماتو)، هلك 2498.
كان تدمير السفينة الحربية اليابانية (ياماتو) أمرًا محتومًا، فقد كان واضحًا آنذاك أن عصر السفن الحربية قد ولى وقد تجاوزه ظهور حاملات الطائرات، غير أن إصرار الجنرالات المتعلقين بتكتيكات السفن الحربية والمتشبثين بتكنولوجيا عسكرية ولى زمنها أثر بشكل سلبي للغاية على مسار الحرب بالنسبة لليابان، كما أرسل بآلاف البحارة اليابانيين إلى حتفهم سدًى.

المصدر: موقع National Interest
 
عودة
أعلى