ابتكار البربر.. كيف صنعت فرنسا قومية الأمازيغ وصناعة الصراع بين القومية العربية والقومية الاماريغية
6
شهدت سنوات ما يسمى بالربيع العربي، ربيعاً موازياً للأقليات في الشرق الأوسط، سواء الكرد أو الآشوريين والسريان والكلدان والإيزيديين، وذلك على ضوء المذابح التي قام بها تنظيم داعش حيال تلك الأقليات في سوريا والعراق، ما جعل العالم يهتم بتاريخ وثقافة وحال تلك الشعوب.
إذا كان ذلك هو الحال في ذلك المربع الجغرافي المشتعل الذي يضم حدود مشتركة لسوريا والعراق وإيران وتركيا، ما بين الهضبة الفارسية وهضبة الأناضول والشام وبلاد الرافدين، فإن شمال افريقيا شهد في سنوات الربيع العربي صعوداً لصوت الأمازيغ، وتصاعدت الأصوات المطالبة بتمثيل سياسي للأمازيغ، وشكل أمازيغ ليبيا جناح عسكري شارك في إسقاط نظام القذافي ثم لاحقاً كان للميلشيات الأمازيغية المتعددة في ليبيا حضوراً قوياً في كافة معارك الحروب الأهلية في ليبيا ما بعد القذافي.
وبدأ الإعلام الدولي في حقن تغطيته الصحفية والإعلامية للشرق الأوسط بمواد تعريفة وتاريخية عن الأمازيغ، وصولاً إلى احتفال الإعلام الدولي سنوياً برأس السنة الأمازيغية، وطالب العديد من النشطاء والمثقفين حول العالم بأن يحتفل كل مثقف وداعم للتنوع الثقافي برأس السنة الأمازيغية، كما شهد تلك السنوات العشر ما بين عامي 2010 و2020 مطالب سياسية وحقوقية للأمازيغ في الجزائر وتونس إضافة الى محاولة فاشلة للتمرد العسكري وإقامة دولة شمال مالي.
ولكن من هم الأمازيغ وما هي حقيقة هذه الخصوصية الثقافية؟ إن الإجابة المعتادة أن الأمازيغ هم بدو شمال أفريقيا بل والبعض يجيب بأنهم الشعب الأصلي لشمال أفريقيا، وأنهم حملوا أسماء متعددة مثل “البربر أو الطوارق”، من غرب مصر مروراً بـ ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا وتشاد ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وجزر الكناري (جزائر السعداء قبل الغزو الإسباني)، وأن لغات تلك الجماعات القبائلية كلها تنسب الى لغة واحدة امازيغية وان القبائل والعشائر والبدو في تلك المساحة مترامية الأطراف هم شعب واحد وعرق وجينات واحدة.
سرقة التقويم المصري القبطي
ولكن التاريخ والأبحاث الاثرية تحمل إجابات مختلفة، ففي بادئ الأمر يوضح المؤرخ الفرنسي جون سيرفييه (1918 – 2000) Jean Servier أن التقويم الأمازيغي ما هو إلا التقويم المصري القبطي، وأن بدو شمال أفريقيا تأثروا بالمصريين وسرقوا هذا التقويم من مصر، إضافة إلى أن كلاهما، التقويم القبطي والأمازيغي، هو التقويم اليوناني والروماني مع بعض الإضافات المحلية.
وذلك في كتاب:
Les portes de l’Année. Rites et symboles. L’Algérie dans la tradition méditerranéenne
أما فكرة رأس السنة الأمازيغية، حيث ينص الأمازيغ أنها تاريخ جلوس الأمازيغي “شيشنق” على عرش مصر مؤسساً الأسرة الــ 22 في الحضارة المصرية القديمة، فهو قول مردود عليه تاريخياً، بأنه لا يوجد أي مرجع تاريخي أو دراسة جينية تثبت أن الأسرة الخامسة والعشرين كانت أمازيغية.
الملك المصري “شيشنق” لم يكن ليبياً أو أمازيغياً
ومع البحث وإخضاع تلك النصوص للتدقيق العلمي، يتضح أن الجد السابع للملك “شيشنق” وفقاً لآثار الحضارة المصرية القديمة قد أتى من ليبيا الشرقية، وأن حفيد هذا الجد قد تزوج مصرية، ومنذ فجر هذا التاريخ فإن أبناء هذا الحفيد عاشوا بكامل المواطنة المصرية سواء الدين أو الجيش أو السياسة.
“شيشنق” إذن كان إبن الجيل الخامس لهذا الحفيد الذي تزوج مصرية، وإبن الجيل الثامن لهذا الجد الأكبر القادم من ليبيا الشرقية.
وفى هذا العصر كان قدماء المصريين يطلقون على بدو الصحراء الغربية مصطلح “ليبو” وهو المسمى الذى أطلق لاحقاً على ليبيا، وكانت الصحراء الغربية المصرية في هذا العصر تمتد إلى ما يعرف اليوم بكامل شرق ليبيا، تماماً كما كان يمتد جنوب مصر إلى السودان الحديث اليوم، أي أنه بمقاييس هذا الزمن فإن ليبيا الشرقية لم تكن أرض أجنبية بل كانت مصرية وبالتالي فإنه سواء الجد السابع أو الخامس أو الملك شيشنق فإن الثلاثة مصريين بحسابات عصرهم، وذلك دون أدنى إشارة في كافة آثار الحضارة المصرية القديمة إلى أن الملك شيشنق كان أمازيغي فليس كل ما هو ليبي بالتبعية يعتبر أمازيغي، وهو مصري أباً عن جد وإلا لما دخل الجيش المصري الذي كان حصرياً في هذا الزمان على المصريين فحسب.
وإذا كان الأمازيغ قد استغلوا خطأ تاريخيًا حينما حاول بعض المؤرخين نسب الأسرة الـ 22 المصرية إلى ليبيا، وقد أنفق الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي ثروة طائلة على المؤرخين والمثقفين الغربيين قبل العرب من أجل إقرار هذا النص، فإن فكرة أن رأس السنة الأمازيغية يواكب عيد جلوس شيشنق على عرش مصر فكرة مردود عليها تاريخياً بأنه من غير المعروف أو المعلوم أو الثابت على وجه الدقة يوم تولي شيشنق السلطة، فالمعروف هو السنة وليس اليوم والشهر كما يدعى الامازيغ.
ولكن باحث آخر حمل كافة الشكوك التاريخية حول أساطير الأمازيغ أو البربر وبعد سنوات من البحث والابحار في الوثائق الفرنسية المهملة رغم انها لم تعد سرية، اخرج كتاب “اختراع البربر: التاريخ والأيديولوجية في المغرب” Inventing the Berbers: History and Ideology in the Maghrib عام 2019، انه رمزي روجيهRamzi Rouighi أستاذ مشارك في دراسات الشرق الأوسط بجامعة جنوب كاليفورنيا.
الاستعمار الغربي في المغرب العربي
عرف إقليم المغرب العربي أو شمال أفريقيا عادة حالة من الاستقلال السياسي مقارنة بمناطق الأناضول والشام العربي، وكانت لسلطنة مراكش أو المغرب وضع مستقل وقوى بينما الدول الإسلامية تتعارك في المشرق العربي، وعضد من استقلال المغرب ذلك الاتصال القوى مع دول الإسلام في الأندلس وإيطاليا فشكلت تلك الدول اقليماً مسلماً قوياً بوجه الوسط والغرب الأوروبي الكاثوليكي.
ومع مجيء القرن التاسع عشر وضعف “داي (ملك) الجزائر” و”باي (ملك) تونس” و”سلطان (ملك المغرب) مراكش”، وانشغال مصر بمقاومة التمدد الإنجليزي في الشرق الأوسط وضعف وتواطؤ الدولة العثمانية مع المجتمع الدولي ضد مصر، تقدمت فرنسا وحاصرت العاصمة الجزائرية وأمطرتها بالقنابل واحتلت الجزائر عام 1830، ثم تونس عام 1881، بينما مصر أيضاً تعاني من محاولات إنجلترا للتدخل والاحتلال وهو ما تم عقب أقل من عام من دخول الفرنسيين للعاصمة التونسية، وأخيراً دخل الفرنسيين فاس عاصمة المغرب وقتذاك عام 1912 لتقع المغرب تحت الاحتلال الفرنسي والإسباني إضافة إلى بعض المناطق الخاضعة للاحتلال الألماني والبريطاني، ولاحقاً تقدمت إيطاليا واحتلت ليبيا ليتقاسم الغرب دول شمال أفريقيا مع وجود إنجلترا في مصر والسودان.
ورغم أن الاحتلال الإسباني لعب دورا مؤثرا في المغرب كما أن المغاربة المتعاونين مع مدريد لعبوا دور مهم في الحرب الإسبانية الأهلية ولاحقاً في الجمهورية الإسبانية في سنوات حكم الجنرال فرانكو، إلا أن فرنسا لعبت دور مؤثر سياسياً وثقافياً في بلاد المغرب العربي.
والحاصل أن فرنسا حينما تطلعت لغزو بلدان أفريقيا، كانت تعوض ما خسرته من مستعمرات في القارة الأمريكية الجديدة، فكانت مستعمرات “أفريقيا الفرنسية” عوضاً عن مستعمرات “أمريكا الفرنسية”.
وبحسب الوثائق الفرنسية، فأن شعوب المغرب أو شمال افريقيا كانت شعوباً مجهولة في كل شيء بالنسبة للفرنسيين، ولقد تفاجأ الفرنسيين بترابط ووحدة الشعب المغربي والجزائري والتونسي، أشبه بقومية موحدة تدين بدين الإسلام دون مشاكل عنصرية أو طائفية أو طبقية أو حتى عشائرية أو قبائلية.
المؤرخ الفرنسي ألكسيس دو توكفيل (1805 – 1859) Alexis de Tocqueville، الذي يعد من أهم رموز الليبرالية الفرنسية واليسار الليبرالي، والذي شغل منصب وزير الخارجية كما تولي منصب رئيس إقليم المانش الفرنسي، عبر عن جهل الأنتلجنسيا Intelligentsia الباريسية (أي النخبة الثقافية في باريس) في كتابته “تقرير عن الجزائر” Rapport sur l’Algérie الصادر عام 1847، حيث كتب: “لم تكن لدينا فكرة واضحة عن الأعراق المختلفة التي سكنت البلاد، أو عن عاداتهم، كذلك لم نكن على دراية بأي كلمة من اللغات المنطوقة هناك”. لكن هذا لم يمنعه من الاعتراف بأن “جهلنا الكامل تقريبا بكل هذه الأمور، لم يمثل عقبة أمام انتصارنا، لأن النصر في المعركة حليف الأقوى والأكثر جسارة، لا الأكثر اطلاعا”.
وبعد دراسات ثقافية قام بها مثقفون عملوا في الجيوش الاستعمارية الفرنسية ولاحقاً تم اعتبارهم من رموز الفكر الليبرالي والحريات والحركة الثقافية العالمية، وجد الفرنسيون ان شعوب الدول الثلاث ينظرون الى خصوصيتهم الثقافية باعتبارهم مسلمون دون النظر الى العرق او القومية.
صناعة الصراع بين العرب والبربر في شمال أفريقيا
قرر الغزاة الفرنسيون تقسيم تلك المجتمعات إلى قوميات، وخلق قومية الأمازيغ أو البربر، على ضوء أن اللغة العربية هي السائدة في تلك الدول وبالتالي فإن أفكار القومية العربية حاضرة في نفوس تلك الشعوب ولا تنتظر سوى قومية مضادة تصدح بخطاب انفصالي حتى تتصاعد القومية العربية في النفوس، وهكذا تنجح لعبة فرق تسد في اشغال تلك الشعوب عن مقاومة الاستعمار وعن التوحد في وجه أوروبا ولتصبح شمال أفريقيا في حرب أهلية دائمة وحرب ثقافية واضطرابات شعبية بين قوميتين صنعهم الغرب، القومية العربية وقومية الأمازيغ.
وللمفارقة فإن الوثائق الإنجليزية تتفق مع الفرنسية في هذا المضمار، سبق لعالمة الأثار البريطانية إليزابيث فينتريس بالاشتراك مع المؤرخ مايكل بريت Michael Brett and archaeologist Elizabeth Fentress ان أصدرا عام 1997 كتاب بعنوان “البربر” The Berbers واستعان الكتب بوثائق بريطانية تشير الى ان فرنسا عمدت في شمال افريقيا الى “صناعة قومية معاكسة للقومية السائدة واحساس بالأسبقية الاثنية تؤدى الى اشتباك ثقافي وفكري يفكك الوحدة الوطنية”.
و”لم يكن هنالك مشكلة لدي مفكرين الغرب في إيجاد صلة بين البربر والفرنجة والقوط من أجل تعميق الأصول الثقافية والعرقية للبربر، وإنتاج فكرة أن البربر هم السكان الأصليين لشمال افريقيا والمغرب العربي”، وأن التوصيات الأوروبية للاحتلال الفرنسي سعت إلى صناعة أسطورة أن “البربر هم السكان الأصليين لشمال أفريقيا أصحاب الهيمنة التاريخية”.
وعمد الفرنسيون الى “تهميش شعوب المور (سكان المغرب) والقرطاجية (سكان تونس) والموريتان (سكان موريتانيا) والليبو (سكان ليبيا) واعتبارهم عرب مقابل تضخيم قومية البربر أو القومية البربرية”.
ويشير الكتابين، الفرنسي والبريطاني المشار إليهما في السطور السابقة، إلى أنه لا يوجد تجانس إثني والوحدة الاثنوجرافية او أنثروبيولوجي بين كافة تلك القبائل التي يطلق عليها بربر او امازيغ او طوارق، بمعني انه قبائل أو بدو شمال أفريقيا هم قبائل متفرقة وعشائر لا يجمعها أصول عرقية أو قومية واحدة، وأن أي بحث جاد في هذا المضمار يجد صعوبة في التوفيق بين الجداول الزمنية والأصول العرقية والبشرية والشكل العام والاحياء وفقه اللغة (علم أصول الكلام او اللغويات) والأنثروبولوجيا الفيزيائية وعلم الآثار، والأنثروبولوجيا الثقافية.
ويشير رمزي روجي إلى أنه حينما فشلت فرنسا ومعها إنجلترا في صناعة قومية عرقية، لجأت إلى قومية اللغة، بمعني أنه يتم البحث عن مصدر موحد للغات التي يتحدث بها بدو شمال افريقيا، ولكن – وبحسب الوثائق الفرنسية في الدارسة – أنه لا يوجد لغة أمازيغية واحدة بل لغات متعددة يتحدث بها بدو شمال أفريقيا، وأنه قبل الاحتلال الفرنسي لشمال أفريقيا لم ينظر أحد إلى تلك اللغات واللهجات باعتبارها “ابنة لغة موحدة أو واحدة كانت موجودة يوماً ما” وحتى فرضية وجود لغة أمازيغية كبري أو اللغة الأمازيغية الأم التي خرج منها كافة تلك اللغات فأنها فرضية علمية لم تكن موجودة قبل الاحتلال الفرنسي الذى صنع تلك الفرضيات العلمية بتوصيات استعمارية إمبريالية.
وتشير الدراسات الفرنسية والبريطانية إلى ان كافة القبائل والعشائر الأفريقية في الشمال كان لها استقلال لغوي وثقافي واثني بعيداً عن القبيلة والعشيرة المجاورة، ولكن كما الحال مع كافة لغات العالم، مثلما الحال على سبيل المثال بين اللغة العربية واللغة الإنجليزية، فإن هنالك بعض الكلمات والمصطلحات المتشابهة، ووجد الاستعمار الفرنسي ضالته في هذا التشابه للادعاء بالقول إن هنالك لغة أمازيغية قديمة هي الرابط اللغوي المشترك بين عشرات اللغات واللهجات المستخدمة في شمال أفريقيا.
اللغات المصرية القديمة مصدر اللغات الأمازيغية
وحول أصول تلك اللغات واللهجات الأفريقية المتناثرة يشير رمزي روجي إلى أن الدراسات والوثائق الفرنسية ربطت بين تلك اللغات واللغات المصرية القديمة، وأن التأثر الثقافي واللغوي لبدو شمال أفريقيا بالثقافة المصرية واضح للغاية، وأن أغلب لغات ولهجات بدو شمال أفريقيا التي يطلق عليها اليوم لغات أمازيغية هي نتاج تأثر هؤلاء البدو باللغات المصرية القديمة التي تعتبر اللغة الأم لهذه اللهجات.
وقبل أن يغزو العرب أو المسلمين الأوائل لشمال غرب أفريقيا في القرن السابع، كما يؤكد رمزي روجي، لم يكن هناك بربر بالمفهوم أو الدباجة التي يروج لها البعض اليوم عبر كتب التاريخ، كانت الشعوب الموجودة هي المور والموريتان والموريتانيين والأفارقة والعديد من القبائل والاتحادات القبلية مثل ليوتاي أو موسولامي؛ وقبل العرب لم يعتقد أحد أن هذه الجماعات تشترك في أصل أو ثقافة أو لغة مشتركة.
قبل العرب، كان الرومان ينظرون الى سكان افريقيا بالكامل باعتبارهم “البرابرة” وبالتالي فأن ما فعله الاستعمار الفرنسي هو احياء الفكر والمصطلح والتوصيف الروماني، تماماً كما فعل الاستعمار الغربي عموماً في افريقيا وآسيا حينما اتى بأفكار يونانية ورومانية وقام بإحياء تلك الأفكار لصناعة تاريخ بديل ومزيف لتلك الشعوب.
خطأ تاريخي لدي المؤرخين العرب والمسلمين
العرب أطلقوا البربر على شمال أفريقيا تماما كما أطلق المستعمر الأوروبي على سكان أمريكا الأصليين مصطلح الهنود الحمر، دون أن يعرف أنهم قبائل وشعوب مختلفة، يقول الكاتب أن العرب لو توقفوا عند الغزو في غرب مصر لكان البربر هم غرب مصر فحسب، فإن المصطلح تمدد بالفتوحات الإسلامية وأصبح كل إقليم يغزوه العرب تحت مسمي الفتوحات الإسلامية هو إقليم جديد للبربر.
أما مصطلح أمازيغ فهو مسمى واحدة فحسب من تلك العشائر التي كانت موجودة في المغرب الأقصى في إحدى فترات التاريخ إبان العصر الروماني.
الحقيقة التي توصلت لها الدراسات التاريخية
هكذا يتضح لنا أن بربر أو أمازيغ أو حتى طوارق المغرب هم قبائل وعشائر مغربية لا يربطها أي عرق او لغة او ثقافة او امتداد عشائري او ثقافي أو أمازيغي مع بربر أو أمازيغ أو حتى طوارق الجزائر، كذا الأمر بالنسبة لأمازيغ الجزائر مع أمازيغ ليبيا، كذا الأمر مع بدو الصحراء الغربية المصرية مع طوارق مالي، كذا الأمر مع أمازيغ تونس وطوارق النيجر، هؤلاء البدو لا ينتسبون إلا لشعوبهم وبلدانهم فحسب، لا يوجد أي رابط بينهم اسمه أمازيغية أو بربرة او طوارق، ولكن تلك القومية كانت صناعة فرنسية وبريطانية خالصة، وأن اقصى ما هو ثابت في التاريخ هو أن كلمة بربر أو أمازيغ كانت مصطلح روماني أطلق على مجاهل افريقيا دون أي دراسات ثقافية او لغوية أو عرقية، مجرد إرث استعماري روماني وظفه الفرنسيون والبريطانيين فحسب استغلالاً لأخطاء المؤرخين العرب والمسلمين في فجر حقبة دين الإسلام.
تسليح العرب ضد البربر
ومن أجل تأليب الشعوب المغاربية على بعضها البعض، وصناعة مظلوميات، وحساسيات قومية بين العرب والبربر/الأمازيغ، قام الاحتلال الفرنسي بتأسيس مكاتب العرب bureaux arabes في عام 1844، وهي هيئة إدارية تضم المتواطئون من سكان الجزائر مع الاحتلال، هؤلاء الذين نظروا إلى الاحتلال الفرنسي باعتباره مهمة حداثة وتنوير للمغاربة الجهلة.
ضمت مكاتب العرب جيش من سكان الجزائر شريطة أن يكونوا غير أمازيغ، شاركوا في القمع العسكري جنباً إلى جنب مع الاحتلال الفرنسي، كما ضمت مكاتب العرب مثقفين وكتاب ومفكرين جزائريين عملوا مع الاحتلال وضم هذا التنظيم أيضاً جهاز استخبارات يقوده الفرنسيون لدراسة وفهم مجتمعات شمال افريقيا وبث الفتنة القومية والعرقية بينهم.
مع سقوط الإمبراطورية الفرنسية عقب الهزيمة العسكرية أمام ألمانيا القيصرية في حرب 1870، وقيام الجمهورية الفرنسية الثالثة، عمد الاستعمار الفرنسي إلى معاملة الجميع بغطرسة واعتبار الشعوب المغاربة جنساً أقل من الفرنسيين، فتم حل مكاتب العرب بعد أن ظلت جزءاً من وزارة الحرب (الدفاع) الفرنسية.
إسقاط الجنسية عن العرب والبربر المسلمين
مع سقوط النظام الإمبراطوري الفرنسي وإعلان الجمهورية الثالثة، قدم وزير العدل الفرنسي الجديد أدولف كريمييه Adolphe Crémieux (1796-1880) مشروع منح الجنسية الفرنسية ليهود الجزائر، أما فيما يتعلق بالمسلمين، كان ما يسمى “قانون كريمييه” يشترط على كل مسلم عربي أو بربري – بحسب المسميات الفرنسية – أن يتقدم بطلب مواطنة رسمي فردي أن يتخلى عن الإسلام والعمل بقوانينه بشكل رسمي. ما يعني أن المسلمين شكلوا طبقة أدنى من سكان الجزائر الفرنسية، أفراد بلا حقوق سياسية كاملة.
أدولف كريمييه Isaac-Jacob Adolphe Crémieux كان ناشطاً يهودياً رأى أنه يمكن استخدام يهود العالم أجمع كـ جماعات وظيفية لصالح فرنسا شريطة دمجهم في الثقافة والجنسية الفرنسية، ورأى أن المستهدف الأول لتحويل اليهود إلى جماعة وظيفية تخدم الأجندة الفرنسية هم يهود الدولة العثمانية وبلاد فارس و”جنوب البحر المتوسط المسلم”.
وفى هذا الإطار أسس كريمييه وترأس الاتحاد الإسرائيلي العالمي Alliance Israélite Universelle ومقره حتى اليوم في باريس، ويعد اليوم من أهم المنظمات التي ساعدت في قيام دولة إسرائيل وخدمة الحركة الصهيونية للنظام العالمي باعتبار أن الصهيونية بدورها ما هي إلا جماعة وظيفية تمثل “اليهودية السياسية” الخادمة للاستعمار الغربي والنظام العالمي.
بل وللمفارقة فأن كريمييه قد اضطر للتخلي عن رئاسة المجلس المركزي ليهود فرنسا
Consistoire Central des Israélites de France” (Central Consistory of the Jews of France)
عام 1845 بعد أن تبيَّن أنه سمح لزوجته بأن ينسب أبنائهم للدين المسيحي! ما يجعل المؤرخون يعتبرون نشاطه الحقوقي في أوساط اليهود مجرد محاولة لتجنيد اليهود لصالح أجندة الدولة الفرنسية بينما الرجل لم يكن يهودياً مخلصاً لدينه.
وللمفارقة فأن هذا الرجل الذى سعى لتهويد شمال أفريقيا عموماً والجزائر خصوصاً وإجبار العرب والبربر على ترك دين الإسلام، يصنف باعتباره زعيم ليبرالي وذلك لأنه ساهم كوزيراً للعدل وقبل ذلك عضواً في البرلمان في إلغاء العبودية والرق في المستعمرات والإمبراطورية الفرنسية حتى لقبه المؤرخين بـ “إبراهيم لينكولن فرنسا”!، كما يعد من أهم الشخصيات التي رأت أهمية أن تستخدم فرنسا المنظمات الماسونية حول العالم وعدم تركها للسياسة البريطانية فكان عضواً نشطاً في العديد من الدوائر الماسونية التي تعد بدورها جماعات وظيفية واذرع للمؤامرة تعمل لدي النظام العالمي.
صناعة التطرف المسيحي لدى الأمازيغ
ومع بدء سياسة الاستيطان الفرنسي في شمال افريقيا، وتحويل المواطن الفرنسي إلى مواطن من الدرجة الأولى بينما سكان الجزائر والمغرب وتونس سكان من الدرجة الأدنى، لعب الفرنسيون لعبة أخرى ألا وهى المبشرون الكاثوليك الفرنسيون الذين يذكرون البربر/الأمازيغ بانهم كانوا من أوائل الشعوب التي آمنت بالمسيحية على يد الغزاة الرومان، وأن الفرنسيون كشعب مسيحي روماني يتطلع للتعاون مع الشعب البربري الذي أجبره المسلمون الغزاة على ترك المسيحية وإجباره على دخول دين الإسلام، ولاقى هذا الحديث صدى ثقافي في نفوس الكثير من النخب الأمازيغية وقتذاك التي صنع الاحتلال الفرنسي في خطابها “أجواء الحنين إلى الدين المسيحي” رغم أنه لا حقيقة لهذه الأجواء أو هذا الحنين قبل الغزو الفرنسي لشمال أفريقيا