العلم نور و الجهل عار. هذه المقولة لن يجادلك فيها عاقل. لكن هل تم إستخدام هذه المقولة لاستعباد الشعوب؟
الإنسان خلق ليتعلم، الفطرة الإنسانية تدفعه للاكتشاف و التعلم منذ الشهور الأولى لما بعد الولادة. يمكنني القول ان هذه الرغبة في التعلم مدفوعة بفعل غريزي، و هذا يمكن ملاحظته في سلوك الإنسان البدائي الذي دفعته فطرته للبحث و التطوير.
الجدير بالذكر أن الناس لم يخلقو جميعا ليتعلموا نفس العلوم. فكل شخص لديه قابلية من عدمها لتعلم علوم و جهل أخرى. و هذا ما كان يطبع عملية التعلم في القرون الغابرة، فقد كانت مبنية على الرغبة و الميولات. و كانت "التجربة العملية" عبر الممارسة اليومية هي أفضل وسائل التعلم، كما هو الحال في المهن الحرفية كالتجارة و النجارة و الخياطة و غيرها.
لكن و مع توالي السنون تطورت العملية التعليمية، ليتم تعليبها كما يعلب الطعام الصناعي. فتم خنق حرية التعلم الفطرية داخل حجر المدارس و بين طيات المناهج التعليمية المعدة و المنقحة سلفا.
فجعلنا من المناهج التعليمية الرسمية المصدر الوحيد المقدس للمعلومة. أجبرنا العقول على تجرع محتوى هذه المناهج و حفظها عن ظهر قلب و الإخلاص لمحتواها و إعتباره الحقيقة المطلقة التي لا تجوز مناقشتها أو إنتقادها.
المدارس في أصلها وجدت لتقرب طالبي العلم من غايتهم و تيسر لهم أمورهم. فكانت في نسخها الأولى ساحات تضم بين جنباتها حلقات علم مختلفة. و كان للمتعلم حق الإختيار. إختيار المعرفة التي تتماشى مع رغبته و تروي عطشه، دون أن يكون مجبرا على تلقي علوم لا يرغب فيها و لا تتناسق مع أهدافه في الحياة.
اليوم تغير الحال، فأصبح الجميع مجبرين على تعلم علوم معينة و بطريقة محددة و في زمن موثق. لم تعد العملية التعليمية مبنية على الحرية العلمية، إنما على رغبة الدولة.
الدولة جعلت من المدارس أديرة ( جمع "دير" و هي دار تعلم الشرائع في الديانة المسيحية ) يجبر المتعلمون فيها على حفظ و إستظهار كل ما وضع في المناهج التعليمية. و لم يعد له الحق في الإختيار ( خاصة في العشر سنوات الأولى من المرحلة التعليمية ).
لم يعد له الحق في إنتقاد أو مجادلة مضامين هذه المناهج، بدعوى أنها من الوزارة الوصية على التعليم. فهي أدرى بمصلحة المتعلم، و هي أيضا من يمتلك الحقيقة الكاملة المقدسة.
هذه القوانين الصارمة بالإضافة لأنها تتعارض مع الفطرة التعليمية المبنية على حرية الإختيار بدافع الرغبة، فهي تجهض الحس الإبداعي و النقدي للمتعلم. فليس له رأي و لا حق له في مجادلة محتوى الكتاب. فأصبحت المدارس تفرخ ( من التفريخ ) أجيالا من الببغاوات التي تحفظ م تردد عن غير علم محتوى المناهج التعليمية.
الدول الغير متقدمة جعلت من المدارس سجونا تقبر فيها رغبات و أحلام و إبداعات المتعلمين. فأصبحت مكانا لغسل الأدمغة و تعليمها كل ما يخدم مصالح الأنظمة الإقتصادية و السياسية و العسكرية. فأصبح خلط الأكاذيب بالحقائق و إخفاء هذه الأخيرة مباحا في ظل خدمة مصلحة النظام. فحتى العلوم الفكرية( الفلسفة، التاريخ، المنطق،..) التي لا أحد يمتلك فيها الحقيقة المطلقة. أصبحت مقولبة في كبسولات جاهزة للاستهلاك. و على الطالب إبتلاعها كما هي بدون جدال أو نقاش. فلا يحق للمتعلم التشكيك أو إنتقاد الوقائع و القرارات التاريخية، و في بعض الدول المضطهدة، قد يقودك التفكير خارج المقرر للسجن.
العلوم ليست متشابهة، فهناك علوم يجب تقنين تلقينها و ممارستها على الأقل في المرحلة التعليمية، و هنا أخص بالذكر الطب و قواعد الإنشاء و البناء لأنها حساسة.
لكن بقية العلوم يجب أن تتخلص من القيود و الحواجز. و هنا أخص بالذكر اللغات، التاريخ، الفلسفة، الجغرافيا، الفنون، الفيزياء و الرياضيات. يجب أن تترك للمتعلم حرية الإختيار في ما يخص المواد التي يرغب في تعلمها و كيفية تعلمها. يجب أيضا توفير قدر أكبر من حرية المصادر و عدم حصرها في مناهج تعليمية موضوعة بعناية من طرف الدولة.
المدارس يجب أن تتوفر على قدر كبير من الإستقلال عن الحكومات و سياسة الدولة. فمن المعيب أن تسمع عن دول تضع و تغير سياستها التعليمية بما يتماشى مع مصالح الشركات الأجنبية المتعطشة لليد العاملة الغبية و الرخيصة و المطيعة. فتجعل بذلك من المدارس مصانع لتفريخ اليد العاملة التي تلهث وراء وظيفة "محطمة للطموح و الإبداع" مقابل راتب شهري هزيل بالكاد يسد الرغبات الإستهلاكية و فوائد القروض.
المدارس يجب أن تلغي قدر الإمكان نظام الحفظ و الاختبارات الروتينية التي تقيم ذكاء و مستوى الطلاب بقدر إنسجامهم ( حفظهم ) مع مضامين المقررات الدراسية.
نظام تعليمي يعطي الدرجات العليا لمن يتقيئ على ورقة الإمتحان ( من الأفضل بنفس أسلوب و كلمات المدرس ) ما تضمنته المقررات التعليمية.
حرية التعليم يجب أن تعزز بالعلوم التطبيقية، فالحياة هي أفضل مدرسة و الإختبار الأكثر مصداقية مقارنة مع نظام مبني على التعلم النظري و الإمتحانات التي ينسى حتى الطلبة المتفوقون ما أعدوه من أجلها مباشرة بعد الانتهاء من الإمتحان.
أيها السادة و السيدات، إسمحو لي أن أخبركم أنه من الغباء إجبار الطلبة على حفظ تاريخ إنطلاق الحرب العالمية الثانية.
من المخزي إجبار الطلبة على حفظ تاريخ توقيع معاهدة فرساي في حين يجهلون تاريخ وطنهم.
من الجنون إجبار المتعلمين على حفظ تاريخ إنطلاق الثورة الفرنسية و البلشفية و هم يجهلون أسبابها و دوافعها و فوق ذلك قد يكونون ممن يعيشون في دول غير ديمقراطية.
أيها السادة و السيدات علموا أولادكم ثمن الحرية و ضرورة الحفاظ عليها، أما التواريخ فيمكن البحث عنها عند الحاجة.
و بالحديث عن الحرية فلا خير في مدارس لا يتعلم طلابها مبادئ الحرية المالية و نظام القروض و مخاطرها. لا خير في مدارس لا تشجع على الإستقلال المهني و الإستثمار و تعلم قواعد الادخار و التجارة و المبادلات و المعاملات.
الدول العظمى لا تدفع بشبابها ليصبحوا موظفين حكوميين أو أجراء في القطاع الخاص مهما كانت وظائفهم. إنما تشجعهم على تبني روح الإبتكار و الإستثمار. أما اليد العاملة فهي تتكفل بإستيرادها من الدول الغير النامية التي تم تغيير مناهجها لتفرخ مهندسين و تقنيين بعقلية موظفين مطيعين، غارقين في الديون و لا حلم و لا رغبة لهم في التحرر.
الدول العظمى تؤمن أن المهندس بعقلية المستثمر أفضل للبلاد و العباد من المهندس بعقلية الموظف. فالأول يخلق فرص الشغل و الثاني يبحث عن فرصة للشغل.
للأسف فالانظمة التعليمية في الدول الغير متقدمة محكوم عليها بالفشل. و هذا راجع إما لعدم إستقلاليتها و خضوعها ( كباقي القطاعات ) للتبعية الخارجية أو الداخلية بما يخدم مصلح الأنظمة. أو لأنها موضوعة في يد أشخاص لا تتوفر فيهم شروط الإبداع و التفكير الحر و المعرفة و الحكمة.
ستصبح الدول الغير متقدمة دولا قوية حينما:
- تتوقف عن تقييم و تصنيف طلابها و شبابها بين مجتهد ناجح و كسول فاشل بناء على نتائج الإمتحانات. إمتحانات مبنية على منطق "باضعتكم ردت إليكم". فلا يمكن إختار قدرة السمكة على الطيران مع النسور، و لا يمكن إختبار قدرة النسور على الغوص في أعماق المحيطات مع الحيتان.
- تتوقف عن جعل أنظمتها التعليمية أداة لخدمة الأنظمة الحاكمة. الشعب المتعلم الحر هو أساس الدولة القوية المستقرة.
- تتوقف عن تسخير مدارسها و مناهجها التعليمية لخدمة مصالح الدول القوية، بداية بالغات المدرسة و إنتهاء بمنهجية التدريس.
- تتوقف عن جعل مدارسها مقابر لأحلام و طموحات شبابها.
- تكرس مبدأ التعلم ( قدر الامكان ) على أساس الرغبة و الموهبة و التطبيق و الممارسة العملية. فالبقال أو التاجر الذي لم يدخل في حياته المدرسة الرسمية يمتلك قدرات هائلة في الحساب و التجارة و النقل و التسيير و التسويق في ظرف خمسة عشرة سنة و يحصل بعدها على ثروة و مشروع خاص، في حين يمضي الطالب عشرين سنة في دراسة كل و أي شيء، ليحصل بعدها على دبلوم في إحدى هذه التخصصات ( مع نظرة شمولية لكي لا نقزم من قيمة التخصصات). و يبدأ بعدها رحلة البحث عن وظيفة براتب شهري ( و أحيانا ظروف علم مذلة ) يبدأ بها حياته و يسدد قروضه التعليمية. في حين أنه بنظام تعليمي مركز مبني على الرغبة و الإختبار و التطبيق العملي، كان سيحصل على نفس الدبلوم في ظرف عشر سنوات، بالاضافة إلى إمكانيات و طموحات إستثمارية تشجعه على خلق مشروع بدل البحث عن وظيفة.
(هذا المبدأ يطبق في دول عديدة و أصبح مثالا ناجحا في تخصصات مثل البرمجة و الهندسة المعلوماتية )
- تضمن إستقلالية التعليم المالية و التشريعية و التنفيذية.
- تتوقف عن نسخ و لصق المناهج التعليمية المستوردة بدون علم بخصوصية و ثقافة و ظروف البلد المستورد و المستورد منه.
- تعتبر مسؤولية تعليم المواطنين أمنا قوميا، فهو يحدد مصير أجيال بأكملها و بالتالي مصير الدولة ككل. و بناء عليه يتم وضع هذه المسؤولية في أيدي أشخاص على على قدر عالي من المواطنة و الاستقلالية ( عن الداخل والخارج ) و الغيرة الوطنية. و توفير الظروف الملائمة لاشتغالهم، و ربط عملهم بالمحاسبة.
- تزرع بذور العقلية الإستثمارية في الطلاب، بدل العقلية الإستهلاكية المبنية على التعلم من أجل الحصول على راتب شهري.
- يتوقف إعلامها عن الترويج لصورة الحياة المثالية و السعيدة هي الحصول على وظيفة و شراء شقة و سيارة و إقامة حفل زفاف عن طريق الاقتراض. فهذه أحلام العبودية المالية، و لا تليق بشباب أي دولة ترغب في أن تصبح دولة عظمى.
- حينما تتوقف عن تحويل التعليم لسلعة تتاجر بها المدارس الخاصة المتعطشة للمال و التي لا تعتبر التعليم عملا مقدسا، إنما تجارة مربحة و إن كان على حساب جودة التعليم.
- حينما تتوقف عن السماح لكل من هب و دب بأن يصبح أستاذا و معلما.
- حينما تجعل الأستاذ في مرتبة موظف الأمن القومي، وتضمن له الأمن و الإحترام و سبل العيش الكريم.
- حينما يتوقف الآباء عن إجبار أولادهم على سلك مسارات دراسية لا يرغبون فيها.
- حينما تتوقف شعوبها عن الاقتراض لشراء حلوى رأس السنة، و السفر و شراء آخر أجيال الهواتف. في حين لا تقترض لتوفير تعليم جيد لأبنائها. فإن كان لابد من الاقتراض، فليكن إستثمارا في التعليم الجيد.
كتابة المقال تتطلب ساعات، ترك تفاعل إيجابي "فقط إذا أعجبك المحتوى" يتطلب "ثانية" لكنه يشجع على بقاء الصفحة.
إلى اللقاء.
MBS
الإنسان خلق ليتعلم، الفطرة الإنسانية تدفعه للاكتشاف و التعلم منذ الشهور الأولى لما بعد الولادة. يمكنني القول ان هذه الرغبة في التعلم مدفوعة بفعل غريزي، و هذا يمكن ملاحظته في سلوك الإنسان البدائي الذي دفعته فطرته للبحث و التطوير.
الجدير بالذكر أن الناس لم يخلقو جميعا ليتعلموا نفس العلوم. فكل شخص لديه قابلية من عدمها لتعلم علوم و جهل أخرى. و هذا ما كان يطبع عملية التعلم في القرون الغابرة، فقد كانت مبنية على الرغبة و الميولات. و كانت "التجربة العملية" عبر الممارسة اليومية هي أفضل وسائل التعلم، كما هو الحال في المهن الحرفية كالتجارة و النجارة و الخياطة و غيرها.
لكن و مع توالي السنون تطورت العملية التعليمية، ليتم تعليبها كما يعلب الطعام الصناعي. فتم خنق حرية التعلم الفطرية داخل حجر المدارس و بين طيات المناهج التعليمية المعدة و المنقحة سلفا.
فجعلنا من المناهج التعليمية الرسمية المصدر الوحيد المقدس للمعلومة. أجبرنا العقول على تجرع محتوى هذه المناهج و حفظها عن ظهر قلب و الإخلاص لمحتواها و إعتباره الحقيقة المطلقة التي لا تجوز مناقشتها أو إنتقادها.
المدارس في أصلها وجدت لتقرب طالبي العلم من غايتهم و تيسر لهم أمورهم. فكانت في نسخها الأولى ساحات تضم بين جنباتها حلقات علم مختلفة. و كان للمتعلم حق الإختيار. إختيار المعرفة التي تتماشى مع رغبته و تروي عطشه، دون أن يكون مجبرا على تلقي علوم لا يرغب فيها و لا تتناسق مع أهدافه في الحياة.
اليوم تغير الحال، فأصبح الجميع مجبرين على تعلم علوم معينة و بطريقة محددة و في زمن موثق. لم تعد العملية التعليمية مبنية على الحرية العلمية، إنما على رغبة الدولة.
الدولة جعلت من المدارس أديرة ( جمع "دير" و هي دار تعلم الشرائع في الديانة المسيحية ) يجبر المتعلمون فيها على حفظ و إستظهار كل ما وضع في المناهج التعليمية. و لم يعد له الحق في الإختيار ( خاصة في العشر سنوات الأولى من المرحلة التعليمية ).
لم يعد له الحق في إنتقاد أو مجادلة مضامين هذه المناهج، بدعوى أنها من الوزارة الوصية على التعليم. فهي أدرى بمصلحة المتعلم، و هي أيضا من يمتلك الحقيقة الكاملة المقدسة.
هذه القوانين الصارمة بالإضافة لأنها تتعارض مع الفطرة التعليمية المبنية على حرية الإختيار بدافع الرغبة، فهي تجهض الحس الإبداعي و النقدي للمتعلم. فليس له رأي و لا حق له في مجادلة محتوى الكتاب. فأصبحت المدارس تفرخ ( من التفريخ ) أجيالا من الببغاوات التي تحفظ م تردد عن غير علم محتوى المناهج التعليمية.
الدول الغير متقدمة جعلت من المدارس سجونا تقبر فيها رغبات و أحلام و إبداعات المتعلمين. فأصبحت مكانا لغسل الأدمغة و تعليمها كل ما يخدم مصالح الأنظمة الإقتصادية و السياسية و العسكرية. فأصبح خلط الأكاذيب بالحقائق و إخفاء هذه الأخيرة مباحا في ظل خدمة مصلحة النظام. فحتى العلوم الفكرية( الفلسفة، التاريخ، المنطق،..) التي لا أحد يمتلك فيها الحقيقة المطلقة. أصبحت مقولبة في كبسولات جاهزة للاستهلاك. و على الطالب إبتلاعها كما هي بدون جدال أو نقاش. فلا يحق للمتعلم التشكيك أو إنتقاد الوقائع و القرارات التاريخية، و في بعض الدول المضطهدة، قد يقودك التفكير خارج المقرر للسجن.
العلوم ليست متشابهة، فهناك علوم يجب تقنين تلقينها و ممارستها على الأقل في المرحلة التعليمية، و هنا أخص بالذكر الطب و قواعد الإنشاء و البناء لأنها حساسة.
لكن بقية العلوم يجب أن تتخلص من القيود و الحواجز. و هنا أخص بالذكر اللغات، التاريخ، الفلسفة، الجغرافيا، الفنون، الفيزياء و الرياضيات. يجب أن تترك للمتعلم حرية الإختيار في ما يخص المواد التي يرغب في تعلمها و كيفية تعلمها. يجب أيضا توفير قدر أكبر من حرية المصادر و عدم حصرها في مناهج تعليمية موضوعة بعناية من طرف الدولة.
المدارس يجب أن تتوفر على قدر كبير من الإستقلال عن الحكومات و سياسة الدولة. فمن المعيب أن تسمع عن دول تضع و تغير سياستها التعليمية بما يتماشى مع مصالح الشركات الأجنبية المتعطشة لليد العاملة الغبية و الرخيصة و المطيعة. فتجعل بذلك من المدارس مصانع لتفريخ اليد العاملة التي تلهث وراء وظيفة "محطمة للطموح و الإبداع" مقابل راتب شهري هزيل بالكاد يسد الرغبات الإستهلاكية و فوائد القروض.
المدارس يجب أن تلغي قدر الإمكان نظام الحفظ و الاختبارات الروتينية التي تقيم ذكاء و مستوى الطلاب بقدر إنسجامهم ( حفظهم ) مع مضامين المقررات الدراسية.
نظام تعليمي يعطي الدرجات العليا لمن يتقيئ على ورقة الإمتحان ( من الأفضل بنفس أسلوب و كلمات المدرس ) ما تضمنته المقررات التعليمية.
حرية التعليم يجب أن تعزز بالعلوم التطبيقية، فالحياة هي أفضل مدرسة و الإختبار الأكثر مصداقية مقارنة مع نظام مبني على التعلم النظري و الإمتحانات التي ينسى حتى الطلبة المتفوقون ما أعدوه من أجلها مباشرة بعد الانتهاء من الإمتحان.
أيها السادة و السيدات، إسمحو لي أن أخبركم أنه من الغباء إجبار الطلبة على حفظ تاريخ إنطلاق الحرب العالمية الثانية.
من المخزي إجبار الطلبة على حفظ تاريخ توقيع معاهدة فرساي في حين يجهلون تاريخ وطنهم.
من الجنون إجبار المتعلمين على حفظ تاريخ إنطلاق الثورة الفرنسية و البلشفية و هم يجهلون أسبابها و دوافعها و فوق ذلك قد يكونون ممن يعيشون في دول غير ديمقراطية.
أيها السادة و السيدات علموا أولادكم ثمن الحرية و ضرورة الحفاظ عليها، أما التواريخ فيمكن البحث عنها عند الحاجة.
و بالحديث عن الحرية فلا خير في مدارس لا يتعلم طلابها مبادئ الحرية المالية و نظام القروض و مخاطرها. لا خير في مدارس لا تشجع على الإستقلال المهني و الإستثمار و تعلم قواعد الادخار و التجارة و المبادلات و المعاملات.
الدول العظمى لا تدفع بشبابها ليصبحوا موظفين حكوميين أو أجراء في القطاع الخاص مهما كانت وظائفهم. إنما تشجعهم على تبني روح الإبتكار و الإستثمار. أما اليد العاملة فهي تتكفل بإستيرادها من الدول الغير النامية التي تم تغيير مناهجها لتفرخ مهندسين و تقنيين بعقلية موظفين مطيعين، غارقين في الديون و لا حلم و لا رغبة لهم في التحرر.
الدول العظمى تؤمن أن المهندس بعقلية المستثمر أفضل للبلاد و العباد من المهندس بعقلية الموظف. فالأول يخلق فرص الشغل و الثاني يبحث عن فرصة للشغل.
للأسف فالانظمة التعليمية في الدول الغير متقدمة محكوم عليها بالفشل. و هذا راجع إما لعدم إستقلاليتها و خضوعها ( كباقي القطاعات ) للتبعية الخارجية أو الداخلية بما يخدم مصلح الأنظمة. أو لأنها موضوعة في يد أشخاص لا تتوفر فيهم شروط الإبداع و التفكير الحر و المعرفة و الحكمة.
ستصبح الدول الغير متقدمة دولا قوية حينما:
- تتوقف عن تقييم و تصنيف طلابها و شبابها بين مجتهد ناجح و كسول فاشل بناء على نتائج الإمتحانات. إمتحانات مبنية على منطق "باضعتكم ردت إليكم". فلا يمكن إختار قدرة السمكة على الطيران مع النسور، و لا يمكن إختبار قدرة النسور على الغوص في أعماق المحيطات مع الحيتان.
- تتوقف عن جعل أنظمتها التعليمية أداة لخدمة الأنظمة الحاكمة. الشعب المتعلم الحر هو أساس الدولة القوية المستقرة.
- تتوقف عن تسخير مدارسها و مناهجها التعليمية لخدمة مصالح الدول القوية، بداية بالغات المدرسة و إنتهاء بمنهجية التدريس.
- تتوقف عن جعل مدارسها مقابر لأحلام و طموحات شبابها.
- تكرس مبدأ التعلم ( قدر الامكان ) على أساس الرغبة و الموهبة و التطبيق و الممارسة العملية. فالبقال أو التاجر الذي لم يدخل في حياته المدرسة الرسمية يمتلك قدرات هائلة في الحساب و التجارة و النقل و التسيير و التسويق في ظرف خمسة عشرة سنة و يحصل بعدها على ثروة و مشروع خاص، في حين يمضي الطالب عشرين سنة في دراسة كل و أي شيء، ليحصل بعدها على دبلوم في إحدى هذه التخصصات ( مع نظرة شمولية لكي لا نقزم من قيمة التخصصات). و يبدأ بعدها رحلة البحث عن وظيفة براتب شهري ( و أحيانا ظروف علم مذلة ) يبدأ بها حياته و يسدد قروضه التعليمية. في حين أنه بنظام تعليمي مركز مبني على الرغبة و الإختبار و التطبيق العملي، كان سيحصل على نفس الدبلوم في ظرف عشر سنوات، بالاضافة إلى إمكانيات و طموحات إستثمارية تشجعه على خلق مشروع بدل البحث عن وظيفة.
(هذا المبدأ يطبق في دول عديدة و أصبح مثالا ناجحا في تخصصات مثل البرمجة و الهندسة المعلوماتية )
- تضمن إستقلالية التعليم المالية و التشريعية و التنفيذية.
- تتوقف عن نسخ و لصق المناهج التعليمية المستوردة بدون علم بخصوصية و ثقافة و ظروف البلد المستورد و المستورد منه.
- تعتبر مسؤولية تعليم المواطنين أمنا قوميا، فهو يحدد مصير أجيال بأكملها و بالتالي مصير الدولة ككل. و بناء عليه يتم وضع هذه المسؤولية في أيدي أشخاص على على قدر عالي من المواطنة و الاستقلالية ( عن الداخل والخارج ) و الغيرة الوطنية. و توفير الظروف الملائمة لاشتغالهم، و ربط عملهم بالمحاسبة.
- تزرع بذور العقلية الإستثمارية في الطلاب، بدل العقلية الإستهلاكية المبنية على التعلم من أجل الحصول على راتب شهري.
- يتوقف إعلامها عن الترويج لصورة الحياة المثالية و السعيدة هي الحصول على وظيفة و شراء شقة و سيارة و إقامة حفل زفاف عن طريق الاقتراض. فهذه أحلام العبودية المالية، و لا تليق بشباب أي دولة ترغب في أن تصبح دولة عظمى.
- حينما تتوقف عن تحويل التعليم لسلعة تتاجر بها المدارس الخاصة المتعطشة للمال و التي لا تعتبر التعليم عملا مقدسا، إنما تجارة مربحة و إن كان على حساب جودة التعليم.
- حينما تتوقف عن السماح لكل من هب و دب بأن يصبح أستاذا و معلما.
- حينما تجعل الأستاذ في مرتبة موظف الأمن القومي، وتضمن له الأمن و الإحترام و سبل العيش الكريم.
- حينما يتوقف الآباء عن إجبار أولادهم على سلك مسارات دراسية لا يرغبون فيها.
- حينما تتوقف شعوبها عن الاقتراض لشراء حلوى رأس السنة، و السفر و شراء آخر أجيال الهواتف. في حين لا تقترض لتوفير تعليم جيد لأبنائها. فإن كان لابد من الاقتراض، فليكن إستثمارا في التعليم الجيد.
كتابة المقال تتطلب ساعات، ترك تفاعل إيجابي "فقط إذا أعجبك المحتوى" يتطلب "ثانية" لكنه يشجع على بقاء الصفحة.
إلى اللقاء.
MBS