أوروبا تلهث وراء الولايات المتحدة والصين في معركة الذكاء الاصطناعي التريليوني

madodedo

عضو
إنضم
25 أغسطس 2020
المشاركات
5,845
التفاعل
21,703 181 5
الدولة
Egypt
1410041-552593619.jpeg

كاتب المقال:هشام محمود
. لندن


عند الحديث عن الذكاء الاصطناعي وأهميته، فإن الجميع يجزم وبثقة بأن ذلك حديث المستقبل والمقبل من الأيام، فلا يمكن لنا اليوم أن نرسم خرائط الغد، ونستكشف تفاصيل ملامح وجوه العقود المقبلة، دون أن نقطع بأن للذكاء الاصطناعي دورا متناميا في مختلف مناحي الحياة.
الآمال الاقتصادية المتعلقة بالذكاء الاصطناعى عالية للغاية، حيث يشير عديد من الدراسات إلى أرقام هائلة يمكن أن تضاف إلى الاقتصاد العالمي نتيجة التأثير المحتمل للذكاء الاصطناعى، إذ يقدر بعض الدراسات أن المساهمة قد تراوح بين 13 و16 تريليون دولار بحلول عام 2030، ذلك وفقا لدراسة أعدتها أخيرا، مجموعة من خبراء "دوتشه بنك" الألماني.
وقد لا تحتل المنافسة الدولية في مجال الذكاء الاصطناعي عناوين الصحف أو وسائل الإعلام، بالغزارة ذاتها التي تهيمن بها الحروب التجارية وأسعار النفط ومعدلات البطالة والتضخم، أو تأثير تقلبات الأسواق في أسعار الذهب والمعادن، أو صعود وهبوط أرباح الشركات وخسائرها في وسائل الإعلام.
ومع ذلك فإن المنافسة العالمية واضحة، ويتسارع على مركز القيادة كل من الولايات المتحدة والصين، بينما يواجه الأوروبيون خطرا حقيقيا بتراجع مكانتهم في السباق، إذا لم يتخذوا إجراءات جذرية لتطوير قدرتهم في هذا المجال.
يدرك قادة الاتحاد الأوروبي التكلفة التي يمكن أن تدفعها شعوبهم إذا خسروا السباق، وفي الواقع فإن القارة العجوز، لا تزال - رغم تأخرها عن الولايات المتحدة والصين - في وضع جيد نسبيا للاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي المتاحة لديها، ليس فقط كمستخدم، بل أيضا كمنتج للتكنولوجيا، فلديها مراكز أبحاث ممتازة، وعديد من الشركات الناشئة المبتكرة والرائدة عالميا في مجال الروبوتات والذكاء الاصطناعي، تمتد أنشطتها من صناعة السيارات إلى الرعاية الصحية والطاقة والخدمات وغيرها.
وتشير التقديرات إلى أن أوروبا إذا ما قامت بتطوير ونشر مزيد من القدرات في مجال الذكاء الاصطناعي، فإنه سيكون في مقدورها إضافة نحو 2.7 تريليون يورو أي ما يعادل 20 في المائة إلى ناتجها الاقتصادي بحلول عام 2030.
أما إذا رفعت مستواها في مجال الذكاء الاصطناعي إلى مستوى الولايات المتحدة، فإنها ستكون قادرة على إضافة 3.6 تريليون دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال تلك الفترة.
وتدرك أوروبا أنها في حاجة إلى مزيد من القوى النارية المالية من أجل إغلاق الفجوة الاستثمارية الراهنة في مجال الذكاء الاصطناعي مع الولايات المتحدة والصين، على أن يترافق ذلك مع إيجاد التوازن الصحيح بين التنظيم والقدرة التنافسية لإنشاء نظام أوروبي جماعي قادر على منافسة نظرائه في الولايات المتحدة والصين.
ويقول لـ"الاقتصادية" البروفيسور بن أولدمان الأستاذ السابق في أنظمة الاتصالات في كلية الهندسة في جامعة جلاسكو والاستشاري في الاتحاد الأوروبي، "نقطة القوى التي يستمدها الاتحاد الأوروبي في مجال الذكاء الاصطناعي تأتي في جزء كبير منها من قدرته التمويلية، فعلى مدى الأعوام الثلاثة الماضية ارتفع تمويل الاتحاد الأوروبي للبحث والابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي إلى 1.5 مليار يورو أي بزيادة 70 في المائة مقارنة بالفترة السابقة، مع هذا لا يزال الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي في أوروبا جزءا صغيرا من استثمار القطاع الحكومي والخاص في مناطق أخرى من العالم، ففي عام 2016 استثمرت أوروبا 3.2 مليار يورو في الذكاء الاصطناعي، مقابل 12.1 مليار في أمريكا الشمالية و6.5 مليار يورو في آسيا".
ويضيف "أوروبا في حاجة إلى زيادة مستويات الاستثمار في هذا القطاع الاستراتيجي بشكل كبير إذا أرادت ألا تخرج من المنافسة صفر اليدين"، مشيرا إلى إدراك الاتحاد الأوروبي طبيعة هذا التحدي، والتخطيط لجذب مزيد من الاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي لتصل إلى 20 مليار يورو سنويا خلال العقد المقبل.
مع هذا لا يبدو بعض الخبراء راضين عن الاستثمارات الأوروبية في مجال الذكاء الاصطناعي.
كينث سميث الباحث في هذا المجال يؤكد أن الجانب الإيجابي لاستثمارات الاتحاد الأوروبي في هذا المجال يتمثل في أن الاستثمار الخاص تضاعف أربع مرات بين 2015 - 2019، حيث بلغ أربعة مليارات دولار أمريكي.
لكنه يوضح لـ"الاقتصادية"، بخصوص الجانب السلبي من المشهد، أن فجوة الاستثمار الخاص كرقم إجمالي تتسع بين أوروبا والولايات المتحدة والصين، إذ بلغت مساهمة الاستثمار الخاص في الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة عام 2018 - 2019 ما يقرب من 36 مليار دولار، والصين في حدود 25 مليار دولار، وهذا يعني أن الاتحاد الأوروبي قزم مقارنة بالعملاق الصيني والأمريكي.
من أجل إغلاق تلك الفجوة أعلنت المفوضية الأوروبية، إنشاء "صندوق الاستثمار الأوروبي" برأسمال يقدر بـ410 ملايين يورو لتحفيز الاستثمار في الشركات الناشئة ومساعدتها على التوسع داخل القارة الأوروبية، حيث يطمح الصندوق إلى جمع 2.1 مليار يورو من الاستثمار العام والخاص، وتحفيز استثمارات بقيمة 6.5 مليار يورو في شركات ناشئة جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي.
مع هذا فإن الأرقام الرسمية المعلنة للاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي في الاتحاد الأوروبي العام الماضي، أقل بكثير من المستويات المستهدفة من قبل الاتحاد.
ومن المتوقع أن يزداد وضع الأوربيين سوءا خلال العام الجاري، في ظل عدم صمت الولايات المتحدة بعد أن زادت الصين استثماراتها في هذا المجال للعام المالي 2020، ومن المقرر أن تنفق الحكومة الأمريكية مليار دولار على الذكاء الاصطناعي في المجال غير العسكري و4.9 مليار للأبحاث العسكرية، بينما أعلنت رفع إنفاقها في هذا المجال إلى ملياري دولار في المجال غير العسكري عام 2021.
ويقول كينث سميث، "إذا أخذنا في الحسبان، أكبر أربع دول أوروبية اقتصاديا، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، وإسبانيا - وسنترك المملكة المتحدة جانبا لأنها ستغادر الاتحاد بنهاية العام كما هو مقرر ومتوقع - فسنجد أن المشهد سيئ للغاية، فتلك الدول الأربع تمثل معا ثلثي الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي، بينما لا تقارن مخصصاتها المالية لمجال الذكاء الاصطناعي بالولايات المتحدة والصين".
ويضيف "في عام 2018 أعلنت فرنسا إنفاق 1.5 مليار يورو بحلول عام 2020 على الذكاء الاصطناعي في القطاعين العسكري والمدني، وألمانيا أعلنت تخصيص ثلاثة مليارات يورو لهذا المجال حتى عام 2025، ثم تراجعت لاحقا ورصدت مليار يورو فقط حتى عام 2023، أما إيطاليا وإسبانيا فلا ميزانية واضحة لاستثماراتهما في الذكاء الاصطناعي، وهذا يعني أن الدول الرائدة في الاتحاد الأوروبي بعيدة للغاية عن الولايات المتحدة والصين".
خبراء آخرون لا ينكرون أهمية ضخ مزيد من الاستثمارات في قطاع الذكاء الاصطناعي إذا أرادت أوروبا أن تحافظ على موقعها، لكنهم يعتقدون أن للمشكلة بعدا آخر.
الدكتورة إيما ماكملون أستاذة تكنولوجيا الروبوتات في جامعة كامبريدج تؤكد لـ"الاقتصادية" أن المشهد البحثي الأوروبي في هذا المجال مجزأ وتنافسي، ولا يصل إلى المستوى الضروري لمنافسة المراكز الدولية الرائدة، إذ لا بد من إيجاد مزيد من التآزر والشبكات التكاملية بين مراكز الأبحاث الأوروبية المتعددة، فبدون أن تتحول المراكز الأوروبية إلى مرجعية عالمية في هذا المجال، لن تفلح في جذب مزيد من الاستثمارات وستفشل في استقطاب أفضل المواهب.
لكن هل يمكن لقوى السوق والدعوات التي يروج لها البعض بعدم تدخل الدولة اقتصاديا، وترك الأمور لقوى العرض والطلب والمزايا النسبية لكل دولة على حدة، هل تكون تلك الرؤية فعالة بالنسبة إلى الأوروبيين وتساعدهم على ردم الفجوة الراهنة مع الجانب الأمريكي والصيني في واحد من أخطر المجالات الصناعية مستقبلا؟
من جهته، ينتقد الدكتور سيورت بارتن أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة كامبريدج، الدعوات المنادية بترك هذا المجال لقوى السوق والعرض والطلب، لتنظيمه وتطويره.
ويقول لـ"الاقتصادية"، "ستخرج أوروبا تماما من المنافسة إذا اعتمدت على قوى السوق أو القطاع الخاص في هذا المجال الاستراتيجي، فالبنية التحتية لوادي السيليكون التي أسهمت في تقدم الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي لا يمكن تكرارها في الاتحاد الأوروبي، إذ لا يمكن تطوير هذا القطاع أوروبيا إلا من خلال نهج قائم من أعلى إلى أسفل".
ويشير إلى أن الدولة ستكون اللاعب والموجه الرئيس لهذا القطاع أوروبيا، حيث إنه ربما لا تكون بحدة المركزية الصينية بحكم نموذجها الاقتصادي العام القائم على السوق، لكن من المؤكد أنها لن تفلح في تكرار التجربة الأمريكية.
 
عودة
أعلى