وايضا
سادة الحروب: أشهر عشرة قناصة في التاريخ العسكري
فبراير 28, 2015
الرجل الظل:- يراقب دائمًا من بعيد، يتحرك في خفة، محاذرًا أن يكتشف أحدهم مكمنه، يجيد التخفي، يتوحد مع البيئة المحيطة به، يحسب سرعة الرياح واتجاهها، يقف متحفزًا أو يستلقي متابعًا فريسته وهو يضبط إعدادات بندقيته.
يعمل في هدأة الليل أو في صخب النهار، يشارك في تأمين القوات المهاجمة، أو يحمي ظهور المهاجمين، يهابه الجميع، ويتحسبون لوجوده، هو البطل الخفي، نادرًا ما يراه أحد في ميدان المعركة أو خارجه.
يتنافسون فيما بينهم، يتباهى الواحد منهم بعدد الرؤوس التي حصدها، يخدم معظمهم أوطانهم وبعضهم يعمل لصالحه الشخصي، وبرغم ذلك يفسح التاريخ مكانًا لائقًا لأولئك وهؤلاء، ممن ارتضوا أن يكونوا مجرد ظلال لا يتقدمون الصفوف، ولا يعرفهم غالبية الناس رغم أنهم صانعو المجد الحقيقيون.
ها هنا محاولة للتعريف ببعضهم، لتسليط الضوء على أشهرهم، وإبراز الدور الهام والحاسم الذي قاموا به في تقرير مصائر صراعات، وحسم نتائج حروب، ورغم خلو القائمة من اسم عربي، ورغم السمعة السيئة التي اقترنت في أذهان المصريين بلقب القناص ومهنته، إلا أن ذلك لن يجرد القناص الحقيقي من شرفه، ولن يجرم رصاصاته إذا ما انطلقت من فوهة بندقيته تجاه صدور الأعداء، لا قلوب وعيون أبناء وطنه.
(10) الأيرلندي وتصويبته المذهلة “Thomas Plunkett”
توماس بلانكيت أول جندي أيرلندي ينضم إلى كتيبة القناصة البريطانيين 95، وتعود لحظة مجده إلى معركة “كاكابيلوس” Cacabelos عام 1809؛ حيث استطاع بلانكيت إصابة الجنرال الفرنسي أوجست ماري فرانسوا كولبير في مقتل، وذلك من مسافة تقارب الستمائة متر وبدقة مذهلة، وبالنظر إلى ما كانت بنادق القناصة تتسم به من عدم دقة في التصويب في ذلك الوقت، فقد بدا للجميع أن بلانكيت إما أن يكون قناصًا فذًّا لا يشق له غبار، أو مجرد محظوظ لا أكثر.
الأمر الذي دفع بلانكيت لتكرار الأمر، فأعاد تعبئة بندقية قنصه من طراز بيكر، وصوب مرة ثانية فأصاب مقاتل برتبة رائد كان قد أسرع لمعاونة جنراله المصاب، وعندما أصابت رصاصته هدفها للمرة الثانية على التوالي، اكتفى بلانكيت بذلك وتراجع ليرى أثر ما فعل على وجوه رفاقه من أفراد الفرقة 95، وكان للذهول المرتسم على ملامحهم أن يرضي كبرياء بلانكيت، ويقر بمهارته الفذة كقناص من طراز فريد.
(9) الرقيب جريس والفرقة الرابعة مشاة “Sgt Grace &4th Georgia Infantry”
هل مات هذا الرجل بالفعل؟ هكذا تساءل الجنرال يوليسيس إس. جرانت مشككًا في احتمال وفاة الرجال من أمثال جريس هذا القناص العظيم.
ما بين السخرية وعدم التصديق جاءت تصويبة جريس قناص الفرقة الرابعة مشاة من فرق الجيش الجنوب أمريكي أثناء الحرب الأهلية الأمريكية، وكان الهدف المصاب هو الجنرال جون سيدويك القائد العسكري لقوات الشمال، بعد بدء المناوشات فيما عرف بمعركة سبوتسلفانيا “Spotsylvania”.
في بدء المعركة اضطر قناصة جيش الانفصاليين الجنوبيين، جنود سيدويك للاختباء بعد أن أمطروهم بوابل من الرصاص، سارع الجنود للاحتماء واتخاذ السواتر، وقد سخر جنرالهم منهم قائلًا: “ماذا؟ أتفزعون لمجرد إطلاقهم لعدة رصاصات، فماذا أنتم فاعلون عندما يفتحون النار على طول خط المواجهة، أشعر بالخزي منكم”، بينما استمر رجاله في اتخاذ السواتر، تابع الجنرال مستهترًا: “ليس بمقدورهم حتى إصابة الفيلة من هذه المسافة؟”، وما هي إلا ثوانٍ وأصابت رصاصة الرقيب جريس الجنرال سيدويك أسفل عينه اليسرى تمامًا.
كانت عين الجنرال على بعد ألف ياردة من فوهة بندقية جريس من طراز وزورث البريطاني”British Whitworth”، وهي مسافة بعيدة جدًا بمقاييس ذلك الزمان.
كان الجنرال سيدويك صاحب أعلى رتبة عسكرية تلقى حتفها في صفوف جيش الشماليين “جيش الاتحاد”، وبإصابته جعل الرقيب جريس من تاريخ التاسع من مايو عام 1864 تاريخًا مشهودًا لكل من يأتي على ذكر الحرب الأهلية الأمريكية، وأبرز قناصيها، وبالطبع أبرز ضحاياها.
(8) تشارلز “تشاك” ماوهيني “Charles’Chuck’Mawhinney”
أحد أعظم قناصة حرب فيتنام، بمعدل 103 إصابة قاتلة مؤكدة، متفوقًا على قناص مشاة البحرية الأمريكية الأسطورة كارلوس هاثكوك “Carlos Hathcock”، حقق تشارلز هذا المعدل المذهل خلال ستة عشر شهرًا، وبرغم انضمامه للمارينز في سن الثامنة عشرة عام 1967، إلا أن دور ماوهيني لم يكشف عنه للعامة سوى بعد عشرين عامًا من انتهاء الحرب، ومن خلال كتاب تحدث مؤلفه باستفاضة عن مهارات تشارلز المبهرة كقناص، والتي لم يكن الكثيرون حتى من رفاق سلاحه يعلمون شيئًا عنها.
إثر ذلك عمل تشارلز كمحاضر في مدارس تعليم القنص، ناقلًا للأجيال الجديدة خلاصة خبراته العريضة كقناص من الفئة الأولى.
“كانت رحلة صيد في المطلق، رجل يقنص رجلًا آخر فيما يحاول هذا الأخير قنصي أنا، لا تحدثني عن صيد الأسود والفيلة، فهؤلاء لا يردون نيرانك ببنادق قنص ومناظير، فقط أحببت الأمر، تشبعت به” كانت هذه كلمات تشارلز.
(7) روب فيرلونج “RobFurlong”
صاحب أطول تصويبة قاتلة مؤكدة في تاريخ القنص، ويبلغ مداها ميل ونصف الميل، أي ما يعادل ألفين وأربعمائة وثلاثين مترًا “طول ستة وعشرين ملعب كرة قدم”.
ويرجع تاريخ تحقيق هذا الرقم لعام 2002، حينما كان العريف السابق بالجيش الكندي روب فيرلونج مشتركًا في العملية “أناكوندا”، لملاحقة مجموعات عسكرية تنتمي لتنظيم القاعدة، وباستخدام بندقيته من طراز “ماكميلان تاك 50 – McMillan Tac-50″، ولدى رؤيته لمجموعة من ثلاثة أشخاص تتحرك على جانب الجبل في المنطقة المكلف بمراقبتها، سارع روب بإطلاق النار فأخطأ في المرة الأولى، وأصاب حقيبة ظهر أحدهم في المرة الثانية، لكن التصويبة الثالثة أصابت هدفها، وبرغم أن الوقت الذي تستغرقه الرصاصة للوصول لهدفها إذا كانت المسافة بعيدة يقارب ثلاث ثوانٍ، وبرغم أن المجموعة المستهدفة انتبهت مع الطلقة الثانية لتعرضها للهجوم، إلا أن الرصاصة الثالثة استقرت رغم كل هذا في صدر من كان قائدًا لهذه المجموعة.
(6) فاسيلي زايتسيف “Vasily Zaytsev”
“حسنًا كانت أعظم جائزة أحصل عليها، منظار بندقية القناص الألماني إيروين كونيج”Erwin Kónig”، الذي أرسلته القيادة الألمانية للقضاء علىَّ”.
كان إقرار القناص السوفيتي زايتسيف بهذه الحقيقة، تعبيرًا عن نشوته بالخسائر البشرية الكبيرة التي ألحقها بصفوف جنود جيش الرايخ الثالث، بطل معركة ستالينجراد الأسطوري، كان يعمل كمجرد موظف عادي في البحرية السوفيتية، إلا أنه ومع احتدام الصراع في المدينة المسماة باسم الزعيم الأشهر جوزيف ستالين، طلب التطوع والخدمة في الصفوف الأمامية للمعركة، وكان هذا من سوء طالع الألمان دون شك.
فقد حقق زايتسيف معدل إصابات قاتلة ومؤكدة وصل لحوالي مائتين واثنين وأربعين إصابة في الفترة ما بين أكتوبر 1942 ويناير 1943، فيما تشير تقارير إلى أن العدد الحقيقي قد يصل لخمسمائة إصابة.
ومن المحتمل أن يكون زايتسيف أكثر المتواجدين في قائمة الأعظم شهرة، لا لمهارته فحسب، وإنما لأن هوليوود عرفت العالم به عبر واحد من أشهر أفلام الحروب وهو فيلم”Enemy At The Gates” ، وبرغم عدم التزام سيناريو الفيلم بالتفاصيل الحقيقية لما حدث بشكل كامل، إلا أن أداء جود لو وإد هاريس كان سببًا في منح الخلود لسيرة هذا القناص الفذ.
افتتح زايتسيف بعد ذلك مدرسة لتعليم القنص، ووصل عدد من قتلهم تلاميذ الأرنب – وهذا لقبه- إلى ثلاثة آلاف من جنود الأعداء، وهو ما يضاف للسجل الحافل للأرنب السوفيتي الذي لا يرحم.
(5) ليودميلا بافليتشينكو “LyudmilaPavlichenko”
المرأة التي حازت مجدًا كان قاصرًا على الرجال، من النادر أن تجيد امرأة مثل هذا العمل القاسي والعنيف والمتنافر بطبيعته مع طبيعة الأنثى وتكوينها، لكن الاجتياح الألماني لروسيا في أوائل أربعينيات القرن الماضي، دفع بالفتاة ذات الأربعة والعشرين ربيعًا للالتحاق بمشاة الجيش السوفيتي.
وباستخدام بندقيتها من طراز موسن ناجنت “a Mosin-Nagant bolt action rifle”، أسقطت ليودميلا مائة وسبعة وثمانين جنديًّا ألمانيًّا خلال المعارك في أوديسا، ولما أعيد توزيع القوات أمضت ما يقارب الثمانية أشهر في سيفاستوبول بشبه جزيرة القرم، حيث قتلت مائتين وسبعة وخمسين جنديًّا من جنود العدو، ولإنجازها هذا فقد تم ذكر اسمها من قبل مجلس الجيش الجنوبي ضمن أبرز مقاتلي الحرب.
بلغ إجمالي عدد إصابات ليودميلا القاتلة المؤكدة في الحرب العالمية الثانية ثلاثمائة وتسع إصابة، من بينهم ستة وثلاثين قناصًا!! وهو رقم يتوقف عنده المختصون طويلًا، انبهارًا بمقدرة ليودميلا على العصف بخصومها.
(4) العريف فرانسيس بيجاماجابو “Corporal Francis Pegahmagabow”
أعجوبة الحرب العالمية الأولى، قتل ثلاثمائة وثمانية وسبعين جنديًّا ألمانيًّا، وأسر ما يزيد على ثلاثمائة جندي ألماني، حصل على ميدالية التفوق العسكري ثلاث مرات، وتعرض لإصابتين كادتا أن توديا بحياته، ورغم ذلك فإن محارب قبيلة أوجيبوا، والمقاتل في صفوف الكنديين طواه النسيان بعد انتهاء الحرب وعودته إلى كندا.
لم يكتفِ فرانسيس بذلك، وإنما لعب دورًا حاسمًا في إيصال الرسائل من وإلى قيادته رغم وطأة هجوم العدو، وتوجيه جهود الإغاثة حينما كان قائده مصابًا، بل والحصول على ذخيرة لوحدته العسكرية حينما كان مخزونها على وشك النفاذ.
كل ذلك لم يكن كافيًا ليحصل الرجل على التقدير المستحق بعد أن وضعت الحرب أوزارها، ما يؤكد العنصرية التي يعامل بها من يرجع أصلهم للهنود الحمر في أمريكا الشمالية، ولكن تاريخ عظماء القناصين حفظ له مكانته اللائقة كأحد أبرز قناصي الحرب العالمية الأولى بشكل خاص، وقناصي الحروب عمومًا.
(3) أديلبرت ف. والدرون “Adelbert F. Waldron”
يحمل والدرون الرقم القياسي لصاحب أكبر عدد من الضحايا لقناص أمريكي في التاريخ، مائة وتسع إصابة قاتلة مؤكدة، ليس هذا فحسب سبب شهرته، أضف إلى ذلك دقته الفائقة في التصويب، ولا سيما من منصة متحركة وهو الوضع الأصعب على الإطلاق لأي قناص.
ويروي العقيد مايكل لي لاننج “Col. Michael Lee Lanning” في كتابه “في المرمى، القناصة في فيتنام”، موقفًا للتدليل على مقدرة والدرون الفائقة، وموجز الأمر أن والدرون تعرض هو ورفاقه أثناء اجتيازهم لنهر ميكونج بقارب من طراز تانجو المخصص لنقل الجنود المسلحين، لهجوم من قبل أحد جنود الفيتكونج الفيتناميين، وفي الوقت الذي ساد الذعر أرجاء المركب، وجه والدرون بندقيته وأطاح بقناص العدو، من أعلى شجرة لجوز الهند بطلقة واحدة فقط.
من المستحيل تخطي هذا المستوى من دقة التصويب وإتقانه، برغم صعوبة وضعية القنص وخطورتها، وعلى من يرى غير ذلك أن يتقدم ليرينا مهارته، هكذا كان لسان حال لاننج ووالدرون بالطبع.
(2) القناص ذو الريشة البيضاء “Carlos Norman Hathcock II”
وضع قادة جيش فيتنام الشمالية جائزة مالية تقدر بثلاثين ألف دولار ثمنًا لرأس هذا الرجل، فقد قتل ما يقارب ثلاثة وتسعين جنديًّا فيتناميًّا خلال الحرب.
فهاثكوك فضلًا عن كونه صاحب سجل من أعظم سجلات القناصة في مشاة البحرية الأمريكية، إلا أنه يمتاز فوق ذلك بكونه صاحب أشهر تصويبة في تاريخ القناصة عمومًا؛ حيث انطلقت رصاصته من مسافة بعيدة، لتخترق عدسة منظار قناص فيتنامي أذاق الجنود الأمريكيين صنوف العذاب، وقال هاثكوك إنه لاحظ انعكاس الضوء على منظار القناص العدو، وفي جزء من الثانية أطلق رصاصته، التي ما كان لها أن تصيب هدفها بهذه الدقة لو لم يكن القناصان يتطلعان لبعضهما في نفس اللحظة.
كان اسم هاثكوك مرادفًا لصاحب الريشة البيضاء، فدائمًا ما كان يحتفظ بواحدة فوق رأسه، إلا أن المهمة الوحيدة التي تخلى فيها عن هذا التقليد كانت أعظم مهمة قام بها على الإطلاق.
أولًا لنضع في اعتبارنا أنه تطوع للقيام بالمهمة، ثانيًا كان لزامًا على هاثكوك أن يزحف لمسافة تجاوز الألف وخمسمائة ياردة داخل أرض العدو ليطلق النار على القائد العام للجيش الفيتنامي الشمالي، ثالثًا المعلومات التفصيلية الخاصة بالمهمة لم ترسل إليه إلا وهو في الطريق لتنفيذ مهمته، رابعًا استغرقت المهمة أربعة أيام وثلاث ليالٍ وهو يزحف بوصة فبوصة، تعرض أثناء ذلك للدغة من أفعى سامة، بل إن أحد الجنود الفيتناميين داس على رأسه دون الانتباه لحقيقة من داس عليه.
برغم كل ذلك، لم يفزع هاثكوك ولبث في موضعه متخذًا وضعيته للتصويب، وما أن وصل القائد العام حتى عاجله بتصويبة في صدره أودت به في الحال، بدأ الجنود يبحثون بجنون عن صاحب التصويبة، إلا أن هاثكوك زحف عائدًا من حيث جاء، ولم يستطيعوا أبدًا العثور عليه.
(1) الموت الأبيض “SimoHäyhä”
سيد القناصين، أسطورة الأساطير، ومضرب الأمثال في عالم الحروب،
الفنلندي سيمو هايا، من قتل وحده أكثر من سبعمائة جندي وضابط سوفيتي،
خمسمائة وخمسة ببندقية قناصة، ومائتين بمدفع رشاش، كل ذلك في أقل من مائة يوم، فهو صاحب أعلى معدل للإصابات القاتلة المؤكدة في أي حرب على مدار التاريخ.
بدأ هايا المولود في بلدية روتجارفي “Rautjärvi”، خدمته العسكرية في عام 1925، إلا أن مهامه كقناص بدأت أثناء حرب الشتاء بين روسيا وفنلندا في عام 1939.
عمل سيمو هايا في ظروف شديدة القسوة، تنوعت بين درجات حرارة منخفضة جدًا وصلت إلى 40 سيلزيوس، والقيام بمهامه وحيدًا دون معاونة من أحد، فعلى مدار ثلاثة أشهر كاملة، كان هايا يقتنص الجنود الروس بمفرده.
في البدء كان الجنرالات الروس غير مهتمين بسقوط أعداد كبيرة من الجنود فهكذا تمضي وتيرة الحرب، إلا أنهم فقدوا صوابهم تمامًا حينما علموا أن من السبب في سقوط كل هؤلاء الضحايا هو رجل واحد فقط.
قرروا اتخاذ إجراء حاسم فأرسلوا بدورهم قناصًا لمجابهة هايا، وحينما عاد إليهم جثمان قناصهم، قرروا إرسال فريق بأكمله، لكن عدد الضحايا تزايد دون العثور لهايا على أثر، فأمر الجنرالات بدك المنطقة التي يتمركز فيها القناص الفنلندي بالمدفعية دون نتيجة حاسمة.
هايا لم يكن قناصًا عاديًّا، كان يعرف جيدًا بيئته التي يقاتل على أرضها ويجيد التوحد معها، كما أنه استعان ببندقية معدلة من طراز M28 لتناسب قصر قامته التي لم تتجاوز المتر وستين سنتيمترًا، ومنظار حديدي يساعد على التصويب بدقة أكبر ولا يعرضه للانكشاف إذا ما انعكست عليه أشعة الشمس أو صدر عنه وهج ولو ضئيل، كان هايا يحيط فوهة بندقيته بالثلج فلا يتناثر الثلج حينما يطلق رصاصته، فيحافظ بذلك على سرية موقعه، كما أنه تعود ملء فمه بالثلج حتى لا تتكثف أنفاسه وتفضح موقعه، وعلى رأس كل هذه الاحتياطات معطفه الأبيض الشهير، الذي جعل منه مجرد قطعة ثلج بيضاء لا يمكن تمييزها عما يحيط بها.
وقضت سخرية القدر أن يفلت هايا من ذلك كله، وتصيبه رصاصة طائشة أطاحت بفكه السفلي تمامًا، إلا أنه ظل على قيد الحياة، فقط دخل في غيبوبة طويلة لمدة شهر، واستفاق تحديدًا يوم إعلان السلام وانقضاء الحرب بين روسيا وفنلندا.
نال هايا الكثير من التكريمات فقد حصل على صليب الحرية من الدرجة الثالثة والرابعة، وميدالية الحرية من الدرجة الأولى والثانية، وصليب معركة كوللا وهي المنطقة التي دارت فيها رحى الحرب بين الجيشين، كما أن هايا الجندي الوحيد الذي تمت ترقيته من رتبة عريف إلى ملازم أول مباشرة في سابقة عُدت الأولى من نوعها في تاريخ فنلندا العسكري، وأعتقد أننا أصبحنا نعرف السبب وراء ذلك