في 17 فبراير من العام 2009، تسلمت البحرية الأمريكية أول رأس حربي مُجدد من طراز (دبليو 76). يعد (دبليو 76) حمولة نووية توضع فوق صواريخ (ترايدنت 2) التي تحملها غواصات أمريكية من فئة (أوهايو). تمثل هذه الصواريخ، على هذا النحو، جزءًا مهمًا من الترسانة النووية للبلاد. استغرق تجديد صواريخ (دبليو 76) القديمة وقتًا أطول بكثير مما كان متوقعًا في الأصل لأنه بمجرد أن فتح المهندسون الرؤوس الحربية القديمة وجدوا مادة أطلقوا عليها الاسم الرمزي «مخزن الضباب». لم يكن لديهم أي فكرة عن كيفية صناعة نسخ عنها.
بدأ لغز «مخزن الضباب» في أواخر السبعينيات من القرن العشرين، وذلك في مبنى يطلق عليه اسم «المنشأة 9404-11» على أرض مجمع «واي–12» في أوك ريدج بولاية تينيسي. انبثق موقع أوك ريدج من مشروع مانهاتن الأصلي وأصبح أحد المنشآت السبعة التي تشكل مجمع الأسلحة النووية الأمريكي (وهي عبارة تنذر بالسوء صاغتها الحكومة، واستولى عليها اليسار المناهض للأسلحة النووية بابتهاج).
صُنِّف كل شيء تقريبا حول «مخزن الضباب» على أنه سري، لكننا نعلم من مصادر رسمية غير سرية أن مادة «مخزن الضباب» قد صُنعت في «المنشأة 9404-11» من عام 1975 حتى عام 1989، حين انتهت عملية بناء الدفعة الأخيرة من صواريخ دبليو 76. هُجر المبنى بعد ذلك، وكان من المقرر إيقاف تشغيله بحلول عام 1993، تاركًا وراءه مصنعًا تجريبيًا استُخدم لإنتاج مجموعات صغيرة من «مخزن الضباب» لأغراض الاختبار فقط.
لكن الرؤوس الحربية، مثل المواد الأخرى، لها عمر تشغيلي. في عام 1996، أدركت الحكومة أن أجزاء كبيرة من ترسانتها النووية ستحتاج إلى الاستبدال أو التجديد أو أنها ستُحسب من الخدمة. ردًا على ذلك، بدأت وزارة الطاقة برنامج تجديد بهدف إطالة عمر الأسلحة القديمة. في عام 2000، استقرت الإدارة الوطنية للأمن النووي، وهي فرع من وزارة الطاقة ومسؤولة عن الأسلحة النووية، على خطة إطالة عمر صواريخ دبليو 76 والتي من شأنها أن تبقيها في الخدمة حتى عام 2040 على الأقل.
أدركت الإدارة الوطنية للأمن النووي على الفور أن «مخزن الضباب» يمكن أن يكون مشكلة لأنه، كما ذكر مكتب المساءلة الحكومي في وقت لاحق، ”احتفظوا بسجلات قليلة للعملية حين أُعدت المواد في الثمانينيات من القرن العشرين، وكان جميع الموظفين تقريبًا من ذوي الخبرة في الإنتاج قد تقاعدوا أو غادروا الوكالة“. نظرت الإدارة الوطنية للأمن النووي لفترة وجيزة في إنشاء بديل «لمخزن الضباب»، لكنها قررت في النهاية أنه نظرًا لأنهم قاموا بذلك من قبل، سيكونون قادرين على فعل ذلك مرة أخرى.
لكن «مخزن الضباب» أثبت أنه معقد للغاية. مع اختفاء «المنشأة 9404-11»، كان من المطلوب إنشاء مقر إنتاج جديد. كانت هناك تأخيرات في عملية البناء، وظل المهندسون المحبطون يفشلون في إنتاج نسخة قابلة للاستخدام من المادة الغامضة. مع مرور المواعيد النهائية وتأجيل الجدول الزمني مرارًا وتكرارًا، قررت الإدارة الوطنية للأمن النووي في النهاية، إذا فكرت في الأمر، أنها ستستثمر 23 مليون دولار في محاولة للعثور على بديل لمادة «مخزن الضباب».
وجد المهندسون بعض النجاح وتوصلوا إلى عملية مبدئية لصنع «مخزن الضباب»، وهو الأمر الذي حدث في مارس عام 2007. لكنهم واجهوا بعض المشاكل حين أُجريت الاختبارات النهائية على المادة. في سبتمبر عام 2007، رفعت الإدارة الوطنية للأمن النووي مشروع «مخزن الضباب» إلى حالة «رموز الطوارئ»، مما جعله أولوية رئيسية للوكالة. لكن هذا الجهد فشل أيضًا.
بعد مرور عام -ومع إنفاق 69 مليون دولار إضافية- أعادت الإدارة الوطنية للأمن النووي أخيرًا اكتشاف طريقة عملية لتصنيع «مخزن الضباب». وبعد سبعة أشهر من ذلك، سُلِّمَ أول رأس حربي مجدد للبحرية، بعد ما يقرب من عقد من بدء الحكومة برنامج إطالة عمر المشروع. تشير الإدارة الوطنية للأمن النووي بشكل ساحر إلى المحنة باعتبارها مثالًا على «المعرفة المفقودة».
صاروخ ترايدنت 2 دي5 بعد إطلاقه من غواصة يو إس إس نبراسكا حاملة الصواريخ البالستية قبالة سواحل كاليفورنيا.صورة: U.S. Navy/Mass Communication Specialist 1st Class Ronald Gutridge/Released
حسبما قال (دينيس رودي)، المدير العام السابق في أوك ريدج، للصحفيين: ”تعد المادة ذاتها سرية، وتركيبتها سرية، استخدامها في السلاح سري، والعملية نفسها سرية“. ومع ذلك، فإن الفكرة التقليدية بين خبراء الأسلحة هي أن «مخزن الضباب» هو الهلام الهوائي، وهو مادة شديدة الصلابة ولكنها منخفضة الكثافة بشكل لا يصدق. يبدو الهواء الهوائي مثل الضباب أو الدخان، ولكنه صلب، مثل قطعة من الستايروفوم. نظرًا لأن «مخزن الضباب» قد صُنع في أوك ريدج، فإنه على الأرجح يعمل باعتباره «عامل توصيلي» في الرأس الحربي: أي مادة تحيط بأجزاء الانشطار والاندماج في السلاح وتوجه الطاقة من أحدهما إلى الآخر. بعد التفجير في مرحلة الانشطار، يصبح الهلام الهوائي بلازما شديدة السخونة، مما يؤدي إلى تفجير أكبر في مرحلة الاندماج.
لكن كل هذا لا يهم لأن «مخزن الضباب» هو مجرد «صلة الوصل بين الأشياء الأساسية في السلاح»، وهو تذكير مفيد بأن التكنولوجيا ليست أبدية.
يمكن للمعرفة أن تضيع. أحيانًا يكون هذا الأمر منطقيًا للغاية: لا أحد يعرف كيف يقتل ويجلد حيوان ماستودون بعد الآن، وذلك لأسباب واضحة. وغالبًا ما تفقد الثقافاتُ المعرفةَ مع تطورها وتجاوزها. فعلى سبيل المثال، سوف يكون أمرًا شاقًا بشدة أن تعثر على أي شخص يمكنه كتابة برنامج كمبيوتر على البطاقات المثقبة اليوم. ولكن هناك شيء مقلق بشأن ضياع المعرفة التي لم يتجاوز عمرها جيل أو جيلين. وهذا يحدث في كثير من الأحيان أكثر مما تعتقد.
يتأمل (راند سيمبرغ)، مدير روكويل السابق وهو مستشار طيران الآن، قائلًا: ”أنت تعرف القول المأثور أنه إذا كان بإمكاننا وضع رجل على سطح القمر، فلماذا لا نستطيع علاج السرطان، أو السلام العالمي، أو أي شيء آخر؟ يقول المتحمسون للفضاء أنه إذا استطعنا أن نضع رجلًا على القمر في الماضي، فلماذا لا نضع رجالًا على القمر الآن؟“.
الجواب، كما يوضح (سيمبرغ)، هو أننا لا نستطيع لأن ”معظم الأشخاص الذين فعلوا ذلك هم اليوم في مراحل حياتهم الأخيرة أو أمواتًا، وكان الكثير منهم فنانون أكثر من كونهم علماء“. أُجبرت وكالة ناسا اليوم –بشكل جدي– على شراء أجزاء قديمة لمكوك الفضاء من شركة إيباي لأن المقاولين الذين بنوه لم يعودوا موجودين. إنه سؤال مفتوح عما إذا كانت الحكومة الأمريكية، بعد سنوات من دعوة الرئيس السابق (بوش) للعودة إلى القمر، بإمكانها حتى بناء «ساتورن-5»، وهو الصاروخ الذي استُخدم في جميع لقطات القمر في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين.
حسبما يحذر تقرير مكتب المساءلة الحكومية عن «مخزن الضباب»، فإن ”الافتراضات التي تقول إنه باعتبار أننا فعلناها من قبل فسوف نستطيع فعلها مرة أخرى خاطئة أحيانًا“. بالنسبة لمجتمع يعتقد أنه في عصر معلومات ما بعد الثورة الصناعية، فإن هذه الفكرة سديدة.
المصدر:
بدأ لغز «مخزن الضباب» في أواخر السبعينيات من القرن العشرين، وذلك في مبنى يطلق عليه اسم «المنشأة 9404-11» على أرض مجمع «واي–12» في أوك ريدج بولاية تينيسي. انبثق موقع أوك ريدج من مشروع مانهاتن الأصلي وأصبح أحد المنشآت السبعة التي تشكل مجمع الأسلحة النووية الأمريكي (وهي عبارة تنذر بالسوء صاغتها الحكومة، واستولى عليها اليسار المناهض للأسلحة النووية بابتهاج).
صُنِّف كل شيء تقريبا حول «مخزن الضباب» على أنه سري، لكننا نعلم من مصادر رسمية غير سرية أن مادة «مخزن الضباب» قد صُنعت في «المنشأة 9404-11» من عام 1975 حتى عام 1989، حين انتهت عملية بناء الدفعة الأخيرة من صواريخ دبليو 76. هُجر المبنى بعد ذلك، وكان من المقرر إيقاف تشغيله بحلول عام 1993، تاركًا وراءه مصنعًا تجريبيًا استُخدم لإنتاج مجموعات صغيرة من «مخزن الضباب» لأغراض الاختبار فقط.
لكن الرؤوس الحربية، مثل المواد الأخرى، لها عمر تشغيلي. في عام 1996، أدركت الحكومة أن أجزاء كبيرة من ترسانتها النووية ستحتاج إلى الاستبدال أو التجديد أو أنها ستُحسب من الخدمة. ردًا على ذلك، بدأت وزارة الطاقة برنامج تجديد بهدف إطالة عمر الأسلحة القديمة. في عام 2000، استقرت الإدارة الوطنية للأمن النووي، وهي فرع من وزارة الطاقة ومسؤولة عن الأسلحة النووية، على خطة إطالة عمر صواريخ دبليو 76 والتي من شأنها أن تبقيها في الخدمة حتى عام 2040 على الأقل.
أدركت الإدارة الوطنية للأمن النووي على الفور أن «مخزن الضباب» يمكن أن يكون مشكلة لأنه، كما ذكر مكتب المساءلة الحكومي في وقت لاحق، ”احتفظوا بسجلات قليلة للعملية حين أُعدت المواد في الثمانينيات من القرن العشرين، وكان جميع الموظفين تقريبًا من ذوي الخبرة في الإنتاج قد تقاعدوا أو غادروا الوكالة“. نظرت الإدارة الوطنية للأمن النووي لفترة وجيزة في إنشاء بديل «لمخزن الضباب»، لكنها قررت في النهاية أنه نظرًا لأنهم قاموا بذلك من قبل، سيكونون قادرين على فعل ذلك مرة أخرى.
لكن «مخزن الضباب» أثبت أنه معقد للغاية. مع اختفاء «المنشأة 9404-11»، كان من المطلوب إنشاء مقر إنتاج جديد. كانت هناك تأخيرات في عملية البناء، وظل المهندسون المحبطون يفشلون في إنتاج نسخة قابلة للاستخدام من المادة الغامضة. مع مرور المواعيد النهائية وتأجيل الجدول الزمني مرارًا وتكرارًا، قررت الإدارة الوطنية للأمن النووي في النهاية، إذا فكرت في الأمر، أنها ستستثمر 23 مليون دولار في محاولة للعثور على بديل لمادة «مخزن الضباب».
وجد المهندسون بعض النجاح وتوصلوا إلى عملية مبدئية لصنع «مخزن الضباب»، وهو الأمر الذي حدث في مارس عام 2007. لكنهم واجهوا بعض المشاكل حين أُجريت الاختبارات النهائية على المادة. في سبتمبر عام 2007، رفعت الإدارة الوطنية للأمن النووي مشروع «مخزن الضباب» إلى حالة «رموز الطوارئ»، مما جعله أولوية رئيسية للوكالة. لكن هذا الجهد فشل أيضًا.
بعد مرور عام -ومع إنفاق 69 مليون دولار إضافية- أعادت الإدارة الوطنية للأمن النووي أخيرًا اكتشاف طريقة عملية لتصنيع «مخزن الضباب». وبعد سبعة أشهر من ذلك، سُلِّمَ أول رأس حربي مجدد للبحرية، بعد ما يقرب من عقد من بدء الحكومة برنامج إطالة عمر المشروع. تشير الإدارة الوطنية للأمن النووي بشكل ساحر إلى المحنة باعتبارها مثالًا على «المعرفة المفقودة».
إذن ما هو «مخزن الضباب»، على أي حال؟
حسبما قال (دينيس رودي)، المدير العام السابق في أوك ريدج، للصحفيين: ”تعد المادة ذاتها سرية، وتركيبتها سرية، استخدامها في السلاح سري، والعملية نفسها سرية“. ومع ذلك، فإن الفكرة التقليدية بين خبراء الأسلحة هي أن «مخزن الضباب» هو الهلام الهوائي، وهو مادة شديدة الصلابة ولكنها منخفضة الكثافة بشكل لا يصدق. يبدو الهواء الهوائي مثل الضباب أو الدخان، ولكنه صلب، مثل قطعة من الستايروفوم. نظرًا لأن «مخزن الضباب» قد صُنع في أوك ريدج، فإنه على الأرجح يعمل باعتباره «عامل توصيلي» في الرأس الحربي: أي مادة تحيط بأجزاء الانشطار والاندماج في السلاح وتوجه الطاقة من أحدهما إلى الآخر. بعد التفجير في مرحلة الانشطار، يصبح الهلام الهوائي بلازما شديدة السخونة، مما يؤدي إلى تفجير أكبر في مرحلة الاندماج.
لكن كل هذا لا يهم لأن «مخزن الضباب» هو مجرد «صلة الوصل بين الأشياء الأساسية في السلاح»، وهو تذكير مفيد بأن التكنولوجيا ليست أبدية.
يمكن للمعرفة أن تضيع. أحيانًا يكون هذا الأمر منطقيًا للغاية: لا أحد يعرف كيف يقتل ويجلد حيوان ماستودون بعد الآن، وذلك لأسباب واضحة. وغالبًا ما تفقد الثقافاتُ المعرفةَ مع تطورها وتجاوزها. فعلى سبيل المثال، سوف يكون أمرًا شاقًا بشدة أن تعثر على أي شخص يمكنه كتابة برنامج كمبيوتر على البطاقات المثقبة اليوم. ولكن هناك شيء مقلق بشأن ضياع المعرفة التي لم يتجاوز عمرها جيل أو جيلين. وهذا يحدث في كثير من الأحيان أكثر مما تعتقد.
يتأمل (راند سيمبرغ)، مدير روكويل السابق وهو مستشار طيران الآن، قائلًا: ”أنت تعرف القول المأثور أنه إذا كان بإمكاننا وضع رجل على سطح القمر، فلماذا لا نستطيع علاج السرطان، أو السلام العالمي، أو أي شيء آخر؟ يقول المتحمسون للفضاء أنه إذا استطعنا أن نضع رجلًا على القمر في الماضي، فلماذا لا نضع رجالًا على القمر الآن؟“.
الجواب، كما يوضح (سيمبرغ)، هو أننا لا نستطيع لأن ”معظم الأشخاص الذين فعلوا ذلك هم اليوم في مراحل حياتهم الأخيرة أو أمواتًا، وكان الكثير منهم فنانون أكثر من كونهم علماء“. أُجبرت وكالة ناسا اليوم –بشكل جدي– على شراء أجزاء قديمة لمكوك الفضاء من شركة إيباي لأن المقاولين الذين بنوه لم يعودوا موجودين. إنه سؤال مفتوح عما إذا كانت الحكومة الأمريكية، بعد سنوات من دعوة الرئيس السابق (بوش) للعودة إلى القمر، بإمكانها حتى بناء «ساتورن-5»، وهو الصاروخ الذي استُخدم في جميع لقطات القمر في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين.
حسبما يحذر تقرير مكتب المساءلة الحكومية عن «مخزن الضباب»، فإن ”الافتراضات التي تقول إنه باعتبار أننا فعلناها من قبل فسوف نستطيع فعلها مرة أخرى خاطئة أحيانًا“. بالنسبة لمجتمع يعتقد أنه في عصر معلومات ما بعد الثورة الصناعية، فإن هذه الفكرة سديدة.
المصدر:
سجل دخولك أو قم بالتسجيل الآن. لمشاهدة المحتوى المخفي
سجل دخولك أو قم بالتسجيل الآن. لمشاهدة المحتوى المخفي