لا تخضع الطبيعة لقوانين الحروب التي يخوضها الجنس البشري، بل إنها قادرة على التفوق عليها وتجاوزها وهناك تاريخ يثبت هذا، فلولا هطول الأمطار بشكل متواصل في الليل والنهار لكان فوز (نابليون) مؤكداً في معركة (واترلو)، كما كان الطقس في معركة الثغرة عام 1944 سيئاً للغاية لدرجة أنه أوقف قاذفات المقاتلات المتحالفة مما أعطى الألمان الأفضلية طوال المرحلة الأولى من تلك المعركة الملحمية.
فيما يلي مجموعة من الأحداث التي تدخلت فيها الظواهر الطبيعية بشؤون الإنسان وغيرت مجرى التاريخ في العديد من المعارك التاريخية:
1. ساهمت العواصف الرعدية بهزيمة نابليون وفي واترلو
خطط الإمبراطور الفرنسي (نابليون بونابرت) للهجوم على عدوه في (واترلو) في وقت مبكر من صباح يوم 18 من يونيو عام 1815، كان الإمبراطور على علم بقرب القوات البروسية وأرسل فيلقاً للتعامل معها، كما أنه كان يدرك أن التعزيزات يمكن أن تصل إلى الدوق الإنجليزي (ويلنجتون) من الاتجاه ذاته، ولكن الأمطار الغزيرة التي استمرت طوال الليل والنهار حولت الطرق والحقول إلى مستنقعات موحلة، بالنسبة لـ(ويلنجتون) لم تشكل هذه الأمطار مشكلة له بسبب تموضع قواته على سلسلة من التلال، أي أن الظروف الجوية السيئة قد كانت مشكلة لـ(نابليون) فقط.
كان جيش (نابليون) يعتمد على سلاح المدفعية الذي يتميز بسرعة حركته في جميع أنحاء ساحة المعركة وفعاليته، ولكن في ظل هذه الظروف الجوية والوحل لم يتمكن (نابليون) من تحريك مدفعيته، الأمر الذي أجبره على انتظار شمس الصباح لتجف الحقول، ولكن المعركة بدأت قبل أن يتمكن (نابليون) من استخدام مدفعيته، وعندما شن (نابليون) هجومه المتأخر في الصباح كانت القوات البروسية في طريقها لمؤازرة ومساعدة الدوق (ويلنجتون) في معركته.
2. بدأت معركة الثغرة بهجوم مفاجئ في ظل الظروف الجوية السيئة
سادت الأحوال الجوية السيئة قبل بدء الهجوم الألماني في (آردين) عام 1944 واستمرت لعدة أيام وتسببت بضعف في قدرات الاستطلاع الجوي للحلفاء، استفادت القوات الألمانية من هذه الظروف الجوية وبدأت بتكديس الإمدادات والمدفعية والدبابات والمركبات الأخرى دون أن تلاحظ قوات الحلفاء وجودها، وعندما بدأ الهجوم في الـ15 من ديسمبر تفاجأ الحلفاء بحجم الاستعدادات الكبير للقوات الألمانية، التي اختارت وقت وتاريخ ومكان الهجوم مدركين وضع الطقس ومعتقدين أن هذه الأحوال الجوية ستعطيهم الأفضلية.
بقي الألمان متقدمين على القوات الأمريكية لعدة أيام وكافحوا للحفاظ على تقدمهم في بلجيكا، كان الصراع قوياً جداً ولكن تمكنت قوات المشاة والقوات الجوية الأمريكية من الصمود (معركة الثغرة هي أكبر معركة يخوضها الجيش الأمريكي على الإطلاق)، وبعد مرور عيد الميلاد أصبح الجو مستقراً ووصلت قوات القائد العسكري الأمريكي (جورج باتون) إلى (باستون) لفك الحصار ووجهت الطائرات المضادة ضرباتها نحو المدرعات الألمانية، كما ساندت القوات الجوية قوات المشاة على الأرض وتمكنت من إجبار قوات الحلفاء على التراجع بعد تسخيرهم للأحوال الجوية السيئة لمصلحتهم، فلولا الأحوال الجوية السيئة ربما لتمكنت القوات الأمريكية من رصد الحشود الألمانية وتدميرها قبل شن الهجوم.
3. عانى الأسطول البحري الإسباني من خسائر ضخمة نتيجة للعواصف:
أبحر الأسطول الإسباني المكون من 130 سفينة من (كورونا) متجهاً نحو ميناء (كاليه) الفرنسي، حيث كان من المقرر أن يواجه القوات الهولندية تحت قيادة دوق باروما، ولكنه تعرض لهجوم قوي من السفن البحرية الإنكليزية ووقعت عدة اشتباكات بين السفن الإنجليزية الأصغر والأسرع والسفن الإسبانية، كما وقع اشتباك كبير عُرف باسم معركة (غريفلاينز)، والذي تسبب بتضرر عدد من السفن البحرية وخسارة 5 سفن جنحت في المياه الضحلة، كما أُجبر الأسطول الإسباني على التوجه شمالاً بفعل الرياح المعاكسة ولحقه الأسطول الإنجليزي، وفي النهاية تم إلغاء الهجوم الإنكليزي بسبب نقص في الذخيرة.
أبحر الأسطول الإسباني على طول الساحل الغربي لأسكتلندا وشمال إيرلندا حيث واجه عواصف رعدية عنيفة ورياح غربية وأمواج عالية، تم دفع العديد من السفن المحطمة والمتضررة نحو الشاطئ، وبينما حاول الأسطول جاهداً الاقتراب من الساحل الشمالي لإيرلندا فقد المزيد من السفن، حيث عادت 67 سفينة فقط من أصل 130 سفينة إلى إسبانيا ونجا أقل من 10 آلاف مقاتل. أغلب السفن التي دُمرت كانت قد تحطمت بفعل الطقس، حيث عادت من مهمتها مهزومة من قبل السفن الإنجليزية ولكن في الواقع الطقس هو من دمرها.
4. تأثرت غزوتان للمغول في اليابان بالطقس
كان الغزو المغولي الأول لليابان في عام 1274، حيث هزم المغول اليابانيين واستولوا على العديد من الجزر وذبحوا أعداد كبيرة من السكان المدنيين قبل أن يتمكن اليابانيون من تغيير مجرى الأمور في معركة (توريكاي-غاتا)، حيث أجبر اليابانيون المغول الانسحاب إلى سفنهم والعودة إلى أراضيهم، ولكن خلال رحلة عودتهم تعرضت سفنهم لرياح عاتية تسببت بغرق معظمها ودمرت جزءًا كبير من الجيش المغولي، في ذلك الوقت قام اليابانيون ببناء دفاعات قوية تحسباً لعودة المغول والهجوم مرة أخرى، ولكن لم يعد المغول حتى عام 1281 أو على الأقل حاولوا العودة.
لا يزال عدد قوات جيش وسفن الغزو المغولي الثاني موضوع جدل حتى يومنا هذا، ولكننا نعلم أنه كان جيشاً ضخماً، اجتاح المغول عدة مواقع واحتلوا بعضها وتم التصدي لهم في مواقع أخرى، وفي شهر أغسطس كان الجيش المغولي على متن سفنه يستعد للهجوم على جيش الدفاع الياباني، ولكن إعصارًا آخر ضرب البحر وتسبب بتحطيم معظم سفن الأسطول المغولي، عزا اليابانيون هذه العاصفة لآلهتهم وأطلقوا عليها اسم ”الريح الإلهية-كاميكازي“.
5. دمر الشتاء الجيش العظيم في سهول روسيا
في حرب القرن التاسع عشر، كانت نتيجة سيطرة العدو على العاصمة هي الانسحاب والاستسلام وهو أمر غريب بالنسبة لـ(نابليون) الذي غزا معظم أوروبا وفرض سيطرته على عواصم العدو، ولكن عندما غزا (نابليون) روسيا في عام 1812 تقدمت جيوشه في السهوب وهزمت القوات الروسية في معركة كبيرة وقعت في (بورودينو)، كما انتصر على الروس في معارك أخرى واحتل موسكو، وهناك انتظر القيصر (ألكسندر الأول) ليطلب منه شروطه، دخل (نابليون) موسكو ليجدها خالية من مواطنيها وأحرق الكثير منها خلال فترة احتلاله القصيرة للعاصمة.
اضطر (نابليون) للانسحاب بسبب عدم عثوره على مأوى مناسب لجيشه وعدم استسلام القيصر تاركاً موسكو في شهر أكتوبر حين بدأ الثلج بالتساقط، تسبب البرد القارس بموت الخيول وتجمد رجال جيشه حتى الموت وهم نائمون في الثلج، حيث تحول انسحابه هذا لهزيمة كبيرة، كما قتل عدد كبير من قواته على يد الفلاحين الروس والقوازق، توفي حوالي 380 ألف جندي من جيشه العظيم معظمهم ماتوا بسبب الطقس الروسي البارد، كانوا ضعفاء للغاية بظل غياب الطعام وهكذا دمر الطقس جيش (نابليون) أحد أكبر جيوش التاريخ.
6. شكل الطقس درع حماية للجيش الأمريكي في (فالي فورج)
الكثير من القصص التي تُروى عن معسكر الشتاء في (فالي فورج) خلال الثورة الأمريكية هي محض خرافة، كان فصل الشتاء في عامي 1777 و1778 معتدلاً نسبياً، حيث كانت درجات الحرارة فوق درجات التجمد خلال ساعات النهار وكان الثلج خفيفاً وكان هناك القليل من العواصف الجليدية، وعلى الرغم من أن جيوش العالم في القرن الثامن عشر لم تقم بحملات في فصل الشتاء إلا أن (جورج واشنطن) كان قلقاً من قيام البريطانيين في فيلادلفيا بمهاجمة المعسكر، فقد كانت قواته ضعيفة بسبب المرض والجوع ولم يكونوا مجهزين للتصدي لأي هجوم، ولكن لم يتجمد أحد حتى الموت بحسب ما ترويه الأساطير الأمريكية.
لم تتمكن القوات البريطانية من شن أي هجوم ليس بسبب الطقس البارد والمثلج بل لأنه كان دافئاً جداً، حيث كانت الطرقات موحلة ومن الصعب على الخيول والمركبات عبورها، أما لو كان الطقس أكثر برودة لكانت القوات قادرة على التحرك فوق الطرق المجمدة.
ظهرت العديد من المعسكرات الشتوية خلال الحرب الثورية وكان الطقس خلالها بغاية البرودة ومثلجًا، كمعسكر (موريستاون) الشتوي في عام 1778-1779، لذلك وقف الجو حليفاً لقوات (واشنطن) وتمكن من الخروج من (فالي فورج).
7. قتلت الانهيارات الثلجية الآلاف من الجنود الإيطاليين والنمساويين خلال الحرب العالمية الأولى
دخلت إيطاليا الحرب العالمية الثانية في عام 1915 وقاتلت قوات النمسا والمجر في جبال الألب، كانت الظروف المناخية قاسية جداً خلال فصلي الصيف والشتاء حيث تجمدت الحراب في أغمدتها، وفي شهر ديسمبر من عام 1916 غطت الثلوج جوانب جبال الألب وكذلك المعسكرات وثكنات القوات المتمركزة تحت منحدرات الجبال، وفي الـ13 من ديسمبر عام 1916 وقعت الانهيارات الثلجية على جبل (مارمولادا).
سقط حوالي 200 ألف طن من الثلج والجليد والصخور والأشجار على المعسكرات النمساوية مما أسفر عن مقتل أكثر من 300 رجل لم يتم العثور على جثثهم، كما وقعت انهيارات ثلجية أخرى خلال الشهر وقع حوالي 10 آلاف جندي نمساوي وإيطالي ضحية لها. افترض البعض أن هذه الانهيارات الثلجية كانت متعمدة ولكن لم يتم العثور على أدلة كافية لدعم هذه النظرية.
8. استولى الفرسان على أسطول العدو بعد تجمده
كان الشتاء قاسياً خلال الحروب الثورية الفرنسية، ففي عام 1795 كان الأسطول الهولندي راسياً في خليج (زويدي زي) بالقرب من بلدة (دن هيلدر) الصغيرة، عادةً ما تغادر السفن المراسي قبل وصول الطقس البارد إلا أن البداية المفاجئة للبرد القارس وتشكل الجليد منعتهم من المغادرة، وبحلول شهر يناير أصبحت السفن عبارة عن كتل جليدية صلبة، كان هناك أكثر من 100 سفينة من الأسطول الهولندي في الميناء إلا أنها ليست جميعها قريبة بما يكفي من الشاطئ لتتجمد.
عندما سمع سلاح الفرسان الفرنسي بما حدث للأسطول الهولندي في بلدة (دن هيلدر)، استغل الفرصة وهاجم السفن الهولندية في 23 من يناير عام 1795، تم الاستيلاء على 14 سفينة، كانت هذه الحادثة غير متوقعة لدرجة أن بعض المؤرخين يشككون بوقوعها بالفعل، ولكن العديد من التقارير التي كتبت لاحقاً تؤكد وقوعها، حيث سمح الطقس لسلاح الفرسان الفرنسي بالاستيلاء على السفن في عام 1795.
9. استغل واشنطن الضباب للانسحاب
خلال حملة نيويورك عام 1776 استعد جيش (واشنطن) القاري لمقاتلة البريطانيين بقيادة (السير ويليام هاو) في (لونغ آيلاند). اعتمد (هاو) بشكل كبير على الموالين المحليين لتوجيه جيشه عبر الممرات غير المحمية والتغلب على الأمريكيين، وجهت القوات البريطانية ضربات قوية نحو قوات (واشنطن) العسكرية وحاصرتها، كان (واشنطن) واقعاً بمشكلة خطيرة، حيث كان بحاجة لإخراج ما تبقى من جيشه المهزوم بعيداً عن (لونغ آيلاند).
أعد (واشنطن) دفاعاته على الطرف الغربي من (لونغ آيلاند) بينما جمع فوج (ماربلهيد) القوارب اللازمة للإخلاء، حيث لم يكن أمامهم فرصة لمواجهة والانتصار على القوات البحرية الملكية.
وفي ليلة 29 أغسطس غطى الضباب الكثيف نهر هدسون، استغل (واشنطن) هذا الضباب وجمع المدافع ذات العجلات والمركبات وقواته العسكرية على ضفاف النهر بقيادة العقيد (جون جلوفر) الذي تمكن من نقل القوات والمعدات العسكرية تحت غطاء الضباب إلى منهاتن، وتم إجلاء الجيش بأكمله، وفي صباح يوم 30 من شهر أغسطس اختفى الضباب واختفت القوات الأمريكية معه.
المصدر: موقع History Collection