فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ / أ.د عثمان قدري مكانسي

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,426
التفاعل
17,565 41 0
{ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ }

الأستاذ الدكتور عثمان قدري مكانسي


حين ألقي سيدنا إبراهيم في النار ، فقال الله تعالى لها : { قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (69)} [الأنبياء] ،فانقلبت روضة غنّاء ،فآمن به كثير من الناس .ولعل أحدنا يسأل نفسه: ما دام كثير من الناس آمنوا بدين إبراهيم فَلِم أفرد الله تعالى سيدنا لوطاً " ابن أخيه في تفسير ابن كثير ،وهو ابن أخته في تفسير القرطبي" بالإيمان ، فقال : { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ... (26)} [العنكبوت] ؟
والجواب أن لسيدنا لوط أثراً في الدعوة،فلم يكن إنساناً عادياً آمن ،إنه داعية ، والداعية أمة وحدَهُ كما وصف الله تعالى عمه سيدنا إبراهيم أنه كان أمة وحده.

والناس كإبل المئة ، لا تكاد تجد فيهم راحلة ، وفي الناس خير كثير ، والداعية بلسمٌ ودواء، وللروح غذاء .إنَّ من يتحمل المسؤولية في الناس قليلٌ، ومن ينهضُ بهِمَمِهم ،ويحملُ عبء الدعوة في قلبه، ويضيءُ شهاباً ،ويتحركُ نوراً وضياءً، مثلُ الكبريت الأحمر أو عنصر الذهب في خليط التراب.

ولئنْ ذُكِرَ لوطٌ وحده في الإيمان بعمه إبراهيم فلأنّ الإيمان بالله ملأ شَغاف قلبِه، وكان عوناً لنبيه وعمه أبي الأنبياء ، وعَرَف سيدُنا إبراهيم في تلميذه وابن أخيه النجابة والقوة في حمل الدعوة فأخذه معه إلى بلاد الشام ، فجعله الله تعالى نبياً كريماً ،وكلفه بدعوة أهل الغَور في فلسطين إلى عبادة الله ، فدوّت كلماته في المكان تصدح بكلمة الحق. فحذّرهم من مساوئهم ونبههم إلى خطرها ودعاهم إلى إصلاح أنفسهم:

قال عز وجلّ في سورة العنكبوت :
{ ... أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ ... } ، خالفوا الفطرة ،وأتَوا أمَّ الرذائل،
{ ... وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ ... } ، فزرعوا الخوف ،وسلبوا الأموال ،وقطعوا الطرق.
{ ... وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ ... (29)} ، لم يتركوا فاحشة إلّا اقترفوها، ولا رذيلة إلّا فعلوها.

جهر بكلمة الإيمان ودعاهم إليها، وحثَّهم عليها ،وخوّفهم من مغبة اجتناب الحق، فأبوا ذلك وتحدّوه أن يأتي بعقاب الله – وهذه وهدةُ الكبر والفجور- وكذّبوه ، قال سبحانه : { ... فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29)} ، فلما يئس من هداهم ورأى فسادهم يشتدُّ دعا عليهم: { قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30)} .

ووثق القرآن هلاكهم في سور عدة كالعنكبوت والقمر وهود وغيرها .

الداعية الحقُّ قويُّ الإيمان ،إيجابي الحركة،لمّاحٌ وذو شعور بالمسؤولية ، ولله درّ الشاعر طرَفةُ بن العبد حين يقول في معلقته:

إذا القومُ قالوا مَن فتىُ خِلتُ أنني * عُنيتُ فلم أكسل ولم أتبَلَّدِ​

والشاعر الفارس بشامة بن حزن النهشلي إذ يفخر بقومه:

لو كان في الألف منا واحدٌ فَدَعَوا * من فارسٌ خالهُ إيّاه يعنونا​

ولن تكون داعية أيها الأخ إلا إذا عملت لدينك كما تعمل لبيتك وأسرتك أوأكثر، ولك من سيرة نبينا العظيم صلى الله عليه وسلم الأسوة ،ومن أصحابه الكرام رضي الله عنهم القدوة، ومن حياة القادة المسلمين العظام نبراس .


 
عودة
أعلى