سورة الرحمن (العلم والعدل)
الدكتور عثمان قدري مكانسي
الدكتور عثمان قدري مكانسي
بدأ تعالى السورة بكلمة { الرَّحْمَـٰنُ (1)} ، فشدَّ الانتباه، إلى وقعها المَهيب وأثرها فيما يليها، فإذا بالعلم يتلوها ،لعظيم أهميته ، ولقد عَلِمنا أول سورة تنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم { اقْرَأْ } قراءة يريدها الرحمن { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} (العلق) ، فذكّرنا في أول سورة الرحمن بالقرآن ،ووجوب تعلمه ودراسته والعلم به ،ثم العمل بمقتضاه : { عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2)}.
وأول من يجب عليه العلمُ بالقرآن الإنسانُ لأنه المخلوق الذي { عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)} ،والله سبحانه في هذه السورة ذكر الحسابَ الدقيق المؤدي إلى العلم الحقيقي المفيد للحياة الإنسانية الحقة القائمة على العدل، فـ { الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5)} لا يطغى أحدُهما على الآخر،فما ينبغي أن يكون التعلم للعلم دون العمل به ،فلا بد من الحساب الدقيق { بِحُسْبَان } ، الذي لا يصل إليه أنصاف المتعلمين المهتمين بالقشور دون اللب ،لا بد من الغوص في الحقائق ، ولا يصل إليها إلا الحاذق المتمكن.
وكلمة { حُسْبَان } يقصد بها العدلُ، فخلق السماءَ وجعل أساسها العدل { وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7)} إنَّ العدل أساس الملك ورائعة الحياة الطيبة، فلما كتب الله تعالى على نفسه العدلَ في خلقه السماءَ أمرنا بالعدل تأسيا به سبحانه ،فقال : { أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8)} ،إن الطغيان جورٌ وظلمٌ لا تستقيم الحياة بهما ابداً،فكان أول من يستظل بعرش الرحمن (إمامٌ عادل) بعدله ينتشر الأمن والأمان في الأرض، ويحيا به الناس في سعادة وهناء.
{ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)} ، والإقامة تدل على الثبات على الأمر والاهتمام به،وبذلِ الجهد في تحقيقه، فلم يقل سبحانه صلّوا ،إنما قال : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } وقال : { ... وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} (طه) . وقد قال في قصة أهل الكهف : { ... إِذْ قَامُوا فَقَالُوا ... (14)} ولم يقل: قالوا وحدَها .والإقامة والقيام دليل العزم والإصرار على ما آمنوا به.
والوزن أداء الحقوق بالعدل ، فلا إجحاف بالحقوق ولا هضم لها،إنما العدلُ وتحرّيه،وما رفعت السماءُ إلا بتحقيق العدل، ولان سعِدَتِ الأرضُ إلا به. والقسط هو العدل ذاته ، وما أروع العربية في أداء المعاني المختلفة -مثيلها أو عكسها- بزيادة حرف أو نقصانه، فـ(القاسط) بزيادة الألف ظالم ،
قال عز وجلّ في سورة الجن : { وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبا (15)} ،
وترى المُقسط عادلاً ، قال تقدست أسماؤه : { ... وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} (الحجرات) ،
ومن العدل أن تعطي كل ذي حق حقَّه، وغير ذلك يؤدي إلى ضياع الحقوق وتبديدها { وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)} فالتطفيف والإنقاص إفراط وتفريط، قال جل ثناؤه في سورة المطففين :
{ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)}
كالمنشار الذي يأكل في حركتيه ذَهاباً وإياباً.
وما وضع الله تعالى الأرض للأنام إلا للاختبار والامتحان، وإقامة العدل والعمل به ، وتحقيقه بين الناس جميعاً والدفاع عنه .والناس بين ملتزم بالقسط يحبهم الله تعالى ويرضى عنهم ويجزيهم جنته فتُكتب لهم السعادة الدائمة ،ومضيّعٍ للحقوق آكلٍ لها ،فهم حطبُ جهنَّمَ هم لها واردون
وأول من يجب عليه العلمُ بالقرآن الإنسانُ لأنه المخلوق الذي { عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)} ،والله سبحانه في هذه السورة ذكر الحسابَ الدقيق المؤدي إلى العلم الحقيقي المفيد للحياة الإنسانية الحقة القائمة على العدل، فـ { الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5)} لا يطغى أحدُهما على الآخر،فما ينبغي أن يكون التعلم للعلم دون العمل به ،فلا بد من الحساب الدقيق { بِحُسْبَان } ، الذي لا يصل إليه أنصاف المتعلمين المهتمين بالقشور دون اللب ،لا بد من الغوص في الحقائق ، ولا يصل إليها إلا الحاذق المتمكن.
وكلمة { حُسْبَان } يقصد بها العدلُ، فخلق السماءَ وجعل أساسها العدل { وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7)} إنَّ العدل أساس الملك ورائعة الحياة الطيبة، فلما كتب الله تعالى على نفسه العدلَ في خلقه السماءَ أمرنا بالعدل تأسيا به سبحانه ،فقال : { أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8)} ،إن الطغيان جورٌ وظلمٌ لا تستقيم الحياة بهما ابداً،فكان أول من يستظل بعرش الرحمن (إمامٌ عادل) بعدله ينتشر الأمن والأمان في الأرض، ويحيا به الناس في سعادة وهناء.
{ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)} ، والإقامة تدل على الثبات على الأمر والاهتمام به،وبذلِ الجهد في تحقيقه، فلم يقل سبحانه صلّوا ،إنما قال : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } وقال : { ... وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} (طه) . وقد قال في قصة أهل الكهف : { ... إِذْ قَامُوا فَقَالُوا ... (14)} ولم يقل: قالوا وحدَها .والإقامة والقيام دليل العزم والإصرار على ما آمنوا به.
والوزن أداء الحقوق بالعدل ، فلا إجحاف بالحقوق ولا هضم لها،إنما العدلُ وتحرّيه،وما رفعت السماءُ إلا بتحقيق العدل، ولان سعِدَتِ الأرضُ إلا به. والقسط هو العدل ذاته ، وما أروع العربية في أداء المعاني المختلفة -مثيلها أو عكسها- بزيادة حرف أو نقصانه، فـ(القاسط) بزيادة الألف ظالم ،
قال عز وجلّ في سورة الجن : { وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبا (15)} ،
وترى المُقسط عادلاً ، قال تقدست أسماؤه : { ... وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} (الحجرات) ،
ومن العدل أن تعطي كل ذي حق حقَّه، وغير ذلك يؤدي إلى ضياع الحقوق وتبديدها { وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)} فالتطفيف والإنقاص إفراط وتفريط، قال جل ثناؤه في سورة المطففين :
{ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)}
كالمنشار الذي يأكل في حركتيه ذَهاباً وإياباً.
وما وضع الله تعالى الأرض للأنام إلا للاختبار والامتحان، وإقامة العدل والعمل به ، وتحقيقه بين الناس جميعاً والدفاع عنه .والناس بين ملتزم بالقسط يحبهم الله تعالى ويرضى عنهم ويجزيهم جنته فتُكتب لهم السعادة الدائمة ،ومضيّعٍ للحقوق آكلٍ لها ،فهم حطبُ جهنَّمَ هم لها واردون