التوسًّم
الدكتور عثمان قدري مكانسي
من تفسير القرطبيِّ بتصرُّف
الدكتور عثمان قدري مكانسي
من تفسير القرطبيِّ بتصرُّف
قال تعالى في سورة الحجر :
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)}
التوسُّم: التفرُّس، والفراسة توقع الشيء شفافيةً في النفس وقوّةً في النظرة وهي هبة أصيلة في المرء غير مكتسبة، وقال بعضهم: قد تُكتسب بالدُّربة والمران
والآيات: الدلائل والبراهين
أما قوله تعالى: { لِلْمُتَوَسِّمِينَ } فقد روى الترمذي الحكيم في (نوادر الأصول) من حديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: هم أهل الفَراسة وهو قول مجاهد
وروى أبو عيسى الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اتَّقوا فِراسةَ المؤمنِ فإنَّهُ ينظرُ بنورِ اللهِ ثمَّ قرأَ : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } .
وقال: هذا حديث غريب.
وقال مقاتل وابن زيد: المتوسمون المتفكرون.
وقال الضحاك: الناظرون. وأزيد على هذه الكلمة (التمعُّن) قال الشاعر:
وقال قتادة: المتوسّمون المعتبرون. وهي لفتة ظريفة منه
قال زهير بن ابي سلمى
قال أبو عبيدة: المتوسّمون:المتبصرون، والمعنى متقارب.
وروى الترمذي الحكيم من حديث ثابت عن أنس ابن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( إنَّ للَّهِ عبادًا يَعرِفونَ النَّاسَ بالتَّوسُّمِ ).
قال العلماء: التوسم تفعُّلٌ من الوسم، وهي العلامة التي يستدل بها على مطلوب غيرها. يقال: توسمت فيه الخير إذا رأيت ميسم ذلك فيه؛ ومنه قول عبد الله بن رواحة للنبي صلى الله عليه وسلم:
وقال غيرُه:
واتَّسم الرجل إذا جعل لنفسة علامة يعرف بها. وتوسَّم الرجلُ طلب كلأ الوسميِّ. وأنشد:
وقال ثعلب: الواسمُ الناظرُ إليك من فَرْقك إلى قدمك. وأصل التوسم التثبت والتفكر؛ مأخوذ من الوسم وهو التأثير بحديدة في جلد البعير وغيره، وذاك يكون بجودة القريحة وحدة الخاطر وصفاء الفكر. زاد غيره: وتفريغ القلب من حشو الدنيا، وتطهيرُه من أدناس المعاصي وكُدورة الأخلاق وفضول الدنيا.
روى نهشل عن ابن عباس : { لِلْمُتَوَسِّمِينَ } قال: لأهل الصلاح والخير.
وزعمت الصوفية أنها كرامة. وقيل: بل هي استدلال بالعلامات، ومن العلامات ما يبدو ظاهرا لكل أحد وبأول نظرة، ومنها ما يخفى فلا يبدو لكل أحد ولا يدرك ببادئ النظر.
قال الحسن البصريُّ: المتوسمون هم الذين يتوسمون الأمور فيعلمون أن الذي أهلك قوم لوط قادر على أن يهلك الكفار؛ فهذا من الدلائل الظاهرة.
ومثله قول ابن عباس،: (ما سألني أحد عن شيء إلا عرفتُ أفقيهٌ هو أو غير ُفقيهٍ).
وروي عن الشافعي ومحمد بن الحسن أنهما كانا بفِناء الكعبة ورجلٌ على باب المسجد فقال أحدهما: أراه نجارا، وقال الآخر: بل حدادا، فتبادر من حضر إلى الرجل فسأل فقال: كنت نجاراً وأنا اليوم حدادٌ. فراسة الإمامين واستدلالهما القلبي الصادق.
وروي عن جندب بن عبدالله البجلي أنه أتى على رجل يقرأ القرآن فوقف فقال: من سمَّع سمَّع الله به، ومن راءى راءى الله به. فقلنا له: كأنك عرضت بهذا الرجل، فقال: إن هذا يقرأ عليك القرآن اليوم ويخرج غداً حروريا؛ فكان رأس الحرورية، واسمه مرداس.
وروي عن الحسن البصري أنه دخل عليه عمرو بن عبيد فقال: هذا سيد فتيان البصرة إن لم يُحدِثْ، فكان من أمره من القدر ما كان، حتى هجره عامة إخوانه. وقال لأيوب: هذا سيد فتيان أهل البصرة، ولم يستثن.
وروي عن الشعبي أنه قال لداود الأزدي وهو يماريه: إنك لا تموت حتى تكوى في رأسك، وكان كذلك.
وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل عليه قوم من مذحج فيهم الأشتر، فصعَّدَ فيه النظر وصَوَّبه وقال: أيُّهم هذا؟ قالوا: مالك بن الحارث. فقال: ما له قاتله الله! إني لأرى للمسلمين منه يوما عصيبا؛ فكان منه في الفتنة ما كان.
ويُروى- والعُهدةُ على الراوي- أن أنس بن مالك دخل على عثمان بن عفانٍ رضي الله عنهما، وكان قد مر بالسوق فنظر إلى امرأة!! فلما نظر إليه قال عثمان: (يدخل أحدكم علي وفي عينيه أثر الزنى فقال له أنس: أوَحياً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال لا ولكن برهان وفَراسة وصدق).
ومثله كثير عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين.
قال أبو بكر بن العربي: "إذا ثبت أن التوسم والتفرس من مدارك المعاني فإن ذلك لا يترتب عليه حكم ولا يؤخذ به موسوم ولا متفرس.
يقول القرطبيُّ رحمه الله: وقد كان قاضي القضاة الشامي المالكي ببغداد أيام كنتُ بالشام يحكم بالفراسة في الأحكام، جريا على طريق إياس بن معاوية أيام كان قاضياً، وكان شيخنا فخر الإسلام أبو بكر الشاشي صنَّفَ جزءا في الرد عليه، كتبه لي بخطه وأعطانيه، وذلك صحيح؛ فإن مَدارك الأحكام معلومة شرعا مدركة قطعا وليست الفراسة منها.
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)}
التوسُّم: التفرُّس، والفراسة توقع الشيء شفافيةً في النفس وقوّةً في النظرة وهي هبة أصيلة في المرء غير مكتسبة، وقال بعضهم: قد تُكتسب بالدُّربة والمران
والآيات: الدلائل والبراهين
أما قوله تعالى: { لِلْمُتَوَسِّمِينَ } فقد روى الترمذي الحكيم في (نوادر الأصول) من حديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: هم أهل الفَراسة وهو قول مجاهد
وروى أبو عيسى الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اتَّقوا فِراسةَ المؤمنِ فإنَّهُ ينظرُ بنورِ اللهِ ثمَّ قرأَ : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } .
وقال: هذا حديث غريب.
وقال مقاتل وابن زيد: المتوسمون المتفكرون.
وقال الضحاك: الناظرون. وأزيد على هذه الكلمة (التمعُّن) قال الشاعر:
أو كلما وردت عكاظ قبيلة * بعثوا إلى عريفهم يتوسمُ
وقال قتادة: المتوسّمون المعتبرون. وهي لفتة ظريفة منه
قال زهير بن ابي سلمى
وفيهن ملهى للصديق ومنظر * أنيق لعين الناظر المتوسم
قال أبو عبيدة: المتوسّمون:المتبصرون، والمعنى متقارب.
وروى الترمذي الحكيم من حديث ثابت عن أنس ابن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( إنَّ للَّهِ عبادًا يَعرِفونَ النَّاسَ بالتَّوسُّمِ ).
قال العلماء: التوسم تفعُّلٌ من الوسم، وهي العلامة التي يستدل بها على مطلوب غيرها. يقال: توسمت فيه الخير إذا رأيت ميسم ذلك فيه؛ ومنه قول عبد الله بن رواحة للنبي صلى الله عليه وسلم:
إني توسمت فيك الخير أعرفه * والله يعلم أني ثابت البصر
وقال غيرُه:
توسمته لما رأيت مهابة * عليه وقلت المرء من آل هاشم
واتَّسم الرجل إذا جعل لنفسة علامة يعرف بها. وتوسَّم الرجلُ طلب كلأ الوسميِّ. وأنشد:
وأصبحن كالدوم النواعم غدوة * على وجهة من ظاعن متوسم
وقال ثعلب: الواسمُ الناظرُ إليك من فَرْقك إلى قدمك. وأصل التوسم التثبت والتفكر؛ مأخوذ من الوسم وهو التأثير بحديدة في جلد البعير وغيره، وذاك يكون بجودة القريحة وحدة الخاطر وصفاء الفكر. زاد غيره: وتفريغ القلب من حشو الدنيا، وتطهيرُه من أدناس المعاصي وكُدورة الأخلاق وفضول الدنيا.
روى نهشل عن ابن عباس : { لِلْمُتَوَسِّمِينَ } قال: لأهل الصلاح والخير.
وزعمت الصوفية أنها كرامة. وقيل: بل هي استدلال بالعلامات، ومن العلامات ما يبدو ظاهرا لكل أحد وبأول نظرة، ومنها ما يخفى فلا يبدو لكل أحد ولا يدرك ببادئ النظر.
قال الحسن البصريُّ: المتوسمون هم الذين يتوسمون الأمور فيعلمون أن الذي أهلك قوم لوط قادر على أن يهلك الكفار؛ فهذا من الدلائل الظاهرة.
ومثله قول ابن عباس،: (ما سألني أحد عن شيء إلا عرفتُ أفقيهٌ هو أو غير ُفقيهٍ).
وروي عن الشافعي ومحمد بن الحسن أنهما كانا بفِناء الكعبة ورجلٌ على باب المسجد فقال أحدهما: أراه نجارا، وقال الآخر: بل حدادا، فتبادر من حضر إلى الرجل فسأل فقال: كنت نجاراً وأنا اليوم حدادٌ. فراسة الإمامين واستدلالهما القلبي الصادق.
وروي عن جندب بن عبدالله البجلي أنه أتى على رجل يقرأ القرآن فوقف فقال: من سمَّع سمَّع الله به، ومن راءى راءى الله به. فقلنا له: كأنك عرضت بهذا الرجل، فقال: إن هذا يقرأ عليك القرآن اليوم ويخرج غداً حروريا؛ فكان رأس الحرورية، واسمه مرداس.
وروي عن الحسن البصري أنه دخل عليه عمرو بن عبيد فقال: هذا سيد فتيان البصرة إن لم يُحدِثْ، فكان من أمره من القدر ما كان، حتى هجره عامة إخوانه. وقال لأيوب: هذا سيد فتيان أهل البصرة، ولم يستثن.
وروي عن الشعبي أنه قال لداود الأزدي وهو يماريه: إنك لا تموت حتى تكوى في رأسك، وكان كذلك.
وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل عليه قوم من مذحج فيهم الأشتر، فصعَّدَ فيه النظر وصَوَّبه وقال: أيُّهم هذا؟ قالوا: مالك بن الحارث. فقال: ما له قاتله الله! إني لأرى للمسلمين منه يوما عصيبا؛ فكان منه في الفتنة ما كان.
ويُروى- والعُهدةُ على الراوي- أن أنس بن مالك دخل على عثمان بن عفانٍ رضي الله عنهما، وكان قد مر بالسوق فنظر إلى امرأة!! فلما نظر إليه قال عثمان: (يدخل أحدكم علي وفي عينيه أثر الزنى فقال له أنس: أوَحياً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال لا ولكن برهان وفَراسة وصدق).
ومثله كثير عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين.
قال أبو بكر بن العربي: "إذا ثبت أن التوسم والتفرس من مدارك المعاني فإن ذلك لا يترتب عليه حكم ولا يؤخذ به موسوم ولا متفرس.
يقول القرطبيُّ رحمه الله: وقد كان قاضي القضاة الشامي المالكي ببغداد أيام كنتُ بالشام يحكم بالفراسة في الأحكام، جريا على طريق إياس بن معاوية أيام كان قاضياً، وكان شيخنا فخر الإسلام أبو بكر الشاشي صنَّفَ جزءا في الرد عليه، كتبه لي بخطه وأعطانيه، وذلك صحيح؛ فإن مَدارك الأحكام معلومة شرعا مدركة قطعا وليست الفراسة منها.