بين الخليل والضليل / د. عثمان قدري مكانسي

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
23,817
التفاعل
19,642 126 0
بين الخليل والضليل

الدكتور عثمان قدري مكانسي


الحوار بين المتناقضين فكراً وهدفاً أمرٌ عادي تراه في حديث الدعاة وأصحاب المبادئ وفُرَقاء السياسة وأرباب العلم والأدب . وفي القرآن أمثلة واضحة تدل على وجوب الحوار الهادف للوصول إلى الحق أو لدحض الطرف الآخر . منها ما كان بين سيدنا إبراهيم عليه السلام وملك زمانه الذي أمر بطرحه في النار ، فلما أنقذه الله منها كان بينهما لقاء قرأناه في سورة البقرة ، أولَ الجزء الثالث من القرآن الكريم :
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)}.

ولعلك ترى في قوله تعالى: { ألَمْ ترَ } دعوة إلى التفكر والتدبر في أمور عدّة ، منها :
1- أن على المرء أن يتفكر ويتدبر فيما يجري حوله ليصل إلى الهدف المنشود.
2- وأن على العاقل أن يُمَحِّص الأمور ويقلبها معتمداً على فهم الواقع والعظات والعِبر.
3- وأن يكون الهدفُ من الحوار حضوراً أو اشتراكاً فيه الوقوفَ على الحق والتزامه.
قد يغتر الإنسان بنفسه حين يغتني ، قال سبحانه :
{ كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى (7)} (العلق) .
ألم يقل الرجل الغني المكابر للمؤمن الأقل منه مالاً وولداً متفاخرا ، كما قال عز وجلّ :
{ ... أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (35)} (الكهف)
يظن أنه بكثرة ماله وولده أكرم منه وأقرب عند الله. أو أعظم مكانة من غيره ، والحقيقة أن الغنى والفقر امتحانٌ واختبار ، وقد قال الله تعالى في هذا المعنى في سورة الفجر:
{ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)} ،
ويأتي الجواب : { كَلَّا ... (17)}
وهذا الملك الذي يحاوره إبراهيم الخليل عليه السلام يَدِلُّ عليه أنه ملك عظيم ، وينكر على إبراهيم عبادة الله :
{ حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ } ومن كان ملكاً استعبد الناس واستعلى عليهم،وفرض عليهم نفسه إلهاً .

والملاحظ أن المستكبر لا يملك -على الأغلب – آلية الحوار والمبادرة فيه سوى الامر الواجب على الآخرين أن ينفذوه دون تباطؤ. لقد بدأ إبراهيم عليه السلام بالحوار قائلاً : إن الإله يحيي ويميت ، وما ذكر هاتين الصفتين إلا لأنهما من أوّليّات الألوهية الحقة فما كان من الملك السفيه إلا ان ردّ { أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ } دون أن يفهم مرام الكلمة ، فمن صفات المحيي والمميت أنه أبدي سرمدي،وأنّى لمخلوق مهما علت مرتبته واشتدت قدرته أن يَحيَى إلى الأبد ، ونسي هذا المدّعي أن له بداية ، ومن كانت له بداية لا بد أن تكون له نهاية ، فهو ميّت وعاجز مقهور.
 
عودة
أعلى