دعوة وإجابة*
الدكتور عثمان قدري مكانسي
الدكتور عثمان قدري مكانسي
دعوة نحتاجها دائماً ، سبقنا بها صالحو بني إسرائيل الذين عاشوا مع موسى عليه السلام في مصر فنالهم أذى فرعون وقومِه، هذه الدعوة دليل الإيمان لقوله تعالى على لسان موسى عليه السلام :
{ وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّـهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ (84)} (يونس) ،
فسبق التوكُّلَ إيمانٌ، وتبعه إسلامٌ ، فالتوكلُ نابع من الإيمان الذي يجعل المؤمن يُسلمُ أمره لله..
فما كان ممن آمن بموسى إلا أن نطقوا بما يدل على إيمانهم وسألوا الله سبحانه أمرين :
1- أن لا يجعلهم فتنة للظالمين
2- وأن ينجّيهم من جبروت الكافرين ، { فَقَالُوا عَلَى اللَّـهِ تَوَكَّلْنَا ...(85)} ، وتوجهوا إلى الله يسالونه الحفظ من ظلم الظالمين وفتنتِهم والنجاةَ من الكافرين.
{ ... رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85} وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86)} (يونس)
سبقَ الدعاءَ توكلٌ على الله ، فمن توكل على الله كفاه ويقال له كما في الحديث الشريف : (... كُفيتً ووقيتَ).
لا بد من اللجوء إلى الله والاعتماد عليه في كشف الكروب والسلامة منها ومن أهلها.
فسَألوا اللهَ ربَهم { رَبَّنَا } فهم ينتمون إليه سبحانه ، عبادُه الذين يحبونه وينتصرون به،
وكلمة { لَا تَجْعَلْنَا } تحويل من حالة إلى أخرى ، فهو وحده - سبحانه- من يفعل ذلك، ولكن التغيير لا يكون إلا إذا غيّر الناسُ :
{ ... إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ... (11)} (الرعد) ،
والبراهين على ذلك كثيرة، أهمّها : في الحديث القدسي : { فاستهدوني أهدِكم } فنحن نطلب الهداية ممن يهدي فيجيبنا إلى ذلك، وواضح أيضاُ من قوله تعالى في سورة القصص :
{ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)} ،
فالله وحده الهادي ،على أن تطلب منه الهداية ، (وأنت المهتدي : أنت طالب الهداية) ومنه الدعاء المعروفُ : اللهم اهدنا فيمن هديت.
يروي الطبري رحمه اللهُ في قوله عز وجلّ : { ... رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85} :
لا تختبرْ هؤلاء وتمتحنْهم فينا كي لا يظهروا علينا ،فيظنوا أنهم خير منهم وأنهم إن سُلِّطوا عليهم فلكرامتهم وهوان الآخرين، وكذلك رُويَ عن وكيع .
وقال غيرُه: لا تسلطهم علينا فيزدادوا فتنة في أنفسهم ويفتنونا أيضاً.
وقال مجاهد: لا تعذبنا بأيدي قوم فرعون، ولا بعذاب من عندك.
ويقول آخر: لا تبتَلِنا – ربنا- فتُجهدَنا، فيُفتن غيرُنا إذ يظنون أن هذه الفتنة دليل على صواب ما هم عليه.
ويقولُ ابن كثير رحمه الله: لا تُظفرهم بنا ولا تسلطهم علينا ، فيظنوا أنهم على حق ،ونحن على باطل.
أما القرطبي رحمه الله فيرى المعنى مُلَخَّصاً في جملة قصيرة : لا تُهلكنا بأيدي أعدائنا.
أما الشوكاني رحمه الله فإنه يرى في دعائهم اهتماماً بأمر الدين فوق اهتمامهم بانفسهم.
ويرى القرطبي في قوله جلّ ثناؤه : { وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86)} ،
رغبة في الخلاص من فرعون وقومه لانهم كانوا يأخذونهم بالأعمال الشاقّة، ولن يكون ذلك إلا برحمة الله كما يقول ابن كثير.
أما الالوسي في روح المعاني فيرى أن التوكل على الله في مقدمة الدعاء أرجى للإجابة ودليلاً على الاستسلام لله تعالى
ولا ننس قوله سبحانه يصف جَور الكافرين وإجرام نفوسهم في سورة الكهف :
{ إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)} ،
وقوله جلً وعلا في سورة التوبة :
{ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)} ،
وقوله تقدست أسماؤه في سورة الممتحنة :
{ إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2)} ،
فهذا الكفر المصحوب بالظلم والإجرام يقف أمامه رحمة الله بالمسلمين ، فترى أتباع موسى عليه السلام يخصّون رحمة الله بالذكر :
{ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ } .
وهذا ما ينبغي أن يكون دماً متجدداً في قلوب المسلمين ، وكلمة تلهج بها دوماً ألسنتُهم :
{ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } .
اللهم آمين آمين
* بتصرف بسيط جداً
{ وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّـهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ (84)} (يونس) ،
فسبق التوكُّلَ إيمانٌ، وتبعه إسلامٌ ، فالتوكلُ نابع من الإيمان الذي يجعل المؤمن يُسلمُ أمره لله..
فما كان ممن آمن بموسى إلا أن نطقوا بما يدل على إيمانهم وسألوا الله سبحانه أمرين :
1- أن لا يجعلهم فتنة للظالمين
2- وأن ينجّيهم من جبروت الكافرين ، { فَقَالُوا عَلَى اللَّـهِ تَوَكَّلْنَا ...(85)} ، وتوجهوا إلى الله يسالونه الحفظ من ظلم الظالمين وفتنتِهم والنجاةَ من الكافرين.
{ ... رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85} وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86)} (يونس)
سبقَ الدعاءَ توكلٌ على الله ، فمن توكل على الله كفاه ويقال له كما في الحديث الشريف : (... كُفيتً ووقيتَ).
لا بد من اللجوء إلى الله والاعتماد عليه في كشف الكروب والسلامة منها ومن أهلها.
فسَألوا اللهَ ربَهم { رَبَّنَا } فهم ينتمون إليه سبحانه ، عبادُه الذين يحبونه وينتصرون به،
وكلمة { لَا تَجْعَلْنَا } تحويل من حالة إلى أخرى ، فهو وحده - سبحانه- من يفعل ذلك، ولكن التغيير لا يكون إلا إذا غيّر الناسُ :
{ ... إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ... (11)} (الرعد) ،
والبراهين على ذلك كثيرة، أهمّها : في الحديث القدسي : { فاستهدوني أهدِكم } فنحن نطلب الهداية ممن يهدي فيجيبنا إلى ذلك، وواضح أيضاُ من قوله تعالى في سورة القصص :
{ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)} ،
فالله وحده الهادي ،على أن تطلب منه الهداية ، (وأنت المهتدي : أنت طالب الهداية) ومنه الدعاء المعروفُ : اللهم اهدنا فيمن هديت.
يروي الطبري رحمه اللهُ في قوله عز وجلّ : { ... رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85} :
لا تختبرْ هؤلاء وتمتحنْهم فينا كي لا يظهروا علينا ،فيظنوا أنهم خير منهم وأنهم إن سُلِّطوا عليهم فلكرامتهم وهوان الآخرين، وكذلك رُويَ عن وكيع .
وقال غيرُه: لا تسلطهم علينا فيزدادوا فتنة في أنفسهم ويفتنونا أيضاً.
وقال مجاهد: لا تعذبنا بأيدي قوم فرعون، ولا بعذاب من عندك.
ويقول آخر: لا تبتَلِنا – ربنا- فتُجهدَنا، فيُفتن غيرُنا إذ يظنون أن هذه الفتنة دليل على صواب ما هم عليه.
ويقولُ ابن كثير رحمه الله: لا تُظفرهم بنا ولا تسلطهم علينا ، فيظنوا أنهم على حق ،ونحن على باطل.
أما القرطبي رحمه الله فيرى المعنى مُلَخَّصاً في جملة قصيرة : لا تُهلكنا بأيدي أعدائنا.
أما الشوكاني رحمه الله فإنه يرى في دعائهم اهتماماً بأمر الدين فوق اهتمامهم بانفسهم.
ويرى القرطبي في قوله جلّ ثناؤه : { وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86)} ،
رغبة في الخلاص من فرعون وقومه لانهم كانوا يأخذونهم بالأعمال الشاقّة، ولن يكون ذلك إلا برحمة الله كما يقول ابن كثير.
أما الالوسي في روح المعاني فيرى أن التوكل على الله في مقدمة الدعاء أرجى للإجابة ودليلاً على الاستسلام لله تعالى
ولا ننس قوله سبحانه يصف جَور الكافرين وإجرام نفوسهم في سورة الكهف :
{ إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)} ،
وقوله جلً وعلا في سورة التوبة :
{ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)} ،
وقوله تقدست أسماؤه في سورة الممتحنة :
{ إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2)} ،
فهذا الكفر المصحوب بالظلم والإجرام يقف أمامه رحمة الله بالمسلمين ، فترى أتباع موسى عليه السلام يخصّون رحمة الله بالذكر :
{ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ } .
وهذا ما ينبغي أن يكون دماً متجدداً في قلوب المسلمين ، وكلمة تلهج بها دوماً ألسنتُهم :
{ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } .
اللهم آمين آمين
* بتصرف بسيط جداً