في يونيو/حزيران2008 قام الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ياب دي هوب شيفر بزيارة إلى العاصمة الأوكرانية كييف، بحث خلالها فرص انضمام أوكرانيا إلى برنامج عضوية الحلف، الذي يأمل الأوكرانيون الالتحاق به خلال الاجتماع الوزاري لدول الناتو، المقرر عقده في ديسمبر/كانون الأول2009وفي خطوة رئيسية على طريق اندماجها في المنظومة الأطلسية، وقعت أوكرانيا هذا الشهر اتفاقية تفوّض بموجبها الناتو مراقبة مجالها الجوي، كما أبرمت معاهدة خاصة بالانضمام إلى قوات الردع السريع التابعة للحلف. وتعد أوكرانيا الدولة الوحيدة بين شركاء الناتو التي تساهم في ثلاث عمليات تحت قيادته: في كوسوفو، وأفغانستان، وما يعرف بعملية “المجهود النشط” في البحر الأبيض المتوسط، فضلاً عن مشاركتها بقوات في العراق. وتجري في أوكرانيا مناورات عسكرية دولية الطابع منذ العام ،1997 تعرف باسم (Sea Breeze)، ويدور الحديث في الوقت ذاته عن تدريبات دولية أخرى هي (Sofex-2008) و(Combined Effort-2008)، فضلاً عن تدريبات القيادة والأركان الأوكرانية الأمريكية المشتركة (Rapid Trident-2008). وغير بعيد عن ذلك، أفادت بعض التقارير بأن أوكرانيا بصدد تسليم الناتو محطتي رادار رئيسيتين كانتا تعملان سابقاً لمصلحة الروس، تقعان في كل من موكاتشيفو وسيفاستوبول.
ويرى الرئيس الأوكراني فيكتور يوشينكو أن صفة الحياد، وعدم الانضمام إلى الأحلاف، لا يمكن أن تضمن لأوكرانيا أمنها القومي بحال من الأحوال. ورأى يوشينكو أن “من يفرض علينا عدم الانضمام إلى الأحلاف، والاعتماد على سياسات الأمن القومي الخاصة، هم سياسيون ذوو نوايا غير صادقة، ولا يقدمون إجابات نزيهة لمجتمعهم وأطفالهم”.
وكانت أوكرانيا قد عبرت منذ أكثر من عشرة أعوام عن نيتها تعزيز اندماجها في الأطر الأطلسية، وقد تحقق ذلك في ميثاق الناتو أوكرانيا من أجل شراكة متميزة، الذي وقع في العام 1997 وتشكلت على خلفيته لجنة خاصة بتسريع الاندماج. وفي اجتماع وزراء خارجية الناتو، الذي عُقد في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، في أبريل/نيسان ،2005 وجه الحلف دعوة إلى أوكرانيا لبدء حوار مكثف حول العضوية، وهو ما تم بالفعل. بيد أن قمة الحلف، التي عقدت في بوخارست في أبريل الماضي، تجنبت إعطاء الأوكرانيين صفة مرشح لنيل العضوية واكتفت بدلاً من ذلك بالتأكيد على تعزيز التعاون القائم. وهو موقف نظر إليه على أنه استجابة لضغوط روسية، أو مراعاة لحساسية الوضع. ففي مقاربتهم لقضية انضمامها للناتو، سعى الروس لتذكير الغرب بأن أوكرانيا السلافية، التي تقطنها أغلبية أرثوذكسية، كانت مندمجة في روسيا منذ القرن السابع عشر، ولهذا لا يمكن أن يتصورها الرأي العام الروسي عضواً في حلف غربي. وقال الخبراء الروس إنه إذا كان انضمام دول البلطيق إلى الناتو قد أثار بالأمس القريب اهتمام السياسيين الروس بالدرجة الأولى، وليس الشعب الروسي، فإن أوكرانيا مسألة أخرى.
وبدا الروس صريحين في الإعلان بأن انضمام أوكرانيا للناتو يمثل تهديداً صريحاً لأمنهم القومي، كما يعد تراجعاً من قبل سلطات كييف عن تعهداتها بمراعاة مصالح روسيا وهواجسها الأمنية، حيث تنص “معاهدة الصداقة والتعاون والشراكة” الموقعة بين البلدين في العام 1997 على ضرورة امتناع أي طرف عن المشاركة في أعمال من شأنها الإضرار بأمن الطرف الآخر ومصالحه القومية. وقد رأى الروس أنه في حال انضمام أوكرانيا للناتو فمن المشكوك فيه أن يقبل الحلف ببقاء حدودها الشرقية دون أسلاك شائكة وحراسة مدججة بأنواع الأسلحة، في حين أن إقامة ذلك على أرض كانت ولا تزال تخلو من أية حدود فاصلة بالمعنى المتعارف عليه من شأنه أن يجعل كل قطعة من الأرض موضع نزاع، ويجعل من كل قرية مخفراً حدودياً.
وثمة اعتقاد يتشاطره على حد سواء كل من الباحثين الروس والأوروبيين مفاده أنّ منطقة البحر الأسود لن تخضع أبداً للنفوذ الروسي في حال انضمت أوكرانيا للناتو، كما أن احتياطيات بحر قزوين يمكن أن تقع تحت سيطرة هذا الحلف، كون البحر الأسود يمثل ممراً مهماً لنقل نفط قزوين إلى أوروبا. بل إن وضع أوكرانيا يبقى فائقاً في خصوصيته لسببين: الأول تداخل مياهها الإقليمية مع روسيا في بحر آزوف ومضيق كيرتش، والثاني سيادتها على شبه جزيرة القرم، ذات المكانة المتقدمة في حسابات أمن البحر الأسود.
ويرى الخبراء الروس أن أحد تداعيات انضمام أوكرانيا إلى الناتو قد يتمثل في انسحاب روسيا من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة التقليدية في أوروبا، وهي المعاهدة التي جمدت موسكو مشاركتها فيها منذ ديسمبر/كانون الأول 2007. كذلك، قد تنهي موسكو للسبب ذاته معاهدة الصداقة والتعاون المبرمة مع كييف. وكان الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف قد صرح خلال لقائه مع الرئيس الأوكراني فيكتور يوشينكو، في سانت بطرسبورغ في السادس من حزيران/ يونيو2008أن انضمام أوكرانيا إلى الناتو يمثل انتهاكاً لبنود هذه المعاهدة.
وفي تصعيد للموقف، قال نائب رئيس الحكومة الروسية سيرغي ايفانوف، في الرابع عشر من يونيو/حزيران 2008، إن انضمام كييف إلى الناتو سيؤدي إلى فرض نظام تأشيرة دخول بين البلدين، وينهي التعاون القائم بينهما في مجال الصناعة العسكرية. ومن جهته، ألمح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى إمكانية رفع سعر الغاز المصدر لأوكرانيا إلى مستوى الضعف، اعتباراً من الأول من يناير/كانون الثاني 2009. وذلك في حال مضت كييف قدماً في مسارها إلى الناتو. وقبل بضعة أشهر، جاء التحذير الأبرز من فلاديمير بوتين، حين كان رئيسياً للبلاد، حين تحدث عن إمكانية تصويب صواريخ نووية باتجاه أوكرانيا في حال ظهور قواعد عسكرية للناتو على أراضيها. وقال بوتين، الذي أضحى الآن رئيساً للوزراء: “سنكون مضطرين لإعادة تصويب صواريخنا نحو المواقع التي نعتبرها تهديداً لأمننا القومي. وأجد نفسي ملزماً بأن أقول ذلك على نحو مباشر ونزيه”.
ويدور الحديث بصفة أساسية عن احتمال انفصال المناطق الأوكرانية التي يسيطر عليها حزب الأقاليم المعارض، وهو حزب موال لروسيا. كذلك، أعاد الروس فتح ملف شبه جزيرة القرم وإمكانية “عودتها” للسيادة الروسية. فقد رأى سفير روسيا لدى الناتو دميتري روغوزين أن قادة أوكرانيا يسعون إلى الاستظلال بمظلة الأطلسي في محاولة “لتكريس سيطرتهم على ما وضعوا اليد عليه” عندما تفكك الاتحاد السوفييتي، وبالأخص شبه جزيرة القرم، التي نقلت إلى تبعية جمهورية أوكرانيا السوفييتية وفقاً لقرار للزعيم السوفييتي خروشوف في العام 1954 “افتقر إلى المشروعية”.
وبدوره رأى ألكسي اوستروفسكي، رئيس لجنة الدول حديثة الاستقلال في مجلس الدوما الروسي “أن من حق الدولة الروسية إعادة النظر” في قرار خروشوف بشأن نقل تبعية شبه جزيرة القرم من روسيا إلى أوكرانيا السوفييتية. وحتى اليوم، لم يتم ترسيم حدود أوكرانيا البحرية، كما يثار الجدل تارة حول جزيرة توزلا مع روسيا، وأخرى حول جزيرة زمييني مع رومانيا. فضلاً عن الدعاوى المستجدة بشأن شبه جزيرة القرم.
ومن الواضح هنا أن الروس ذهبوا بعيداً في ضغوطهم الرامية إلى وقف مسيرة أوكرانيا نحو الناتو، وهم قد فتحوا قضايا من شأنها تغيير صورة المنطقة، بل خارطتها الجيوسياسية. ودعونا نقول إن أوكرانيا تمثل اليوم أحد الميادين الأكثر تقدماً لصراع الإرادات الدولية.
ويرى الرئيس الأوكراني فيكتور يوشينكو أن صفة الحياد، وعدم الانضمام إلى الأحلاف، لا يمكن أن تضمن لأوكرانيا أمنها القومي بحال من الأحوال. ورأى يوشينكو أن “من يفرض علينا عدم الانضمام إلى الأحلاف، والاعتماد على سياسات الأمن القومي الخاصة، هم سياسيون ذوو نوايا غير صادقة، ولا يقدمون إجابات نزيهة لمجتمعهم وأطفالهم”.
وكانت أوكرانيا قد عبرت منذ أكثر من عشرة أعوام عن نيتها تعزيز اندماجها في الأطر الأطلسية، وقد تحقق ذلك في ميثاق الناتو أوكرانيا من أجل شراكة متميزة، الذي وقع في العام 1997 وتشكلت على خلفيته لجنة خاصة بتسريع الاندماج. وفي اجتماع وزراء خارجية الناتو، الذي عُقد في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، في أبريل/نيسان ،2005 وجه الحلف دعوة إلى أوكرانيا لبدء حوار مكثف حول العضوية، وهو ما تم بالفعل. بيد أن قمة الحلف، التي عقدت في بوخارست في أبريل الماضي، تجنبت إعطاء الأوكرانيين صفة مرشح لنيل العضوية واكتفت بدلاً من ذلك بالتأكيد على تعزيز التعاون القائم. وهو موقف نظر إليه على أنه استجابة لضغوط روسية، أو مراعاة لحساسية الوضع. ففي مقاربتهم لقضية انضمامها للناتو، سعى الروس لتذكير الغرب بأن أوكرانيا السلافية، التي تقطنها أغلبية أرثوذكسية، كانت مندمجة في روسيا منذ القرن السابع عشر، ولهذا لا يمكن أن يتصورها الرأي العام الروسي عضواً في حلف غربي. وقال الخبراء الروس إنه إذا كان انضمام دول البلطيق إلى الناتو قد أثار بالأمس القريب اهتمام السياسيين الروس بالدرجة الأولى، وليس الشعب الروسي، فإن أوكرانيا مسألة أخرى.
وبدا الروس صريحين في الإعلان بأن انضمام أوكرانيا للناتو يمثل تهديداً صريحاً لأمنهم القومي، كما يعد تراجعاً من قبل سلطات كييف عن تعهداتها بمراعاة مصالح روسيا وهواجسها الأمنية، حيث تنص “معاهدة الصداقة والتعاون والشراكة” الموقعة بين البلدين في العام 1997 على ضرورة امتناع أي طرف عن المشاركة في أعمال من شأنها الإضرار بأمن الطرف الآخر ومصالحه القومية. وقد رأى الروس أنه في حال انضمام أوكرانيا للناتو فمن المشكوك فيه أن يقبل الحلف ببقاء حدودها الشرقية دون أسلاك شائكة وحراسة مدججة بأنواع الأسلحة، في حين أن إقامة ذلك على أرض كانت ولا تزال تخلو من أية حدود فاصلة بالمعنى المتعارف عليه من شأنه أن يجعل كل قطعة من الأرض موضع نزاع، ويجعل من كل قرية مخفراً حدودياً.
وثمة اعتقاد يتشاطره على حد سواء كل من الباحثين الروس والأوروبيين مفاده أنّ منطقة البحر الأسود لن تخضع أبداً للنفوذ الروسي في حال انضمت أوكرانيا للناتو، كما أن احتياطيات بحر قزوين يمكن أن تقع تحت سيطرة هذا الحلف، كون البحر الأسود يمثل ممراً مهماً لنقل نفط قزوين إلى أوروبا. بل إن وضع أوكرانيا يبقى فائقاً في خصوصيته لسببين: الأول تداخل مياهها الإقليمية مع روسيا في بحر آزوف ومضيق كيرتش، والثاني سيادتها على شبه جزيرة القرم، ذات المكانة المتقدمة في حسابات أمن البحر الأسود.
ويرى الخبراء الروس أن أحد تداعيات انضمام أوكرانيا إلى الناتو قد يتمثل في انسحاب روسيا من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة التقليدية في أوروبا، وهي المعاهدة التي جمدت موسكو مشاركتها فيها منذ ديسمبر/كانون الأول 2007. كذلك، قد تنهي موسكو للسبب ذاته معاهدة الصداقة والتعاون المبرمة مع كييف. وكان الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف قد صرح خلال لقائه مع الرئيس الأوكراني فيكتور يوشينكو، في سانت بطرسبورغ في السادس من حزيران/ يونيو2008أن انضمام أوكرانيا إلى الناتو يمثل انتهاكاً لبنود هذه المعاهدة.
وفي تصعيد للموقف، قال نائب رئيس الحكومة الروسية سيرغي ايفانوف، في الرابع عشر من يونيو/حزيران 2008، إن انضمام كييف إلى الناتو سيؤدي إلى فرض نظام تأشيرة دخول بين البلدين، وينهي التعاون القائم بينهما في مجال الصناعة العسكرية. ومن جهته، ألمح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى إمكانية رفع سعر الغاز المصدر لأوكرانيا إلى مستوى الضعف، اعتباراً من الأول من يناير/كانون الثاني 2009. وذلك في حال مضت كييف قدماً في مسارها إلى الناتو. وقبل بضعة أشهر، جاء التحذير الأبرز من فلاديمير بوتين، حين كان رئيسياً للبلاد، حين تحدث عن إمكانية تصويب صواريخ نووية باتجاه أوكرانيا في حال ظهور قواعد عسكرية للناتو على أراضيها. وقال بوتين، الذي أضحى الآن رئيساً للوزراء: “سنكون مضطرين لإعادة تصويب صواريخنا نحو المواقع التي نعتبرها تهديداً لأمننا القومي. وأجد نفسي ملزماً بأن أقول ذلك على نحو مباشر ونزيه”.
ويدور الحديث بصفة أساسية عن احتمال انفصال المناطق الأوكرانية التي يسيطر عليها حزب الأقاليم المعارض، وهو حزب موال لروسيا. كذلك، أعاد الروس فتح ملف شبه جزيرة القرم وإمكانية “عودتها” للسيادة الروسية. فقد رأى سفير روسيا لدى الناتو دميتري روغوزين أن قادة أوكرانيا يسعون إلى الاستظلال بمظلة الأطلسي في محاولة “لتكريس سيطرتهم على ما وضعوا اليد عليه” عندما تفكك الاتحاد السوفييتي، وبالأخص شبه جزيرة القرم، التي نقلت إلى تبعية جمهورية أوكرانيا السوفييتية وفقاً لقرار للزعيم السوفييتي خروشوف في العام 1954 “افتقر إلى المشروعية”.
وبدوره رأى ألكسي اوستروفسكي، رئيس لجنة الدول حديثة الاستقلال في مجلس الدوما الروسي “أن من حق الدولة الروسية إعادة النظر” في قرار خروشوف بشأن نقل تبعية شبه جزيرة القرم من روسيا إلى أوكرانيا السوفييتية. وحتى اليوم، لم يتم ترسيم حدود أوكرانيا البحرية، كما يثار الجدل تارة حول جزيرة توزلا مع روسيا، وأخرى حول جزيرة زمييني مع رومانيا. فضلاً عن الدعاوى المستجدة بشأن شبه جزيرة القرم.
ومن الواضح هنا أن الروس ذهبوا بعيداً في ضغوطهم الرامية إلى وقف مسيرة أوكرانيا نحو الناتو، وهم قد فتحوا قضايا من شأنها تغيير صورة المنطقة، بل خارطتها الجيوسياسية. ودعونا نقول إن أوكرانيا تمثل اليوم أحد الميادين الأكثر تقدماً لصراع الإرادات الدولية.
التعديل الأخير: