المرابطين أو الملثمون حركة دينية قديمة ظهرت في قبائل صنهاجة الجنوب الأمازيغية, مالي حاليا و بالتحديد أزواد.
لقد انطلقت الحركة المرابطية من الصحراء جنوبا و إنتشرت شمالا حتى الأندلس وذلك عبر مراحل تاريخية فاصلة.
في القرن 5 إنقسمت و تقاتلت قبائل سنهاجة الشمال. فإستغل المرابطين الفراغ ليدعوا للأﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻭﺍﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻨﻜﺮ و خصوصا القضاء على برواطة, و تمسنا الخارجين عن الدين من وجهة نضرهم و كذلك بقايا الفاطميين الشيعة. وأرسوا أسس المذهب المالكي السني.
هذه بقية القصة من ابن خلدون «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» :
كان هؤلاء الملثمون في صحاريهم كما قلناه وكانوا على دين المجوسية إلى أن ظهر فيهم الإسلام لعهد المائة الثالثة كما ذكرناه وجاهدوا جيرانهم من السودان عليه فدانوا لهم واستوثق لهم الملك. ثم افترقوا وكانت رياسة كل بطن منهم في بيت مخصوص. فكانت رياسة لمتونة في بني ورتانطق بن منصور بن مصالة بن المنصور بن مزالت بن أميت بن رتمال بن تلميت وهو لمتونة. ولما أفضت الرياسة إلى يحيى بن إبراهيم الكندالي وكان له صهر في بني ورتانطق هؤلاء وتظاهروا على أمرهم.
وخرج يحيى بن إبراهيم لقضائه فرصة في رؤساء من قومه في سني أربعين وأربعمائة فلقوا في منصرفهم بالقيروان شيخ المذهب المالكي أبو عمران الفاسي واغتنموا ما متعوا به من هديه وما شافههم به من فروض أعيانهم من فتاوبه. وسأله الأمير يحيى أن يصحبهم من تلميذه من يرجعون إليه في نوازلهم وقضايا دينهم. فندب تلميذه إلى ذلك حرصاً على إيصال الخير إليهم لما رأى من رغتهم فيه فاستوعبوا مسغبة بلادهم. وكتب لهم الفقيه أبو عمران إلى الفقيه محمد وكاك بن زلوا اللمطي بسجلماسة من الآخذين عنه وعهد إليه أن يلتمس لهم من يثق بدينه وفقهه ويروض نفسه على مسغبة أرضهم قي معاشه فبعث معهم عبد الله بن ياسين بن مكو الجزولي ووصل معهم يعلمهم القرآن ويقيم لهم الدين.
ثم هلك يحيى بن إبراهيم وافترق أمرهم واطرحوا عبد الله بن ياسين واستصعبوا علمه وتركوا الأخذ عنه لما تجشموا فيه من مشاق التكليف فأعرض عنهم وترهب. وتنسك معه يحيى بن عمر بن تلاكاكين من رؤساء لمتونة وأخوه أبو بكر فنبذوا عن الناس في ربوة يحيط بحر النيل من جهاتها ضحضاحاً في المصيف وغمراً في الشتاء فتعود جزراً منقطعة. فدخلوا في غياضها منفردين للعبادة وتسامع بهم من في قلبه مثقال حبة من خير فتسايلوا إليهم ودخلوا ولما كمل معهم ألف من الرجالات قال لهم شيخهم عبد الله بن ياسين إن ألفاً لن تغلب من قلة وقد تعين علينا القيام بالحق والدعاء إليه وحمل الكافة عليه فأخرجوا بنا لذلك فخرجوا وقتلوا من استعصى عليهم من قبائل لمتونة وكدالة ومسوفة حتى أنابوا إلى الحق واستقاموا على الطريقة وأذن لهم في أخذ الصدقات من أموال المسلمين وسماهم بالمرابطين وجعل أمرهم في العرب إلى الأمير يحيى بن عمر فتخطوا الرمال الصحراوبة إلى بلاد درعة وسجلماسة فأعطوهم صدقاتهم وانقلبوا.
ثم كتب إليهم وكاك اللمطي بما نال المسلمين فيما إليه من العسف والجور من بني وانودين أمراء سجلماسة من مغراوة وحرضهم على تغيير أمرهم فخرجوا من الصحراء سنة خمس وأربعين وأبعمائة في عدد ضخم ركباناً على المهارى أكثرهم وعمدوا إلى درعة. لا بل كانت هنالك بالحمى وكانت تناهز. خمسين ألفاً ونحوها. ونهض إليهم مسعود بن وانودين أمير مغراوة وصاحب سجلماسة ودرعة لمدافعتهم عنها وعن بلاده فتواقعوا وانهزم ابن وانودين وقتل واستلحم عسكره مع أموالهم واستلحمهم ودوابهم وإبل الحمى التي كانت ببلد درعة.
وقصدوا سجلماسة فدخلوها غلاباً وقتلوا من كان بها من فل مغراوة وأصلحوا من أحوالها وغيروا المنكرات وأسقطوا المغارم والمكوس واقتضوا الصدقات واستعملوا عليها منهم وعادوا إلى صحرائهم. فهلك يحيى بن عمر سنة سبع وأربعين وقدم وافتتح ماسة وتارودانت وجميع معاقله. ثم افتتح مدينة أغمات سنة تسع وأربعين وفر أميرها لقوط بن يوسف بن علي المغراوي إلى قادلا واستضاف إلى بني يفرن بها ثم افتتح المرابطون بلاد المصامدة بجبال درن وجاسوا خلالها سنة خمسين ثم أغزوا تادلا فاستباحوها واستلحموا بني يفرن ملوكها وقتل معهم لقوط بن يوسف المغراوي صاحب أغمات.
وتزوج امرأته زينب بنت إسحق النفراوية وكانت مشهورة بالجمال والرئاسة وكانت قبل لقوط عند يوسف بن علي بن عبد الرحمن بن واطاس وكان شيخاً على وريكة وهزرجة بزمن هيلانة في دولة أمغارن في بلاد المصامدة وهم الشيوخ. وتغلب بنو يفرن على وريكة وملكوا أغمات فتزوج لقوط زينب هذه ثم تزوجها بعده أبو بكر بن عمر كما ذكرنا. ثم دعا المرابطين إلى جهاد برغواطة الذين كانوا بتامستا وإنفا وجهات الريف الغربي فكانت لهم فيهم وقائع وأيام استشهد عبد الله بن ياسين في بعضها سنة خمسين. وقدم المرابطون بعده سليمان بن عدو ليرجعوا إليه في قضايا دينهم.
واستمر أبو بكر بن عمر في إمارة قومه على جهادهم ثم استأصل شأفتهم ومحا أثر دعوتهم من المغرب وهلك في جهادهم سليمان بن عدو سنة إحدى وخمسين لسنة من وفاة عبد الله بن ياسين. ثم نازل أبو بكر مدينة لواتة وافتتحها عنوة وقتل من كان بها من زناتة سنة اثنتين وخمسين. وبلغه وهو لم يستتم فتح المغرب بعدما وقع من الخلاف بين لمتونة ومسوفة ببلاد الصحراء حيث أصل أعياصهم ووشايج أعراقهم ومنيع عددهم فخشي افتراق الكلمة وانقطاع الوصلة وتلافى أمره بالرحلة. وأكد ذلك زحف بلكين بن محمد بن حماد صاحب القلعة إلى المغرب سنة ثلاث وخمسين لقتالهم فارتحل أبو بكر إلى الصحراء واستعمل على المغرب ابن عمه يوسف بن تاشفين ونزل له عن زوجه زينب بنت إسحق ولحق بقومه. ورفع ما كان بينهم من خرق الفتنة وفتح باباً من جهاد السودان فاستولى على نحو تسعين مرحلة من بلادهم. وأقام يوسف بن تاشفين بأطراف المغرب ونزك بلكين صاحب القلعة فاس وأخذ رهنها على الطاعة وانكفأ راجعاً.
فحينئذ سار يوسف بن تاشفين في عسكره من المرابطين ودوخ أقطار المغرب. ثم رجع أبو بكر إلى المغرب فوجد يوسف بن تاشفين قد استبد عليه. وأشارت عليه زينب أن يريه الاستبداد في أحواله وأن يعد له متاع الصحراء وماعونها ففطن لذلك الأمير أبو بكر وتجافى عن المنازعة وسلم له الأمر ورجع إلى أرضه فهلك لمرجعه سنة ثمانين وأربعمائة. واختط يوسف مدينة مراكش سنة أربع وخمسين ونزلها بالخيام وأدار سورها على مسجد وقصبة صغيرة لاختزان أمواله وسلاحه وكمل تشييدها وأسوارها ابنه من بعده سنة ست وعشرين وخمسمائة. وجعل يوسف مدينة مراكش لنزله لعسكره وللتمرس بقبائل المصامدة المصيفة بمواطنهم بها في جبل درن فلم يكن في قبائل المغرب أشد منهم ولا أكثر جمعاً. ثم صرف عزمه إلى مطالبة مغراوة وبني يفرن وقبائل زناتة بالمغرب وجذب الحبل من أيديهم وكشف ما نزل بالرعايا من جورهم وعسفهم فقد كانوا من ذلك على ألم - حدث المؤرخون في أخبار مدينة فاس ودولتهم فيها بكثير منه - فنازل أولاً قلعة فازاز وبها مهدي بن توالي من بني يحفش.
قال صاحب نظم الجواهر: وهم بطن من زناتة وكان أبو توالي صاحب تلك القلعة ووليها هو من بعده فنازله يوسف بن تاشفين. ثم استجاش به على فاس مهدي بن يوسف الكزنابي صاحب مكناسة بما كان عدواً لمعنصر المغراوي صاحب فاس فزحف في عساكر المرابطين إلى فاس وجمع إليه معنصر ففض جموعه وارتحل يوسف إلى فاس وتقرى منازلها وافتتح جميع الحصون المحيطة بها وأقام عليها أياماً قلائل وظفر بعاملها بكار بن إبراهيم فقتله.
ثم نهض إلى صفروي فافتتحها وقتل من كان بها من أولاد وانودين المغراوي ورجع إلى فاس فافتتحها صلحاً سنة خمس وخمسين ثم خرج إلى غمارة ونازلهم وفتح كثيراً من بلادهم. وأشرف على طنجة وبها سكوت البرغواطي الحاجب صاحب سبتة وبقية الأمراء من موالي الحمودية وأهل دعوتهما. ثم رجع إلى منازلة قلعة فازاز وخالفه معنصر إلى فاس فاستولى عليها وقتل واستدعى يوسف بن تاشفين مهدي بن يوسف صاحب مكناسة ليستجيش به على فاس فاستعرضه معنصر في طريقه قبل أن تتصل بأيديهما وناجزه الحرب ففض جموعه وقتله وبعث برأسه إلى وليه ومساهمه في شدته الحاجب سكوت البرغواطي.
واستصرخ أهل مكناسة بالأمير يوسف بن تاشفين فسرح عساكر لمتونة إلى حصار فاس فأخذوا بمخنقها وقطعوا المرافق عنها وألحوا بالقتال عليها فمسهم الجهد. وبرز معنصر إلى مناجزة عدوه لإحدى الراحتين فكانت الدائرة عليه وهلك. واجتمع زناتة من بعده على القاسم بن محمد بن عبد الرحمن من ولد موسى بن أبي العافية كانوا ملوكاً بتازا وتسول فزحفوا إلى عساكر المرابطين والتقوا بوادي صفير فكان الظهور لزناتة. واستلحم كثير من المرابطين واتصل خبرهم بيوسف بن تاشفين وهو محاصر لقلعة مهدي من بلاد فازاز فارتحل سنة ست وخمسين ونزل عليها عسكر من المرابطين وصار يتنقل في بلاد المغرب فافتتح بني مراسن ثم فنزلاوة ثم بلاد ورغة سنة ثمان وخمسين. ثم افتتح بلاد غمارة سنة ستين.
وفي سنة اثنتين وستين نازل فاس فحاصرها مدة ثم افتتحها عنوة وقتل بها زهاء ثلاثة آلاف من مغراوة وبني يفرن ومكناسة وقبائل زناتة حتى أعوزت مدافنهم فرادى فاتخذت لهم الأخاديد وقبروا جماعات وخلص من نجا منهم من القتل إلى بلاد تلمسان وأمر بهدم الأسوار التي كانت فاصلة بين القرويين والأندلسيين من عدوتيها وصيرها مصراً واحداً. وأدار عليها الأسوار وحمل أهلها على الاستكثار من المساجد ورتب بناءها. وارتحل سنة ثلاث وستين إلى وادي ملوية فافتتح بلادها وحصون وطاط من نواحيها. ثم نهض سنة خمس وستين إلى مدينة الدمنة فافتتحها عنوة ثم افتتح حصن علودان من حصون غمارة. ثم نهض سنة سبع وستين إلى جبال غياثة وبني مكود من أحواز تازا فافتتحها ودوخها.
ثم قسم المغرب عمالات على بنيه وأمراء قومه وذويه ثم استدعاه المعتمد بن عباد إلى الجهاد فاعتذر له بمكان الحاجب سكوت البرغواطي وقومه من أولياء الدولة الحمودية بسبتة فأعاد إليه ابن عباد الرسل بالمشايعة إليهم فجهز إليهم قائده صالح بن عمران في عساكر لمتونة فلقيه سكوت الحاجب بظاهر طنجة في قومه ومعه ابنه ضياء الدولة فانكشف وقتل الحاجب سكوت ولحق ابنه العزيز ضياء الدولة. وكتب صالح بن عمران بالفتح إلى يوسف بن تاشفين.
ثم أغزى الأمير يوسف بن تاشفين إلى المغرب الأوسط سنة اثنتين وسبعين قائده مزدلي بن تبلكان بن محمد بن وركوت من عثسيره في عساكر لمتونة لمحاربة مغراوة ملوك تلمسان بومئذ الأمير العباس ين يختي من ولد يعلى بن محمد بن الخير بن محمد بن خزر فدوخوا المغرب الأوسط وصاروا في بلاد زناتة وظفروا بيعلى بن الأمير العباسي فقتلوه وانكفأوا راجعين من غزاتهم.
ثم نهض يوسف بن تاشفين سنة ثلاث بعدها إلى الريف وافتتح كرسيف ومليلة وسائر بلاد الريف وخرب مدينة نكور فلم تعمر بعد ثم نهض في عساكره المرابطين إلى بلاد المغرب الأوسط فافتتح مدينة وجدة وبلاد بني يزتاسن. ثم افتتح مدينة تلمسان واستلحم من كان بها من مغراوة وقتل العباس بن بختي أمير تلمسان وأنزل محمد بن المستوفى بها في عساكر المرابطين فصارت ثغراً لملكه. ونزل بعساكره واختط بها مدينة تاكرارت بمكان محلته وهو اسم المحلة بلسان البربر. ثم افتتح مدينة تنس ووهران وجبل وانشريس إلى الجزائر وانكفأ راجعاً إلى المغرب فاحتل مراكش سنة خمس وسبعين.
ولم يزل محمد بن تينعمر والياً بتلمسان إلى أن هلك وولي بعده أخوه ثم إن الطاغية تكالب على بلاد المسلمين وراء البحر وانتهز الفرصة فيها بما كان من الفرقة بين ملوك الطوائف فحاصر طليلة وبها القادر بن يحيى بن ذي النون حتى نالهم الجهد وتسلمها منه صلحاً سنة ثمان وسبعين على أن يملكه بلنسية فبعث معه عسكراً من النصرانية فدخل بلنسية وتملكها على حين مهلك صاحبها أبي بكر بن العزيز بين يدي حصار طليلة. وسار الطاغية في بلاد الأندلس حتى وقف بفرضة المجاز من صريف وأعيا أمره أهل الأندلس واقتضى منهم الجزية فأعطوها.
ثم نازل سرقسطة وضيق على ابن هود بها وطال مقامه وامتد أمله إلى تملكها فخاطب المعتمد بن عباد أمير المسلمين يوسف بن تاشفين منتجزاً وكاتبه أهل الأندلس في كافة من العلماء والخاصة فاهتز للجهاد وبعث ابنه المعز في عساكر المرابطين إلى سبتة فرضة المجاز فنازلها براً. وأحاطت بها أساطيل ابن عباد بحراً فاقتحموها عنوة في ربيع الآخر سنة ست وسبعين وتقبض على ضياء الدولة وقيد إلى المغرب فقتله صبراً وكتب إلى أبيه بالفتح.
ثم أجاز ابن عباد البحر في جماعته والمرابطين ولقيه بفاس مستنفراً للجهاد. وأنزل له ابنه الراضي عن الجزيرة الخضمراء لتكون رباطاً لجهاده فأجاز البحر في عساكر المرابطين وقبائل المغرب ونزل الجزيرة سنة تسع وثمانين وأربعمائة ولقيه المعتمد ابن عباد وابن الأفطس صاحب بطليوس. وجمع ابن أدفونش ملك الجلالقة أمم النصرانية لقتاله ولقي المرابطين بالزلاقة من نواحي بطليوس فكان للمسلمين عليه اليوم المشهور سنة إحدى وثمانين.
ثم رجع إلى مراكش وخلف عسكراً بالإشبيلية لنظر محمد ومجون بن سيمونن بن محمد بن وركوت من عشيره ويعرف أبوه بالحاج وكان محمد من بطانته وأعاظم قواد تكاليب الطاغية على شرق الأندلس ولم يغن فيه أمراء الطوائف شيئاً فزحف إليه من سبتة ابن الحاج قائد يوسمف بن تاشفين في عساكر المرابطين فهزموا جميع النصارى هزيمة شنيعة. وخلع ابن رشيق صاحب مرسية وتمادى إلى دانية ففر علي بن مجاهد أمامه إلى بجاية ونزل على الناصر بن علناس فأكرمه ووصل ابن جحاف قاضي بلنسية إلى محمد بن الحاج مغرياً بالقادر بن ذي النون فأنفذ معه عسكراً وملك بلنسية وقتل ابن ذي النون وذلك سنة خمس وثمانين وانتهى الخبر إلى الطاغية فنازل بلنسية واتصل حصاره إياها إلى أن ملكها سنة خمس وثمانين ثم استخلصتها عساكر المرابطين وولى عليها يوسف بن تاشفين الأمير مزدلي وأجاز يوسف بن تاشفين ثانية سنة ست وثمانين وتثاقل أمراء الطوائف عن لقائه لما أحسوا من نكيره عليهم لما يسمون به عليهم من الظلامات والمكوس وتلاحق المغارم فوجد عليهم وعهد برفع المكوس وتحرى المعدلة فلما أجاز انقبضوا عنه إلا ابن عباد فإنه بادر إلى لقائه وأغراه بالكثير منهم فتقبض على ابن رشيق فأمكن ابن عباد منه العداوة التي بينهما.
وبعث جيشاً إلى المرية ففر عنها ابن صمادح ونزلى على المنصور بن الناصر ببجاية وتوافق ملوك الطوائف على قطع المدد عن عساكره ومحلاته فساء نظره وأفتاه الفقهاء وأهل الشورى من المغرب والأندلس بخلعهم وانتزاع الأمر من أيديهم وصارت إليه بذلك فتاوى أهل الشرق الأعلام مثل الغزالي والطرطوشي فعهد إلى غرناطة واستنزل صاحبها عبيد الله بن بلكين بن باديس وأخاه تميماً من مالقة بعد أن كان منهما مداخلة الطاغية في عداوة يوسف بن تاشفين.
وبعث بهما إلى المغرب فخاف ابن عباد عند ذلك منه وانقبض عن لقائه وفشت السعايات بينهما. ونهض يوسف بن تاشفين إلى سبتة فاستقر بها وعقد للأمير سير بن أبي بكر بن محمد وركوت على الأندلس وأجازه فقدم عليها وقعد ابن عباد عن تلقيه ومبرته فأحفظه ذلك وطالبه بالطاعة للأمير يوسف والنزول عن الأمر ففسد ذات بينهما وغلبه على جميع عمله. واستنزل أولاد المأمون من قرطبة ويزيد الراضي من رندة وقرمونة واستولى على جميعها وقتلهم. وصمد إلى إشبيلية فحاصر المعتمد بها وضيق عليه واستنجد الطاغية فعمد إلى إستنقاذه من هذا الحصار فلم يغن عنه شيئاً وكان دفاع لمتونة مما فت في عضده واقتحم المرابطون إشبيلية عليه عنوة سنة أربع وثمانين.
وتقبض على المعتمد وقاده أسيراً إلى مراكش فلم يزل في اعتقال يوسف بن تاشفين إلى أن هلك في محبسه بأغمات سنة سبعين وأربعمائة ثم عمد إلى بطليوس وتقبض على صاحبها عمر بن الأفطس فقتله وابنيه يوم الأضحى سنة تسع وثمانين بما صح عنده من مداخلتهم الطاغية وأن يملكوه مدينة بطليوس ثم أجاز يوسف بن تاشفين الجواز الثالث سنة تسعين وزحف إليه الطاغية فبعث عساكر المرابطين لنظر محمد بن الحاج فانهزم النصارى أمامه وكان الظهور للمسلمين. ثم أجاز الأمير يحيى بن أبي بكر بن يوسف بن تاشفين سنة ثلاث وتسعين وانضم إليه محمد بن الحاج وسير بن أبي بكر واقتحموا عامة الأندلس من أيدي ملوك الطوائف ولم يبق منها إلا سرقسطة في يد المستعين بن هود معتصماً بالنصارى. وغزا الأمير مزدلي صاحب بلنسية إلى بلد برشلونة فأثخن بها وبلغ إلى حيث لم يبلغ أحد قبله ورجع.
وانتظمت بلاد الأندلس في ملكة يوسف بن تاشفين وانقرض ملك الطوائف منها أجمع كأن لم يكن واستولى على العدوتين واتصلت هزائم النصارى على يد المرابطين مراراً وتسمى بأمير المسلمين وخاطب المستنصر العباسي الخليفة لعهده ببغداد وبعث إليه عبد الله بن محمد بن العرب المعافري الإشبيلي وولده القاضي أبا بكر فتلطفا في القول وأحسنا في الإبلاغ وطلبا من الخليفة أن يعقد له على المغرب والأندلس فعقد له وتضمن ذلك مكتوب الخليفة بذلك منقولاً في أيدي الناس وانقلبا إليه بتقليد الخليفة وعهده على ما إلى نظره من الأقطار والأقاليم. وخاطبه الإمام الغزالي والقاضي أبو بكر الطرطوشي يحضانه على العدل والتمسك بالخير ويفتيانه في شأن ملوك الطوائف بحكم الله.
ثم أجاز يوسف بن تاشفين الجواز الرابع إلى الأندلس سنة سبع وتسعين وقد كان ما قدمناه في أخبار بني حماد من زحف المنصور بن الناصر إلى تلمسان سنة سبع وتسعين للفتنة التي وقعت بينه وبين تاشفين بن يتنعمر وافتتاحه أكثر بلادهم فصالحه يوسف بن تاشفين واسترضاه بعدول تاشفين عن تلمسان سنة سبع وتسعين وبعث إليهما مزدلي من بلنسية وولي بلنسية عوضاً عنه أبا محمد ابن فاطمة وكثرت غزواته في بلاد النصرانية. وهلك يوسف على رأس المائة الخامسة وقام بالأمر من بعده ابنه علي بن يوسف فكان خير ملك وكانت أيامه صدراً منها وادعة ودولته على الكفر وأهله ظهور وعزة وأجاز إلى العدوة فأثخن في بلاد العدو قتلاً وسبياً وولى على الأندلس الأمير تميم بن.
وجمع الطاغية للأمير تميم فهزمه تميم ثم أجاز علي بن يوسف سنة ثلاث ونازل طليطلة. وأثخن في بلاد النصارى ورجع وعلى أثر ذلك قصد ابن ردمير سرقسطة وخرج ابن هود للقائه فانهزم المسلمون ومات ابن هود شهيداً وحاصر ابن ردمير البلد حتى نزلوا على حكمه. ثم كان سنة تسع شأن برقة وتغلب أهل جنوة عليها وخلاؤها. ثم رجع العمران إليها على يد ابن تامرظست من قواد المرابطين كما مر في ذكرها عند ذكر الطوائف ثم استمرت حال علي بن يوسف في ملكه وعظم شأنه وعقد لولده تاشفين على غرب الأندلس سنة ست وعشرين وأنزله قرطبة وإشبيلية وأجاز معه الزبير بن عمر وحشد قومه وعقد لأبي بكر بن إبراهيم المسوفي على شرق الأندس وأنزله بلنسية وهو ممدوح بن خفاجة ومخدوم أبي بكر بن باجة الحكيم المعروف بابن الصائغ.
وعقد لابن غانية المسوفي على الجزائر الشرقية دانية وميورقة واستقامت أيامه ولأربع عشرة سنة من دولته كان ظهور الإمام المهدي صاحب دعوة الموحدين فقيهاً منتحلاً للعلم والفتيا والتدريس آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر متعرضاً بذلك للمكروه في نفسه. ونالته ببجاية وتلمسان ومكناسة اذايات من الفسقة ومن الظالمين وأحضره الأمير علي بن يوسف للمناظرة ففلج علي خصومه من الفقهاء بمجلسه ولحق بقومه هرغة من المصامدة. واستدرك علي بن يوسف رأيه فتفقده وطالب هرغة بإحضاره فأبوا عليه فسرح إليهم البعث فأوقعوا به وتقاسم معهم هنتاتة وتينملل على إجارته والوفاء بما عاهدهم عليه من القيام بالحق والدعاء إليه حسبما يذكر ذلك كله بعد دولتهم. وهلك المهدي في سنة أربع وعشرين وقام بأمرهم عبد المؤمن بن علي الكومي كبير أصحابه بعهده إليه وانتظمت كلمة المصامدة وأغزوا مراكش مراراً.
وفشل ريح لمتونة بالعدوة الأندلسية وظهر أمر الموحدين وفشت كلمتهم في برابرة المغرب. وهلك علي بن يوسف سنة سبع وثلاثين وقام بالأمر من بعده ولده تاشفين وولي عهده وأخذ بطاعته وبيعته أهل العدوتين كما كانوا على حين استغلظ أمر الموحدين واستفحل شأنهم وألحوا في طلبه. وغزا عبد المؤمن غزوته المجرى إلى جبال المغرب ونهض تاشفين بعساكره بالبسائط إلى أن نزل تلمسان. ونازله عبد المؤمن والموحدون بكهف الضحاك بين الصخرتين من جبل تيطري المطل عليها ووصله هنالك مدد صنهاجة من قبل يحيى بن عبد العزيز صاحب بجاية مع قائده طاهر بن كباب وشرهوا إلى مدافعة الموحدين فغلبوهم.
وهلك طاهر واستلحم الصنهاجيون وفر تاشفين إلى وهران في موادعة لب بن ميمون قائد البحر بأساطيله. واتبعه الموحدون واقتحموا عليه البلد فهلك يقال سنة إحدى وأربعين. واستولى الموحدون على المغرب الأوسط واستلحموا لمتونة. ثم بويع بمراكش ابنه إبراهيم وألفوه مضعفاً عاجزاً فخلع وبويع عمه إسحق بن علي بن يوسف بن تاشفين. وعلى هيئة ذلك وصل الموحدون إليها وقد ملكوا جميع بلاد المغرب عليه فخرج إليهم في خاصته فقتلهم الموحدون. وأجاز عبد المؤمن والموحدون إلى الأندلس سنة إحدى وخمسين وملكوا واستحلموا أمراء لمتونة وكافتهم وفروا في كل وجه ولحق فلهم بالجزائر الشرقية ميورقة ومنورقة ويابسة إلى أن جددوا من بعده للملك بناحية إفريقية والله غالب على أمره.
لقد انطلقت الحركة المرابطية من الصحراء جنوبا و إنتشرت شمالا حتى الأندلس وذلك عبر مراحل تاريخية فاصلة.
في القرن 5 إنقسمت و تقاتلت قبائل سنهاجة الشمال. فإستغل المرابطين الفراغ ليدعوا للأﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻭﺍﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻨﻜﺮ و خصوصا القضاء على برواطة, و تمسنا الخارجين عن الدين من وجهة نضرهم و كذلك بقايا الفاطميين الشيعة. وأرسوا أسس المذهب المالكي السني.
هذه بقية القصة من ابن خلدون «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» :
كان هؤلاء الملثمون في صحاريهم كما قلناه وكانوا على دين المجوسية إلى أن ظهر فيهم الإسلام لعهد المائة الثالثة كما ذكرناه وجاهدوا جيرانهم من السودان عليه فدانوا لهم واستوثق لهم الملك. ثم افترقوا وكانت رياسة كل بطن منهم في بيت مخصوص. فكانت رياسة لمتونة في بني ورتانطق بن منصور بن مصالة بن المنصور بن مزالت بن أميت بن رتمال بن تلميت وهو لمتونة. ولما أفضت الرياسة إلى يحيى بن إبراهيم الكندالي وكان له صهر في بني ورتانطق هؤلاء وتظاهروا على أمرهم.
وخرج يحيى بن إبراهيم لقضائه فرصة في رؤساء من قومه في سني أربعين وأربعمائة فلقوا في منصرفهم بالقيروان شيخ المذهب المالكي أبو عمران الفاسي واغتنموا ما متعوا به من هديه وما شافههم به من فروض أعيانهم من فتاوبه. وسأله الأمير يحيى أن يصحبهم من تلميذه من يرجعون إليه في نوازلهم وقضايا دينهم. فندب تلميذه إلى ذلك حرصاً على إيصال الخير إليهم لما رأى من رغتهم فيه فاستوعبوا مسغبة بلادهم. وكتب لهم الفقيه أبو عمران إلى الفقيه محمد وكاك بن زلوا اللمطي بسجلماسة من الآخذين عنه وعهد إليه أن يلتمس لهم من يثق بدينه وفقهه ويروض نفسه على مسغبة أرضهم قي معاشه فبعث معهم عبد الله بن ياسين بن مكو الجزولي ووصل معهم يعلمهم القرآن ويقيم لهم الدين.
ثم هلك يحيى بن إبراهيم وافترق أمرهم واطرحوا عبد الله بن ياسين واستصعبوا علمه وتركوا الأخذ عنه لما تجشموا فيه من مشاق التكليف فأعرض عنهم وترهب. وتنسك معه يحيى بن عمر بن تلاكاكين من رؤساء لمتونة وأخوه أبو بكر فنبذوا عن الناس في ربوة يحيط بحر النيل من جهاتها ضحضاحاً في المصيف وغمراً في الشتاء فتعود جزراً منقطعة. فدخلوا في غياضها منفردين للعبادة وتسامع بهم من في قلبه مثقال حبة من خير فتسايلوا إليهم ودخلوا ولما كمل معهم ألف من الرجالات قال لهم شيخهم عبد الله بن ياسين إن ألفاً لن تغلب من قلة وقد تعين علينا القيام بالحق والدعاء إليه وحمل الكافة عليه فأخرجوا بنا لذلك فخرجوا وقتلوا من استعصى عليهم من قبائل لمتونة وكدالة ومسوفة حتى أنابوا إلى الحق واستقاموا على الطريقة وأذن لهم في أخذ الصدقات من أموال المسلمين وسماهم بالمرابطين وجعل أمرهم في العرب إلى الأمير يحيى بن عمر فتخطوا الرمال الصحراوبة إلى بلاد درعة وسجلماسة فأعطوهم صدقاتهم وانقلبوا.
ثم كتب إليهم وكاك اللمطي بما نال المسلمين فيما إليه من العسف والجور من بني وانودين أمراء سجلماسة من مغراوة وحرضهم على تغيير أمرهم فخرجوا من الصحراء سنة خمس وأربعين وأبعمائة في عدد ضخم ركباناً على المهارى أكثرهم وعمدوا إلى درعة. لا بل كانت هنالك بالحمى وكانت تناهز. خمسين ألفاً ونحوها. ونهض إليهم مسعود بن وانودين أمير مغراوة وصاحب سجلماسة ودرعة لمدافعتهم عنها وعن بلاده فتواقعوا وانهزم ابن وانودين وقتل واستلحم عسكره مع أموالهم واستلحمهم ودوابهم وإبل الحمى التي كانت ببلد درعة.
وقصدوا سجلماسة فدخلوها غلاباً وقتلوا من كان بها من فل مغراوة وأصلحوا من أحوالها وغيروا المنكرات وأسقطوا المغارم والمكوس واقتضوا الصدقات واستعملوا عليها منهم وعادوا إلى صحرائهم. فهلك يحيى بن عمر سنة سبع وأربعين وقدم وافتتح ماسة وتارودانت وجميع معاقله. ثم افتتح مدينة أغمات سنة تسع وأربعين وفر أميرها لقوط بن يوسف بن علي المغراوي إلى قادلا واستضاف إلى بني يفرن بها ثم افتتح المرابطون بلاد المصامدة بجبال درن وجاسوا خلالها سنة خمسين ثم أغزوا تادلا فاستباحوها واستلحموا بني يفرن ملوكها وقتل معهم لقوط بن يوسف المغراوي صاحب أغمات.
وتزوج امرأته زينب بنت إسحق النفراوية وكانت مشهورة بالجمال والرئاسة وكانت قبل لقوط عند يوسف بن علي بن عبد الرحمن بن واطاس وكان شيخاً على وريكة وهزرجة بزمن هيلانة في دولة أمغارن في بلاد المصامدة وهم الشيوخ. وتغلب بنو يفرن على وريكة وملكوا أغمات فتزوج لقوط زينب هذه ثم تزوجها بعده أبو بكر بن عمر كما ذكرنا. ثم دعا المرابطين إلى جهاد برغواطة الذين كانوا بتامستا وإنفا وجهات الريف الغربي فكانت لهم فيهم وقائع وأيام استشهد عبد الله بن ياسين في بعضها سنة خمسين. وقدم المرابطون بعده سليمان بن عدو ليرجعوا إليه في قضايا دينهم.
واستمر أبو بكر بن عمر في إمارة قومه على جهادهم ثم استأصل شأفتهم ومحا أثر دعوتهم من المغرب وهلك في جهادهم سليمان بن عدو سنة إحدى وخمسين لسنة من وفاة عبد الله بن ياسين. ثم نازل أبو بكر مدينة لواتة وافتتحها عنوة وقتل من كان بها من زناتة سنة اثنتين وخمسين. وبلغه وهو لم يستتم فتح المغرب بعدما وقع من الخلاف بين لمتونة ومسوفة ببلاد الصحراء حيث أصل أعياصهم ووشايج أعراقهم ومنيع عددهم فخشي افتراق الكلمة وانقطاع الوصلة وتلافى أمره بالرحلة. وأكد ذلك زحف بلكين بن محمد بن حماد صاحب القلعة إلى المغرب سنة ثلاث وخمسين لقتالهم فارتحل أبو بكر إلى الصحراء واستعمل على المغرب ابن عمه يوسف بن تاشفين ونزل له عن زوجه زينب بنت إسحق ولحق بقومه. ورفع ما كان بينهم من خرق الفتنة وفتح باباً من جهاد السودان فاستولى على نحو تسعين مرحلة من بلادهم. وأقام يوسف بن تاشفين بأطراف المغرب ونزك بلكين صاحب القلعة فاس وأخذ رهنها على الطاعة وانكفأ راجعاً.
فحينئذ سار يوسف بن تاشفين في عسكره من المرابطين ودوخ أقطار المغرب. ثم رجع أبو بكر إلى المغرب فوجد يوسف بن تاشفين قد استبد عليه. وأشارت عليه زينب أن يريه الاستبداد في أحواله وأن يعد له متاع الصحراء وماعونها ففطن لذلك الأمير أبو بكر وتجافى عن المنازعة وسلم له الأمر ورجع إلى أرضه فهلك لمرجعه سنة ثمانين وأربعمائة. واختط يوسف مدينة مراكش سنة أربع وخمسين ونزلها بالخيام وأدار سورها على مسجد وقصبة صغيرة لاختزان أمواله وسلاحه وكمل تشييدها وأسوارها ابنه من بعده سنة ست وعشرين وخمسمائة. وجعل يوسف مدينة مراكش لنزله لعسكره وللتمرس بقبائل المصامدة المصيفة بمواطنهم بها في جبل درن فلم يكن في قبائل المغرب أشد منهم ولا أكثر جمعاً. ثم صرف عزمه إلى مطالبة مغراوة وبني يفرن وقبائل زناتة بالمغرب وجذب الحبل من أيديهم وكشف ما نزل بالرعايا من جورهم وعسفهم فقد كانوا من ذلك على ألم - حدث المؤرخون في أخبار مدينة فاس ودولتهم فيها بكثير منه - فنازل أولاً قلعة فازاز وبها مهدي بن توالي من بني يحفش.
قال صاحب نظم الجواهر: وهم بطن من زناتة وكان أبو توالي صاحب تلك القلعة ووليها هو من بعده فنازله يوسف بن تاشفين. ثم استجاش به على فاس مهدي بن يوسف الكزنابي صاحب مكناسة بما كان عدواً لمعنصر المغراوي صاحب فاس فزحف في عساكر المرابطين إلى فاس وجمع إليه معنصر ففض جموعه وارتحل يوسف إلى فاس وتقرى منازلها وافتتح جميع الحصون المحيطة بها وأقام عليها أياماً قلائل وظفر بعاملها بكار بن إبراهيم فقتله.
ثم نهض إلى صفروي فافتتحها وقتل من كان بها من أولاد وانودين المغراوي ورجع إلى فاس فافتتحها صلحاً سنة خمس وخمسين ثم خرج إلى غمارة ونازلهم وفتح كثيراً من بلادهم. وأشرف على طنجة وبها سكوت البرغواطي الحاجب صاحب سبتة وبقية الأمراء من موالي الحمودية وأهل دعوتهما. ثم رجع إلى منازلة قلعة فازاز وخالفه معنصر إلى فاس فاستولى عليها وقتل واستدعى يوسف بن تاشفين مهدي بن يوسف صاحب مكناسة ليستجيش به على فاس فاستعرضه معنصر في طريقه قبل أن تتصل بأيديهما وناجزه الحرب ففض جموعه وقتله وبعث برأسه إلى وليه ومساهمه في شدته الحاجب سكوت البرغواطي.
واستصرخ أهل مكناسة بالأمير يوسف بن تاشفين فسرح عساكر لمتونة إلى حصار فاس فأخذوا بمخنقها وقطعوا المرافق عنها وألحوا بالقتال عليها فمسهم الجهد. وبرز معنصر إلى مناجزة عدوه لإحدى الراحتين فكانت الدائرة عليه وهلك. واجتمع زناتة من بعده على القاسم بن محمد بن عبد الرحمن من ولد موسى بن أبي العافية كانوا ملوكاً بتازا وتسول فزحفوا إلى عساكر المرابطين والتقوا بوادي صفير فكان الظهور لزناتة. واستلحم كثير من المرابطين واتصل خبرهم بيوسف بن تاشفين وهو محاصر لقلعة مهدي من بلاد فازاز فارتحل سنة ست وخمسين ونزل عليها عسكر من المرابطين وصار يتنقل في بلاد المغرب فافتتح بني مراسن ثم فنزلاوة ثم بلاد ورغة سنة ثمان وخمسين. ثم افتتح بلاد غمارة سنة ستين.
وفي سنة اثنتين وستين نازل فاس فحاصرها مدة ثم افتتحها عنوة وقتل بها زهاء ثلاثة آلاف من مغراوة وبني يفرن ومكناسة وقبائل زناتة حتى أعوزت مدافنهم فرادى فاتخذت لهم الأخاديد وقبروا جماعات وخلص من نجا منهم من القتل إلى بلاد تلمسان وأمر بهدم الأسوار التي كانت فاصلة بين القرويين والأندلسيين من عدوتيها وصيرها مصراً واحداً. وأدار عليها الأسوار وحمل أهلها على الاستكثار من المساجد ورتب بناءها. وارتحل سنة ثلاث وستين إلى وادي ملوية فافتتح بلادها وحصون وطاط من نواحيها. ثم نهض سنة خمس وستين إلى مدينة الدمنة فافتتحها عنوة ثم افتتح حصن علودان من حصون غمارة. ثم نهض سنة سبع وستين إلى جبال غياثة وبني مكود من أحواز تازا فافتتحها ودوخها.
ثم قسم المغرب عمالات على بنيه وأمراء قومه وذويه ثم استدعاه المعتمد بن عباد إلى الجهاد فاعتذر له بمكان الحاجب سكوت البرغواطي وقومه من أولياء الدولة الحمودية بسبتة فأعاد إليه ابن عباد الرسل بالمشايعة إليهم فجهز إليهم قائده صالح بن عمران في عساكر لمتونة فلقيه سكوت الحاجب بظاهر طنجة في قومه ومعه ابنه ضياء الدولة فانكشف وقتل الحاجب سكوت ولحق ابنه العزيز ضياء الدولة. وكتب صالح بن عمران بالفتح إلى يوسف بن تاشفين.
ثم أغزى الأمير يوسف بن تاشفين إلى المغرب الأوسط سنة اثنتين وسبعين قائده مزدلي بن تبلكان بن محمد بن وركوت من عثسيره في عساكر لمتونة لمحاربة مغراوة ملوك تلمسان بومئذ الأمير العباس ين يختي من ولد يعلى بن محمد بن الخير بن محمد بن خزر فدوخوا المغرب الأوسط وصاروا في بلاد زناتة وظفروا بيعلى بن الأمير العباسي فقتلوه وانكفأوا راجعين من غزاتهم.
ثم نهض يوسف بن تاشفين سنة ثلاث بعدها إلى الريف وافتتح كرسيف ومليلة وسائر بلاد الريف وخرب مدينة نكور فلم تعمر بعد ثم نهض في عساكره المرابطين إلى بلاد المغرب الأوسط فافتتح مدينة وجدة وبلاد بني يزتاسن. ثم افتتح مدينة تلمسان واستلحم من كان بها من مغراوة وقتل العباس بن بختي أمير تلمسان وأنزل محمد بن المستوفى بها في عساكر المرابطين فصارت ثغراً لملكه. ونزل بعساكره واختط بها مدينة تاكرارت بمكان محلته وهو اسم المحلة بلسان البربر. ثم افتتح مدينة تنس ووهران وجبل وانشريس إلى الجزائر وانكفأ راجعاً إلى المغرب فاحتل مراكش سنة خمس وسبعين.
ولم يزل محمد بن تينعمر والياً بتلمسان إلى أن هلك وولي بعده أخوه ثم إن الطاغية تكالب على بلاد المسلمين وراء البحر وانتهز الفرصة فيها بما كان من الفرقة بين ملوك الطوائف فحاصر طليلة وبها القادر بن يحيى بن ذي النون حتى نالهم الجهد وتسلمها منه صلحاً سنة ثمان وسبعين على أن يملكه بلنسية فبعث معه عسكراً من النصرانية فدخل بلنسية وتملكها على حين مهلك صاحبها أبي بكر بن العزيز بين يدي حصار طليلة. وسار الطاغية في بلاد الأندلس حتى وقف بفرضة المجاز من صريف وأعيا أمره أهل الأندلس واقتضى منهم الجزية فأعطوها.
ثم نازل سرقسطة وضيق على ابن هود بها وطال مقامه وامتد أمله إلى تملكها فخاطب المعتمد بن عباد أمير المسلمين يوسف بن تاشفين منتجزاً وكاتبه أهل الأندلس في كافة من العلماء والخاصة فاهتز للجهاد وبعث ابنه المعز في عساكر المرابطين إلى سبتة فرضة المجاز فنازلها براً. وأحاطت بها أساطيل ابن عباد بحراً فاقتحموها عنوة في ربيع الآخر سنة ست وسبعين وتقبض على ضياء الدولة وقيد إلى المغرب فقتله صبراً وكتب إلى أبيه بالفتح.
ثم أجاز ابن عباد البحر في جماعته والمرابطين ولقيه بفاس مستنفراً للجهاد. وأنزل له ابنه الراضي عن الجزيرة الخضمراء لتكون رباطاً لجهاده فأجاز البحر في عساكر المرابطين وقبائل المغرب ونزل الجزيرة سنة تسع وثمانين وأربعمائة ولقيه المعتمد ابن عباد وابن الأفطس صاحب بطليوس. وجمع ابن أدفونش ملك الجلالقة أمم النصرانية لقتاله ولقي المرابطين بالزلاقة من نواحي بطليوس فكان للمسلمين عليه اليوم المشهور سنة إحدى وثمانين.
ثم رجع إلى مراكش وخلف عسكراً بالإشبيلية لنظر محمد ومجون بن سيمونن بن محمد بن وركوت من عشيره ويعرف أبوه بالحاج وكان محمد من بطانته وأعاظم قواد تكاليب الطاغية على شرق الأندلس ولم يغن فيه أمراء الطوائف شيئاً فزحف إليه من سبتة ابن الحاج قائد يوسمف بن تاشفين في عساكر المرابطين فهزموا جميع النصارى هزيمة شنيعة. وخلع ابن رشيق صاحب مرسية وتمادى إلى دانية ففر علي بن مجاهد أمامه إلى بجاية ونزل على الناصر بن علناس فأكرمه ووصل ابن جحاف قاضي بلنسية إلى محمد بن الحاج مغرياً بالقادر بن ذي النون فأنفذ معه عسكراً وملك بلنسية وقتل ابن ذي النون وذلك سنة خمس وثمانين وانتهى الخبر إلى الطاغية فنازل بلنسية واتصل حصاره إياها إلى أن ملكها سنة خمس وثمانين ثم استخلصتها عساكر المرابطين وولى عليها يوسف بن تاشفين الأمير مزدلي وأجاز يوسف بن تاشفين ثانية سنة ست وثمانين وتثاقل أمراء الطوائف عن لقائه لما أحسوا من نكيره عليهم لما يسمون به عليهم من الظلامات والمكوس وتلاحق المغارم فوجد عليهم وعهد برفع المكوس وتحرى المعدلة فلما أجاز انقبضوا عنه إلا ابن عباد فإنه بادر إلى لقائه وأغراه بالكثير منهم فتقبض على ابن رشيق فأمكن ابن عباد منه العداوة التي بينهما.
وبعث جيشاً إلى المرية ففر عنها ابن صمادح ونزلى على المنصور بن الناصر ببجاية وتوافق ملوك الطوائف على قطع المدد عن عساكره ومحلاته فساء نظره وأفتاه الفقهاء وأهل الشورى من المغرب والأندلس بخلعهم وانتزاع الأمر من أيديهم وصارت إليه بذلك فتاوى أهل الشرق الأعلام مثل الغزالي والطرطوشي فعهد إلى غرناطة واستنزل صاحبها عبيد الله بن بلكين بن باديس وأخاه تميماً من مالقة بعد أن كان منهما مداخلة الطاغية في عداوة يوسف بن تاشفين.
وبعث بهما إلى المغرب فخاف ابن عباد عند ذلك منه وانقبض عن لقائه وفشت السعايات بينهما. ونهض يوسف بن تاشفين إلى سبتة فاستقر بها وعقد للأمير سير بن أبي بكر بن محمد وركوت على الأندلس وأجازه فقدم عليها وقعد ابن عباد عن تلقيه ومبرته فأحفظه ذلك وطالبه بالطاعة للأمير يوسف والنزول عن الأمر ففسد ذات بينهما وغلبه على جميع عمله. واستنزل أولاد المأمون من قرطبة ويزيد الراضي من رندة وقرمونة واستولى على جميعها وقتلهم. وصمد إلى إشبيلية فحاصر المعتمد بها وضيق عليه واستنجد الطاغية فعمد إلى إستنقاذه من هذا الحصار فلم يغن عنه شيئاً وكان دفاع لمتونة مما فت في عضده واقتحم المرابطون إشبيلية عليه عنوة سنة أربع وثمانين.
وتقبض على المعتمد وقاده أسيراً إلى مراكش فلم يزل في اعتقال يوسف بن تاشفين إلى أن هلك في محبسه بأغمات سنة سبعين وأربعمائة ثم عمد إلى بطليوس وتقبض على صاحبها عمر بن الأفطس فقتله وابنيه يوم الأضحى سنة تسع وثمانين بما صح عنده من مداخلتهم الطاغية وأن يملكوه مدينة بطليوس ثم أجاز يوسف بن تاشفين الجواز الثالث سنة تسعين وزحف إليه الطاغية فبعث عساكر المرابطين لنظر محمد بن الحاج فانهزم النصارى أمامه وكان الظهور للمسلمين. ثم أجاز الأمير يحيى بن أبي بكر بن يوسف بن تاشفين سنة ثلاث وتسعين وانضم إليه محمد بن الحاج وسير بن أبي بكر واقتحموا عامة الأندلس من أيدي ملوك الطوائف ولم يبق منها إلا سرقسطة في يد المستعين بن هود معتصماً بالنصارى. وغزا الأمير مزدلي صاحب بلنسية إلى بلد برشلونة فأثخن بها وبلغ إلى حيث لم يبلغ أحد قبله ورجع.
وانتظمت بلاد الأندلس في ملكة يوسف بن تاشفين وانقرض ملك الطوائف منها أجمع كأن لم يكن واستولى على العدوتين واتصلت هزائم النصارى على يد المرابطين مراراً وتسمى بأمير المسلمين وخاطب المستنصر العباسي الخليفة لعهده ببغداد وبعث إليه عبد الله بن محمد بن العرب المعافري الإشبيلي وولده القاضي أبا بكر فتلطفا في القول وأحسنا في الإبلاغ وطلبا من الخليفة أن يعقد له على المغرب والأندلس فعقد له وتضمن ذلك مكتوب الخليفة بذلك منقولاً في أيدي الناس وانقلبا إليه بتقليد الخليفة وعهده على ما إلى نظره من الأقطار والأقاليم. وخاطبه الإمام الغزالي والقاضي أبو بكر الطرطوشي يحضانه على العدل والتمسك بالخير ويفتيانه في شأن ملوك الطوائف بحكم الله.
ثم أجاز يوسف بن تاشفين الجواز الرابع إلى الأندلس سنة سبع وتسعين وقد كان ما قدمناه في أخبار بني حماد من زحف المنصور بن الناصر إلى تلمسان سنة سبع وتسعين للفتنة التي وقعت بينه وبين تاشفين بن يتنعمر وافتتاحه أكثر بلادهم فصالحه يوسف بن تاشفين واسترضاه بعدول تاشفين عن تلمسان سنة سبع وتسعين وبعث إليهما مزدلي من بلنسية وولي بلنسية عوضاً عنه أبا محمد ابن فاطمة وكثرت غزواته في بلاد النصرانية. وهلك يوسف على رأس المائة الخامسة وقام بالأمر من بعده ابنه علي بن يوسف فكان خير ملك وكانت أيامه صدراً منها وادعة ودولته على الكفر وأهله ظهور وعزة وأجاز إلى العدوة فأثخن في بلاد العدو قتلاً وسبياً وولى على الأندلس الأمير تميم بن.
وجمع الطاغية للأمير تميم فهزمه تميم ثم أجاز علي بن يوسف سنة ثلاث ونازل طليطلة. وأثخن في بلاد النصارى ورجع وعلى أثر ذلك قصد ابن ردمير سرقسطة وخرج ابن هود للقائه فانهزم المسلمون ومات ابن هود شهيداً وحاصر ابن ردمير البلد حتى نزلوا على حكمه. ثم كان سنة تسع شأن برقة وتغلب أهل جنوة عليها وخلاؤها. ثم رجع العمران إليها على يد ابن تامرظست من قواد المرابطين كما مر في ذكرها عند ذكر الطوائف ثم استمرت حال علي بن يوسف في ملكه وعظم شأنه وعقد لولده تاشفين على غرب الأندلس سنة ست وعشرين وأنزله قرطبة وإشبيلية وأجاز معه الزبير بن عمر وحشد قومه وعقد لأبي بكر بن إبراهيم المسوفي على شرق الأندس وأنزله بلنسية وهو ممدوح بن خفاجة ومخدوم أبي بكر بن باجة الحكيم المعروف بابن الصائغ.
وعقد لابن غانية المسوفي على الجزائر الشرقية دانية وميورقة واستقامت أيامه ولأربع عشرة سنة من دولته كان ظهور الإمام المهدي صاحب دعوة الموحدين فقيهاً منتحلاً للعلم والفتيا والتدريس آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر متعرضاً بذلك للمكروه في نفسه. ونالته ببجاية وتلمسان ومكناسة اذايات من الفسقة ومن الظالمين وأحضره الأمير علي بن يوسف للمناظرة ففلج علي خصومه من الفقهاء بمجلسه ولحق بقومه هرغة من المصامدة. واستدرك علي بن يوسف رأيه فتفقده وطالب هرغة بإحضاره فأبوا عليه فسرح إليهم البعث فأوقعوا به وتقاسم معهم هنتاتة وتينملل على إجارته والوفاء بما عاهدهم عليه من القيام بالحق والدعاء إليه حسبما يذكر ذلك كله بعد دولتهم. وهلك المهدي في سنة أربع وعشرين وقام بأمرهم عبد المؤمن بن علي الكومي كبير أصحابه بعهده إليه وانتظمت كلمة المصامدة وأغزوا مراكش مراراً.
وفشل ريح لمتونة بالعدوة الأندلسية وظهر أمر الموحدين وفشت كلمتهم في برابرة المغرب. وهلك علي بن يوسف سنة سبع وثلاثين وقام بالأمر من بعده ولده تاشفين وولي عهده وأخذ بطاعته وبيعته أهل العدوتين كما كانوا على حين استغلظ أمر الموحدين واستفحل شأنهم وألحوا في طلبه. وغزا عبد المؤمن غزوته المجرى إلى جبال المغرب ونهض تاشفين بعساكره بالبسائط إلى أن نزل تلمسان. ونازله عبد المؤمن والموحدون بكهف الضحاك بين الصخرتين من جبل تيطري المطل عليها ووصله هنالك مدد صنهاجة من قبل يحيى بن عبد العزيز صاحب بجاية مع قائده طاهر بن كباب وشرهوا إلى مدافعة الموحدين فغلبوهم.
وهلك طاهر واستلحم الصنهاجيون وفر تاشفين إلى وهران في موادعة لب بن ميمون قائد البحر بأساطيله. واتبعه الموحدون واقتحموا عليه البلد فهلك يقال سنة إحدى وأربعين. واستولى الموحدون على المغرب الأوسط واستلحموا لمتونة. ثم بويع بمراكش ابنه إبراهيم وألفوه مضعفاً عاجزاً فخلع وبويع عمه إسحق بن علي بن يوسف بن تاشفين. وعلى هيئة ذلك وصل الموحدون إليها وقد ملكوا جميع بلاد المغرب عليه فخرج إليهم في خاصته فقتلهم الموحدون. وأجاز عبد المؤمن والموحدون إلى الأندلس سنة إحدى وخمسين وملكوا واستحلموا أمراء لمتونة وكافتهم وفروا في كل وجه ولحق فلهم بالجزائر الشرقية ميورقة ومنورقة ويابسة إلى أن جددوا من بعده للملك بناحية إفريقية والله غالب على أمره.
دولة ابن غانية :
الخبر عن دولة ابن غانية من بقية المرابطين وما كان له من الملك والسلطان بناحية قابس وطرابلس واجلابه علي الموحدين ومظاهرة قراقش الغزي له على أمره وأولية ذلك ومصايره كان أمر المرابطين من أوله في كدالة من قبائل الملثمين حتى هلك يحيى بن إبراهيم فاختلفوا على عبد الله بن ياسين أمامهم وتحول عنهم إلى لمتونة وأقصر عن دعوته وتنسك وترهب كما قلناه حتى إذا أجاب داعية يحيى بن عمر وأبي بكر بن عمر من بني ورتانطق بيت رئاسة لمتونة.
واتبعهم الكثير من قومهم وجاهدوا معه سائر قبائل الملثمين وكان مسوفة قد دخل في دعوة المرابطين كثير منهم فكان لهم بذلك في تلك الدولة حظ من الرئاسة والظهور. وكان يحيى المسوفي من رجالاتهم وشجعانهم وكان مقدماً عند يوسف بن تاشفين لمكانه في قومه. واتفق أنه قتل بعذر رجالات لمتونة في ملاحاة وقعت بينهم فتثاور الحيان وفر هو إلى الصحراء ففدى يوسف بن تاشفين القتيل ووداه واسترجع علياً من مقره لسنين من مغيبه وأنكحه امرأة من أهل بيته تسمى غانية بعهد أبيها إليه في ذلك فولدت منه محمداً ويحيى ونشأ في ظل يوسف بن تاشفين وحجر كفالته. ورعى لهما علي بن يوسف ذمام هذه الأواصر وعقد ليحيى على غرب الأندلس وأنزله قرطبة.
وعقد لمحمد على الجزائر الشرقية ميورقة ومنورقة ويابسة سنة عشرين وخمسائة وانقرض بعد ذلك أمر المرابطين. وتقدم وفد الأندلس إلى عبد المؤمن وبعث معهم أبا إسحق براق بن محمد المصمودي من رجالات الموجدين وعقد له على حرب لمتونة كما يذكر في أخبارهم فملك إشبيلية واقتضى طاعة يحيى بن علي بن غانية واستنزله عن قرطبة إلى جيان.
والقلعة فسار منها إلى غرناطة يستنزل من بها من لمتونة ويحملهم على طاعة الموحدين فهلك هنالك سنة ثلاث وأربعين ودفن بقصر باديس. وأما محمد بن علي فلم يزل والياً إلى أن هلك وقام بأمره بعده ابنه عبد الله. ثم هلك وقام بالأمر أخوه إسحق بن محمد بن علي. وقيل إن إسحق ولي بعد ابنه محمد. وأنه قتله غيرة من أخيه عبد الله لمكان أبيه منه فقتلهما معاً واستبد بأمره إلى أن هلك سنة ثمانين وخمسائة. وخلف ثمانية من الولد وهم محمد وعلي ويحيى وعبد الله والغازي وسير والمنصور وجبارة فقام بالأمر ابنه محمد. ولما أجاز يوسف بن عبد المؤمن بن علي إلى ابن الزبرتير لاختبار طاعتهم ولحين وصوله نكر ذلك إخوته وتقبضوا عليه واعتقلوه.
وقام بالأمر أخوه علي بن محمد بن علي وتلوموا في رد ابن الزبرتير إلى مرسله وحالوا بينه وبين الأسطول حين بلغهم أن الخليفة يوسف القسري استشهد في الجهاد بأركش من العدوة وقام بالأمر ابنه يعقوب واعتقلوا ابن الزبرتير وركبوا البحر في اثنتين وثلاثين قطعة من أساطيلهم وأسطوله وركب معه إخوته يحيى وعبد الله والغازي وولي على ميورقة عمه أبا الزبير وأقلعوا إلى بجاية فطرقوها على حين غفلة من أهلها وعليها السيد أبو الربيع بن عبد الله بن عبد المؤمن وكان بايميلول من خارجها في بعض مذاهبه واعتقلوا بها السيد أبا موسى بن عبد المؤمن كان قافلاً من إفريقية يؤم المغرب وكان والي القلعة قاصداً مراكش وهو يستخبر خبر بجاية فرجع وظاهر السيد أبا الربيع وزحف إليهما علي بن غانية فهزمهما واستولى على أموالهما وابنتهما ولحقا بتلمسان فنزلا بها على السيد أبي الحسن بن أبي حفص بن عبد المؤمن وأخذ في تحصين تلمسان ورم أسوارها وأقاما عند السيد يرومان الكرة من صاحب تلمسان وعاث علي بن محمد بن غانية في الأموال وفرقها في ذؤبان العرب ومن انضاف إليهم ورحل إلى الجزائر فافتتحها وولى عليها بدر بن عائشة.
ثم نهض إلى القلعة فحاصرها ثلاثاً ودخلها عنوة وكانت له في المغرب خطة مشهورة ثم قصد قسطنطينة فامتنعت عليه واجتمعت عليه وفود الغزو سرح العساكر في البر لنظر السيد أبي زيد بن أبي حفص بن عبد المؤمن وعقد له على المغرب الأوسط. وبعث الأساطيل إلى البحر وقائدها أحمد الصقلي وعقد عليها لأبي محمد بن إبراهيم بن جامع وزحفت العساكر من كل جهة فثار أهل الجزائر على يحيى بن أبي طلحة ومن معه وأمكنوا منهم السيد أبايزيد فقتلهم على شلف وعفا عن يحيىى لنجدة عمه طلحة وكان بدر بن عائشة أسرى من مليانة واتبعه الجيش فلحقوه أمام العدو فتقبضوا عليه بعد قتال مع البرابرة حين أرادوا إجارته وقادوه إلى السيد أبي يزيد فقتله وسبق الأسطول إلى بجاية فثار بيحيى بن غانية وفر إلى أخيه علي لمكانه من حصار قسطنطينة بعد أن كان أخذ بمخنقها ونزل السيد أبو زيد بعساكره بتكلات من ظاهر بجاية وأطلق السيد أبا موسى من معتقله ثم رحل في طلب العدو فأفرج عن قسطنطينة بعد أن كان أخذها ومضى شديداً في الصحراء والموحدون في اتباعه حتى انتهوا إلى مغرة ونغارس.
ثم نقلوا إلى بجاية واستنفر السيد أبا زيد بها وقصد علي بن غانية في قفصة فملكها ونازل بورق وقصطيلة فامتنعت وارتحل إلى طرابلس وفيها قراقش الغزي المطغري وكان من خبره على ما نقل أبو محمد التيجاني في كتاب رحلته أن صلاح الدين صاحب مصر بعث تقي الدين ابن أخيه شاه إلى المغرب لافتتاح ما أمكنه من المدن تكون له معقلاً يتحصن فيه من مطالبة نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام الذي كان صلاح الدين عمه من وزرائه.
واستعجلوا النصر فخشوا عاديته. ثم رجع تقي الدين من طريقه لأمر عرض له ففر قراقش الأرمني بطائفة من جنوده. وفر إبراهيم بن قراتكين سلاح دار المعظم نسبة للملك المعظم شمس الدولة ابن أيوب أخي صلاح الدين. فأما قراقش فلحق بسنترية وافتتحها وذلك سنة ست وثمانين وخطب فيها لصلاح الدين ولأستاذه تقي الدين. وكتب لهما بالفتح وافتتح زويلة وغلب بني خطاب الهواري على ملك فزان وكانت ملكاً لعمه محمد بن الخطاب بن يصلتن بن عبد الله بن صنفل بن خطاب وهو آخر ملوكهم وكانت قاعدة ملكه زويلة.
وتعرف زويلة ابن خطاب فتقبض عليه وغلبه على المال حتى هلك ولم يزل يفتح البلاد إلى أن وصل إلى طرابلس واجتمع عليه عرب ذياب بن سليم. ونهض بهم إلى جبل نفوسة فملكه واستخلص أموال العرب واتصل به مسعود بن زمام شيخ الدواودة من رياح عند مفره من المغرب كما ذكرناه. واجتمعت أيديهم على طرابلس وافتتحها واجتمع إليه ذؤبان العرب من هلال وسليم. وفرض لهم العطاء واستبد بملك طرابلس وما وراءها وكان قراقش من الأرمن وكان يقال له المظفري لأنه مملوك المظفر والناصري لأنه يخطب للناصر صلاح الدين. وكان يكتب في ظهائره ولي أمير المؤمنين بسكون الميم ويكتب علامة الظهير بخطه: وثقت بالله وحده أسفل الكتاب. وأما إبراهيم بن قراقش صاحبه فإنه سار مع العرب إلى قفصة فملك جميع منازلها وراسل بني الزند رؤساء قفصة فأمكنوه من البلد لانحرافهم عن بني عبد المؤمن فدخلها وخطب للعباسي ولصلاح الدين إلى أن قتله المنصور عند فتح قفصة كما نذكره في أخبار الموحدين.
الخبر عن دولة ابن غانية من بقية المرابطين وما كان له من الملك والسلطان بناحية قابس وطرابلس واجلابه علي الموحدين ومظاهرة قراقش الغزي له على أمره وأولية ذلك ومصايره كان أمر المرابطين من أوله في كدالة من قبائل الملثمين حتى هلك يحيى بن إبراهيم فاختلفوا على عبد الله بن ياسين أمامهم وتحول عنهم إلى لمتونة وأقصر عن دعوته وتنسك وترهب كما قلناه حتى إذا أجاب داعية يحيى بن عمر وأبي بكر بن عمر من بني ورتانطق بيت رئاسة لمتونة.
واتبعهم الكثير من قومهم وجاهدوا معه سائر قبائل الملثمين وكان مسوفة قد دخل في دعوة المرابطين كثير منهم فكان لهم بذلك في تلك الدولة حظ من الرئاسة والظهور. وكان يحيى المسوفي من رجالاتهم وشجعانهم وكان مقدماً عند يوسف بن تاشفين لمكانه في قومه. واتفق أنه قتل بعذر رجالات لمتونة في ملاحاة وقعت بينهم فتثاور الحيان وفر هو إلى الصحراء ففدى يوسف بن تاشفين القتيل ووداه واسترجع علياً من مقره لسنين من مغيبه وأنكحه امرأة من أهل بيته تسمى غانية بعهد أبيها إليه في ذلك فولدت منه محمداً ويحيى ونشأ في ظل يوسف بن تاشفين وحجر كفالته. ورعى لهما علي بن يوسف ذمام هذه الأواصر وعقد ليحيى على غرب الأندلس وأنزله قرطبة.
وعقد لمحمد على الجزائر الشرقية ميورقة ومنورقة ويابسة سنة عشرين وخمسائة وانقرض بعد ذلك أمر المرابطين. وتقدم وفد الأندلس إلى عبد المؤمن وبعث معهم أبا إسحق براق بن محمد المصمودي من رجالات الموجدين وعقد له على حرب لمتونة كما يذكر في أخبارهم فملك إشبيلية واقتضى طاعة يحيى بن علي بن غانية واستنزله عن قرطبة إلى جيان.
والقلعة فسار منها إلى غرناطة يستنزل من بها من لمتونة ويحملهم على طاعة الموحدين فهلك هنالك سنة ثلاث وأربعين ودفن بقصر باديس. وأما محمد بن علي فلم يزل والياً إلى أن هلك وقام بأمره بعده ابنه عبد الله. ثم هلك وقام بالأمر أخوه إسحق بن محمد بن علي. وقيل إن إسحق ولي بعد ابنه محمد. وأنه قتله غيرة من أخيه عبد الله لمكان أبيه منه فقتلهما معاً واستبد بأمره إلى أن هلك سنة ثمانين وخمسائة. وخلف ثمانية من الولد وهم محمد وعلي ويحيى وعبد الله والغازي وسير والمنصور وجبارة فقام بالأمر ابنه محمد. ولما أجاز يوسف بن عبد المؤمن بن علي إلى ابن الزبرتير لاختبار طاعتهم ولحين وصوله نكر ذلك إخوته وتقبضوا عليه واعتقلوه.
وقام بالأمر أخوه علي بن محمد بن علي وتلوموا في رد ابن الزبرتير إلى مرسله وحالوا بينه وبين الأسطول حين بلغهم أن الخليفة يوسف القسري استشهد في الجهاد بأركش من العدوة وقام بالأمر ابنه يعقوب واعتقلوا ابن الزبرتير وركبوا البحر في اثنتين وثلاثين قطعة من أساطيلهم وأسطوله وركب معه إخوته يحيى وعبد الله والغازي وولي على ميورقة عمه أبا الزبير وأقلعوا إلى بجاية فطرقوها على حين غفلة من أهلها وعليها السيد أبو الربيع بن عبد الله بن عبد المؤمن وكان بايميلول من خارجها في بعض مذاهبه واعتقلوا بها السيد أبا موسى بن عبد المؤمن كان قافلاً من إفريقية يؤم المغرب وكان والي القلعة قاصداً مراكش وهو يستخبر خبر بجاية فرجع وظاهر السيد أبا الربيع وزحف إليهما علي بن غانية فهزمهما واستولى على أموالهما وابنتهما ولحقا بتلمسان فنزلا بها على السيد أبي الحسن بن أبي حفص بن عبد المؤمن وأخذ في تحصين تلمسان ورم أسوارها وأقاما عند السيد يرومان الكرة من صاحب تلمسان وعاث علي بن محمد بن غانية في الأموال وفرقها في ذؤبان العرب ومن انضاف إليهم ورحل إلى الجزائر فافتتحها وولى عليها بدر بن عائشة.
ثم نهض إلى القلعة فحاصرها ثلاثاً ودخلها عنوة وكانت له في المغرب خطة مشهورة ثم قصد قسطنطينة فامتنعت عليه واجتمعت عليه وفود الغزو سرح العساكر في البر لنظر السيد أبي زيد بن أبي حفص بن عبد المؤمن وعقد له على المغرب الأوسط. وبعث الأساطيل إلى البحر وقائدها أحمد الصقلي وعقد عليها لأبي محمد بن إبراهيم بن جامع وزحفت العساكر من كل جهة فثار أهل الجزائر على يحيى بن أبي طلحة ومن معه وأمكنوا منهم السيد أبايزيد فقتلهم على شلف وعفا عن يحيىى لنجدة عمه طلحة وكان بدر بن عائشة أسرى من مليانة واتبعه الجيش فلحقوه أمام العدو فتقبضوا عليه بعد قتال مع البرابرة حين أرادوا إجارته وقادوه إلى السيد أبي يزيد فقتله وسبق الأسطول إلى بجاية فثار بيحيى بن غانية وفر إلى أخيه علي لمكانه من حصار قسطنطينة بعد أن كان أخذ بمخنقها ونزل السيد أبو زيد بعساكره بتكلات من ظاهر بجاية وأطلق السيد أبا موسى من معتقله ثم رحل في طلب العدو فأفرج عن قسطنطينة بعد أن كان أخذها ومضى شديداً في الصحراء والموحدون في اتباعه حتى انتهوا إلى مغرة ونغارس.
ثم نقلوا إلى بجاية واستنفر السيد أبا زيد بها وقصد علي بن غانية في قفصة فملكها ونازل بورق وقصطيلة فامتنعت وارتحل إلى طرابلس وفيها قراقش الغزي المطغري وكان من خبره على ما نقل أبو محمد التيجاني في كتاب رحلته أن صلاح الدين صاحب مصر بعث تقي الدين ابن أخيه شاه إلى المغرب لافتتاح ما أمكنه من المدن تكون له معقلاً يتحصن فيه من مطالبة نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام الذي كان صلاح الدين عمه من وزرائه.
واستعجلوا النصر فخشوا عاديته. ثم رجع تقي الدين من طريقه لأمر عرض له ففر قراقش الأرمني بطائفة من جنوده. وفر إبراهيم بن قراتكين سلاح دار المعظم نسبة للملك المعظم شمس الدولة ابن أيوب أخي صلاح الدين. فأما قراقش فلحق بسنترية وافتتحها وذلك سنة ست وثمانين وخطب فيها لصلاح الدين ولأستاذه تقي الدين. وكتب لهما بالفتح وافتتح زويلة وغلب بني خطاب الهواري على ملك فزان وكانت ملكاً لعمه محمد بن الخطاب بن يصلتن بن عبد الله بن صنفل بن خطاب وهو آخر ملوكهم وكانت قاعدة ملكه زويلة.
وتعرف زويلة ابن خطاب فتقبض عليه وغلبه على المال حتى هلك ولم يزل يفتح البلاد إلى أن وصل إلى طرابلس واجتمع عليه عرب ذياب بن سليم. ونهض بهم إلى جبل نفوسة فملكه واستخلص أموال العرب واتصل به مسعود بن زمام شيخ الدواودة من رياح عند مفره من المغرب كما ذكرناه. واجتمعت أيديهم على طرابلس وافتتحها واجتمع إليه ذؤبان العرب من هلال وسليم. وفرض لهم العطاء واستبد بملك طرابلس وما وراءها وكان قراقش من الأرمن وكان يقال له المظفري لأنه مملوك المظفر والناصري لأنه يخطب للناصر صلاح الدين. وكان يكتب في ظهائره ولي أمير المؤمنين بسكون الميم ويكتب علامة الظهير بخطه: وثقت بالله وحده أسفل الكتاب. وأما إبراهيم بن قراقش صاحبه فإنه سار مع العرب إلى قفصة فملك جميع منازلها وراسل بني الزند رؤساء قفصة فأمكنوه من البلد لانحرافهم عن بني عبد المؤمن فدخلها وخطب للعباسي ولصلاح الدين إلى أن قتله المنصور عند فتح قفصة كما نذكره في أخبار الموحدين.