سوريا وقضية أسلحة الدمار الشامل
[*]
تُعتبر سوريا من أكثر الدول العربية تقدماً في مجال تطوير أسلحة الدمار الشامل، حيث تتوفر لديها ترسانة كبيرة من مئات الصواريخ من طراز أرض ـ أرض التي يمكنها أن تغطي معظم أجزاء إسرائيل. وبفضل المساعدة الإيرانية والكورية الشمالية، استطاعت سوريا تطوير رؤوس حربية كيميائية لهذه الصواريخ، مما يشكل تهديداً استراتيجياً لإسرائيل. لقد خلقت ترسانة أسلحة الدمار الشامل ـ كما أمل في ذلك السوريون ـ توازناً فاعلاً للرعب بين سوريا وإسرائيل. ويمكن إدراك الأهمية الاستراتيجية التي يمثلها امتلاك ترسانة من أسلحة الدمار الشامل بالنسبة للنظام السوري في ظل خلفية تدني جودة الأسلحة التقليدية السورية في حالة نشوب أي حرب مستقبلية مع إسرائيل. ويخلُص المقال إلى أنه من غير المحتمل أن تحذو سوريا حذو ليبيا بالتخلي بسهولة عن قدراتها الخاصة بأسلحة الدمار الشامل.
[*]
تُعتبر سوريا من أكثر الدول العربية تقدماً في مجال تطوير أسلحة الدمار الشامل، حيث تتوفر لديها ترسانة كبيرة من مئات الصواريخ من طراز أرض ـ أرض التي يمكنها أن تغطي معظم أجزاء إسرائيل. وبفضل المساعدة الإيرانية والكورية الشمالية، استطاعت سوريا تطوير رؤوس حربية كيميائية لهذه الصواريخ، مما يشكل تهديداً استراتيجياً لإسرائيل. لقد خلقت ترسانة أسلحة الدمار الشامل ـ كما أمل في ذلك السوريون ـ توازناً فاعلاً للرعب بين سوريا وإسرائيل. ويمكن إدراك الأهمية الاستراتيجية التي يمثلها امتلاك ترسانة من أسلحة الدمار الشامل بالنسبة للنظام السوري في ظل خلفية تدني جودة الأسلحة التقليدية السورية في حالة نشوب أي حرب مستقبلية مع إسرائيل. ويخلُص المقال إلى أنه من غير المحتمل أن تحذو سوريا حذو ليبيا بالتخلي بسهولة عن قدراتها الخاصة بأسلحة الدمار الشامل.
حدثان هامان وضعا سوريا في دائرة الضوء، هما غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية في ربيع عام 2003والقرار الليبـي بتفكيك قدرات الجماهيرية في مجال تطوير أسلحة الدمار الشامل. لقد أثارت السياسة التي اتبعتها دمشق طوال الأزمة العراقية حفيظة الولايات المتحدة، بل دفعت الرئيس جورج دبليو. بوش إلى تبني لهجة غير مسبوقة ضد سوريا، مشدداً على مطالبته لها بإيقاف تطوير الأسلحة الكيميائية المحظورة1.
لقد أنكر السوريون امتلاكهم لأي أسلحة محظورة، وقذفوا بالكرة سريعاً إلى الملعب الأمريكي باقتراحهم الداعي إلى إعلان منطقة الشرق الأوسط بأكملها منطقة خالية من الأسلحة غير التقليدية. كما سارعوا أيضاً إلى نفي التقارير القائلة بسماح سوريا لنظام صدام حسين بإخفاء أسلحة دمار شامل في أراضيها2.
ولكن واشنطن لم تكن راضية عن نفي دمشق، حيث أوضحت الحكومة الأمريكية أنها ستراقب السلوك السوري عن كثب3.
ولكن الزمن وحده هو الذي سيحدد مدى مصداقية هذه الاتهامات ومدى فاعلية التهديدات الأمريكية، ولكن سوريا تملك مخزوناً من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، إضافة إلى وسائل إطلاقها باستخدام ترسانتها التي تحتوي على صواريخ أرض ـ أرض المتطورة، والتي يمكن أن يصل مداها إلى معظم المناطق الإسرائيلية المأهولة بالسكان. ويُعتبر امتلاك أسلحة الدمار الشامل وخصوصاً الأسلحة الكيميائية والقدرات الصاروخية المتميزة بالنسبة لسوريا، وبدرجة أكبر من أي دولة عربية أخرى خلال السنوات الماضية، إحدى أهم الدعائم المركزية لمفهوم أمنها القومي. وقد أبان ذلك بوضوح أحمد الحسن وزير الإعلام السوري حين سُئل عن ردة فعله تجاه القرار الليبي القاضي بالتخلي عن خطط تطوير أسلحة الدمار الشامل، حين قال "إن سوريا ليست ليبيا. إن الليبيين بعيدون عن الجبهة وعن العدو (إسرائيل)، ولهذا السبب فإن سوريا لن تقتفي أثر الطريق الليبي" 4.
أسلحة الدمار الشامل وسيلة لتحقيق التكافؤ الاستراتيجي مع إسرائيل
لقد سعت سوريا بحلول ثمانينيات القرن الماضي إلى امتلاك أسلحة غير تقليدية، وقد شكلت تلك الجهود العنصر الرئيسي لمفهوم أمنها القومي الوليد، والذي يهدف إلى تحقيق التكافؤ الاستراتيجي مع إسرائيل. ولمجاراة هذا المفهوم، يسعى السوريون بكل جهد إلى إقامة تكافؤ، ليس عسكرياً فحسب، بل تكافؤاً استراتيجياً متكاملاً في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتقنية والمجالات الأخرى.
وقد تم تطوير هذا المفهوم استناداً إلى خلفية الضعف الإقليمي والدولي السوري آنذاك عندما وجدت سوريا نفسها وحيدة في صراعها مع إسرائيل عقب تخلي مصر عن المواجهة العسكرية وتوقيعها على معاهدة للسلام عام 1979. أما العراق ـ الذي كان يُعتبر عمقاً استراتيجياً لسوريا، والذي شارك في حرب عام 1973 ـ فقد تخلى عن سوريا. فقد نأت بغداد عن جبهة الرفض العربية التي أنشأتها سوريا بعد توقيع اتفاقيات السلام بين مصر وإسرائيل، بل دخلت فيما بعد في حرب مع إيران، الأمر الذي أدى إلى قطع العلاقات مع دمشق التي وقفت في صف إيران. وتذوقت سوريا طعم العزلة أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان في يونيو 1982 عندما وجدت نفسها وحيدة في المعركة ضد إسرائيل وتعرضت لهزيمة قاسية 5.
وفي تلك المرحلة، قام الاتحاد السوفييتي بتقديم المساعدة إلى سوريا بفتح الترسانة السوفييتية، بما في ذلك الأسلحة التي أحجم سابقاً عن بيعها لسوريا. لذلك فقد ولد المفهوم الطموح لإقامة تكافؤ استراتيجي مع إسرائيل، ليس عبر مجموعة من الدول العربية، بل من خلال الدعم السوفييتي الكامل.
وبالفعل وخلال السنوات التي أعقبت حرب عام 1982، شهدت القوات المسلحة السورية زيادة بارزة من حيث النوع والكم. فقد تضاعف حجمها من نحو ربع مليون جندي إلى نصف مليون جندي، وتم تزويدها بأسلحة سوفييتية متطورة شملت صواريخ أرض ـ جو من طراز "اس ايه ـ 5" وصواريخ أرض ـ أرض طراز "اس اس ـ 21"6.
وسرعان ما أدرك السوريون عدم قدرة اقتصادهم على دعم تعزيز قوتهم العسكرية المطلوبة. فقد وصل الاقتصاد السوري إلى حافة الإفلاس، الأمر الذي دعا الرئيس حافظ الأسد إلى التراجع ـ وإن لم يكن بصورة علنية ـ عن هدفه الطموح بتحقيق التكافؤ مع إسرائيل، ولكن لم تنتهِ المتاعب السورية عند هذا الحد. فبنهاية ثمانينيات القرن الماضي، تعرض اقتصاد الاتحاد السوفييتي إلى مصاعب كبيرة، وعند انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991أصبحت سوريا وحيدة في محيط عدائي 7.
ومن وجهة النظر السورية، فإن احتمال استغلال إسرائيل لهذه الحقائق في مهاجمة سوريا لم يكن أمراً خيالياً أو نظرياً، وقد تجلت خشية سوريا من إسرائيل ومن صورتها كعدو شيطاني يسعى إلى التوسع وإلى هزيمة سوريا كهدف نهائي. كما ان صورة الولايات المتحدة في المخيلة السورية منذ عهد الرئيس رونالد ريغان لم تكن أحسن حالاً من صورة إسرائيل. وقد واجهت سوريا العديد من التعقيدات لبناء جيش كبير ومتطور تقنياً بدرجة كافية تجعله يضاهي الجيش الإسرائيلي. هناك عاملان رئيسيان يقيدان التطور السوري العسكري، هما الوضع الاقتصادي المتدني للدولة وامتناع معظم الموردين العالميين عن التعامل معها لأسباب سياسية أو مالية.
وقد دفع ذلك سوريا منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي إلى تأسيس أمنها القومي وبصورة متزايدة على أسلحة الدمار الشامل كنوع من العلاج الإعجازي الذي سيخفض في لمح البصر الفجوة التقنية المتسعة دائماً بين سوريا وإسرائيل وبخاصة على مستوى القوات الجوية. إن حقيقة امتلاك إسرائيل لقدرات نووية شكلت سبباً إضافياً (ولم تكن السبب الوحيد) الذي ارتكزت عليه سوريا لتبني هذه الاستراتيجية. وفي سبعينيات القرن الماضي، تم التوصل إلى قناعة بعدم قدرة العرب على هزيمة إسرائيل بسبب امتلاكها لأسلحة ذرية. وعلى سبيل المثال، تم الادعاء في حرب أكتوبر عام 1973بأن القدرات النووية لإسرائيل كانت هي السبب وراء عدم عبور القوات السورية إلى الأراضي الإسرائيلية أثناء الحرب إلى ما وراء حدود الرابع من يونيو 1967. لذلك فإن الرغبة السورية في التخلص من ميزة التفوق الإسرائيلي بسبب امتلاكها للأسلحة النووية تُعد جزءاً من استراتيجياتها الشاملة الرامية إلى تحقيق نصر عسكري تقليدي في المستقبل.
وبالنظر إلى التفوق العسكري التقليدي لإسرائيل حالياً، فإن سوريا تنظر إلى الأسلحة الكيميائية كحد أدنى لتحقيق قدرة رادعة لإسرائيل8.
وهناك حدثان محددان ساهما في زيادة الوعي السوري بأهمية الحصول على أسلحة غير تقليدية، ويتمثل الحدث الأول في الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980 ـ 1988)، والتي استخدم أثناءها صدام حسين بصورة واسعة وفاعلة أسلحة كيميائية وصواريخ (ولو أنها تقليدية) ضد الإيرانيين. وثبت أن استخدام مثل هذه الصواريخ هو البطاقة الرابحة، حيث أدت إلى وقف تقدم القوات الإيرانية إلى مشارف بغداد، كما أجبرت طهران على الموافقة على وقف إطلاق النار الذي كان في صالح العراق. ويجب افتراض أن السوريين قد لاحظوا أن استخدام صدام لصواريخ أرض ـ أرض ضد الأهداف المدنية الإيرانية لم يثر أي رد فعل يُذكر، وبخاصة على صعيد المجتمع الدولي.
أما الحدث الثاني فقد كان حرب الخليج في عام 1991 التي أطلق العراقيون خلالها صواريخ اسكود على إسرائيل، وقد اتسم استخدام هذه الصواريخ بالفاعلية، إذ أدى إلى حدوث شلل في الحياة داخل إسرائيل لوقت طويل، كما أتاح للعراق أن يظهر نفسه بصورة بطولية أمام العالم العربي. وقد تأثر السوريون أيضاً بالطريقة التي شنت بها الولايات المتحدة حربها ضد العراق. فقد بدأ الأمريكيون الحرب بضربات جوية ضد البنية التحتية العسكرية والاقتصادية العراقية بصورة أدت إلى تدميرها، مما جعل العراق عاجزاً عن الرد على نحو فاعل. ورأى السوريون كيف نجح الأمريكان، بانقضاضة مهلكة واحدة، في تحطيم البنية الأساسية العراقية بأكملها. ومن الطبيعي أن تشعر سوريا باحتمال أن يتكرر هذا السيناريو على أراضيها، وبخاصة في حالة حدوث مواجهة سورية ـ إسرائيلية، والتي قد ترغب من خلالها إسرائيل في استخدام قوتها العسكرية وتفوقها التقني، وعلى وجه الخصوص قواتها الجوية المتفوقة، لتحطيم سوريا9.
لذلك فإنه ليس من الغريب أن يخصص السوريون منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي موارد ضخمة لتطوير أسلحة الدمار الشامل وبناء مفهوم أمنهم القومي على أساس تحقيق القدرة على إقامة توازن رعب بين سوريا وإسرائيل. ويمكن افتراض أن القرار السوري بالتحرك في هذا الاتجاه يعود وبصورة كبيرة إلى بقاء إيران ـ وإلى حد كبير كوريا الشمالية ـ كدول صديقة وحيدة مستعدة لتوفير موارد مالية وفتح مخازن أسلحتها لسوريا. ومن خلال عقد التحالفات، قامت سوريا بتبني نمط الأسلوب الإيراني والكوري الشمالي نفسه.
ووفقاً للتفكير السوري، فإن سلاح الدمار المتبادل قد تم تصميمه لردع إسرائيل من الهجوم على البنية التحتية السورية كما فعل الأمريكيون ضد العراق في حرب الخليج في عام 1991. وفي الماضي وأثناء حرب عام 1973 ـ على سبيل المثال ـ تمثل رد الفعل الإسرائيلي لنجاح السوريين في اختراق الدفاعات الإسرائيلية في هضبة الجولان، في القيام بشن ضربات جوية استهدفت مواقع البنية التحتية في أرجاء سوريا كافة. ويعتقد السوريون أن إقامة توازن رعب قد يؤدي إلى ردع إسرائيل عن القيام برد الفعل نفسه، مما يتيح للسوريين الاستغلال الكامل لمزايا التكتيكات العسكرية ـ علي سبيل المثال ـ في حالة اكتساب هذه المزايا في هجوم خاطف 10. وبنهاية تسعينيات القرن الماضي وعندما ازداد ضعف الجيش السوري بسبب انخفاض قدراته التسليحية وتدهور نوعيتها، ظل الميل نحو حيازة الأسلحة غير التقليدية يمثل الوسيلة الرادعة التي تم تصميمها لتتيح لها حرية العمل ضد إسرائيل من خلال استخدام سلاح الإرهاب وبصورة خاصة عبر حزب الله. ومن الواضح أن هذه القدرات ساهمت في الشعور باللامبالاة الذي أظهره الرئيس بشار الأسد عندما طُلب منه في أواخر عام 2000كبح نشاط حزب الله. ووفقاً للتقارير، فقد أجاب بشار بأن سوريا ليست خائفة من إسرائيل التي يمكن لسوريا التعامل معها من خلال الصواريخ التي بحوزتها 11.
وفي مقابلة له مع صحيفة "السفير" اللبنانية في فبراير 2002، قدم بشار تفاصيل موسعة حول ذلك، قائلاً:
"تملك إسرائيل بقيادة ارييل شارون الذي يعاني من جنون الحرب عناصر القوة التي قد تغريها للقيام بمغامرة عسكرية واسعة. إن إسرائيل في واقع الأمر قد تستمتع بميزة في بداية الحرب، ولكنها لن تستطيع الحفاظ على هذه الميزة مع مرور الوقت وحتى انتهاء الحرب أو التحكم في نتائجها أو الانتصار في مثل هذه الحرب. وفي الجانب العربي الذي سنكون نحن في مقدمته سيكون هو الجانب الذي سيحدد كيف ستنتهي الحرب.
إننا ندرك أن إسرائيل تتمتع بالتفوق في العديد من المجالات العسكرية، ولكننا نملك القدرة على المقاومة الصلبة واتخاذ القرار الحاسم، إننا لا نريد أن نمتص الضربات في صمت ومن ثم قبول الشروط الإسرائيلية للسلام".
"أما في ما يتعلق بنا فإن قرارنا واضح، فإننا سنصمد ونرد على العدوان حتى لو قام العدو بتدمير منشآت بنيتنا الأساسية. وعلى الرغم من أننا بلد فقير فإننا نستطيع الصمود في وجه العدو وعلى نحو أفضل مما يتصور، كما نستطيع إعادة بناء ما يستطيع أن يدمره، ولكن يجب أن يعلم أن حجم الضرر الذي يمكننا إلحاقه بالعدو أكبر من الضرر الذي سيلحقه بنا 12 ".
وبالفعل، فقد كان هناك جدل طويل في إسرائيل استمر لسنوات بشأن قضية تصميم سوريا على امتلاك أسلحة غير تقليدية. فهناك في إسرائيل من يعتقد أن مثل هذه الصورايخ والأسلحة قد صُممت بحيث تتيح لدمشق القيام بضربة استباقيه ضد إسرائيل مع احتمال بدء هجوم سوري مفاجئ بهدف تحييد جزء كبير من القدرات العسكرية الإسرائيلية.
ولكن معظم الخبراء يعتقدون أن ذلك هو سلاح الدمار المتبادل الذي سيستخدم في حالة الهجوم على سوريا. وعلى أي حال فإن مجرد توفر مثل هذا السلاح في أيدي نظام مثل نظام البعث السوري وبالتأكيد تحت سيطرة زعيم صغير يفتقر إلى الخبرة مثل بشار الأسد يُعد عاملاً كافياً لإثارة القلق في إسرائيل13.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن نجاح حزب الله في خلق توازن للرعب مع إسرائيل، الأمر الذي أجبرها في النهاية على الانسحاب من جنوب لبنان، يُعد أيضاً عاملاً في تشكيل مفهوم لتوازن الرعب السوري يستند إلى حرب غير تقليدية، ويعني ذلك ـ كما ستتم مناقشته أدناه ـ بصورة أساسية ـ تطوير أسلحة بيولوجية وكيميائية إضافة إلى الصورايخ التي ستحملها 14.
الأسلحة غير التقليدية في سوريا: القدرات الصاروخية
في بداية سبعينيات القرن الماضي وقبل حرب يوم الغفران، تحصل السوريون على صورايخ "فروج ـ Frog" طراز أرض ـ أرض وبمدى يصل إلى سبعين كيلومتراً. وقام السوريون بإطلاق هذه الصورايخ التي صُممت للاستخدام التكتيكي في ميدان المعركة ـ أثناء الحرب ـ على أهداف داخل العمق الإسرائيلي. وفي إحدى المرات أخطأت الهدف (كان مهبطاً إسرائيلياً) وأصابت مستوطنة مدنية في شمال إسرائيل، وقامت إسرائيل بالرد بضربها لأهداف داخل دمشق 15.
وعقب الحرب، قام السوريون بشراء نحو مائتي صاروخ "اسكود ـ بي" وبمدى يبلغ 280كيلومتراً من الاتحاد السوفييتي، وقد وفرت هذه الصواريخ لسوريا ـ وللمرة الأولى ـ القدرة على ضرب الأهداف المدنية في داخل العمق الإسرائيلي. وبعد انتهاء حرب 1982 في لبنان وكجزء من الجهود لتحقيق التكافؤ الاستراتيجي مع إسرائيل، قام السوريون بشراء صواريخ "اس اس "21 أرض ـ أرض، وهي عبارة عن صواريخ تكتيكية متطورة يبلغ مداها ثمانين كيلومتراً تقريباً16.
وقد أنذرت حرب الخليج في عام 1991 بتسارع الجهود السورية للتزود بالصواريخ. وقد ساعدها على ذلك التحسن الاقتصادي الذي تحقق عبر الهبات السخية التي تلقتها من الدول الخليجية العربية التي هدفت إلى شراء المساندة السورية ضد العراق، هذا إلى جانب الاكتشافات والإنتاج الأولي للنفط في سوريا نفسها.
وساهم كلا العاملين في امتلاء الخزينة السورية ـ الفارغة حتى ذلك الحين ـ بمليارات الدولارات.
وفي مطلع تسعينيات القرن الماضي، اشترت سوريا من كوريا الشمالية صواريخ "اسكود ـ سي" التي يبلغ مداها خمسمائة كيلومتر، إضافة إلى قيامها ـ بمساعدة كوريا الشمالية وإيران ـ بالبدء في تطوير نسخة مطورة من صاروخ اسكود (ويُشار إليها باسكود ـ دي) وبمدى يبلغ حتى 700 كيلومتر.
وكان من المقدر أن تصل تكلفة تطوير هذه الصواريخ إلى حدود مليار دولار تم سدادها من عوائد النفط السوري المتحققة في تسعينيات القرن الماضي وعن طريق المساعدات المالية المقدمة من المملكة العربية السعودية والكويت. وفي إحدى المرات، حاول الأمريكان في مطلع عام 1992ـ وكجزء من جهودهم لإبقاء الشرق الأوسط خالياً من أسلحة الدمار الشامل ـ تم اعتراض سير السفن الكورية الشمالية التي كانت تحمل الصواريخ لسوريا، ولكن السوريين والكوريين الشماليين نجحوا بخداعهم عن طريق ترحيلها بجسر روسي جوي من كوريا الشمالية وإيران مباشرة إلى سوريا. ووفقاً للتقديرات، فإن عدد الصواريخ التي تملكها سوريا من طراز "اسكود ـ سي" و "اسكود ـ دي" يبلغ نحو ستين صاروخاً17.
وتملك سوريا العديد من الألوية المجهزة بصواريخ أرض ـ أرض، وكانت هناك تقارير متزايدة عبر السنوات الماضية بشأن الجهود السورية لإخفاء وتمويه الصواريخ التي تم شراؤها، في داخل شبكة واسعة من الكهوف والأنفاق الأرضية التي تم حفرها في شمال سوريا. وبما أن مدى بعض هذه الصواريخ يصل إلى نحو سبعمائة كيلومتر فليست هناك حاجة إلى نشرها بالقرب من الحدود مع إسرائيل للوصول إلى أهدافها. ومن المعتقد أن الصواريخ من طراز "اسكود ـ سي" و"اسكود ـ دي" يتم إطلاقها من منصات إطلاق متحركة كما كان هو الحال بالنسبة لصواريخ اسكود العراقية خلال حرب الخليج18.
الأسلحة الكيميائية والبيولوجية:
وإلى جانب بناء قدراتهم الصاروخية، استثمر السوريون جهوداً مقدرة في تطوير قدرات للأسلحة الكيميائية. من المسلم به عموماً أن السوريين كانوا يملكون أثناء حرب أكتوبر 1973ترسانة من الأسلحة الكيميائية يُحتمل أن يكون المصريون قد زودوهم بها. ولكن ومنذ ذلك الوقت، بذل السوريون جهوداً كبيرة لتطوير أسلحة كيميائية، وقد وصلت تلك الجهود إلى ذروتها في مطلع تسعينيات القرن الماضي. وقد ركز السوريون أساساً على تطوير غاز الأعصاب (السارين). ثم ركزوا منذ بداية تسعينيات القرن الماضي على إنتاج غاز "ڤـي اكس" الأكثر فتكاً19.
وإلى جانب ذلك، طور السوريون رؤوساً حربية كيميائية يمكن إطلاقها باستخدام صواريخ طويلة المدى. وبما أن السوفييت لم يقوموا بتزويد السوريين بمثل هذه الرؤوس الحربية، لذلك فقد تم تصنيعها محلياً بمساعدة من إيران وكوريا الشمالية. وباستطاعة السوريين أيضاً إطلاق الأسلحة الكيميائية عبر الطائرات، ولكن ولعلمهم بتفوق الطيران الحربي الإسرائيلي فيبدو أنهم قد تخلوا عن فكرة محاولة استخدام الطائرات لهذا الغرض، على الرغم من أنهم من حيث المبدأ ما زالوا يضعونها في اعتبارهم20.
لذلك، ومنذ منتصف تسعينيات القرن الماضي وربما قبل ذلك، فإن السوريين امتلكوا أسلحة كيميائية تفوق تلك التي تتوفر لأي دولة في المنطقة بخلاف إيران. وهناك معلومات ضئيلة جداً عن تطوير الأسلحة البيولوجية في سوريا، ولكن يبدو أن السوريين يبذلون جهوداً كبيرة لتطوير مثل هذه الأسلحة، بما في ذلك الانثراكس Anthrax وبكتيريا الكوليرا Cholera Bacteria. وتجري هذه الجهود بالمركز السوري للدراسات والأبحاث العلمية في دمشق(Syrian Scientific Studies & Research Center/SSCR). ويتولى المركز أيضا مسؤولية تطوير الأسلحة الكيميائية السورية. ويعطي المقال الذي نشره وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس في إبريل 2000 في إحدى الصحف الإيرانية مؤشراً للوعي السوري بفاعلية مثل هذه الأسلحة، ويحمل المقال عنوان"الحرب البيولوجية (الجرثومية): وسيلة جديدة وفاعلة في الحرب الحديثة" Biological ( Germ) Warfare: A New and Effective Method in Modern Warfare"21
حزب الله: الذراع الطويلة لسوريا وإيران
أصبح حزب الله في السنوات الأخيرة جزءاً من التخطيط الاستراتيجي السوري ضد إسرائيل. وعلى الرغم من أنها لا تخضع بالكامل للسيطرة السورية، فإن هذه المنظمة تعمل بصورة لصيقة مع السوريين وبمساعدة الإيرانيين. ووفقاً للتقارير، فإن إيران قامت بتزويد حزب الله بعشرات من الصواريخ من طراز الفجر 5 و6، والتي يبلغ مداها 75 كيلومتراً و 125 كيلومتراً على التوالي، مما يجعلها تصل إلى جميع مناطق شمال إسرائيل وحتى حدرا "Hedera" جنوباً. وفي منتصف عام 2004، أشارت تقارير في إسرائيل إلى أن إيران زودت حزب الله بصواريخ أكثر تطوراً من طراز الفجر التي يبلغ مداها 225 كيلومتراً، ويستطيع بالتالي الوصول إلى ضواحي تل أبيب 22
ووفقاً لتقارير موثوقة أخرى ـ ومن وجهة نظر سورية وليس بالضرورة من وجهة نظر حزب الله ـ فقد قام المخططون العسكريون السوريون بتضمين هذا التنظيم في خطط عملياتهم وكأنه جزء لا يتجزأ من القوات المسلحة السورية. وإلي جانب الحقيقة التي تقول بتوفر هذه الصواريخ لدى حزب الله، إلا أن هنالك تقارير متزايدة ـ على الرغم من عدم تأكيدها ـ تفيد بأن حزب الله يملك أسلحة كيميائية. ومن الصعوبة افتراض أن الإيرانيين أو حتى السوريين هم الذين زودوا حزب الله بهذا النوع من الأسلحة، ولكن مما لا شك فيه أن أجندة الحزب تشمل شراء أسلحة نووية من شأنها تحسين موقفهم بصورة أكيدة في مواجهة إسرائيل 23.
إن فقدان السوريين لكثير من سيطرتهم ونفوذهم التي كانوا يتمتعون بها على حزب الله، يجعل هذا التهديد خطراً على إسرائيل. ويعكس ذلك نتيجة واضحة لحقيقة ضعف وعدم خبرة بشار الأسد كقائد يجلس على قمة الهرم السياسي في سوريا. ويظهر ضعف موقف بشار في علاقته مع زعيم حزب الله الشيخ حسن نصر الله الذي اعترف بنفسه في وقت ما بأنه لم يجتمع قط وجهاً لوجه مع حافظ الأسد 24.ومن المحتمل أن الأسد الكبير لم يـرَ أي سبب لمثل هذا الاجتماع، لأنه قد يكون اعتبر نصر الله مجرد ألعوبة لا أكثر.
ومن جانب آخر، فقد التقى بشار مراراً بنصر الله كأنه يريد أن ينعم بتوهج انتصارات نصر الله الذي كان سريعاً في إلقاء عباءة رعايته على القائد الشاب في دمشق وكأنه كان يرغب في تعليم الشاب الجديد قواعد وأصول اللعبة. وفي أكثر من مناسبة، قال نصر الله إن حزب الله سيدعم بشار في تأمين موقفه داخل سوريا وحماية المصالح السورية في الخارج وكأن بشار لا يستطيع القيام بذلك بنفسه !! وبدت قيادة بشار عرضة للشك عندما تدهورت الأحوال الأمنية على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية في شهري مارس وإبريل 2002 في ظل خلفية العملية الإسرائيلية داخل الضفة الغربية، والتي عُرفت بـ"الدرع الواقي".
وبمواجهته وضعاً متدهوراً على امتداد الحدود السورية ـ الإسرائيلية بدا بشار مرتبكاً بشأن تفهمه لخطورة الوضع ومسايرة حزب الله، ولم يفعل شيئاً لوقف أو لجعل هذا التنظيم يتبنى سلوكاً أكثر اعتدالاً. واعتُبر هذا التصرف في إسرائيل والغرب نابعاً من عدم الرغبة الأساسية لبشار بالتنازل عما يعتبره بمثابة بطاقة استراتيجية ضد إسرائيل. ويبدو أن الرئيس الشاب يعتقد وبحكم عدم خبرته أن الروح القتالية التي يتميز بها حزب الله ستتيح للعرب إضعاف إسرائيل أو ربما هزيمتها كما حدث في جنوب لبنان. ووفقاً للتقارير الإسرائيلية، فقد قام السوريون بتسليم حزب الله في مطلع عام 2002 صواريخ تكتيكية متطورة لاستخدامها ضد إسرائيل، وبالتالي تشجيع هذا التنظيم على الحفاظ على روحه القتالية ضد إسرائيل. وقد أشارت هذه التقارير إلى أن بشار قد اعترف لشركاء حوار غربيين بأن السوريين قد أدمجوا حزب الله ضم نظامهم الدفاعي للتعويض عن الضعف الاستراتيجي للجيش السوري أمام إسرائيل 25.
السياسة السورية لإخفاء الأسلحة
حرص السوريون على التزام جانب السرية في ما يتعلق بأي شيء يخص الأسلحة غير التقليدية التي في حوزتهم، حيث تفادوا الإدلاء بأي تصريحات غير ضرورية، والتي حسب اعتقادهم قد تلفت الأنظار كما نفوا جميع التقارير المتعلقة بحيازتهم لمثل هذه الأسلحة.
وقد أحجم الأمريكيون والإسرائيليون ـ أثناء مفاوضات السلام السورية ـ الإسرائيلية عن التعرض لموضوع الجهود السورية الرامية إلى الحصول على أسلحة الدمار الشامل على افتراض أن اتفاقية السلام ـ والتي كان من المعتقد أن التوصل إليها مجرد مسألة وقت ـ ستؤدي إلى حل مشكلة ترسانة أسلحة الدمار الشامل السورية.
وقد طرأ تغيير محدود في سوريا بعد وفاة حافظ الأسد وتسلُم ابنه بشار لمقاليد الحكم. وكما هو الحال بالنسبة للمجالات الأخرى لحكمه، تبين أن بشار كان متهوراً مع تميزه بنـزعة لارتكاب الأخطاء في ما يتعلق بقدرات أسلحة الدمار السورية. فعلى سبيل المثال، فإن سياسة سوريا تجاه قضية الحرب في العراق أثارت الدهشة بشأن قدراته على اتخاذ القرارات المدروسة في حالات الأزمات. وفي حقيقة الأمر، فقد أجمع المحللون على أن حافظ الأسد كان قائداً متبصراً في عواقب الأمور، وكان يبتعد دائماً عن أي فعل يتسم بالمغامرة، بينما يفتقر بشار إلى هذه المميزات. ثانياً، فقد تم التعبير عن هذا الأمر في سلسلة من التصريحات التي أدلى بها بشار، والتي هدد فيها بأن سوريا في حالة تعرضها للهجوم من قبل إسرائيل فسوف تستغل قدراتها إلى الحد الذي يمكنها من إحداث أضرار بليغة بإسرائيل26.
ولسنوات طويلة، لم يثر برنامج أسلحة الدمار السورية إلا قليلاً من انتباه العالم، ولكن التغيير في السياسة الأمريكية منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 ـ بل وبصورة أكثر قوة ـ منذ الحرب في العراق عام 2003 يعني أن سوريا قد لا تستطيع بعد الآن الاستمرار في هذه السياسة. وفي واقع الأمر، يبدو أن السياسة الأمريكية تجاه سوريا لن يتم تحديدها بعد الآن من خلال الصراع الإسرائيلي ـ السوري كما كان يحدث في الماضي، بل من خلال الإيمان بأن مصالح الأمن القومي الأمريكي تستلزم اتخاذ إجراءات ضد أي نظام متورط في دعم الإرهاب وتطوير الأسلحة غير التقليدية. ومن وجهة النظر الأمريكية، فإن سوريا تقع ضمن هذه الفئات، الأمر الذي يؤكد استمرار الضغوط الأمريكية القوية على سوريا.
إن الضغوط الواقعة على سوريا ازدادت بصورة ملحوظة بعد القرار المثير الذي اتخذه معمر القذافي بالتخلي عن خططه الرامية إلى تطوير أسلحة الدمار الشامل في ليبيا. وإلى جانب ذلك وللمرة الأولى، بدأ الاتحاد الأوروبي في الضغط على سوريا لتغيير سياستها بهذا الشأن والتخلي عن خططها المتعلقة بتطوير أسلحة الدمار الشامل. وعقب احتلال العراق، واجه السوريون المطالب الأوروبية الجديدة والمتمثلة في اتفاقية التعاون التي كانوا يتطلعون إلى توقيعها مع الاتحاد الأوروبي، والتي تتضمن بنداً يدعو إلى تجريد جميع الدول، بما في ذلك سوريا من أسلحة الدمار الشامل، ولكن سوريا رفضت هذا المطلب27.
إن كيفية تصرف الولايات المتحدة تجاه سوريا تعتمد على العديد من العوامل التي تشمل من هو الشخص الذي سيتم انتخابه كرئيس للولايات المتحدة في نوفمبر 2004، وستعتمد أيضاً على الوضع في العراق وعلى تفسير تجربة العراق كموجة لاستراتيجية مستقبلية. لذلك فإن السياسة السورية التي تهدف إلى الحفاظ على قوة سوريا من خلال تزويد الجيش بأسلحة دمار شامل متطورة قد أصبحت بنفسها مهدداً للأمن السوري. وباتخاذه لخطوات ـ ما كان والده ليغامر بها ـ نجد أن سلوك بشار، والذي يبدو في بعض الأوقات كأنه يسعى إلى مواجهة الولايات المتحدة ـ يزيد من الاحتمالات التي تؤكد أن تشدده في موضوع حيازة أسلحة الدمار الشامل قد يصبح مشكلة رئيسية للنظام.
إن وجود مثل هذا القائد الشاب قليل التجربة، والذي يبدو أنه يفتقر إلى درجة الشرعية والتأييد الشعبي والاحترام التي كان يحظى بها والده الراحل قد يكون غير منطقي في بلد يرغب في الاستفادة من الاستقرار السياسي والتقاليد الديمقراطية العريقة. ولكن سوريا دولة تعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية خطيرة تتطلب حلولاً فورية وتامة. بل إن الأكثر أهمية من ذلك هو أن سوريا تلعب دوراً إقليمياً هاماً، بل حتى أنها قد تقرر مصير الإقليم ـ للأفضل أو للأسوأ ـ في اتجاه السلام أو الحرب. كما أن الفراغ في أعلى قمة الهرم الحاكم في سوريا يؤدي إلى حدوث مشاكل، ليس فقط بالنسبة لسوريا، بل للإقليم بأسره
لقد أنكر السوريون امتلاكهم لأي أسلحة محظورة، وقذفوا بالكرة سريعاً إلى الملعب الأمريكي باقتراحهم الداعي إلى إعلان منطقة الشرق الأوسط بأكملها منطقة خالية من الأسلحة غير التقليدية. كما سارعوا أيضاً إلى نفي التقارير القائلة بسماح سوريا لنظام صدام حسين بإخفاء أسلحة دمار شامل في أراضيها2.
ولكن واشنطن لم تكن راضية عن نفي دمشق، حيث أوضحت الحكومة الأمريكية أنها ستراقب السلوك السوري عن كثب3.
ولكن الزمن وحده هو الذي سيحدد مدى مصداقية هذه الاتهامات ومدى فاعلية التهديدات الأمريكية، ولكن سوريا تملك مخزوناً من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، إضافة إلى وسائل إطلاقها باستخدام ترسانتها التي تحتوي على صواريخ أرض ـ أرض المتطورة، والتي يمكن أن يصل مداها إلى معظم المناطق الإسرائيلية المأهولة بالسكان. ويُعتبر امتلاك أسلحة الدمار الشامل وخصوصاً الأسلحة الكيميائية والقدرات الصاروخية المتميزة بالنسبة لسوريا، وبدرجة أكبر من أي دولة عربية أخرى خلال السنوات الماضية، إحدى أهم الدعائم المركزية لمفهوم أمنها القومي. وقد أبان ذلك بوضوح أحمد الحسن وزير الإعلام السوري حين سُئل عن ردة فعله تجاه القرار الليبي القاضي بالتخلي عن خطط تطوير أسلحة الدمار الشامل، حين قال "إن سوريا ليست ليبيا. إن الليبيين بعيدون عن الجبهة وعن العدو (إسرائيل)، ولهذا السبب فإن سوريا لن تقتفي أثر الطريق الليبي" 4.
أسلحة الدمار الشامل وسيلة لتحقيق التكافؤ الاستراتيجي مع إسرائيل
لقد سعت سوريا بحلول ثمانينيات القرن الماضي إلى امتلاك أسلحة غير تقليدية، وقد شكلت تلك الجهود العنصر الرئيسي لمفهوم أمنها القومي الوليد، والذي يهدف إلى تحقيق التكافؤ الاستراتيجي مع إسرائيل. ولمجاراة هذا المفهوم، يسعى السوريون بكل جهد إلى إقامة تكافؤ، ليس عسكرياً فحسب، بل تكافؤاً استراتيجياً متكاملاً في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتقنية والمجالات الأخرى.
وقد تم تطوير هذا المفهوم استناداً إلى خلفية الضعف الإقليمي والدولي السوري آنذاك عندما وجدت سوريا نفسها وحيدة في صراعها مع إسرائيل عقب تخلي مصر عن المواجهة العسكرية وتوقيعها على معاهدة للسلام عام 1979. أما العراق ـ الذي كان يُعتبر عمقاً استراتيجياً لسوريا، والذي شارك في حرب عام 1973 ـ فقد تخلى عن سوريا. فقد نأت بغداد عن جبهة الرفض العربية التي أنشأتها سوريا بعد توقيع اتفاقيات السلام بين مصر وإسرائيل، بل دخلت فيما بعد في حرب مع إيران، الأمر الذي أدى إلى قطع العلاقات مع دمشق التي وقفت في صف إيران. وتذوقت سوريا طعم العزلة أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان في يونيو 1982 عندما وجدت نفسها وحيدة في المعركة ضد إسرائيل وتعرضت لهزيمة قاسية 5.
وفي تلك المرحلة، قام الاتحاد السوفييتي بتقديم المساعدة إلى سوريا بفتح الترسانة السوفييتية، بما في ذلك الأسلحة التي أحجم سابقاً عن بيعها لسوريا. لذلك فقد ولد المفهوم الطموح لإقامة تكافؤ استراتيجي مع إسرائيل، ليس عبر مجموعة من الدول العربية، بل من خلال الدعم السوفييتي الكامل.
وبالفعل وخلال السنوات التي أعقبت حرب عام 1982، شهدت القوات المسلحة السورية زيادة بارزة من حيث النوع والكم. فقد تضاعف حجمها من نحو ربع مليون جندي إلى نصف مليون جندي، وتم تزويدها بأسلحة سوفييتية متطورة شملت صواريخ أرض ـ جو من طراز "اس ايه ـ 5" وصواريخ أرض ـ أرض طراز "اس اس ـ 21"6.
وسرعان ما أدرك السوريون عدم قدرة اقتصادهم على دعم تعزيز قوتهم العسكرية المطلوبة. فقد وصل الاقتصاد السوري إلى حافة الإفلاس، الأمر الذي دعا الرئيس حافظ الأسد إلى التراجع ـ وإن لم يكن بصورة علنية ـ عن هدفه الطموح بتحقيق التكافؤ مع إسرائيل، ولكن لم تنتهِ المتاعب السورية عند هذا الحد. فبنهاية ثمانينيات القرن الماضي، تعرض اقتصاد الاتحاد السوفييتي إلى مصاعب كبيرة، وعند انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991أصبحت سوريا وحيدة في محيط عدائي 7.
ومن وجهة النظر السورية، فإن احتمال استغلال إسرائيل لهذه الحقائق في مهاجمة سوريا لم يكن أمراً خيالياً أو نظرياً، وقد تجلت خشية سوريا من إسرائيل ومن صورتها كعدو شيطاني يسعى إلى التوسع وإلى هزيمة سوريا كهدف نهائي. كما ان صورة الولايات المتحدة في المخيلة السورية منذ عهد الرئيس رونالد ريغان لم تكن أحسن حالاً من صورة إسرائيل. وقد واجهت سوريا العديد من التعقيدات لبناء جيش كبير ومتطور تقنياً بدرجة كافية تجعله يضاهي الجيش الإسرائيلي. هناك عاملان رئيسيان يقيدان التطور السوري العسكري، هما الوضع الاقتصادي المتدني للدولة وامتناع معظم الموردين العالميين عن التعامل معها لأسباب سياسية أو مالية.
وقد دفع ذلك سوريا منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي إلى تأسيس أمنها القومي وبصورة متزايدة على أسلحة الدمار الشامل كنوع من العلاج الإعجازي الذي سيخفض في لمح البصر الفجوة التقنية المتسعة دائماً بين سوريا وإسرائيل وبخاصة على مستوى القوات الجوية. إن حقيقة امتلاك إسرائيل لقدرات نووية شكلت سبباً إضافياً (ولم تكن السبب الوحيد) الذي ارتكزت عليه سوريا لتبني هذه الاستراتيجية. وفي سبعينيات القرن الماضي، تم التوصل إلى قناعة بعدم قدرة العرب على هزيمة إسرائيل بسبب امتلاكها لأسلحة ذرية. وعلى سبيل المثال، تم الادعاء في حرب أكتوبر عام 1973بأن القدرات النووية لإسرائيل كانت هي السبب وراء عدم عبور القوات السورية إلى الأراضي الإسرائيلية أثناء الحرب إلى ما وراء حدود الرابع من يونيو 1967. لذلك فإن الرغبة السورية في التخلص من ميزة التفوق الإسرائيلي بسبب امتلاكها للأسلحة النووية تُعد جزءاً من استراتيجياتها الشاملة الرامية إلى تحقيق نصر عسكري تقليدي في المستقبل.
وبالنظر إلى التفوق العسكري التقليدي لإسرائيل حالياً، فإن سوريا تنظر إلى الأسلحة الكيميائية كحد أدنى لتحقيق قدرة رادعة لإسرائيل8.
وهناك حدثان محددان ساهما في زيادة الوعي السوري بأهمية الحصول على أسلحة غير تقليدية، ويتمثل الحدث الأول في الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980 ـ 1988)، والتي استخدم أثناءها صدام حسين بصورة واسعة وفاعلة أسلحة كيميائية وصواريخ (ولو أنها تقليدية) ضد الإيرانيين. وثبت أن استخدام مثل هذه الصواريخ هو البطاقة الرابحة، حيث أدت إلى وقف تقدم القوات الإيرانية إلى مشارف بغداد، كما أجبرت طهران على الموافقة على وقف إطلاق النار الذي كان في صالح العراق. ويجب افتراض أن السوريين قد لاحظوا أن استخدام صدام لصواريخ أرض ـ أرض ضد الأهداف المدنية الإيرانية لم يثر أي رد فعل يُذكر، وبخاصة على صعيد المجتمع الدولي.
أما الحدث الثاني فقد كان حرب الخليج في عام 1991 التي أطلق العراقيون خلالها صواريخ اسكود على إسرائيل، وقد اتسم استخدام هذه الصواريخ بالفاعلية، إذ أدى إلى حدوث شلل في الحياة داخل إسرائيل لوقت طويل، كما أتاح للعراق أن يظهر نفسه بصورة بطولية أمام العالم العربي. وقد تأثر السوريون أيضاً بالطريقة التي شنت بها الولايات المتحدة حربها ضد العراق. فقد بدأ الأمريكيون الحرب بضربات جوية ضد البنية التحتية العسكرية والاقتصادية العراقية بصورة أدت إلى تدميرها، مما جعل العراق عاجزاً عن الرد على نحو فاعل. ورأى السوريون كيف نجح الأمريكان، بانقضاضة مهلكة واحدة، في تحطيم البنية الأساسية العراقية بأكملها. ومن الطبيعي أن تشعر سوريا باحتمال أن يتكرر هذا السيناريو على أراضيها، وبخاصة في حالة حدوث مواجهة سورية ـ إسرائيلية، والتي قد ترغب من خلالها إسرائيل في استخدام قوتها العسكرية وتفوقها التقني، وعلى وجه الخصوص قواتها الجوية المتفوقة، لتحطيم سوريا9.
لذلك فإنه ليس من الغريب أن يخصص السوريون منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي موارد ضخمة لتطوير أسلحة الدمار الشامل وبناء مفهوم أمنهم القومي على أساس تحقيق القدرة على إقامة توازن رعب بين سوريا وإسرائيل. ويمكن افتراض أن القرار السوري بالتحرك في هذا الاتجاه يعود وبصورة كبيرة إلى بقاء إيران ـ وإلى حد كبير كوريا الشمالية ـ كدول صديقة وحيدة مستعدة لتوفير موارد مالية وفتح مخازن أسلحتها لسوريا. ومن خلال عقد التحالفات، قامت سوريا بتبني نمط الأسلوب الإيراني والكوري الشمالي نفسه.
ووفقاً للتفكير السوري، فإن سلاح الدمار المتبادل قد تم تصميمه لردع إسرائيل من الهجوم على البنية التحتية السورية كما فعل الأمريكيون ضد العراق في حرب الخليج في عام 1991. وفي الماضي وأثناء حرب عام 1973 ـ على سبيل المثال ـ تمثل رد الفعل الإسرائيلي لنجاح السوريين في اختراق الدفاعات الإسرائيلية في هضبة الجولان، في القيام بشن ضربات جوية استهدفت مواقع البنية التحتية في أرجاء سوريا كافة. ويعتقد السوريون أن إقامة توازن رعب قد يؤدي إلى ردع إسرائيل عن القيام برد الفعل نفسه، مما يتيح للسوريين الاستغلال الكامل لمزايا التكتيكات العسكرية ـ علي سبيل المثال ـ في حالة اكتساب هذه المزايا في هجوم خاطف 10. وبنهاية تسعينيات القرن الماضي وعندما ازداد ضعف الجيش السوري بسبب انخفاض قدراته التسليحية وتدهور نوعيتها، ظل الميل نحو حيازة الأسلحة غير التقليدية يمثل الوسيلة الرادعة التي تم تصميمها لتتيح لها حرية العمل ضد إسرائيل من خلال استخدام سلاح الإرهاب وبصورة خاصة عبر حزب الله. ومن الواضح أن هذه القدرات ساهمت في الشعور باللامبالاة الذي أظهره الرئيس بشار الأسد عندما طُلب منه في أواخر عام 2000كبح نشاط حزب الله. ووفقاً للتقارير، فقد أجاب بشار بأن سوريا ليست خائفة من إسرائيل التي يمكن لسوريا التعامل معها من خلال الصواريخ التي بحوزتها 11.
وفي مقابلة له مع صحيفة "السفير" اللبنانية في فبراير 2002، قدم بشار تفاصيل موسعة حول ذلك، قائلاً:
"تملك إسرائيل بقيادة ارييل شارون الذي يعاني من جنون الحرب عناصر القوة التي قد تغريها للقيام بمغامرة عسكرية واسعة. إن إسرائيل في واقع الأمر قد تستمتع بميزة في بداية الحرب، ولكنها لن تستطيع الحفاظ على هذه الميزة مع مرور الوقت وحتى انتهاء الحرب أو التحكم في نتائجها أو الانتصار في مثل هذه الحرب. وفي الجانب العربي الذي سنكون نحن في مقدمته سيكون هو الجانب الذي سيحدد كيف ستنتهي الحرب.
إننا ندرك أن إسرائيل تتمتع بالتفوق في العديد من المجالات العسكرية، ولكننا نملك القدرة على المقاومة الصلبة واتخاذ القرار الحاسم، إننا لا نريد أن نمتص الضربات في صمت ومن ثم قبول الشروط الإسرائيلية للسلام".
"أما في ما يتعلق بنا فإن قرارنا واضح، فإننا سنصمد ونرد على العدوان حتى لو قام العدو بتدمير منشآت بنيتنا الأساسية. وعلى الرغم من أننا بلد فقير فإننا نستطيع الصمود في وجه العدو وعلى نحو أفضل مما يتصور، كما نستطيع إعادة بناء ما يستطيع أن يدمره، ولكن يجب أن يعلم أن حجم الضرر الذي يمكننا إلحاقه بالعدو أكبر من الضرر الذي سيلحقه بنا 12 ".
وبالفعل، فقد كان هناك جدل طويل في إسرائيل استمر لسنوات بشأن قضية تصميم سوريا على امتلاك أسلحة غير تقليدية. فهناك في إسرائيل من يعتقد أن مثل هذه الصورايخ والأسلحة قد صُممت بحيث تتيح لدمشق القيام بضربة استباقيه ضد إسرائيل مع احتمال بدء هجوم سوري مفاجئ بهدف تحييد جزء كبير من القدرات العسكرية الإسرائيلية.
ولكن معظم الخبراء يعتقدون أن ذلك هو سلاح الدمار المتبادل الذي سيستخدم في حالة الهجوم على سوريا. وعلى أي حال فإن مجرد توفر مثل هذا السلاح في أيدي نظام مثل نظام البعث السوري وبالتأكيد تحت سيطرة زعيم صغير يفتقر إلى الخبرة مثل بشار الأسد يُعد عاملاً كافياً لإثارة القلق في إسرائيل13.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن نجاح حزب الله في خلق توازن للرعب مع إسرائيل، الأمر الذي أجبرها في النهاية على الانسحاب من جنوب لبنان، يُعد أيضاً عاملاً في تشكيل مفهوم لتوازن الرعب السوري يستند إلى حرب غير تقليدية، ويعني ذلك ـ كما ستتم مناقشته أدناه ـ بصورة أساسية ـ تطوير أسلحة بيولوجية وكيميائية إضافة إلى الصورايخ التي ستحملها 14.
الأسلحة غير التقليدية في سوريا: القدرات الصاروخية
في بداية سبعينيات القرن الماضي وقبل حرب يوم الغفران، تحصل السوريون على صورايخ "فروج ـ Frog" طراز أرض ـ أرض وبمدى يصل إلى سبعين كيلومتراً. وقام السوريون بإطلاق هذه الصورايخ التي صُممت للاستخدام التكتيكي في ميدان المعركة ـ أثناء الحرب ـ على أهداف داخل العمق الإسرائيلي. وفي إحدى المرات أخطأت الهدف (كان مهبطاً إسرائيلياً) وأصابت مستوطنة مدنية في شمال إسرائيل، وقامت إسرائيل بالرد بضربها لأهداف داخل دمشق 15.
وعقب الحرب، قام السوريون بشراء نحو مائتي صاروخ "اسكود ـ بي" وبمدى يبلغ 280كيلومتراً من الاتحاد السوفييتي، وقد وفرت هذه الصواريخ لسوريا ـ وللمرة الأولى ـ القدرة على ضرب الأهداف المدنية في داخل العمق الإسرائيلي. وبعد انتهاء حرب 1982 في لبنان وكجزء من الجهود لتحقيق التكافؤ الاستراتيجي مع إسرائيل، قام السوريون بشراء صواريخ "اس اس "21 أرض ـ أرض، وهي عبارة عن صواريخ تكتيكية متطورة يبلغ مداها ثمانين كيلومتراً تقريباً16.
وقد أنذرت حرب الخليج في عام 1991 بتسارع الجهود السورية للتزود بالصواريخ. وقد ساعدها على ذلك التحسن الاقتصادي الذي تحقق عبر الهبات السخية التي تلقتها من الدول الخليجية العربية التي هدفت إلى شراء المساندة السورية ضد العراق، هذا إلى جانب الاكتشافات والإنتاج الأولي للنفط في سوريا نفسها.
وساهم كلا العاملين في امتلاء الخزينة السورية ـ الفارغة حتى ذلك الحين ـ بمليارات الدولارات.
وفي مطلع تسعينيات القرن الماضي، اشترت سوريا من كوريا الشمالية صواريخ "اسكود ـ سي" التي يبلغ مداها خمسمائة كيلومتر، إضافة إلى قيامها ـ بمساعدة كوريا الشمالية وإيران ـ بالبدء في تطوير نسخة مطورة من صاروخ اسكود (ويُشار إليها باسكود ـ دي) وبمدى يبلغ حتى 700 كيلومتر.
وكان من المقدر أن تصل تكلفة تطوير هذه الصواريخ إلى حدود مليار دولار تم سدادها من عوائد النفط السوري المتحققة في تسعينيات القرن الماضي وعن طريق المساعدات المالية المقدمة من المملكة العربية السعودية والكويت. وفي إحدى المرات، حاول الأمريكان في مطلع عام 1992ـ وكجزء من جهودهم لإبقاء الشرق الأوسط خالياً من أسلحة الدمار الشامل ـ تم اعتراض سير السفن الكورية الشمالية التي كانت تحمل الصواريخ لسوريا، ولكن السوريين والكوريين الشماليين نجحوا بخداعهم عن طريق ترحيلها بجسر روسي جوي من كوريا الشمالية وإيران مباشرة إلى سوريا. ووفقاً للتقديرات، فإن عدد الصواريخ التي تملكها سوريا من طراز "اسكود ـ سي" و "اسكود ـ دي" يبلغ نحو ستين صاروخاً17.
وتملك سوريا العديد من الألوية المجهزة بصواريخ أرض ـ أرض، وكانت هناك تقارير متزايدة عبر السنوات الماضية بشأن الجهود السورية لإخفاء وتمويه الصواريخ التي تم شراؤها، في داخل شبكة واسعة من الكهوف والأنفاق الأرضية التي تم حفرها في شمال سوريا. وبما أن مدى بعض هذه الصواريخ يصل إلى نحو سبعمائة كيلومتر فليست هناك حاجة إلى نشرها بالقرب من الحدود مع إسرائيل للوصول إلى أهدافها. ومن المعتقد أن الصواريخ من طراز "اسكود ـ سي" و"اسكود ـ دي" يتم إطلاقها من منصات إطلاق متحركة كما كان هو الحال بالنسبة لصواريخ اسكود العراقية خلال حرب الخليج18.
الأسلحة الكيميائية والبيولوجية:
وإلى جانب بناء قدراتهم الصاروخية، استثمر السوريون جهوداً مقدرة في تطوير قدرات للأسلحة الكيميائية. من المسلم به عموماً أن السوريين كانوا يملكون أثناء حرب أكتوبر 1973ترسانة من الأسلحة الكيميائية يُحتمل أن يكون المصريون قد زودوهم بها. ولكن ومنذ ذلك الوقت، بذل السوريون جهوداً كبيرة لتطوير أسلحة كيميائية، وقد وصلت تلك الجهود إلى ذروتها في مطلع تسعينيات القرن الماضي. وقد ركز السوريون أساساً على تطوير غاز الأعصاب (السارين). ثم ركزوا منذ بداية تسعينيات القرن الماضي على إنتاج غاز "ڤـي اكس" الأكثر فتكاً19.
وإلى جانب ذلك، طور السوريون رؤوساً حربية كيميائية يمكن إطلاقها باستخدام صواريخ طويلة المدى. وبما أن السوفييت لم يقوموا بتزويد السوريين بمثل هذه الرؤوس الحربية، لذلك فقد تم تصنيعها محلياً بمساعدة من إيران وكوريا الشمالية. وباستطاعة السوريين أيضاً إطلاق الأسلحة الكيميائية عبر الطائرات، ولكن ولعلمهم بتفوق الطيران الحربي الإسرائيلي فيبدو أنهم قد تخلوا عن فكرة محاولة استخدام الطائرات لهذا الغرض، على الرغم من أنهم من حيث المبدأ ما زالوا يضعونها في اعتبارهم20.
لذلك، ومنذ منتصف تسعينيات القرن الماضي وربما قبل ذلك، فإن السوريين امتلكوا أسلحة كيميائية تفوق تلك التي تتوفر لأي دولة في المنطقة بخلاف إيران. وهناك معلومات ضئيلة جداً عن تطوير الأسلحة البيولوجية في سوريا، ولكن يبدو أن السوريين يبذلون جهوداً كبيرة لتطوير مثل هذه الأسلحة، بما في ذلك الانثراكس Anthrax وبكتيريا الكوليرا Cholera Bacteria. وتجري هذه الجهود بالمركز السوري للدراسات والأبحاث العلمية في دمشق(Syrian Scientific Studies & Research Center/SSCR). ويتولى المركز أيضا مسؤولية تطوير الأسلحة الكيميائية السورية. ويعطي المقال الذي نشره وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس في إبريل 2000 في إحدى الصحف الإيرانية مؤشراً للوعي السوري بفاعلية مثل هذه الأسلحة، ويحمل المقال عنوان"الحرب البيولوجية (الجرثومية): وسيلة جديدة وفاعلة في الحرب الحديثة" Biological ( Germ) Warfare: A New and Effective Method in Modern Warfare"21
حزب الله: الذراع الطويلة لسوريا وإيران
أصبح حزب الله في السنوات الأخيرة جزءاً من التخطيط الاستراتيجي السوري ضد إسرائيل. وعلى الرغم من أنها لا تخضع بالكامل للسيطرة السورية، فإن هذه المنظمة تعمل بصورة لصيقة مع السوريين وبمساعدة الإيرانيين. ووفقاً للتقارير، فإن إيران قامت بتزويد حزب الله بعشرات من الصواريخ من طراز الفجر 5 و6، والتي يبلغ مداها 75 كيلومتراً و 125 كيلومتراً على التوالي، مما يجعلها تصل إلى جميع مناطق شمال إسرائيل وحتى حدرا "Hedera" جنوباً. وفي منتصف عام 2004، أشارت تقارير في إسرائيل إلى أن إيران زودت حزب الله بصواريخ أكثر تطوراً من طراز الفجر التي يبلغ مداها 225 كيلومتراً، ويستطيع بالتالي الوصول إلى ضواحي تل أبيب 22
ووفقاً لتقارير موثوقة أخرى ـ ومن وجهة نظر سورية وليس بالضرورة من وجهة نظر حزب الله ـ فقد قام المخططون العسكريون السوريون بتضمين هذا التنظيم في خطط عملياتهم وكأنه جزء لا يتجزأ من القوات المسلحة السورية. وإلي جانب الحقيقة التي تقول بتوفر هذه الصواريخ لدى حزب الله، إلا أن هنالك تقارير متزايدة ـ على الرغم من عدم تأكيدها ـ تفيد بأن حزب الله يملك أسلحة كيميائية. ومن الصعوبة افتراض أن الإيرانيين أو حتى السوريين هم الذين زودوا حزب الله بهذا النوع من الأسلحة، ولكن مما لا شك فيه أن أجندة الحزب تشمل شراء أسلحة نووية من شأنها تحسين موقفهم بصورة أكيدة في مواجهة إسرائيل 23.
إن فقدان السوريين لكثير من سيطرتهم ونفوذهم التي كانوا يتمتعون بها على حزب الله، يجعل هذا التهديد خطراً على إسرائيل. ويعكس ذلك نتيجة واضحة لحقيقة ضعف وعدم خبرة بشار الأسد كقائد يجلس على قمة الهرم السياسي في سوريا. ويظهر ضعف موقف بشار في علاقته مع زعيم حزب الله الشيخ حسن نصر الله الذي اعترف بنفسه في وقت ما بأنه لم يجتمع قط وجهاً لوجه مع حافظ الأسد 24.ومن المحتمل أن الأسد الكبير لم يـرَ أي سبب لمثل هذا الاجتماع، لأنه قد يكون اعتبر نصر الله مجرد ألعوبة لا أكثر.
ومن جانب آخر، فقد التقى بشار مراراً بنصر الله كأنه يريد أن ينعم بتوهج انتصارات نصر الله الذي كان سريعاً في إلقاء عباءة رعايته على القائد الشاب في دمشق وكأنه كان يرغب في تعليم الشاب الجديد قواعد وأصول اللعبة. وفي أكثر من مناسبة، قال نصر الله إن حزب الله سيدعم بشار في تأمين موقفه داخل سوريا وحماية المصالح السورية في الخارج وكأن بشار لا يستطيع القيام بذلك بنفسه !! وبدت قيادة بشار عرضة للشك عندما تدهورت الأحوال الأمنية على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية في شهري مارس وإبريل 2002 في ظل خلفية العملية الإسرائيلية داخل الضفة الغربية، والتي عُرفت بـ"الدرع الواقي".
وبمواجهته وضعاً متدهوراً على امتداد الحدود السورية ـ الإسرائيلية بدا بشار مرتبكاً بشأن تفهمه لخطورة الوضع ومسايرة حزب الله، ولم يفعل شيئاً لوقف أو لجعل هذا التنظيم يتبنى سلوكاً أكثر اعتدالاً. واعتُبر هذا التصرف في إسرائيل والغرب نابعاً من عدم الرغبة الأساسية لبشار بالتنازل عما يعتبره بمثابة بطاقة استراتيجية ضد إسرائيل. ويبدو أن الرئيس الشاب يعتقد وبحكم عدم خبرته أن الروح القتالية التي يتميز بها حزب الله ستتيح للعرب إضعاف إسرائيل أو ربما هزيمتها كما حدث في جنوب لبنان. ووفقاً للتقارير الإسرائيلية، فقد قام السوريون بتسليم حزب الله في مطلع عام 2002 صواريخ تكتيكية متطورة لاستخدامها ضد إسرائيل، وبالتالي تشجيع هذا التنظيم على الحفاظ على روحه القتالية ضد إسرائيل. وقد أشارت هذه التقارير إلى أن بشار قد اعترف لشركاء حوار غربيين بأن السوريين قد أدمجوا حزب الله ضم نظامهم الدفاعي للتعويض عن الضعف الاستراتيجي للجيش السوري أمام إسرائيل 25.
السياسة السورية لإخفاء الأسلحة
حرص السوريون على التزام جانب السرية في ما يتعلق بأي شيء يخص الأسلحة غير التقليدية التي في حوزتهم، حيث تفادوا الإدلاء بأي تصريحات غير ضرورية، والتي حسب اعتقادهم قد تلفت الأنظار كما نفوا جميع التقارير المتعلقة بحيازتهم لمثل هذه الأسلحة.
وقد أحجم الأمريكيون والإسرائيليون ـ أثناء مفاوضات السلام السورية ـ الإسرائيلية عن التعرض لموضوع الجهود السورية الرامية إلى الحصول على أسلحة الدمار الشامل على افتراض أن اتفاقية السلام ـ والتي كان من المعتقد أن التوصل إليها مجرد مسألة وقت ـ ستؤدي إلى حل مشكلة ترسانة أسلحة الدمار الشامل السورية.
وقد طرأ تغيير محدود في سوريا بعد وفاة حافظ الأسد وتسلُم ابنه بشار لمقاليد الحكم. وكما هو الحال بالنسبة للمجالات الأخرى لحكمه، تبين أن بشار كان متهوراً مع تميزه بنـزعة لارتكاب الأخطاء في ما يتعلق بقدرات أسلحة الدمار السورية. فعلى سبيل المثال، فإن سياسة سوريا تجاه قضية الحرب في العراق أثارت الدهشة بشأن قدراته على اتخاذ القرارات المدروسة في حالات الأزمات. وفي حقيقة الأمر، فقد أجمع المحللون على أن حافظ الأسد كان قائداً متبصراً في عواقب الأمور، وكان يبتعد دائماً عن أي فعل يتسم بالمغامرة، بينما يفتقر بشار إلى هذه المميزات. ثانياً، فقد تم التعبير عن هذا الأمر في سلسلة من التصريحات التي أدلى بها بشار، والتي هدد فيها بأن سوريا في حالة تعرضها للهجوم من قبل إسرائيل فسوف تستغل قدراتها إلى الحد الذي يمكنها من إحداث أضرار بليغة بإسرائيل26.
ولسنوات طويلة، لم يثر برنامج أسلحة الدمار السورية إلا قليلاً من انتباه العالم، ولكن التغيير في السياسة الأمريكية منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 ـ بل وبصورة أكثر قوة ـ منذ الحرب في العراق عام 2003 يعني أن سوريا قد لا تستطيع بعد الآن الاستمرار في هذه السياسة. وفي واقع الأمر، يبدو أن السياسة الأمريكية تجاه سوريا لن يتم تحديدها بعد الآن من خلال الصراع الإسرائيلي ـ السوري كما كان يحدث في الماضي، بل من خلال الإيمان بأن مصالح الأمن القومي الأمريكي تستلزم اتخاذ إجراءات ضد أي نظام متورط في دعم الإرهاب وتطوير الأسلحة غير التقليدية. ومن وجهة النظر الأمريكية، فإن سوريا تقع ضمن هذه الفئات، الأمر الذي يؤكد استمرار الضغوط الأمريكية القوية على سوريا.
إن الضغوط الواقعة على سوريا ازدادت بصورة ملحوظة بعد القرار المثير الذي اتخذه معمر القذافي بالتخلي عن خططه الرامية إلى تطوير أسلحة الدمار الشامل في ليبيا. وإلى جانب ذلك وللمرة الأولى، بدأ الاتحاد الأوروبي في الضغط على سوريا لتغيير سياستها بهذا الشأن والتخلي عن خططها المتعلقة بتطوير أسلحة الدمار الشامل. وعقب احتلال العراق، واجه السوريون المطالب الأوروبية الجديدة والمتمثلة في اتفاقية التعاون التي كانوا يتطلعون إلى توقيعها مع الاتحاد الأوروبي، والتي تتضمن بنداً يدعو إلى تجريد جميع الدول، بما في ذلك سوريا من أسلحة الدمار الشامل، ولكن سوريا رفضت هذا المطلب27.
إن كيفية تصرف الولايات المتحدة تجاه سوريا تعتمد على العديد من العوامل التي تشمل من هو الشخص الذي سيتم انتخابه كرئيس للولايات المتحدة في نوفمبر 2004، وستعتمد أيضاً على الوضع في العراق وعلى تفسير تجربة العراق كموجة لاستراتيجية مستقبلية. لذلك فإن السياسة السورية التي تهدف إلى الحفاظ على قوة سوريا من خلال تزويد الجيش بأسلحة دمار شامل متطورة قد أصبحت بنفسها مهدداً للأمن السوري. وباتخاذه لخطوات ـ ما كان والده ليغامر بها ـ نجد أن سلوك بشار، والذي يبدو في بعض الأوقات كأنه يسعى إلى مواجهة الولايات المتحدة ـ يزيد من الاحتمالات التي تؤكد أن تشدده في موضوع حيازة أسلحة الدمار الشامل قد يصبح مشكلة رئيسية للنظام.
إن وجود مثل هذا القائد الشاب قليل التجربة، والذي يبدو أنه يفتقر إلى درجة الشرعية والتأييد الشعبي والاحترام التي كان يحظى بها والده الراحل قد يكون غير منطقي في بلد يرغب في الاستفادة من الاستقرار السياسي والتقاليد الديمقراطية العريقة. ولكن سوريا دولة تعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية خطيرة تتطلب حلولاً فورية وتامة. بل إن الأكثر أهمية من ذلك هو أن سوريا تلعب دوراً إقليمياً هاماً، بل حتى أنها قد تقرر مصير الإقليم ـ للأفضل أو للأسوأ ـ في اتجاه السلام أو الحرب. كما أن الفراغ في أعلى قمة الهرم الحاكم في سوريا يؤدي إلى حدوث مشاكل، ليس فقط بالنسبة لسوريا، بل للإقليم بأسره
التعديل الأخير: