أمن الخليج شرط الشراكة مع الصين
نجاة السعيد
21 يوليو 2020
الشراكة الخليجية مع الصين تحتاج إلى رؤية أوسع كي لا تكون مصدر تهديد واضطراب بدل التهدئة والسلام
إن طبيعة الشراكة الخليجية مع الولايات المتحدة باتفاقية الأمن مقابل النفط، قد تغيرت، خاصة بعد التحولات التي قامت بها إدارة باراك أوباما، خلال ما يسمى بـ"الربيع العربي"، والالتفاف على الشركاء التقليديين بدعم تركيا و"الإخوان"، وتسليم العراق وسوريا ولبنان واليمن لإيران، مقابل توقيعها للاتفاق النووي.
كل هذه المتغيرات حفزت دول الخليج على توزيع تحالفاتها الدولية مع قوى متصاعدة عالمياً مثل الصين، فاليوم تتنافس بكين على اتفاقيات عسكرية ونفطية مليارية وكذلك إقامة محطات نووية في دول الخليج.
إن توزيع التحالفات الدولية أمر في غاية الأهمية، خاصة بعد التغييرات التي طرأت في السياسة الخارجية للولايات المتحدة إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبعد ذلك، وبشكل أكبر، في عهد الرئيس السابق أوباما حين اتخذت السياسة الأميركية اتجاها معاكسا عن السياسة التقليدية منذ عهد فرانكلين روزفلت، بابتعادها عن الشركاء التقليديين.
لكن التحالف مع دول أخرى مثل الصين لا بد أن يحلل بشكل أعمق كي لا يشكل حجر عثرة في طريق الأمن الوطني بدل أن يكون انسجاما محتملا مع نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. فالمتتبع للدبلوماسية الصينية يجد أنها تتميز في استخدام الشراكة الاستراتيجية، كبديل عن التحالفات. فهي بنية هرمية من العلاقات، هدفها الأساسي تلبية واسعة للمصالح الصينية على المستويين الإقليمي والدولي، لكن هذه المصالح تكون أحيانا على حساب أمن ومصالح الدول الشريكة وهذا ما يجب أن تتنبه إليه دول الخليج العربية.
لقد تطورت الشراكات الاستراتيجية الشاملة لدى السعودية والإمارات مع الصين، وعينت كل منهما مسؤولاً كبيرًا لتنسيق العلاقات الثنائية. ففي عام 2016، أنشأت السعودية والصين لجنة مشتركة رفيعة المستوى، برئاسة كل من ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، ونائب رئيس الوزراء آنذاك تشانغ جيلي وبعد تقاعده حل محله هان زينغ، الذي كُلف أيضاً بالملف السعودي.
من الجانب الإماراتي، تم تعيين خلدون خليفة المبارك، الرئيس التنفيذي لشركة مبادلة، كأول مبعوث رئاسي خاص للصين في عام 2018، وعينت الصين يانغ جيتشي، وزير الخارجية السابق والعضو الحالي في اللجنة المركزية للمكتب السياسي ومدير مكتب مفوضية الشؤون الخارجية، كممثل خاص.
هذه الشراكات الاستراتيجية الشاملة لها عدة دلالات، فكون العلاقات الثنائية يتم تنسيقها من قبل هؤلاء المسؤولين الكبار، يشير إلى الأهمية التي توليها كل حكومة لهذه الشراكات. كما أن إنشاء آليات رسمية لإضفاء الطابع المؤسساتي على الشراكات هو دليل آخر على نهج منظم لتطوير علاقات مستدامة طويلة الأمد.
وكما قال ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد آل نهيان، خلال زيارته الرسمية للصين عام 2019: "يعمل الجانبان على إرساء ركائز لخريطة طريق للمئة عام المقبلة".
كل هذا الكلام يبدو سليما ومنطقيا للغاية، لكن هذا التفاؤل يصطدم مع الخطوة الأكثر دراماتيكية التي اتخذتها الصين حالياً بتعاونها العسكري والاقتصادي والأمني الذي أعلنت عنه مؤخراً مع إيران. وبحسب تقارير إعلامية، وقعت بكين وطهران اتفاقية شراكة شاملة طويلة الأمد على مدى السنوات الـ 25 المقبلة، وتقول الحكومة الشيوعية الصينية إنها ستستثمر مليارات الدولارات في إيران.
هذه الاتفاقيات ليست فقط ضد السياسة الأميركية، بل أيضا الخليجية التي تعتبر النظام الإيراني التهديد الأساسي لأمنها الوطني. فالاتفاقيات العسكرية بين إيران والصين في المحيط الهندي هي تطور سيأخذه الجيش الأميركي بأكبر قدر من الجدية، والذي سيقوي نفوذ إيران في جميع أنحاء المنطقة. كما أن هذه الاتفاقيات ستشكل مصدر قلق لدول الخليج لأنها تنص على تأسيس قواعد عسكرية مشتركة في الخليج وبحر عمان والمحيط الهندي. كذلك تتعهد الصين تأسيس معامل إنتاج أسلحة صينية على الأراضي الإيرانية، مما يعفيها من مواجهة أي مشاكل مع العقوبات الدولية أو الأميركية خلال تزويد إيران بالسلاح. كذلك من ضمن الاتفاقيات، ستساعد الصين الإيرانيين في إعادة بناء مراكزهم النووية، ومن ضمنها مفاعل أراك للماء الثقيل حسب الاتفاق النووي.
وكما أفادت مصادر بأن طهران ستعطي الصين امتيازات كبيرة لتغيير طريق الحرير الشهير الذي خصصت له بكين مبلغ خمسة آلاف مليار دولار ليمر عبر إيران بدل الجزيرة العربية. ومن هذه الامتيازات، أن تضمن إيران مدّ وتأمين الطريق الذي يشمل خطَّ سكة حديد من مينائي بندر عباس وشابهار الإيرانيين إلى البحر الأبيض المتوسط عبر العراق وسوريا.
أما في المجال الثقافي، فقد اتفق البلدان على تأسيس مراكز ثقافية تروج للغتيهما، كما ستقوم جامعة المصطفى التابعة للحوزة العلمية في مدينة قم بتأسيس مراكز تعليم وتثقيف ديني في المناطق المسلمة في الصين، وستسمح الصين لهذه الجامعة بترويج التشيع في تلك المناطق. وحسب المصدر، فإن جامعة المصطفى سوف تقوم بإعطاء ألف وخمسمئة منحة تعليمية لطلاب العلوم الدينية من الصينيين كي يدرسوا في الحوزات العلمية في إيران كل عام ويعودوا إلى الصين للترويج للفقه الشيعي بين المسلمين هناك.
ما أبرمته الصين من اتفاقيات مع إيران من شأنه أن يثير عدم الاستقرار وتدهور الأمن في المنطقة وخاصة الخليج، فإيران تستخدم حروب الوكالة من خلال ميليشياتها لدفع الدول الأخرى في المنطقة إلى اتباع أجندتها السياسية، متخذة من الأيديولوجية الدينية سلاحا لتحقيق مآربها. وهذه الاتفاقيات ستعزز تصميم إيران على توسيع أنشطتها في المنطقة، ما سيزيد احتمال تصعيد التوترات. وبالرغم من أن الصين موقعة على شراكات استراتيجية شاملة مع دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، لكن يبدو أنها غير آبهة بأمن الخليج، فمصالحها فوق أي اعتبار حتى لو تضرر الطرف الآخر.
لذلك سيكون من الصعب على دول الخليج الاستمرار في عقد صفقات كبرى مع الصين، في الوقت الذي تقيم فيه بكين علاقات اقتصادية وعسكرية متقدمة مع إيران، مهددة بذلك أمن تلك الدول الوطني. فشراكات دول الخليج مع الصين لا بد أن تكون مشروطة بالتزامات أمنية صينية تجاه الدول الشريكة وتكون داعمة لمواقف السعودية والإمارات من إيران وتركيا كخصمين إقليميين.
لقد اختارت دول الخليج أن تنفتح على شراكة أوسع مع الصين في سياق استراتيجية جديدة تقوم على تنويع الشركاء وعدم رهن مصالحها إلى شريك واحد مثل الولايات المتحدة، لكن تحتاج هذه الشراكة إلى رؤية أوسع حتى لا تكون مصدر تهديد واضطراب بدل التهدئة والسلام.
نجاة السعيد
نجاة السعيد
21 يوليو 2020
الشراكة الخليجية مع الصين تحتاج إلى رؤية أوسع كي لا تكون مصدر تهديد واضطراب بدل التهدئة والسلام
إن طبيعة الشراكة الخليجية مع الولايات المتحدة باتفاقية الأمن مقابل النفط، قد تغيرت، خاصة بعد التحولات التي قامت بها إدارة باراك أوباما، خلال ما يسمى بـ"الربيع العربي"، والالتفاف على الشركاء التقليديين بدعم تركيا و"الإخوان"، وتسليم العراق وسوريا ولبنان واليمن لإيران، مقابل توقيعها للاتفاق النووي.
كل هذه المتغيرات حفزت دول الخليج على توزيع تحالفاتها الدولية مع قوى متصاعدة عالمياً مثل الصين، فاليوم تتنافس بكين على اتفاقيات عسكرية ونفطية مليارية وكذلك إقامة محطات نووية في دول الخليج.
إن توزيع التحالفات الدولية أمر في غاية الأهمية، خاصة بعد التغييرات التي طرأت في السياسة الخارجية للولايات المتحدة إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبعد ذلك، وبشكل أكبر، في عهد الرئيس السابق أوباما حين اتخذت السياسة الأميركية اتجاها معاكسا عن السياسة التقليدية منذ عهد فرانكلين روزفلت، بابتعادها عن الشركاء التقليديين.
لكن التحالف مع دول أخرى مثل الصين لا بد أن يحلل بشكل أعمق كي لا يشكل حجر عثرة في طريق الأمن الوطني بدل أن يكون انسجاما محتملا مع نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. فالمتتبع للدبلوماسية الصينية يجد أنها تتميز في استخدام الشراكة الاستراتيجية، كبديل عن التحالفات. فهي بنية هرمية من العلاقات، هدفها الأساسي تلبية واسعة للمصالح الصينية على المستويين الإقليمي والدولي، لكن هذه المصالح تكون أحيانا على حساب أمن ومصالح الدول الشريكة وهذا ما يجب أن تتنبه إليه دول الخليج العربية.
لقد تطورت الشراكات الاستراتيجية الشاملة لدى السعودية والإمارات مع الصين، وعينت كل منهما مسؤولاً كبيرًا لتنسيق العلاقات الثنائية. ففي عام 2016، أنشأت السعودية والصين لجنة مشتركة رفيعة المستوى، برئاسة كل من ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، ونائب رئيس الوزراء آنذاك تشانغ جيلي وبعد تقاعده حل محله هان زينغ، الذي كُلف أيضاً بالملف السعودي.
من الجانب الإماراتي، تم تعيين خلدون خليفة المبارك، الرئيس التنفيذي لشركة مبادلة، كأول مبعوث رئاسي خاص للصين في عام 2018، وعينت الصين يانغ جيتشي، وزير الخارجية السابق والعضو الحالي في اللجنة المركزية للمكتب السياسي ومدير مكتب مفوضية الشؤون الخارجية، كممثل خاص.
هذه الشراكات الاستراتيجية الشاملة لها عدة دلالات، فكون العلاقات الثنائية يتم تنسيقها من قبل هؤلاء المسؤولين الكبار، يشير إلى الأهمية التي توليها كل حكومة لهذه الشراكات. كما أن إنشاء آليات رسمية لإضفاء الطابع المؤسساتي على الشراكات هو دليل آخر على نهج منظم لتطوير علاقات مستدامة طويلة الأمد.
وكما قال ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد آل نهيان، خلال زيارته الرسمية للصين عام 2019: "يعمل الجانبان على إرساء ركائز لخريطة طريق للمئة عام المقبلة".
كل هذا الكلام يبدو سليما ومنطقيا للغاية، لكن هذا التفاؤل يصطدم مع الخطوة الأكثر دراماتيكية التي اتخذتها الصين حالياً بتعاونها العسكري والاقتصادي والأمني الذي أعلنت عنه مؤخراً مع إيران. وبحسب تقارير إعلامية، وقعت بكين وطهران اتفاقية شراكة شاملة طويلة الأمد على مدى السنوات الـ 25 المقبلة، وتقول الحكومة الشيوعية الصينية إنها ستستثمر مليارات الدولارات في إيران.
هذه الاتفاقيات ليست فقط ضد السياسة الأميركية، بل أيضا الخليجية التي تعتبر النظام الإيراني التهديد الأساسي لأمنها الوطني. فالاتفاقيات العسكرية بين إيران والصين في المحيط الهندي هي تطور سيأخذه الجيش الأميركي بأكبر قدر من الجدية، والذي سيقوي نفوذ إيران في جميع أنحاء المنطقة. كما أن هذه الاتفاقيات ستشكل مصدر قلق لدول الخليج لأنها تنص على تأسيس قواعد عسكرية مشتركة في الخليج وبحر عمان والمحيط الهندي. كذلك تتعهد الصين تأسيس معامل إنتاج أسلحة صينية على الأراضي الإيرانية، مما يعفيها من مواجهة أي مشاكل مع العقوبات الدولية أو الأميركية خلال تزويد إيران بالسلاح. كذلك من ضمن الاتفاقيات، ستساعد الصين الإيرانيين في إعادة بناء مراكزهم النووية، ومن ضمنها مفاعل أراك للماء الثقيل حسب الاتفاق النووي.
وكما أفادت مصادر بأن طهران ستعطي الصين امتيازات كبيرة لتغيير طريق الحرير الشهير الذي خصصت له بكين مبلغ خمسة آلاف مليار دولار ليمر عبر إيران بدل الجزيرة العربية. ومن هذه الامتيازات، أن تضمن إيران مدّ وتأمين الطريق الذي يشمل خطَّ سكة حديد من مينائي بندر عباس وشابهار الإيرانيين إلى البحر الأبيض المتوسط عبر العراق وسوريا.
أما في المجال الثقافي، فقد اتفق البلدان على تأسيس مراكز ثقافية تروج للغتيهما، كما ستقوم جامعة المصطفى التابعة للحوزة العلمية في مدينة قم بتأسيس مراكز تعليم وتثقيف ديني في المناطق المسلمة في الصين، وستسمح الصين لهذه الجامعة بترويج التشيع في تلك المناطق. وحسب المصدر، فإن جامعة المصطفى سوف تقوم بإعطاء ألف وخمسمئة منحة تعليمية لطلاب العلوم الدينية من الصينيين كي يدرسوا في الحوزات العلمية في إيران كل عام ويعودوا إلى الصين للترويج للفقه الشيعي بين المسلمين هناك.
ما أبرمته الصين من اتفاقيات مع إيران من شأنه أن يثير عدم الاستقرار وتدهور الأمن في المنطقة وخاصة الخليج، فإيران تستخدم حروب الوكالة من خلال ميليشياتها لدفع الدول الأخرى في المنطقة إلى اتباع أجندتها السياسية، متخذة من الأيديولوجية الدينية سلاحا لتحقيق مآربها. وهذه الاتفاقيات ستعزز تصميم إيران على توسيع أنشطتها في المنطقة، ما سيزيد احتمال تصعيد التوترات. وبالرغم من أن الصين موقعة على شراكات استراتيجية شاملة مع دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، لكن يبدو أنها غير آبهة بأمن الخليج، فمصالحها فوق أي اعتبار حتى لو تضرر الطرف الآخر.
لذلك سيكون من الصعب على دول الخليج الاستمرار في عقد صفقات كبرى مع الصين، في الوقت الذي تقيم فيه بكين علاقات اقتصادية وعسكرية متقدمة مع إيران، مهددة بذلك أمن تلك الدول الوطني. فشراكات دول الخليج مع الصين لا بد أن تكون مشروطة بالتزامات أمنية صينية تجاه الدول الشريكة وتكون داعمة لمواقف السعودية والإمارات من إيران وتركيا كخصمين إقليميين.
لقد اختارت دول الخليج أن تنفتح على شراكة أوسع مع الصين في سياق استراتيجية جديدة تقوم على تنويع الشركاء وعدم رهن مصالحها إلى شريك واحد مثل الولايات المتحدة، لكن تحتاج هذه الشراكة إلى رؤية أوسع حتى لا تكون مصدر تهديد واضطراب بدل التهدئة والسلام.
نجاة السعيد
أمن الخليج شرط الشراكة مع الصين
www.alhurra.com
التعديل الأخير بواسطة المشرف: