تطور اتجاهات التدريب في القوات المسلحة الحديثة
لواء د.- علي محمد رجب
ينظر إلى التدريب على أنه حجر الزاوية في القضايا المتعلقة بالموارد البشرية في القوات المسلحة الحديثة، حيث ثبت أن تحقيق مستوى تدريب أفضل يضاعف القدرة العسكرية، ووجود أعداد أقل من الوحدات ذات التدريب الممتاز يحقق وفراً في حجم الإنفاق العسكري، وهو ما تنشده جميع دول العالم غنيها وفقيرها.
والتقدم التكنولوجي السريع في المعدات العسكرية يبرز العديد من القضايا المرتبطة بذلك، ليس أقلها ارتفاع تكاليف التدريب اللازم لتعريف المقاتلين بهذه التكنولوجيا وتمكينهم من استخدامها إلى الحد الأقصى. ومن المعروف أن عمر التكنولوجيا في المعدات العسكرية يسبق عمر المعدات العسكرية نفسها، ولذا فمن الضروري أن يتم تدريب العاملين علي المعدات العسكرية تدريباً متواصلاً لمجاراة التكنولوجيا المتطورة التي يتم تركيبها وتعديلها في المعدات العسكرية على فترات مختلفة.
ونتيجة للتطور العلمي والتكنولوجي الكبير الذي تحقق في تصنيع نظم التسليح المختلفة، أصبح من اللازم تدريب الكوادر القادرة على التعامل مع هذه النظم المعقدة، ولا يتأتى هذا إلا عن طريق التدريب الواقعي والمستمر، والذي بدوره يستلزم نفقات وتكاليف، نتيجة استهلاك الأسلحة الجديدة في أغراض التدريب. ونظراً لهذا التعارض بين ضرورة التدريب الواقعي وارتفاع التكاليف، ظهرت الاتجاهات الحديثة في التدريب العسكري.
كما أن التوسع في تطبيقات نظم القيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات وسرعة تغير المواقف في المعارك الحقيقية وكثافة النيران، وتزايد قوة تدمير الأسلحة، وتزايد أعمال التحكم الآلي في مختلف نظم التسليح، كل ذلك يستدعى تواجد قيادات وضباط وفنيين ذوي نظرة شاملة، واسعة الأفق، في مجال التدريب.
وكان لتطور وتعقيد نظم التسليح الحديثة أثره الكبير على تطوير أساليب التدريب، فتطورت الوسائل التكنولوجية المستخدمة لتدريب المستويات المختلفة، واتسمت بالواقعية، وتنوعت أساليب التدريب من المشبهات Simulators إلى تمثيل الجو الواقعي بأساليب مختلفة، ثم استخدمت برامج الحاسبات لاختيار وتدريب وتقييم الأفراد والقيادات وأخيراً استخدم أسلوب الدمج في الحاسبات بين المعلومات المتوفرة من مصادر مختلفة، مع تمثيل أسلوب التدريب المتكامل، بما فيه التقييم وتصحيح الأخطاء. ثم يصل التدريب إلى مستويات التدريب على العمليات الشاملة، باستخدام المباريات الحربية War Games.
وتحتاج تكنولوجيا التدريب المتطورة إلى تطبيق العلوم الحديثة في مجالات نظم المعلومات والحاسبات والنظم الخبيرة Expert Systems والذكاء الاصطناعي، وتحليل النظم Analysis System وهندسة الاتصالات، وعلوم الإدارة الحديثة وعلم النفس.
ومع أن الحاجة إلى أنواع من التدريب المتخصص تتطلب إنفاق المزيد من الأموال، فإن الإنجازات في تكنولوجيا التدريب تدل على أن كلفة التدريب آخذة في التراجع، ذلك لأن استخدام وسائل تدريب مبرمجة على الحاسب، ومعدات رقمية بدلاً من المعدات التقليدية، وأنظمة رؤية منخفضة التكاليف، كلها عوامل تساعد على تحقيق مستوى تدريب فعال وبأسعار معقولة.
منظومة التدريب الحديثة
تعرف منظومة التدريب الحديثة بأنها: "مجموعة الأدوات، والأساليب، والخبرات، التي تستخدم لتدريب الأفراد، في أحد المجالات، بطريقة اقتصادية ودقيقة، للوصول بهؤلاء الأفراد إلى مستوى معين من الكفاءة في الأداء، مع توفير الوقت والتكاليف والجهد". ويتطلب بناء هذه المنظومة خلق الكوادر القادرة على استخدام أساليب التدريب الحديثة، وتطبيق أساليب الإدارة بحيث تكون الأهداف التدريبية واضحة، على كافة مستويات المنظومة، وبحيث تتم عمليات التقويم بصفة مستمرة، لتحقيق هذه الأهداف. ويتضمن ذلك تقويم أداء كل من المدرب والأفراد الذين يجري تدريبهم، باستخدام أحدث الأساليب مثل: بنوك الأسئلة، وتسجيل مستوى أداء الفرد، وتحليل ذلك بالأساليب العلمية.
وتتضمن منظومة التدريب الحديثة أساليب وطرق التدريب الجماعي، كالمحاضرة، والطابور، والندوة، والمناظرة، والعمل ضمن فريق، واستخدام المشبهات للتدريب على المعدات والأسلحة. ويؤدي ذلك إلى تخزين ونقل المواد الخاصة بالتدريب في صور مضغوطة، توفر الوقت والحجم والتكاليف، مع توفير مصادر للمعلومات التدريبية، لا تتأثر بتتابع المدربين، وتحقق هذه المنظومة كذلك تنميط إنتاج مواد التدريب والأنشطة التدريبية، وأساليب التقويم، أو إمكانية التعلم الذاتي، والتعلم عن بعد Remote Learning، مما يعطي للمتدربين دوراً أكثر إيجابية في العملية التدريبية، خاصة مع تعدد وسائل عرض مواد التدريب، التي ترفع درجة الاستيعاب، دون الحاجة لوجود المدرب بصفة مستمرة.
وبتطوير أساليب التدريب، تطور دور المدرب التقليدي في التلقين والشرح، وأصبح هناك دور أكبر للمبرمج، الذي يصمم المنهج التدريبي وأساليب كل من المدرب والأفراد الذين يجري تدريبهم.
وتنوع وسائل التدريب يحقق مواءمة المادة التدريبية وأساليب عرضها الحقيقية، ويحقق وفراً كبيراً في تكاليف استهلاك هذه المساعدات، خصوصاً إذا كانت معدات عسكرية، مثل الطائرات، أو السفن، أو وسائل الدفاع الجوي والمدرعات.
وأصبحت منظومة التدريب الحديثة تعتمد على علم تحليل النظم، وبناء النماذج Models لميكنة أدوات الإدارة المشرفة على أنشطة التدريب، بغرض تحويل نظام التدريب التقليدي إلى نظام قائم على تقنية التدريب المتكاملة، مع تطبيق نظريات وقواعد التعلم المختلفة، لتطوير المهارات اللازمة لإتقان العمل، ويحقق استخدام علم تحليل النظم في مجال التدريب التأكد من أن الفرد لن ينقل من التدريب على جزئية معينة إلى جزئية أخرى إلا بعد إتقان الجزئية الأولى، وهذا التتابع يحقق الإتقان المطلوب في التدريب.
توفير المعلومات اللازمة للتدريب
التطور في تقنيات الاتصالات أدى إلى تعدد وسائل الاتصال التقليدية، وبالتالي إمكانية توفير وتجديد المعلومات الخاصة بالتدريب، عن طريق الأقمار الصناعية، التي تحقق الاتصال بأماكن التدريب الأخرى، المحلية والعالمية. ويتركز دور القائمين على اختيار المعلومات المناسبة لتحقيق الأهداف، وتنظيم الاستفادة منها بعد ترجمتها ومعالجتها، لتصبح ملائمة لنوعية المعلومات ولمستوى الأفراد المطلوب تدريبهم.
وأصبحت هناك حاجة لتوفير قواعد بيانات لأنظمة التسليح الجديدة، تخدم أغراض التدريب عليها، وتبادل المعلومات في شأنها مع الدول المتقدمة في مجالها. وعلى سبيل المثال تزايد استخدام أشعة الليزر في المجالات العسكرية، سواء في التدمير، أو في إضاءة الأهداف، وتعمية أجهزة الرصد والاستشعار، خصوصاً بالنظارات الليلية، ولأن تأثير هذه الأشعة يتم بسرعة الضوء، أصبح من الصعب اتخاذ الإجراءات المضادة، وزاد العبء على النظم والأفراد، الذين يتعرضون لتهديداتها، وخصوصاً أطقم الطائرات، الذين يجب أن يكونوا على دراية كاملة بهذه التهديدات، وطرق التغلب عليها، وتأثيرها البيولوجي، وطرق الحماية، والإجراءات المضادة، ولمواجهة كل ذلك يقوم مركز الطيران العسكري الأمريكي بإعداد برامج تدريبية لهذا الغرض، لتصبح جزءاً من برامج تدريب أطقم الطائرات.
ومع كثرة وسائل توفير المعلومات الخاصة بالتدريب، وكذلك وسائل التصنيف والتخزين والمعالجة لهذه المعلومات، ظهرت الحاجة إلى تصميم بنوك معلومات للتدريب، تعتمد أساساً على قواعد البيانات المتعددة المصادر مثل: الشرائح، والصور، والرسوم، والأفلام، والخرائط والمطبوعات، والشرائط المسجلة على: كاسيت، فيديو ميكروفيلم ميكروفيش.
وأدى تعدد وسائل تخزين المعلومات إلى إمكانية اختيار الأسلوب المناسب لتخزينها واسترجاعها بالسرعة المطلوبة، ووفقاً لظروف التدريب المتاحة. وأصبح من المفضل أن يتصل مكان التدريب ببنوك المعلومات المتخصصة، وبأماكن التدريب الأخرى، لتحقيق الاستفادة المستمرة ، وتطوير المناهج والموضوعات.
وأصبح هناك العديد من الأماكن المناسبة لممارسة التدريب، حسب نوعية ومستوى المادة التدريبية وكذلك حسب الصور المتاحة لعرض هذه المادة، ومدى إمكانية استيعاب بعض هذه الصور داخل المكان المخصص للتدريب، سواء كان فصلاً أو ورشة، أو معملاً، أو ميدان تدريب، أو ميدان رماية إلكترونية.
مساعدات التدريب المتطورة
تطورت تقنيات إنتاج مساعدات التدريب، وأصبحت تشمل المطبوعات الحديثة، التي تجهز بالطباعة الإلكترونية، والوسائل السمعية والمرئية، مثل الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، وحزم البرامج الخاصة بالتدريب، وإعداد المناهج التي تعتمد على التفاعل بين الدارس والحاسب. وأصبح إنتاج مواد التدريب المتطورة يتم باستخدام وسائل آلية، بالاعتماد على أسلوب التدريب المبرمج. وبذلك ازدادت الحاجة إلى المبرمج، الذي يحدد جميع تعليمات برنامج التدريب، ويصمم سيناريوهات التدريب، ويحلل المواقف التدريبية، ويحدد أدوات التدريب المناسبة، التي يعتمد إنتاجها على تطور التقنيات الإلكترونية الدقيقة في مجالات إنتاج الرسومات بالحاسبات Computer Graphics والتصميم بمساعدة الحاسبات Computer Aided Design.
الواقعية في التدريب
تعتبر الواقعية أهم مبادئ النجاح في التدريب القتالي، حيث يتم التدريب مسبقاً على المواجهة والإحساس بظروف المعركة المتوقعة، وذلك عن طريق نقل الشعور للمقاتل بأنه متواجد بالفعل داخل وعلى أرض المعركة، إضافة إلى إحساسه بالمناخ النفسي والعصبي، مما يجعله يعرف ويلمس بنفسه مراحل سير المعركة المقبلة، وهذا يؤدي بالتالي إلى اتخاذ القرار السليم. ونظراً لأن عملية التفكير التي يقوم بها المقاتل بهدف الوصول إلى القرار الصحيح، تعد في حقيقة الأمر نوعاً من تشبيه الواقعية في الموقف التدريبي، لذلك فإن أنماط التدريب التقليدية تخلو من التمثيل الصادق لجو الواقعية لتلك المواقف، وكذا الإحساس بالحالة النفسية والعصبية أثناء سير القتال. وهذا يجعل القرارات مخالفة لتلك القرارات التي سيتحتم اتخاذها حينما تحدث المعركة الفعلية.
وبناء على ذلك تطورت تقنيات تمثيل جو الواقعية بصورة سريعة، وسوف تنخفض تكاليف امتلاكها وتشغيلها. ولن يمضي وقت طويل حتى تكتظ مكتبة الحاسبات العسكرية بشرائط وأقراص Disks تحوي برامج وقواعد بيانات متعددة، تختص بالتدريب القتالي والفني على جميع المستويات التنظيمية، شاملة لكافة التخصصات التكتيكية والفنية، ولكل أنواع الأسلحة والمعدات.
ويعتمد تمثيل جو الواقعية على الحاسبات الآلية في بناء نماذج للوسائط البيئية، تكون ملموسة ومجسمة، ويمكن التعامل معها بالرؤية والسمع واللمس، ويتم تطبيقها في التعليم والتدريب، من خلال الاتصال بمستشعرات خاصة بالجسم البشري. ويمكن استخدام هذه التقنية لأكثر من شخص، في نفس الوقت، وهي تتميز عن نماذج أخرى للتدريب باستخدام الحاسبات الإلكترونية، من حيث إنها أكثر تطوراً في مجال تطبيقات هندسة الإلكترونيات الدقيقة Microelectornics في مجالي المكونات المادية والبرامج، بالإضافة إلى أنها تعتمد على نماذج تفاعلية مع البيئة.
ويمكن باستخدام هذه التقنية تصميم، ثم بناء، أرض لمسرح العمليات بالكامل، بما فيها من مواقع محصنة، ومعدات وأجهزة معادية وصديقة، وذلك من حيث طبيعة الأرض وتضاريسها، والطقس المتوقع وقت بدء وأثناء سير العمليات الحربية. وبذلك يمكن للقائد أن يسير على هذه الأرض، مستشعراً صعوبة السير على الأراضي الرملية أو الملاحات، ويتعايش مع درجة الحرارة، ارتفاعاً وانخفاضاً، ويمكن أن يركب المدرعات، أو يطير في الجو، مستطلعاً لكل ما ينتشر على مسرح العمليات من مواقع ومعدات، وبإمكانه الدخول إلى أي منها، ولمسها، وتشغيلها.
ويؤدي كل ذلك إلى الوصول إلى القرار الأمثل، بعد تنفيذ إجراءات الاستعداد للمعركة، وتنظيم التعاون. وبذلك يكون القرار الذي يتخذه في المعارك التشبيهية، مطابقاً لما يمكن أن يتخذه تحت ضغط ظروف المعركة الحقيقية، بعد الإحساس بالمناخ النفسي والعصبي للمعركة.
لواء د.- علي محمد رجب
ينظر إلى التدريب على أنه حجر الزاوية في القضايا المتعلقة بالموارد البشرية في القوات المسلحة الحديثة، حيث ثبت أن تحقيق مستوى تدريب أفضل يضاعف القدرة العسكرية، ووجود أعداد أقل من الوحدات ذات التدريب الممتاز يحقق وفراً في حجم الإنفاق العسكري، وهو ما تنشده جميع دول العالم غنيها وفقيرها.
والتقدم التكنولوجي السريع في المعدات العسكرية يبرز العديد من القضايا المرتبطة بذلك، ليس أقلها ارتفاع تكاليف التدريب اللازم لتعريف المقاتلين بهذه التكنولوجيا وتمكينهم من استخدامها إلى الحد الأقصى. ومن المعروف أن عمر التكنولوجيا في المعدات العسكرية يسبق عمر المعدات العسكرية نفسها، ولذا فمن الضروري أن يتم تدريب العاملين علي المعدات العسكرية تدريباً متواصلاً لمجاراة التكنولوجيا المتطورة التي يتم تركيبها وتعديلها في المعدات العسكرية على فترات مختلفة.
ونتيجة للتطور العلمي والتكنولوجي الكبير الذي تحقق في تصنيع نظم التسليح المختلفة، أصبح من اللازم تدريب الكوادر القادرة على التعامل مع هذه النظم المعقدة، ولا يتأتى هذا إلا عن طريق التدريب الواقعي والمستمر، والذي بدوره يستلزم نفقات وتكاليف، نتيجة استهلاك الأسلحة الجديدة في أغراض التدريب. ونظراً لهذا التعارض بين ضرورة التدريب الواقعي وارتفاع التكاليف، ظهرت الاتجاهات الحديثة في التدريب العسكري.
كما أن التوسع في تطبيقات نظم القيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات وسرعة تغير المواقف في المعارك الحقيقية وكثافة النيران، وتزايد قوة تدمير الأسلحة، وتزايد أعمال التحكم الآلي في مختلف نظم التسليح، كل ذلك يستدعى تواجد قيادات وضباط وفنيين ذوي نظرة شاملة، واسعة الأفق، في مجال التدريب.
وكان لتطور وتعقيد نظم التسليح الحديثة أثره الكبير على تطوير أساليب التدريب، فتطورت الوسائل التكنولوجية المستخدمة لتدريب المستويات المختلفة، واتسمت بالواقعية، وتنوعت أساليب التدريب من المشبهات Simulators إلى تمثيل الجو الواقعي بأساليب مختلفة، ثم استخدمت برامج الحاسبات لاختيار وتدريب وتقييم الأفراد والقيادات وأخيراً استخدم أسلوب الدمج في الحاسبات بين المعلومات المتوفرة من مصادر مختلفة، مع تمثيل أسلوب التدريب المتكامل، بما فيه التقييم وتصحيح الأخطاء. ثم يصل التدريب إلى مستويات التدريب على العمليات الشاملة، باستخدام المباريات الحربية War Games.
وتحتاج تكنولوجيا التدريب المتطورة إلى تطبيق العلوم الحديثة في مجالات نظم المعلومات والحاسبات والنظم الخبيرة Expert Systems والذكاء الاصطناعي، وتحليل النظم Analysis System وهندسة الاتصالات، وعلوم الإدارة الحديثة وعلم النفس.
ومع أن الحاجة إلى أنواع من التدريب المتخصص تتطلب إنفاق المزيد من الأموال، فإن الإنجازات في تكنولوجيا التدريب تدل على أن كلفة التدريب آخذة في التراجع، ذلك لأن استخدام وسائل تدريب مبرمجة على الحاسب، ومعدات رقمية بدلاً من المعدات التقليدية، وأنظمة رؤية منخفضة التكاليف، كلها عوامل تساعد على تحقيق مستوى تدريب فعال وبأسعار معقولة.
منظومة التدريب الحديثة
تعرف منظومة التدريب الحديثة بأنها: "مجموعة الأدوات، والأساليب، والخبرات، التي تستخدم لتدريب الأفراد، في أحد المجالات، بطريقة اقتصادية ودقيقة، للوصول بهؤلاء الأفراد إلى مستوى معين من الكفاءة في الأداء، مع توفير الوقت والتكاليف والجهد". ويتطلب بناء هذه المنظومة خلق الكوادر القادرة على استخدام أساليب التدريب الحديثة، وتطبيق أساليب الإدارة بحيث تكون الأهداف التدريبية واضحة، على كافة مستويات المنظومة، وبحيث تتم عمليات التقويم بصفة مستمرة، لتحقيق هذه الأهداف. ويتضمن ذلك تقويم أداء كل من المدرب والأفراد الذين يجري تدريبهم، باستخدام أحدث الأساليب مثل: بنوك الأسئلة، وتسجيل مستوى أداء الفرد، وتحليل ذلك بالأساليب العلمية.
وتتضمن منظومة التدريب الحديثة أساليب وطرق التدريب الجماعي، كالمحاضرة، والطابور، والندوة، والمناظرة، والعمل ضمن فريق، واستخدام المشبهات للتدريب على المعدات والأسلحة. ويؤدي ذلك إلى تخزين ونقل المواد الخاصة بالتدريب في صور مضغوطة، توفر الوقت والحجم والتكاليف، مع توفير مصادر للمعلومات التدريبية، لا تتأثر بتتابع المدربين، وتحقق هذه المنظومة كذلك تنميط إنتاج مواد التدريب والأنشطة التدريبية، وأساليب التقويم، أو إمكانية التعلم الذاتي، والتعلم عن بعد Remote Learning، مما يعطي للمتدربين دوراً أكثر إيجابية في العملية التدريبية، خاصة مع تعدد وسائل عرض مواد التدريب، التي ترفع درجة الاستيعاب، دون الحاجة لوجود المدرب بصفة مستمرة.
وبتطوير أساليب التدريب، تطور دور المدرب التقليدي في التلقين والشرح، وأصبح هناك دور أكبر للمبرمج، الذي يصمم المنهج التدريبي وأساليب كل من المدرب والأفراد الذين يجري تدريبهم.
وتنوع وسائل التدريب يحقق مواءمة المادة التدريبية وأساليب عرضها الحقيقية، ويحقق وفراً كبيراً في تكاليف استهلاك هذه المساعدات، خصوصاً إذا كانت معدات عسكرية، مثل الطائرات، أو السفن، أو وسائل الدفاع الجوي والمدرعات.
وأصبحت منظومة التدريب الحديثة تعتمد على علم تحليل النظم، وبناء النماذج Models لميكنة أدوات الإدارة المشرفة على أنشطة التدريب، بغرض تحويل نظام التدريب التقليدي إلى نظام قائم على تقنية التدريب المتكاملة، مع تطبيق نظريات وقواعد التعلم المختلفة، لتطوير المهارات اللازمة لإتقان العمل، ويحقق استخدام علم تحليل النظم في مجال التدريب التأكد من أن الفرد لن ينقل من التدريب على جزئية معينة إلى جزئية أخرى إلا بعد إتقان الجزئية الأولى، وهذا التتابع يحقق الإتقان المطلوب في التدريب.
توفير المعلومات اللازمة للتدريب
التطور في تقنيات الاتصالات أدى إلى تعدد وسائل الاتصال التقليدية، وبالتالي إمكانية توفير وتجديد المعلومات الخاصة بالتدريب، عن طريق الأقمار الصناعية، التي تحقق الاتصال بأماكن التدريب الأخرى، المحلية والعالمية. ويتركز دور القائمين على اختيار المعلومات المناسبة لتحقيق الأهداف، وتنظيم الاستفادة منها بعد ترجمتها ومعالجتها، لتصبح ملائمة لنوعية المعلومات ولمستوى الأفراد المطلوب تدريبهم.
وأصبحت هناك حاجة لتوفير قواعد بيانات لأنظمة التسليح الجديدة، تخدم أغراض التدريب عليها، وتبادل المعلومات في شأنها مع الدول المتقدمة في مجالها. وعلى سبيل المثال تزايد استخدام أشعة الليزر في المجالات العسكرية، سواء في التدمير، أو في إضاءة الأهداف، وتعمية أجهزة الرصد والاستشعار، خصوصاً بالنظارات الليلية، ولأن تأثير هذه الأشعة يتم بسرعة الضوء، أصبح من الصعب اتخاذ الإجراءات المضادة، وزاد العبء على النظم والأفراد، الذين يتعرضون لتهديداتها، وخصوصاً أطقم الطائرات، الذين يجب أن يكونوا على دراية كاملة بهذه التهديدات، وطرق التغلب عليها، وتأثيرها البيولوجي، وطرق الحماية، والإجراءات المضادة، ولمواجهة كل ذلك يقوم مركز الطيران العسكري الأمريكي بإعداد برامج تدريبية لهذا الغرض، لتصبح جزءاً من برامج تدريب أطقم الطائرات.
ومع كثرة وسائل توفير المعلومات الخاصة بالتدريب، وكذلك وسائل التصنيف والتخزين والمعالجة لهذه المعلومات، ظهرت الحاجة إلى تصميم بنوك معلومات للتدريب، تعتمد أساساً على قواعد البيانات المتعددة المصادر مثل: الشرائح، والصور، والرسوم، والأفلام، والخرائط والمطبوعات، والشرائط المسجلة على: كاسيت، فيديو ميكروفيلم ميكروفيش.
وأدى تعدد وسائل تخزين المعلومات إلى إمكانية اختيار الأسلوب المناسب لتخزينها واسترجاعها بالسرعة المطلوبة، ووفقاً لظروف التدريب المتاحة. وأصبح من المفضل أن يتصل مكان التدريب ببنوك المعلومات المتخصصة، وبأماكن التدريب الأخرى، لتحقيق الاستفادة المستمرة ، وتطوير المناهج والموضوعات.
وأصبح هناك العديد من الأماكن المناسبة لممارسة التدريب، حسب نوعية ومستوى المادة التدريبية وكذلك حسب الصور المتاحة لعرض هذه المادة، ومدى إمكانية استيعاب بعض هذه الصور داخل المكان المخصص للتدريب، سواء كان فصلاً أو ورشة، أو معملاً، أو ميدان تدريب، أو ميدان رماية إلكترونية.
مساعدات التدريب المتطورة
تطورت تقنيات إنتاج مساعدات التدريب، وأصبحت تشمل المطبوعات الحديثة، التي تجهز بالطباعة الإلكترونية، والوسائل السمعية والمرئية، مثل الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، وحزم البرامج الخاصة بالتدريب، وإعداد المناهج التي تعتمد على التفاعل بين الدارس والحاسب. وأصبح إنتاج مواد التدريب المتطورة يتم باستخدام وسائل آلية، بالاعتماد على أسلوب التدريب المبرمج. وبذلك ازدادت الحاجة إلى المبرمج، الذي يحدد جميع تعليمات برنامج التدريب، ويصمم سيناريوهات التدريب، ويحلل المواقف التدريبية، ويحدد أدوات التدريب المناسبة، التي يعتمد إنتاجها على تطور التقنيات الإلكترونية الدقيقة في مجالات إنتاج الرسومات بالحاسبات Computer Graphics والتصميم بمساعدة الحاسبات Computer Aided Design.
الواقعية في التدريب
تعتبر الواقعية أهم مبادئ النجاح في التدريب القتالي، حيث يتم التدريب مسبقاً على المواجهة والإحساس بظروف المعركة المتوقعة، وذلك عن طريق نقل الشعور للمقاتل بأنه متواجد بالفعل داخل وعلى أرض المعركة، إضافة إلى إحساسه بالمناخ النفسي والعصبي، مما يجعله يعرف ويلمس بنفسه مراحل سير المعركة المقبلة، وهذا يؤدي بالتالي إلى اتخاذ القرار السليم. ونظراً لأن عملية التفكير التي يقوم بها المقاتل بهدف الوصول إلى القرار الصحيح، تعد في حقيقة الأمر نوعاً من تشبيه الواقعية في الموقف التدريبي، لذلك فإن أنماط التدريب التقليدية تخلو من التمثيل الصادق لجو الواقعية لتلك المواقف، وكذا الإحساس بالحالة النفسية والعصبية أثناء سير القتال. وهذا يجعل القرارات مخالفة لتلك القرارات التي سيتحتم اتخاذها حينما تحدث المعركة الفعلية.
وبناء على ذلك تطورت تقنيات تمثيل جو الواقعية بصورة سريعة، وسوف تنخفض تكاليف امتلاكها وتشغيلها. ولن يمضي وقت طويل حتى تكتظ مكتبة الحاسبات العسكرية بشرائط وأقراص Disks تحوي برامج وقواعد بيانات متعددة، تختص بالتدريب القتالي والفني على جميع المستويات التنظيمية، شاملة لكافة التخصصات التكتيكية والفنية، ولكل أنواع الأسلحة والمعدات.
ويعتمد تمثيل جو الواقعية على الحاسبات الآلية في بناء نماذج للوسائط البيئية، تكون ملموسة ومجسمة، ويمكن التعامل معها بالرؤية والسمع واللمس، ويتم تطبيقها في التعليم والتدريب، من خلال الاتصال بمستشعرات خاصة بالجسم البشري. ويمكن استخدام هذه التقنية لأكثر من شخص، في نفس الوقت، وهي تتميز عن نماذج أخرى للتدريب باستخدام الحاسبات الإلكترونية، من حيث إنها أكثر تطوراً في مجال تطبيقات هندسة الإلكترونيات الدقيقة Microelectornics في مجالي المكونات المادية والبرامج، بالإضافة إلى أنها تعتمد على نماذج تفاعلية مع البيئة.
ويمكن باستخدام هذه التقنية تصميم، ثم بناء، أرض لمسرح العمليات بالكامل، بما فيها من مواقع محصنة، ومعدات وأجهزة معادية وصديقة، وذلك من حيث طبيعة الأرض وتضاريسها، والطقس المتوقع وقت بدء وأثناء سير العمليات الحربية. وبذلك يمكن للقائد أن يسير على هذه الأرض، مستشعراً صعوبة السير على الأراضي الرملية أو الملاحات، ويتعايش مع درجة الحرارة، ارتفاعاً وانخفاضاً، ويمكن أن يركب المدرعات، أو يطير في الجو، مستطلعاً لكل ما ينتشر على مسرح العمليات من مواقع ومعدات، وبإمكانه الدخول إلى أي منها، ولمسها، وتشغيلها.
ويؤدي كل ذلك إلى الوصول إلى القرار الأمثل، بعد تنفيذ إجراءات الاستعداد للمعركة، وتنظيم التعاون. وبذلك يكون القرار الذي يتخذه في المعارك التشبيهية، مطابقاً لما يمكن أن يتخذه تحت ضغط ظروف المعركة الحقيقية، بعد الإحساس بالمناخ النفسي والعصبي للمعركة.