تشهد العلاقات بين المملكة العربية السعودية وباكستان في الآونة الأخيرة تطورات ربما تشي بتوتر بين الحليفين الاستراتيجيين، كان آخرها انتقادات مفاجئة وجهها وزير الخارجية الباكستاني لما وصف بـ" تقاعس منظمة التعاون الإسلامي" - التي تستضيفها السعودية وتتمتع فيها بالنفوذ الأكبر- عن دعم الكشميرين، إلى جانب تقارير إعلامية عن إجراءات اقتصادية "غير مشجعة" من جانب الرياض ضد إسلام أباد.
ونقلت وكالة رويترز عن مسؤولين عسكريين بارزين قولهما إن الرياض مستاءة من انتقادات باكستان لرد فعل السعودية الذي وصفته بالفاتر بشأن إقليم كشمير المتنازع عليه، مما دفع رئيس أركان الجيش الباكستاني، الجنرال قمر جاويد باجوا، لترتيب زيارة يوم الأحد، لإعادة بناء الجسور بين البلدين.
وقد أكد المتحدث باسم الجيش الباكستاني، الميجر جنرال بابار افتخار، خبر سفر رئيس الأركان إلى السعودية، لكنه وصف الزيارة بأنها مخططة سلفا و"هدفها الأساسي الشؤون العسكرية".
فما هي أبعاد العلاقة بين البلدين وما الذي طرأ عليها موخرا؟
علاقات استراتيجية
يرتبط البلدان بعلاقات استراتيجية قوية، فالسعودية هي أكبر مصدر للنفط لباكستان، كما أنها سوق رئيسي للمنتجات الباكستانية، وتستضيف قرابة مليوني باكستاني يعملون داخل أراضيها، تقدر تحويلاتهم من العملات الأجنبية بنحو 4.5 مليار دولار سنويا. وتحتفظ المملكة كذلك بعلاقات تعاون عسكري وثيقة مع باكستان، والتي تمتلك أحد أقوى الجيوش في العالم وتعد الدولة النووية المسلمة الوحيدة.
وكانت أول زيارة رسمية لرئيس الوزراء الباكستاني عمران خان عقب أدائه اليمين الدستورية إلى السعودية، وأشارت التقارير آنذاك إلى أن اختيار خان الرياض لتكون محطته الأولى كان بهدف الحصول على دعم مالي لبلاده التي تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة.
وقد وقع ولي العهد السعودي اتفاقيات اقتصادية بقيمة 20 مليار دولار خلال زيارته لإسلام أباد في فبراير /شباط من العام الماضي، التي لاقى فيها استقبالاً حافلا.
بعد قرار الحكومة الهندية إلغاء المادة 370 من الدستور التي تمنح إقليم كشمير المتنازع عليه وضعاً خاصاً، عبرت باكستان في مناسبات عدة عن احباطها بشأن موقف منظمة التعاون الإسلامي حيال القضية.
وقد جددت المنظمة بدورها - في أحدث بيان حول القضية بمناسبة مرور عام على صدور القرار الهندي- دعوتها إلى تسوية النزاع وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وفي نبرة غير معتادة، شن وزير الخارجية الباكستانية هجوماً حاداً على المنظمة الأسبوع الماضي، خلال حديث لقناة "أري نيوز" المحلية، منتقداً ما سماه "عدم اكتراث" المنظمة وتأجيلها الدائم لعقد اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء من أجل دعم الكشميريين، قائلاً إن بلاده قد تلجأ للبحث عن حل لقضية كشمير بعيداً عن المنظمة.
وأضاف قرشي " إذا فشلت منظمة التعاون الإسلامي في عقد ذلك الاجتماع، فسنعقد اجتماعاً خارج إطار المنظمة. باكستان لا يمكنها الانتظار أكثر. نحن لا نستطيع أن نصمت بعد الآن بشأن معاناة الكشميريين".
ما الذي يعنيه إلغاء الهند المادة الدستورية التي تمنح كشمير وضعا خاصا؟
مودي يضع حجر أساس معبد هندوسي على أنقاض مسجد
مشروع قانون في الهند يسمح بتجنيس أقليات غير مسلمة
وفي الوقت نفسه، نشرت وسائل إعلام باكستانية تقارير تحدثت عن سداد إسلام أباد للرياض قرضاً بمليار دولار قبل موعد استحقاقه، وسط حديث عن تقليص دعم السعودية المالي لباكستان.
وكان القرض جزءاً من حزمة إنقاذ بقيمة 6.2 مليار دولار أعلنت عنها الرياض في أكتوبر/ تشرين أول عام 2018. وتضمنت قروضاً بقيمة 3 مليارات دولار وتسهيلات ائتمانية للحصول على إمدادات نفطية.
ونقلت صحيفة ذي إكسبريس تربيون الباكستانية عن مصادر قولها إن إسلام أباد لم تتسلم شحنات النفط المتفق عليها منذ مايو/ أيار الماضي، إذ انتهت مدة سريان الاتفاق قبل شهرين، من دون تجديده من جانب الرياض. وأشارت مصادر إلى تقديم الصين قرضاً إضافياً لباكستان بمليار دولار لحمايتها من الآثار المترتبة عن التراجع السعودي المحتمل.
أطراف إقليمية
وليست العلاقات بين الرياض وإسلام أباد بمنأى عن التجاذبات الإقليمية.
ففي أواخر 2019، دار جدل حول ما وصف بممارسة السعودية ضغوطاً على باكستان لحثها على عدم حضور القمة الإسلامية المصغرة في ماليزيا في ديسمبر/ كانون الأول الماض
من جانبها، أوضحت السعودية أن سبب مقاطعتها القمة هو أنها لا ترى أنها الساحة المناسبة لطرح القضايا التي تهم العالم الإسلامي. بينما رجح محللون أن المملكة تخشى العزلة من أطراف أقليمية كإيران وتركيا وقطر، وتعتبر القمة محاولة لإنشاء كتلة إسلامية جديدة.
وقال الرئيس التركي رجب طيب إدروغان حينها إن السعودية استخدمت ملفي ترحيل العمالة الباكستانية وسحب ودائعها من البنك المركزي الباكستاني لدفع إسلام أباد إلى التراجع عن حضور القمة، وهو الأمر الذي نفاه الطرفان.
غير أنه وبعد أقل من شهرين من اعتذار إسلام أباد عن المشاركة في القمة، قام الرئيس التركي بزيارة لباكستان شهدت محادثات لتعزيز التعاون الاقتصادي والعسكري، وألقى خلالها كلمة داخل الجمعية العامة للبرلمان وتعهد بالوقوف بجانب إسلام أباد ضد "الضغوط السياسية" التي تتعرض لها.
وعلى الجانب الآخر، تشهد الروابط بين السعودية والهند الخصم التقليدي لباكستان نشاطاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، خاصة بعد زيارة ولي العهد لنيودلهي في فبراير/ شباط من العام الماضي،والتي سعى خلالها إلى توسيع التجارة غير النفطية بين البلدين، معرباً عن أمله في زيادة الاستثمارات بالهند إلى 100 مليار دولار خلال عامين.
وبعد أيام من القرار الهندي بإلغاء الوضع الخاص لإقليم كشمير، وقعت شركة أرامكو السعودية للنفط اتفاقاً مع الهند بقيمة 15 مليار دولار ما أثار غضب أوساط باكستانية كانت تنتظر موقفاً سعودياً مسانداً بشكل واضح لبلادهم. الأمر الذي لم يحققه بيان الخارجية السعودية الذي حض "طرفي النزاع" في كشمير على المحافظة على السلام والاستقرار والعمل على التوصل إلى تسوية سلمية وفقاً للقرارات الدولية.
هل تشهد العلاقة بين السعودية وباكستان توترا؟
العلاقة بين السعودية وباكستان تشهد تطورات في الآونة الأخيرة ربما تشير إلى توتر بين الحليفين الاستراتيجيين. فما هي طبيعة العلاقة بين البلدين وما الذي طرأ مؤخرا؟
www.bbc.com