من هيرون إلى بيرقدار.. تركيا في خدمة إسرائيل
الخميس 2020/6/18 01:34 ص بتوقيت أبوظبي
خورشيد دلي
مع توجه تركيا في منتصف تسعينيات القرن الماضي للقضاء على مقاتلي حزب العمال الكردستاني في المناطق الجبلية الوعرة، لجأت أنقرة إلى حليفتها التاريخية إسرائيل بطلب شراء طائرات من دون طيار "هيرون"، التي كانت تستخدمها الأخيرة في جنوب لبنان وقطاع غزة.
وعقدت تركيا مع إسرائيل سلسلة اتفاقيات عسكرية عام 1996، حصلت إسرائيل بموجبها على امتيازات عسكرية وأمنية واسعة، وصلت إلى حد إقامة قواعد ومصانع عسكرية إسرائيلية على الأراضي التركية، وتحديدا في محافظة أزمير.
ومن رحم هذه الاتفاقيات جاءت اتفاقية شراء تركيا 6 طائرات هيرون عام 2006 التي دخلت إلى الخدمة فعليا عام 2009، ولكن سرعان ما اكتشفت تركيا أن هذه الطائرات والمعروفة بـ "الدورنز" مهمتها هي التصوير والحصول على معطيات ميدانية دون التسليح والقدرة على تنفيذ المهام القتالية، لتتوجه بعد ذلك إلى التفكير بتسليح هذه الطائرات.
ومن رحم هذا التوجه جاءت طائرات بيرقدار المعروفة تي بي 2، وقد سميت "ببيرقدار" نسبة إلى سلجوق بيرقدار، زوج سمية ابنة أردوغان، ولعل هذا ما دفع بأردوغان إلى إعطاء أهمية قصوى لهذه الطائرة، ولاسيما بعد تسلمه رئاسة مجلس إدارة الصناعات العسكرية، حيث بات يوقع على بعض هذه الطائرات قبل انطلاقها إلى العمليات الحربية.
مع استخدام تركيا هذه الطائرات بكثافة ضد المقاتلين الأكراد في المناطق الجبلية داخل تركيا وفي جبال قنديل بكردستان العراق، توجهت لاحقا إلى استخدامها بقوة في مناطق شمال سوريا وشرقها وتحديدا خلال عملياتها العسكرية التي أطلقت عليها "درع الفرت، غصن الزيتون، نبع السلام"، ومن ثم خلال المعارك الأخيرة في إدلب ضد الجيش السوري، وأخيرا في ليبيا ضد الجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر، حيث باتت طائرات بيرقدار سلاح أردوغان الأقوى في تهديد أمن دول المنطقة.
السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هنا، هل سرقت تركيا تكنولوجيا طائرة هيرون الإسرائيلية ؟ أم أن ذلك جرى بالاتفاق بين الجانبين ؟ مع أن الإجابة على هذا السؤال تحتمل الاحتمالين إلا أن فرضية الاتفاق بين الجانبين تبقى هي الأرجح، نظرا لحجم التعاون العسكري بينهما والذي وصل إلى حد وصف البعض له بالعشق السري وبغرام الأفاعي، خاصة في ظل تقارير تحدثت عن أن مصنع طائرات بيرقدار في أزمير هو إنتاج تركي – إسرائيلي مشترك وعلى أساس مناصفة بين الطرفين، وهو ما يطرح السؤال عن سبب إخفاء الجانبين لهذا الأمر في وقت رفضت واشنطن مد تركيا بتكنولوجيا الدورنز وقتها.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هي مصلحة إسرائيل في ذلك ؟ في الواقع، ثمة قاعدة إسرائيلية قديمة، تتعلق بالتحالف مع دول الجوار العربي ولاسيما تركيا وإثيوبيا بغية إضعاف الدول العربية وتفتتيها، وإذا كانت أثيوبيا مارست هذا الدور من بوابة مياه نهر النيل في التعامل مع مصر والسودان، فإن تركيا مارست هذا الدور أمنيا وعسكريا ومائيا ضد دول عربية ولاسيما سوريا والعراق وحديثا ليبيا ومصر ودول الخليج العربي.
بمعنى آخر تريد إسرائيل تحقيق أهدافها الإقليمية من خلال الدور الذي تقوم بها الدولتان، ومثل هذا الدور تجيده تركيا جيدا وتمارسه منذ عقود، وعليه لا يمكن النظر إلى ما تقوم بها تركيا اليوم في سوريا والعراق وليبيا، من دون وجود بعد إسرائيلي يتعلق باستنزاف هذه الدول، وإلا كيف يمكن تفسير صمت إسرائيل على ما تقوم بها تركيا في المتوسط ولاسيما لجهة القيام بعمليات تنقيب عن الغاز دون أي اتفاق مع الأطراف المعنية في انتهاك لحقوق هذه الأطراف وبشكل يخالف القانون الدولي.
في الواقع، التزاوج بين المشروعين الإسرائيلي والتركي قديم، ومع مسيرة طائرات الدورنز من هيرون إلى بيراقدار، انتقل التعاون بينهما إلى مرحلة جديدة، وهي مرحلة قيام تركيا بأدوار مباشرة لجهة ضرب الدول العربية وتفتيتها، لطالما أن إسرائيل ليست بصدد حروب تقليدية أو مباشرة مع هذه الدول وما تقوم بها تركيا يحقق لها أهدافها.
وتركيا أردوغان تفعل ذلك على أمل أن تتقاسم معها في المستقبل المشاريع الإقليمية الكبرى على مستوى الغاز والمياه والنقل والكهرباء في إطار مشاريع الهيمنة على المنطقة، وهذا ما يؤكد حقيقة كذب ادعاء أردوغان بالدفاع عن القضية الفلسطينية، إذ أنه باستهدافه الدول العربية دولة تلوة الأخرى بات خير من يخدم مشاريع إسرائيل في فلسطين والمنطقة.
الخميس 2020/6/18 01:34 ص بتوقيت أبوظبي
خورشيد دلي
مع توجه تركيا في منتصف تسعينيات القرن الماضي للقضاء على مقاتلي حزب العمال الكردستاني في المناطق الجبلية الوعرة، لجأت أنقرة إلى حليفتها التاريخية إسرائيل بطلب شراء طائرات من دون طيار "هيرون"، التي كانت تستخدمها الأخيرة في جنوب لبنان وقطاع غزة.
وعقدت تركيا مع إسرائيل سلسلة اتفاقيات عسكرية عام 1996، حصلت إسرائيل بموجبها على امتيازات عسكرية وأمنية واسعة، وصلت إلى حد إقامة قواعد ومصانع عسكرية إسرائيلية على الأراضي التركية، وتحديدا في محافظة أزمير.
ومن رحم هذه الاتفاقيات جاءت اتفاقية شراء تركيا 6 طائرات هيرون عام 2006 التي دخلت إلى الخدمة فعليا عام 2009، ولكن سرعان ما اكتشفت تركيا أن هذه الطائرات والمعروفة بـ "الدورنز" مهمتها هي التصوير والحصول على معطيات ميدانية دون التسليح والقدرة على تنفيذ المهام القتالية، لتتوجه بعد ذلك إلى التفكير بتسليح هذه الطائرات.
ومن رحم هذا التوجه جاءت طائرات بيرقدار المعروفة تي بي 2، وقد سميت "ببيرقدار" نسبة إلى سلجوق بيرقدار، زوج سمية ابنة أردوغان، ولعل هذا ما دفع بأردوغان إلى إعطاء أهمية قصوى لهذه الطائرة، ولاسيما بعد تسلمه رئاسة مجلس إدارة الصناعات العسكرية، حيث بات يوقع على بعض هذه الطائرات قبل انطلاقها إلى العمليات الحربية.
مع استخدام تركيا هذه الطائرات بكثافة ضد المقاتلين الأكراد في المناطق الجبلية داخل تركيا وفي جبال قنديل بكردستان العراق، توجهت لاحقا إلى استخدامها بقوة في مناطق شمال سوريا وشرقها وتحديدا خلال عملياتها العسكرية التي أطلقت عليها "درع الفرت، غصن الزيتون، نبع السلام"، ومن ثم خلال المعارك الأخيرة في إدلب ضد الجيش السوري، وأخيرا في ليبيا ضد الجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر، حيث باتت طائرات بيرقدار سلاح أردوغان الأقوى في تهديد أمن دول المنطقة.
السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هنا، هل سرقت تركيا تكنولوجيا طائرة هيرون الإسرائيلية ؟ أم أن ذلك جرى بالاتفاق بين الجانبين ؟ مع أن الإجابة على هذا السؤال تحتمل الاحتمالين إلا أن فرضية الاتفاق بين الجانبين تبقى هي الأرجح، نظرا لحجم التعاون العسكري بينهما والذي وصل إلى حد وصف البعض له بالعشق السري وبغرام الأفاعي، خاصة في ظل تقارير تحدثت عن أن مصنع طائرات بيرقدار في أزمير هو إنتاج تركي – إسرائيلي مشترك وعلى أساس مناصفة بين الطرفين، وهو ما يطرح السؤال عن سبب إخفاء الجانبين لهذا الأمر في وقت رفضت واشنطن مد تركيا بتكنولوجيا الدورنز وقتها.
ولعل هذا ما يفسر حرص تركيا وإسرائيل على سرية هذا الأمر، بل ثمة من يتحدث عن اصطناع الطرفين لمعارك وهمية بينهما للتغطية على الكثير من الأسرار والسياسات والأهداف، رغم ادعاء أردوغان الخلاف مع إسرائيل وشعاراته النارية ضدها على أساس مناصرة القضية الفلسطينية، والتي يعرف الجميع أنها ليست سوى قنابل صوتية، تستخدم لأغراض سياسية وفي إطار استغلاله لجماعات الإسلام السياسي ولاسيما الإخوان في العالم العربي من جهة، ولزيادة شعبيته في الداخل التركي من جهة ثانية.في الواقع، التزاوج بين المشروعين الإسرائيلي والتركي قديم، ومع مسيرة طائرات الدورنز من هيرون إلى بيراقدار، انتقل التعاون بينهما إلى مرحلة جديدة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هي مصلحة إسرائيل في ذلك ؟ في الواقع، ثمة قاعدة إسرائيلية قديمة، تتعلق بالتحالف مع دول الجوار العربي ولاسيما تركيا وإثيوبيا بغية إضعاف الدول العربية وتفتتيها، وإذا كانت أثيوبيا مارست هذا الدور من بوابة مياه نهر النيل في التعامل مع مصر والسودان، فإن تركيا مارست هذا الدور أمنيا وعسكريا ومائيا ضد دول عربية ولاسيما سوريا والعراق وحديثا ليبيا ومصر ودول الخليج العربي.
بمعنى آخر تريد إسرائيل تحقيق أهدافها الإقليمية من خلال الدور الذي تقوم بها الدولتان، ومثل هذا الدور تجيده تركيا جيدا وتمارسه منذ عقود، وعليه لا يمكن النظر إلى ما تقوم بها تركيا اليوم في سوريا والعراق وليبيا، من دون وجود بعد إسرائيلي يتعلق باستنزاف هذه الدول، وإلا كيف يمكن تفسير صمت إسرائيل على ما تقوم بها تركيا في المتوسط ولاسيما لجهة القيام بعمليات تنقيب عن الغاز دون أي اتفاق مع الأطراف المعنية في انتهاك لحقوق هذه الأطراف وبشكل يخالف القانون الدولي.
في الواقع، التزاوج بين المشروعين الإسرائيلي والتركي قديم، ومع مسيرة طائرات الدورنز من هيرون إلى بيراقدار، انتقل التعاون بينهما إلى مرحلة جديدة، وهي مرحلة قيام تركيا بأدوار مباشرة لجهة ضرب الدول العربية وتفتيتها، لطالما أن إسرائيل ليست بصدد حروب تقليدية أو مباشرة مع هذه الدول وما تقوم بها تركيا يحقق لها أهدافها.
وتركيا أردوغان تفعل ذلك على أمل أن تتقاسم معها في المستقبل المشاريع الإقليمية الكبرى على مستوى الغاز والمياه والنقل والكهرباء في إطار مشاريع الهيمنة على المنطقة، وهذا ما يؤكد حقيقة كذب ادعاء أردوغان بالدفاع عن القضية الفلسطينية، إذ أنه باستهدافه الدول العربية دولة تلوة الأخرى بات خير من يخدم مشاريع إسرائيل في فلسطين والمنطقة.