توجد ثلثا الألغام الموجودة في مصر في منطقة "العلمين" بالصحراء الغربية المصرية؛ حيث يقبع ما يزيد على 17 مليون لغم من مخلفات الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى نحو 5 ملايين لغم في أماكن متفرقة من شبه جزيرة سيناء وسواحل البحر الأحمر وبعض مناطق قناة السويس التي كانت مسرحًا للعمليات الحربية مع إسرائيل أو أماكن لتمركز قوات الطرفين.
ورغم أن السجلات الرسمية المصرية تذكر أن عدد ضحايا الألغام بها حتى الآن نحو 8400 شخص ما بين قتيل ومصاب -غالبيتهم من الأطفال والمدنيين- فإنه من المعتقد أن العدد الحقيقي للضحايا يفوق ذلك كثيرا؛ حيث إن الرصد الفعلي لم يبدأ إلا منذ عشرين عاما، فضلا عن أن البدو لا يهتمون بالإبلاغ عن وقوع الضحايا خاصة إذا كانوا من الأطفال.
الوسائل التقليدية لكشف الألغام.. كائنات حية
وحتى وقت قـصير لم يكن هناك منافس لأنف الكلب، وتعتمد عملية كشف الألغام لدى الكلب على استـغلال غريزة اللعب لديه؛ لذلك فإن علاقة المدرب بالكلب هي أهم شيء في هذه العملية، فلو أن الكلب ليست لديه رغبة في اللعب فإنه لن يقوم باكتشاف الألغام، ولكشف اللغم يتم ربط الكلب بحبل طويل، وعندما يجد علامة فإنه يتمدد على الأرض في وضع استعداد قبل مكان اللغم بعشرة سنتيمترات؛ ونظراً لأن الكلاب كثيرة التعرض للأمراض ونظراً لقلة تركيزها في العمل، فقد حاول العلماء البحث عن حيوانات أخرى لأداء نفس المهمة بشكل أفضل.
ومن الحيوانات التي تم الاعتماد عليها: الخنزير، الفراش، والقوارض.
فأصبحت القوارض خاصة من نوع Hamster)) أو اليربوع منافساً قويًّا للكلاب في مجال البحث عن الألغام، فهذه القوارض تتميز بأنوف حساسة تستطيع من خلالها أن تحدد مكان المتفجرات المدفونة في التربة بلا أدنى مشكلة، وتتحرك هذه القوارض مربوطة بحبل طويل حتى تجد لغما، وتبدأ في نبش الأرض عنه، دون أن تترك لتظفر بغنيمتها طبعاً!
كما أن هناك بعض الأبحاث التي بدأت في محاولة استخدام ((النحل)) في هذا الموضوع، من خلال ما يعلق في أجنحتها من جزيئات المواد المتفجرة المتطايرة في الهواء.
أحدث التقنيات.. وما يزال العلم يبتكر
وبعيداً عن الكائنات الحية اتجهت الأبحاث الحديثة لاختراع عدد من الأجهزة الحديثة التي تقوم بتلك المهمة.. ومن تلك الأجهزة التي لا تزال في إطار البحث جهاز يسمى «فيدو» (Fido) الذي يعتمد في عمله على مضخة لسحب عينات من الهواء عبر لوحين من الزجاج تم طلاؤهما بمواد خاصة، فإذا كان هناك متفجرات في المنطقة فستحتوي عينة الهواء على بخار يغطي تلك المواد.. وتقوم مجسات تتأثر بالضوء واللون بالكشف عن أي تغير يكشف عن وجود المتفجرات، ولن يخضع هذا الجهاز للاستخدام لبضع سنوات.. وتعتبر النتائج الأولية لتجاربه حتى الآن جيدة.
وهناك جهاز آخر ما زال أيضاً في طور التجارب يعتمد على تقليد حاسة الشم فهو جهاز «شم» آلي يستخدم مجموعة مجسات معقدة من آلاف الألياف الضوئية التي لا يتعدى سمك كل واحدة منها خُمس سمك شعرة من شعر الإنسان.. وفي نهاية كل ليفة ضوئية توجد نقطة ميكروسكوبية من ستة بوليمرات (مواد بلاستيكية)، ويقوم هذا الجهاز بسحب عينة من الهواء ويراقب تغير لون البوليمرات، ولكن كل بوليمر يتغير إلى لون مختلف مع تفاعله مع نفس المادة، إذ قد يتغير أحدها من الأزرق إلى الأخضر بوجود النيتروجين، بينما يتغير الآخر من الأزرق إلى الأحمر. ولذلك فكل رائحة تنتج نمطا معينا، يمكن تخزين تلك الأنماط في قاعدة بيانات على الكمبيوتر.
وهذه العملية تماثل -إلى حد كبير- عملية ربط الإنسان للروائح بذكريات معينة، وبتقليدها يمكن تدريب الجهاز للكشف عن المتفجرات بدقة أكثر، فمثلا إذا كان الجهاز يعرف رائحة المتفجرات الملفوفة بالجلد، فيمكنه أن يزيل هذه الرائحة ويكشف وجود المتفجرات.
إلا أن الجهاز ما زال أمامه طريق طويل قبل أن يتحرك خارج المختبرات إلى الميدان ليحل الأنف الإلكتروني محل الكلاب أو القوارض، إذ أنه لا بد لحساسية الجهاز أن تتحسن قبل استخدامه.
وحتى الآن يمكن للجهاز أن يكتشف الملوثات في عينات تحتوي على بضعة أجزاء لكل مليار جزيء هواء، وهذا قد لا يكون كافيا للكشف عن المتفجرات.
تعقب الألغام بالرنين النووي
وقد تمكن باحثون أمريكيون مؤخرا من تطوير جهاز جديد لاكتشاف الألغام عن طريق استشعار المتفجرات داخلها، ويعتبر هذا التطور في غاية الأهمية، نظراً لأن معظم أجهزة اكتشاف الألغام المتوفرة حاليا تبحث إما عن الأغلفة المعدنية أو عن أشياء بأشكال معينة، وبالتالي فإن الألغام البلاستيكية من الصعب اكتشافها بهذه الأجهزة.
ويعتمد جهاز كشف الألغام الجديد على الرنين النووي الرباعي الأقطاب، وهو أسلوب يستخدم حاليا في المطارات للكشف عن المتفجرات المخبأة في الأمتعة. ففي المطارات توضع الأمتعة المشكوك بأمرها داخل ملف (coil) يولد ويستقبل نبضات إشعاعية، حيث تقوم النواة الذرية بامتصاص ترددات إشعاعية خاصة، وفي الفترة الفاصلة بين النبضات يقوم جهاز الاستقبال بالبحث عن شكل الامتصاص، وهكذا فإن مفتشي الأمتعة يتعرفون على أي نوع من المتفجرات من خلال طيفها الإشعاعي المميز لها.
لكن استخدام الرنين النووي الرباعي الأقطاب لاكتشاف الألغام المدفونة في الأرض يعد أصعب بكثير من كشف المتفجرات في الأمتعة، فجهاز الكشف المثبت على مقدمة السيارة قد يكون مباشرة فوق اللغم.. وعلاوة على ذلك فإن اللغم المضاد للأفراد المدفون في التربة على عمق بضعة سنتيمترات سيتلقى نبضة أقوى على سبيل المثال من اللغم المضاد للدبابات المدفون على عمق أكبر.
ومن التعقيدات التي حدّت من استخدام الرنين النووي الرباعي الأقطاب لنزع الألغام في السابق اعتماد قوة الإشارة المرتدة على توقيت ومدة وتردد النبضات الباحثة، هذا بالإضافة إلى أن مشغلي الجهاز يتعين عليهم تعديل النبضات وضبط توقيتها يدويا للحصول على الإشارة الأوضح والتقاطها بشكل موثوق.
أما الآن فقد تمكن "جيفري سشيانو" من جامعة بنسلفانيا و"مارك جينسبيرج" من مختبرات بحوث الهندسة الإنشائية التابعة للجيش الأمريكي بولاية "إلينوي" الأمريكية، من تطوير نظام يعمل تلقائيا على تعديل أجهزة قياس النبضة الباحثة للحصول على أوضح إشارة ممكنة، ولتصحيحها وفقا للتغيرات في شدة النبضة الباحثة التي يتلقاها اللغم الأرضي.
ويقول "سشيانو": إن الجهاز الجديد يقوم بفحص الإشارة المرتدة ومن ثم يعدل من نطاق وتوقيت النبضة الباحثة باتجاه أفضل إشارة ممكنة.. ويقوم نظام التغذية المرتجعة (Feedback System) بهزهزة النبضة إلى الأمام والخلف بحثا عن الإشارة الأفضل.
ويعلق سشيانو بالقول: إن هذه الطريقة تستغرق وقتا أطول، لكنك تشعر بثقة أكبر في النتائج.
وتبقى المشكلة أن الدول المهيمنة على مقدرات العالم هي التي أوجدت تلك المشكلة زرعاً وتصنيعاً، وهي المتحكمة في حلها اكتشافاً وإزالةً، ومن ثم تبقى مقدرات دول العالم الثالث رهينة في أيديهم إن شاءوا أعطوا وإن شاءوا منعوا
ورغم أن السجلات الرسمية المصرية تذكر أن عدد ضحايا الألغام بها حتى الآن نحو 8400 شخص ما بين قتيل ومصاب -غالبيتهم من الأطفال والمدنيين- فإنه من المعتقد أن العدد الحقيقي للضحايا يفوق ذلك كثيرا؛ حيث إن الرصد الفعلي لم يبدأ إلا منذ عشرين عاما، فضلا عن أن البدو لا يهتمون بالإبلاغ عن وقوع الضحايا خاصة إذا كانوا من الأطفال.
الوسائل التقليدية لكشف الألغام.. كائنات حية
وحتى وقت قـصير لم يكن هناك منافس لأنف الكلب، وتعتمد عملية كشف الألغام لدى الكلب على استـغلال غريزة اللعب لديه؛ لذلك فإن علاقة المدرب بالكلب هي أهم شيء في هذه العملية، فلو أن الكلب ليست لديه رغبة في اللعب فإنه لن يقوم باكتشاف الألغام، ولكشف اللغم يتم ربط الكلب بحبل طويل، وعندما يجد علامة فإنه يتمدد على الأرض في وضع استعداد قبل مكان اللغم بعشرة سنتيمترات؛ ونظراً لأن الكلاب كثيرة التعرض للأمراض ونظراً لقلة تركيزها في العمل، فقد حاول العلماء البحث عن حيوانات أخرى لأداء نفس المهمة بشكل أفضل.
ومن الحيوانات التي تم الاعتماد عليها: الخنزير، الفراش، والقوارض.
فأصبحت القوارض خاصة من نوع Hamster)) أو اليربوع منافساً قويًّا للكلاب في مجال البحث عن الألغام، فهذه القوارض تتميز بأنوف حساسة تستطيع من خلالها أن تحدد مكان المتفجرات المدفونة في التربة بلا أدنى مشكلة، وتتحرك هذه القوارض مربوطة بحبل طويل حتى تجد لغما، وتبدأ في نبش الأرض عنه، دون أن تترك لتظفر بغنيمتها طبعاً!
كما أن هناك بعض الأبحاث التي بدأت في محاولة استخدام ((النحل)) في هذا الموضوع، من خلال ما يعلق في أجنحتها من جزيئات المواد المتفجرة المتطايرة في الهواء.
أحدث التقنيات.. وما يزال العلم يبتكر
وبعيداً عن الكائنات الحية اتجهت الأبحاث الحديثة لاختراع عدد من الأجهزة الحديثة التي تقوم بتلك المهمة.. ومن تلك الأجهزة التي لا تزال في إطار البحث جهاز يسمى «فيدو» (Fido) الذي يعتمد في عمله على مضخة لسحب عينات من الهواء عبر لوحين من الزجاج تم طلاؤهما بمواد خاصة، فإذا كان هناك متفجرات في المنطقة فستحتوي عينة الهواء على بخار يغطي تلك المواد.. وتقوم مجسات تتأثر بالضوء واللون بالكشف عن أي تغير يكشف عن وجود المتفجرات، ولن يخضع هذا الجهاز للاستخدام لبضع سنوات.. وتعتبر النتائج الأولية لتجاربه حتى الآن جيدة.
وهناك جهاز آخر ما زال أيضاً في طور التجارب يعتمد على تقليد حاسة الشم فهو جهاز «شم» آلي يستخدم مجموعة مجسات معقدة من آلاف الألياف الضوئية التي لا يتعدى سمك كل واحدة منها خُمس سمك شعرة من شعر الإنسان.. وفي نهاية كل ليفة ضوئية توجد نقطة ميكروسكوبية من ستة بوليمرات (مواد بلاستيكية)، ويقوم هذا الجهاز بسحب عينة من الهواء ويراقب تغير لون البوليمرات، ولكن كل بوليمر يتغير إلى لون مختلف مع تفاعله مع نفس المادة، إذ قد يتغير أحدها من الأزرق إلى الأخضر بوجود النيتروجين، بينما يتغير الآخر من الأزرق إلى الأحمر. ولذلك فكل رائحة تنتج نمطا معينا، يمكن تخزين تلك الأنماط في قاعدة بيانات على الكمبيوتر.
وهذه العملية تماثل -إلى حد كبير- عملية ربط الإنسان للروائح بذكريات معينة، وبتقليدها يمكن تدريب الجهاز للكشف عن المتفجرات بدقة أكثر، فمثلا إذا كان الجهاز يعرف رائحة المتفجرات الملفوفة بالجلد، فيمكنه أن يزيل هذه الرائحة ويكشف وجود المتفجرات.
إلا أن الجهاز ما زال أمامه طريق طويل قبل أن يتحرك خارج المختبرات إلى الميدان ليحل الأنف الإلكتروني محل الكلاب أو القوارض، إذ أنه لا بد لحساسية الجهاز أن تتحسن قبل استخدامه.
وحتى الآن يمكن للجهاز أن يكتشف الملوثات في عينات تحتوي على بضعة أجزاء لكل مليار جزيء هواء، وهذا قد لا يكون كافيا للكشف عن المتفجرات.
تعقب الألغام بالرنين النووي
وقد تمكن باحثون أمريكيون مؤخرا من تطوير جهاز جديد لاكتشاف الألغام عن طريق استشعار المتفجرات داخلها، ويعتبر هذا التطور في غاية الأهمية، نظراً لأن معظم أجهزة اكتشاف الألغام المتوفرة حاليا تبحث إما عن الأغلفة المعدنية أو عن أشياء بأشكال معينة، وبالتالي فإن الألغام البلاستيكية من الصعب اكتشافها بهذه الأجهزة.
ويعتمد جهاز كشف الألغام الجديد على الرنين النووي الرباعي الأقطاب، وهو أسلوب يستخدم حاليا في المطارات للكشف عن المتفجرات المخبأة في الأمتعة. ففي المطارات توضع الأمتعة المشكوك بأمرها داخل ملف (coil) يولد ويستقبل نبضات إشعاعية، حيث تقوم النواة الذرية بامتصاص ترددات إشعاعية خاصة، وفي الفترة الفاصلة بين النبضات يقوم جهاز الاستقبال بالبحث عن شكل الامتصاص، وهكذا فإن مفتشي الأمتعة يتعرفون على أي نوع من المتفجرات من خلال طيفها الإشعاعي المميز لها.
لكن استخدام الرنين النووي الرباعي الأقطاب لاكتشاف الألغام المدفونة في الأرض يعد أصعب بكثير من كشف المتفجرات في الأمتعة، فجهاز الكشف المثبت على مقدمة السيارة قد يكون مباشرة فوق اللغم.. وعلاوة على ذلك فإن اللغم المضاد للأفراد المدفون في التربة على عمق بضعة سنتيمترات سيتلقى نبضة أقوى على سبيل المثال من اللغم المضاد للدبابات المدفون على عمق أكبر.
ومن التعقيدات التي حدّت من استخدام الرنين النووي الرباعي الأقطاب لنزع الألغام في السابق اعتماد قوة الإشارة المرتدة على توقيت ومدة وتردد النبضات الباحثة، هذا بالإضافة إلى أن مشغلي الجهاز يتعين عليهم تعديل النبضات وضبط توقيتها يدويا للحصول على الإشارة الأوضح والتقاطها بشكل موثوق.
أما الآن فقد تمكن "جيفري سشيانو" من جامعة بنسلفانيا و"مارك جينسبيرج" من مختبرات بحوث الهندسة الإنشائية التابعة للجيش الأمريكي بولاية "إلينوي" الأمريكية، من تطوير نظام يعمل تلقائيا على تعديل أجهزة قياس النبضة الباحثة للحصول على أوضح إشارة ممكنة، ولتصحيحها وفقا للتغيرات في شدة النبضة الباحثة التي يتلقاها اللغم الأرضي.
ويقول "سشيانو": إن الجهاز الجديد يقوم بفحص الإشارة المرتدة ومن ثم يعدل من نطاق وتوقيت النبضة الباحثة باتجاه أفضل إشارة ممكنة.. ويقوم نظام التغذية المرتجعة (Feedback System) بهزهزة النبضة إلى الأمام والخلف بحثا عن الإشارة الأفضل.
ويعلق سشيانو بالقول: إن هذه الطريقة تستغرق وقتا أطول، لكنك تشعر بثقة أكبر في النتائج.
وتبقى المشكلة أن الدول المهيمنة على مقدرات العالم هي التي أوجدت تلك المشكلة زرعاً وتصنيعاً، وهي المتحكمة في حلها اكتشافاً وإزالةً، ومن ثم تبقى مقدرات دول العالم الثالث رهينة في أيديهم إن شاءوا أعطوا وإن شاءوا منعوا