كان تصوير القادة الأميركيين للجيش العراقي أنه أكبر رابع قوة عسكرية في العالم، لذلك استعدت الولايات المتحددة لخوض معركة تحرير الكويت بنصف مليون جندي، ولكن لديهم من السلاح أكبر مما لدى جيش صدام حسين.
أما فيسك الذي عاش كثيراً في العالم العربي فيدرك جانباً آخر تحدث عنه في مقاله المنشور في جريدة إندبندنت يوم 17 يناير 1991 حيث قال: «القصة الحقيقية هي أن أقوى الجيوش المسيحية متمركزة الآن لقتال أكبر قوة عسكرية في العالم الإسلامي.. وتصادم الآن السلاحان المسيحي والإسلامي».
ولم يكتب فيسك ذلك من عندياته، بل استند إلى عديد من التصريحات العنصرية الدينية لبعض القادة الدينيين، مثل أسقف كنيسة كانتربري الذي قال: «إن حرب العرب ضد العراق هي حرب عادلة».
وما أعلنه الأسقف إدوارد نورمان عميد معهد كنيسة المسيح في كانتربري سنة 1990 من أنه لابد من تدمير العراق لأنه يشكل تهديداً نووياً.
«إن خسارة أرواح في الحرب الآن سوف تحول دون خسارة الملايين من البشر بعد بضع سنوات. وهذا بالتأكيد استنتاج مسيحي خالص».
في الساعات الأولى من يوم 17 يناير 1991، بدأ قصف بغداد لإجبارها على سحب قواتها من الكويت.. ولكن كان هناك اندهاش لدى روبرت فيسك الصحافي «المسيحي» من مشاركة قوات السعودية «المسلمة» في هذه الحرب. وعندما سأل طيارًا سعوديًا مشاركًا عن ذلك أجابه بقوله: «عندما يهاجمك أخ لك فهو عدو.. وصدام عدونا الآن».
ومن جانبه قال الملك فهد بن عبدالعزيز إن هذه المعركة تشكل «سيف الحق وصوته، وإن الله سيمنح النصر لجيش الحق».. وأصبح الملك فهد هو القائد الأعلى للقوات التي تسعى لدحر قوات الباطل عن الكويت.
ومن طريف ولطيف ما يحكيه الصحافي روبرت فيسك، في خضم هذه الأحداث ووسط زئير الطائرات وهدير محركاتها، أنه حاول دخول مناطق القتال لرؤيتها والكتابة عنها، ولكن السلطات السعودية منعت دخول الصحافيين غير المسجلين في النقل العسكري الرسمي إلى الحدود مع الكويت.. وهنا تكمن الطرافة.. فقد ارتدى فيسك ومجموعة من المراسلين والصحافيين الفرنسيين المتمردين على هذه التعليمات الرداء المموه الواقي من الغاز.. ودفعت صحيفة الإندبندنت ثمن رداء فيسك.. ووضع على رأسه خوذة حديدية بريطانية أخذها هدية من الرائد آلان بارنز، ويعمل في التدريب بالقوات البريطانية.. واصطحب معه في مغامرته إلى الحدود الكويتية ديوانًا للشعر حصل عليه من بارنز أيضاً، وغالباً ما كان مسروقاً من مكتبة الجيش.
كانت ملابس المراسلين التلفزيونيين الفرنسيين غير متقنة الصنع، ولكن سجائر جيتان الفرنسية المتدلية من فمهم أعطتهم نوعاً من التغطية في مغامرتهم.. وقد بدا فيسك في ملابسه الجديدة هذه مثل ضابط اتصال مزعج.
وكان سر النجاح في مهمتهم كمراسلين ومرورهم من نقاط التفتيش، هو عدم النظر إلى الجنود الذين يحرسون الطريق.. أما أطرف ما في الموضوع فما قاله فيسك من أن فقدانهم اللياقة كان دليلاً على أنهم جنود حقيقيون!
من الظهران اتجه فيسك مع رفاقه الفرنسيين إلى مدينة الخفجي التي تعرضت للقصف من جانب القوات العراقية داخل الحدود الكويتية بطلقات المدفعية، كما ارتفعت ألسنة اللهب إلى ارتفاع ثلاثة كيلو مترات فوق مستودع تخزين للنفط، وانتشرت لمسافة مائة وخمسين كيلو متراً في البحر.. ولم يكن هناك أحد لإبلاغ فرق الإطفاء عن هذا الحريق، فقد فر الجميع في هلع.. في الشوارع والطرقات ملابس ملقاة سقطت من السيارات أو الشاحنات.. سيارة ليموزين مفتوحة.. سيارة شرطة متروكة وباب السائق مفتوح.. مدافع متروكة وتحصينات رملية خالية.. خيام مهجورة.. الموجود فقط كان عبارة عن دورية وحيدة من الحرس الوطني السعودي مكونة من ثلاثة رجال ملتحين يرتدون قبعات حمراء يتجولون في الشوارع الخالية، تمثل المملكة السعودية.
في 30 ديسمبر 1990 دخلت قافلة عراقية من الدبابات وناقلات الجنود المصفحة إلى الخفجي من جهة الغرب، بعد اكتشافها أن الطريق والمدينة غير محميين.. ولكن القوات الأميركية قاتلت في نهاية يناير 1991 وبدايات فبراير لإخلاء المدينة من القوات العراقية.. وأسهمت القوات السعودية في معركة تحريرها وحصلت منها على عدة مئات من الأسرى العراقيين.
كما ساهمت القوات القطرية أيضاً في تحرير الخفجي.. وتصاعدت أعداد القتلى العراقيين فيها إلى ثلاثمائة قتيل عراقي، وتم أسر خمسمائة منهم.
مات في عملية تحرير الخفجي ثمانية عشر جندياً سعودياً من الجيش والحرس الوطني. ركز الأميركيون والبريطانيون على قصف بغداد والمدن العراقية.. مما دفع مستورد ملابس سعوديًا لسؤال فيسك: «لماذا يقصف الأميركيون الجسور والكهرباء والنفط في العراق.. ويذهب الناس إلى المستشفيات؟ ولكن لماذا لا يحررون الكويت؟!».
وكان رد الأميركيين غير المقنع يقول إنهم كلما اشتدوا في ضرب العراق من الداخل كانت خسارتهم وخسارة قوات التحالف عند دخول الكويت أقل.
بوصفه مراقبًا للأحداث، ذكر روبرت فيسك فقرة غريبة نصها كما يلي: «نصحت إحدى الزميلات المقربات بأنه لا شأن لها بهذا السائل السحري الذي يعتقد أنه موجود الآن وبشكل واسع مع الذخائر المطلية باليورانيوم المخصب.. وهو الذي سبب الضعف والموت أثناء وبعد حرب الخليج، وكانت هذه الزميلة شاكرة لي حتى يومنا هذا».
والسؤال: هل هذا السائل السحري هو السبب في المرض الغامض الذي أصاب كثيرًا من الجنود الأميركيين الذين شاركوا في حرب تحرير الكويت عام 1991؟!.
يقول روبرت فيسك: إن هناك تضليلاً وتعتيمًا متعمدًا وأكاذيب اتسمت بها سلوكيات جنود التحالف.. مثل الإشارة إلى تحرير الخفجي من القوات العراقية قبل أن يتم ذلك.. وكان التصريح على أعلى مستوى، من جون ميجور رئيس الوزراء البريطاني الذي حل محل مارجريت تاتشر في داوننغ ستريت بلندن.
حقيقة أخرى من حاملة الطائرات كنيدي.. حين قام قائد الحاملة وبعض الضباط بحذف بعض الحقائق من تقارير المراسلين قبل إرسالها.. بحيث تسلم الصحافيون التقارير المنقحة بعد تعديلها لإرسالها إلى صحفهم.. ومن ضمن المحذوف شتائم الطيارين والضباط، وتقرير عن استمتاع الطيارين في أوقات راحتهم بمشاهدة الأفلام الإباحية الخليعة بهدف استرخائهم.. وكان ذلك محظوراً على المراسلين الصحافيين أن يروه أو يكتبوا عنه.
أمر آخر من داخل مرآب طائرات في إحدى القاعدتين الجويتين بالبحرين، كانت هناك لافتة ضخمة عليها صورة مرسومة لسوبر مان أميركي يحمل في يديه عربياً ضعيفاً مذعوراً، وهو توجه عنصري بغيض!.
ومن اللجنة الإعلامية في هذه القاعدة بالبحرين، نقل مراسل تلفزيوني عن العقيد ديك وايت وصفه لجنود عراقيين يهربون من الكويت للنجاة بحياتهم: «كان الأمر شبيهًا بإضاءة الأنوار في المطبخ آخر الليل ورؤية الصراصير تهرب في كل مكان.. أخرجناها في النهاية وقتلناها».
تم تحرير الكويت في مائة ساعة.. أربعة أيام.. ولكن بعد أربعين يوماً وليلة من القصف المتواصل للعراق كانت القوات الأميركية قد صبت ثمانين ألف طن من المتفجرات على العراق.. أي أكثر من القصف التقليدي لأوروبا في الحرب العالمية الثانية وفق ما ذكره الناشط الأميركي سام حسيني.
قبل تحرير الكويت وبعده نشط الإعلام الغربي في حث الشعب العراقي على الانتفاض ضد صدام حسين.. ودعا الرئيس الأميركي جورج بوش إلى نظام عالمي جديد، وقد سأل داعية إسلامي سعودي روبرت فيسك عن ماهية النظام العالمي الجديد، وحاول فيسك تفسير هذا التعبير بإعادته إلى سياقه في جملته الأصلية.
«انتهت الحرب الباردة، وأصبحت أوروبا الشرقية حرة، ويعتقد الأميركيون أن هذه الرياح يجب أن تهب على الشرق الأوسط أيضاً».
وأضاف فيسك من جانبه: «لم يعد ممكنًا التسامح مع الطغاة، لا سيما الطغاة الذين يعارضون رغبات الولايات المتحدة».
واكتشف روبرت فيسك بعد ذلك أنه قال ما قاله جورج دبليو بوش الابن بعد عشر سنوات من 1991، حين قال ذلك للداعية السعودي.
الله.. كان حاضراً في أحاديث الزعماء والقادة.. كما كان موجوداً في طيات النظام العالمي الجديد.
كان من الطبيعي أن يطلب الملك فهد من صدام حسين أن يعود إلى حكم الله، وهو التفسير الديني نفسه الذي ميز رؤية بوش حين أضاف الملك فهد أنه يطلب من الله النصر لقواته، حيث طلب بوش أيضاً في واشنطن من الله أن يحمي جنود أميركا في الخليج.. ولكن بوش وضع الصراع على قاعدة دينية وأخلاقية حين دعا إلى اجتماع الزعماء الدينيين في الولايات المتحدة معلناً أن حرب الخليج هي بين الخير والشر.. الصواب والخطأ!.
في بغداد.. لم يبتعد صدام حسين عن هذا السياق، فطلب الدعم الإلهي ضد قوات الشيطان ومأجوريه.. واختار شخصية المحارب الكردي في القرن الثاني عشر صلاح الدين الأيوبي ليتحدث بلغته، فقال بعد ثلاثة أيام من قصف العراق: «سيهزم الشيطان».. ويقول فيسك في هذا التعبير إن الملك الأفضل ابن صلاح الدين الأيوبي قال في 7 يوليو 1187 إن أباه في معركة حطين حشر القوات المسلمة في مواجهة قوات الصليبيين الفرنسيين وصرخ فيهم «الشيطان يجب أن يهزم».
يقول.. كان من الضروري والمهم تحرير الكويت من العدوان العراقي.. ولكن كان من الضروري أيضاً عدم ارتكاب القوات الأميركية عمليات إبادة ضد المدنيين العراقيين.
في 13 فبراير سنة 1991 أطلقت طائرتان أميركيتان صاروخين على ملجأ للمدنيين في حي العامرية ببغداد، دخل أحدهما من فتحة تهوية الملجأ ليحول أربعمائة إنسان أغلبهم من النساء والأطفال إلى رماد.. وحريق مشتعل.. في حين انفجر الصاروخ الثاني خارج الملجأ.
تفاخر الجنرال ريتشارد رد نيل، نائب قائد العمليات الأميركي، بدقة طياريه في إصابة موقع عسكري محصن، لكنه قال إنه لا يدري كيف وصل المدنيون إليه.. وقال إنه كان مرصوداً بوصفه هدفاً عسكرياً لعدة أيام قبل قصفه.
في إحدى دور ضاحية الرياض في الظهران، عرف فيسك الحقيقة بعد 24 ساعة من تصريحات الجنرال نيل.. كان المصدر للحقيقة جنرالاً سابقًا في سلاح الجو الأميركي، ويعمل ضابط تحديد أهداف لدى السلاح الجوي السعودي.
كان الضابط حزيناً وهو يشرب قهوة الصباح مع فيسك، وقال إن السعوديين يشعرون بالحزن لإصابة المدنيين في الملجأ العراقي.. ويقولون مع غيرهم من العرب إن العراق سيتعرض للتدمير الكلي إذا استمر هذا القصف.. ولخص الموقف بأن الأميركيين اعتقدوا أن الملجأ هو ملاذ لأعضاء كبار في حزب البعث وعائلاتهم وأصدقائهم.. وكان الأميركيون يقصفون المواقع التي ينام فيها المتعاونون مع صدام حسين، سواء كان فيها نساء وأطفال أم لا.
كان الجنرال السابق يحكي لفيسك ألمه وحزنه، وينقل إليه نص حوار دار بين الليفتنانت جنرال تشارلز وهو رمز قائد القوات الجوية للحلفاء في الخليج، وبين الفريق جوي أحمد البحيري قائد سلاح الجو السعودي.
والحلقة المقبلة مع الحوار الذي أبرز غضب السعودية لتجاوزات القوات الأميركية ضد العراق في حرب تحرير الكويت
أما فيسك الذي عاش كثيراً في العالم العربي فيدرك جانباً آخر تحدث عنه في مقاله المنشور في جريدة إندبندنت يوم 17 يناير 1991 حيث قال: «القصة الحقيقية هي أن أقوى الجيوش المسيحية متمركزة الآن لقتال أكبر قوة عسكرية في العالم الإسلامي.. وتصادم الآن السلاحان المسيحي والإسلامي».
ولم يكتب فيسك ذلك من عندياته، بل استند إلى عديد من التصريحات العنصرية الدينية لبعض القادة الدينيين، مثل أسقف كنيسة كانتربري الذي قال: «إن حرب العرب ضد العراق هي حرب عادلة».
وما أعلنه الأسقف إدوارد نورمان عميد معهد كنيسة المسيح في كانتربري سنة 1990 من أنه لابد من تدمير العراق لأنه يشكل تهديداً نووياً.
«إن خسارة أرواح في الحرب الآن سوف تحول دون خسارة الملايين من البشر بعد بضع سنوات. وهذا بالتأكيد استنتاج مسيحي خالص».
في الساعات الأولى من يوم 17 يناير 1991، بدأ قصف بغداد لإجبارها على سحب قواتها من الكويت.. ولكن كان هناك اندهاش لدى روبرت فيسك الصحافي «المسيحي» من مشاركة قوات السعودية «المسلمة» في هذه الحرب. وعندما سأل طيارًا سعوديًا مشاركًا عن ذلك أجابه بقوله: «عندما يهاجمك أخ لك فهو عدو.. وصدام عدونا الآن».
ومن جانبه قال الملك فهد بن عبدالعزيز إن هذه المعركة تشكل «سيف الحق وصوته، وإن الله سيمنح النصر لجيش الحق».. وأصبح الملك فهد هو القائد الأعلى للقوات التي تسعى لدحر قوات الباطل عن الكويت.
ومن طريف ولطيف ما يحكيه الصحافي روبرت فيسك، في خضم هذه الأحداث ووسط زئير الطائرات وهدير محركاتها، أنه حاول دخول مناطق القتال لرؤيتها والكتابة عنها، ولكن السلطات السعودية منعت دخول الصحافيين غير المسجلين في النقل العسكري الرسمي إلى الحدود مع الكويت.. وهنا تكمن الطرافة.. فقد ارتدى فيسك ومجموعة من المراسلين والصحافيين الفرنسيين المتمردين على هذه التعليمات الرداء المموه الواقي من الغاز.. ودفعت صحيفة الإندبندنت ثمن رداء فيسك.. ووضع على رأسه خوذة حديدية بريطانية أخذها هدية من الرائد آلان بارنز، ويعمل في التدريب بالقوات البريطانية.. واصطحب معه في مغامرته إلى الحدود الكويتية ديوانًا للشعر حصل عليه من بارنز أيضاً، وغالباً ما كان مسروقاً من مكتبة الجيش.
كانت ملابس المراسلين التلفزيونيين الفرنسيين غير متقنة الصنع، ولكن سجائر جيتان الفرنسية المتدلية من فمهم أعطتهم نوعاً من التغطية في مغامرتهم.. وقد بدا فيسك في ملابسه الجديدة هذه مثل ضابط اتصال مزعج.
وكان سر النجاح في مهمتهم كمراسلين ومرورهم من نقاط التفتيش، هو عدم النظر إلى الجنود الذين يحرسون الطريق.. أما أطرف ما في الموضوع فما قاله فيسك من أن فقدانهم اللياقة كان دليلاً على أنهم جنود حقيقيون!
من الظهران اتجه فيسك مع رفاقه الفرنسيين إلى مدينة الخفجي التي تعرضت للقصف من جانب القوات العراقية داخل الحدود الكويتية بطلقات المدفعية، كما ارتفعت ألسنة اللهب إلى ارتفاع ثلاثة كيلو مترات فوق مستودع تخزين للنفط، وانتشرت لمسافة مائة وخمسين كيلو متراً في البحر.. ولم يكن هناك أحد لإبلاغ فرق الإطفاء عن هذا الحريق، فقد فر الجميع في هلع.. في الشوارع والطرقات ملابس ملقاة سقطت من السيارات أو الشاحنات.. سيارة ليموزين مفتوحة.. سيارة شرطة متروكة وباب السائق مفتوح.. مدافع متروكة وتحصينات رملية خالية.. خيام مهجورة.. الموجود فقط كان عبارة عن دورية وحيدة من الحرس الوطني السعودي مكونة من ثلاثة رجال ملتحين يرتدون قبعات حمراء يتجولون في الشوارع الخالية، تمثل المملكة السعودية.
في 30 ديسمبر 1990 دخلت قافلة عراقية من الدبابات وناقلات الجنود المصفحة إلى الخفجي من جهة الغرب، بعد اكتشافها أن الطريق والمدينة غير محميين.. ولكن القوات الأميركية قاتلت في نهاية يناير 1991 وبدايات فبراير لإخلاء المدينة من القوات العراقية.. وأسهمت القوات السعودية في معركة تحريرها وحصلت منها على عدة مئات من الأسرى العراقيين.
كما ساهمت القوات القطرية أيضاً في تحرير الخفجي.. وتصاعدت أعداد القتلى العراقيين فيها إلى ثلاثمائة قتيل عراقي، وتم أسر خمسمائة منهم.
مات في عملية تحرير الخفجي ثمانية عشر جندياً سعودياً من الجيش والحرس الوطني. ركز الأميركيون والبريطانيون على قصف بغداد والمدن العراقية.. مما دفع مستورد ملابس سعوديًا لسؤال فيسك: «لماذا يقصف الأميركيون الجسور والكهرباء والنفط في العراق.. ويذهب الناس إلى المستشفيات؟ ولكن لماذا لا يحررون الكويت؟!».
وكان رد الأميركيين غير المقنع يقول إنهم كلما اشتدوا في ضرب العراق من الداخل كانت خسارتهم وخسارة قوات التحالف عند دخول الكويت أقل.
بوصفه مراقبًا للأحداث، ذكر روبرت فيسك فقرة غريبة نصها كما يلي: «نصحت إحدى الزميلات المقربات بأنه لا شأن لها بهذا السائل السحري الذي يعتقد أنه موجود الآن وبشكل واسع مع الذخائر المطلية باليورانيوم المخصب.. وهو الذي سبب الضعف والموت أثناء وبعد حرب الخليج، وكانت هذه الزميلة شاكرة لي حتى يومنا هذا».
والسؤال: هل هذا السائل السحري هو السبب في المرض الغامض الذي أصاب كثيرًا من الجنود الأميركيين الذين شاركوا في حرب تحرير الكويت عام 1991؟!.
يقول روبرت فيسك: إن هناك تضليلاً وتعتيمًا متعمدًا وأكاذيب اتسمت بها سلوكيات جنود التحالف.. مثل الإشارة إلى تحرير الخفجي من القوات العراقية قبل أن يتم ذلك.. وكان التصريح على أعلى مستوى، من جون ميجور رئيس الوزراء البريطاني الذي حل محل مارجريت تاتشر في داوننغ ستريت بلندن.
حقيقة أخرى من حاملة الطائرات كنيدي.. حين قام قائد الحاملة وبعض الضباط بحذف بعض الحقائق من تقارير المراسلين قبل إرسالها.. بحيث تسلم الصحافيون التقارير المنقحة بعد تعديلها لإرسالها إلى صحفهم.. ومن ضمن المحذوف شتائم الطيارين والضباط، وتقرير عن استمتاع الطيارين في أوقات راحتهم بمشاهدة الأفلام الإباحية الخليعة بهدف استرخائهم.. وكان ذلك محظوراً على المراسلين الصحافيين أن يروه أو يكتبوا عنه.
أمر آخر من داخل مرآب طائرات في إحدى القاعدتين الجويتين بالبحرين، كانت هناك لافتة ضخمة عليها صورة مرسومة لسوبر مان أميركي يحمل في يديه عربياً ضعيفاً مذعوراً، وهو توجه عنصري بغيض!.
ومن اللجنة الإعلامية في هذه القاعدة بالبحرين، نقل مراسل تلفزيوني عن العقيد ديك وايت وصفه لجنود عراقيين يهربون من الكويت للنجاة بحياتهم: «كان الأمر شبيهًا بإضاءة الأنوار في المطبخ آخر الليل ورؤية الصراصير تهرب في كل مكان.. أخرجناها في النهاية وقتلناها».
تم تحرير الكويت في مائة ساعة.. أربعة أيام.. ولكن بعد أربعين يوماً وليلة من القصف المتواصل للعراق كانت القوات الأميركية قد صبت ثمانين ألف طن من المتفجرات على العراق.. أي أكثر من القصف التقليدي لأوروبا في الحرب العالمية الثانية وفق ما ذكره الناشط الأميركي سام حسيني.
قبل تحرير الكويت وبعده نشط الإعلام الغربي في حث الشعب العراقي على الانتفاض ضد صدام حسين.. ودعا الرئيس الأميركي جورج بوش إلى نظام عالمي جديد، وقد سأل داعية إسلامي سعودي روبرت فيسك عن ماهية النظام العالمي الجديد، وحاول فيسك تفسير هذا التعبير بإعادته إلى سياقه في جملته الأصلية.
«انتهت الحرب الباردة، وأصبحت أوروبا الشرقية حرة، ويعتقد الأميركيون أن هذه الرياح يجب أن تهب على الشرق الأوسط أيضاً».
وأضاف فيسك من جانبه: «لم يعد ممكنًا التسامح مع الطغاة، لا سيما الطغاة الذين يعارضون رغبات الولايات المتحدة».
واكتشف روبرت فيسك بعد ذلك أنه قال ما قاله جورج دبليو بوش الابن بعد عشر سنوات من 1991، حين قال ذلك للداعية السعودي.
الله.. كان حاضراً في أحاديث الزعماء والقادة.. كما كان موجوداً في طيات النظام العالمي الجديد.
كان من الطبيعي أن يطلب الملك فهد من صدام حسين أن يعود إلى حكم الله، وهو التفسير الديني نفسه الذي ميز رؤية بوش حين أضاف الملك فهد أنه يطلب من الله النصر لقواته، حيث طلب بوش أيضاً في واشنطن من الله أن يحمي جنود أميركا في الخليج.. ولكن بوش وضع الصراع على قاعدة دينية وأخلاقية حين دعا إلى اجتماع الزعماء الدينيين في الولايات المتحدة معلناً أن حرب الخليج هي بين الخير والشر.. الصواب والخطأ!.
في بغداد.. لم يبتعد صدام حسين عن هذا السياق، فطلب الدعم الإلهي ضد قوات الشيطان ومأجوريه.. واختار شخصية المحارب الكردي في القرن الثاني عشر صلاح الدين الأيوبي ليتحدث بلغته، فقال بعد ثلاثة أيام من قصف العراق: «سيهزم الشيطان».. ويقول فيسك في هذا التعبير إن الملك الأفضل ابن صلاح الدين الأيوبي قال في 7 يوليو 1187 إن أباه في معركة حطين حشر القوات المسلمة في مواجهة قوات الصليبيين الفرنسيين وصرخ فيهم «الشيطان يجب أن يهزم».
يقول.. كان من الضروري والمهم تحرير الكويت من العدوان العراقي.. ولكن كان من الضروري أيضاً عدم ارتكاب القوات الأميركية عمليات إبادة ضد المدنيين العراقيين.
في 13 فبراير سنة 1991 أطلقت طائرتان أميركيتان صاروخين على ملجأ للمدنيين في حي العامرية ببغداد، دخل أحدهما من فتحة تهوية الملجأ ليحول أربعمائة إنسان أغلبهم من النساء والأطفال إلى رماد.. وحريق مشتعل.. في حين انفجر الصاروخ الثاني خارج الملجأ.
تفاخر الجنرال ريتشارد رد نيل، نائب قائد العمليات الأميركي، بدقة طياريه في إصابة موقع عسكري محصن، لكنه قال إنه لا يدري كيف وصل المدنيون إليه.. وقال إنه كان مرصوداً بوصفه هدفاً عسكرياً لعدة أيام قبل قصفه.
في إحدى دور ضاحية الرياض في الظهران، عرف فيسك الحقيقة بعد 24 ساعة من تصريحات الجنرال نيل.. كان المصدر للحقيقة جنرالاً سابقًا في سلاح الجو الأميركي، ويعمل ضابط تحديد أهداف لدى السلاح الجوي السعودي.
كان الضابط حزيناً وهو يشرب قهوة الصباح مع فيسك، وقال إن السعوديين يشعرون بالحزن لإصابة المدنيين في الملجأ العراقي.. ويقولون مع غيرهم من العرب إن العراق سيتعرض للتدمير الكلي إذا استمر هذا القصف.. ولخص الموقف بأن الأميركيين اعتقدوا أن الملجأ هو ملاذ لأعضاء كبار في حزب البعث وعائلاتهم وأصدقائهم.. وكان الأميركيون يقصفون المواقع التي ينام فيها المتعاونون مع صدام حسين، سواء كان فيها نساء وأطفال أم لا.
كان الجنرال السابق يحكي لفيسك ألمه وحزنه، وينقل إليه نص حوار دار بين الليفتنانت جنرال تشارلز وهو رمز قائد القوات الجوية للحلفاء في الخليج، وبين الفريق جوي أحمد البحيري قائد سلاح الجو السعودي.
والحلقة المقبلة مع الحوار الذي أبرز غضب السعودية لتجاوزات القوات الأميركية ضد العراق في حرب تحرير الكويت