شرارة المقاومة/عبد الستار الراوي

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,478
التفاعل
17,601 43 0
شرارة المقاومة

عبد الستار الراوي

2019-04-11_e654724f.jpg

إحدى العمليات البطولية للمقاومة الوطنية العراقية، وفي الإطار الملا مولود المشهداني.

بإنقضاء صلاة العصر، يوم العاشر من نيسان/ابريل 2003 نزل المارينز من عربات القتل المصفحة يتقافزون كما خفافيش الليل
بين ضفتي شارع حيفا.. مدّ الملا الضرير (مولود المشهداني) قامته بباب مسجد أبي السعد، رفع يديه بالدعاء (رب هبّ لي الساعة بصرا، وإجعل من عصايَ رمحا) إنفجرت صدور الناس غضبا وفاضت غيضا، إضطربت الارض، في البدء قذف الصبية الجند بالحجر والزجاجات الفارغة، أوصدت (الفحامة) الابواب بوجه غربان البيت الابيض، أدرك مشاة البحرية منذ اللحظة الاولى إكذوبة (الورد الجوري) التي بشّر بها البنتاغون قوات الولايات المتحدة، من أن شعب العراق سيأخذهم بالاحضان ويستقبلهم بالزهور.
الوحدة العسكرية المدججة بأسلحة الموت، من الرأس الى أخمص القدم، شعرت بأن شرا مستطيرا يحيق بها، وإن ألفاظا غليظة قرعت أسماعهم: قتلة، متوحشون، مستعمرون، مرتزقة..
الأصوات الغاضبة تتراكم من كل نافذة وباب، تنزل بقوة كما المطارق على رؤوس الغزاة، تآزرت معها لغة العيون تتقادح شررا، وهي تمتلئ بكل معاني التحدي والتهديد والوعيد، توقف إثنان منهم أمام شعارات الجدران، مرقومة بالعربية والانجليزية، تتوعد الغزاة وتحث الشعب على المقاومة. أومأ جندي بيد مذعورة الى كلمة (جحيم) ثم مضيا.. الارض تميد برجال الامبراطورية العالمية، طفل في العاشرة يقف بثبات، والفتية يحتشدون بباب جسر الدم، ثمة من يرفع علما، والآخر يلتقط حجرا، النوافذ أوصدها الحزن، تنسلّ من دار السدرة الكبرى (منصورة يابغداد)، يتعالى في السوق صوت الوجع الوطني. ينحسر الضوء.
تنحدر شمس الكرخ في مياه خضر الياس، فينبث أذان المغرب، لكن الصمت لايلبث أن يتهاوى، قنبلة تنفلق تحت مدرعة (برادلي)، تحدث في قلب الرتل الغازي فزعا مجنونا، يختبئ المارينز، بين الضفتين، تعقبه دفقات الرشاش الآلي ينثال رصاص "حمادة" فوق عربات (الهمر)، يمتلئ الشارع بالنار والدخان، إنها اللحظة الفدائية الخالقة، الشبيهة بالومضة السحرية لاتتسع العين لالتقاط مشهدها، تلك بداية المعركة الكبرى التي أرهقت صدمتها المفاجئة الغزاة، فآثروا الفرار فيما لاذ البعض بالعربات المدرعة..

الرماة العراقيون يسددون البنادق نحو قوات العدو من كل جهة وصوب، ليدونوا إفتتاحية معركة التحرير، هنا في شارع حيفا، وبتاريخ العاشر من نيسان وبرصاص الشعب العراقي، سقط أول قتيل أميركي، (تيري دبليو همنغواي)، وهو مجند أميركي من فرقة المشاة الثالثة، برتبة رئيس عرفاء حسب البيان الصحفي للبنتاغون رقم (234/2). وكانت هذه هي الشرارة الأولى للمقاومة في كرخ بغداد، ضد الاحتلال الأميركي، في أقل من أربع وعشرين ساعة على احتلال العاصمة، يتسع ميدان المعركة فيمتد خط النار طوال الليل من منطقة الشيخ صندل الى الجعيفر، ومن جامع براثا حتى العطيفية.

عن موقع وجهات نظر
 
عودة
أعلى