تُعد العمليات النفسية من أسلحة الحرب غير القاتلة، والتي تحقق تأثيرات حاسمة على القوى المضادة، لذلك لاقت في السنوات الأخيرة اهتماماً بتطوير أساليبها واستخداماتها، وبما يتواكب مع تطور الإستراتيجيات، ونظم التسليح والقيادة والسيطرة؛ بل وتطور أهداف الحروب ذاتها في القضاء على قدرة الدولة في الاستمرار في إدارة الصراع والعمل على تغيير أنظمتها السياسية، بنظم تقبل التبعية للقوى التي تشن الحرب.
أصبحت العمليات النفسية من أهم الآليات التي تدعم الصراع المسلح، ذلك أن الإستراتيجيات الحديثة حددت إحداث 100% خسائر في الروح المعنوية للعدو، إلى جانب 50% خسائر مادية، قبل توجيه أي هجوم بري حاسم. ويأتي قتل الروح المعنوية كأحد إجراءات العمليات النفسية الملازمة لعمليات عسكرية، تخطط بأسلوب علمي ونفسي سليمين. وقد أصبحت العمليات النفسية عاملاً رئيسياً في إدارة الصراعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من أجل تحقيق هدفٍ محددٍ يحقق مصالح الخصم بين الدول والقوى المختلفة؛ فضلاً عن أنها تمثل إحدى أدوات فرض الإرادة على الطرف الآخر، قبل القضاء عليه واحتوائه.
وتعتمد العمليات النفسية الحديثة على قاعدة سيكولوجية، تستهدف التأثير على اتجاهات الهدف (الأهداف المخاطبة) وسلوكياته، حيث يلجأ المخطط إلى الطرق والأساليب التي تؤثر على الإدراك الإنساني لإحداث التغيير (لدى العدو) في اتجاهاته وقيمه وإرادته وأفكاره، قبل نشوب الصراع المسلح.
أما خلال نشوب الصراع المسلح، فيركز مخططوا العمليات النفسية – من خلال المضمون نفسه للتأثيرات السابقة – على إشاعة حالة من الذعر والذهول الجماعي، تؤدي إلى إثارة القلق واضطراب السلوك، ومن ثَم تدمير الروح المعنوية وإرادة القتال لدى الخصم، أو تجعله يتخذ إجراءات خارج قدراته، من أجل تحقيق التوازن أو إثبات الوجود أو تصعيد المنافسة، وبما يؤدي إلى نتائج عكسية مؤثرة، قد تطيح النظام الحاكم أو الدولة نفسها.
بمعني أن مجال العمليات النفسية يتخصص في السيطرة على المعلومة الموجهة لجماهير بمختلف فئاتها؛ خاصة إلى عدو قائم وموجود، أو احتمال وجود هذا العدو.
وترتبط العمليات النفسية رباطاً وثيقاً بعلم النفس الاجتماعي، الذي يهتم بدراسة تركيب التنظيمات الاجتماعية ووظيفتها، ويركز جهوده على دراسة سلوك الفرد في المجتمع، وما ينتج عنها من مؤثرات على تكوين الجماعات الاجتماعية والتفاعلات بين الأفراد. كذلك فإن الحرب النفسية والدعاية كلتيهما عنصران قديمان قدم الجنس البشري نفسه؛ لكنهما أخذتا في العصر الحديث طابع التخصص ما جعلهما يبرزان في الأضواء كموضوعين منفصلين.
وهناك العديد من دروس التاريخ التي حددت إستراتيجية استخدام الحرب النفسية في حسم المعارك الكبرى. وقد أشار إليها المفكر "ليدل هارت" في كتابه" الإستراتيجية وتاريخ العالم"، ونذكر منها على سبيل المثال:
1. أن الحيلة أساس فن الحرب، لذا ينبغي التظاهر بالعجز، عندما تتوافر القدرة على الهجوم، والتظاهر بعدم العمل، عند الرغبة في استخدام الجيوش، وإقناع العدو بأننا بعيدون عندما نكون على مقربة منه، وبأننا قريبون، ونحن بعيدون عنه.
2. أن أفضل الأعمال العسكرية، هي تحطيم مقاومة العدو، من دون قتال.
3. سينتصر من أتقن فن الخداع؛ لأنه فن المناورة.
4. أن أعظم انتصار وأنجحه هو إرغام العدو على التخلي عن مشروعاته وخططه، من دون أن يتحمل الطرف الآخر أي خسائر.
5. علينا أن ندرك أن القدرة العسكرية هي عامل واحد من عوامل الإستراتيجية العليا، التي يدخل في حساباتها قوة الضغط المالي أو السياسي أو الدبلوماسي أو التجاري أو المعنوي؛ وكلها عوامل مهمة لإضعاف إرادة الخصم.
6. أن المفاجأة في الحقل المعنوي تتطلب حسابات أصعب من حسابات الحقل المادي، وتتعلق بشروط مختلفة تؤثر على إرادة الخصم، وتختلف في كل حالة من الحالات.
7. أن الانتصارات التي تحدث من دون إراقة دماء، تعد شيئاً نادراً في التاريخ؛ ولكن قدرتها لاتقلل من قيمتها بل تزيدها؛ فهي تسلط الأضواء على الإمكانيات الكامنة في الإستراتيجية والإستراتيجية العليا، وفي الحرب النفسية.
8. يكون التفتيت لقدرة العدو في الحقل النفسي من خلال التأثير على أفكار القائد، ويزداد التأثير فجأة عندما يرى القائد أنه في موقف غير ملائم، ولديه شعور بالعجز عن مقاومة حركة عدوه. وهي الفكرة التي استفاد منها شيرمان في نهاية القرن التاسع عشر بتنفيذ إستراتيجية "وضع العدو في حالة تستولي الحيرة فيها عليه".
9. أن القائد الألماني الشهير "لودندورف"، الذي قاد القوات الألمانية في الحرب العالمية الأولي، حدد هدفه الإستراتيجي: "في تفتيت مقاومة العدو، وشل قدرته، وليس قتله". ويدلل على ذلك أن قتل جندي من جنود العدو يعني إنقاص عدد الأعداء واحداً، أما تحطيم معنوياته فيعني بذر بذور الخوف والهلع في صفوف الأعداء، وبما يعجل بهزيمتهم.
10. لنابليون بونابرت مقوله مشهورة: "أن الروح المعنوية هي ثلاثة أرباع عوامل النصر".
وفي إسرائيل فإن كلمة "الدعاية" هي المستخدمة كبديل لمصطلح الحرب النفسية، وتنطلق مبادئها واستخداماتها من المفهوم الدارج والمأخوذ عن الوسائل الأمريكية في هذا الاتجاه.
ومن ثَم، فإن العمليات النفسية تاريخياً، وحثي نهاية القرن التاسع عشر، اعتمدت على العديد من الوسائل، أهمها: "الخداع عن طريق الحيل والإيهام وإثارة القلق والشتائم والتصدي لإدعاءات العدو وتفنيدها وإبراز القوة والتفوق والتحقير من شأن العدو وإطلاق الشائعات والإغراء والتضليل والوعد الكاذب والإرهاب واستغلال الخلافات الدينية والعقائدية".
أولاً: تطور مفهوم العمليات النفسية الحديثة
من المعروف أن أول تعريف للحرب النفسية وضعه الخبراء العسكريون الأمريكيون، وهو "استخدام أي وسيلة بقصد التأثير على الروح المعنوية، وعلى سلوك أي جماعة لغرض عسكري معين". ثم تطور هذا التعريف من قبل مدرسة القوات البرية الأمريكية "لتتضمن الحرب النفسية استخدام الدعاية ضد عدو، مع استخدام عمليات عسكرية، أو إجراءات أخرى، تدعو الحاجة إليها لتكملة مثل هذه الدعاية".
ثم صدر بعد ذلك المعجم الأمريكي للحرب النفسية، وهو يتضمن تعريفاً مطوراً هو أن :"الحرب النفسية هي استخدام مخطط من جانب الدولة في وقت الحرب، أو في وقت الطوارئ، لإجراءات دعائية بقصد التأثير على آراء وعواطف ومواقف وسلوك جماعة أجنبية معادية، أو محايدة، أو صديقة، بطريقة تعين على تحقيق سياسة الدولة وأهدافها".
وبعد ثلاث سنوات من هذا التعريف، صدرت طبعة جديدة من هذا المعجم، تطور تعريف الحرب النفسية فيها ليصبح : "هي استخدام مخطط من جانب دولة، أو مجموعة من الدول للدعاية وغيرها من الإجراءات الإعلامية، الموجهة إلى جماعات عدائية أو محايدة، أو صديقة للتأثير على آرائها وعواطفها ومواقفها وسلوكها، بطريقة تعين على تحقيق سياسة الدولة وأهدافها".
وكان هذا التعريف هو الأول الذي يشير إلى أن العمليات النفسية تتم خلال كل الأوقات، ولا تتوقف على أوقات الحرب أو الصراع، وهو ما يعني التطبيق العملي للتعريف الذي درج استخدامه في البحرية الأمريكية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والذي كان يشير إلى أن المهمة الرئيسية للحرب النفسية هي "فرض الإرادة على العدو بغرض التحكم في أعماله بطرق غير عسكرية، ووسائل غير الوسائل الاقتصادية".
يذكر الجنرال الأمريكي "مارك كلارك"، "أن التغيير الواسع للحرب النفسية يتضمن أي عمل من شأنه أن يجبر العدو على أن يحول رجاله وعتاده من الجبهة النشطة، أو تجعله يقيد رجاله وأسلحته استعدادا لصد هجوم لن يأتي". كما كان أفضل التعاريف للحرب النفسية والعسكرية، هو الذي كتبه عالم الاجتماع "بول لينبارجر"، في كتابه "الحرب النفسية"، وقد عرفها من خلال مجالين:
الأول: بمعناها الضيق: "بأنها استخدام الدعاية ضد العدو مع إجراءات عملية أخرى ذات طبيعة عسكرية، أو اقتصادية، أو سياسية، مما تتطلبه الدعاية".. وفي هذا المجال فإنه يعرف الدعاية العسكرية: "بأنها استخدام مخطط لأي شكل من أشكال الإعلام، بقصد التأثير في عقول وعواطف مجموعة معادية أو محايدة أو صديقة، وبهدف تحقيق غرض إستراتيجي أو تكتيكي معين".
الثاني: بمعناها الواسع، حيث يعرفها بأنها "تطبيق لبعض أجزاء علم النفس لمعاونة المجهودات، التي تبذل في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية".
وفي هذا السياق، تطرق الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في كتابة "نصر بلا حرب" إلى تعريف سياسي/إستراتيجي للحرب النفسية، بأنها: "النضال من أجل عقول الرجال وإرادتهم"، وربط ذلك بإستراتيجية أمريكا حيال الحرب الباردة، وقال: "يجب أن نكيف سياستنا الخارجية، حتي نوائم إستراتيجية الحرب الباردة من خلال الوحدة والتماسك، وأن يكون في روحنا وعزيمتنا الإصرار على أن نحصل في هذه الحرب على نصر دون خسارة في الأرواح، وكي نفوز في نضال من أجل السلام".
ثانياً: الفارق بين العمليات النفسية والحرب النفسية
يخلط الناس ـ عادة بين "العمليات النفسية" و"الحرب النفسية"، أو قد يلجأ بعضهم – متعمداً- إلى الخلط بينهما؛ ولكن الحقيقة تشير إلى فارق دقيق في العلاقة بينهما، ذلك أن الحرب النفسية هي بمثابة جزء من العمليات النفسية التي تتصف بالشمولية. وعلى ذلك تتحدد الفروق من خلال الآتي:
1. أن العمليات النفسية توجه إلى الدول والجماعات (معادية – صديقة – محايدة – حليفة)، بينما توجه الحرب النفسية إلى أفراد وجماعات الدول المعادية فقط.
2. أن العمليات النفسية – طبقاً لمفهوم الهدف النفسي – تهدف إلى التأثير في آراء وانفعالات وسلوك الأفراد والجماعات (السياسية – الاقتصادية – الاجتماعية – العسكرية)، لإقناعهم بوجهة نظر المخطط؛ بينما هدف الحرب النفسية الرئيسي هو تحطيم القوي المعنوية للشعب والقوات المسلحة المعادية، وخفض القدرة على القتال.
3. من منظور البعد الأمني، فإن العمليات النفسية مستمرة في جميع الأوقات، تدار في أوقات السلم والتوتر والحرب وما بعدها؛ بينما يقتصر استخدام الحرب النفسية على أوقات التوتر والصراع المسلح فقط.
4. تستخدم العمليات النفسية كافة الطرق والوسائل والأساليب؛ بينما تستخدم الحرب النفسية الطرق والوسائل والأساليب ذات الصفة المعادية فقط.
5. تستخدم العمليات النفسية على كافة المستويات {إستراتيجي – تعبوي (سوقي) – تكتيكي (ميداني)}؛ بينما يبرز استخدام الحرب النفسية على المستويين التعبوي والتكتيكي.
ثالثاًً: مفهوم العمليات النفسية الحديثة
من كل ماسبق يمكن تحديد مفهوم العمليات النفسية الحديثة بأنها:
"استخدام مخطط من جانب الدولة أو مجموعة من الدول للطرق والوسائل والأساليب النفسية، التي توجه أو تشن ضد الدولة المعادية أو الحليفة والصديقة والمحايدة، للتأثير على آرائها وعواطفها ومواقفها وسلوكها بطريقة تساعد على تحقيق أهداف الدولة، أو الدول المستخدمة. وهي تهدف إلى خلق وتشكيل الرأي وتنميته من خلال وسائل الإعلام وتعديل وتغيير اتجاهات الرأي العام بواسطة الدعاية والدعاية المضادة والخداع والحركة. كما أنها تُعد بمثابة التهيئة والتعبئة النفسية للرأي والاتجاهات حول قضية ما، سواء سلماً أو حرباً". وهي تتميز بالآتي:
1. يكون التخطيط لها على أعلى مستوى في أجهزة الدولة، أو مجموعة من الدول.
2. تستمر قبل وأثناء وبعد الأزمة، خاصة في مرحلة تصاعد الأزمة في الصراع المسلح.
3. تعدد استخدام طرق ووسائل وأساليب وآليات العمل النفسي.
4. تُشن ضد الجماعات وتوجه للدول الحليفة والصديقة والمحايدة والمعادية في وقت واحد، وتختلف باختلاف الهدف.
5. تتضمن العمليات النفسية أكثر من حملة نفسية (إعلامية – دعائية – إعلانية – علاقات عامة)، ويحدد لكل حملة هدف مخاطب، ومهام نفسية محددة.
6. قد تكون عمليات الحرب النفسية قصيرة أو بعيدة المدى، حيث تشمل أنشطة العمليات قصيرة المدى:
" الدعاية الإستراتيجية – دعايات القتال أو الدعايات المتخصصة، التي تشن العمليات من أجل تحقيقها – نشر وإشاعة الأخبار للتأثير على معنويات العدو – تنظيم إجراءات الخداع بطريقة منظمة ومحكمة – إجراءات الدعاية السرية".
بينما تتضمن العمليات النفسية بعيدة المدى: نشر الأخبار بطريقة مستمرة وبوسائل شتى، بغرض دعم السياسة الخارجية للدولة، وبناء رأي عام مساند للقوات ومعاد للطرف الآخر، إلى جانب الوسائل السابقة، والتي يتم تنظيمها على فترات زمنية طويلة.
رابعاً: مفهوم الحرب النفسية
تعرف الحرب النفسية بأنها :"استخدام أي وسيلة بهدف التأثير على الروح المعنوية للخصم فقط، وعلى سلوك أي جماعة لغرض عسكري معين".
ويرتكز هذا التعريف على نقطتين رئيستين:
1. اقتصار العمل النفسي على الروح المعنوية، وهي جزء من العمل النفسي الشامل للتأثير على أفكار واتجاهات وسلوكيات الفرد عن قناعة، لرفع أو خفض الروح المعنوية لوقت محدد دون أن تكون هناك قناعة للدوافع والمؤشرات.
2. إنها ترتبط بغرض عسكري محدد، أي لا يبرر استخدامها إلا وقت الصراع المسلح، وعلى ذلك فإن الحرب النفسية ليست أفضل أو أسوأ من غيرها من الصراعات الدولية، والاختلاف الأساسي أن الإنسان لا يصاب فيها بضرر جسماني مادي إذا ما قورنت بحروب الأسلحة الأخرى. أما من ناحية تكاليفها، فلا يمكن مقارنة آثارها البالغة على العدو، مقارنة بنفقاتها.
خامساً: أهداف العمليات النفسية الحديثة
عندما نتعمق في تحديد أهداف العمليات النفسية في التاريخ المعاصر، فعلينا أن نستعرض سير ونتائج بعض الأحداث المهمة المؤثرة، والتي شغلت العالم على مدى نصف القرن الماضي وحتى الآن، واستخدمت فيها العمليات النفسية بكثافة. وهذه الأحداث مرتبة زمنياًً، تتمثل في الآتي:
1. تطور مجريات وأحداث الحرب الباردة، التي دارت رحاها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، واستمرت على مدى حوالي أربعة عقود، وانتهت بانتصار حاسم للولايات المتحدة الأمريكية، والتحول من نظام عالمي ثنائي القوة إلى نظام أحادي القوة، تتربع فيه الولايات المتحدة على قمة العالم.
2. أحداث حرب الخليج الثانية عام 90/1991، التي استخدمت فيها الحرب النفسية بأسلوب جديد ومباشر، يهدف إلى قتل الروح المعنوية للشعب والقوات العسكرية العراقية بنسبة 100%، قبل شن الهجوم البري الرئيسي لضمان نجاحه.
3. حرب البلقان عام 1999، التي نُفذت فيها نظرية "مبدأ" كلينتون، التي تشير إلى تحقيق نصر سياسي من خلال ضربات نيرانية حاسمة، دون شن حرب برية بهدف تقليل الخسائر الأمريكية إلى أقصي حد ممكن.
4. الإستراتيجية الأمريكية في أعقاب أحداث 11 سبتمبر2001، والتي شملت إستراتيجية "الهيمنة السريعة"، و"الضربة الإستباقية"، و"إسقاط النظم الحاكمة في الدول المناوئة"، وذلك من خلال عمليات عسكرية، أو حصار اقتصادي وسياسي، وكلاهما مصحوب بشن حرب نفسية رادعة.
5. العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، الذي تميز بشن عمليات نفسية من كلا الطرفين في وقت واحد؛ كل منهما يريد أن يفرض إرادته على الآخر. كما تميزت العمليات النفسية في هذه المعركة، بالتزامن بين العمليات العسكرية والحملات النفسية، وبما يضاعف تأثيرها.
6. العدوان الإسرائيلي على غزة 2008 – 2009. وقد كان شن العمليات النفسية من جانب إسرائيل فقط، مع بعض محاولات من الفلسطينيين كردود فعل للتأثير على الخصم. وتميزت العمليات النفسية في هذا العدوان، بتكثيف عمليات الخداع، والتعتيم على جرائم الحرب وإدعاء الضعف، من أجل جذب رأي عام عالمي مؤيد لإسرائيل.
ومن خلال تحليل تلك الأحداث، فإن الهدف الرئيسي من العمليات النفسية يجب أن يتحقق باستخدام حقائق ترمي إلى تحقيق أهداف معاكسه ينجذب الخصم إليها، وهو ما يعتمد على نشر الشائعات وقلب الحقائق نفسها، وتحليل مضمونها بأسلوب مؤثر على العدو؛ كذلك يتحقق الهدف من خلال المصداقية للوفاء بعهود فيما لو انصاع الطرف الآخر لتنفيذ الإجراءات، التي يطلب منه تنفيذها من خلال المنشورات أو الإذاعات، أو غيرها.
ومن جهة أخرى، يمكن أن تتحدد أهداف الحرب النفسية من خلال مستويات الإطار الزمني والمكاني، بمعني "العمليات النفسية الإستراتيجية، والعمليات النفسية التكتيكية".
فالعمليات النفسية الإستراتيجية تهدف إلى تحقيق الاتصال الجماهيري، والذي يوجه إلى جمهور كبير ينتشر على مساحة واسعة، وتكون العمليات النفسية في هذه الحالة غير محددة بزمان أو مكان، ويكون هدفها التأثير على الآراء ووجهات النظر والسلوك في الخارج، في سبيل مساعدة الأهداف القومية للدولة.
وقد يستخدم في العمليات النفسية الإستراتيجية أكثر من عنصر من عناصر الحرب (سياسي – عسكري – اقتصادي – ثقافي)، ويكون هدفها هو إضعاف مقاومة العدو، أو مطالبة الشعب بالتعاون مع القوات المتقدمة، والعمل على عرقلة المجهود الحربي للدولة (عسكرياً)، أو التمرد على النظام (سياسياً)، أو التخريب ونشر الفوضى (داخلياً).
وتنقسم العناصر الرئيسية المستهدفة من العمليات النفسية إلى ثلاثة عناصر أساسية، هي: الجمهور المستهدف، والرسائل، وقنوات البث:
العنصر الأول: ينقسم الجمهور المستهدف إلى ثلاثة أقسام فرعية، هي:
أ. المواطنون: وهم يمثلون الهدف الأكثر أهمية، حيث يتطلب قرار الحرب إقناع مواطني الدولة، وقواتها المسلحة بعدالة القضية، والموافقة على التضحية من أجل تحقيق النصر.
ب. العدو: الذي ستواجهه الدولة، وهو ينقسم بدوره إلى الجيش والمدنيين. ويكمن الهدف من العمليات النفسية هنا، في إقناع العدو بأن ينزع عنه الأمل في النصر، وأن هذا الهدف ضائع؛ وكلما انتهت الحرب مبكراً كان ذلك أفضل لهذا العدو، ومن أجل ذلك، يكون استعراض معطيات القوة والخبرة التاريخية، لتحقيق أهداف الحرب النفسية.
ج. الجمهور المحايد: وهو يمثل الرأي العام الإقليمي أو العالمي، والذي ليس له علاقة مباشرة بالصراع، والهدف هنا هو كسب تعاطفهم، أو – على الأقل – منعهم من مساندة العدو.
والعنصر الثاني: الرسائل: سواء الموجهة للجماهير وسكان المنطقة، أو للعدو. وإذا كانت الرسائل الموجهة للجماهير تستند إلى أساليب إقناع، فإن الرسائل الموجهة للعدو يجب أن تركز على انعدام الأمل في النصر، وغرس الخوف، والتسبب في الارتباك والتردد والرضوخ للاستسلام، أو الهروب من ميدان الحرب.
والعنصر الثالث: هو قنوات البث: وهي الطرق المستخدمة في نقل الرسائل وطرق الاتصال الجماهيري، حيث تُستخدم كل الطرق الإعلامية والوسائل الممكنة، إلى جانب العملاء والمنشورات والتي ينبغي أن تصاغ بصورة علمية سليمة وبأسلوب جذاب، ولغة واضحة ومفهومة للجماهير المخاطبة.
وعلي ذلك.. فإذا نظرنا إلى الهدف من العمل النفسي نظرة فاحصة، نجد أن كل الحروب التقليدية والأعمال السياسية والاقتصادية ما هي إلا صورة من صور العمليات النفسية، التي تهدف إلى إقناع أو إجبار الخصم وفرض الإرادة عليه.
سادساً: مجالات تحقيق أهداف العمليات النفسية
1. المجال السياسي، ويهدف إلي:
أ. تحطيم وحدة الجبهة الداخلية للدولة المعادية، وخلق التناقضات بين فئاتها.
ب. بث الشك واليأس في إمكانية العدو (الخصم) على الصمود والتصدي، وتحقيق النصر.
ج. تشكيك الجبهة المستهدفة في قياداتها السياسية والعسكرية، وزعزعة إيمانها بمبادئها وأهدافها.
د. ردع الدولة المعادية وإرغامها على التخلي عن الأعمال العسكرية، وتحطيم تحالفاتها السياسية.
هـ. دعم روح المعارضة والعناصر المقاومة والتجمعات والأحزاب المناهضة، والعمل على إيجاد مثل هذه الفئات.
و. وفي الوقت نفسه يهتم المجال السياسي في العمليات النفسية بتأكيد وحدة الصف في الجبهة الداخلية الصديقة، والتأكيد على النصر، وتعبئة الشعب نحو شرعية المعركة.
2. المجال الاجتماعي
توجه أساساً إلى الجبهة الداخلية للدولة، لضمان تحقيق أهداف محددة، يتمثل أهمها في الآتي:
أ. التشكيك في المبادئ والعقائد والأيديولوجيات من طريق إثارة الفتن والنعرات القبلية والعرقية والنزعات الطائفية في المجتمع الداخلي للدولة الهدف، وبالدرجة التي تؤدي إلى التشكيك في عدالة القضايا الوطنية.
ب. العمل على زعزعة ثقة الأفراد والجماعات في نظام الحكم، وإثارة الفرقة وافتعال الأزمات بينهما.
ج. محاولة النيل من ثقة الشعب في قواته المسلحة، والعمل على أن يفقد الشعب الثقة في نظامه الاقتصادي والاجتماعي.
د. توجيه الرأي العام إلى اتجاهات خاطئة أو سياسات فاشلة، من جهة الحكومة أو الحكام.
هـ. وفي هذا السياق، فإن العمليات النفسية تؤكد على وحدة الجبهة الداخلية الصديقة، وتدعو الجهود للمشاركة الفعالة في التعبئة لتحقيق الهدف.
3. المجال العسكري
أصبحت العمليات النفسية في المجال العسكري في الوقت الحالي، إحدى الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة في الدول المتقدمة. وأصبحت مهامها ذات تأثير قد يفوق تأثيرات الأفرع الأخرى؛ لذلك، فإن التخطيط العسكري للعمليات النفسية يواكب التخطيط العام للعملية بالكامل وينسق على أعلي المستويات، بهدف تحقيق أهدافه، سواء لدعم قدرات ومعنويات القوات، أو من أجل التأثير السلبي على قوات العدو وتشتيت جهودها، وإفقادها القدرة على القتال. وتتعدد الأهداف كالآتي:
أ. التهيئة والتعبئة النفسية للقوات المسلحة وأفراد الشعب
من أجل زيادة الاستعداد النفسي بين أفراد القوات المسلحة. وهي مرحلة تبدأ قبل بدء المرحلة التحضيرية للحرب، لزيادة الثقة ولرفع الروح المعنوية لدى أفراد الشعب، وتمتد أثناء الصراع المسلح بهدف الحفاظ على الروح المعنوية للشعب وقواته المسلحة، ودعم الثقة في تحقيق النصر.
ب. إنشاء جدار عازل تجاه ما يقوم به العدو من عمليات نفسية، والعمل على عدم وصول هذه العمليات إلى القوات، وإزالة أي آثار لها فيما لو نجح العدو في توصيلها.
ج. قهر الدوافع النفسية لأفراد القوات المسلحة
لا جدال أن الدوافع النفسية (خوف – تعب – ذعر – ملل)، والتي تكمن في أعماق المقاتلين، نتيجة لتعرضهم للظروف القاسية، ومنها الوفاة، وأنواع الحرمان النفسي، يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالإحباط ما يستلزم معه التقليل من التأثير الناتج عن تلك الدوافع الخاصة بعدالة القتال ضد العدو، ورفع الروح المعنوية بشتى الوسائل، مع التأكيد على انتظام النواحي الإدارية والطبية والترفيهية، فضلاً عن توعية الأفراد بوسائل العدو المتوقعة في الحملات النفسية.
د. شن الحرب النفسية ضد العدو
بهدف قتل الروح المعنوية لدى قوات العدو، وفقد الثقة بين قيادته وقواته على جميع المستويات، وهو ما يتطلب تدرج خطط الحرب النفسية على المستويات الإستراتيجية والتعبوية والتكتيكية. وتتحدد الأهداف في الآتي:
(1) قتل الروح المعنوية للقوات المسلحة، والشعب المستهدف.
(2) إحداث شرخ في الثقة بين القيادات والقوات.
(3) إغراء القوات المعادية بالتسليم أو الهروب أو العصيان، نظير امتيازات تتحقق لهم، وبما يؤدي إلى فقد السيطرة على قوات العدو وخلخلة دفاعاته.
(4) ترسيخ فكر الهزيمة في عقول الجانب المضاد، وعلى المستويات كافة.
4. المجال الاقتصادي
أصبح العامل الاقتصادي ذا تأثير كبير في قدرات الدولة، وتحركها خارجياً وداخلياً. ويتوقف تقييم الحالة النفسية للدولة على القدرة الاقتصادية، ومدي تلبية احتياجات الفرد وإشباعه. ومن خلال ذلك تتحدد اتجاهات العمل النفسي وأهدافه، خاصة في ظل النظام العالمي الجديد، بما يمنح القوة الاقتصادية ميزة على باقي قوى الدولة الشاملة؛ ولذلك فإن العمليات النفسية تحقق أهدافاً رئيسية فيما لو وجهت جهودها نحو اقتصاد الدولة المعادية، وإبراز قدرة التأثير على مصادر الاقتصاد، وتأثير الحصار في قدرة حصول الشعب والقوات المسلحة على قوتهم اليومي.
سابعاً: المبادئ الرئيسية للعمليات النفسية الحديثة
يُعد العمل النفسي، منهجاً علمياً يتطلب تنظيماً وإرادة ومتابعة علمية، تبني على أسس ومبادئ رئيسية تضمن لها النجاح، ومن أهمها:
1. تكامل المعلومات ودقتها، مع المعرفة العميقة بالدول المعادية
لا بد أن يحرص المخطط على تكامل معلوماته عن الهدف المخاطب، كما عليه أن يتأكد من دقة هذه المعلومات، حتى يتحقق التأثير المطلوب من استخدامها.
2. الاستغلال الأمثل للدوافع والحاجات الأساسية
وتحدد من خلالها الأولوية والأهمية الخاصة لكافة الاحتياجات الأساسية، وتوظيفها التوظيف الأمثل؛ مثل الموقف الذي قد يتعرض إليه المقاتل (الجوع – العطش – الإجهاد النفسي – المعرفة – إلخ)، ثم استغلال الدوافع الثانوية كالتقدير الجماعي والانتماء، في الضغط على الفرد والجماعة.
3. استغلال العمليات العقلية الشعورية واللاشعورية
وهي ما يطلق عليها الحيل الدفاعية بأنواعها (شعورية – لاشعورية)، وتُعد من
أساليب الألتواء
العمليات النفسيه
أصبحت العمليات النفسية من أهم الآليات التي تدعم الصراع المسلح، ذلك أن الإستراتيجيات الحديثة حددت إحداث 100% خسائر في الروح المعنوية للعدو، إلى جانب 50% خسائر مادية، قبل توجيه أي هجوم بري حاسم. ويأتي قتل الروح المعنوية كأحد إجراءات العمليات النفسية الملازمة لعمليات عسكرية، تخطط بأسلوب علمي ونفسي سليمين. وقد أصبحت العمليات النفسية عاملاً رئيسياً في إدارة الصراعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من أجل تحقيق هدفٍ محددٍ يحقق مصالح الخصم بين الدول والقوى المختلفة؛ فضلاً عن أنها تمثل إحدى أدوات فرض الإرادة على الطرف الآخر، قبل القضاء عليه واحتوائه.
وتعتمد العمليات النفسية الحديثة على قاعدة سيكولوجية، تستهدف التأثير على اتجاهات الهدف (الأهداف المخاطبة) وسلوكياته، حيث يلجأ المخطط إلى الطرق والأساليب التي تؤثر على الإدراك الإنساني لإحداث التغيير (لدى العدو) في اتجاهاته وقيمه وإرادته وأفكاره، قبل نشوب الصراع المسلح.
أما خلال نشوب الصراع المسلح، فيركز مخططوا العمليات النفسية – من خلال المضمون نفسه للتأثيرات السابقة – على إشاعة حالة من الذعر والذهول الجماعي، تؤدي إلى إثارة القلق واضطراب السلوك، ومن ثَم تدمير الروح المعنوية وإرادة القتال لدى الخصم، أو تجعله يتخذ إجراءات خارج قدراته، من أجل تحقيق التوازن أو إثبات الوجود أو تصعيد المنافسة، وبما يؤدي إلى نتائج عكسية مؤثرة، قد تطيح النظام الحاكم أو الدولة نفسها.
بمعني أن مجال العمليات النفسية يتخصص في السيطرة على المعلومة الموجهة لجماهير بمختلف فئاتها؛ خاصة إلى عدو قائم وموجود، أو احتمال وجود هذا العدو.
وترتبط العمليات النفسية رباطاً وثيقاً بعلم النفس الاجتماعي، الذي يهتم بدراسة تركيب التنظيمات الاجتماعية ووظيفتها، ويركز جهوده على دراسة سلوك الفرد في المجتمع، وما ينتج عنها من مؤثرات على تكوين الجماعات الاجتماعية والتفاعلات بين الأفراد. كذلك فإن الحرب النفسية والدعاية كلتيهما عنصران قديمان قدم الجنس البشري نفسه؛ لكنهما أخذتا في العصر الحديث طابع التخصص ما جعلهما يبرزان في الأضواء كموضوعين منفصلين.
وهناك العديد من دروس التاريخ التي حددت إستراتيجية استخدام الحرب النفسية في حسم المعارك الكبرى. وقد أشار إليها المفكر "ليدل هارت" في كتابه" الإستراتيجية وتاريخ العالم"، ونذكر منها على سبيل المثال:
1. أن الحيلة أساس فن الحرب، لذا ينبغي التظاهر بالعجز، عندما تتوافر القدرة على الهجوم، والتظاهر بعدم العمل، عند الرغبة في استخدام الجيوش، وإقناع العدو بأننا بعيدون عندما نكون على مقربة منه، وبأننا قريبون، ونحن بعيدون عنه.
2. أن أفضل الأعمال العسكرية، هي تحطيم مقاومة العدو، من دون قتال.
3. سينتصر من أتقن فن الخداع؛ لأنه فن المناورة.
4. أن أعظم انتصار وأنجحه هو إرغام العدو على التخلي عن مشروعاته وخططه، من دون أن يتحمل الطرف الآخر أي خسائر.
5. علينا أن ندرك أن القدرة العسكرية هي عامل واحد من عوامل الإستراتيجية العليا، التي يدخل في حساباتها قوة الضغط المالي أو السياسي أو الدبلوماسي أو التجاري أو المعنوي؛ وكلها عوامل مهمة لإضعاف إرادة الخصم.
6. أن المفاجأة في الحقل المعنوي تتطلب حسابات أصعب من حسابات الحقل المادي، وتتعلق بشروط مختلفة تؤثر على إرادة الخصم، وتختلف في كل حالة من الحالات.
7. أن الانتصارات التي تحدث من دون إراقة دماء، تعد شيئاً نادراً في التاريخ؛ ولكن قدرتها لاتقلل من قيمتها بل تزيدها؛ فهي تسلط الأضواء على الإمكانيات الكامنة في الإستراتيجية والإستراتيجية العليا، وفي الحرب النفسية.
8. يكون التفتيت لقدرة العدو في الحقل النفسي من خلال التأثير على أفكار القائد، ويزداد التأثير فجأة عندما يرى القائد أنه في موقف غير ملائم، ولديه شعور بالعجز عن مقاومة حركة عدوه. وهي الفكرة التي استفاد منها شيرمان في نهاية القرن التاسع عشر بتنفيذ إستراتيجية "وضع العدو في حالة تستولي الحيرة فيها عليه".
9. أن القائد الألماني الشهير "لودندورف"، الذي قاد القوات الألمانية في الحرب العالمية الأولي، حدد هدفه الإستراتيجي: "في تفتيت مقاومة العدو، وشل قدرته، وليس قتله". ويدلل على ذلك أن قتل جندي من جنود العدو يعني إنقاص عدد الأعداء واحداً، أما تحطيم معنوياته فيعني بذر بذور الخوف والهلع في صفوف الأعداء، وبما يعجل بهزيمتهم.
10. لنابليون بونابرت مقوله مشهورة: "أن الروح المعنوية هي ثلاثة أرباع عوامل النصر".
وفي إسرائيل فإن كلمة "الدعاية" هي المستخدمة كبديل لمصطلح الحرب النفسية، وتنطلق مبادئها واستخداماتها من المفهوم الدارج والمأخوذ عن الوسائل الأمريكية في هذا الاتجاه.
ومن ثَم، فإن العمليات النفسية تاريخياً، وحثي نهاية القرن التاسع عشر، اعتمدت على العديد من الوسائل، أهمها: "الخداع عن طريق الحيل والإيهام وإثارة القلق والشتائم والتصدي لإدعاءات العدو وتفنيدها وإبراز القوة والتفوق والتحقير من شأن العدو وإطلاق الشائعات والإغراء والتضليل والوعد الكاذب والإرهاب واستغلال الخلافات الدينية والعقائدية".
أولاً: تطور مفهوم العمليات النفسية الحديثة
من المعروف أن أول تعريف للحرب النفسية وضعه الخبراء العسكريون الأمريكيون، وهو "استخدام أي وسيلة بقصد التأثير على الروح المعنوية، وعلى سلوك أي جماعة لغرض عسكري معين". ثم تطور هذا التعريف من قبل مدرسة القوات البرية الأمريكية "لتتضمن الحرب النفسية استخدام الدعاية ضد عدو، مع استخدام عمليات عسكرية، أو إجراءات أخرى، تدعو الحاجة إليها لتكملة مثل هذه الدعاية".
ثم صدر بعد ذلك المعجم الأمريكي للحرب النفسية، وهو يتضمن تعريفاً مطوراً هو أن :"الحرب النفسية هي استخدام مخطط من جانب الدولة في وقت الحرب، أو في وقت الطوارئ، لإجراءات دعائية بقصد التأثير على آراء وعواطف ومواقف وسلوك جماعة أجنبية معادية، أو محايدة، أو صديقة، بطريقة تعين على تحقيق سياسة الدولة وأهدافها".
وبعد ثلاث سنوات من هذا التعريف، صدرت طبعة جديدة من هذا المعجم، تطور تعريف الحرب النفسية فيها ليصبح : "هي استخدام مخطط من جانب دولة، أو مجموعة من الدول للدعاية وغيرها من الإجراءات الإعلامية، الموجهة إلى جماعات عدائية أو محايدة، أو صديقة للتأثير على آرائها وعواطفها ومواقفها وسلوكها، بطريقة تعين على تحقيق سياسة الدولة وأهدافها".
وكان هذا التعريف هو الأول الذي يشير إلى أن العمليات النفسية تتم خلال كل الأوقات، ولا تتوقف على أوقات الحرب أو الصراع، وهو ما يعني التطبيق العملي للتعريف الذي درج استخدامه في البحرية الأمريكية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والذي كان يشير إلى أن المهمة الرئيسية للحرب النفسية هي "فرض الإرادة على العدو بغرض التحكم في أعماله بطرق غير عسكرية، ووسائل غير الوسائل الاقتصادية".
يذكر الجنرال الأمريكي "مارك كلارك"، "أن التغيير الواسع للحرب النفسية يتضمن أي عمل من شأنه أن يجبر العدو على أن يحول رجاله وعتاده من الجبهة النشطة، أو تجعله يقيد رجاله وأسلحته استعدادا لصد هجوم لن يأتي". كما كان أفضل التعاريف للحرب النفسية والعسكرية، هو الذي كتبه عالم الاجتماع "بول لينبارجر"، في كتابه "الحرب النفسية"، وقد عرفها من خلال مجالين:
الأول: بمعناها الضيق: "بأنها استخدام الدعاية ضد العدو مع إجراءات عملية أخرى ذات طبيعة عسكرية، أو اقتصادية، أو سياسية، مما تتطلبه الدعاية".. وفي هذا المجال فإنه يعرف الدعاية العسكرية: "بأنها استخدام مخطط لأي شكل من أشكال الإعلام، بقصد التأثير في عقول وعواطف مجموعة معادية أو محايدة أو صديقة، وبهدف تحقيق غرض إستراتيجي أو تكتيكي معين".
الثاني: بمعناها الواسع، حيث يعرفها بأنها "تطبيق لبعض أجزاء علم النفس لمعاونة المجهودات، التي تبذل في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية".
وفي هذا السياق، تطرق الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في كتابة "نصر بلا حرب" إلى تعريف سياسي/إستراتيجي للحرب النفسية، بأنها: "النضال من أجل عقول الرجال وإرادتهم"، وربط ذلك بإستراتيجية أمريكا حيال الحرب الباردة، وقال: "يجب أن نكيف سياستنا الخارجية، حتي نوائم إستراتيجية الحرب الباردة من خلال الوحدة والتماسك، وأن يكون في روحنا وعزيمتنا الإصرار على أن نحصل في هذه الحرب على نصر دون خسارة في الأرواح، وكي نفوز في نضال من أجل السلام".
ثانياً: الفارق بين العمليات النفسية والحرب النفسية
يخلط الناس ـ عادة بين "العمليات النفسية" و"الحرب النفسية"، أو قد يلجأ بعضهم – متعمداً- إلى الخلط بينهما؛ ولكن الحقيقة تشير إلى فارق دقيق في العلاقة بينهما، ذلك أن الحرب النفسية هي بمثابة جزء من العمليات النفسية التي تتصف بالشمولية. وعلى ذلك تتحدد الفروق من خلال الآتي:
1. أن العمليات النفسية توجه إلى الدول والجماعات (معادية – صديقة – محايدة – حليفة)، بينما توجه الحرب النفسية إلى أفراد وجماعات الدول المعادية فقط.
2. أن العمليات النفسية – طبقاً لمفهوم الهدف النفسي – تهدف إلى التأثير في آراء وانفعالات وسلوك الأفراد والجماعات (السياسية – الاقتصادية – الاجتماعية – العسكرية)، لإقناعهم بوجهة نظر المخطط؛ بينما هدف الحرب النفسية الرئيسي هو تحطيم القوي المعنوية للشعب والقوات المسلحة المعادية، وخفض القدرة على القتال.
3. من منظور البعد الأمني، فإن العمليات النفسية مستمرة في جميع الأوقات، تدار في أوقات السلم والتوتر والحرب وما بعدها؛ بينما يقتصر استخدام الحرب النفسية على أوقات التوتر والصراع المسلح فقط.
4. تستخدم العمليات النفسية كافة الطرق والوسائل والأساليب؛ بينما تستخدم الحرب النفسية الطرق والوسائل والأساليب ذات الصفة المعادية فقط.
5. تستخدم العمليات النفسية على كافة المستويات {إستراتيجي – تعبوي (سوقي) – تكتيكي (ميداني)}؛ بينما يبرز استخدام الحرب النفسية على المستويين التعبوي والتكتيكي.
ثالثاًً: مفهوم العمليات النفسية الحديثة
من كل ماسبق يمكن تحديد مفهوم العمليات النفسية الحديثة بأنها:
"استخدام مخطط من جانب الدولة أو مجموعة من الدول للطرق والوسائل والأساليب النفسية، التي توجه أو تشن ضد الدولة المعادية أو الحليفة والصديقة والمحايدة، للتأثير على آرائها وعواطفها ومواقفها وسلوكها بطريقة تساعد على تحقيق أهداف الدولة، أو الدول المستخدمة. وهي تهدف إلى خلق وتشكيل الرأي وتنميته من خلال وسائل الإعلام وتعديل وتغيير اتجاهات الرأي العام بواسطة الدعاية والدعاية المضادة والخداع والحركة. كما أنها تُعد بمثابة التهيئة والتعبئة النفسية للرأي والاتجاهات حول قضية ما، سواء سلماً أو حرباً". وهي تتميز بالآتي:
1. يكون التخطيط لها على أعلى مستوى في أجهزة الدولة، أو مجموعة من الدول.
2. تستمر قبل وأثناء وبعد الأزمة، خاصة في مرحلة تصاعد الأزمة في الصراع المسلح.
3. تعدد استخدام طرق ووسائل وأساليب وآليات العمل النفسي.
4. تُشن ضد الجماعات وتوجه للدول الحليفة والصديقة والمحايدة والمعادية في وقت واحد، وتختلف باختلاف الهدف.
5. تتضمن العمليات النفسية أكثر من حملة نفسية (إعلامية – دعائية – إعلانية – علاقات عامة)، ويحدد لكل حملة هدف مخاطب، ومهام نفسية محددة.
6. قد تكون عمليات الحرب النفسية قصيرة أو بعيدة المدى، حيث تشمل أنشطة العمليات قصيرة المدى:
" الدعاية الإستراتيجية – دعايات القتال أو الدعايات المتخصصة، التي تشن العمليات من أجل تحقيقها – نشر وإشاعة الأخبار للتأثير على معنويات العدو – تنظيم إجراءات الخداع بطريقة منظمة ومحكمة – إجراءات الدعاية السرية".
بينما تتضمن العمليات النفسية بعيدة المدى: نشر الأخبار بطريقة مستمرة وبوسائل شتى، بغرض دعم السياسة الخارجية للدولة، وبناء رأي عام مساند للقوات ومعاد للطرف الآخر، إلى جانب الوسائل السابقة، والتي يتم تنظيمها على فترات زمنية طويلة.
رابعاً: مفهوم الحرب النفسية
تعرف الحرب النفسية بأنها :"استخدام أي وسيلة بهدف التأثير على الروح المعنوية للخصم فقط، وعلى سلوك أي جماعة لغرض عسكري معين".
ويرتكز هذا التعريف على نقطتين رئيستين:
1. اقتصار العمل النفسي على الروح المعنوية، وهي جزء من العمل النفسي الشامل للتأثير على أفكار واتجاهات وسلوكيات الفرد عن قناعة، لرفع أو خفض الروح المعنوية لوقت محدد دون أن تكون هناك قناعة للدوافع والمؤشرات.
2. إنها ترتبط بغرض عسكري محدد، أي لا يبرر استخدامها إلا وقت الصراع المسلح، وعلى ذلك فإن الحرب النفسية ليست أفضل أو أسوأ من غيرها من الصراعات الدولية، والاختلاف الأساسي أن الإنسان لا يصاب فيها بضرر جسماني مادي إذا ما قورنت بحروب الأسلحة الأخرى. أما من ناحية تكاليفها، فلا يمكن مقارنة آثارها البالغة على العدو، مقارنة بنفقاتها.
خامساً: أهداف العمليات النفسية الحديثة
عندما نتعمق في تحديد أهداف العمليات النفسية في التاريخ المعاصر، فعلينا أن نستعرض سير ونتائج بعض الأحداث المهمة المؤثرة، والتي شغلت العالم على مدى نصف القرن الماضي وحتى الآن، واستخدمت فيها العمليات النفسية بكثافة. وهذه الأحداث مرتبة زمنياًً، تتمثل في الآتي:
1. تطور مجريات وأحداث الحرب الباردة، التي دارت رحاها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، واستمرت على مدى حوالي أربعة عقود، وانتهت بانتصار حاسم للولايات المتحدة الأمريكية، والتحول من نظام عالمي ثنائي القوة إلى نظام أحادي القوة، تتربع فيه الولايات المتحدة على قمة العالم.
2. أحداث حرب الخليج الثانية عام 90/1991، التي استخدمت فيها الحرب النفسية بأسلوب جديد ومباشر، يهدف إلى قتل الروح المعنوية للشعب والقوات العسكرية العراقية بنسبة 100%، قبل شن الهجوم البري الرئيسي لضمان نجاحه.
3. حرب البلقان عام 1999، التي نُفذت فيها نظرية "مبدأ" كلينتون، التي تشير إلى تحقيق نصر سياسي من خلال ضربات نيرانية حاسمة، دون شن حرب برية بهدف تقليل الخسائر الأمريكية إلى أقصي حد ممكن.
4. الإستراتيجية الأمريكية في أعقاب أحداث 11 سبتمبر2001، والتي شملت إستراتيجية "الهيمنة السريعة"، و"الضربة الإستباقية"، و"إسقاط النظم الحاكمة في الدول المناوئة"، وذلك من خلال عمليات عسكرية، أو حصار اقتصادي وسياسي، وكلاهما مصحوب بشن حرب نفسية رادعة.
5. العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، الذي تميز بشن عمليات نفسية من كلا الطرفين في وقت واحد؛ كل منهما يريد أن يفرض إرادته على الآخر. كما تميزت العمليات النفسية في هذه المعركة، بالتزامن بين العمليات العسكرية والحملات النفسية، وبما يضاعف تأثيرها.
6. العدوان الإسرائيلي على غزة 2008 – 2009. وقد كان شن العمليات النفسية من جانب إسرائيل فقط، مع بعض محاولات من الفلسطينيين كردود فعل للتأثير على الخصم. وتميزت العمليات النفسية في هذا العدوان، بتكثيف عمليات الخداع، والتعتيم على جرائم الحرب وإدعاء الضعف، من أجل جذب رأي عام عالمي مؤيد لإسرائيل.
ومن خلال تحليل تلك الأحداث، فإن الهدف الرئيسي من العمليات النفسية يجب أن يتحقق باستخدام حقائق ترمي إلى تحقيق أهداف معاكسه ينجذب الخصم إليها، وهو ما يعتمد على نشر الشائعات وقلب الحقائق نفسها، وتحليل مضمونها بأسلوب مؤثر على العدو؛ كذلك يتحقق الهدف من خلال المصداقية للوفاء بعهود فيما لو انصاع الطرف الآخر لتنفيذ الإجراءات، التي يطلب منه تنفيذها من خلال المنشورات أو الإذاعات، أو غيرها.
ومن جهة أخرى، يمكن أن تتحدد أهداف الحرب النفسية من خلال مستويات الإطار الزمني والمكاني، بمعني "العمليات النفسية الإستراتيجية، والعمليات النفسية التكتيكية".
فالعمليات النفسية الإستراتيجية تهدف إلى تحقيق الاتصال الجماهيري، والذي يوجه إلى جمهور كبير ينتشر على مساحة واسعة، وتكون العمليات النفسية في هذه الحالة غير محددة بزمان أو مكان، ويكون هدفها التأثير على الآراء ووجهات النظر والسلوك في الخارج، في سبيل مساعدة الأهداف القومية للدولة.
وقد يستخدم في العمليات النفسية الإستراتيجية أكثر من عنصر من عناصر الحرب (سياسي – عسكري – اقتصادي – ثقافي)، ويكون هدفها هو إضعاف مقاومة العدو، أو مطالبة الشعب بالتعاون مع القوات المتقدمة، والعمل على عرقلة المجهود الحربي للدولة (عسكرياً)، أو التمرد على النظام (سياسياً)، أو التخريب ونشر الفوضى (داخلياً).
وتنقسم العناصر الرئيسية المستهدفة من العمليات النفسية إلى ثلاثة عناصر أساسية، هي: الجمهور المستهدف، والرسائل، وقنوات البث:
العنصر الأول: ينقسم الجمهور المستهدف إلى ثلاثة أقسام فرعية، هي:
أ. المواطنون: وهم يمثلون الهدف الأكثر أهمية، حيث يتطلب قرار الحرب إقناع مواطني الدولة، وقواتها المسلحة بعدالة القضية، والموافقة على التضحية من أجل تحقيق النصر.
ب. العدو: الذي ستواجهه الدولة، وهو ينقسم بدوره إلى الجيش والمدنيين. ويكمن الهدف من العمليات النفسية هنا، في إقناع العدو بأن ينزع عنه الأمل في النصر، وأن هذا الهدف ضائع؛ وكلما انتهت الحرب مبكراً كان ذلك أفضل لهذا العدو، ومن أجل ذلك، يكون استعراض معطيات القوة والخبرة التاريخية، لتحقيق أهداف الحرب النفسية.
ج. الجمهور المحايد: وهو يمثل الرأي العام الإقليمي أو العالمي، والذي ليس له علاقة مباشرة بالصراع، والهدف هنا هو كسب تعاطفهم، أو – على الأقل – منعهم من مساندة العدو.
والعنصر الثاني: الرسائل: سواء الموجهة للجماهير وسكان المنطقة، أو للعدو. وإذا كانت الرسائل الموجهة للجماهير تستند إلى أساليب إقناع، فإن الرسائل الموجهة للعدو يجب أن تركز على انعدام الأمل في النصر، وغرس الخوف، والتسبب في الارتباك والتردد والرضوخ للاستسلام، أو الهروب من ميدان الحرب.
والعنصر الثالث: هو قنوات البث: وهي الطرق المستخدمة في نقل الرسائل وطرق الاتصال الجماهيري، حيث تُستخدم كل الطرق الإعلامية والوسائل الممكنة، إلى جانب العملاء والمنشورات والتي ينبغي أن تصاغ بصورة علمية سليمة وبأسلوب جذاب، ولغة واضحة ومفهومة للجماهير المخاطبة.
وعلي ذلك.. فإذا نظرنا إلى الهدف من العمل النفسي نظرة فاحصة، نجد أن كل الحروب التقليدية والأعمال السياسية والاقتصادية ما هي إلا صورة من صور العمليات النفسية، التي تهدف إلى إقناع أو إجبار الخصم وفرض الإرادة عليه.
سادساً: مجالات تحقيق أهداف العمليات النفسية
1. المجال السياسي، ويهدف إلي:
أ. تحطيم وحدة الجبهة الداخلية للدولة المعادية، وخلق التناقضات بين فئاتها.
ب. بث الشك واليأس في إمكانية العدو (الخصم) على الصمود والتصدي، وتحقيق النصر.
ج. تشكيك الجبهة المستهدفة في قياداتها السياسية والعسكرية، وزعزعة إيمانها بمبادئها وأهدافها.
د. ردع الدولة المعادية وإرغامها على التخلي عن الأعمال العسكرية، وتحطيم تحالفاتها السياسية.
هـ. دعم روح المعارضة والعناصر المقاومة والتجمعات والأحزاب المناهضة، والعمل على إيجاد مثل هذه الفئات.
و. وفي الوقت نفسه يهتم المجال السياسي في العمليات النفسية بتأكيد وحدة الصف في الجبهة الداخلية الصديقة، والتأكيد على النصر، وتعبئة الشعب نحو شرعية المعركة.
2. المجال الاجتماعي
توجه أساساً إلى الجبهة الداخلية للدولة، لضمان تحقيق أهداف محددة، يتمثل أهمها في الآتي:
أ. التشكيك في المبادئ والعقائد والأيديولوجيات من طريق إثارة الفتن والنعرات القبلية والعرقية والنزعات الطائفية في المجتمع الداخلي للدولة الهدف، وبالدرجة التي تؤدي إلى التشكيك في عدالة القضايا الوطنية.
ب. العمل على زعزعة ثقة الأفراد والجماعات في نظام الحكم، وإثارة الفرقة وافتعال الأزمات بينهما.
ج. محاولة النيل من ثقة الشعب في قواته المسلحة، والعمل على أن يفقد الشعب الثقة في نظامه الاقتصادي والاجتماعي.
د. توجيه الرأي العام إلى اتجاهات خاطئة أو سياسات فاشلة، من جهة الحكومة أو الحكام.
هـ. وفي هذا السياق، فإن العمليات النفسية تؤكد على وحدة الجبهة الداخلية الصديقة، وتدعو الجهود للمشاركة الفعالة في التعبئة لتحقيق الهدف.
3. المجال العسكري
أصبحت العمليات النفسية في المجال العسكري في الوقت الحالي، إحدى الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة في الدول المتقدمة. وأصبحت مهامها ذات تأثير قد يفوق تأثيرات الأفرع الأخرى؛ لذلك، فإن التخطيط العسكري للعمليات النفسية يواكب التخطيط العام للعملية بالكامل وينسق على أعلي المستويات، بهدف تحقيق أهدافه، سواء لدعم قدرات ومعنويات القوات، أو من أجل التأثير السلبي على قوات العدو وتشتيت جهودها، وإفقادها القدرة على القتال. وتتعدد الأهداف كالآتي:
أ. التهيئة والتعبئة النفسية للقوات المسلحة وأفراد الشعب
من أجل زيادة الاستعداد النفسي بين أفراد القوات المسلحة. وهي مرحلة تبدأ قبل بدء المرحلة التحضيرية للحرب، لزيادة الثقة ولرفع الروح المعنوية لدى أفراد الشعب، وتمتد أثناء الصراع المسلح بهدف الحفاظ على الروح المعنوية للشعب وقواته المسلحة، ودعم الثقة في تحقيق النصر.
ب. إنشاء جدار عازل تجاه ما يقوم به العدو من عمليات نفسية، والعمل على عدم وصول هذه العمليات إلى القوات، وإزالة أي آثار لها فيما لو نجح العدو في توصيلها.
ج. قهر الدوافع النفسية لأفراد القوات المسلحة
لا جدال أن الدوافع النفسية (خوف – تعب – ذعر – ملل)، والتي تكمن في أعماق المقاتلين، نتيجة لتعرضهم للظروف القاسية، ومنها الوفاة، وأنواع الحرمان النفسي، يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالإحباط ما يستلزم معه التقليل من التأثير الناتج عن تلك الدوافع الخاصة بعدالة القتال ضد العدو، ورفع الروح المعنوية بشتى الوسائل، مع التأكيد على انتظام النواحي الإدارية والطبية والترفيهية، فضلاً عن توعية الأفراد بوسائل العدو المتوقعة في الحملات النفسية.
د. شن الحرب النفسية ضد العدو
بهدف قتل الروح المعنوية لدى قوات العدو، وفقد الثقة بين قيادته وقواته على جميع المستويات، وهو ما يتطلب تدرج خطط الحرب النفسية على المستويات الإستراتيجية والتعبوية والتكتيكية. وتتحدد الأهداف في الآتي:
(1) قتل الروح المعنوية للقوات المسلحة، والشعب المستهدف.
(2) إحداث شرخ في الثقة بين القيادات والقوات.
(3) إغراء القوات المعادية بالتسليم أو الهروب أو العصيان، نظير امتيازات تتحقق لهم، وبما يؤدي إلى فقد السيطرة على قوات العدو وخلخلة دفاعاته.
(4) ترسيخ فكر الهزيمة في عقول الجانب المضاد، وعلى المستويات كافة.
4. المجال الاقتصادي
أصبح العامل الاقتصادي ذا تأثير كبير في قدرات الدولة، وتحركها خارجياً وداخلياً. ويتوقف تقييم الحالة النفسية للدولة على القدرة الاقتصادية، ومدي تلبية احتياجات الفرد وإشباعه. ومن خلال ذلك تتحدد اتجاهات العمل النفسي وأهدافه، خاصة في ظل النظام العالمي الجديد، بما يمنح القوة الاقتصادية ميزة على باقي قوى الدولة الشاملة؛ ولذلك فإن العمليات النفسية تحقق أهدافاً رئيسية فيما لو وجهت جهودها نحو اقتصاد الدولة المعادية، وإبراز قدرة التأثير على مصادر الاقتصاد، وتأثير الحصار في قدرة حصول الشعب والقوات المسلحة على قوتهم اليومي.
سابعاً: المبادئ الرئيسية للعمليات النفسية الحديثة
يُعد العمل النفسي، منهجاً علمياً يتطلب تنظيماً وإرادة ومتابعة علمية، تبني على أسس ومبادئ رئيسية تضمن لها النجاح، ومن أهمها:
1. تكامل المعلومات ودقتها، مع المعرفة العميقة بالدول المعادية
لا بد أن يحرص المخطط على تكامل معلوماته عن الهدف المخاطب، كما عليه أن يتأكد من دقة هذه المعلومات، حتى يتحقق التأثير المطلوب من استخدامها.
2. الاستغلال الأمثل للدوافع والحاجات الأساسية
وتحدد من خلالها الأولوية والأهمية الخاصة لكافة الاحتياجات الأساسية، وتوظيفها التوظيف الأمثل؛ مثل الموقف الذي قد يتعرض إليه المقاتل (الجوع – العطش – الإجهاد النفسي – المعرفة – إلخ)، ثم استغلال الدوافع الثانوية كالتقدير الجماعي والانتماء، في الضغط على الفرد والجماعة.
3. استغلال العمليات العقلية الشعورية واللاشعورية
وهي ما يطلق عليها الحيل الدفاعية بأنواعها (شعورية – لاشعورية)، وتُعد من
أساليب الألتواء
العمليات النفسيه