خلال الحرب العالمية الثانية، امتلك الجنود الأمريكيون أفضل بندقية في العالم آنذاك، إنها بندقية M1 Garand السلاح الناري نصف الآلي العملي للغاية بعيار 30 ملم، في الوقت الذي اعتمدت فيه بقية جيوش العالم على البنادق اليدوية.
كان أداء M1 ممتازًا، حتى أن القائد العسكري الشهير الجنرال (جورج س. باتون) وصفها بأنها :
”أعظم أدوات المعركة التي أبدعها إنسان“.
بحلول نهاية الحرب، كانت المؤسسات العسكرية الأمريكية تعمل على زيادة الاهتمام بالأسلحة الخفيفة شبه الآلية إلى حد كبير لتحسين تسليح قواتها، وفي غضون خمس سنوات، أصبحت بندقية M1 نفسها سلاحاً قديماً وهنالك نسخ أفضل منها.
أثبتت الحرب الكورية أن تلك النسخة المتطورة قبل بضع سنوات فقط؛ أصبحت الآن عتيقة، وأهم عيوبها الوزن الزائد، وكمية الذخيرة المحدودة، والافتقار إلى الإطلاق آليًا، فتم استبدالها ببندقية M14 وهي نسخة مطورة من الطراز السابق، مع مخزن بعشرين طلقة مع القدرة على تحويلها الى الوضع التلقائي.
ورغم أنه كان هناك بالفعل تحسن هائل عن سابقتها، بيد أن حربًا برية آسيوية وقعت في فيتنام كشفت أن M14 عانت أيضًا من بعض العيوب الخطيرة، لذلك تم استبدالها ببندقية متطورة جديدة هي M16.
في نهاية المطاف، ستصبح بندقية M16 واحدة من أعظم بنادق أمريكا العسكرية في العالم، ومازالت حتى الآن بعد أكثر من نصف قرن تُستخدم عند بعض القوات الأمريكية، ومع ذلك عندما ظهرت لأول مرة عانت من بعض المشاكل الأولية الخطيرة، ما منحها آنذاك سمعة سيئة وجعلها غير محبوبة إلى حد كبير حتى تم تطويرها أخيرًا.
رقيب في فرقة المشاة الأولى يحمل بندقية M14، سلف M16، في فيتنام عام 1965
الانتقال إلى بندقية M16
عندما بدأ استخدام M14 لأول مرة في فيتنام، ظهرت عدة عيوب كبيرة أولها أن البندقية كانت مستقرة ودقيقة عند إطلاق رشقات فردية في الوضع نصف الآلي، إلا أنه كان لا يمكن السيطرة عليها فعليًا عند تحويلها إلى الوضع الآلي كليا.
من ناحية أخرى، ومع كون طلقات حلف الناتو من عيار 7.62 ملم أكثر قوة ويمكن أن تصل إلى أبعد من طلقات الكلاشنكوف AK-47 التي استخدمها خصوم الجنود الأمريكيين، كانت خراطيش M14 أثقل، وهذا الوزن يعني أن مستخدمي M14 يمكنهم حمل عدد أقل من الطلقات التي يحملها خصومهم لبنادقهم.
الأسوأ من ذلك أن المزايا العملية المقابلة للعيوب الناجمة عن الوزن الثقيل لم تكن موجودة تقريبًا، ففي معظم المواجهات، نادراً ما كانت هناك حاجة إلى المدى البعيد الذي تملكه بندقية M-14 في فيتنام، حيث كان هناك عدد قليل نسبيًا من المواجهات في أماكن مفتوحة، بل كانت التضاريس الوعرة والغطاء النباتي الكثيف يعني أن معظم الاشتباكات وقعت على مسافات قصيرة إلى متوسطة.
كانت القدرة على إطلاق النار على شخص ما على بعد 450 متراً، والتي يمكن لـM-14 القيام بها بشكل ممتاز حتى بدون منظار (وعلى بعد 820 متر أو أكثر بمنظار)، كانت غير ضرورية، ذلك أنه نادراً ما قابلت القوات الأمريكية عدوًا على مسافة تتجاوز 100 أو 200 متر.
جرى تقديم بندقية M2 Carbine كبديل بمعدل إطلاق أعلى من M-14، لكن طلقاتها كانت ضعيفة مقارنةً ببنادق كلاشينكوف AK-47، التي فاقتها عمومًا، فكانت هناك حاجة إلى بديل يوازي ميزات وتفوق بندقية AK-47 مع خراطيش بمدى متوسط. للوقوف على قدم المساواة مع الشيوعيين، احتاج الجنود الأمريكيون إلى بندقية يمكنها إطلاق طلقة أقوى من M2 Carbine أو المسدسات الرشاشة، لكنها أخف من طلقة بندقية عالية السرعة، والتي نادراً ما كانت هناك حاجة إليها في معظم الاشتباكات.
بندقية M16 الأصلية في الأعلى وبندقية M16A1 في الأسفل
وهكذا وقع جدل الاختيار بين القدرة الأكبر على إحداث إصابات قاتلة باستخدام سلاح أكثر دقة وأطول مدى، أو المزيد من الرصاص لإبقاء رأس العدو منخفضًا على المدى الأقصر، مع وجود فرصة أكبر لإصابته أو إبطائه على الأقل.
دفع النقاش السلطات العسكرية إلى إعادة التفكير في البندقية التي رفضوها في الخمسينيات من القرن العشرين وهي Armalite AR-15.
تم تصميم AR-15 استجابةً لطلب الجيش الأمريكي، بوزن أقل من 3 كيلوجرام مع مخزن بـ20 طلقة من عيار 5.56 ملم يمكن أن تخترق خوذة أمريكية على بعد 450 متراً، وتتوافق مع أو تتجاوز قدرة الإصابة القاتلة لطلقة من عيار 30 ملم، إلا أن قيادة الجيش رفضتها وظلت تستخدم بنادق M14.
أجبرتهم حرب فيتنام على إعادة النظر، وفي أوائل عام 1963 قرر وزير الدفاع (روبرت ماكنمارا) أن AR-15 كانت البندقية المتفوقة، وأمر بوقف إنتاج M14. بعد تعديلات طفيفة، دخلت AR-15 الخدمة العسكرية الأمريكية بعيار 5.56 ملم وسُميت M16.
صُنعت البندقية الجديدة من سبائك الألمنيوم الصلب ولدائن مدعمة بألياف زجاجية إضافة للفولاذ، فكانت أخف وزناً بكثير من M14 (حوالي 2.72 كيلوجرام)، كما أن خراطيشها الأخف سمحت للجنود بحمل المزيد من الذخيرة.
ومع ذلك، على الرغم من تفوقها على الورق وأثناء الاختبارات التي أدت إلى اعتمادها، أظهرت البندقية الجديدة بعض العيوب الخطيرة عندما دخلت المعركة لأول مرة.
جندي من مشاة البحرية الأمريكية يقوم بتنظيف بندقية إم 16 في فيتنام.
عيوب M16 في حرب فيتنام
تم طلب طراز M16 في شهر مارس من عام 1964، وبحلول نهاية ذلك العام تم شحن الدفعات الأولى إلى فيتنام وتوزيعها على قوات الخطوط الأمامية، فانتشرت البنادق الجديدة على نطاق واسع.
في حين أن وزن M16 الأخف مقارنةً بسلفها كان ميزة كبيرة، فقد ذكر العديد من الجنود أن البندقية الجديدة كانت عرضة للانسداد، خاصة في أحلك وأخطر اللحظات، فعندما يطلقون النار على العدو سيخيب ظنهم في الوقت الذي سيكونون فيه بأمس الحاجة لبندقيتهم.
وقبل مضي وقت طويل، انتشرت الحكايات عن دوريات تم القضاء عليها بأكملها لتُكتشف أجساد عناصرها بجوار بنادقهم المسدودة وأيديهم تمسك بقضبان التنظيف شاهدة على آخر لحظاتهم المروعة على الأرض، وقد أمضوها في محاولة إزالة الخراطيش العالقة.
سواء كانت هذه القصص حقيقية أو مبالغاً فيها، كان من الواضح أن البنادق الجديدة لديها بعض المشاكل، وأهمها أنها عرضة للانسداد، على الأقل أكثر عرضة من سابقاتها.
كانت بنادق M16 –ولا تزال سلالتها حتى يومنا هذا– في حاجة لأن تتم صيانتها جيدًا والعناية بها.
على عكس بنادق AK-47، التي تستخدم مكبساً لإخراج الطلقات الفارغة وحشو طلقات جديدة، فإن M16 تعمل على نظام اصطدام الغاز المباشر.
عندما يتم إطلاق النار من بندقية M16، فإن بعض الغازات الناتجة من انفجار الخرطوشة تخرج من فتحة صغيرة تم حفرها في السبطانة، هناك يتم إعادة توجيه الغاز عبر ماسورة مصنوعة من معدن غير القابل للصدأ، ومرة أخرى إلى حجرة الانفجار فيضرب بقوة المزلاج ما يؤدي إلى رجوعه للخلف، وبذلك يخرج ظرف الرصاصة الفارغ وتكون حجرة الانفجار جاهزة لاستقبال رصاصة أخرى.
مكبس الغاز، مثل ذلك المستخدم في بنادق AK-47 (الأعلى)، واصطدام الغاز المباشر مثل بنادق M16 (الأسفل). Quora
يتمثل عيب نظام تصادم الغاز المباشر في أنه عن طريق نشر غاز الخراطيش التي تم إطلاقها مباشرة في حجرة الانفجار، يُفجر أيضًا بقايا تلك الخراطيش في نفس المكان، مما يؤدي إلى انتشارها واتساخ الحجرة، وبالتالي الحاجة إلى التنظيف المتكرر.
تم تصميم بنادق M16 لإطلاق خرطوشة تستخدم مسحوقًا معينًا لتخفيف هذه المشكلة إلى الحد الأدنى، ولكن عندما اكتشف الجيش الأمريكي أن المسحوق الخاص لا يمكن إنتاجه بكميات كبيرة في عام 1964، استبدله بآخر بديل ينتج عنه مزيد من الرواسب والبقايا.
ثم زاد الجيش المشكلة سوءًا من خلال وصفه M16 كسلاح ذاتي التنظيف، رغم أنه لا يوجد مثل هذا السلاح على الإطلاق، ولا يحتمل أن يوجد، ثم زادوا من تفاقم المشكلة بفشلهم في توفير أدوات التنظيف للقوات أو لإرشادهم حول كيفية القيام بتنظيف بنادقهم الجديدة.
علاوة على ذلك، تفتقر حجر الانفجار إلى طلاء الكروم مما يؤدي إلى زيادة التآكل، وعند حدوث الانسداد الحتمي افتقرت بنادق M16 الأصلية إلى جهاز لدفع المزلاج يدويًا للأمام بالكامل إذا فشل بالقيام بذلك من تلقاء نفسه، فكانت البندقية عاصفة كاملة من الفشل.
الإصلاحات وما بعدها
ترافق ازدياد شدة الحرب في فيتنام مع نمو سمعة M16 كسلاح غير موثوق أو عملي، كانت الخطوة الأولى في معالجة المشكلة هي التراجع عن الادعاءات بأن M16 لم تكن بحاجة إلى تنظيف، ناهيك عن الفكرة الساذجة بأنها بندقية ذاتية التنظيف، جنبا إلى جنب مع توفير عدة التنظيف التي تم إصدارها في وقت متأخر وتوزيعها للقوات، كما تم طبع وتوزيع أدلة التدريب لتوجيه الجنود لمعرفة كيفية التعامل مع مشاكل التنظيف والصيانة واستكشاف الأخطاء وإصلاحها في بنادقهم الخاصة.
كما تمت معالجة عيوب التصميم بالبندقية وذخائرها، فجرى استخدام خراطيش بمسحوق إطلاق أنظف –ذلك الذي صمم خصيصًا لبندقية M16 في المقام الأول– واستبداله بدل الخراطيش القديمة، وقد أعيد تصميم البندقية نفسها مما أدى إلى ظهور طراز مُحسّن هو M16A1، الذي كانت حجرة الانفجار فيه مطلية بالكروم، مما قلل بشكل كبير من مشاكل التآكل في الإصدار الأصلي. كما تضمنت البندقية التي أعيد تصميمها أداة مساعدة للمزلاج، مما يسمح للقوات بالضغط على المزلاج للأمام يدويًا عند الضرورة لإخراج المظاريف العالقة.
بين التركيز الجديد على تدريب الجنود وتوجيههم بشأن التنظيف والصيانة المناسبة لبنادقهم وخراطيش إطلاق النار النظيفة وبندقية M16A1 المعاد تصميمها، كانت المشكلات التي تعاني منها بنادق M16 الأصلية قد اختفت إلى حد كبير بحلول عام 1968، وبالنسبة للعديد من قوات الجبهة الأمامية، ربما كان الوجود في فيتنام لا يزال مكروهًا، لكن الوقوع في حرب برفقة بندقية غير عملية لم يعد من بين الأسباب التي جعلت حرب فيتنام تجربة مروعة بشكل خاص.
تُعد M16 بندقية رائعة في أيدي المحترفين الذين جرى تدريبهم على الحفاظ على أقصى استفادة منها، فهي ليست سلاحاً عالي التحمل مثل بندقية AK-47، ولكن بالنسبة لأولئك الذين يعرفون كيفية العناية بها، فإن M16 هي سلاح ناري أفضل بكثير وأعلى أداء من نظيره الروسي.
بخلاف طراز AK-47، فإن M16 ليست بندقية مناسبة تمامًا للميليشيات والمتمردين الفلاحين والمقاتلين المدربين تدريباً سيئًا، لا يمكن دفنها في مستنقع ثم إخراجها وتوقع أن تطلق النار دون مشاكل، إذ يبقى من المتوقع أن يصون مستخدمو M16 أسلحتهم عن طريق تنظيفها وتفقدها يوميًا، مما يجعلها سلاحًا بحاجة لصيانة أكثر بكثير من بنادق كلاشنكوف.
تطور بنادق M16، من الأعلى: M16A1 وM16A2 وM4 وM16A4.
ومع ذلك يتم التغاضي عن الحاجة الكبيرة للصيانة من خلال الأداء العالي، حيث يتم تدريب الجنود المحترفين –والمؤسسة العسكرية الأمريكية على درجة عالية من الاحترافية من أي منظمة عسكرية– للحفاظ على أسلحتهم وتنظيفها بشكل روتيني.
إنها ليست مهمة شاقة، ولكن ببساطة جزء من عمل المحترفين، في المقابل يمكنهم توقع أداء أعلى وأفضل من عائلة M16 مقارنةً بخصومهم الذين يستخدمون طراز AK-47 ومشتقاته.
المصدر https://historycollection.co/the-hi...tion-when-it-was-first-introduced-in-vietnam/
جمع وترجمه https://dkhlak.com/the-story-of-the-m16-rifle/