الباب الأول أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر صناعة وأهداف
بعد مضي عام ونصف على أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 في نيويورك، لا بد من وقفة يسترجع فيها المشاهد تلك الأحداث، ليقوم بتقييم لها، ويتعرف على بعض حقائق مسبباتها، وعلى بعض من أسرارها، التي تحصلت لديه من الأبحاث والدراسات الإقليمية والدولية التي نشرت عنها. كما يتطلب منه استخدام تفكيره في فك بعض من رموزها، لعله يصل إلى بعض النتائج، التي توصله إلى القليل من الحقيقة، التي ستغيب عن العالم سنوات قد تمتد عشرات السنين أو أكثر. فالحقيقة الكاملة لا تظهر إلا بعد مرور زمن طويل، وقد لا تظهر مطلقاً، حيث ستبقى في عالم الغيب، وسراً من أسرار صناع الحدث، قد يكونون في هرم السلطة وطبعاً مع أجهزتهم الأمنية المتعددة الأغراض في صناعة أحداث نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من أيلول 2001. فليست كل الظواهر التي تنشأ مع الحدث مباشرة حقائق، بل هي ظواهر تخفي في طياتها ما هو أدهى وأمر، مما ظهر للرائي أو المستمع أثناء وقوع الحدث، فكثيراً من وظائف وأهداف الحدث الآنية توظف بعد وقوع الحدث، لتحقيق الهدف الرئيسي من صناعته. ثم تبقى بعد ذلك حقيقة صناعته وشخوصه وطرائق تنفيذه سراً، قلنا إما تكتشف أجزاء منه، أو لا تكتشف، إلا إذا حدث تصدع أو تمرد بين مجموعة صانعيه، فيمكن معرفة الحقيقة أو جزء منها. إلا أن حدث هاماً في تاريخ العالم، كالذي حدث في نيويورك وواشنطن، أدى إلى حدوث تغيرات في مجرى تاريخ الأمم، يتطلب من كل باحث أو محلل أو مهتم بعلم تاريخ الشعوب، أن يتقصى الحدث بكل أبعاده، ليتمكن من الوصول إلى معرفة الحقيقة أو جزء منها. وأن يقوم بالتقاط أجزاء من هنا أو هناك مما حدث، حتى يتمكن من رسم الشكل الأولي للصورة المقاربة لبعض من الحقيقة، ريثما يظهر الزمن الحقيقة كاملة أو القسم الأعظم منها. ولقد علمنا التاريخ أيضاً، أن كثيراً من المؤامرات والجرائم، التي تحيكها، وترتكبها دول طامعة في ثروة أو أرض أو فرض هيمنة على بلد آخر، تقوم بنسج خيوطها، وتنفذها، وتتهم الآخرين بها، سواء أكانوا دولاً أو أحزاباً ومنظمات أو جماعات من المعادين لها. حتى وأن ضحت بجزء من مواطنيها أو جنودها أو عتادها، أو حتى تضحي بقسم من منشآتها في سبيل هدف ترمي لتحقيقه. وبعد تقوم بحسابات التوازن بين الربح والخسارة. وتاريخ الإدارات الأمريكية وأجهزتها الأمنية، وحليفتها الحركة الصهيونية وجهازها السيئ الصيت الموساد حافل بتلك المؤامرات القذرة. وفي هذه القراءة الأولية، نسعى للبحث عن الجزء اليسير من معرفة الحقيقة، من خلال ما توفر لدينا من معلومات عما حدث في الحادي عشر من أيلول 2001 في الولايات المتحدة. حتى نتمكن من تحليل بسيط لخلفيات هذا الحدث، وعن المستفيد منه، والتوظيفات التي تمت لاستثماره من قبل القوى الإقليمية والدولية، ولتحويله إلى رأس مال تباع وتشترى من خلاله الكثير من القضايا الدولية، وفي مقدمتها قضايا العرب والمسلمين. فالحدث من حيث الشكل الذي تم به، وبهذا الحجم والدقة في الإصابة لأهدافه ليس بالأمر السهل، وتنفيذه بما خطط ورسم له، يصعب على دول كبرى القيام به. فمكان الحدث هو الولايات المتحدة، وهي أقوى دول العالم مالياً وعسكرياً واقتصادياً، والتي تملك أرقى وأحدث وسائل المراقبة والتجسس الجوية والأرضية، مما يسمح لها بالتجسس على العالم كله. إضافة إلى أن لديها شبكات من الجواسيس والعملاء، تعم المعمورة براً وبحراً وجواً، وهي تفتخر بأن لديها مخابرات مركزية (سي. آي. أى) يحيط بعملائه وأجهزته كل دول العالم. وهي تملك تاريخاً بصناعة المؤامرات من تغيير أنظمة، وتنصيب أخرى على السلطة، وتدرب جيوش من التنظيمات في مختلف القارات، لتحقيق أهدافها من تفجير الصراعات العرقية والطائفية والقومية، وتدبر الاغتيالات السياسية لكبار المسؤولين في العالم، وتصنع الحروب وبؤر التوتر في أنحاء المعمورة، وتتنصت على غرف نوم قادة وزعماء حكومات، وتشارك في كل الخبائث، ولديها من وسائل المراقبة والرصد والتجسس، مما يسمح لها أن تعرف ما يجري في العالم كله. * الفصل الأول من صنع أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001؟ في مقابلة صحفية تمت للرئيس السابق للمخابرات الألمانية (إيكهارت فرتباخ)، عن رؤيته عما حدث في نيويورك وواشنطن، وتحليله لقدرة مجموعة صغيرة من تنظيم القاعدة التابع لأسامة بن لادن في صناعة هذه الأحداث الضخمة. استبعد أن يقوم بها أي تنظيم، بل في رأيه لا يمكن أن تنفذه إلا دول متقدمة ومتطورة، وقال (إن هجمات 11/9 كانت تحتاج إلى سنوات من التخطيط. وحجمها يبين أنها نتيجة لأعمال تنظمها دول)(1) فالاختراق للولايات المتحدة بهذا الحجم الضخم، ليس من السهولة بمكان، وخاصة لتنظيم كتنظيم القاعدة، كما تدعي الولايات المتحدة وأجهزتها الأمنية، أو كما يدعي قادة القاعدة عبر أشرطة فيديو، تبث من قناة الجزيرة القطرية. فتنظيم القاعدة لا يضاهي لا في الشكل ولا في المضمون أجهزتها الأمنية، سواء أكان في الحجم أو الإمكانات أو القدرات المادية والتقنية وغيرها، فلا توجد مقارنة ولا بأي نسبة كانت. إضافة أن الموقع الجغرافي للولايات المتحدة المطوق بالمحيطات، لا يسمح بهذا الاختراق السهل. وهذا الموقع المحصن جغرافياً أفشل محاولات أعدائها من الدول العظمى في الحربين العالميتين الأولى والثانية من الوصول إلى برها. وطالما تغني الأمريكيون بالأمن من خلال موقعهم الجغرافي. الذي صعب حتى على هتلر اختراقه في الحرب العالمية الثانية، أو حتى الوصول إلى شواطئها. كان ولا زال سوراً أمنياً مانعاً، يحمي الولايات المتحدة من أي هجوم بري محتمل. كما إن قواعدها العسكرية مزروعة في دول عدة على امتداد المعمورة، لا يسمح بحدوث ما حدث، إلا عبر تقنيات متقدمة جداً، وخدمات لوجستية ومخابراتية هائلة، سواء في داخل الولايات المتحدة وخارجها، حتى يتم تنفيذ عمليات بهذا الحجم الضخم، الذي حدث في الحادي عشر من أيلول. وبما أن ما حدث في الحادي عشر من أيلول لا تستطيع القيام به أي دولة من الدول المتقدمة اليوم، والتي تناطح الولايات المتحدة بامتلاكها القدرات العسكرية والاقتصادية والمخابراتية. فكيف بابن لادن وإمكانياته المتواضعة أمام الولايات المتحدة ومن خلفها الحلف الأطلسي بإمكاناته الهائلة، يقوم بهذا العمل دون غطاء داخلي، وتسهيلات من أجهزة الرصد الاستخباراتي للولايات المتحدة؟. وللدلالة على توفر غطاء مخابراتي من قبل أجهزة أمنية أمريكية وغيرها، أو من أجهزة استخباراتية دولية تعمل في الولايات المتحدة عدم استغلال عامل الزمن لمنع مسلسل الأحداث. حيث نرى أن فارقاً زمنياً بين الطائرتين اللتان اصطدمتا في مركز التجارة الدولية في نيويورك يزيد على ثلث الساعة، ووجود فترة زمنية ثانية، بين الطائرة الثانية التي صدمت برج مركز التجارة الدولية، وارتطام الطائرة الثالثة بالبنتاغون في واشنطن المحصن تحصيناً بالغاً. فأين غابت تلك القوة الهائلة من القوات المسلحة والأجهزة الأمنية المكلفة برصد الخطر عن بلادها عن منع بقية الطائرات من التنفيذ بعد ارتطام الطائرة الأولى بمركز التجارة الدولية؟ وكيف لم تستغل القوات المسلحة والأمنية هذا الوقت في درء الخطر بعد الضربة الجوية الأولى؟ ولماذا ترك هذا الزمن لتنفيذ مخطط الجريمة؟. والسؤال الآخر الذي يخطر على البال اليوم بعد مضي أكثر من عام، أين الصناديق السوداء لتلك الطائرات، التي قامت بضرب مركز التجارة العالمي والبنتاغون؟ فمن المعروف لدى الجميع أن تلك الصناديق لا تتأثر لا بحريق أو ماء بحر أو غيرها. لماذا لم يعلن عن وجودها؟ وما هي المعلومات التي احتوتها أشرطتها.؟ فحتى تاريخ هذا اليوم لم تعلن الولايات عن اكتشاف تلك الصناديق السوداء، بل لم تقل شيئاً!!. فما مصير تلك الصناديق؟ وأين هي الآن؟ ولماذا التكتم عليها من قبل الإدارة الأمريكية؟. * الحدث فوق طاقة تنظيم القاعدة أو غيره إن ما حدث في الحادي عشر من أيلول في نيويورك وواشنطن، حسب كل الخبراء من عسكريين واستراتيجيين وباحثين في كل أنحاء العالم، يستغرق إعداده عدة سنوات. فكيف لم يكتشف خلال الإعداد له، الذي قدر بعدة سنوات؟ وكيف يكتشف بعد التنفيذ مباشرة وبساعات قليلة؟ حيث اتهمت الإدارة الأمريكية بعد ساعات من الحدث تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن، بالهجمات التي أصابت برجي مركز التجارة العالمي ووزارة الدفاع (البنتاغون). فالذي يتمكن من معرفة القائم بالعملية خلال ساعات، ويمتلك القدرة الدقيقة في معرفة الفاعل، وبسرعة مذهلة! أليس بالأحرى أن يكتشف عمليات التخطيط له، الذي استغرق سنوات؟. أليس من الغريب أيضاً أن يطلب وزير الدفاع رامسفيلد من الإدارة العسكرية بعد خمس ساعات من الأحداث، وضع خطة لضرب العراق(2)، وكأن وزير الدفاع يترقب هذا الحدث، فيسرع بالاستفادة الفورية من نتائجه، فيضع جدولاً لتوظيف الحدث تنظيم القاعدة وأفغانستان ومن ثم العراق!! ولماذا أطلقت على دول معينة العراق وإيران وكوريا الشمالية دول محور الشر؟ وهؤلاء ليس لهم أية علاقة بين الحدث لا من قريب أو بعيد، كما نشرت السلطات الأمنية الأمريكية عن مرتكبي الحادث، إلا لنوايا مبيتة ومرسومة مسبقاً، ثم تختار سبع دول أخرى أسماها الرئيس الأمريكي بالدول المارقة وهي (العراق وسوريا وإيران وليبيا والسودان وإيران وكوبا وكوريا الشمالية) بذريعة أنها تهدد الولايات المتحدة على زعمه، هل جاءت التسمية عبثاً أم لتصفية حسابات من دول نهجت نهجاً وطنياً مستقلاً غير تابع لها؟. وعقب الحدث شنت وسائل الإعلام الغربية المشبوهة حملة على الإسلام، تتهمه بأنه مستودع يفرخ الإرهابيين، وبأنه يعلم اتباعه كراهية الغرب، وأنه خطر على ديمقراطية الغرب. ولكن لمعرفة المجرم الحقيقي صانع الحدث، لا بد من العودة إلى بدهيات قانون اكتشاف الجرائم، الذي يقول (لمعرفة الجرائم ابحث عن المستفيد). فمن هو المستفيد من نتائج هذه الأحداث سوى الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني!!.؟ فالإسلام المتهم، لم يستفد منه، بل تمت محاصرته، وأخذت بلدانه على حين غرة. وقد فوجئت به كافة الدول الإسلامية بما فيها حكومة طالبان في أفغانستان، التي يتواجد فيها أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة. والمتابع لسير التداعيات العسكرية والسياسية بعد الأحداث، قد شاهد أن الاستغراب والاستنكار لما حدث، كان بادياً على جميع تلك الدول والمؤسسات الروحية والمدنية الإسلامية، لما جرى في نيويورك وواشنطن. وهذا ينفي التهمة عن الإسلام والمسلمين. وإن كان تنظيم القاعدة بزعامة ابن لادن تورط به، كما تدعي أشرطة قناة الجزيرة القطرية على لسان أسامة بن لادن وكبار تنظيم القاعدة، أو أشرطة بعض المنفذين/ وحتى وأن كانت ملفقة، فالتقنيات الحديثة في علم الصوتيات والتصوير قادر على خلق مثل هذه الأشرطة/ فمن المؤكد أنه تم استغلال القاعدة لتنفيذ الحدث، سواء علمت، أو لم تعلم بهذا الاستغلال. وإنها كانت تقوم بهذا الحدث برعاية وتسهيلات ومراقبة أجهزة الأمن الأمريكي والصهيوني. فالمستفيد كما أشرنا، وسنبنيه فيما بعد هو الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وفق معادلة قانون الربح والخسارة لدى الرأسماليين والتجار والحركات العنصرية وسياسي الغرب. فبالنسبة للولايات المتحدة الربح أكبر وأعظم من خسارة برجين وقسم من البنتاغون. أما عن الضحايا لا يهتم بهم من صنع، وشارك، وغطى الحدث، أما تحقيق أرباح سياسية وعسكرية واقتصادية وثقافية. والمستفيد الرئيسي الثاني من الحدث الكيان الصهيوني، فقد عادت لـه الأحداث بمكاسب كبيرة، سواء بتغطيتها للجرائم الهائلة، التي يرتكبها بحق الشعب العربي الفلسطيني وأرضه، أم في صرف أنظار الرأي العالمي عن هذه الجرائم. كما أتاحت لـه فرصة لصق تهمة الإرهاب بالمقاومة الفلسطينية. * الفصل الثاني دروس من تاريخ الولايات المتحدة في صناعة أحداث لتستفيد منها. والتاريخ كما قلنا أعلاه علمنا الكثير حول صناعة المؤامرات والجرائم، التي يرتكبها وتحيكها الدول الكبرى الطامعة بثروات غيرها، ومن ثم إلصاقها بالآخر. وتاريخ المخابرات المركزية الأمريكية أو الموساد الصهيوني حافل بمثل تلك الجرائم، ومن ثم إلصاقها بالعرب وغيرهم من الشعوب المناهضة للهيمنة والمشروع الصهيوني. ففي مسألة الربح والخسارة يدقق كلاهما في المسألة، وحين يتبين لهما أن الربح كبير، فلا يمتنعان عن تنفيذ أي جريمة أو مؤامرة، وإن كانت تتطلب التضحية بجنودهما أو مواطنيهما. فالولايات المتحدة لها باع طويل في صناعة مؤامرات وأحداث، واتهام الخصوم بها، فالتاريخ يتحدث عن قصص حدثت من قبل، جرى فيها قتل وحرق وتدمير لمنشآت وآلات حربية من قبلها، ومن ثم تقوم باتهام الآخرين بها. فمنذ النشأة الأولى لها، تمت إبادة الهنود الحمر تحت ذرائع واهية كاذبة. كما قام بعض البحارة الأمريكيون في عام 1898 بحرق سفينة الماين، وقتل 266 بحاراً فيها من زملائهم البحارة الأمريكيين، واتهموا الأسبان بها بغية إشعال حرب معهم للسيطرة على الجزيرة الكوبية، التي كانت مستعمرة من قبل أسبانيا وفرض الحماية الأمريكية عليها. وحروب السنوات الأربع في بداية القرن التاسع عشر مع دول المغرب العربي، تمت هي الأخرى بنفس الطريقة، والقصص كثيرة عن ممارسات الولايات المتحدة في صنع جرائم واتهام الآخرين، بغية هدف رسمته، لتحقق من خلاله أرباحاً تعادل عشرات المرات من خسارتها. وكذلك الحركة الصهيونية فتاريخها حافل بمثل تلك الجرائم، واتهام الآخرين بها، حتى وإن كانت تلك الجرائم تودي بحياة المئات من اليهود. * من الشواهد على تصنيع الحدث ومن الدلائل القليلة التي توفرت بعد عام من أحداث أيلول 2001، قد اعترفت الإدارة الأمريكية يوم الخميس 19 أيلول 2002 في ردها على الكونغرس الأمريكي، بأنها كانت على علم بالتهديدات التي يشكلها أسامة بن لادن قبل 11 أيلول عام 2001. وادعت أنها لم تكن تملك ما يكفي من المعلومات الاستخباراتية الدقيقة للحؤول دون وقوع الهجمات على نيويورك وواشنطن. واعترفت في ردها، أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية تلقت عشرات التحذيرات، بشأن إمكانية حصول هجوم، لكنها تجاهلتها. وهذا ما أكده ريتشارد ارميتاج نائب وزير الخارجية في شهادته المكتوبة أمام اللجنة المؤلفة من مجلس الشيوخ والنواب، واعترف أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية تلقت العشرات من التحذيرات، تشير إلى إمكانية استخدام الطائرات كسلاح. وبرر عدم اتخاذ الإجراءات الأمنية المطلوبة، قائلاً: (لكن أياً من تلك التحذيرات لم يتنبأ بهجمات الحادي عشر من أيلول). وادعى (أن ما لم نعلمه كان على المستوى التكتيكي، لم نكن نعلم ما هي الأهداف التي ينوي تنظيم القاعدة مهاجمتها، ومتى وكيف؟).(3) وكانت السيدة إليانور هيل رئيس لجنة التحقيق الذي يجريه الكونغرس حول إخفاقات أجهزة الاستخبارات، قد قدمت تقريراً للجنة يوم الأربعاء 18 أيلول 2002 من ثلاثين صفحة، أكدت فيه أن هذه الأجهزة، كانت على علم بخطر وقوع هجمات، تستخدم فيها طائرات مدنية قبل هجمات 11 أيلول 2001. لكنها اعتبرت تلك الأجهزة أن هذا الخطر ليس كبيراً. ومن المعلومات المثيرة التي أوردتها السيدة هيل في تقريرها، أن المعلومات الأولية حول احتمال شن هجمات بالطائرات، يعود إلى عام 1994، حين خطف مسلحون جزائريون طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية، وهددوا بتفجيرها في برج إيفل. وقالت إنه في عام 1995 داهمت الشرطة الفيلبينية شقة في مانيلا، وعثرت على وثائق تفيد عن مؤامرة لصدم طائرة في المركز الرئيسي لوكالة الاستخبارات المركزية قرب واشنطن. وأحد واضعي الخطة كان رمزي يوسف الذي اعتقل وأدين في تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993. أما الثاني فهو خالد الشيخ محمد، الذي يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنه العقل المدبر لهجمات 11 أيلول. وجاء في التقرير أن أجهزة الاستخبارات تلقت تقريراً في كانون الثاني عام 1996 من مصادر يعتد بها، يفيد عن تخطيط تنظيم القاعدة لعملية تقضي بانطلاق طائرة من أفغانستان إلى الولايات المتحدة، وتصطدم بالبيت الأبيض. وفي عام 1997 تلقت أيضاً تقريراً بأن مجموعات إرهابية اشترت طائرات، لتضرب بها مبان في الولايات المتحدة. وفي آب 1998 تلقت تقريراً يفيد بأن نشطاء عرب، يخططون لقيادة طائرة محملة بالمتفجرات من بلد أجنبي، وصدمها بمركز التجارة الدولي. وفي أيلول من نفس العام علمت الأجهزة أن ابن لادن، يخطط لتفجير طائرة في إحدى المطارات الأمريكية. وبعد أسابيع وردت معلومات، تفيد أن ابن لادن سيستهدف مركز التجارة الدولي. وفي شباط 2001 وردت معلومات جميعها تؤكد أن ابن لادن سيضرب في الأشهر المقبلة، وأن الهجوم سيكون في نيويورك وكاليفورنيا. وفي نيسان 2001 وردت معلومات أن ابن لادن مهتم باستخدام طائرات تجارية للقيام بهجمات في الولايات المتحدة. وفي أيار وحزيران من العام نفسه ورد /23/ تقريراً، أفادت أن الهجوم وشيكاً. وفي نهاية صيف عام 2001 أكدت معلومات للمخابرات الأمريكية المركزية أن تنظيم القاعدة، يستعد لشن هجوم في الولايات المتحدة. وفي 10 أيلول 2001 رصدت أجهزة الاستخبارات مكالمتين هاتفيتين تتحدثان عن هجوم وشيك، ولم تترجم المكالمتين إلى اللغة الإنكليزية إلا في 12 أيلول 2001)(4) * الفصل الثالث روايات تحمل الكثير من الثغرات عن دور تنظيم القاعدة في صناعة الحدث من المفارقات التي تدعو إلى إعادة صياغة الأحداث بشكل تسلسلي، حتى يتبين للباحث أن أصابع المخابرات المركزية غير بعيدة عن صناعة الأحداث، من خلال المشاركة والتسهيلات اللوجستية، وغض الطرف والحماية، وعدم منع الحدث قبل وقوعه. فمن بعض المواقف التي تدعو للشك، فنرى أن زياد الجراح أحد المتهمين في تنفيذ هجمات 11 أيلول هو من المطلوبين من قبل الأجهزة الأمنية الأمريكية، يتم توقيفه بناء على طلب تلك الأجهزة في مطار دبي عام 1998، وهو في طريقه إلى لبنان، ومن ثم يسمح لـه بالسفر بعد اتصال مسؤول أمريكي في المخابرات المركزية. أما خالد المحدار أحد أبرز منفذي الأحداث، فقد عممت الأجهزة الأمنية الأمريكية على مطاراتها وحدودها وسفاراتها، بأنه رجل خطر على الولايات المتحدة الأمريكية، فإذا به يدخل إلى الولايات المتحدة بتأشيرة دخول أمريكية، ويتم التغاضي عنه في المطار، وتم ذلك قبل وقوع الأحداث بثلاثة أسابيع. وادعت المخابرات المركزية الأمريكية أنها علمت به، ولكنه فر عن مراقبتها. وزكريا الموسوي الفرنسي الجنسية المغربي الأصل، تعلم المخابرات المركزية بأنه حسب ما توفر لديها من معلومات من قبل الأجهزة الأمنية الفرنسية والغربية، بأنه كان يعد لعمل ضد المصالح الأمريكية. لكنه يدخل للولايات الأمريكية بأمان، وحين تطلب بعض الأجهزة الأمنية من إدارتها تفتيش جهازه الحاسوب (الكومبيوتر)، تتدخل الإدارة الأعلى في الأجهزة، وتمنعها من التفتيش.(5) ومن الدلائل على صناعة الحدث من قبل الأجهزة الأمنية، أن عميلاً للمخابرات يدعى (فينكس) يعمل في ولاية أريزونا، قدم مذكرة إلى المخابرات المركزية، بين فيها ازدياد العرب الذين يدرسون الطيران. وتقدم بتقرير في 2 تموز من عام 2001 حذر المباحث الفدرالية من حملة هجومية جوية على أمريكا. كما حذرت المخابرات المركزية في 6 آب 2001 من هجمة على الولايات المتحدة ستتم لها علاقة بالطيران. ومن السخرية أن يبرر أحد المسؤولين في المخابرات المركزية مرور المكلف بحمل السكاكين إلى الطائرة المختطفة من بوابة التفتيش، التي تنذر لوجود إبرة لا سكين من دقتها، دون أن يتم تفتيشه، ومن ثم إيقافه من قبل رجال الأمن في المطار. فيبرر هذا المسؤول عملية المرور دون تفتيش قائلاً: لقد أنذرت أجهزة التفتيش عند مرور حامل السكاكين البوابة، إلا أن مرور فتاة جميلة في نفس اللحظة، سحرت عينا الحارس وبقي ملتفتاً عليها، مما جعلته يسمح لـه بالدخول دون تفتيش، وبركوب الطائرة. هل هذا معقول؟(6). إلا في العرف الأمريكي، الذي يجد مبررات له، وإن كانت تافهة. الاكتشاف الأول عقب الحدث مباشرة عن علاقة القاعدة بهذا الحدث من قبل إف. بي. آي، يذكر بدخول عملاء من شبكة ابن لادن للولايات المتحدة الأمريكية، وأنهم تدربوا على قيادة الطائرات بصورة سريعة، وأنهم خطفوا الطائرات بعد أن تقسموا إلى مجموعات. وفي 14/9/2001 أعلنت أسماء تسعة عشر بادعاء أنهم قاموا بعملية الخطف: 1ـ خالد المحدار (سعودي الجنسية). 2ـ ماجد مقعد (سعودي). 3ـ نواف الحازمي (سعودي) 4ـ سالم الحازمي (سعودي). 5ـ هاني حنجور. 6ـ سطام السقامي (سعودي). 7ـ وليد الشهري (سعودي). 8ـ وائل الشهري (سعودي). 9ـ محمد عطا (مصري). 10ـ عبد العزيز العمري (سعودي). 11ـ مروان الشحي. 12ـ فايز رشيد أحمد القعدي بني حماد. 13ـ أحمد الغامدي (سعودي). 14ـ حمزة الغامدي (سعودي). 15ـ سعيد الغامدي (سعودي). 16ـ أحمد إبراهيم الحزناوي (سعودي). 17ـ أحمد النعمي. 18ـ زياد الجراح. وكذبت السفارة السعودية في واشنطن هذا النبأ، فقالت أن خمسة من هؤلاء هم أحياء، يقيم أربعة منهم في وطنهم، وهم: عبد العزيز العمري ومهند الشهري وسالم الحازمي وسعيد الغامدي، والخامس يعمل طيار في خطوط الجوية المغربية وهو وليد الشهري يقيم في الدار البيضاء. ونفى الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية وجود أي دليل قدمته الولايات المتحدة عن علاقة السعوديين بهذا الحادث. ويسأل تيري ميسان كيف تم اكتشاف أسماء هؤلاء الانتحاريين؟ قائلاً: (وإذا ما راجعنا اللوائح بأسماء الضحايا المنشورة من قبل شركات الطيران بتاريخ 13 أيلول، نفاجأ بعدم إدراج أسماء القراصنة عليها.)(7) فكيف عرفت إذاً تلك الأسماء، إن لم تكن مدرجة مع أسماء الضحايا؟. أليس هذا الأمر مسبق الصنع؟. وذكر كل من وزير العدل جون أشكروفت ومدير جهاز أف. بي. آي روبرت مويلر في 28/9/2001، بأنه وجدت رسائل تتضمن تعليمات للانتحاريين في حقيبة، قد تركها أبرز قادتهم محمد عطا، ليتمكن من صعود الطائرة. وفق أقوال جهاز أف. بي. آي. وقالوا أنهم وجدوا أيضاً نسخة مماثلة في حقيبة نواف الحازمي، تركها في مطار دالس، أما الأغرب ما تم ادعاؤه، هو أنهم وجدوا نسخة في بقايا الطائرة، التي تفجرت فوق ستوني كريك تانوتشيب في بنسلفانيا. والغرابة تأتي كيف تصمد ورقة تعليمات من الحريق، الذي أصاب الطائرة، في حين صهر الحريق الصندوق الأسود الذي لا يتأثر بالنيران!!؟. أكذوبة من أكاذيب الأجهزة الأمنية الأمريكية والإدارة أيضاً، كما ادعت من قبل أنها وجدت جواز سفر محمد عطا بين أنقاض برج التجارة الدولية، فكيف تنصهر الطائرة، والفولاذ الذي بني به البرجين، وبقي جواز سفر محمد عطا سالماً!!؟ من أي نوع صنع هذا الجواز!!؟ قد يكون صنع من مواد قد جلبت من الشمس لا ندري!!. لنرى ماذا في تلك الورقة كما تدعي وزارة العدل وجهاز أف. بي. آي؟ فقد تضمنت التالي: (1ـ عاهد نفسك على الاستشهاد وجدد نيتك به. احلق جسدك وطهره بماء الكولونيا. واستحم. 2ـ تأكد من حسن اطلاعك على جميع تفاصيل الخطة وكن مستعداً للرد المعاكس ورد فعل العدو. 3ـ اقرأ سورتي التوبة والأنفال تمعن بمضمونهما وفكر بكل ما وعد الله به الشهداء.).(8) * القاعدة وفق الإعلام القطري والغربي تتبنى أحداث 11 أيلول 2001 وفق الإعلام القطري (قناة الجزيرة) والإعلام الغربي الأمريكي، تم الادعاء بأن تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن قد تبنى هجمات الحادي عشر من أيلول على نيويورك وواشنطن. هذا التبني وعلى الرغم من الأشرطة المفبركة والمصنعة، لا يزال موضع شك لدى معظم المحللين العسكريين الاستراتيجيين والمراقبين للأحداث العالمية، بسبب ضخامة الحدث، والمتطلبات التقنية العالية لتصنيعه، وضرورات توفر إمكانات هائلة لتنفيذه بهذه الدقة كما بينا أعلاه. وعلى الرغم من أكذوبة البنتاغون، الذي نشر شريط الاعترافات، التي قيل أن أسامة بن لادن أدلى بها في 13/12/2001. فقد جاء بث الشريط بعد إلحاح داخلي ودولي على الإدارة الأمريكية، لتقديم الأدلة عن تورط ابن لادن وتنظيم القاعدة بأحداث نيويورك وواشنطن. ومما يبين حالة التزوير والتلفيق للشريط، فقد جاء متطابقاً تماماً مع كل أكاذيب وزيف الإدارة الأمريكية وأجهزتها الأمنية، التي أعلنت عنها عقب الأحداث مباشرة، وكأن الإف. بي. أي. أو السي. آى. أي قد قامت بتلقين ابن لادن ما يقول في الشريط. ثم تتالت الأشرطة التلفزيونية المسجلة لابن لادن وبعض من قيادة التنظيم ولأحد المنفذين في قناة الجزيرة القطرية عبر أشرطة مشكوك في مصدرها، وقيل أن مؤسسة تدعى (السحاب)، هي التي تقوم بالتسجيل والتصوير، ثم تقوم بإرسالها إلى قناة الجزيرة القطرية. لماذا قناة الجزيرة؟ والجواب لتنفي الإدارة الأمريكية عن نفسها عملية التزوير، وتقول إن مصدرها جاء من قناة عربية، ومن المعروف أن تنظيم القاعدة في غالبيته من العرب وخاصة من أبناء الجزيرة العربية والخليج، ورأس التنظيم سعودي الجنسية، فتكون بذلك مصداقيتها لدى الرأي العام الغربي أكثر تصديقاً، من أن هي التي أذاعتها أو مصدرها الوحيد. وكما قلنا لقد قدمت الأشرطة معلومات كل ما جاء فيها، كان متطابقاً مع الرواية الأمريكية تماماً. لتؤكد مصداقية ادعاءاتها باتهام تنظيم القاعدة بالمسؤولية عن أحداث الحادي عشر من أيلول. وكما أشرنا إن تقنيات العصر في صناعة وسائل التزييف والتحوير لتلك الأشرطة ممكنة لدول وأشخاص من هم أقل من إمكانيات الولايات المتحدة. علماً أن أجهزة المخابرات المركزية بارعة في صناعة الأشرطة التلفزيونية المزيفة. فقد لعبت الأشرطة المزيفة دوراً هاماً في إثارة الرأي العام في رومانيا على تشاوشيسكو، حين أظهرت صوراً لجثث ضحايا، ادعت أنهم قتلوا على يد مخابرات تشاوشيسكو، ثم تبينت بعد تغيير النظام في رومانيا وإعدام تشاوشيسكو، أنها كانت ملفقة ومزورة. وكذلك تمت صناعة شريط من قبل المخابرات المركزية تصور صدام حسين يرقص مع الممثلة الأمريكية مادونا. ومن أشكال التزوير الإعلامي ما حدث في حرب الخليج، حين تم عرض شريط تلفزيوني يعرض جنوداً عراقيين يقومون بإلقاء الأطفال حديثي الولادة في حاضناتهم من نوافذ مستشفى كويتي. ويعرض أيضاً فتاة كويتية تبكي وهي تروي كيف يقوم الجيش العراقي بهذه الأعمال الوحشية في الكويت؟. وتبين بعد ذلك أن الفتاة كانت تعيش في لندن مع أبيها سفير الكويت في واشنطن، ولم تكن في الكويت أثناء الاحتلال العراقي للكويت. كما صورت المخابرات المركزية فلماً لابن لادن نفسه وهو يقطع رؤوس معارضيه.(9)
ويقول تيري ميسان الصحفي الفرنسي في كتابه (التضليل الشيطاني) عن شريط الاعتراف الذي أذيع لابن لادن: (إن عميل ابن لادن لم يعمد فقط إلى تدعيم الأكذوبة القائلة أن انهيار البرجين تم بفعل الاحتراق، وأكذوبة سقوط الطائرة على البنتاغون، بل حرص على مجافاة البداهة. حقاً فإن الشريط ينتهي بهذا التعليق: "كانوا (أي الأمريكيون) مذعورين، وقد ظنوا أن الأمر يتعلق بانقلاب سياسي." (صدق) عدو الولايات المتحدة رقم (1) هو الذي يؤكد ذلك).(10) وقد شكك ونفى الرئيس الباكستاني برويز مشرف في نيويورك، أثناء زيارة لها، إمكانية تنفيذ مثل هذا الحدث من قبل تنظيم القاعدة، لافتقار تنظيم القاعدة القدرة على تنفيذه، فقال أنه غير مقتنع بأن أسامة بن لادن، هو الذي كان وراء أحداث الحادي عشر من أيلول. وأكد لا يمكن لابن لادن، أن يكون قادراً على فعل هذا الأمر.(11) * الفصل الرابع دلائل على أصابع الموساد لعب الكيان الصهيوني دوراً بارزاً في صناعة أحداث نيويورك وواشنطن. فقد كشفت بعض المعلومات التي أعقبت الأحداث مباشرة، عن اعتقال الشرطة الفيدرالية الأمريكية (أف. بي. أي) لخمسة من الإسرائيليين في مدينة نيوجرسي القريبة من نيويورك، للاشتباه بعلاقتهم بالتفجيرات التي جرت في الحادي عشر من أيلول 2001. واعترفت صحيفة هاآرتس الصهيونية أن الخمسة المشتبه بهم بالتورط بالانفجار، تم اعتقالهم بعد أربع ساعات من وقوع التفجير في نيويورك، أثناء قيامهم بالتصوير على سطح بناية الشركة، التي يعملون بها، بالتعاون مع صاحب الشركة الإسرائيلي أيضاً. ونقلت الصحيفة عن أحد المعتقلين قوله: إن الشرطة الفيدرالية الأمريكية استجوبتهم لمدة ثلاثة أيام. في حين حققت معه شخصياً لمدة أربع عشرة ساعة متواصلة، خصوصاً عن انتمائه لجهاز الموساد الإسرائيلي، بعد أن تبين أن لديه الجنسية الإسرائيلية. وأكدت هاآرتس نقلاً عن مصادر الخارجية الإسرائيلية، أن القنصلية الإسرائيلية في نيويورك، تلقت معلومات من مكتب التحقيقات الفدرالية الأمريكية (أف. بي. أي)، حول ظروف الحادث، كما تستنكر السلوك الغريب بعد تفجير نيويورك، من قيام الإسرائيليين بالرقص والقهقهة ابتهاجاً بالانفجار المدمر. وأبلغ مكتب التحقيقات الأمريكية القنصلية الإسرائيلية، أنه سيتم طرد هؤلاء الإسرائيليين الخمسة من الولايات المتحدة، لتواجدهم فيها بشكل غير قانوني، ولعدم حصولهم على تصاريح عمل.(12) وكشفت صحيفة الوطن العمانية أن أكثر من أربعة آلاف إسرائيلي، يعملون في مركز التجارة الدولية، تغيبوا عن عملهم يوم الاعتداء على المركز، بناء على إيعاز من الحكومة الإسرائيلية. ونقلت الصحيفة عن مصادر دبلوماسية غربية قولها إن عدم التحاق الإسرائيليين بأعمالهم يوم الهجوم، أثار شكوكاً لدى المسؤولين في الحكومة الأمريكية، الذين يحاولون معرفة كيف علمت الحكومة الإسرائيلية بخبر الهجمات بشكل مسبق، وإخفاء تلك المعلومات عن الحكومة الأمريكية. وأكدت مصادر صحفية، أن التقارير الإخبارية الأولى التي وصلت من نيويورك، عقب الهجوم، أشارت أن عدداً كبيراً من الإسرائيليين واليهود، يعملون في مركز التجارة العالمي، ولكن لم تذكر أية أخبار لاحقة شيئاً عن وجود إصابات بين الإسرائيليين واليهود. وهذا ما يثير الشكوك بشأن دور إسرائيلي في أحداث نيويورك وواشنطن.(13) وكشفت صحيفة ألمانية تصدر من هامبورغ تسمى (دي تسايت) في 2/10/2002 في تقرير لها من أربع صفحات عن ملف للمخابرات الفرنسية، أن الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) حذرت مسبقاً الولايات المتحدة بشأن مخططي هجمات 11 أيلول 2001. ويظهر من الملف الفرنسي أن الموساد كان يتتبع الخطوات العملية لتنفيذ هجمات الحادي عشر من أيلول. حيث قام باستئجار إحدى الشقق في بلدة هوليوود في ولاية فلوريدا لفريق من الموساد على مقربة من شقة محمد عطا ومروان الشحي، ومن المعروف أن العطا هو أبرز المتهمين في قيادة الهجوم الجوي على مركز التجارة الدولية وكان رئيس الفريق المخابراتي الصهيوني يدعى (حنان سيرفاتي)، كان يقيم قرب مركز البريد في هوليوود، حيث استأجرت مجموعة عطا صندوق بريد لها. ومن القراءة الأولية لمجريات الأحداث يظهر دوراً جلياً للموساد الصهيوني في صناعة الحدث والمشاركة فيه. ثم انتظار وقوعه في وقته الزمني، وإلا لماذا تواجد خمسة من الموساد الصهيوني على إحدى البنايات لتصوير الحدث قبل وقوعه. وانتشار ما يقارب المائة والخمسون من الموساد في أماكن الأحداث؟ ألا هذا يدل على امتلاك الكيان الصهيوني لمعلومات عن الحدث قبل وقوعه؟. هذا إن لم يكن مشاركاً فيه، أو من صنعه؟. ولماذا بعد ساعات قليلة تم اكتشاف اسم الفاعل (ابن لادن)؟. وتقول المخابرات الفرنسية في تقريرها: أن تلك الحقائق توحي بأن الموساد كان يراقب المجموعة، وأن الإسرائيليين قدموا للأمريكيين قبل أسابيع عدة لوقوع الهجمات لائحة بأسماء أشخاص موجودين في الولايات المتحدة، يشتبه في أنهم يعدون لهجوم إرهابي. كما أكد الأمريكيون عن وجود شبكة تجسس تابعة للموساد، كانت تضم 120 عميلاً، في 30 نيسان 2001، كانت تتابع تلك المجموعة، وأنها قامت باعتقالهم واستجوابهم قبل طردهم.(14) ومن الملاحظات التي تؤكد ضلوع الكيان الصهيوني في أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001، عن تأجيل زيارة كانت مقررة لرئيس وزراء الكيان الصهيوني قبل يومين من الأحداث. وكذلك تأجلت زيارة وزير الدفاع الصهيوني كانت هي أيضاً مقررة للولايات المتحدة قبل الحدث بيومين. في حين نجد أن الوزير الصهيوني السابق أفرام سنيه، الذي كان في الولايات المتحدة وقت الأحداث، أقام غرفة عمليات في نيويورك بعد الأحداث، وهذا مخالف لكل الأعراف الدولية. ومن الملاحظات الأخرى قيام عدد كبير من اليهود في الكيان الصهيوني ببيع أسهمهم من شركات الطيران الأمريكية قبل الأحداث بستة أيام، وقد جنوا بعدها أرباحاً هائلة بملايين الدولارات(15). وكشفت صحيفة هاآرتس عن تلقي مؤسسة (أوديجو) الصهيونية، وهي مؤسسة تعمل في مجال البريد الإلكتروني إنذاراً بقيام هجوم على مركز التجارة الدولية في نيويورك قبل ساعتين من حصول الهجوم، وقد اعترف مدير المؤسسة (ميشا ماكوفر) بحصول مؤسسته على مثل هذا الإنذار(16). ومن الأبحاث الجديدة لبعض خبراء حوادث الطيران حول أحداث الحادي عشر من أيلول. فقد رأى بعض الباحثين المصريين ومنهم المستشار الدكتور حسن أحمد عمر الرئيس السابق في محاكم الاستئناف المصرية، أن هناك تشابهاً بين الانفجار الذي حدث انفجار الطائرة الإسرائيلية في أمستردام الهولندية يوم الأحد 4/11/1994، والتي كانت تحمل غازاً ساماً منقولة من نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية إلى مطار تل أبيب في الكيان الصهيوني. حيث وقفت تلك الطائرة في مطار أمستردام للتزود بالوقود، وحين إقلاعها انفجرت، وسقطت على حي سكني في العاصمة الهولندية، أدى الحادث إلى مقتل (250) شخصاً من أهالي الحي المذكور، إضافة إلى ركاب الطائرة. وبقي الأمر غير معروف حتى كشفته الصحف الأوربية والصهيونية، وبينت أن الطائرة محملة بالغاز السام (أويسيد فلوفستاتنيك). والعلاقة ما بين حوادث نيويورك وأمستردام، هو التشابه في الاحتراق الكامل للطائرة. حيث أن الغاز المذكور الذي كانت تحمله الطائرة الصهيونية، يذيب الألمنيوم الذي صنعت منه الطائرة، والفولاذ أيضاً، بسبب الحرارة الشديدة التي يطلقها الغاز بعد الانفجار، فهو يصهر الطائرة بالكامل. فالطائرات التي أذيع بأنها قامت بعمليات التفجير على مبنيي التجارة الدولية في نيويورك، ومبنى البنتاغون في واشنطن، والتي أسقطت في بنسلفانيا قد احترقت بالكامل. فلو فرضنا أن الطائرات التي ارتطمت بمركزي التجارة الدولية والبنتاغون، تمت إذابتها بفعل الاصطدام، فالطائرة التي سقطت في بنسلفانيا لماذا احترقت وذابت؟ إن لم يكن قد حملت هي والطائرات بالغاز السام الذي حملت به الطائرة الصهيونية، التي سقطت على حي في أمستردام، مع العلم لا يوجد هذا الغاز إلا في الولايات المتحدة، ولم يسمح ببيعه إلا للكيان الصهيوني. ومن المشاهدات لبعض المحللين، أن الانفجار ولَّد سحابة غبارية، كما تظهر الصور التي التقطت لها، وهي عبارة عن تفاعل البنزين الذي في الطائرة مع الكيماوي المحملة به. كما ظهر في الصور التي صورت السحابة الغبارية، التي ظهرت مع انفجار طائرة أمستردام طبق الأصل. وبذلك نرى تطابقاً ما بين ما حدث في أمستردام ونيويورك، والمفجر والمخطط والمنفذ واحد من حيث التشابه والتطابق، وهذا يوضح أن الذي حَمَلَ الطائرات بالغاز السام واحد في أمستردام ونيويورك وواشنطن وبنسلفانيا. في حين نجد الرواية الرئيسية الأمريكية التي تستهزئ بعقول الناس، تقول إن الإرهابيين الذين فجروا الطائرات، بعد أن سيطروا عليها بالسكاكين، التي حملوها معهم بالطائرات. أما عن عملية السيطرة على الطائرة، وتوجيهها، وحرفها عن مسارها بواسطة السكاكين، رواية أمريكية تتضمن الكثير من الكذب، لاستحالة الأمر مع وجود هذا الجمع في الطائرة. ولكن الذي يمكن تصديقه، هو السيطرة على الطائرة من خلال الطيار الآلي، والتحكم به عن بعد، وتوجيهه أرضياً من قبل القوى المستفيدة من هذا الحدث. وبذلك تكتمل لنا الصورة، لنؤكد أن تعاوناً تم ما بين المخابرات المركزية والموساد وباطلاع الإدارتين الصهيونية والأمريكية، لصناعة الحدث، لتحقيق أهداف استراتيجية على مستوى العالم. وإن كان لتنظيم القاعدة دور في التنفيذ، فقد تم تسهيل ركوب عدد من تنظيم القاعدة في الطائرات، وزودت الطائرات بالغاز السام، الذي يبعث حرارة عالية تصهر الطائرة، بحيث تختفي كل معالم الجريمة، بما فيها الصناديق السوداء، وجرى التحكم بالطائرات عن طريق الطيار الآلي، وتوجيهها نحو أهدافها المحددة، وفجرت بعد ذلك، وتم إلصاقها بالعرب والمسلمين لتحقيق أرباحاً جمة تعادل آلاف ما تم خسارته. ومن شاهد الفيلم السينمائي (القبلة الطويلة)، الذي أنتج قبل الأحداث، يبين كيف تصنع المخابرات المركزية والموساد عملية انفجار مركز التجارة الدولي، ومن ثم تتهم به المسلمين. وليس المحللين العرب وبعض الأوربيين يؤكدون ما قلناه، بل هناك العديد من المحللين الأمريكيين الموضوعيين، يؤكدون أن ما جرى هو من صنع المخابرات المركزية والموساد الصهيوني. وآخر من تحدث بذلك أمير شعراء نيوجرسي/ أميري باراكا/ الذي اتهم اليهود بالتفجيرات التي حدثت في نيويورك وواشنطن حيث جاء في قصيدة لـه بعض التساؤلات قال فيها: ـ من كان يعلم أن مركز التجارة العالمي سينسف؟ ـ من أخبر أربعة آلاف إسرائيلي يعملون في البرجين أن يلتزموا منازلهم في ذلك اليوم؟ ـ ولماذا بقي شارون بعيداً؟ وعلى الرغم من احتجاجات منظمة يهودية على قصيدته، تحت ذريعة أنها تشوه سمعة اليهود، وتؤذي مشاعرهم. وطالبت من حاكم ولاية نيوجرسي بسحب لقب أمير شعراء نيوجرسي عنه. إلا أن باركا رفض سحب القصيدة، وقال لصحيفة نيويورك تايمز: أنه مقتنع أن إسرائيل كانت على علم مسبق بهجمات الحادي عشر من أيلول، وأنه مستعد للدفاع عن رأيه، وأنه لا يعتزم الاستقالة عن إمارة الشعر. ومضى يقول للصحيفة: (من الواضح أن الإسرائيليين كانوا على علم بهجمات الحادي عشر من أيلول، شأنهم شأن الرئيس الأمريكي جورج بوش. وأن السماح بوقوع الهجمات خدم البيت الأبيض في أفغانستان والعراق وبقية الشرق الأوسط.)(17) * الفصل الخامس الحدث يكذب الرواية الأمريكية كتب الصحفي الفرنسي (تيري ميسان) كتاباً سمي بـ(الخديعة الكبرى) كما ترجم للعربية، أو (التضليل الشيطاني) الصادر عن دار الوطنية الجديدة بدمشق عام 2002. يفضح فيه الإدارة الأمريكية ومحاولاتها في تضليل الرأي العام الأمريكي والدولي عن حقائق الحدث ووقائعه، ويؤكد أن هذا التضليل تم في صناعة أكذوبة ارتطام طائرة بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ويقول: (الحاصل: إن هذه الخرافة المريبة بُنيت تدريجياً الكذبة تلو الكذبة، فإذا ما عدتم إلى بيان البنتاغون الأول.. سوف يتبين لكم أن لا ذكر لطائرة البوينغ فيه. لم تظهر نظرية (الطائرة الانتحارية) إلا بعد مضي نصف ساعة، كما أن مسألة مطاردة الطائرة الشبح لا أثر لها في الإفادة التي أدلى بها قائد الأركان العامة، ولم يتم اختلاق قصة ضلال الطائرات الـ ف ـ 16 من قبل NORAD إلا بعد مرور يومين. إن الرواية الرسمية محض دعاية. ويبقى أن 125 شخصاً لقوا حتفهم في البنتاغون، واختفت طائرة تقل 64 راكباً؟ ما هو مصير الرحلة 77 للخطوط الأمريكية (AA)؟ هل لقي ركابها حتفهم؟ إذا كان الرد بالإيجاب، من قتلهم ولماذا؟ وفي حال العكس، فأين هم؟ تلك مجموعة من الأسئلة التي يتوجب على الإدارة الأمريكية الإجابة عنها.)(18) وعن الدقة اللامتناهية في إصابة البرجين من قبل طائرتين مدنيتين، فيقول تيري ميسان: (إن عرض كل من البرجين لا يتجاوز 63,70 متراً، وأكبر عرض لطائرة البوينغ 47.60 متراً. وقد لاحظنا على أشرطة الفيديو كيف أن الطائرتين قد ضربتا الهدف بدقة في وسطه، ولو أن أياً من الطائرتين انحرف عن مسارها مسافة 55.65 متراً لكانتا أخطأتا الهدف كلياً. كم يلزم ثلاثة أعشار الثانية لقطع مثل هذه المسافة بسرعة متوسطة مقدارها (700 كلم/ ساعة). وتلك تجربة يستلزم تنفيذها من المهارة مستوى لا يتمتع به سوى طيارين أفذاذ، ذلك نظراً لقدرة هذه الأجهزة المحدودة على المناورة، فكيف إذا كان القبطان من الهواة؟.)(19) وتحدث تيري ميسان عن استخدام منارة إلكترونية لبلوغ الطائرتين الدقة في الهدف، تصدر عنها (إشارة صادرة من نقطة الهدف كفيلة بتوجيه الطائرة إليها آلياً). وقال أن وجود مثل هذه الإشارة كانت موجودة في مركز التجارة الدولية، وقد التقطها بواسطة إذاعات لهواة الراديو، وسجلوها لأنها تقاطعت مع بث هوائيات التلفزة المنصوبة على سطح البرجين.(20) ومن مجريات تنفيذ الحدث، نتبين أن صناعته فوق طاقة هؤلاء الطيارين حديثي المهارة في الطيران، غير قادرين على توجيه الطائرات بهذه الدقة والسرعة والقدرة على المناورة، ما ظهر في الاستدارة للطائرة الثانية التي اصطدمت في برج التجارة الدولية. فإن كانت الطائرة استطاعت الثبات على مسارها لأنها في اتجاه الريح. فإن الطائرة الثانية كانت مضطرة للقيام بمناورة التفاف معقدة لأنها بعكس اتجاه الريح، فكيف استطاعت الارتطام بوسط البرج أفقياً كالطائرة الأولى؟ ويعجز عنه طيارين محترفين وذوي خبرة عالية!!. يقول ميسان: (.. في كل الأحوال كان لا بد من وجود من يساعد على الأرض. فإن تأمن ذلك لا يعود ضرورياً وجود قراصنة كثر على متن الطائرة، ذلك يكفي وجود فريق صغير لوصول الطائرة بالطيار الآلي. ومن ناحية أخرى إن صعود قرصنة على الرحلة ليس ضرورياً على الإطلاق، لأن العملية لم تعد لخطف الركاب، يكفي قرصنة برامج حاسوب الطائرة قبل الإقلاع، حتى يصبح التحكم بالطائرة ممكناً، وهي في الجو بواسطة تكنولوجية (الغلوبال هوك) التي ابتكرتها وزارة الدفاع الأمريكية. وبكلام آخر يمكن بفضل هذه التقنية التحكم بطائرة البوينغ عن بعد، بحيث تصبح طائرة شبيهة بطائرات التجسس التي لا قائد على متنها.(21) وأكد تيري ميسان بوجود متفجرات داخل المبنى، حيث أن اتحادات إطفائي نيويورك، رفضوا نظرية انهيار البرجين نتيجة إحراق وقود الطائرتين، وأن الانهيار تم من خلال الحرارة التي ولدهما مخزونا الطائرتين من الوقود، الذي تسبب بضعف الهيكل المعدني المركزي للمبنيين. فأكد اتحاد الإطفائيين إن الهيكل يتحمل الحرارة. وقال رجال الإطفاء أنهم سمعوا أصوات انفجارات في أسفل الأبنية، وطالبوا بتحقيق مستقل، وقال ميسان (كما أكد فان رومير وهو خبير شهير من معهد نيو مكسيكو للمناجم، أن الانهيار لم يكن ممكناً إلا بواسطة متفجرات. ولكنه تراجع عن رأيه هذا أمام الضغوط الرسمية التي تعرض لها).(22) ويستشهد تيري ميسان من إجابة الرئيس الأمريكي جورج بوش على إحدى التساؤلات الصحفية بعلم المخابرات وإداراته بهذه الهجمات. وهذا يرشح الرأي بأن المخابرات المركزية لم تقدم التسهيلات فقط، بل كانت مشاركة في صنعها، فيقول: (لنصغ الآن إلى هذا الاعتراف الغريب، الذي أدلى به الرئيس جورج دبليو بوش، وكان ذلك بمناسبة مهرجان نظم في أورلاندو بتاريخ 4 كانون2001. سؤال: ما أود قوله بداية سيدي الرئيس هو أنه لا يمكن تقدير كم هو مهم ما فعلتموه من أجل بلدنا. والشيء الآخر هو التالي: ماذا كان شعوركم عندما علمتم بالهجوم الإرهابي؟ الرئيس جورج دبليو بوش: شكراً يا جوردان، أنت تعلم يا جوردان، وسوف لن تصدق، إن قلت لك في أية حال أوقعني هذا الهجوم الإرهابي. كنت في فلوريدا، وسكرتيري العام أندي كارد، في الواقع كنا في قاعة للدروس، أتحدث بشأن برنامج بالغ الفعالية للتدريب على القراءة. كنت جالساً خارج القاعة بانتظار لحظة الدخول، فرأيت طائرة تصطدم بالبرج ـ كان التلفاز مشتعلاً ـ وبما أني كنت أنا نفسي قبطاناً. قلت: يا لهذا القبطان المرعب، ثم قلت: ربما كان ذلك حادثاً مخيفاً. ولكن قادوني [حينئذ إلى الصف]، ولم يتسن لي الوقت الكافي للتفكير في الأمر. كنت جالساً في الصف وسكرتيري العام أندي كارد، الذي تراه جالساً هناك، دخل وقال لي: "طائرة ثانية ارتطمت بالبرج، إن أمريكا تتعرض للهجوم". في الواقع يا جوردان بداية لم أكن أدري ماذا أقول ماذا سمعت. أنت تعلم أنني ترعرعت في فترة لم يخطر لي فيها أن أمريكا قد تتعرض لهجوم ـ ربما والدك أو والدتك كانا يفكران مثلي آنذاك ـ في تلك البرهة رحت أفكر ملياً في معنى أن ترى نفسك مهاجماً. وكنت أعرف أنني في حال تجمعت كل الدلائل المؤكدة على أننا تعرضنا لهجوم، سأجعل الجحيم جزاء الذي تجاسر على مهاجمة أمريكا (تصفيق). هكذا إذن وحسب ما صُرِّح به، شاهد الرئيس مشاهد أول اصطدام قبل حدوث الثاني. هذه المشاهد لا يمكن أن تكون تلك التي سجلها الأخوان جول وجدعون نوديه صدفة، بالفعل كان الأخوان نوديه قد أمضيا يومهما بالكامل، وهما يصوران في موقع مركز التجارة العالمي. ولم تبث وكالة غاما شريطهما للفيديو إلا بعد انقضاء 13 ساعة. إن الموضوع يتعلق إذاً بمشاهد سرية نقلت إليه دون تأخير إلى قاعة).(23) شكل الرئيس الأمريكي لجنة مستقلة للتحقيق بأحداث الحادي عشر من أيلول برئاسة هنري كسينجر في 27/11/2002، وتضم عشرة من الديمقراطيين والجمهوريين، وتملك تفويضاً واسعاً. وتستند في أعمالها على التحقيقات المحددة، التي أجرتها لجنتا الاستخبارات في مجلسي الشيوخ والنواب. ومنحت اللجنة ثمانية عشر شهراً لدراسة قضايا مثل أمن الملاحة الجوية، ومشاكل الحدود بالتوازي مع الاستخبارات، ودراسة زيادة كبيرة في الإنفاق الاستخباراتي، لكشف الضعف في مجال مكافحة الإرهاب.(24) فاختياره كان لصالح القوى الصهيونية الفاعلة في الإدارة الأمريكية ومراكز تأثيرها في المخابرات المركزية ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية، وهي طبعاً ستكون نتائجها لغير صالح العرب والمسلمين طبعاً. وستتم تغطية مساهمات الموساد والمخابرات المركزية الأمريكية، التي يسيطر عليها اليهود الصهاينة من رئيسها اليهودي جورج تنت إلى بقية قيادة هذا الجهاد الخطير على الدول العربية والإسلامية. فهنري كيسنجر معروف بعدائه للعرب وللمسلمين، وهو اليهودي الذي خدم الصهيونية في مواقعه السابقة في عهد نيكسون كمستشار للأمن القومي أو وزيراً للخارجية، وسيبقى يدافع ويعمل لصالح المشروع الصهيوني المعادي للعروبة والإسلام. إلا أن كيسنجر استقال من رئاسة الهيئة بعد شهر من تكليفه برئاسة اللجنة، والسبب مطالبة لجنة الأخلاقيات في الكونغرس بالإفصاح عن علاقاته المالية،(25) وهكذا يتم تمييع عمليات التحقيق، بانتظار من يرأس اللجنة ويصدق على ما وصلت إليه إدارة بوش الابن وأجهزته الأمنية من نتائج، تم تحريف وتزوير وتلفيق معظمها. * الفصل السادس توظيف البترول القزويني لصالح أحداث أيلول/ سبتمبر. يقول كاتب أمريكي يدعى (غور فيدال): (وقد ثبت فيما بعد أن غزو أفغانستان لم تكن لـه صلة بأسامة بن لادن، وإنما كان أسامة مجرد ذريعة لاستبدال الطالبان بحكومة أكثر استقراراً، تستطيع أن تسمح لشركة /Union Oil of California/ بمد خط الأنابيب، الذي يحقق الأرباح لعصبة تشيني ـ بوش ضمن أطراف أخرى)(26). ويورد الكاتب معلومات هامة حول هذا الخط، والمباحثات التي أجرتها رئاسة شركة يونوكال مع ممثلي حكومة طالبان في كانون الثاني عام 1997 في شوجرلاند بتكساس، وكيف قامت تلك الشركة بتدريب عناصر أفغانية لمد خط الأنابيب بموافقة الحكومة الأمريكية. فقد استضافت الشركة المذكورة وفداً من حكومة طالبان، وللبحث في كيفية مد خط أنابيب لبترول وغاز نفط قزوين من الحقول إلى شواطئ الباكستان، وقد أوردت محطة بي. بي. سي في 4 كانون الأول 1997 خبراً عن تلك المباحثات، وقالت المحطة: (أن متحدثاً باسم شركة يونوكال ذكر أن من المتوقع أن يقضي رجال الطالبان بضعة أيام في المقر الرئيسي للشركة) وذكر مراسل المحطة، إن اقتراح إنشاء خط للأنابيب عبر أفغانستان، هو جزء من مشروع دولي للاستفادة من تنمية موارد الطاقة الغنية في بحر قزوين. وهذا يوضح أن لبترول قزوين دوراً رئيسياً في شن الحرب على حكومة الطالبان، والتي أعقبت أحداث الحادي عشر من أيلول، وليست مسألة محاربة الإرهاب إلا الوجه الظاهر لتلك الحرب. ويتساءل المرء لماذا كانت حكومة طالبان جيدة، وتمنح من الحكومة الأمريكية أربعين مليون دولار تحت ذريعة محاربتها لزراعة الحشيش؟ وذلك عندما كانت تتعاون مع شركة يونوكال وبقية الشركات المرشحة لإنشاء خط الأنابيب، الذي يمتد من تركمنستان إلى الباكستان عبر أفغانستان بما فيها شركة شيفرون، التي كانت في السابق إحدى موظفاتها كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي اليوم، وحين فشلت المباحثات تغير الأمر مائة وتسعين درجة حين اصطدمت المصالح النفطية الأمريكية مع طالبان، وأصبحوا في ليلة وضحاها إرهابيين ويؤون منظمات إرهابية، وكانت المدائح تُكال إلى طالبان، واعتبارها القوة الوحيدة القادرة على توفير الاستقرار والسلام في أفغانستان، كما تشهد جريدة (وول ستريت جورنال) الأمريكية بقولها: (سواء شئنا أم أبينا، فإن طالبان هي القادرة على تحقيق السلام في أفغانستان في اللحظة التاريخية).(27) بل كانت الولايات المتحدة تطرح في عام 1997 بإمكانية تحول حكومة الطالبان إلى دولة حليفة لها في مواجهة إيران وروسيا تحقيقاً لمصالحها البترولية، وهذا ما أشارت إليه صحيفة (نيويورك تايمز) عندما قالت: (إن حكومة كلينتون أخذت بالرأي القائل بأن انتصار الطالبان سوف يجد قوة موازنة لإيران. ويفتح الباب أمام سبل جديدة للتجارة، يمكن أن تضعف نفوذ روسيا وإيران في المنطقة).(28) إلا أن هذه الحسابات الأمريكية لم تجد لها آنذاك في كابول من يستمع إليها. وفشلت الولايات المتحدة بتحويل حكومة طالبان إلى تنظيم عميل يخدم مصالحها. فبعد هذا الفشل تغير المزاج السياسي الأمريكي تجاه حكومة طالبان رأساً على عقب، وذلك منذ أواسط عام 2000، وعقب فشل المباحثات النفطية بين حكومة الطالبان والشركات النفطية الأمريكية. وازدادت حالة العداء من خلال حملات إعلامية مكثفة على حكومة الطالبان خاصة بعد نجاح بوش في انتخابات الرئاسة، فقد أصبحت حكومة الطالبان عقبة كبيرة أمام مصالحها البترولية. فكتب السيد /فردريك ستار/ رئيس "معهد آسيا الوسطى بجامعة جون هويكنز" في صحيفة (الواشنطن بوست) يقول: (لقد بدأت الولايات المتحدة بهدوء بالوقوف إلى جانب من يدعون في الحكومة الروسية إلى القيام بعمل عسكري ضد أفغانستان، وأنها تناقش فكرة شن غارة جديدة للقضاء على ابن لادن).(29) وليس غريباً لإتمام الصفقة البترولية، أن يؤتى بالسيد حميد قرضاي رئيساً لحكومة أفغانستان بعد الإطاحة بحكومة طالبان، وهو الذي كان يعمل في شركة يونوكال الأمريكية، التي كانت تفاوض حكومة الطالبان على مد أنبوب البترول من تركمانستان إلى الباكستان عبر أفغانستان، وذو العلاقة القوية مع المخابرات المركزية الأمريكية. ولم نعد نسمع في الخطاب الأمريكي بعد مرور سنة على الغزو المسلح لأفغانستان ضرورة استمرارية البحث عن ابن لادن والملا عمر، بل كل ما نسمعه هو تحويل صدام حسين إلى ابن لادن، وقرع طبول الحرب على العراق. فتم السكوت عن ابن لادن بسبب تحقيق الهدف الرئيسي من الحرب على حكومة الطالبان، وهو إبرام عقد مدّ لأنابيب بين الدول الثلاث أفغانستان وتركمانستان والباكستان لاستثمار نفط بحر قزوين في 27/12/2002 في عشق آباد عاصمة تركمانستان، بين الرئيس التركماني صابر مراد نيازوف، والرئيس الأفغاني حميد قرضاي، ورئيس وزراء باكستان ظفر الله جمالي. وتضمن العقد مدّ أنبوب غاز من بحر قزوين إلى المحيط الهندي، حيث سيربط حقل دولت آباد (جنوب شرق تركمانستان) بالمرافئ الباكستانية على المحيط الهندي عن طريق جبال أفغانستان. ويبلغ طول الأنبوب 1500 كيلو متر، وتقدر تكاليفه بملياري دولار.(30) وهكذا بدأت ثمار الغزو الأمريكي على أفغانستان تنضج، ليتناوله الغزاة الذين تستروا بما يسمى مكافحة الإرهاب، والذي ثبتت الأيام أنه صناعة الأمريكية الصهيونية. ولم تكن في الحقيقة أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 كما أشرنا سبباً لغزو أفغانستان وفق ادعاءات الإدارة الأمريكية، بل إن مخطط الغزو كان جاهزاً قبل تلك الأحداث. ولم تكن الأحداث سوى مبرر في تنفيذه.
* الفصل السابع لماذا تم تصنيع أحداث الحادي عشر من أيلول؟ أولاً ـ الحدث يولد المشاعر العدائية ضد المعتدي المفترض، فتتوفر الذريعة الضرورية لشن الحرب بسرعة، فتكون أولاً تنفيساً لمشاعر العداء، وثانياً تخلصاً من حالة الذعر الذي خلقه الحدث، وأججته الإدارة الأمريكية ووسائل إعلامها. كما تتوفر أجواء عدائية تجعل من كتاب وصحفيين وإعلاميين يدعون الإدارة الأمريكية للانتقام، ومن ثم يسمح لأمثال برجنسكي وكيسنجر وبعض الاستراتيجيين الأمريكيين، يدعون إلى ضرورة شن حرب يلهي الشعب الأمريكي عن تساؤلاته للإدارة عن تقصيرها، وعن عدم قدرتها على إيقاف الحدث قبل وقوعه. ثانياً ـ كما تم استغلال الحدث للخروج من المأزق الاقتصادي، الذي وصل إليه الاقتصاد الأمريكي قبل الأحداث، حيث بدأ التراجع الاقتصادي يبرز جلياً في مؤشرات البطالة، التي وصلت في الثامن من أيلول 2001 إلى (3.35) مليون شخص. كما انخفضت مؤشرات الإنتاج الصناعي، ففي شهر آب 2001 فقد انخفض قطاع المعادن والمرافق إلى 0.8% عن الشهر الذي سبقه. وانخفضت السلعة التشغيلية إلى 76.2% وهو أدنى انخفاض منذ تموز 1983. وهبط مؤشر داو جونز إلى 800 نقطة(31). ثالثاً ـ الاستجابة للضغط المتلاحق من قبل شركات النفط لاحتلال أفغانستان، لتأمين الخطوط القادرة على نقل النفط عبرها، لأن الأرباح الهائلة التي سيقدمها النفط القزويني تثير شهية شركات النفط، والتي انبثقت منها إدارة (بوش ـ وتشيني). إضافة أنها تخرج الاقتصاد الأمريكي من أزمته. فقد كان هناك إلحاحاً من قبل شركات لإزالة حكومة الطالبان كونها العائق في استغلال الثروة الهائلة من الكنز النفطي القزويني، كما قال خبير النفط الأمريكي /جيمس دوربان/: (إن هؤلاء الذين يسيطرون في الطرق النفطية لوسط آسيا، سيؤثرون في الاتجاه المستقبلي، وكميات تدفق، وتوزيع الإيرادات من موارد النفط والغاز).(32) ومن يعرف الثروات الهائلة التي ستحققها الولايات المتحدة من نفط بحر قزوين، سيتعرف على الدافع الحقيقي وراء الحرب التي شنتها على أفغانستان، فيقول إسماعيل الشطي الكاتب وعضو مجلس النواب الكويتي (يقدر ما يختزنه حوض بحر قزوين بخمسة تريليون دولار من موارد النفط والغاز، وفي أقل تقدير بحوالي أربعة تريليون دولار.. بالإضافة إلى كميات ضخمة من الموارد البترولية غير المطورة في آسيا الوسطى تقدر بـ6.6 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي و10 مليارات برميل من احتياطات النفط غير المطورة)(33) رابعاً ـ من الأرباح التي أفرزتها أحداث الحادي عشر من أيلول، هو تصفية حسابات مع أعداء سابقين، يسمح للولايات المتحدة الظرف الزمني والدولي باعتبارها سيدة العالم اليوم بتحقيق انتصارات عليهم، فيقول غور فيدال: (إن عصبة تشيني ـ بوش تريد حرباً للسيطرة على أفغانستان. وإنشاء خط للأنابيب، والتحكم في بترول ستانات أوراسيا لصالح شركائها في الأعمال، وكذلك إنزال أكبر قدر من الدمار بالعراق وإيران بدعوى أن هذين البلدين الشريرين، ربما ينشران فوق القمح الذهبي لدينا بودرة الجمرة الخبيثة أو شيئاً كهذا)(34) ومن تصفية الحسابات فقد كشفت وسائل الإعلام الغربية، أن رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي طلب الأعداد للهجوم على العراق بعد ثلاث ساعات فقط من أحداث 11/ أيلول. كما خرج الرئيس جورج بوش بإطلاق الحملات الرهيبة على العديد من البلدان تحت ذريعة الإرهاب باسم محور الشر والدول الشريرة وغيرها من الألقاب. * استراتيجية الهيمنة على العالم أعطت أحداث الحادي عشر من أيلول الفرصة الذهبية للولايات المتحدة في فرض هيمنتها على ثروات العالم، وفرض أنماطها السياسية والسلوكية على العالم أجمع. من خلال ما أطلق عليه استراتيجية الأمن القومي للرئيس جورج بوش الابن، والذي أعلنها في 17/9/2002. وأشار إليها الرئيس بوش في خطاب الرئاسة في 1/6/2002 حين حدد تلك الاستراتيجية بثلاثة مهمات هي: ـ (سندافع عن السلام بمحاربة الإرهاب والطغاة. ـ سنحافظ على السلام ببناء العلاقات الجيدة بين القوى العظمى. ـ سنوسع السلام بتشجيع المجتمعات الحرة والمنفتحة على امتداد القارات.)(35) وهذه الاستراتيجية كما يبدو تختلف عن سابقاتها من الاستراتيجيات، التي وضعتها الإدارات السابقة الأمريكية بما فيه الإدارة السابقة للرئيس بيل كلينتون، والتي تعتمد على تقوية أمن أمريكا، ودعم الازدهار الاقتصادي الأمريكي، ودعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في الخارج. فالملاحظ أن بوش قد وضع استراتيجية مختلفة وخاصة عن الحرب وبما يعرف (الحرب على ما أسماهم بالطغاة)، حيث اعتبرهم مصدر الخطر على الولايات المتحدة وعلى العالم الديمقراطي. وضع نظرية افتراضية تقول: بإمكان هؤلاء الطغاة تزويد منظمات الإرهاب بالأسلحة الكيماوية أو ذات التدمير الشامل، مما يهدد الولايات المتحدة والنظام العالمي. علماً أن الولايات المتحدة هي التي فرضت تلك الأنظمة الديكتاتورية ضد رغبات شعوبها، وحمت الكثير منهم من غضب تلك الشعوب، ووفرت لهم الدعم المادي والسياسي خدمة لمصالحها. يقول جون لويس غاديس عن سبب محاربة إدارة بوش الابن لهؤلاء الطغاة: (لقد لاحظ بوش أن الاستراتيجية الأمريكية ركزت في الماضي على الدفاع ضد الحكام الطغاة، وهؤلاء الخصوم يحتاجون "لجيوش عظيمة وقدرات صناعية كبيرة" كي لا يهددوا المصالح الأمريكية، وهذه الإمكانيات لا يمكن تأمينها إلا عبر مؤسسات الدول)(36) * الفصل الثامن الحرب على العراق لأجل النفط كما أشرنا من قبل، أن وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد أعلن بعد ثلاث ساعات فقط من تفجير البرجين في نيويورك بضرورة الحرب على العراق، محملاً إياه مسؤولية دعم الإرهاب، وأهم دول محور الشر كما صنفه القاموس السياسي لإدارة بوش، وهي العراق وإيران وكوريا الشمالية. ووضع العراق على قائمة الدول التي يجب أن تتحمل مسؤولية ما حدث في الحادي عشر من أيلول، على الرغم من عدم توفر أي دليل يربط العراق بما حدث، ولا بأية علاقة بينية بين أسامة بن لادن وتنظيمه تنظيم (القاعدة). فلا يمكن أن يوجد تعاون بين الطرفين لاختلاف العقائد والأهداف بين الحزب الحاكم في العراق برئاسة صدام حسين، الذي يتبنى العلمانية، وبين تنظيم ديني متطرف كتنظيم القاعدة. إلا أن الرئيس بوش الابن وإداراته، كانوا قد وضعوا قبل الأحداث كما أشرناه أعلاه، استراتيجية تقوم على فرض السيطرة على مصادر الطاقة النفطية في العالم كرهاً أو طوعاً، تطبيقاً لطروحات بعض ما يسمى بالصقور من اليمين الأمريكي، والتي ترى ضرورة السيطرة على النفط، طالما نملك اليوم قوة عسكرية لا منافس لها في العالم. هذه الاستراتيجية بدأ تنفيذها أولاً في احتلال أفغانستان لمد أنابيب نفط بحر قزوين كما أشرنا. أما نفط الخليج من المعروف أنه منذ سنين تحت الهيمنة الأمريكية، وأصبح بعد غزو الكويت تحت حماية عسكرة القوات الأمريكية المباشرة، لترهب من يحاول أن ينزع منها تلك الهيمنة سواء من الداخل أو من الخارج، ولم يبق إلا النفط العراقي والإيراني خارج الهيمنة المطلقة. لهذا تم وضع العراق وإيران ضمن قائمة دول محور الشر، التي ترى فيها الإدارة الأمريكية وفق زعمها خطراً يهددها. وطبعاً كان لا بد من أن يكون العراق التالي بعد أفغانستان، فأمريكا تتدرج بالأخذ بالدول بدء من الضعيف، حتى تنتهي إلى الأقوى. فكانت أفغانستان الأولى، ثم من بعدها العراق، ومن ثم ستأتي حتماً إيران من بعد الانتهاء من العراق. وهكذا انطلقت الحملة الأمريكية ضد العراق، ما أن انتهت ترتيبات مدّ الخطوط لنفط بحر قزوين عبر أفغانستان، وتوفرت الحماية لهذا الخطوط من قبل تواجد عسكري أمريكي مدعوم من قوات أوربية من دول الحلف الأطلسي. فقد بدأت مسألة التحضير لشن حرب على العراق من خلال جملة من التهديدات للنظام العراقي، تدعوه لنزع أسلحته وتدميرها، وتغيير نظامه السياسي، وترحيل صدام حسين وحاشيته عن العراق. ولتغطية الحملة الاستعمارية الجديدة بغطاء دولي، تم استصدار قرار من مجلس الأمن في تشرين الأول عام 2002 تحت رقم 1441. والقاضي بإعادة فرق التفتيش للعراق، لنزع وتدمير أسلحته الكيماوية والجرثومية. بدعوى أن العراق اخترق الحظر الدولي عليه، والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي بتدمير أسلحته الجرثومية والكيماوية وصواريخه بعيدة المدى. وادعت الولايات المتحدة، أن العراق يقوم بإعادة تصنيع أسلحة التدمير الشامل المحظورة عليه منذ عام 1991 بعد الانتهاء من حرب الخليج الثانية، وانتهاء الاحتلال العراقي للكويت. وعلى الرغم من معرفة الإدارة الأمريكية ودول العالم، أن لجان التفتيش السابقة (أونسكوم)، قامت بتفكيك وتدمير معظم أسلحة العراق المحرمة، وفق قرارات مجلس الأمن الدولي خلال ست سنوات من عملها في العراق في عقد التسعينات. ويقول تقرير أعده منتدى الحرية الرابع، ومعهد ب. كروك لدراسات السلام الدولي بجامعة نوتردام: (إن أونسكوم ووكالة الطاقة الذرية الدولية كانتا فعالتين في كشف كثير من عناصر برامج أسلحة العراق المحرمة وتدميرها.. إن معظم برامج الأسلحة المحرمة العراقية تمت إزالته. وقد أعلنت وكالة الطاقة الذرية الدولية في عام 1998 أنه "ليس هناك من مؤشر إلى أن العراق يملك أسلحة نووية أو أية مقادير ذات مغزى من مادة يمكن استخدامها في صنع أسلحة نووية،" ومن بين 819 صاروخاً من طراز سكود كان معروفاً أنها موجودة لديه في بداية حرب الخليج، عثرت أونسكوم عليها جميعاً عدا صاروخين اثنين. ولم تعثر أونسكوم على تطوير ناجح لصاروخ وطني، ولا على مؤشرات إلى اختبار صاروخ محظور. كذلك ذكرت أونسكوم أنها حققت تقدماً كبيراً في تدمير مخزونات الأسلحة الكيميائية ومنشآت إنتاجها، لكن مفتشي الأمم المتحدة كانوا أقل نجاحاً في إزالة قدرات الأسلحة البيولوجية)(37) وهكذا نرى أن معظم أسلحة العراق الكيميائية والبيولوجية والجرثومية والصواريخ بعيدة المدى، قد دمر معظمها على يد لجنة التفتيش (أونسكوم)، والتي رحلت عن العراق في عام 1996 بضغط أمريكي، كما كشف أحد أعضاء تلك اللجنة بأن البعض منهم كان يتجسس على العراق لصالح المخابرات المركزية والموساد الصهيوني. فلم تكن عمليات التفتيش الجديدة إلا لخلق الذرائع لضرب العراق، ووضعه تحت الهيمنة الأمريكية، وفق استراتيجيتها الجديدة التي أشرنا إليها. * النظام العراقي من حليف إلى عدو النظام العراقي الذي وضع على لائحة الأنظمة الخارجة على القانون بالعرف الأمريكي بعد الغزو العراقي للكويت، هو نفس النظام الذي كان الصديق الحميم أثناء حربه على الجمهورية الإسلامية الإيرانية ما بين أعوام 1980-1988. فالعلاقات الحميمية التي كانت بين الطرفين أثناء تلك الحرب، كانت تستند على أن الحرب التي قامت بين العراق وإيران كانت تخدم الهدف الاستراتيجي الأمريكي في المنطقة، الذي يهدف إلى إبقاء منابع النفط تحت المظلة الأمريكية. فكان أمل الولايات المتحدة من تلك الحرب، أن تستعيد إيران بنفطها وموقعها الاستراتيجي من حكومة إسلامية متحررة، أخرجت إيران من تبعية الولايات المتحدة، وأزالت قواعدها، واستولت على سفارتها، واعتقلت موظفيها. ولم تقف عند هذا الحد، بل رفعت شعارات معادية للوجود الأمريكي بالكامل في منطقة الخليج. وأظهرت الثورة الإسلامية في أيامها الأولى عداوة للولايات المتحدة لحمايتها لنظام الشاه السابق، وأطلقت على الولايات المتحدة اسم (الشيطان الأكبر). ولم تكن خطيئة الثورة العداء لأمريكا فقط، وإنما رؤيتها للكيان الصهيوني بأنه كيان استعماري استيطاني مغتصب لأرض إسلامية مقدسة. وكان من إجراءاتها الأولى تحويل سفارة الكيان الصهيوني إلى سفارة فلسطين، وقطع العلاقة التوحيدية بين المخابرات الإيرانية (السافاك) والمخابرات الصهيونية (الموساد). كما اعتبرت مسألة تحرير البيت المقدس إلزام لكل المسلمين. وهنا وقعت الثورة في المحظور الأمريكي المتصهين، فكان لا بد من إجهاض الثورة الإسلامية في إيران من قبل الدوائر الأمريكية والصهيونية. فاستخدم النظام العراقي لهذه المهمة، فشن حرباً دامت سنوات ثمان، كانت نتائجها لصالح أمريكا والصهيونية، وخسارة للعرب والمسلمين عامة وللعراق وإيران خاصة. ومن يتتبع سير الأحداث أثناء اشتعال الثورة الإيرانية ضد نظام الشاه الوكيل للمصالح الأمريكية، والشرطي الأمريكي في الخليج، والراعي الذي يحمي مصالحها في المنطقة، والظهير المساند للكيان الصهيوني ضد الأمة العربية. يقول المفكر والكاتب الأمريكي نعوم تشومسكي: (حاولت إدارة كارتر تبني انقلاب عسكري لإعادة الشاه، وأرسل قائد الناتو (NATO)، ولكنه فشل في مهمته، لم يستطع كسب دعم عملاء أمريكا في الجيش الإيراني. بعدها مباشرة انضمت السعودية وإسرائيل (الداعمتان الباقيتان) للجهود الرامية لتجهيز انقلاب يعيد التركيبة السابقة بوسائل عادية، ومنها بعث جيوش. تم إحباط المحاولة التي كانت معروفة تماماً. وصل النذر اليسير من المعلومات للناس هنا، وذلك عندما لم يعد بالإمكان إخفاء الحقائق. وسمي عندها حرب الرهائن (أزمة الرهائن) التي كان لها وقع إنساني مؤثر لدى الشعب الأمريكي. كان "الريغانيون" يبحثون عن إطلاق الرهائن المختطفين في لبنان. أرسلت الولايات المتحدة قوات إلى إيران (مجموعات عسكرية خاصة) عبر إسرائيل كان لها صلات وثيقة بعناصر من الجيش الإيراني وممولة من قبل السعودية. ولم تكن هذه القوات مرسلة للتفاوض من أجل الرهائن لسبب بسيط، هو أنه لم يكن هناك رهائن أصلاً!! أولاً "الرهائن" أخذوا من لبنان فيما بعد، وصادف أنهم إيرانيون! إن ذلك إجراء طبيعي اتخذته إيران)(38) وحين فشلت المحاولة الانقلابية بعد اكتشاف الحكومة الإيرانية الإسلامية لها. كما فشل أيضاً الغزو العسكري الأمريكي الليلي لإيران، الذي أرسل لفك الرهائن الأمريكيين، الذين أسروا في السفارة الأمريكية في طهران من قبل طلبة الثورة، فغرقت القوات الأمريكية في رمال صحراء طبس، حين تصادمت الطائرات الأمريكية بسبب العواصف الرملية، التي ثارت فجأة وكأنها تدافع عن ثورتها الإسلامية. وتحطمت بعض الطائرات، وعادت البقية خائبة دون أن تحقق أي من أهدافها. ولم تجد الولايات طريقة لإعادة هيمنتها على إيران إلا بالتحريض على شن حرب خارجية من دول الجوار، وكان العراق الدولة الوحيدة، التي تتوفر فيها عوامل الصراع مع النظام الإيراني الجديد، فبدأت بتحريض العراق على شن حرب لإسقاط الحكومة الثورية الإيرانية المعادية للولايات المتحدة. فشن النظام العراقي الحرب على إيران، وكانت الحسابات أن تدوم أياماً، وإذا بها تمتد أكثر من ثمانية أعوام. وخلال سنوات الحرب قُدمت للنظام العراقي كل مستلزمات القوة لتحقيق النصر، وتم التجاوز عن تصرفات عراقية تعتبر كفراً في القاموس الأمريكي، حين هاجمت الطائرات العراقية سفينة أمريكية وقتلت /37/ بحاراً أمريكياً. ولم توجه الولايات المتحدة للقوات العراقية أية ضربة انتقامية، بل اعتبرت خطأً فنياً. بل انتقمت أمريكا من طائرة تجارية إيرانية في عام 1988، كانت تحلق في الأجواء الإيرانية، فقتلت /290/ مدنياً إيرانياً بريئاً بصاروخ من مدمرة أمريكية، كانت متواجدة في المياه الإقليمية لإيران. وكان لهذا الحدث دوره الكبير في إنهاء الحرب لصالح صدام حسين، فقد شعر الإيرانيون أن الولايات الأمريكية وضعت ثقلها العسكري بشكل كامل إلى جانبه، بعد أن كانت تقدم لـه فقط الدعم اللوجستي والعسكري، وترسل لـه الصور الملتقطة من طائرات التجسس الأمريكية على المواقع الإيرانية. وينسى وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد اليوم، أنه كان في العراق ضيفاً على صدام حسين في عام 1986، يقدم الخدمات لصدام حسين في حربه ضد إيران، والأدهى أنه لم ينطق بأية كلمة عن القنابل الكيماوية، التي صبت على أهالي حلبجة في حينها، التي يتباكى عليها في هذه الأيام. واستخدام جريمة حلبجة مثلاً على جرائم صدام، من قبل إدارة بوش من أجل ضحاياها، وليس على حدّة الجريمة وقسوتها، وهي مرفوضة حتماً من كل إنسان يملك وازعاً أخلاقياً، بل من أجل خلق ذرائع تبرر حرب على العراق. ونتذكر جميعاً وكل من كان يتابع مجريات الحرب العراقية الإيرانية، أن الإدارة الأمريكية كانت أثناء الحرب تتهم إيران بما جرى في حلبجة وليست العراق يومها. ومن هنا نجد تلون السياسة الأمريكية، وتقلباتها الحادة فحين كانت الحرب التي يخوضها النظام العراقي مع إيران، تصب في خدمة الأهداف الاستراتيجية للمصالح الأمريكية، كان يحصل على البراءة والتقدير. وحين يصبح نفس النظام عائقاً لمصالحها وأهدافها الاستراتيجية، تشوه صورته في المحافل الدولية وأمام الرأي العام العالمي، وتوضع الذرائع لشن الحرب عليه. من المعروف تاريخياً أن الولايات المتحدة تقلب ظهر المجن بسرعة تتجاوز سرعة البرق لحلفائها وأصدقائها من الأنظمة الحاكمة، أن شكلت تلك الأنظمة عائقاً لمصالحها، وتتخلى عن أشد حلفائها إخلاصاً أمام مصالحها. وفي مثال شاه إيران وماركوس الفلبين وسهارتو إندونيسيا وغيرهم عبرة لمن لا يعتبر من حلفاء أمريكا اليوم. بل هي لا تتورع عن التآمر على كل من كان يوماً في زمرة من عملوا في أحضان المخابرات المركزية مثل أورتيغا في بنما، الذي غزت بلاده القوات الأمريكية، واعتقلته حين أصبح يشكل تهديداً لمصالحها. بعد أن عمل زمناً طويلاً في خدمة مخابراتها المركزية، وشارك حتى في عملياتها القذرة بتجارة المخدرات. وثم تولى رئاسة البلاد. وحين اصطدمت مصالح أمريكا مع بعض المصالح الوطنية لبلاده، وأراد أن يبيض وجهه أمام شعبه، كانت نتيجته كما أسلفنا، ولا يزال إلى يومنا هذا يقبع في سجونها، دون أن يجد رحمة من أسياده السابقين. فلا وفاء للولايات المتحدة لكل من تحالف معها، وارتمى في أحضانها، فهي كالعقرب تلسع صاحبها في أي وقت تشاء. * الحجج الأمريكية الواهية لشن الحرب على العراق أما الحجة الكاذبة بأن النظام العراقي قد أعاد ترسانته من أسلحة التدمير الشامل وخاصة الكيماوي والبيولوجي، وأنه أعاد برنامجه النووي، مجرد أكذوبة مفضوحة تعرفها الإدارة الأمريكية قبل غيرها، فهي تعرف أن العراق لا يملك شيئاً مما تدعيه من الأسلحة، وتعرف بها الدوائر البحثية والاستراتيجية الأمريكية نفسها. ونقتطف بعض من التقرير، الذي تقدم به منتدى الحرية الرابعة ومعهد جوان ب. كروك لدراسات السلام الدولي بجامعة نوتردام الأمريكية فيقول: (لقد عرقلت عقوبات الأمم المتحدة المستمرة ضد العراق مقدرة النظام على إعادة بناء قدرته في مجال الأسلحة، وعلى الرغم من أن العقوبات لم تكن ناجحة في إقناع حكومة بغداد بالالتزام بقرارات الأمم المتحدة، فإنها كانت وسيلة فعالة كوسيلة للاحتواء العسكري. لقد منعت العقوبات حكومة بغداد من كسب سبيل للوصول إلى إيراداتها النفطية الضخمة، فالأمم المتحدة ـ وليس حكومة بغداد ـ هي التي تسيطر على معظم الدخل المستمد من مبيعات النفط العراقي. ومنذ العقوبات يقدر أن حكومة بغداد قد حرمت من أكثر من 150 مليار دولار من إيرادات النفط. ونتيجة لهذا فإن العراق عجز عن شراء ما يكفي من أسلحة وبضائع ذات صبغة عسكرية، لكي يعيد بناء قواته المسلحة ويحدثها. إن العجز المتراكم بالنسبة إلى العراق عن استيراد الأسلحة منذ عام 1990 يربو عن 50 مليار دولار. هذا هو المبلغ من النقود الذي كان العراق سينفقه على استيراد الأسلحة، لو أنه استمر في شراء الأسلحة بالمعدل الذي سار أثناء عقد الثمانينات الماضي. وعلى الرغم من أن العراق يكسب بعض إيراد لا قيود عليه عن طريق التهريب أو الصفقات السرية (يقدر ما بين 1.5 مليار و3 مليارات دولار سنوياً) إلا أن هذا الدخل ليس كافياً لتمويل برنامج تطور عسكري واسع النطاق. ونتيجة لهذا تقلصت مقدرة العراق على إنتاج أسلحة للدمار الشامل ووسائل إطلاقها)(39). ومن يراجع تاريخ التهديدات الأمريكية للعراق بالاجتياح والتهديد تحت ذريعة تهديده لجيرانه، وضرورة نزع سلاحه. فهذه التهديدات انطلقت موجتها الأخيرة بعد ثلاث ساعات من أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 كما أشرنا سابقاً من قبل وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد. على الرغم من انتفاء كل الدلائل على تورط العراق ونظامه بتلك الأحداث. وهذا ما يدل على توفر نية احتلال العراق مبيتة قبل الضربة. وتكشف بعض الوثائق أن عملية احتلال العراق والهيمنة على نفطه من قبل صناع القرار الأمريكي في عهد بوش الابن، ليست مرتبطة بأحداث الحادي عشر من أيلول، بل قبل الحدث بسنوات، حيث قام هؤلاء بتقديم مذكرة إلى الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون عام 1998، تدعوه إلى بناء وجود عسكري قوي في الخليج، والعمل على حماية مصالح الولايات المتحدة الحيوية عند الضرورة، ولو تطلب قلب النظام الحاكم في العراق. وكان من بين الموقعين عليها (دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الحالي، ونائبه بول وولفوتيز، وجون بولتون، وريتشارد بيرل، وجميعهم من المؤيدين لإسرائيل، كما وقع عليها إيليوت أبراهام الصديق لرئيس وزراء الكيان الصهيوني)(40). وكما أشرنا أن نفط العراق يلعب دوراً رئيسياً في تلك الحرب أعدتها الولايات المتحدة والصهيونية العالمية ضد العراق، فاحتلال منابع النفط العراقية يزيد من امتلاك الولايات المتحدة لنفط العالم، خاصة أن المصادر النفطية تشير إلى قرب نضوب الكثير من آبار النفط الأمريكية. وقد أعلنت وزارة الطاقة الأمريكية في بداية عام 2003 (أنه بحلول عام 2025 فإن مستوردات الولايات المتحدة من النفط ستزيد لتصبح حوالي 70% من إنتاجها النفطي).(41) لهذا إذا تمت السيطرة على النفط العراقي، فإن الولايات المتحدة تكون قادرة على سد تلك الاحتياجات، يقول الصحفي البريطاني "روبرت منسيك": (إذا ما تحقق الغزو، وتم تعيين نظام حكم موال لأمريكا فإن الأمريكيين سيسيطرون بذلك على فائض نفطي يصل إلى 112 مليار برميل من النفط. وإذا ما أضفنا الاحتياطي المؤكد من النفط العراقي، فإن الأمريكيين يكونون قد سيطروا ربما على ربع احتياطات العالم النفطية)(42)
* الحرب على العراق بداية إمبراطورية أمريكية والأخطر من احتلال النفط هو ما يرسم في الدوائر الأمريكية المتصهينة والدوائر الصهيونية، هو إعادة رسم الخارطة السياسية في العالمين العربي والإسلامي، والذي يستهدف تقسيم العرب والمسلمين وإذلالهم وإضعافهم، وإعادة تقسيمهم أجزاء طائفية وقطرية وعشائرية، وغيرها من التقسيمات التي تسهل نهب ثروات المنطقة وأولاها النفط، وسيطرة كاملة للولايات المتحدة على الأرض والثروة، وحماية الكيان الصهيوني بما يحقق المشروع الصهيوني في المنطقة. وتبرهن الأحداث التي تلت الحادي عشر من أيلول، إن الإدارة الأمريكية التي يغلب على منشأ معظم زعمائها من شركات النفط، أن الولايات المتحدة رأت في مستقبلها الاقتصادي، واستمرارها في الهيمنة على العالم، والتفرد بزعامته يكمن في السيطرة على مصادر الطاقة، الذي يلعب النفط الدور الرئيسي فيه. فالنمو الاقتصادي لبعض الدول كالصين واليابان ومنظومة السوق الأوربية كلها، تهدد تلك الزعامة الدولية لها، واقتصادها مهما بلغ من النمو والتنوع غير قادر في المستقبل على المواجهة الاقتصادية لتلك الدول والتجمعات، كما أن هناك دول قد تظهر فجأة تملك القوة الاقتصادية والعسكرية مما يربك وضعها. فوجدت أن سيطرتها على النفط، يعطيها استمرارية القوة بالتحكم بعصب الحياة للصناعة الدولية. وإمكانية فرض الهيمنة على اقتصاد العالم، وتسييره وفق أجندة خاصة بالولايات المتحدة. وفي عودة إلى مبدأ كارتر الذي صدر في 24 نيسان عام 1980، وكانت منطقة الخليج ملتهبة في نذر حرب بين العراق وإيران، والذي تضمن الكفالة المسلحة الأمريكية لحماية مصالحها النفطية، فيقول المبدأ: (إن كل محاولة تقوم بها قوى خارجية. بهدف السيطرة على الخليج، ستعتبر انتهاكاً للمصالح الحيوية لأمن الولايات المتحدة الأمريكية. وبصفتها تلك ستلقى الصد بكل الوسائل الممكنة، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة)(43) وترى الولايات المتحدة بترسانتها العسكرية الجبارة اليوم، يمكنها تحقيق ما تريد، دون أن تجد رادعاً عسكرياً دولياً في مواجهتها. وهذه فرصة تاريخية نادرة قد تفلت منها بمرور الزمن. كما أن الوضع الدولي بعد أحداث 11 أيلول يعطيها فرصة السيطرة على قرارات الهيئة الدولية ومجلس الأمن. فسعت إلى إطلاق شعار محاربة الإرهاب، ووضعت ما يزيد على ستين بلداً في تلك اللائحة، وأولها العراق وإيران ودول في منطقة الخليج للسيطرة على النفط. وشددت من تهديداتها على العراق بعد ضمان خط النفط المار بأفغانستان. ومن المفارقات التي تكشف أهداف الولايات المتحدة الخفية التي أشرنا إليها، سكوتها المفاجئ عن ابن لادن والملا عمر وتنظيما القاعدة وطالبان، ليصبح صدام حسين ونظامه بدلاً عنهما المهدد الرئيسي للولايات المتحدة ولمصالحها. وأنه يمكن أن تلحق صواريخه أضراراً بالولايات المتحدة، على الرغم من التقرير الذي أشرنا إليه سابقاً بأن العراق لم يعد يملك من صواريخه القصيرة المدى سوى اثنين، ولم تجدهما لجنة التفتيش أنسكوم ولا الحكومة العراقية. ولعل بوش يرعب شعبه من الصاروخين المفقودين، إن وجدهما صدام حسين. هل هناك استخفاف بالعقل البشري أكثر من ذلك؟. وكما أشرنا أن النفط هو الغاية في الحرب على العراق والتخطيط لاحتلاله فالدلائل واضحة وجلية، عندما نراجع خلفية بعض صناع القرار في الإدارة الأمريكية، فكما أشرنا سابقاً معظمها من العاملين في شركات النفط: ـ فالرئيس جورج بوش الابن ينحدر من عائلة تملك شركات نفطية كبيرة معروفة في تكساس. ـ وديك تشيني نائب الرئيس كان رئيساً لشركة هاليبرتون في دالاس، وهي من أهم شركات الخدمات النفطية في العالم. و(قد بلغ دخل تشيني منها عام 2000 فقط 36 مليون دولار). ـ ومستشارة الأمن القومي المعادية للعرب والمسلمين غونداليزا رايس، كانت تعمل عضوة في مجلس إدارة شركة شيفرون النفطية من عام 1991 إلى عام 2000. ومن ابتهاج الشركة على تعيينها في هذا المنصب الرفيع، أطلقت اسمها على إحدى ناقلاتها البترولية. ـ وغايل نورتون وزير الداخلية كانت تعمل في مركز أبحاث محافظ تموله شركات نفطية. ـ ووزير التجارة (دون إيفانز) كان رئيساً لشركة توم براون إنكربوريشن النفطية المعروفة في تكساس حتى عام 2000، وكان يتولى إدارة (تي. أم. بي. آر) شارب للتنقيب عن النفط. ـ ووزير شؤون الجيش توماس دايت كان نائباً لرئيس خدمات إيزون للطاقة. ـ ونائب وزير الداخلية (ستيفن غريلز) أحد شخصيات مؤسسة بيئية تمولها الصناعات النفطية والكيميائية. ـ ونائب وزير الطاقة (فرانسيس بلايك) كان نائباً للرئيس الأول لشركة كروبوريت بزنس النفطية. ـ ونائبة وزير التجارة للشؤون الاقتصادية (كاتلين كوبر) مديرة سابقة في شركة إيكسون موبيل كوربوريشن. ـ ومساعد وزير الطاقة (دان بروليت) لـه حصص في مجموعة شركات الباين النفطية.(44) علماً أن ديك تشيني نائب الرئيس حصل من خلال صفقات بترولية، قام بها مع العراق لصالح شركته النفطية هاليبرتون من خلال ما أطلق عليه النفط مقابل الغذاء، على ما يقارب 36 مليون دولار عمولة (بزنس)، لجهوده في الحصول على تلك الصفقة البترولية الكبيرة مع العراق(45). فيتضح أن هذه الإدارة المنبثقة عن شركات النفط عدا وزير الخارجية كولن باول، إدارة تبحث عن السيطرة على النفط من جانب، ولزيادة ثروتها الشخصية من خلال عمولتها من الصفقات، وتوفير مصادر النفط للشركات البترولية العالمية. فالحرب التي أعلنت على الإرهاب التي أعلنها الرئيس الأمريكي جورج بوش وإدارته، كما نرى بعد مضي أشهر قليلة أصبحت حرباً من أجل الاستيلاء على نفط الشعوب ونهبها. وليس غريباً أن يدلي كولن باول وزير الخارجية الأمريكي يوم الأربعاء 22/1/2003، أن البترول العراقي سيكون أمانة بيد الجيش الأمريكي.(46) فاللص والمغتصب أصبح الأمين على ثروات الشعوب، ولكن الشعب العراقي الذي مات منه ما يقارب المليون إنسانا خلال عشر سنوات من الحصار، ومن قصف الطائرات الأمريكية والبريطانية، والتي تجوب أجواء العراق جنوباً وشمالاً، تقصف وتقتل ما تشاء من المدنيين، هل يملك هذا الجيش المحتل أي صفة من صفات الأمانة؟ * شعوب العالم ترفض الحرب القذرة على العراق أظهرت ردود الفعل الدولية وخاصة الشعبية منها على الحشد الأمريكي العسكري لشن حرب على العراق، قدرة تلك الشعوب من خلال حثها على اكتشافها لأهداف تلك الحرب وغايتها غير الشريفة، فهي ليست كما تدعي الإدارة الأمريكية بأن الحرب على العراق من أجل تخليص الشعب العراقي من دكتاتورية صدام حسين، ولا من أجل أمن وحماية دول الجوار العراقي من شروره، ولا من الخوف على أراضي الولايات المتحدة من صواريخ صدام. بل هي استراتيجية بعيدة للولايات المتحدة للهيمنة على ثروات العالم، ويقوم الرئيس بوش وإدارته اليمينية بتنفيذها، من خلال حروب تنسف الاستقرار والسلم الدوليين. هذا ما أعلنته الشعوب في الكرة الأرضية من اليابان وإندونيسيا شرقاً مروراً بالشعوب الآسيوية والأفريقية والأمريكية اللاتينية غرباً، وكذلك الشعوب الأوربية، التي خرجت بالملايين، وكذلك قطاع واسع من شعب الولايات المتحدة، وحتى أهالي ضحايا 11/أيلول ذهبوا إلى العراق، ووقفوا يعارضون الحرب على شعب محاصر وجائع. وتشكلت حركة أمريكية مناوئة للحرب مع العراق، ولتوجهات إدارة بوش العدوانية أسمت نفسها (ليس باسمنا). وأخرجت أولى تظاهراتها ضد الحرب يوم الأحد 6/10/2002 في الساحة المركزية في نيويورك، وكان من بينهم أقارب ضحايا الحادي عشر من أيلول احتجاجاً على الحرب ضد العراق، ورفعت لافتات تطالب بتغيير النظام في واشنطن، ووصفت الرئيس جورج بوش الابن (الإمبراطور جورج المجنون)(47). واتخذت بعض المعارضات أشكال منها عرائض حملت مئات التواقيع من العاملين في الإبداع والبحث والفكر والفن في الولايات المتحدة الأمريكية، ونذكر هنا المذكرة الغاضبة التي أرسلتها النجمة والناشطة السياسية الأمريكية (باربرا سترايسند) إلى الزعيم الديمقراطي (ريتشارد غيبهارت)، طالبة منه بالانتقال من المواقع الدفاعية إلى الهجوم لوقف التهديدات بالحرب، التي يشنها الرئيس بوش، وبعدم (تجاهل التأثير الواضح على إدارة بوش لمصالح صناعة النفط والشركات وشركات الكيماويات وصناعة الأخشاب على سبيل المثال لا الحصر). وقالت: (من الواضح أن العديد من هذه الصناعات التي يديرها مانحون جمهوريون كبار ومقربون من الحزب الجمهوري، ستحقق مكاسب كبيرة، إذا خضنا حرباً ضد العراق) وحثت (سترايسند) الديمقراطيين، على عدم السماح لبوش باستخدام الحرب لصرف الأنظار عن سياساته الداخلية والاقتصادية، وفشله في تفكيك شبكة القاعدة الإرهابية بالكامل. وكتبت (سترايسند) في مذكرتها: (صدام لم يفجر مركز التجارة العالمي). وأضافت أن على الحزب الديمقراطي أن (ينقل علناً هذه الرسالة إلى الشعب الأمريكي).(48) ورغم معارضة تلك الملايين من شعوب الأرض الرافضة لتوجهات الحرب، التي تعدها الولايات المتحدة ضد العراق، بل استمرت في تحدي إرادة تلك الشعوب، وحشدت ما يقارب ربع مليون عسكري، مسلحون بكل أنواع الأسلحة الحديثة، لشن حرب تدميرية على العراق. ضاربة عرض الحائط شعاراتها حول الديمقراطية، والانصياع لإرادة الشعوب. * أوربا والخوف من الهيمنة الأمريكية على مصادر الطاقة إن المؤشرات الاقتصادية للولايات المتحدة تؤكد قابليتها لأزمة اقتصادية كبيرة خلال السنوات العشرين، فقد بدأت بعض شركاتها العملاقة تتعرض للانهيار، وهذا ما ينبأ عن انهيار اقتصادي ضخم للولايات المتحدة. لم يجد خبراؤها الاستراتيجيين من حل سوى الاستيلاء على منابع الطاقة، والتحكم بها لمواجهة هذا الانهيار، مستخدمة كل ما لديها من قوة عسكرية. إلا أن هذا الحل الاستراتيجي البعيد المدى لحل الأزمة الاقتصادية الأمريكية الحالية، التي بدأت تتفاقم. بعد أن أشارت بعض المصادر إلى إفلاس وخسائر لشركات أمريكية بلغ تعدادها المليون ونصف بين شركة كبيرة وصغيرة أمريكية(49). أوجد الحل الاقتصادي بالاستيلاء على مصادر الطاقة في العالم، إلى حالات من الشرخ في العلاقات بين الولايات المتحدة حلفائها الأوربيين وخاصة ألمانيا وفرنسا، اللتان شعرتا بخطورة الاستيلاء الأمريكي على منابع الطاقة، وانفراد الولايات المتحدة بها. مما يزعزع الاقتصاد العالمي ككل، ويهدد الصناعة الأوربية بشكل خاص، حيث يضعها تحت رحمة الولايات المتحدة. فلم يخف وزير خارجية الولايات المتحدة كولن باول في تقريره أمام الكونغرس في 9/2/2003. أن يعلن بصراحة أن الولايات المتحدة بعد احتلالها للعراق، ستقوم بإعادة ترتيب المنطقة وفق المصالح الأمريكية وشروط السلام الصهيوني. أي أن تصبح المنطقة العربية في ظل هيمنة أمريكية صهيونية. ومن هنا جاءت معارضة فرنسا وألمانيا لشن حرب على العراق. مما أحدث انقساماً حاداً في اجتماع وزراء دفاع الأطلسي (الناتو) يوم الأربعاء 5/2/2003، حين عارضت كل من ألمانيا وفرنسا وبلجيكا اقتراحاً أمريكياً بدعم الحلف لتركيا، إذا خاضت الحرب مع العراق. فكان الرفض الثلاثي صفعة حادة للولايات المتحدة، التي تحاول توفير حشد أوربي وعالمي لحربها مع العراق، وتعثرت العديد من الاجتماعات المتتالية لرأب الصدع داخل الحلف حتى خرجوا بعد صيغة توفيقية، لم تحضرها فرنسا. إن التمرد الفرنسي والألماني يشكل أولاً البدايات بعد انتهاء الحرب الباردة، لتفرد الولايات المتحدة في إدارة الأزمات الدولية، ووقف حالة الطاعة للسيد الأمريكي، وإلى بذور توجهات نحو تعددية قطبية، تخلق نوعاً من التوازن الدولي. هذا التوجه الجديد لفرنسا وألمانيا، أوجد لهم من يساندونهم في مواقفهم كالروس والصينيين. وهذا ما اتضح في الدعوات للدول الأربع في منع الحرب على العراق، مع الاتفاق على نزع أسلحة العراق، ولكن بطريقة سلمية بعيدة عن الحروب. * الذرائع الواهية لشن الحرب على العراق من الغباء السياسي الأمريكي البريطاني لشن الحرب على العراق، هو استغباء الآخرين. من خلال ما يطرحونه من أدلة غالبها ملفق على العراق، فسرعان ما تكشفها الأوساط العلمية والإعلامية. وتصنيع ذرائع واهية لإيجاد المبرر للحرب على العراق، حتى ولو كان كذباً. وهذا ما أفقد مصداقية إدارتي بوش وبلير في الولايات المتحدة وبريطانيا، حتى عند شعبيهما. ففي استطلاع جرى في بريطانيا ونشرته كافة وسائل الإعلام يوم الثلاثاء 11/2/2003، يشير إلى أن غالبية البريطانيين العظمى ترفض الحرب، ووصلت نسبة الرافضين للحرب من الشعب البريطاني إلى 80%. وكذلك في الولايات المتحدة فإن الغالبية العظمى ترفض تلك الحرب، رغم أن الإعلام الذي تتحكم به القوى الصهيونية واليمينية الداعمة للحرب، يحاول أن يزيف رفض الشارع الأمريكي لتلك الحرب. فذكر أحد الباحثين أن الصحافة الشعبية الأمريكية، تبين الغالبية العظمى من الشعب الأمريكي ترفض الحرب، إلا أنها تُزوّر من قبل الصحافة الأمريكية الكبيرة. وذكر أن سيدة أمريكية، ذكرت أنها كانت تريد أن تعبر عن رأيها عن رفضها للحرب، ولكنها لم يسمح لها، حتى اتصلت في إحدى القنوات، وسئلت قبل أن تظهر على الهواء مباشرة، فقالت إنها مؤيدة، ولكنها مجرد أن أصبحت على الهواء، عبرت عن رفضها للحرب، فقطع الإرسال مباشرة(50). وهذا ما يدل على تزوير كثير من الاستطلاعات، التي تجريها صحف أمريكية متصهينة، يظهر أن غالبية الشعب الأمريكي مع الحرب على العراق. ومن دلائل تزوير وتلفيق ذرائع الحرب على العراق، هو ما كشفته الصحافة البريطانية. فقد قدمت الحكومة البريطانية تقريراً وزع على أعضاء مجلس الأمن، قبل أن يلقي الوزير كولن باول تقريره ضد العراق في يوم الأربعاء 5/2/2003. بينت فيه أن العراق خرق قرارات الأمم المتحدة، وأشاد به باول في جلسة الأربعاء المذكورة.(51) ولكن تبين أنه نقل أربع صفحات منه من رسالة لطالب أمريكي من أصل عراقي يدعى /إبراهيم مرعشي/، أما باقي التقرير نسخ من رسائل جامعية، كما قال /غلين رانجوالا/ الاختصاصي بالشؤون العراقية في جامعة كامبردج: (إن أحد عشر صفحة من صفحات التقرير التسع عشرة أخذت بالكامل من رسائل أكاديمية) وعقب بقوله: (إذا كان طبيعة "معلومات" الاستخبارات هي في الواقع مجرد بحث عبر الأنترنيت فإنها تثير الشك حول درجة الإقناع في مزاعم الحكومة السابقة).(52) وفضحت القناة الرابعة في التلفزيون البريطاني يوم الخميس 6/2/2003 أصل هذا التقرير البريطاني، فقالت (إن مقالة نشرها إبراهيم المرعشي في مجلة "ميدل إيست ريفيو أوف إنترناشيونال أفيرز" شكلت أربع صفحات من الملف، أما محتوى أكثر من ست صفحات من الصفحات الباقية، فقد اعتمد على مقالات كتبها شون بوين وكين جوس، وظهرت في نشرة "جينز أنتليجنس ريفيو" في تشرين الثاني من العام 1997).(53) وهذا يدلل على ضعف المبررات لشن حرب على العراق. ثم أطلقت الولايات المتحدة ذريعة أخرى للحرب بربط العراق بتنظيم القاعدة، والذي نفاه أسامة بن لادن في الشريط الذي عرضته قناة الجزيرة مساء الأربعاء 12/2/2003، بل كفر النظام. إلا أن الولايات المتحدة وبريطانيا اعتبراه رغم النفي، أن هناك علاقات بين النظام وتنظيم القاعدة. كل ذلك يبين مدى تفاهة المبررات أمام الإصرار على تنفيذ مخطط رهيب يبدأ في العراق وينتهي غرباً في طنجة وشرقاً في جاكارتا. * الفصل التاسع التهيئة الأمريكية البريطانية للعالم لاحتلال العراق بدأت الحملة الأمريكية لاحتلال العراق كما أشرنا بعد الساعات الأولى لانتهاء أحداث نيويورك وواشنطن، ثم أخذت تستعر بشدة من قبل الإدارة الأمريكية وحليفها رئيس الوزراء البريطاني توني بلير لتحضير العالم وتهيئته للقيام بعمل عسكري مشترك بينهما ضد العراق ونظامه، من خلال تضخيم دعاية بأن العراق يملك أسلحة دمار شامل، وأنه يطور أسلحته الكيماوية والجرثومية، ويسعى لإعادة العمل بمشروعه النووي. واعتبرت الدولتان العراق يقوم باختراق لقرارات مجلس الأمن الدولي التي تحظر عليه امتلاك أو تطوير أسلحة الدمار الشامل والصواريخ التي تتجاوز الخمسين كيلو متراً، ومنعه من إعادة بناء مشروعه النووي، وتدمير كل ما لديه من تلك الأسلحة، وبضرورة عودة المفتشين الدوليين للعراق للتفتيش عن تلك الأسلحة. وتم تضخيم القدرات العراقية العسكرية لتصور للغرب عامة والشعب الأمريكي خاصة، بأنها تشكل تهديداً خطيراً للأمن القومي للولايات المتحدة. وهي أكذوبة يعلم مطلقيها قبل غيرهم إن العراق كما أشرنا في فصل سابق قد دمرت أسلحته على يدي مفتشي (أنسكوم)، استمرت سبع سنوات منذ انتهاء حرب الخليج الثانية. وهذا ما أثبتته لجان التفتيش الدولية التي انبثقت عن قرار مجلس الأمن رقم (1441)، سواء مفتشو الأسلحة النووية التابعون لوكالة الطاقة النووية برئاسة محمود البرادعي. أو مفتشو الأسلحة الجرثومية والكيماوية والصاروخية برئاسة هانز بليكس، حيث لم تعثر على تلك الأسلحة المزعومة. وفي الأشهر الأخيرة التي سبقت الحرب، وسعت الحملة الأمريكية والبريطانية دائرة الذرائع لتبرير الحرب، لتشمل ضرورة تغيير النظام في العراق إضافة لنزع أسلحة العراق. تحت ذريعة الخطر الذي يشكله صدام حسين على الأمن القومي للشعب الأمريكي. لأن هناك تعاوناً بينه وبين منظمات إرهابية، منها تنظيم القاعدة ضد الولايات المتحدة ومصالحها، حتى وصل الأمر بالحملة الدعائية الأمريكية ضد العراق بالتأكيد على وجود علاقة بين صدام ونظامه في أحداث الحادي عشر من أيلول. وقبل الحرب بأيام، حاولت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا وإسبانيا الحصول على موافقة دولية لشن حرب على العراق، لكنها فشلت بسبب المعارضة الدولية للحرب، والتي تزعمتها روسيا وفرنسا وألمانيا. وللتأكيد على موقف الدول الثلاث المعارضة للحرب أصدروا بياناً مشتركاً في 5/آذار/2003، طالبوا فيه بضرورة إعطاء فرصة للمفتشين مدة زمنية لاستكمال مهمتهم. بعد أن وافق العراق على عودتهم، وتعاون معهم إلى أقصى حدود التعاون، حتى أنه باشر بتدمير صواريخ (الصمود) القصيرة المدى بناء على طلب لجان التفتيش. (نص البيان الثلاثي في الملحق) ورغم ما قدمه كل من البرادعي وبليكس من تقارير، يبينان فيه عدم عثور المفتشين على أي من أسلحة الدمار الشامل أو استئناف البرنامج النووي لدى العراق، إلا أن كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا استمرتا في حملتهما الدعائية ضد العراق. ومن ثم بدأ الحشد العسكري الأمريكي والبريطاني والأسترالي في الخليج لشن حرب على العراق. بذريعة أن صدام ونظامه يشكل خطراً على المجتمع الدولي وعلى جيرانه وشعبه، ولا بد من تحرير العراق منه وإرساء الديمقراطية وفق النموذج الأمريكي. * مبررات الرئيس جورج بوش لشن الحرب على العراق وضع الرئيس جورج بوش قبل أيام من شن الحرب على العراق مبررات ومسوغات تلك الحرب، من خلال خطاب ألقاه في 27/شباط/2003 في مؤسسة الأبحاث (أمريكان إنتربرايز)، ورغم ما جاء فيه من مبررات ثبت بعد الحرب بطلانها، إلا أننا رأينا تقديمها للقارئ كوثيقة من وثائق تلك الحرب الظالمة، نبرز من خلالها جبروت وطغيان القوة الأمريكية تجاه البلدان الضعيفة. ونذكر مما جاء في هذا الخطاب التالي: ـ أضاف إلى المبررات السابقة لشن الحرب على العراق، ضرورة تغيير نظامه السياسي بالقوة، حفاظاً على أرواح الأمريكيين من خطر أسلحة صدام حسين عليهم، ومن أجل ما أسماه تحسين فرص السلام ما بين العرب والكيان الصهيوني، وكأن النظام العراقي يملك صواريخ عابرة للقارات تهدد القارة الأمريكية، وأنه يمنع عملية السلام التي لم تنفذ إسرائيل أي منها، فقال: (إن إنهاء هذا الخطر المباشر والمتنامي أمر ضروري لحماية سلامة الأمريكيين، وسيمهد الطريق لمرحلة جديدة للسلام في الشرق الأوسط). ـ أكد في خطابه على الخطر الذي تشكله الأسلحة العراقية على العالم، لأنها بيد ديكتاتور لا يعيش إلا بالدماء، وأن هناك علاقات بين نظام صدام حسين والمنظمات الإرهابية في العالم، فقال إن في العراق: (دكتاتوراً يبني ويخفي أسلحة تسمح لـه بالسيطرة على الشرق الأوسط، وترهب العالم المتحضر، ونحن لن نسمح بذلك. ولهذا الدكتاتور علاقات وثيقة مع التنظيمات الإرهابية، ويمكن أن يزودها بالأسلحة الرهيبة لضرب هذه البلاد، وأمريكا لن تسمح لـه بذلك...) ـ أتهم النظام العراقي بزرع الفتن بين الدول، وقدم الشكل الجديد للعراق وفق المنظور الأمريكي بعد احتلاله قائلاً: (النظام العراقي أظهر قوة الطغيان في نشر الخلافات والعنف في الشرق الأوسط. والعراق المحرر سيظهر قوة الحرية في تحويل هذه المنطقة الحيوية من خلال جلب الأمل والتقدم لحياة الملايين. مصالح أمريكا وأمنها وإيمان أمريكا بالحرية كلها، توصل الاتجاه ذاته: إلى عراق حرّ مسالم). ـ تعهد في حال استخدام القوة مساعدة العراق بالإمدادات الضرورية، كما تعهد بتوفير الأمن ضد الذين يسعون للانتقام، وتهديد وحدة التراب العراقي، وحول النظام الجديد في العراق بعد نظام صدام حسين قال: (لا تنوي الولايات المتحدة تقرير طبيعة وشكل الحكومة العراقية الجديدة، فهذا خيار للشعب العراقي. ولكننا سنضمن عدم استبدال ديكتاتور قاس بآخر، يجب أن يكون هناك صوت لجميع العراقيين في الحكومة الجديدة، ويجب حماية حقوق جميع المواطنين). ـ وعن مدة الاحتلال لم يضع مدة زمنية لفترة الاحتلال بل قال: (وسنبقى في العراق طالما دعت الضرورة، ولكن ليس يوماً أكثر من اللازم). وبرر أن من أهداف شن الحرب ما أسماه نشر الديمقراطية في العراق، وأشار إلى تجارب الاحتلال الأمريكي في اليابان وألمانيا، حيث أرسى الاحتلال الديمقراطية في البلدين، وهذا ما سيجري على العراق، فقال: (إن الكثيرين يشككون بقدرة اليابان وألمانيا على صيانة قيم الديمقراطية، ولكنهم أخطئوا.. والبعض يقول الشيء ذاته حول العراق، وهم مخطئون أيضاً). ـ وأدعى أن تغيير النظام في العراق سيحل مشكلة الشرق الأوسط أي الصراع الصهيوني الفلسطيني، ويجفف التمويل والدعم للمنظمات الفلسطينية المقاومة للاحتلال الصهيوني فقال: (إن النجاح في العراق سيبدأ مرحلة جديدة للسلام في الشرق الأوسط، ويبدأ بعملية التقدم باتجاه دولة فلسطين الديمقراطية، وسيحرم شبكات الإرهاب من راع ثري يمول تدريب الإرهابيين، ويقدم المكافآت لعائلات الانتحاريين). ـ ووجه تحذيراً لأعضاء مجلس الأمن الرافضين إعطاء الولايات المتحدة وبريطانيا قراراً بشن الحرب على العراق وقال: (إنه خلال المواجهة مع العراق كانت الولايات المتحدة تؤكد التزامها بالمؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة.. وإن أمريكا تؤمن بمجلس الأمن، ولذلك تريد أن تكون لقراراته معنى) أي أن يؤيده باستخدام القوة ضد العراق.(54). * الفصل العاشر احتلال العراق رغم محاولات الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا لاستصدار قرار من مجلس الأمن في السابع من آذار 2003، وعلى الرغم مما قدمه كولن باول وزير الخارجية الأمريكي من تقرير حاول فيه إقناع المجلس بتبرير الحرب ضد العراق لامتلاكه أسلحة الدمار الشامل، وأنه أخفاها عن المفتشين الدوليين، ولا يزال يراوغ في تنفيذ قرار مجلس الأمن /1441/، الذي يدعو العراق لنزع أسلحته. إلا أن عدداً هاماً من أعضاء المجلس لم يقتنعوا بما جاء في تقرير باول، والسبب أن كل من البرادعي وبليكس قدماً تقريرين أكدا فيهما عدم اكتشاف المفتشين لتلك الأسلحة رغم التفتيش المفاجئ، وبينا أن العراق يتعاون معهما ضمن القرار الدولي 1441، وطالباً من المجلس مدة زمنية إضافية لاستكمال عمليات التفتيش. ولما تبين للولايات المتحدة أن الحصول على غطاء دولي لشن حرب على العراق مستحيلاً، بسبب إعلان كل من فرنسا وروسيا عن إمكانية استخدام حق /الفيتو/ ضد أي قرار يتضمن شن الحرب على العراق، تحركت خارج نطاق المجلس، لتشن حرباً على العراق دون أي غطاء دولي شرعي. فعقد اجتماع للحرب ضم كل من الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس وزراء بريطانيا توني بلير ورئيس وزراء أسبانيا أزنار في البرتغال في 16/3/2003، حيث أمهل الثلاثة المجتمع الدولي /24/ ساعة لإعطاء ترخيص للحرب، وإلا فإنهم سيتحركون منفردين وبمشاركة من يرغب من الدول، من أجل إسقاط النظام الحاكم فغي بغداد (55). واتفق الرؤساء الثلاثة على شن الحرب على العراق في النصف الثاني من شهر آذار. وفي ليلة 17 آذار وجه الرئيس الأمريكي خطاباً، أنذر فيه الرئيس العراقي صدام حسين بمغادرة العراق خلال 24 ساعة مع ولديه عدي وقصي، وإلا سيواجه ضربة عسكرية تحدد واشنطن توقيتها، واعداً أنه بعد تحرير العراق فإن العراقيين سيقدمون نموذجاً لكل شعوب الشرق الأوسط. وأكد أن الولايات المتحدة وحلفاءها مجازون باستخدام القوة لإزالة أسلحة العراق، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة الصادرة منذ التسعينات، مشدداً على (أن أمن العالم يتطلب نزع أسلحة صدام الآن) ونصح (كافة المواطنين الأجانب بمغادرة العراق)(56). ورفض العراق الإنذار، ودعا الشعب لمواجهة الغزو الأمريكي البريطاني عبر رسالة وجهها صدام حسين. وفي العشرين من شهر آذار 2003 شنت الولايات المتحدة بالتحالف مع بريطانيا واستراليا حرباً عسكرية غير متكافئة مع العراق المنهك من الحصار والديون والحروب، استخدمت قوات التحالف أحدث ما لديها من أسلحة متطورة جواً وبراً وبحراً. وبقيت الحرب على أشدها إلى صباح يوم التاسع من نيسان، حين سقط الجزء الأهم من بغداد، فانهارت الدفاعات العراقية التي قدمت في بداية الحرب أروع أشكال الصمود والدفاع أمام قوات الغزو المدججة بأحدث الأسلحة المتطورة. وضربت بلدة (أم قصر) الحدودية مثالاً على التحدي ومواجهة الغزاة، ورفض الاستسلام على الرغم من صغر البلدة، التي لا تتجاوز الثلاثة أحياء سكنية، ومن قربها من الحدود الكويتية التي انطلقت منها قوات الغزو. حيث بقيت فيها جيوب المقاومة أكثر من عشرة أيام، تصد الهجمات المتتالية لقوات التحالف الغازية، والتي تفوقها آلاف المرات عدة وأعداداً. وحين أسر الغزاة المقاومين تبين أنهم كانوا أقل من فصيلة مشاة. فقد كان صمودهم مثار إعجاب العالم كله، الذي كان يتابع هذا الصمود العظيم عبر شاشات التلفاز العربية والعالمية. ولم تكن أم قصر وحدها المثل الوحيد في المقاومة، بل كانت كل مدن الجنوب والوسط والموصل وما حولها أمثلة في المواجهة. وقدر البرفسور أنتوني كوردسمان الذي يعمل في مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية في واشنطن تقريراً في التاسع من نيسان 2003 جاء فيه حول ما استخدمته قوات التحالف من قوة نارية ضد العراق داء فيه: ـ افتقار شبه كلي إلى المعلومات الأساسية عن الحملة الجوية التي شملت حتى التاسع من نيسان /أبريل نحو 34 ألف طلعة، منها 13 ألف إغارة، و6850 طلعة تزويد بالوقود في الجو، و6500 طلعة جسور، وأكثر من 2250 طلعة مخابرات واستطلاع استراتيجي. ـ .. إطلاق أكثر من 750 من صواريخ كرزو، وما بين 15 ألفاً و16 ألف وحدة ذخيرة دقيقة التصويب، و7500 سلاح غير موجه...(57). وقد رأى بعض المحللين والصحفيين بقصور من الرؤية، إن بغداد قد سقطت دون قتال. وإن الرهان كان على أن يحدث قتال شديد في بغداد أسوة بأم قصر وغيرها، دون أن يدركوا أن بغداد قد قاتلت منذ اليوم الأول للحرب، حين تعرضت لقصف جوي وبري وبحري متواصل مدى عشرين يوماً، أي ما يعادل حسب تقدير كثير من الخبراء العسكريين في العالم ثلاثة قنابل نووية من التي ألقيت على هورشيما اليابانية، كما أبيدت عدداً من فرق من الحرس الجمهوري، التي كانت تحمي بغداد مثل فرقة نبوخذ نصر وغيرها. وذكر وزير الحرب الأمريكي أنه تم استخدام أحدث الأسلحة والقنابل الحديثة، التي لم يعرف عنها العالم شيئاً. وقد أشارت العديد من وكالات الأنباء أيضاً عن صفقة تمت بين أجهزة المخابرات الأمريكية مع حفنة من قادة الجيش والحرس الجمهوري، خان هؤلاء القادة بلادهم مقابل حفنة من الدولارات، مع تامين ملاذ آمن خارج العراق، على أن يقوموا بتسليم البلاد، وإعطاء الجيش والحرس أوامر بترك مواقعهم العسكرية والسماح للقوات الغازية باحتلال البلاد. إلا أن هذه المعلومات ليست مؤكدة وغير دقيقة، وتحتاج إلى التدقيق والتقصي للوصول إلى مصداقيتها. والقارئ يعرف أن أسرار الحروب تحتاج لسنوات حتى تظهر جزء من أسرارها، ولن تظهر حقيقتها بشكل كامل. * من مفاعيل الاحتلال الأولية للعراق. برزت في الأيام الأولى أكذوبة حرية العراق وتحريره من الدكتاتورية، فقد تجلت في تصرفات جنود الاحتلال من خلال التفتيش الكيفي للمنازل العراقية المدنية، التي لم يكن لسكانها أية علاقة بالحرب والمحمية بالقانون الدولي من خلال اتفاقية جنيف. فقد كان جنود الاحتلال يعيثون فساداً في منازل المواطنين من سرقة المال والحلي والأشياء الثمينة، واعتقال مواطنين العراق بدون تهمة، ووضعهم في مواقف مزرية، حيث يغطى الرأس بأكياس، وتصفد أيديهم بالحبال، ويبقون في العراء دون السماح لهم حتى بالتحرك لأغراض شخصية، وإبقاء العديد منهم في الصحراء تحت شمس حارقة. والقتل العمد بدون أي سبب، وامتهان كرامتهم. * ومن نتاج ذلك الاحتلال: ـ سرقة وتدمير كنوز العراق الأثرية من خلال نهب منظم من قبل مافيا أمريكية وصهيونية ودولية منظمة تحت أنظار قوات الاحتلال لمتحف بغداد، الذي يضم عشرات الآلاف من القطع الأثرية لحضارة امتدت سبعة آلاف عام. مما أثار استهجان العالم كله، وأعاد للذاكرة تدمير هولاكو التتري لبغداد. وقد طالبت معظم المنظمات الثقافية في العالم بإعادة المسروقات لأنها ملك البشرية جمعاء لا ملك العراق وحده. ـ إفساح المجال للصوص لحرق وتدمير وسرقة البنى العلمية والتعليمية المصرفية وغيرها، بهدف تدمير العراق شمولياً. فلم تسلم الكليات العلمية من التدمير والنهب المنظم، وكذلك الوزارات والمؤسسات الرسمية ودوائر الأحوال الشخصية والمباني الحكومي. ـ أصدرت الإدارة الأمريكية المحتلة قراراً بحل الجيش العراقي، وإلغاء الأجهزة الأمنية والأجهزة شبه العسكرية التي تمولها الدولة، مما أدى إلى فقد أكثر من نصف مليون لوظائفهم ولمصدر عيشهم الوحيد. ـ تدمير المرافق العامة وعدم إصلاحها كالكهرباء والماء والصرف الصحي. ـ انعدام الأمن كلياً حيث تتحول المدن بعد غروب الشمس مرتعاً للصوص وقطاع الطرق. ـ في حين تعلن القوات المحتلة عن وجود مقابر جماعية قام بها النظام السابق، بلغ عدد قتلى القوات المحتلة للعراقيين ما يقرب الثمانية آلاف إضافة إلى آلاف الأسرى في وضع إنساني مزر. ـ شكل الحاكم الأمريكي في العراق بول بريمر مجلس الحكم الانتقالي للعراق مؤلفاً من /25/ شخصية، اختيروا على أساس طائفي وعرقي. وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ العراق منذ ظهوره ككيان سياسي، وهم: ممثلو الشيعة وعددهم /14/ والسنة /4/ والأكراد /5/ ومسيحي واحد، وتركماني واحد.(58). ـ من مأساة هذا التشكيل هو إلغاء الصفة العربية عن العراق، في حين أعطيت الصفة القومية للأكراد والتركمان، وقسم العرب شيعة وسنة ومسيحيين. ـ أعطيت للحاكم الأمريكي بريمر حق نقض أي قرار صادر عن هذا المجلس دون أن يقدم أي تبرير. ـ كانت أولى قرارات المجلس الانتقالي إلغاء كل أعياد العراق الرسمية، والاحتفال فقط بيوم احتلال العراق في التاسع من نيسان، وتشكيل محاكم للعراقيين، ومنع محاكمة جنود الاحتلال. * الإرهاصات الأولية للاحتلال. بعد انتهاء الحرب، واحتلال العراق، بدأت الولايات المتحدة العمل على المستوى الدولي لشرعنة الاحتلال، استطاعت أن تحصل على قرار مجلس الأمن الدولي في 22/5/2003، يحمل رقم /1483/. شرع فيه الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق، وفوضهما بالسيطرة المطلقة على مستقبله السياسي وموارده الطبيعية. وقد صوتت على هذا القرار /14/ دولة من أعضاء مجلس الأمن الـ/15/ بنعم على القرار، في حين تغيبت سورية عن الجلسة وهي العضو العربي الوحيد في المجلس. ـ ويفسح القرار لدولتي الاحتلال المجال باستئناف تصدير النفط العراقي، كما طلب من الأمين العام للأمم المتحدة بتعيين ممثل خاص لـه في بغداد على أن يتعاون مع سلطات الاحتلال في إعادة بناء العراق سياسياً واقتصادياً. ـ شنت حملة شعواء بعد الحرب على سورية وإيران، حيث اتهمت سورية بإيواء قادة النظام العراقي السابق، وتهريب الأسلحة والمتطوعين العرب إلى العراق. ثم تطور الأمر إلى تهديد سورية بالحصار وحتى بالاعتداء إذا لم تقفل مؤسسات المنظمات الفلسطينية الإعلامية بذريعة دعم المنظمات الإرهابية، وأن تقوم بنزع سلاح حزب الله اللبناني ونزع أسلحته، وأن تنزع أسلحة الدماء الشامل لديها. أما إيران فاتهمت بتطوير سلاحها النووي، وعليها القبول بالتفتيش المفاجئ لمنظمة الطاقة الدولية، وأن تغير سياستها تجاه القضية الفلسطينية بدعم السلام الصهيوني الأمريكي، وأن تتوقف عن مساعدة حزب الله في لبنان. وقد ردت سورية على ذلك باقتراح تقدمت به إلى المنظمة الدولية بنزع أسلحة الدمار الشامل في كل منطقة الشرق الأوسط، مما أدى إلى تجاهل الولايات لهذا المقترح لأنه يمس الكيان الصهيوني وترسانته النووية. ولكن القوى المتصهينة في الإدارة الأمريكية لا تزال تعمل وتحرض ضد سورية ما دامت لا ترضخ للشروط الصهيونية. * المقاومة العراقية تعرّي أكاذيب الحرب بعد شهر فقط من انتهاء الحرب برزت المقاومة العراقية، لتواجه الاحتلال وتوقع في قواته خسائر يومية، فزرعت الرعب والخوف في قلوب جنود الغزاة. فظهر الارتباك والخوف والرعب في صفوف القوات الغازية، كلما تزايدت أعداد القتلى من الجنود الأمريكيين. حتى وصل الأمر في أحد الجنود الأمريكيين يطالب وزير دفاعه بالاستقالة لأنه يكذب من خلال مقابلة تلفزيونية أجرتها إحدى المحطات الأمريكية، مما أدى أن يحذر قائد القوات الأمريكية الوسطى أبو زيد أن يهدد الجنود بالعقوبة، إن تطاولوا على قادتهم.(59). انعكست أعمال المقاومة العراقية والخسائر في القوات الغازية على الرأي العام الأمريكي والأوروبي، وكذلك عدم العثور على أسلحة الدمار الشامل، التي كانت الذريعة الأهم لشن الحرب على العراق. فظهرت فضائح الأكاذيب التي ساقتها إدارتي بوش وبلير حول أسلحة الدمار الشامل وخطورتها على الأمن القومي الأمريكي خاصة وعلى العالم عامة. فتكشفت أكذوبة محاولة النظام العراقي السابق شراء يورانيوم من النيجر، والتي تبين أنها كانت من صنع الموساد الصهيوني، التي أعلم بها المخابرات البريطانية ثم نقلت إلى المخابرات الأمريكية، وتضمنها خطاب بوش لحالة الاتحاد. وتمت مساءلة رئيس المخابرات المركزية جورج تنت (يهودي) أمام الكونغرس مساء 16/7/2003، الذي أعلن تحمله لمسؤولية الكذبة، ومن خلال قوة اللوبي الصهيوني في الكونغرس تمت تغطية تلك الجريمة. بل تمت الإشادة ببطولات تنت ليبقى في منصبه الخطير. ولكن الصيف والعام القادم سيشهدان نشر كثير من أكاذيب مبررات الحرب بسبب الانتخابات الأمريكية، حيث بدأ المرشحون الديمقراطيون يثيرون ملفات الحرب الملفقة، ويطالبون الرئيس الأمريكي بتقديم الأدلة التي برر بها الحرب على العراق، والتي لم يعثر على أي منها. كما تمت مساءلة رئيس الوزراء بلير عن أسلحة الدمار الشامل في الصحافة البريطانية وأعضاء مجلس العموم عن أسلحة الدمار الشامل العراقية. وسخر هانز بليكس كبير المفتشين الدوليين في العراق من قدرة العراق على إطلاقها خلال /45/ دقيقة، التي ذكرها بلير في تقريره قبل الحرب على العراق في مجلس العموم. وحين لم تجد الإدارة الأمريكية والبريطانية وجود ما ساقته من تبريرات حول أسلحة العراق، ثم تسويق أكذوبة جديدة هي أنهما قامتا من أجل تخليص الشعب العراقي من الدكتاتورية، ووضعه على طريق الحرية. ولكن هذه الأكاذيب لا تزال تتفاعل حتى تطيح برؤوس من صنع هذه الحرب، وهذا مرتبط من خلال تصاعد وتيرة المقاومة العراقية ضد الاحتلال، والرفض الجماهيري في العراق للاحتلال وأذنابه، ووصول نعوش الجنود إلى واشنطن ولندن.