الأمن في اللغة هو نقيض الخوف وهو يعني الطمأنينة والاستقرار والتخلص من الخوف من الخطر سواء كان داخلياً أم خارجياً(3) والأمن في الشرع يعني الدفاع عن الأمة وعقيدتها ومثلها ومبادئها وقيمها وتراثها وأرضها ويقوم الأمن بلا شك على القوة Force والقدرة Power على تحقيق الهدف المنشود(4) وقد استعمل مصطلح الأمن بمفاهيم ودلالات مختلفة في التراث العربي. ففي كتاب سلوك المالك في تدبير الممالك لشهاب الدين بن أحمد عمر ابن أبي الربيع نجد أن الأمن كمصطلح لا يقتصر على الجانب العسكري وقدرة المؤسسة العسكرية على شن الحروب، وإن كان لهذا الجانب أهمية كبرى، بل يمتد ليشمل العمل الدبلوماسي وحزمة الخيارات المتاحة التي يطلق عليها اسم الحيلة لتحقيق الهدف(5) وبالنسبة لأبي الحسن الماوردي في كتابه أدب الدنيا والدين نرى أن الأمن هو أمن الحكم والمحكومين، والأمن هو الراحة والطمأنينة، إنه أمن تطمئن إليه النفوس، وترتفع فيه الهمم، ويسكن إليه البريء، والأمن عنده أهنأ عدة والعدل أقوى جيش. وقد وضع الماوردي ستة أسباب كي تصبح أمور الدنيا منظمة، وهي دين يتبع، سلطان قاهر، عدل شامل، رحب دار، أمل فسيح، وأمن عام، والأمن عنده يبنى على القوة العسكرية والاعتبارات القيمة(6). وإذا انتقلنا إلى ابن خلدون وجدنا أن هذا المصطلح يعادل القوة لأنها سر وجود الدولة وسبب استمرارها واستقرارها فإن وجدت القوة وجدت الدولة، وإن غابت القوة زالت الدولة من الوجود، وتتجسد القوة بالملك والجيش من جهة والمال من جهة أخرى، ويلخص ابن خلدون الأمن بأنه الأمن من الهزيمة، وللحيلولة دون ذلك لا بد من مضاعفة الحذر، القوة، والاقتدار، التحشد، الدفاع والحماية(7). وفي الأدبيات الغربية نجد أن مصطلح الأمن تعددت دلالاته ومعانيه ففي كتابه الأمير يرى نيكولا ماكيافيلي (1469-1527) أن الأمن مرهون بالقضاء على المنافسين، لأن القاعدة العامة بالنسبة إليه تقول "من يسمح لأي كان بأن يصبح قوياً يدمر ذاته". ويربط والترليبمان Walter Lipman بين الأمن والحفاظ على المصلحة. فيقول الأمة الآمنة هي التي لا يتحتم عليها التضحية بمصالحها المشروعة لتجنب حرب ما، وفي الوقت نفسه تكون قادرة، إذا ظهر في وجهها أي تحد، على حماية مصالحها الحيوية باللجوء إلى الحرب(8). ويعرف روبرت مكنمارا، وزير الدفاع الأميركي الأسبق، الأمن بأنه التنمية وبدون تنمية لا يوجد أمن(9). وفي الأدبيات الإسرائيلية نجد أن الأمن يتحول إلى قيمة بحد ذاته، كما يعتقد بعض الباحثين الإسرائيليين، أو دينٍ يوازي في أهميته الدين اليهودي، أو هو في مثل قوته من حيث الأهمية، لأنه القاسم المشترك الأعظم والقوة الواحدة والوحيدة التي تستطيع أن توحد المجتمع الإسرائيلي، هذا البحر الزاخر بالمتناقضات(10) لأن الإحساس بالافتقار إلى الأمن هو الذي يجمع بين الإسرائيليين، وكما تقول عالمة النفس الإسرائيلية عاميا ليبليخ أن الحرب في إسرائيل جزء من الماضي ومن الحاضر والمستقبل. إن الأسئلة المعتادة في حياتنا: ما هو الوقت الباقي حتى الحرب القادمة؟ "إن التعايش مع الحرب.. أي الحياة على خط النهاية.. كان ولا يزال جزءاً من حياتنا". بعد هذا الاستعراض المكثف جداً لبعض معاني مصطلح الأمن ودلالاته، يأتي السؤال: كيف يجب أن نفهم أمن الممرات المائية العربية؟(11). 1-أولا إنه جزء أساسي من الأمن القومي كمفهوم شامل يتداخل فيه الداخلي والخارجي، القطري والقومي، الإقليمي والدولي، وإن هذا المدرك أمر نسبي وليس مطلقاً، وهو ظاهرة حركية وتطور وليس حاله جامده أو سكونيه.(12). 2-والأمن يتطلب إدراك المخاطر والتحديات التي تواجه هذه الممرات المائية العربية، باعتبار أنها جزء لا يتجزأ من الأمن القومي الشامل والعمل بكل السبل لمواجهة هذه التحديات. 3-ولا بد أن يعني الأمن صيانة الحقوق العربية في الممرات المائية العربية والمقصود بالحق هنا وصف لنموذج من الترتيب المؤسس تضمن فيه المصالح بحمايات قانونية، وتكون الخيارات ممهورة فيه بنتيجة فعلية وتعطى فيه الخبرات والفرص على أسس واضحة: ويجب أن تشمل الحقوق العربية ما يعرف بالحقوق الدولية الوضعية التي تقوم على جملة الاتفاقات النوعية، (معاهدات، تصريحات، بروتوكولات)، تعقدها الدول فيما بينها وتحترمها، والحقوق الدولية العرفية غير المكتوبة والقائمة على جملة الأعراف التي ولدت في مجرى التاريخ وطبقت باتفاق غير رسمي. 4-استناداً إلى الترابط بين الأمن والحفاظ على المصالح وعدم الاضطرار تحت تأثير الإكراه والقوة، للتخلي عنها، لا بد أن يتضمن ذلك زيادة المصالح العربية في الممرات المائية العربية واستثمار منافعها بالشكل الأمثل. 5-القدرة على تنمية هذه الممرات وتحسينها لزيادة مردودها الاقتصادي.
3-جغرافية الممرات المائية العربية 3-1- البحر الأحمر: يقع البحر الأحمر عند التقاء قارتي آسيا وافريقيا وهو الامتداد الجنوبي للانهدام الإفريقي الآسيوي الذي حدث قبل خمسين مليون سنة. ويعتبر البحر الأحمر، الذي يتمتع بموقع استراتيجي ممرا مائياً لا يمكن الاستغناء عنه للتجارة بين المحيط الهندي والخليج العربي من جهة والبحر الأحمر مع المتوسط من جهة أخرى، وقد احتفظ البحر الأحمر بأهميته الاستراتيجية حتى اكتشاف رأس الرجاء الصالح عام 1498 وإخفاق محاولات السلطان العثماني قانصوه الغوري لتدمير القواعد الهولندية في الهند الغربية (باكستان حالياً) في معركة ديو البحرية عام 1509. لكن هذا البحر ما لبث أن استعاد أهميته بعد شق قناة السويس عام 1869.(13). يبلغ طول البحر الأحمر من أقصى الشمال حتى باب المندب 2100كم أو 1380 ميلاً وتصل مساحته الاجمالية إلى 438 ألف كم 2أو 178 ألف ميل مربع أما أقصى عمق له فهو 9850 قدماً. وهو أشد ضحالة عند طرفيه(14) ويعتبر البحر الأحمر المنفذ البحري الوحيد للدول التالية: الأردن عبر ميناء العقبة، السودان عبر ميناءي بور سودان وسواكن، ارتيريا عبر ميناءي عصب ومصوع . وهو منفذ بحري مهم لمصر عبر الموانئ- الغردقة، سفاجة، رأس بيناس والقصير، اليمن عبر ميناء الحديدة، السعودية عبر موانئ ينبع وجدة وإسرائيل عبر ميناء إيلات. وليس من المبالغة القول إن البحر الأحمر بحيرة عربية استناداً إلى حقائق الجغرافيا إذ يبلغ طول الساحل المصري، بما في ذلك خليج السويس 900كم والساحل السعودي 1600كم والساحل السوداني 700كم وساحل ارتيريا 900كم وساحل جيبوتي 100كم والساحل اليمني 510كم(15). وتثبت الوقائع التاريخية أن أمن البحر الأحمر كان جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي العربي لأن هذا الممر المائي الاستراتيجي كان محط أطماع كل القوى الاستعمارية بلا استثناء كما سنرى لاحقاً وأن الأمن في هذا الممر المائي لم يكن أبداً مسألة فردية أو قطرية لأنه عندما كان التعامل مع هذه المسألة يتم من خلال هذا المنظور، كان المستعمرون مستفيدين ويحققون أطماعهم. ويضم البحر الأحمر ثلاث ممرات مائية هامة جداً هي قناة السويس، ومضائق تيران وباب المندب. 3-2-قناة السويس: تعتبر أهم ممر مائي في العالم تعتمد عليه التجارة بين جنوب شرقي آسيا ودول الخليج العربي مع دول حوض المتوسط وإلى حد ما الأمريكيتين. وقد زادت أهمية هذا الممر المائي بعد اكتشاف النفط في الخليج العربي لأن قناة السويس تختصر الطريق بين جنوب شرق آسيا والسواحل الأوروبية الغربية بنحو 40-60% بالمقارنة مع الطريق المار عبر رأس الرجاء الصالح. ويوفر أيضاً في الوقت والتكاليف. ويبلغ طول القناة التي شقت لتصل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر عبر خليج السويس الذي تشكل قبل 35 مليون سنة حوالي 161 كم وعمقها 68متراً علماً أن عمق خليج السويس يتراوح ما بين 180-210قدما. وتسمح قناة السويس حالياً بمرور السفن العملاقة. وبسبب الأهمية الاستراتيجية لهذا الممر المائي العالمي، تصارعت القوى الاستعمارية للسيطرة عليه.. فقد امتد الصراع الفرنسي البريطاني منذ حملة نابليون بونابرت على مصر عام 1798 حتى احتلال مصر من قبل بريطانيا عام 1882 وحاولت تركيا الاستيلاء على القناة عام 1916، ولم تنجح مساعي ألمانيا للوصول إلى القناة بسبب هزيمة رومل في معركة العلمين. وعندما أعلنت مصر تأميم القناة في تموز 1956 تحالفت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل وشنت القوى الثلاث العدوان الثلاثي على مصر في 29/10/1956. وفي عدوان 1967 استطاعت إسرائيل احتلال شبه جزيرة سيناء ووصلت قواتها إلى الضفة الشرقية لقناة السويس وحاولت إسرائيل استثمار هذا الفوز العسكري لخلق حقوق لها في قناة السويس من خلال الإدعاء أن الحد الفاصل بين مصر وإسرائيل يجب أن يمر في منتصف المجرى المائي للقناة وبررت إسرائيل مطلبها هذا قائلة إن شبه جزيرة سيناء أرض غير مصرية وأن مصر حازت عليها بشكل غير قانوني عام 1906(16). وقد رفضت مصر هذه المزاعم وهدد الزعيم الراحل عبد الناصر بإغلاق القناة نهائياً أكثر من مرة. ومن جهة أخرى حظيت قناة السويس وإعادة فتحها أمام الملاحة الدولية بأهمية كبرى في المفاوضات الأمريكية -الإسرائيلية- المصرية خلال السنوات التي سبقت التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد في آذار 1979. ويؤكد ذلك ما يقوله رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إسحاق رابين. "لقد حدد الموقف الأمريكي النهائي حيال نزاع الشرق الأوسط في بداية اللقاء الذي تم بين نيكسون وغولدا مائير في كانون الأول 1971 وخلال محادثاتنا اتفقنا على شروط الحوار بين مصر وإسرائيل وإجراءاته برعاية الولايات المتحدة بهدف التقدم نحو التسوية المؤقتة لفتح قناة السويس وإعادة الحياة الطبيعية إلى منطقة قناة السويس.(17). 3-3-مضائق تيران: لا تستخدم هذه المضائق في الملاحة الدولية لأنها تؤدي إلى مضيق ضيق يؤدي بدوره إلى خليج مغلق هو خليج العقبة، ولا يتصل حوضه ببحار أخرى إلا عبر فتحة طبيعية لا يتجاوز عرضها ثلاثة أميال تكثر فيها الشعب المرجانية الأمر الذي أدى إلى تحديد الملاحة في ممرين ملاحيين ضيقين. يشكل الجزء الصالح للملاحة مساحة لا تزيد عن 500ياردة. وهو يستخدم من قبل مصر والأردن والسعودية أما إسرائيل فقد وضعت قدمها على خليج العقبة بعد احتلال قرية أم الرشراش في 10/3/1949. لكن سفنها لم تستطع المرور في مضائق تيران. وفي 12 أيلول 1955 بدأ الرئيس عبد الناصر ممارسة ما يعرف بسياسة الخنق الاستراتيجي ضد إسرائيل عندما أصدر قوانين تنظيم الملاحة عبر مضائق تيران أجبرت بموجبها كل السفن التي تريد دخول المضائق على إبلاغ المكتب المصري المكلف بالإشراف على الحصار الاقتصادي لإسرائيل قبل 96 ساعة واعتبرت مصر المضائق مياهاً مصرية إقليمية يحق لها تطبيق ما يعرف بالمرور البريء للآخرين. وبموجب ذلك ركزت مصر بطارية مدفعية ساحلية وكتيبة مشاة في رأس نصراني المشرف على المضائق ونشرت بطارية مدافع م/ط في منطقتي شرم الشيخ ورأس نصراني ونشرت وحدات من حراس الحدود في جزيرتي تيران وصنافير(18). وفي عدوان 29/10/1956 استطاعت إسرائيل احتلال محور شرم الشيخ -رأس النقب وبذلك أنهت فعليا سياسة الخنق الاستراتيجي، وعندما انسحبت من سيناء في 16/3/1957 حصلت على ضمانات من الدول الكبرى بحقها في الملاحة عبر المضائق(19) ويقول خبراء القانون الدولي إن هذا التعهد لا يترتب عليه أية آثار قانونية لأنه يقوم على الاحتلال العسكري، وبعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد اعترفت مصر رسمياً بحق إسرائيل في المرور الحر في المضائق، علماً أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، وخصوصاً الفقرة الأولى من المادة 45 تؤكد أن من حق مصر أن تطبق على الآخرين ما يعرف بحق المرور البريء أي حق الدولة صاحبة السيادة على الممر المائي تطبيق سيادتها ومراعاة مصالحها الوطنية والقومية والإشراف على مرور السفن وإمكانية تفتيشها انسجاماً مع هذه الحقوق(20). لكن إسرائيل التي لا تحترم القانون الدولي تهزأ بهذه الاعتبارات - وتفاخر صحيفة هتسوفيه في عددها الصادر في 3/4/1978 بأن إسرائيل استطاعت بعد حرب 1956 أن تحصل على حق المرور الحر في مضائق تيران، وحصلت بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد على حق السفن الإسرائيلية بالمرور الحر في قناة السويس ورفع الحصار عن باب المندب. 3-4-باب المندب: يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان إن مضيق باب المندب كان يعرف باسم ذا المندب أو باب الدموع بسبب المخاطر التي تتعرض لها السفن خلال مرورها بسبب وجود مجموعات من الصخور البارزة التي تعترض طريق الملاحة. وقد عرف أيضاً باسم مضيق الوفاء أو الولاء أو مدخل بحر القلزم، وعرف باسم مضيق باب المندب لأنه المكان الذي يندب فيه حراس أهل اليمن عندما تداهمهم أساطيل الغزاة.(21). يقع باب المندب بين الزاوية الجنوبية الغربية لشبه الجزيرة العربية وشرق إفريقيا، ويربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي والخليج العربي والقرن الإفريقي. ويقع في منتصف الطريق بين السويس وبومباي. وتشطر جزيرة بريم (ميون) هذا المضيق إلى شطرين أو قناتين غير متساويتين إحداهما صغرى وتسمى قناة اسكندر وتقع بين ساحل الجزيرة وساحل اليمن ويبلغ طولها 3أميال وعمقها 16قامة بحرية. والقناة الكبرى وتقع بين الساحل الغربي لجزيرة بريم والشواطئ الأفريقية، طولها 10أميال، عرضها 9.25-10.5أميال وعمقها 100قامة بحرية وهي صالحة للملاحة. تنبع أهمية مضيق باب المندب من أنه يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي عبر بحر العرب والقرن الإفريقي وبحر عمان ويربط الخليج العربي بالبحر الأحمر ومنه إلى البحر الأبيض المتوسط. ويقع في منتصف الطريق بين السويس وبومباي، يبلغ طول المضيق 50ميلاً وعرضه 19.5ميلا بما في ذلك جزيرة بريم. ويتحكم بالطريق إلى مضيق باب المندب عدد من الجزر ذات الأهمية الاستراتيجية ومن أهمها(22): 1- جزيرة ميون (بريم) من أهم الجزر الموجودة في مضيق باب المندب لأنها تتحكم بطرق الملاحة في مدخل المضيق. يبلغ طول الجزيرة من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي 9كم وتبعد 1.5كم عن الساحل اليمني و10-10.5كم عن السواحل الإفريقية ولا تزيد مساحتها عن خمسة أميال مربعة احتفظت بريطانيا بالسيطرة عليها حتى انسحابها من عدن عام 1967، وقد اضطرت للرضوخ للمطلب اليمني بضرورة سيادة اليمن على الجزيرة. 2- جزيرة كمران تقع على بعد 100كم شمالي مضيق باب المندب ونحو ثلاثة أميال عن الشاطئ اليمني وتبعد 12 ميلاً من اللجية وعدة أميال عن ميناء الحديدة. ولا تزيد مساحتها عن 12ميلا مربعا. 3- مجموعة جزر حنيش: وتقع في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر تجاه جزيرة ميون، وهي غير مأهولة بالسكان، وتشمل هذه المجموعة. أ- حنيش الكبرى Hanish Al- Kabir تبعد 140كم عن جزيرة ميون، طولها 18-20كم، وتمتد من الشمال إلى الجنوب الغربي وتبعد عن الشواطئ اليمنية حوالي 25كم والمسافة نفسها تقريباً عن السواحل الارتيرية. وتوجد إلى الغرب منها مجموعة صغيرة من الجزر يزيد عددها عن عشرين جزيرة. يبلغ ارتفاع أعلى القمم فيها 1320قدماً عن سطح البحر وهي تشرف على مدخل البحر الأحمر. ب -حنيش الصغرى: تبعد حوالي 20كم عن حنيش الكبرى و40كم عن السواحل اليمنية و70-80كم عن السواحل الارتيرية. وتوجد بالقرب منها مجموعة جزر صغيرة يزيد عددها على خمسين جزيرة. 4- جزيرة زقور: تقع على بعد 22كم من الشاطئ اليمني وتتميز بارتفاع قممها مما يعطيها ميزة استراتيجية لأنها تتيح إمكانية المراقبة والاستطلاع وهي تتبع لأثيوبيا. 5- مجموعة جزر الزبير: وهي مجموعة من الجزر يطلق عليها أهل اليمن الجزر السوابع، وتبعد عن الشواطئ اليمنية 50-60كم وعن السواحل الارتيرية 150كم ويوجد إلى جانبها 3جزر صغيرة يبلغ طول أكبرها وهي جبل الزبير ما بين 5-7كم. 6- مجموعة جزر أبو علي وجبل الطير: تقع بالقرب من مدخل البحر الأحمر ويقترب بعضها من ساحل ارتيريا. تبعد جزيرة أبو علي عن السواحل اليمنية حوالي 30كم. أما أبو طير فتبعد حوالي 60-65كم عن السواحل اليمنية. ويبلغ طول أكبرها 5-7كم. 7- مجموعة جزر الساحل الارتيري: تحتل هذه الجزر موقعاً استراتيجياً يتحكم بمدخل مضيق باب المندب. وتشمل هذه الجزر: أ- جزيرة هليب: وتقع على مساحة 20كم شرق ميناء عصب مساحتها 240 كم2وهي غير مأهولة بالسكان. ب-جزيرة ديمرا: وتقع إلى الجنوب الشرقي وهي أقرب الجزر التي تسيطر عليها ارتيريا بالنسبة إلى باب المندب. جـ-جزيرة دهلك: تقع في مواجهة مجموعة جزر حنيش، ويبلغ طولها 100 ميل. وتبعد 40كم عن ميناء مصوع و35كم عن مدينة مصوع ويسكنها 10 آلاف نسمة. د- جزيرة حالب وجزيرة فاطمة: تقع جزيرة حالب في مواجهة جزر حنيش، وقد استأجرتها إسرائيل وأقامت عليها قاعدة عسكرية. ومن جهة أخرى يشرف على المدخل الجنوبي لمضيق باب المندب عدد من الجزر من أهمها: 1- جزيرة الشيخ سعيد: وتقع على مضيق باب المندب وهي قريبة من مدينة عدن، إلى الجنوب الغربي من جزيرة ميون وتبلغ مساحتها 1622كم2 وهي ذات تربة غنية. 2- جزيرة سوقطره: تقع في المحيط الهندي وتبعد 150كم عن رأس جوارد فول على الساحل الإفريقي و500كم عن عدن. وتسيطر على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر. طول الجزيرة 75 ميلا وعرضها 23 ميلا ومساحتها 1400ميلا مربعاً. وتبعد عن باب المندب حوالي 320ميلا إلى الجنوب الشرقي يبلغ عدد سكانها نحو 40ألف نسمة وهي تتبع لجمهورية اليمن. 3-5-القرن الإفريقي: تعتبر بلدان القرن الإفريقي إحدى المناطق من العالم التي شهدت أكبر عدد من بؤر التوتر والصراعات الإقليمية. وذلك يعود لعدد من الأسباب من أهمها. 1- نزاعات أهلية أو داخلية على شكل حروب أهلية تغذيها تداخلات أجنبية. وأكبر مثال على ذلك الصومال. 2- نزاعات بالوكالة أو حروب إقليمية تساهم في إشعالها القوى العظمى بشكل مباشر أو غير مباشر في أثناء الحرب الباردة أو بعدها. 3- البنية الاثنية لبلدان القرن الإفريقي، وتتسم هذه البنية بالهشاشة الكبيرة بسبب التعددية القومية وتخلف العلاقات بينها. 4- الأطماع التوسعية لإسرائيل التي دأبت في الفترة الأخيرة على تزويد مختلف أطراف الصراع في القرن الإفريقي وبلدان منطقة البحيرات العظمى بالسلاح والخبرات لتأجيج الصراعات الداخلية من جهة، ولإيجاد موطئ قدم لها في هذه البلدان. ولا يستطيع العرب الوقوف مكتوفي الأيدي يتفرجون على ما يجري في هذه المنطقة من العالم التي حظيت باهتمام كبير منذ أزمنة بعيدة لأسباب كثيرة: أ- العرب هم الذين أطلقوا على هذا الساحل اسم ساحل الزنج، وقد استخدموه للتجارة بالعاج والذهب أو للهروب بالمعتقدات الدينية. وقد هرب إليه أتباع بعض المذاهب السنية أو الشيعية(23). ب- ساهم العرب في أعمار هذه المنطقة من العالم إذ أسسوا في القرن التاسع الميلادي مدينة مقديشو وكان ذلك بالتحديد عام 860م وأسسوا مدينة ممباسا عام 957. جـ- امتد الوجود العربي من الساحل الإرتيري شمالاً حتى تنزانيا جنوباً، ويتحدث سكان هذه المناطق لهجات يطلق عليها علماء اللغة باللغات السواحلية. د- للقرن الإفريقي أهمية استراتيجية لأن من يسيطر على باب المندب أو مداخله الجنوبية يمكنه السيطرة على البحر الأحمر، لأن القرن الإفريقي هو الحلقة الوسيطة بين المحيط الهندي وجنوبي الأطلسي والطريق الأقصر والأسرع بالنسبة للسفن الحربية الأمريكية للوصول إلى الخليج العربي عبر باب المندب، بحر العرب، مضيق هرمز. هـ- إن غياب السلطة في دولة مثل الصومال التي ذهبت ضحية للمتغيرات الدولية ومحاولة الولايات المتحدة استثمار مجلس الأمن لخدمة مصالحها وتطلعاتها، قد يفاجئ العرب بظهور قوة معادية لهم في هذا البلد العربي العضو في جامعة الدول العربية. وهذا قد يشكل تهديداً لأمن عدد من الدول العربية ومصالحها. وفي الوقت نفسه يهدد أمن الممر المائي من وإلى البحر الأحمر.(24). 3-6-الخليج العربي: عروبة الخليج حقيقة موضوعية تؤكدها النقوش الأثرية والخرائط التي رسمها كبار المؤرخين ومن بينهم السيد بلاين الذي يعتبره الكثيرون حجة في دراسة تاريخ العصور القديمة. ويظهر على الخريطة التي رسمها وأعادت نشرها دار ميركاتور Merccatour للخرائط اسم الخليج العربي على الشكل التالي Sinas Arabicus أي the Arab Gulf وقد لعب هذا الخليج الذي يعتبره الجيولوجيون بقايا البحر القديم الذي كان يحيط بالجزيرة العربية من الشرق والشمال ليتصل بالبحر الأبيض المتوسط لعب دوراً هاماً في التجارة العالمية، أطلق عليه العرب اسم "فرج الهند" واستطاعت قبيلة تغلب وغيرها من القبائل العربية مثل النمريين والعامريين وبني كلب إقامة الموانئ على شواطئ الخليج لنقل بضائعهم شرقاً إلى الصين والهند، ونقلها براً إلى سواحل المتوسط. وقد تصدى العرب لمحاولات الساسانيين والرومان للسيطرة على الخليج العربي ضمن المساعي الرامية للسيطرة على تجارة الحرير واحتكارها(25). وبقيت أهمية الخليج العربية كمنطقة استراتيجية حتى فتحت قناة السويس ففقد الكثير من أهميته، ثم عاد للظهور مرة أخرى كواحد من أهم الممرات المائية العالمية بعد اكتشاف النفط. من الناحية الجغرافية الخليج العربي ضيق نسبياً وضحل، يبلغ طوله في خط مستقيم من مصب شط العرب وساحل عمان 800كم أما عرضه فيتراوح ما بين 228كم وهو أقصى عرض له شرقي شبه جزيرة قطر و46كم في مضيق هرمز. ومن ناحية العمق لا يتجاوز أعمق أجزائه -100م أحياناً ويتضمن مناطق واسعة لا يزيد عمقها عن 40مترا. ويوجد العمق القليل به في شواطئه، مثلاً حول الكثير من الجزر التي تكثر فيه. ويمكن القول إن الأعماق الكبيرة في الخليج تتراوح بين 70-90م وهي على مقربة من ساحل الهضبة الإيرانية من جهة ومضيق هرمز من جهة أخرى، أما أقل أجزائه عمقاً فتوجد في الشمال الشرقي حيث يمتد مستعرضاً حاجزاً طينياً ضخماً يعرف باسم حاجز الفاو ولا يكاد عمق الماء فوقه وقت الجزر يتجاوز ثلاثة أمتار أما في أوقات المد فقد يصل عمق الماء إلى ستة أمتار ويزيد عمق الماء في الأوقات التي يتفق فيها هبوب رياح قوية من جهة الجنوب الشرقي مع حدوث ارتفاع في موجة المد. وقد يقل ارتفاع المياه عن ثلاثة أمتار إذا ترافق حدوث الجزر مع هبوب رياح شمالية. وللتغلب على هذا الوضع حفرت قناة روكا مقابل ميناء البصرة العراقي(26). ويوجد في الخليج العربي عدد كبير من الجزر الصغيرة التي يكثر وجودها في بعض المناطق من سواحله ويساعد ذلك على هدوء حركة المياه في هذه المناطق، ومعظم هذه الجزر قاحلة وغير مأهولة إلا أن أهميتها تأتي من استخدامها كمحطات لصيادي الأسماك وكملاجئ لهم وقت الضرورة، وكمراكز لصيادي اللؤلؤ وبعض هذه الجزر يتضمن موانئ صالحة لاستقبال بعض السفن الكبرى، ومن أهم الجزر في الخليج العربي: أ-جزر الشاطئ العربي: من الشمال إلى الجنوب 1- بوبيان Bubiyan 2- شبه جزيرة قطر Qatar 3- طنب الكبرى: Tuubel -Kabir 4- طنب الصغرى، Tuubel- Saghir 5- أبو موسى، Abu-Musa ب- جزر الشاطئ الإيراني: 1- القشم (الجسم) Qeshm 2- هنجام بالقرب من جزيرة القشم Hengham 3- جزيرة هرمز بالقرب من بندر عباس Hermuz 4- هيري صيري Sirri 5- فرور Farour 6- لارك بالقرب من مدينة القشم 7- جزيرة الشيخ شعيب(27) Shaikh Shoeyb الامارات العربية المتحدة : الخليج العربي: خارطة رقم (1): وللخليج العربي ثلاثة سواحل: 1-الساحل الجنوبي : وهو أطولها. وهو ساحل عربي، وهو أوسع سواحل الخليج وأعرضها وأكثرها انخفاضاً ويتضمن عدداً من المستنقعات الساحلية وتبرز منه رؤوس كثيرة، وتدخل فيه خلجان كثيرة أيضاً، ويوجد أمامه عدد كبير من الجزر الصغيرة. وفي وقت المد، وكذلك في أوقات هبوب الرياح من الاتجاهات المقابلة، يرتفع الماء ويغطي أجزائه فيزيد اتساع خلجانه ويكون مستنقعات أخرى. وبسبب تكوينه الرملي وضحالة مياه شواطئه تندر فيه الأماكن الصالحة لاستقبال السفن الكبيرة، أما خلجانه فتصلح لإيواء الزوارق الصغيرة والسفن الصغيرة. 2-الساحل الشرقي : وهو ضيق ويوجد أمامه عدد من الجزر أكبر من تلك الموجودة أمام الشاطئ العربي ومعظم سكان هذه الجزر من قبائل عربية. 3-الساحل الشمالي : وتتقاسمه بشكل أساسي إيران، العراق والكويت، ومن جهة أخرى- يبلغ ما تملكه كل من الدول المشاطئة للخليج العربي من الشواطئ المطلة على الخليج. -إيران 625 ميلاً بحرياً. -الإمارات العربية المتحدة 425 ميلاً بحرياً. -المملكة العربية السعودية 294 -دولة قطر 204 ميلاً بحرياً. -الكويت 115 ميلاً بحرياً. -البحرين 68 ميلاً بحرياً. -عمان 51 ميلاً بحرياً. -العراق 10 أميال بحرية. ويعتبر الخليج العربي المنفذ البحري الوحيد للدول العربية التالية: العراق، الكويت، قطر، البحرين، الإمارات العربية المتحدة، وهو الممر الإجباري الذي يجب أن تجتازه صادرات هذه البلدان من النفط ووارداتها من المواد الغذائية والصناعية(28).
4-القانون الدولي والممرات المائية العربية: إن نظرة فاحصة على الممرات المائية العربية تبين بوضوح أن القانون الدولي حدد وبشكل صريح ولا لبس فيه مكانة الممرات المائية العربية على النحو التالي: 4-1-قناة السويس: ممر مائي دولي ضمن الأراضي المصرية وتنطبق عليه القوانين المتعلقة بالمياه الداخلية التي تعطي لمصر السيطرة التامة والمطلقة على هذا الممر المائي. وقد مارست مصر هذا الحق عندما منعت السفن والبضائع الإسرائيلية من المرور به. ويعترف بن غوريون أنه من بين الدوافع التي دفعت إسرائيل للاشتراك في العدوان الثلاثي على مصر رغبتها في استخدام قناة السويس(29). وعندما قام مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط الدكتور يارنغ بجولاته في المنطقة كررت إسرائيل أكثر من مرة مطلبها بالسماح لها باستخدام قناة السويس. وقد نصت على ذلك صراحة الفقرة السادسة من المذكرة المسلمة للمبعوث الدولي في شباط 1971. ولم تستطع إسرائيل استخدام قناة السويس إلا بعد التوقيع على اتفاقية سيناء الثانية في أيلول 1975(30). 4-2-خليج العقبة: في حدود معرفتنا، يعتبر المرحوم الأستاذ أحمد الشقيري، من الأوائل بين خبراء القانون الدولي في العالم العربي في إثارة مسألة خليج العقبة في ندوات ومؤتمرات خبراء القانون الدولي. وقد ضمن خبرته في الكتاب الذي أصدره مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية في تشرين الأول 1967 باللغة الإنكليزية، ويحتوي الكلمات التي ألقاها المرحوم الشقيري في المؤتمر الدولي لقانون البحار في جنيف في 24شباط إلى 27نيسان 1958 والمؤتمر الدولي لقانون البحار في عام 1960 بالإضافة إلى كلمته أمام اللجنة السادسة للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1959، وفيه بذل جهوداً متميزة لتحديد مفهوم المياه التاريخية وتطبيقها على خليج العقبة وفيما يلي أهم ما قاله في هذا الصدد(31): 1- إن خليج العقبة لا تنطبق عليه قوانين الملاحة في أعالي البحار. 2- إنه ليس منطقة صيد أسماك يحق للدول المشاطئة تحديد عمق مصائدها بقدر يساوي عمق مياهها الإقليمية. 3- وهو ليس مضيقاً بين بحار مفتوحة، أو ممراً بين بحرين مفتوحين. 4- إن ما ينطبق على خليج العقبة هو ما يعرف بقانون البحار بالمياه التاريخية، واستناداً إلى آراء خبراء القانون الدولي أمثال Cecil Hurst سيسل هيرست، Gidel جيدل، و Higgins and Columbus هيجنز وكولمبس... الخ. للمياه التاريخية المفهوم الحقوقي نفسه الذي تحمله المياه الداخلية والذي استندت إليه بعض الدول في إعلان سيادتها على الخلجان التالية: آ- خليج ديلاوير the Delaware Bay عام 1793 ب- خليج شيسابيك the Chesapeake Bay الذي أعلنت الباما سيادتها عليه عام 1935. جـ- خليج فونيسكا the Fonesca Bay في أميركا الوسطى الذي تحيط به كل من السلفادور، هندوراس ونيكاراغوا، وقد اعتبر منذ عام 1917 مياها داخلية لهذه الدول الثلاث(32). ويؤكد خبراء القانون الدولي أنه عندما يعطى أحد الخلجان مكانة مياه تاريخية تصبح مياهه مياهاً داخلية، وتتمتع بكل المزايا التي تتمتع بها المياه الداخلية. وإحدى النتائج الناجمة عن ذلك أن الدول المشاطئة لهذا الخليج غير ملزمة أن تمنح حق المرور البريء للسفن الأجنبية. ومن حقها أيضاً أن تفرض قوانينها وكل ما ينسجم مع سيادتها على مرور السفن في الخليج بما في ذلك حرمان السفن التابعة لبعض الدول من استخدامه أو المرور به.(33). ويرتكز مفهوم المياه التاريخية في القانون الدولي على الأسس التالية: آ- الاستخدام القومي المستمر، وبناء عليه يعتبر خليج العقبة عربياً منذ عشرات القرون. ب- استناداً إلى رأي الخبير الدولي في القانون بوركوان Bourquin لا يعطي الاحتلال أو السيطرة من خلال القوة دولة ما حق الإدعاء بالملكية التاريخية لمياه هذا الخليج أو ذاك. لأن المقصود هنا تلك المياه التي كانت دائماً جزء من أراضيها ولم تكن ذات يوم تابعة لدولة أخرى أخذت منها بالقوة(34). جـ- إن السماح لإسرائيل في ظل ترتيبات أمنية أو سياسية باستخدام مياه خليج العقبة لا يعطيها أي حق قانوني للحديث عن مياه تاريخية في خليج العقبة. خصوصاً إذا أخذنا في الحسبان أن إطلالة هذه الدولة على الخليج- مثل وجودها هي جاءت نتيجة عملية عسكرية بعد توقيع اتفاقيات الهدنة مع كل من مصر والأردن. د- إن مدخل خليج العقبة، مضائق تيران، مياه مصرية إقليمية يحق لمصر تطبيق مبدأ المرور البريء لسفن الدول الأجنبية ولها حرمان بعض الدول من هذ الحق، وقد مارسته مصر بشكل فعلي ضد إسرائيل. وأخيراً نورد ما قالته المجلة الأميركية للقانون الدولي في ملحقها الصادر في نيسان 1929 وجاء فيه عن خليج العقبة ما يلي: "إنه مياه داخلية عربية للدول العربية التي تحيط به منذ قرون"(35). 4-3-مضيق باب المندب: يصل بين بحرين مفتوحين يعتبران من أعالي البحار يطبق فيه ما يعرف بمبدأ المرور الحر تماماً مثل مضيق البوسفور، ومضيق جبل طارق.. الخ. 4-4-مضيق هرمز: إنه مضيق يؤدي إلى بحر شبه مغلق. وقد عرف المؤتمر الثالث لقانون البحار المنعقد في 7/10/1982 البحر شبه المغلق بأنه خليج أو حوض بحر تحيط به دولتان أو أكثر ويتصل ببحر آخر أو بالمحيط بواسطة منفذ ضيق كلياً أو أساساً بين البحار الإقليمية والمناطق الاقتصادية الخالصة لدولتين ساحليتين أو أكثر. ويميز قانون البحار بين ثلاثة أنواع من المضائق: آ- المضائق المستخدمة للملاحة الدولية بين أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة أو جزء من منطقة اقتصادية خالصة، ويتمتع بحق المرور العابر. ب- المضائق المشكلة بجزيرة للدولة المشاطئة لمضيق وببر هذه الدولة المشاطئة للمضيق مع وجود طريق في أعالي البحار أو طريق في منطقة اقتصادية خالصة باتجاه البحر من الجزيرة، ويتمتع هذا المضيق بحق المرور البريء. ج- المضائق الموجودة بين جزء من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة وبين البحر الإقليمي لدولة أجنبية. ويطبق على هذا النوع الأول من المضائق، والمقصود بحق المرور العابر هو حل وسط توفيقي بين المرور الحر الذي لا يحق بموجبه للدول المشاطئة للمضيق التدخل في الملاحة ومصالحها انسجاماً مع الرأي القانوني القائل إن حرية الملاحة يجب ألا تلحق الضرر بأمن الدولة وسيادتها ووحدة أراضيها(36).
5- تهديدات أمن الممرات المائيـــــة العربيـــــــة أ- بعد الحملات الصليبية، عادت الغزوات الاستعمارية إلى الوطن العربي مع الكشوفات الجغرافية والصراع الذي دار بين القوى الاستعمارية الأوروبية الغربية للسيطرة على الطرق التجارية لاحتكار فوائدها وأرباحها وحرمان الآخرين من ثمارها. ويعتقد بعض المؤرخين أن تجارة التوابل في تلك الفترة كانت تعادل تجارة النفط في أيامنا هذه، ويرى هؤلاء أن تجارة التوابل كانت سبب العلاقات بين الأمم ولها الفضل في إيجاد الاتصالات بين الشرق والغرب. فقد كانت الإسكندرية أكبر مركز لتجارة التوابل منذ أيام الرومان، حتى أن بابا من أبواب الإسكندرية كان يسمى باب الفلفل، وأن روما شيدت مخازن عظيمة لحفظ الفلفل والقرفة من التعفن بسبب رطوبة الجو. وفرضت على هذه التوابل المستوردة ضرائب زادت من دخل الخزينة. وكان طريق التوابل البحري القادم من جنوب شرقي آسيا يتفرع في بحر العرب إلى فرعين أحدهما إلى الخليج العربي، العراق، الجزيرة السورية ومن ثم إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط أو البحر الأسود، والثاني إلى البحر الأحمر حيث تصل البضائع إلى الإسكندرية ثم تنقل بواسطة السفن إلى أوروبة. وكما كانت روما وإمبراطورية فارس تتنافسان على السيطرة على طريق الحرير، ومحاولات تدمير أية قوة عربية تنشأ يمكن أن تؤثر على مصالحهما، ومثال ذلك تدمر، كذلك حاول المستعمرون الأوروبيون فرض السيطرة الكاملة لهم على طريق تجارة التوابل لأن هذه السيطرة ستنهي كل وجود عربي يؤثر على مصالحهم. وهذا ما تحدث عنه الفونسو البوكيرك، قائد الحملات البرتغالية الذي خلف فاسكو دي غاما. يقول البوكيرك. إنني مقتنع كل الإقتناع بأننا منذ اللحظة التي ننتزع فيها تجارة التوابل من أيدي العرب. سيعني ذلك انتهاء القاهرة ومكة إذ سيضطر تجارها لشراء ما يعرضونه للتصدير إلى البرتغال(37). وعندما حاول محمد علي وابنه إبراهيم باشا توحيد وادي النيل وشمال الجزيرة العربية وجنوبها بما في ذلك سورية ولبنان وفلسطين ومد نفوذه إلى الخليج العربي أثارت القوى الاستعمارية الأوروبية التي كانت تعتبر الإمبراطورية العثمانية، الرجل المريض، بكل ما تعانيه من التفسخ والضعف، الضمانة الوحيدة والأكيدة لاستمرار تدخلها في الوطن العربي (ما يعرف بالمسألة الشرقية) وقد تضافرت جهود كل الدول الاستعمارية الأوروبية في مؤتمر لندن الشهير عام 1840 وفرضت على إبراهيم باشا الانسحاب إلى مصر، وبذلك ضمنت السيطرة على أحد فرعي طريق التوابل البحري وفرض مؤتمر لندن الثاني عام 1841 قيوداً تحول دون تحول مصر إلى دولة قوية تستطيع أن تهدد المصالح الاستعمارية في المنطقة.(38). وسنحاول فيما يلي أن نلقي نظرة تاريخية على التنافس الاستعماري للسيطرة على الممرات المائية في الوطن العربي. 5-1-البرتغال: اندفع البرتغاليون بعد سقوط الدولة العربية في الأندلس عام 1492 لجني ثمار التجارة مع بلاد الشرق. فأرسل الملك يوحنا الثاني 1480-1455م القائد العسكري كوفلهام على رأس حملة عسكرية وصلت إلى مصر ومنه إلى البحر الأحمر، وباب المندب، وعبر إلى القرن الإفريقي. وقد مهدت هذه الحملة لرحلة فاسكو دي غاما عام 1497 التي اكتشف فيها رأس الرجاء الصالح. وفي عام 1502 كلف دي غاما أحد قادته بالإقامة الدائمة على رأس قوة بحرية مؤلفة من خمس سفن حربية في مدخل البحر الأحمر لأنه يريد التحكم بالتجارة مع الهند واحتكارها وفي عام 1503 هاجم الأسطول البرتغالي بقيادة دي غاما سبع سفن عربية واستولى عليها بعد مقتل ركابها وأسر بعضهم الآخر، وفي عام 1507 احتل البرتغاليون جزيرة سوقطره وأقاموا فيها حصناً منيعاً. وبعد الانتصار الذي حققه لورنز الميدا، نائب الملك البرتغالي على الأسطول المصري في معركة ديو في 2/1/1509 والتي تمت بسبب الخدعة التي تعرض لها القائد المصري مير حسن، عندما انضم مالك إلى حاكم جزيرة ديو للبرتغاليين وحرم المصريين من المؤن والإمداد، بعد هذا الانتصار استطاعت البرتغال فرض سيادتها في المنطقة. وحاولت عام 1513 الاستيلاء على عدن، التي هاجمها الأسطول البرتغالي بقيادة الفونسو البوكيرك، بعد فشل الهجوم، احتل الأسطول البرتغالي جزيرة كمران(39). ومن جهة أخرى، امتد نشاط البرتغاليين إلى الخليج العربي، وخاضوا بقيادة الفونسو البوكيرك عام 1508 عدة اشتباكات مع الإمارات العربية على الخليج. وبعد ذلك اتخذوا من جزيرة هرمز مركزاً لقيادتهم وخصوصاً بالقلاع وعقدوا مع الشاه اتفاقاً بشأن الخليج، وتساعد الإيرانيون والبرتغاليون، في احتلال سواحله ولا سيما القطيف عام 1515. لكن فشل البرتغاليين في احتلال عدن أضعف سيطرتهم، إذ تمكن المماليك من اتخاذ مدينة جدة مقراً لهم، عام 1515 وفشلت محاولات البرتغاليين عام 1517 للقضاء على القاعدة المصرية المملوكية إلى حين. وفي عام 1530 عقد البرتغاليون معاهدة مع حاكم عدن، يعترف لهم بالسيادة على عدن مقابل اعتراف البرتغال لسكان عدن بالملاحة في المنطقة، وفي بداية العقد الخامس من القرن السادس عشر بدأ النفوذ البرتغالي يتراجع. إذ تمكن السلطان أحمد بن إبراهيم من طرد البرتغاليين من الساحل الارتيري عام 1542. وعندما أصبحت البرتغال جزءاً من إسبانيا 1580-1640 تقلص نفوذها، وضعف مركزها خصوصاً عندما تحالف شاه إيران مع البريطانيين. واندثر الوجود البرتغالي نهائياً في البحر الأحمر والخليج العربي بعد معركة عام 1642 بين البريطانيين والإيرانيين من جهة، والبرتغاليين من جهة أخرى(40). 5-2-العثمانيون: يمكن تقسيم الوجود العثماني في منطقة باب المندب إلى فترتين: أ-الفترة الأولى 1517-1635: بعد معركة مرج دابق عام 1517 ورث العثمانيون ممتلكات المماليك وتولى السلطان سليمان القانوني قيادة التصدي للوجود /البرتغالي/ في البحر الأحمر، وفي عام 1526 أرسل العثمانيون حملة بحرية مؤلفة من عشرين سفينة حربية إلى البحر الأحمر للسيطرة على سواحله وصولاً إلى اليمن. وفي عام 1538 وصل الأسطول العثماني إلى عدن ودخلها وأخذ حاكمها أسيراً، وبذلك استطاع العثمانيون إنهاء الوجود البرتغالي في باب المندب، لكن الظروف السيئة داخل الإمبراطورية العثمانية ذاتها اضطرتهم للانسحاب من اليمن ومنطقة باب المندب عام 1635. ب-الفترة الثانية: 1840-1918: عاد العثمانيون للسيطرة على باب المندب ثانية عام 1849. وبعد افتتاح قناة السويس عام 1869ازدادت أهمية البحر الأحمر بالنسبة لهم، ولذلك سيطروا عام 1872 على بعض أجزاء اليمن، لكن سيطرتهم لم تشمل إطلاقاً اليمن بحدوده التاريخية المعروفة. وفي 31/9/1918 اضطرت تركيا للانسحاب من البحر الأحمر نهائياً. أما في الخليج العربي، فقد كانت سيطرة العثمانيين على شط العرب، ولو من ناحية اسمية، معترف بها حتى نهاية الحرب العالمية الأولى(41). 5-3-الهولنديون: أسس الهولنديون شركة الهند الشرقية الاستعمارية عام 1594. وفي عام 1614 وصل الأسطول الهولندي إلى البحر الأحمر قادماً من الهند لجمع المعلومات. وقد فشل الهولنديون في إقامة مراكز عسكرية ثابتة على شكل قواعد عسكرية، لكنهم استطاعوا إقامة علاقات ثابتة وقوية مع سواحل البحر الأحمر واستمرت هذه العلاقات حتى عام 1763 وفي الخليج العربي، بدأت السيادة تنتقل من البرتغاليين إلى الهولنديين وذلك عندما سيطروا على عدد من موانئ إيران والخليج العربي، وقد تعاون الأسطولان الهولندي والبريطاني لتدمير الأسطول البرتغالي. وامتد النفوذ الهولندي حتى وصل إلى مدينة البصرة. لكن عندما اجتاحت فرنسا هولندا عام 1672 في عهد الملك لويس الرابع عشر تراجع النفوذ الهولندي في الخليج وكان البريطانيون هم المستفيدون من ذلك، وقد حصلوا على جزيرة مينورفا وعلى مضيق جبل طارق مفتاح المتوسط(42). 5-4-البريطانيون: منحت الملكة اليزابيت الأولى امتيازاً لشركة الهند الشرقية عام 1600 لإقامة المشاريع التجارية وتوقيع الاتفاقيات وشن الحروب باسمها. وبعد ثلاث حملات فاشلة استطاع القائد البريطاني وليام كيلينج إقامة مركز للنشاط التجاري في مدينة أدهر اليمنية عام 1612، وفي عام 1618 أنشأت بريطانيا وكالة للإشراف على مصالحها التجارية في منطقة البحر الأحمر، وكان مقرها في اليمن. وفي عام 1777 أرسلت شركة الهند الشرقية السفينة روبين للقيام بمهمة استكشاف شواطئ البحر الأحمر. شعر العثمانيون أن النشاط البريطاني يهدد مصالحهم في البحر الأحمر، لكن هذا النشاط تزايد بعد حملة نابليون على مصر عام 1797، فاحتلت بريطانيا جزيرة بريم (ميون) عام 1799 للسيطرة على الملاحة في منطقة باب المندب. وحماية مصالحها الاستراتيجية في الهند. ثم انسحبت منها. وفي عام 1834 احتلت جزيرة سوقطرة لأنها تقع على الطريق البحري إلى الهند، وعندما بدأ الحفر في قناة السويس عام 1856 عادت بريطانية واحتلت جزيرة بريم، وفي عام 1876 عقدت بريطانية معاهدة مع سلطان سوقطرة يتعهد بموجبها بعدم البيع أو التنازل لأية دولة أخرى غير بريطانيا. وبعد احتلال مصر عام 1882، بدأت بريطانيا تخطط للاستيلاء على الساحل الغربي للبحر الأحمر من خلال احتلال السودان وإثيوبيا. بالإضافة إلى نشاطها في مناطق اليمن. ومن ناحية أخرى، قلقت بريطانيا على مصالحها في الخليج العربي، الذي كانت تعتبره يخضع لسيادتها المطلقة وتدعي السيطرة عليه وترفض أن يكون لها أي شريك فيه وبعد ما فشلت محاولات الاتفاق بين محمد علي وبريطانيا، قصفت السفن البريطانية مدينة المخا اليمنية عام 1820. وفي 15/1/1921 فرضوا معاهدة أعطت الرعايا البريطانيين امتيازات واسعة في الخليج. وفي عام 1834 احتلوا جزيرة سوقطرة ومن ثم احتلوا عدن عام 1839. ولمقاومة النفوذ المصري في الساحل الشرقي للجزيرة العربية، خصوصاً في منطقة القطيف وميناء الهفوف، احتلت بريطانيا عمان والبحرين وأجبرت الشيوخ والأمراء على توقيع ما يعرف معاهدة الصلح مع شركة الهند الشرقية خلال السنوات 1839-1847-1852-1856. وقد حرمت هذه الاتفاقيات الحكام المحليين من تنفيذ أية سياسة مستقلة وفي عام 1861 أجبرت البحرين على توقيع إتفاقية مع التاج البريطاني، وفي عام 1867، وخلافاً للضغوط التركية والإيرانية، أقامت بريطانيا علاقات مع مشيخة قطر نفسها اضطرت للتنازل عنها بعد 3سنوات إلى تركيا. وخلال هذه الفترة كانت بريطانيا صاحبة السيادة المطلقة على مسقط وأجبرت حاكمها عن التنازل على جزر كوريا -مورية، وقسمت أملاكه بعد موته بين ولديه، أي أنها بشكل فعلي قسمت عمان إلى قسمين(43). 5-5-الفرنسيون: اضطرت فرنسا أن تحصر نشاطها في الساحل الإفريقي للبحر الأحمر والقرن الإفريقي لأسباب كثيرة قد يكون أهمها تأخر فرنسا في الوصول إلى البحر الأحمر، وبالتحديد منطقة باب المندب، إذ وصلت أولى البعثات الاستكشافية الفرنسية إلى هناك خلال 1835-1837. وفكرت فرنسا بشراء جزيرة سوقطرة لكن الإمبراطور نابليون الثالث قرر عام 1859 أن ينحصر نشاط فرنسا في الشاطئ الإفريقي للبحر الأحمر ولذلك حصلت فرنسا على امتياز لاستغلال ميناء أوبوك في جيبوتي مقابل باب المندب. وفي 12/9/1884 وقعت على اتفاقية مع سلطان تاجورة حصلت بموجبها على امتياز باستغلال جزء وافر من الساحل الارتيري على البحر الأحمر. وفي عام 1882 استولت فرنسا على ميناء جيبوتي(44). أما في الخليج العربي، فقد وصل التنافس أشده في حرب السنوات السبع 1756-1763 التي انتهت بمعاهدة باريس 1763 وفيها تنازلت فرنسا عن كل مستعمراتها في أمريكا الشمالية وكندا وبعض جزر الهند الغربية. وبعد الثورة الفرنسية قررت فرنسا أن تعوض عن خسائرها ومنافسة بريطانيا بمحاولة قطع طرق الهند، وبعد فشل الحملة على مصر عام 1798، قام الكولونيل سباستياني عام 1802 بجولة في الشرق الأدنى لإقامة بعض الصلات معها. وفي عام 1805 قرر نابليون التأكيد على أهمية الساحل الشرقي للجزيرة العربية. ولذلك حاول أن يشن حملة على العراق. واستطاع توظيف العلاقة مع الوالي سليمان الصغير الذي تسلم الحكم بعد مقتل عمه عام 1807، وطورت فرنسا علاقاتها مع إيران أيضاً. وأنشأت شركة الهند الشرقية الفرنسية خط بريدي بين بومباي في البصرة، حلب، استنابول. وخلاصة القول إن نفوذ فرنسا في الخليج العربي بقي هامشياً. وعندما حاولت الاحتجاج على تقسيم عمان إلى قسمين، حلت بريطانيا الخلاف بواسطة اتفاق حل وسط حول استقلال مسقط وزنجبار في 10/3/1862.(45). 5-6-الإيطاليون: بدأ النشاط الإيطالي في منطقة باب المندب عام 1861 عندما تقدمت بعض الشخصيات في الحكومة الإيطالية بمشروع لاحتلال الشاطئ الإفريقي للبحر الأحمر لمنافسة الفرنسيين والبريطانيين. وفي نيسان 1870، أقامت إيطاليا أول مستعمرة لها في المنطقة في ميناء عصب إلى الغرب من باب المندب. وفي عام 1885 احتلت القوات الإيطالية رهيطة إلى الجنوب من ميناء عصب بالقرب من باب المندب. وفي 15/11/1885 احتلت القوات الإيطالية ميناء مصوع واستطاعت عام 1890 أن تسيطر على الساحل الارتيري. وفي عام 1936 احتلت الحبشة. وقد وضعت إيطاليا وبريطانيا اتفاقية لتقاسم النفوذ في منطقة الحبشة عام 1938(46). 5-7-التحدي الإسرائيلي في البحر الأحمر يقول عضو الكنيست من حزب العمل ميخائيل بارزوهار، كاتب سيرة بن غوريون ومؤلف كتاب النبي المسلح The Armed Prophet ، وهو عبارة عن قصة حياة بن غوريون، إن مؤسس إسرائيل كان يقول إن هدفنا هو تسوير نطاق من العزلة حول العالم العربي لأن بن غوريون يعتقد أننا لا نستطيع أن نكره جيراننا العرب على عقد السلام معنا. ولكن ما من شيء يمكن أن يؤدي إلى السلام بيننا وبينهم أفضل من أن نكسب مزيداً من الأصدقاء بين دول آسيا وإفريقيا(47) أما أبا ايبان، وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، فقد كان أكثر وضوحاً من رئيس حكومته عندما قال "إن موطئ قدم لإسرائيل على البحر الأحمر يعوضها عن الحصار الإقليمي المفروض عليها، وعن طريق ربط المحيطات الشرقية والغربية عبر قطاع ضيق من الأرض يمكن لإسرائيل أن تصبح الجسر الذي تعبره تجارة الشعوب في القارات جميعها وبذلك يمكن تحرير شعوب آسيا وإفريقيا من الاعتماد على قناة السويس"(48) وقد حاول أبا إيبان أن يفسر الاستراتيجية الإسرائيلية بأنها رد على رفض العرب القبول بإسرائيل. "نحن قلنا إن الوضع الطبيعي لإسرائيل هو الإنسجام الإقليمي، ولكن إذا تعذر ذلك، فسنعمل على زرع العلم الإسرائيلي في عشرات العواصم ونعمل على خلق وجود دولي(49) وأخيراً نذكر بما قاله قائد البحرية الإسرائيلية الأسبق كانستلون عام 1954. "نحن نملك أسطولاً بحرياً ضخماً يعمل في كافة موانئ العالم، ولهذا علينا أن نعد العدة في المستقبل كي تستطيع أساطيلنا البحرية والحربية أن تحطم الحصار العربي المفروض علينا وأن نفرض الحصار بدورنا على الدول العربية عن طريق تحويل البحر الأحمر إلى بحيرة يهودية"(50). الاستراتيجية والتطبيق العملي لها (ضمان موطئ قدم على البحر الأحمر): يدعي حاييم هيرتزوغ رئيس الدولة السابق في إسرائيل، وهو أحد كبار المؤرخين العسكريين الإسرائيليين أن منطقة النقب وصولاً إلى العقبة أعطيت لإسرائيل بناء على قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في 29/11/1947، ولكن العمليات الحربية التي دارت خلال عام 1948 أبقت هذه المنطقة تحت السيادة المصرية ولذلك فضلت إسرائيل الاستيلاء على أم الرشراش بعد توقيع الهدنة مع المصريين وبدء مفاوضات الهدنة مع الأردنيين. واستناداً لهذا المخطط قام لواء غولاني ولواء النقب بشن عملية عسكرية، عرفت باسم عملية افدا (Evda) تظاهرت القوات الإسرائيلية بأنها تقوم بعملية مناورة، إذ انطلق لواء النقب عبر الوديان والجبال في المنطقة الوسطى من النقب. أما لواء جولاني فقد سار في منطقة وادي عربة على طول الحدود مع الأردن. وفي العاشر من آذار 1949 تم الاستيلاء على قرية أم الرشراش التي أقيمت إيلات على أنقاضها. وبذلك ضمنت إسرائيل أول موطئ قدم لها على البحر الأحمر.(51). التحالف مع إثيوبيا: أثيوبية معرض للشعوب والقوميات والديانات واللغات، أرض شديدة الخصوبة عندما يتوفر المطر وهي أرض المجاعات والصراعات والثورات، تبحث منذ قرون عن السلام والأمن والطعام، وهي بحكم تركيبها القومي بحاجة للدعم الخارجي إلى درجة أن بعض الباحثين يعتقدون أن إثيوبيا لا تضع سياستها الخارجية(52)، لأن الصفوة الحاكمة تمثل مصالح الأقلية من بين شعوب إثيوبيا، من جهة، ولأن موقع إثيوبيا وعدم تماسك بنيانها الداخلي جعلها هدفاً للأطماع الاستعمارية وغزواتهم سواء كانت برتغالية أم إسبانية، بريطانية أم إيطالية، أمريكية إسرائيلية، لأن إسرائيل هي التي أعادت الإمبراطور هيلاسلاسي إلى الحكم عندما تعرضت إثيوبيا لانقلاب عسكري في 14/9/1960 بينما كان الإمبراطور في رحلة إلى أمريكا اللاتينية، وتقول الوثائق التاريخية أن هيلاسلاسي طلب المساعدة من غولدا مائير، وزيرة الخارجية الإسرائيلية في ذلك الوقت التي أبلغت بن غوريون، بطلب الإمبراطور وسارع بن غوريون، في تلبية طلب هيلاسلاسي مقابل السماح للقوات الجوية الإسرائيلية باحتلال قاعدة اسمرة الجوية. ومقابل هذه الخدمة طلب بن غوريون في رسالة إلى الإمبراطور أن تعترف بلاده بإسرائيل، ونفذت الحبشة الطلب إذ اعترفت في أيلول 1963 بإسرائيل وزارها رسمياً بعد ذلك عدد من الوزراء الإسرائيليين وكبار قادة الجيش الإسرائيلي(53). وقد شرحت الدكتورة سوزان جنلسن أستاذة الدراسات الإفريقية في الجامعة العبرية أسباب التحالف الأثيوبي -الإسرائيلي بقولها: "إن للبلدين هدفاً استراتيجياً واحداً وهو إبعاد الاتحاد السوفياتي عن البحر الأحمر، وكلا البلدين يفهمان مشاكل كل منهما مع جيرانه، مشاكل إسرائيل مع الدول العربية، ومشاكل إثيوبيا مع السودان وارتيريا"(54) وأيد الكاتب الإسرائيلي الياهو سلفستر في مقال كتبه في صحيفة هآرتس وجهة نظر الدكتور جنلسن بقوله إن التخريب السوفياتي يتم بواسطة العرب، لهذا السبب يهتم الأثيوبيون بالتغلغل الروسي في البحر الأحمر ويقلقهم ذلك. وفي هذا المجال لا تلتقي المصالح الأثيوبية مع المصالح الإسرائيلية بل مع المصالح الأميركية.(55). وبعد ذلك بذلت إسرائيل جهوداً مكثفة لتعزيز علاقاتها مع إثيوبيا التي تمتلك من خلال إرتيريا منفذاً على البحر الأحمر، وبالإضافة إلى النشاط الذي لعبه الموساد الإسرائيلي في دعم الاستخبارات العسكرية لمواجهة الثوار في ارتيريا، حصلت إسرائيل بعد زيارة دايان لأثيوبيا عام 1964 وزيارته الثانية عام 1965 على التسهيلات في بعض الجزر الأثيوبية القريبة من باب المندب، وقامت شركاتها: انكودي Ancudi للحوم، وسيا Sia للمنتجات الزراعية، وعميران Amiran للتجارة وسوليل بونيه Solel Boneh للبناء والأشغال العامة وآتا ATA المحدودة للمشروعات الزراعية وشركة الأخوان أرون Aron Bros . Co للواردات والصادرات والهستدروت بتعميق نشاطها في أثيوبيا واستراتيجيتها العسكرية في البحر الأحمر الرامية إلىضمان القدرة والقوة العسكرية للقيام بعمليات حربية ضد العرب من مضائق تيران حتى باب المندب بالإضافة إلى ضمان الاتصال والأمن للخطوط البحرية العسكرية والمدنية الإسرائيلية من المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط عن طريق البحر الأحمر والطريق البحرية من إيلات حتى عسقلان وحيفا.(56). وبعد حرب حزيران، واحتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء وإغلاق قناة السويس زادت إسرائيل من تحالفها في أثيوبيا، خصوصاً بعد فشل المحاولات البريطانية للاحتفاظ بجزيرة بريم (ميمون) اليمنية التي تشرف على باب المندب. وقد استهدفت النشاطات الإسرائيلية في أثيوبيا، كما يقول يهوشفاط حركابي، رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق "إن على إسرائيل أن تمنع قيام ارتيريا مستقلة لأنها دولة عربية وستحول البحر الأحمر إلى بحر عربي وستكون العاقبة وخيمة على إسرائيل"(57). ولذلك استأجرت إسرائيل عام 1970 جزيرة حالب التي تقع على بعد 40كم جنوب شرقي ميناء عصب، وتبلغ مساحتها 40كم2 وأقامت فيها قاعدة جوية وأخرى بحرية، وأقامت قاعدتين عسكريتين في أراضي ارتيريا في منطقتي رواجيات ومهلاي وقاعدة للاستخبارات العسكرية في أسمرة. وفي 11/9/1971 اعترفت إسرائيل أن قواتها احتلت مجموعة الجزر الصغيرة بالقرب من باب المندب وأقامت قاعدة للاتصالات في قاعدة صغيرة تعرف باسم زلق تقع على بعد 32كم من ساحل اليمن الجنوبي سابقاً. وأقيمت قاعدة عسكرية جوية بحرية في جزيرة حالب تجاه ميناء حالب وسمح للإسرائيليين بإقامة شبكة من الرادارات على طول الساحل الإثيوبي المطل على البحر الأحمر وبعد زيارة حاييم بارليف إلى أثيوبيا حصلت القوات الإسرائيلية على تسهيلات بحرية وجوية في القاعدة الأميركية في جزيرة كانيو لتزويد الطائرة الإسرائيلية بالوقود والذخيرة. وفي 28/3/1973 أعلن أبا ايبان أن أمن إسرائيل مرهون ببقاء مخرجها الآمن الحر إلى البحر الأحمر، وإسرائيل ستدافع عن مخرج البحر الأحمر بأي ثمن.(58). وفي نيسان 1974 أدخلت إسرائيل زورقين من طراز ريشف الحاملة للصواريخ إلى سلاحها البحري في البحر الأحمر. وعلق على ذلك البرديغادير شلومو رائيل، قائد سلاح البحرية الإسرائيلي في مقال كتبه في صحيفة معريف الإسرائيلية " أن هذا البحر، البحر الأحمر، الذي كان في الماضي نقطة ضعف لإسرائيل، يمكن أن يتحول إلى مجال للمبادرة لإسرائيل وقت الحرب، وأن يخلق تهديداً لمؤخرة مصر وطرق ملاحتها البحرية. إن سيطرة مصر على قناة السويس تضع في يدها مفتاحاً واحداً فقط في هذا الممر المائي، أما المفتاح الثاني والأهم فبالإمكان أن يوجد بيد إسرائيل إذا عرفت كيف تطور التفوق البحري في منطقة البحر الأحمر وتحافظ عليه.(59). بعد الاطاحة بنظام هيلا مريام استعادت إسرائيل نشاطها في إثيوبيا. وفي عام 1990 عقدت صفقة بين البلدين حصلت إثيوبيا بموجبها على 15طائرة كفير إسرائيلية الصنع مقابل السماح لإسرائيل باستخدام جزيرة دهلك على مدخل باب المندب. وفي 26/10/1990 قام ارئيل شارون، وزير الزراعة في حكومة شمير، بزيارة إلى إثيوبيا مدتها عشرة أيام للإطلاع على أوضاع اليهود هناك وذكرت صحيفة الاندبندنت البريطانية أن مئات الخبراء الإسرائيليين يعملون في إثيوبيا.(60). التقاء المصالح بين ارتيريا وإسرائيل خلال ثلاثة عقود تقريباً بقيت إسرائيل تعارض قيام دولة ارتيرية المستقلة لأنها ستحول البحر الأحمر إلى بحيرة عربية مئة بالمئة لأن أغلبية سكان ارتيرية عرب مسلمون وقد ساهم العرب بقسط وافر في تحرير أرتيرية من الاستعمار الإثيوبي سواء من خلال تدريب كوادر الثورة في دمشق ومعسكرات الثورة الفلسطينية وفي السودان، وغيرها، أو من خلال فضح الدور التخريبي الذي لعبته المخابرات الإسرائيلية ضد الثورة الإرتيرية من جهة وفي تدريب الجيش الإثيوبي وتزويده بالمعدات والأسلحة اللازمة للقيام بهذه المهام من جهة أخرى. ولا يزال الدور الذي لعبه أساسياً افورفي ومجموعته في حرف الثورة الارتيرية عن مسارها الصحيح ودور الولايات المتحدة وإسرائيل في هذا المجال خصوصاً أن المعلومات تتحدث عن علاقات سرية وثيقة جداً بين الرئيس الارتيري الحالي والولايات المتحدة، وقد ذكرت معلومات صحفية أن الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر استقبله في طائرته أثناء زيارته لمصر عام 1978.(61) لا يزال يتكشف يوما بعد يوم. إلى ذلك لا بد أن تتكشف الملابسات التي أدت إلى تحييد القادة التاريخيين للثورة الارتيرية أمثال صالح سبي ورفاقه وسيطرة أقلية مسيحية على قيادة الثورة، وأخيراً التحول الحاد في التوجهات السياسية للثورة الأرتيرية. فقادة ارتيريا الحاليون يرفضون عودة أكثر من نصف مليون لاجئ ارتيري من أصل عربي موجودون في السودان إلى ارتيريا، وتتحكم بالقيادة أغلبية مسيحية معادية للعرب الأمر الذي يبرز التقارب الحالي بين ارتيريا وإسرائيل ويقول بعض الباحثين إن القيادة الارتيرية الحالية التي رفضت الانضمام إلى جامعة الدول العربية تعتبر أن العلاقة مع إسرائيل هي المدخل لاقامة علاقات قوية مع الولايات المتحدة"(62). ولم تقتصر العلاقات الارتيرية- الإسرائيلية على الزيارة التي قام بها الرئيس أساسيا افورفي لإسرائيل بعد استقلال بلاده مباشرة، والتعاون المشترك في عدد من المجالات العسكرية والاقتصادية، بل امتد ليشمل إشراف الإسرائيليين المباشر على العمليات الحربية التي قامت بها القوات الارتيرية ضد القوات اليمنية في جزيرة حنيش في 15/12/1995، وتفيد المعلومات المتوفرة أن ضابطاً إسرائيلياً قاد الهجوم الارتيري على جزيرة حنيش وأن خبراء إسرائيليين أشرفوا على تشغيل مجموعة الزوارق الحربية التي هاجمت الجزيرة، وأن عدد هذه الزوارق هو 4-6زوارق حربية. ومقابل هذه المساعدات الإسرائيلية العسكرية لإرتيريا. قدم الرئيس أساسيا افورفي تسهيلات عسكرية للإسرائيليين في جزيرة موسى، وهي تقع جنوب ميناء عصب، حيث أقامت القوات الإسرائيلية قاعدة بحرية هناك، وإلى الجنوب الشرقي من القاعدة نصبت رادارات على قمة جبل سوركين علي لمراقبة السفن التي تمر عبر باب المندب، وفي جزيرة تمرة، أقام الإسرائيليون قاعدة بحرية لاستقبال السفن الحربية الإسرائيلية. وفي جزيرة فاطمة تم تجهيز المرفأ من قبل إسرائيل لإقامة مصنع لتعليب الأسماك هناك(63). ولئن كنا لا نظن أنه من مهمتنا الإجابة عن السؤال المشروع وهو هل يؤدي قيام ارتيريا إلى التقليل من أهمية أثيوبية بالنسبة لإسرائيل، لأن الوقائع كلها تؤكد أن إسرائيل على استعداد للتعاون مع البلدين لتحقيق حزمة من الأهداف التي تخدم مصالحها الاستراتيجية. لكننا نقول إن إسرائيل تشعر أن بإمكان ارتيرية أن تخدم مصالح إسرائيل في الحيلولة دون تحول البحر الأحمر إلى بحيرة عربية. ففي 25/5/1990كتب الصحفي الإسرائيلي يعاف كرمي مقالاً في صحيفة هآرتس قال فيه "إن أهمية أثيوبيا تكمن في كونها الدولة الوحيدة غير العربية وغير الإسلامية على البحر الأحمر، وتملك أهم الموانئ هناك، وأنها العقبة الوحيدة في نظر الاستراتيجيين الإسرائيليين في وجه تعريب باب المندب الذي خاضت إسرائيل من أجله حربين(64) ومما لا شك فيه أن القيادة الارتيرية الحالية تؤدي الدور المطلوب منها في هذا المجال. خصوصاً بعد تزايد المعلومات عن وجود ضباط ومستشارين عسكريين إسرائيليين في ارتيريا وقد نقلت صحيفة هآرتس في عددها الصادر في 23/5/1995 عن مصادر عسكرية قولها إن نحو 200مستشار عسكري إسرائيلي هناك"(65). خلاصة القول: إن أمن البحر الأحمر جزء أساسي من الأمن القومي العربي وهو عامل حاسم في الصراع العربي -الإسرائيلي الذي تؤكد الوقائع أنه من الحكمة عدم الإغراق في التفاؤل في التوصل إلى تسوية عادلة ومشروعة ودائمة له في الظروف الحالية. وسيبقى الأمن في هذا الممر المائي الحيوي يحمل إمكانيات صراع ضخم في المستقبل على ضوء مقدرة التحالف الأمريكي -الإسرائيلي، تأمين التواجد المعادي للعرب على السواحل الارتيرية خلافاً لكل الحقائق التي كانت إسرائيل تعارض استقلال ارتيريا لأجلها لأنها ستكون دولة عربية تجعل من البحر الأحمر بحيرة عربية. إن الإرادة الاستراتيجية العربية الموحدة مطالبة بتأمين متطلبات السيطرة الاستراتيجية القومية على هذا الممر المائي على ضوء خبرات الماضي وحقائق الحاضر ومصالح العرب القومية في المستقبل، لقد استطاعت عملية فدائية صغيرة شنت ضد ناقلة النفط الإسرائيلية "كورال سي Corral Sea" بعد عدوان حزيران في مضيق باب المندب أن تؤكد فشل النظرية الأمنية الإسرائيلية وجاءت تجربة إغلاق باب المندب في 6/10/1973من قبل المدمرات والغواصات المصرية التي وصلت إلى السواحل اليمنية سراً وأغلقت مضيق باب المندب أمام الملاحة الإسرائيلية لتؤكد ما قلناه حول النظرية الأمنية الإسرائيلة وكذلك الحدود الآمنة، وأنه في ظروف المعركة المشتركة الشاملة يمكن أن تتعرض لضربات موجعة وحيوية تجعل قادة إسرائيل يعيدون النظر في سياساتهم.(66).
6- الأساطيل الأجنبية بعد اندلاع أزمتي الخليج الأولـى والثانية. في عقد السبعينات، شكل الوجود العسكري الأجنبي في البحر الأحمر مصدر قلق وتهديد للدول العربية المطلة على هذا البحر. وفي النصف الثاني من هذا العقد بدأت تتطور استراتيجية عربية لذلك البحر تهدف إلى جعله بحيرة آمنة بعيدة عن مناورات السيطرة والاحتواء التي تقوم بها الدول العظمى. ويدور مفهوم الاستراتيجية العربية حول جعل البحر الأحمر منطقة سلم واستقرار دائمين ومنطقة محايدة. ولم يخف الزعماء العرب نظرتهم إلى البحر الأحمر باعتباره بحيرة عربية. وهذا ما قاله الرئيس السادات في كانون الأول 1976، وفي شباط 1977، قال الرئيس حافظ الأسد "البحر الأحمر بحر عربي" وفي حزيران من العام ذاته قال الشيخ صباح الأحمد الجابر "إن كل الدول المتاخمة لهذا البحر دول عربية" وقد عقدت عدة مؤتمرات قمة بين زعماء عدد من الدول العربية لبحث مسألة الأمن في البحر الأحمر منها67). آ- مؤتمر القمة الثلاثي في الرياض في 19/7/1976 بين الرئيس السادات والملك خالد والرئيس النميري. وتقرر في المؤتمر إقامة تنسيق عسكري بين هذه الدول في البحر الأحمر تتولى الإشراف عليه لجنة عسكرية موحدة وأعلن المؤتمر توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين مصر والسودان وقيام التضامن العربي من جهة، وأمن وسلام البحر الأحمر من جهة ثانية. ب- مؤتمر الخرطوم الثلاثي في شباط 1977 بين رؤساء مصر وسورية والسودان الذي كرس لمواجهة الوجود الإسرائيلي في البحر الأحمر. جـ- قمة تعز في 22/3/1977 التي عقدت تحت شعار التضامن العربي وأمن البحر الأحمر وشارك فيها كل من شطري اليمن، الصومال، السودان، وقرر المؤتمر الاتفاق على ضرورة المحافظة على سلام منطقة البحر الأحمر وأهميته(68). وبعد اندلاع الحرب العراقية -الإيرانية طورت الولايات المتحدة ما يعرف بالإجماع الاستراتيجي وقوات التدخل السريع بهدف احتلال منابع النفط عند الضرورة وقد أدى اتساع رقعة الحرب إلى تزايد الأساطيل الأجنبية في مياه الخليج تارة تحت ذريعة ضمان حرية الملاحة في مضيق هرمز وتارة أخرى لحماية ناقلات النفط. أما الهدف الحقيقي فهو العودة لاحتلال الخليج. وهذا ما أكده الحاكم البريطاني لإحدى الولايات العربية قبل الاستقلال في مقابلة مع أحد الصحفيين العرب عام 1979. يقول الحاكم البريطاني السابق متسائلاً "لماذا على المواطن الغربي أن يتحمل على مضض وبصمت التهديد اليومي لطريقة حياته من قبل عدد من المشايخ العرب وآيات الله الإيرانيين؟ بل أي حق أخلاقي للدول المصدرة للنفط التي لم يكن لها أي دور على الإطلاق في اكتشاف النفط واستخراجه يسمح لها أن تلعب بمقدرات الحضارة الغربية كلها؟ ألا يمكن ابتداع ذريعة لعودة الغرب لاستعمار هذه المنطقة التي هي بمثابة حبل الوريد لكل مصالح العالم الغربي؟(69). أما الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون فقد شرح وبشكل لا لبس فيه ولا غموض ولا خجل الهدف الحقيقي لوجود الأساطيل الأجنبية، وخصوصاً الأميركية في الخليج العربي. يقول الرئيس نيكسون في كتابه الحرب الحقيقية الصادر عام 1980 مشبهاً العلاقة بين الولايات المتحدة ودول النفط بالعلاقة القائمة مع امرأة ثرية تضع تحت سريرها ثروة من الماس تقدر بملايين الدولارات وتنتظر دائماً بفارغ الصبر قدوم قائد الشرطة the Sherif ليطمئنها ويطبع قبلة على خدها(70). وبعد ذلك يشرح الرئيس نيكسون المتغيرات الجديدة في منطقة الخليج. فيقول: "علينا اليوم أكثر من أي وقت مضى أن نعلم من يسيطر على ماذا في الخليج الفارسي والشرق الأوسط لأنه المفتاح الذي يسمح لنا أن نعرف من يسيطر على ماذا في العالم. لقد انتقلت السيطرة على نفط الشرق الأوسط من أيدي الشركات متعددة الجنسيات إلى البلدان المضيفة. وأصبح بذلك نمط الحكم أو اعتدال الزعماء العامل الحاسم في تحديد علاقة الغرب بهذه المنطقة. وأخيراً يخلص الرئيس الأميركي إلى ضرورة أن تتواجد الولايات المتحدة بشكل دائم في المنطقة "إنه من الضروري أن تقيم الولايات المتحدة قواعد ثابتة لها كفيلة بأن تعكس صورة مقنعة لقوتها في المنطقة، وبأن تسمح بالرد بسرعة على ما قد يبرز من المخاطر والتهديدات المفاجئة(71). نظن أن هذا يكشف بما فيه الكفاية أن هذه الأساطيل باتت مصدر تهديد لأمن الخليج العربي، تماماً مثلما يهدد التواجد الإسرائيلي العسكري وتحالفه مع كل من أثيوبيا وارتيريا الأمن في البحر الأحمر.
نظراً لخصوصية الخليج العربي باعتباره شريان النفط بالنسبة للعالم، سنحاول أن نقدم إيجازاً لمفهوم الأمن من وجهة النظر الأمريكية -الإسرائيلية، الروسية والعربية الخليجية. 7-1-وجهة النظر الإيرانية:
يضم الخليج العربي ممرين مائيين هما شط العرب، ومضيق هرمز، اللذين يتحكمان بالمدخلين الشمالي والجنوبي للخليج العربي، وبسبب تطلعات إيران للهيمنة على هذين الممرين المائيين تسود علاقات لا تصالحية وأجواء انعدام الثقة بين العرب وإيران في هذا الصدد. أ-شط العرب: في عهد الإمبراطورية العثمانية كانت ملكية شط العرب كاملة للعراق واستمر الوضع على هذه الحالة حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وبعد استقلال العراق عام 1932طالب بضرورة فرض سيادته على شط العرب باعتباره جزء لا يتجزأ من أرضه، وفي عام 1937 وقعت إيران والعراق اتفاقية تثبت سيادة العراق على شط العرب الذي يبلغ طوله 100 ميل ويتشكل نتيجة التقاء نهري دجلة والفرات، يعتبر الحد الفاصل بين العراق وإيران، وبموجب هذه المعاهدة حصل العراق على حقوق ملاحة شاملة حتى علامة المياه المنخفضة على الجانب الإيراني بالإضافة إلى الملاحة حتى منتصف النهر.. وقد استثني من ذلك مناطق الرسو في الموانئ الإيرانية عبدان، خور مشهر، خسرو آباد. قبلت إيران بالاتفاقية والتزمت بها حتى قيام ثورة تموز 1958 في العراق، وفي عام 1959 طالبت الحكومة الإيرانية بإعادة النظر في اتفاقية 1937 وضرورة إعادة جميع أمكنة رسو السفن خارج الموانئ الإيرانية، لأن السفن الإيرانية كانت ملزمة أن تدفع الرسوم وترفع العلم العراقي قبل دخولها الموانئ الإيرانية، وفي عام 1960 ادعت إيران أن الحكومة العراقية تماطل وترفض إعادة النظر في الاتفاقية المعقودة بين الطرفين وزعمت الحكومة الإيرانية أن العراق يستخدم الرسوم التي تجمعها سلطة ميناء البصرة لأسباب لا علاقة لها بمسألة تطوير مجرى شط العرب، ولذلك طالبت إيران بضرورة نقل الحدود العراقية الإيرانية إلى أعمق نقطة في القناة القابلة للملاحة في شط العرب. فشلت مساعي العراق خلال الفترة ما بين تشرين الثاني 1963 ونيسان 1966، وهي الفترة التي تسلم الحكم فيها الرئيس عبد السلام عارف، فشلت في التوصل إلى اتفاقية مع إيران. وفي عام 1968 اتخذت القيادة العراقية التي وصلت إلى الحكم بعد انقلاب 1968 مبادرات عديدة لتحسين العلاقات مع إيران، وفي 19نيسان 1969 أعلنت إيران إلغاء معاهدة عام 1937 من جانب واحد. وأعلن البيان الإيراني الذي صدر بهذه المناسبة أن السفن الإيرانية لن تدفع الرسوم للعراق، ولن ترفع العلم العراقي. وعندما تمسك العراق بالمطالبة بالسيادة الكاملة على شط العرب، أرسلت إيران باخرة شحن مع مرافقة من سلاح البحرية والطائرات عبر شط العرب إلى الخليج، ورغم أن العراق لم يشتبك مع القوات الإيرانية المرافقة لسفينة الشحن، إلا أنه تمسك بالمطالبة بحقوقه. وبقيت العلاقات بين الطرفين متوترة بسبب شط العرب إلى أن أثمرت الجهود الجزائرية في الوساطة بين الطرفين وتم في 13/6/1975، التوصل إلى الاتفاق العراقي -الإيراني حول شط العرب ويقضي بنقل الحدود المائية بين البلدين إلى وسط المصب، وهذا هو الاقتراح الإيراني وبذلك تم اقتسام شط العرب بالتساوي(72). وعندما اندلعت الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، حاولت إيران السيطرة على شط العرب كله، والدلالة على ذلك محاولات الإيرانيين الاستيلاء على ميناءي الفاو والبصرة العراقيين، واستغلت إيران ظروف حرب الخليج الثانية لضرب وحدة التراب العراقي والسيطرة على ضفتي شط العرب بما في ذلك ميناء البصرة من خلال إثارة الفتن الطائفية في تلك المنطقة. ب-مضيق هرمز: يربط مضيق هرمز الخليج العربي بخليج عمان، الأول بحر شبه مغلق والثاني بحر مفتوح وكلاهما يشكلان لسانين بحريين متصلين بالمحيط الهندي. ينتهي ساحل المضيق الجنوبي عند عمان بينما تشكل إيران ساحله الشمالي والشرقي. يبلغ طول المضيق 104 أميال بحرية وعرضه من جهة عمان (المدخل الجنوبي المتصل بالبحار العالمية المفتوحة) حوالي 52.2 ميلا بحرياً، وهذا أقصى عرض للمضيق لأنه ما يلبث أن يضيق تدريجياً حتى يصبح عرضه 20.75 ميلا بحرياً عند النهاية الشمالية الشرقية من جزيرة لارك على الجانب الإيراني، وقوين الكبرى على الجانب العراقي. وهذا أقل اتساع للمضيق. ويستمر عرض المضيق بحوالي 26ميلا بحرياً لمسافة 16 ميلا بحرياً في الاتجاه الشمالي الغربي لجزر قوين الثلاث (جزائر سلامة وبناتها) التي تقع داخل المضيق وعلى بعد 9أميال بحرية عن شبه جزيرة مسندم. وبسبب كثرة الجزر في الممر البحري والتيارات الناجمة عن المد والجزر، حددت، المنظمة البحرية الاستشارية بين الحكومات ممرين بحريين: - الأول يتجه شرقاً باتجاه خليج عمان، عرضه 1.5ميل بحري ويحاذي الجانب العماني على الشاطئ. - الثاني يتجه غرباً نحو الخليج العربي، عرضه 4.5 أميال بحرية. يفصل بين الممرين شريط عرضه ميل بحري واحد يحول دون اصطدام السفن المبحرة في الممرين. تنبع أهمية مضيق هرمز من كونه الممر المائي الذي تعبره صادرات التنقط من الخليج العربي إذ تقع كل حقول النفط وأغزرها في منطقة الخليج أو تحت مياهه، ولهذا السبب بالذات، لهذا المضيق أهمية خاصة لدى كل دول العالم، إذ أن مصالح العديد من دول العالم على اختلاف أحجامها، وآرائها، ونظمها السياسية، ومواقعها الجغرافية، ومستويات التطور الاقتصادي لديها، ولذلك ليس من المبالغة إطلاقاً أن دولا عده تطلق على هذا الممر اسم المضيق الاستراتيجي، صمام الأمان العالمي، الممر الدولي للنفط أو شريان الطاقة. ويوجد في الخليج أربع جزر تتحكم بالمدخل الشمالي لمضيق هرمز ثلاث منها تتبع لدولة الإمارات العربية المتحدة وهي أبو موسى، طنب الصغرى وطنب الكبرى والرابعة إيرانية واسمها فرور. وتنبع أهمية الجزر العربية الثلاث من أن المنطقة الفاصلة والمثبتة للمرور في مدخل الخليج والتي تستخدمها السفن المتجهة إلى رأس الخليج والمغادرة منه تقع في جزيرة طنب الكبرى وجزيرة فرور وتقع الممرات الأكثر عمقاً في المضيق نفسه في الجانب العربي وقد ثبتت العلامات الخاصة بالمنطقة الفاصلة من قبل منظمة البحرية الاستشارية بين الحكومات آمكو(73). The International Maritime Consultative. Organezation IMCO. استراتيجية إيران تجاه مضيق هرمز:
قامت إيران في عام 1971 باحتلال الجزر العربية الثلاث أبو موسى، طنب الصغرى وطنب الكبرى، وترفض أية وساطة أو تحكيم دولي، ولم يتغير موقف القيادة الإيرانية بعد تغيير نظام الحكم في شباط 1979، الأمر الذي يعني صراحة أن المصالح والأطماع التوسعية لا تزال أكبر وأقوى بكثير من الشعارات في السياسة الخارجية الإيرانية. وخلافاً لمطالب الأغلبية الساحقة لدول الخليج العربي وبشكل خاص دولة الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية، العراق، الكويت، البحرين، وقطر، التي تملك أكبر جزء من سواحل الخليج وترى أن المصلحة تقتضي تطبيق مبدأ المرور الحر في مضيق هرمز خوفاً من تحكم إيران بالمضيق، تطالب الأخيرة بمكانة خاصة في الخليج العربي، بشكل عام وفي مضيق هرمز بشكل خاص، وترى أن من حقها أن تطبق مبدأ المرور الحر لسفنها ومبدأ المرور البريء لسفن الدول الأخرى. 7-2-وجهة النظر الأميركية.
تؤكد كل المؤشرات أن الطلب على النفط في تزايد مستمر، إذ بلغ إجمالي الطلب العالمي على النفط عام 1994: 68.1 مليون برميل يومياً مقابل 67.1 ميلون برميل يومياً عام 1993. وقد أصبح ضمان تدفق النفط في أعلى سلم الأولويات لعدد كبير من الدول من مختلف أرجاء العالم. وليس من المبالغة القول إن أي تهديد أو إعاقة للملاحة في الخليج العربي، سيكون لها انعكاساتها الاقتصادية في أماكن كثيرة من العالم. فإذا أخذنا في الحسبان أن إنتاج الدول الخليجية من النفط خلال السنوات 1990-1995 كان على النحو التالي74) الجدول رقم (1)
(الوحدة ألف برميل)
1994
1993
1992
1991
1990
اسم الدولة/ عام
2250
2159
2266
2124
2085
الإمارات العربية المتحدة
31
30
30
31
31
البحرين
8082
8048
8392
8118
6413
السعودية
420
390
423
391
460
قطر
1412
1461
1433
1550
1172
الكويت
550
660
526
279
2112
العراق
3618
3425
3432
3428
3195
إيران
أما إنتاجها من الغاز فكان خلال هذه الفترة على النحو التالي75) الجدول رقم(2)
(الوحدة مليون م3)
1993
1992
1991
1990
اسم الدولة
22930 22170 25810 22110 الإمارات العربية المتحدة 6620 6210 5532 5804 البحرين 35800 34000 32000 30500 السعودية 2550 2270 17400 3980 العراق 13500 6749 5850 6304 قطر 4470 2620 500 4190 الكويت 60000 58200 57850 54530 إيران
إذا أخذنا المؤشرات المذكورة أعلاه في الحسبان، وتذكرنا أن الخليج العربي هو الممر الإجباري الوحيد لصادرات النفط من كل من إيران، الكويت، قطر، الإمارات العربية المتحدة، البحرين. وهو ممر إجباري لجزء كبير من صادرات النفط والغاز لكل من العراق والسعودية وإيران، أدركنا الدور الذي يلعبه هذا الممر المائي في تجارة النفط وفي الاقتصاد العالي بشكل عام ولهذا السبب وضعت كل من الدول العظمى رؤيتها الخاصة ومفهومها للأمن في الخليج بما يتناسب مع مصالحها الحيوية من جهة واستراتيجيتها الإقليمية والكونية من جهة أخرى. لقد استطاعت الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية أن تحتل مكان بريطانيا وفرنسا في الشرق الأوسط وفي منطقة الخليج العربي. ولأسباب جيواستراتيجية واقتصادية باتت هذه المنطقة تعتبر من أولويات السياسة الأمريكية الشرق أوسطية لأنها تربح أكثر من 50% من رؤوس الأموال المستثمرة. ففي عام 1973 بلغت استثمارات الولايات المتحدة في نفط الخليج 2000مليون دولار بينما زادت أرباحها من هذه الاستثمارات عن 1500مليون دولار. وقدر الخبراء تحويلات شركات النفط الأمريكي خلال الفترة ما بين 1973-1982 بحوالي 6000مليون دولار(76). وللتأكيد على الأهمية الاستثنائية لمنطقة الخليج بالنسبة للولايات المتحدة قال الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في خطابه عن حالة الاتحاد في 23/1/1980ما يلي: "إن أية محاولة للسيطرة على الخليج تعتبر اعتداء على مصالح الولايات المتحدة الحيوية وسوف تصدها بجميع الوسائل الضرورية بما فيها القوة العسكرية. واعتبر زبنغيو بريجنسكي، المستشار لشؤون الأمن القومي في إدارة الرئيس كارتر، أن الخليج هو الحد الاستراتيجي المركزي الثالث بالنسبة للولايات المتحدة وأن أهمية الخليج بالنسبة للولايات المتحدة استراتيجية عدا عن كونها اقتصادية"(77) ويبرر الخبراء الاقتصاديون ذلك بأن هذه المنطقة من العالم تحوي على 60% من احتياطي النفط في العالم أو ما يعادل 621390بليون برميل يضاف إليه 30500مليون م3 من الغاز. ويرى الخبير الاقتصادي روبن اندريسيان أن الإدارة الأميركية تدرك جيداً أنها إذا بسطت سيطرتها على مضيق هرمز وهيمنت على الصادرات النفطية في منطقة الخليج فإنها ستكون قادرة على التحكم بأدوار حلفائها ومنافسيها بهذه المادة الاستراتيجية.(78). وللحيلولة دون تعرض المصالح الأمريكية للخطر، باتت الولايات المتحدة تعتقد أن أمن الخليج يعني تكريس الوضع الراهن القائم على تفرد الولايات المتحدة بالهيمنة في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم. ولذلك طورت الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس كارتر ما عرف بمبدأ كارتر أو الإجماع الاستراتيجي الذي يقول بتطوير القوات الأمريكية حتى تتمكن بمفردها من القيام بالدفاع عن المصالح الغربية في الخليج، وانسجاماً مع هذا التوجه طورت الولايات المتحدة قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، ووسعت قواعدها في تركيا. ووضعت مخازن احتياطية للأسلحة في إسرائيل. لكن حرب الخليج الثانية أثبتت عدم قدرة الولايات المتحدة وحدها على الدفاع عن مصالح الغرب في منطقة الخليج. ولمواجهة الاشتراطات الجديدة لجأت الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في انتشارها الاستراتيجي في المنطقة.
ومن جهة أخرى، حدد إدوارد جيرجيان، مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط مفهوم الولايات المتحدة للأمن في الخليج العربي في محاضرة ألقاها في فندق ميريديان هاوس في 2/6/1992 تحت عنوان الولايات المتحدة والشرق الأوسط في عالم متغير جاء فيها تحت عنوان أمن الخليج واستقراره ما يلي79) "إن الجانب الرئيسي الثاني لسياستنا في الشرق الأوسط هو مصالحنا المشتركة في أمن الخليج واستقراره. ولكننا نعلم أن بلدان شبه الجزيرة العربية موجودة في جيرة خطرة وأنها تواجه المخاطر على سيادتها واستقلالها. الاستقرار في الخليج أمر حيوي ليس فقط من أجل مصلحتنا القومية نحن بل من أجل الأمن الاقتصادي للعالم". وحدد مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق مرتكزات الأمن في الخليج العربي من وجهة نظر الولايات المتحدة على النحو التالي: 1- ضرورة اتخاذ الترتيبات الأمنية الجماعية بين دول مجلس التعاون العربي للدفاع عن المنطقة. 2- بيع الأسلحة لدول هذه المنطقة ضمن نطاق مبادرة الرئيس جورج بوش لضمان مبيعات الأسلحة إلى دول الشرق الأوسط والخليج العربي. 3- الحفاظ على وجود بحري معزز في الخليج واتخاذ الترتيبات اللازمة لاستخدام المرافق اللازمة للقيام بعمليات التخزين المسبق لمواد ومعدات عسكرية حاسمة. ويعتقد كثير من الخبراء أن البند الأخير من محاضرة إدوارد جورجيان يلقي الضوء على جانب هام من الدوافع الاستراتيجية للولايات المتحدة في منطقة الخليج والتي تتلخص في: 1- الحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة. 2- منع انتشار أسلحة الدمار الشامل في المنطقة. 3- الحفاظ على التفوق النوعي الإسرائيلي.
4- ضمان تدفق النفط باستمرار. وعلى ضوء الخلل الذي أصابالقوات العراقية والإيرانية في حربي الخليج الأولى والثانية، سيسود صراع بين قوى متوازية ومتساوية تقريباً الأمر الذي يعني ضمان موطئ قدم للولايات المتحدة في الخليج سواء على أرضه أو على مياهه(80). 7-3-الرؤية الإسرائيلية للأمن في الخليج:
بعد اندلاع حرب الخليج الأولى حاول الإسرائيليون الترويج للدور الذي يمكنهم أن يلعبوه في الدفاع عن مصالح الغرب والولايات المتحدة بشكل خاص في الخليج، ففي 17/9/1981 كتبت صحيفة معاريف الإسرائيلية ما يلي: "لا يوجد مكان آخر في الشرق الأوسط أهم من (الخليج الفارسي) لحفظ التوازن بين العناصر المختلفة لسياستنا.. فهو منطقة غير مستقرة، للعالم الغربي فيه مصالح اقتصادية وسياسية واستراتيجية وحتى روحية كثيرة ومهمة.. إن حقول النفط مهمة بالنسبة لنا ولحلفائنا وهي مهددة بالخطر. إن هذه الدول شريك لنا على المدى الأوسع وليس كمصدر للنفط فقط...(81). وعندما التقى ارئيل شارون وزير الحرب في حكومة بيغن، مع الكسندر هيغ، وزير الخارجية الأمريكي في حكومة الرئيس ريغان، وجرى اللقاء في واشنطن في نيسان 1981، قال ارئيل شارون معلقاً على مشروع الولايات المتحدة لنشر قوات التدخل السريع للدفاع عن مصالحها النفطية في الخليج العربي، "ما حاجتكم إلى قوات للتدخل بوجود إسرائيل؟ نحن كل شيء في الشرق الأوسط، ونستطيع الوصول إلى كل مكان. وقد تحدث المراسل العسكري لصحيفة هارتس في 3/4/1981 بصراحة عن الدور الذي يمكن أن تلعبه إسرائيل في الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة في الخليج بقوله إنه في حالة هجوم مفاجئ على الخليج على الولايات المتحدة أن تطلب من إسرائيل التعاون الاستراتيجي معها للعمل بعيداً عن حدودها.. إذ أن قائداً عسكرياً أمريكياً يمكن أن يطلب من جيش الدفاع أو من أحد أسلحته، على سبيل المثال، الدفاع عن الكويت.(82). بيد أن وقائع حرب الخليج الثانية وتجاهل الولايات المتحدة دور وخدمات إسرائيل، جعل القادة الإسرائيليين وكتابها الإستراتيجيين يتساءلون عن الدور المستقبلي لإسرائيل في الاستراتيجية الأمريكية الشرق أوسطية بعد هذه الحرب. وتباينت الآراء في هذا المجال. وبينما اعتقد بعضهم أن دور إسرائيل في الاستراتيجية الأمريكية قد تغير أو انتهى تحدث آخرون عن استمرار دور إسرائيل ولكن في ضوء المتغير الجديد وهو حرص الولايات المتحدة على الدفاع عن مصالحها بنفسها بعيداً عن حروب الإنابة التي يقوم بها الآخرون لحسابها(83). 7-4-وجهة النظر الروسية لأمن الخليج:
الحديث عن أطماع روسيا للوصول إلى المياه الدافئة في الخليج العربي كثير، يضاف إلى ذلك أن روسيا لا تستطيع أن تتجاهل هذه المنطقة الحيوية من العالم حيث تتصارع قوى كثيرة للسيطرة عليها وبالتالي التحكم بالاقتصاد العالمي. محددات الرؤية الروسية: أ- أجواء عدم الثقة بالسياسة الروسية منذ مطلع القرن العشرين وقناعة روسيا الحالية، وقبلها الاتحاد السوفياتي، إن عوامل كثيرة تجعل دول الخليج تخشى من التأثير الروسي عليها. ب- إدراك روسيا أنها لا تستطيع أن تغير الواقع الحالي القائم على هيمنة الولايات المتحدة واحتكارها آلية صنع القرار الدولي بصدد أمن الخليج، وأنها استخدمت مجلس الأمن كأداة لخدمة هذا الغرض. جـ-حرص روسيا الحالية والاتحاد السوفياتي السابق على مصالحه الحيوية خصوصاً على ضوء قرب الخليج العربي من الأراضي الروسية.
د- الدور الذي لعبته الولايات المتحدة وحليفاتها في الترويج لما يعرف بالخطر السوفياتي. وانسجاماً مع هذه الحوادث وضع الاتحاد السوفياتي السابق مفهومه الخاص لأمن الخليج، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي كارتر مفهومه الخاص الذي عرف بمبدأ كارتر. وفي 10/12/1980 أعلنت موسكو ما يعرف باسم مبدأ بريجينف الذي ألقاه بريجنيف في كلمة أمام البرلمان الهندي. وفيما يلي بنوده: 1- عدم إقامة قواعد عسكرية أجنبية في منطقة الخليج العربي وعلى الجزر المتاخمة له وعدم وضع أسلحة نووية أو أسلحة تدمير شامل في هذه المنطقة. 2- عدم استخدام أو التهديد باستخدام القوة ضد بلدان الخليج وعدم التدخل في شؤونها. 3- احترام وضع عدم الانحياز الذي اختارته دول الخليج وعدم جرها إلى التكتلات العسكرية. 4- ضمان استخدام الممرات البحرية بين دول الخليج وباقي أنحاء العالم وعدم خلق أية عقبات أو أخطار أمام التبادل التجاري. ويمكن القول إن مبدأ غورباتشيف الذي أعلن في نيسان 1986 يقر بالمصالح الأمريكية في الخليج العربي ويطالب بالاعتراف بالمصالح السوفياتية هناك من جهة ويسعى لتقليص التواجد الغربي في المناطق المتاخمة لحدوده(84). 7-5-وجهة النظر العربية الخليجية للأمن
في الخليج العربي:
ينبع الهاجس الأمني لدول مجلس التعاون الخليجي من إدراك الدول المكونة للمجلس أنها تعاني من نقص شديد في مكونات القوة، وخصوصاً في مجال الطاقة البشرية، وبالتالي لا تستطيع فرادى مواجهة التهديدات الأمنية الخارجية. وقد تأكدت هذه المخاوف عام 1971 عندما احتلت إيران جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى. وعندما رفضت الدول الخليجية اقتراح حكومة شاه إيران عام 1976 إنشاء حلف عسكري دفاعي بين دول المنطقة، اضطرت بعض الدول، خصوصاً العربية السعودية ودولة الإمارات لتعزيز الروابط مع بعض الدول العربية خصوصاً مصر. وبسبب سقوط الشاه في شباط 1979 ودخول القوات السوفياتية أفغانستان في كانون الأول 1979 واندلاع الحرب العراقية الإيرانية في أيلول 1980 بدأت دول الخليج تبحث عن إطار ووسيلة تمكنها من تنسيق جهودها الأمنية وهكذا ولد مجلس التعاون الخليجي في أيار 1981. واعتبر المجلس الأمن في الخليج من أولى مهامه، وأنه كل لا يتجزأ، وأن أمن واستقرار المنطقة هو مسؤولية دول المنطقة. وقد تضمن هذا الإعلان رداً غير مباشر على محاولات الولايات المتحدة إدخال دول الخليج ضمن منظومات دفاعية. لكن مواقف دول الخليج لم تكن متطابقة فيما يتعلق بوجود الأساطيل الأجنبية. فقد طلبت بعض الدول الخليجية حماية عسكرية لناقلاتها النفطية(85). وفي آب 1990 بدأت أزمة الخليج الثانية، التي أحدثت هزة كبيرة في بعض المفاهيم الأمنية لدى دول الخليج، وقد كتب الكثير في هذا المجال. لكن خير دليل على التباين في مواقف الدول الخليجية في نظرتها تجاه الأمن هو ما قاله أمين عام مجلس التعاون الخليجي والذي تحدث فيه عن أربع مستويات من الأمن وهي على النحو التالي: آ- المستوى الخليجي ويستند إلى بناء قوة خليجية رادعة. والمقصود هنا بالطبع درع الخليج. ب-المستوى العربي وذلك من خلال إعلان دمشق الذي يضمن تواجد قوات مصرية وسورية في منطقة الخليج. جـ-المستوى الدولي الذي يرجع أهمية المنطقة إلى أنها تشكل أكبر مخزون استراتيجي للنفط ومن هذا المنطق، من الضروري تواجد قوات أميركية وأوروبية غربية في المنطقة.
د- المستوى الإقليمي الذي يؤكد ضرورة المشاركة الإقليمية وخصوصاً إيران في الترتيبات الأمنية. وكشفت التقارير وجود تباين في وجهات النظر لدى دول مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بالأمن، ففيما رفضت الكويت وعمان الاقتصار على المستوى العربي لحل الأزمة وطالبتا بضرورة تأمين حماية أميركية وأوروبية غربية، سارعت بعض دول المجلس لإيجاد ترتيبات دفاعية منفردة مع الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية الغربية. وبالمقابل تدعو بعض الدول الخليجية، وخصوصاً دولة الإمارات العربية إلى ضرورة تسريع المصالحات العربية -العربية وعودة العراق إلى الصف العربي(86).
بعد أن درسنا جغرافية الممرات المائية العربية والقينا الضوء على موقف القانون الدولي من هذه المسألة، وأشرنا إلى التحديات الأمنية التي تتعرض لها هذه الممرات على ضوء مصالح دول الجوار الإقليمي والقوى العظمى الأخرى واستراتيجياتها الإقليمية والكونية، لا بد لنا من الإشارة وبشكل سريع وموجز إلى الاستنتاجات التالية: أولاً: إن أمن الممرات المائية العربية جزء لا يتجزأ من أمن الدول العربية المطلة عليها بشكل خاص والوطن العربي بشكل عام، وقد أكدت الوقائع التاريخية أن التهديدات لأمن الممرات المائية العربية كانت مقدمة لتهديدات أكبر وأكثر شمولاً لمناطق أخرى في الوطن العربي. ثانياً: لن تستطيع الدول العربية منفردة الدفاع عن هذه الممرات سواء كانت الأسباب مرتبطة بالقوة البشرية أو بالإمكانات الاقتصادية أو بالجانبين معاً. ثالثاً: إن الأجواء اللاتصالحية السائدة بين بعض الدول العربية المطلة على الممرات المائية العربية، سواء بسبب خلافات الحدود، والنظرة القطرية الضيقة أو ما شابه ذلك يجعل بعض هذه الدول مضطراً للبحث عن دعم خارجي ما يلبث أن يتحول إلى مصدر تهديد لهذه الممرات وأمنها. رابعاً: إذا كان الأمن بمفهومه الأشمل يعني إمكانية تطوير هذه الممرات المائية واستثمارها لمصلحة تطور ورفاهية الدول المطلة عليها، فهذا يقتضي حقاً ضرورة إعادة النظر في أولويات كل دولة من الدول المطلة على الممرات المائية العربية، والتعاون المثمر معاً. خامساً: يجب الاتفاق على تحديد مصدر تهديد أمن الممرات المائية العربية، وفي كثير من الأحيان لم يتم الاتفاق على ذلك، وحتى لا يبقى الحديث يدور في مجال الأحكام العامة، يمكننا القول إن المرء يصل إلى استنتاجات ملموسة تطبق في البحر الأحمر وأخرى في الخليج العربي. 1-في البحر الأحمر: 1- قلنا إننا نعتقد أنه بحيرة عربية، وبالتالي من حق العرب المطالبة بجعل هذه البحيرة منطقة آمنة خالية من أساطيل الدول العظمى ومحايدة في حالة بروز استقطاب على النطاق العالمي. 2- وما دمنا نعترف أن مصدر التهديد الأولي لأمن البحر الأحمر حالياً يأتي من إسرائيل، فمن المهم إعادة تنشيط الآليات العربية التي ظهرت في السبعينيات لمواجهة التهديد الإسرائيلي في البحر الأحمر. وهذا يتطلب تشكيل هيئة عربية ولتكن تابعة لجامعة الدول العربية، لها ذراع عسكري ليكون قوة ردع عند الضرورة. 3- وضع بدائل متفق عليها لمواجهة الوضع الراهن في إرتريا تتراوح بين احتوائه ومواجهته عندما يشكل تهديداً حقيقياً. 4- وضع خطة عربية لتنمية الممرات المائية، تشمل تعميق وتوسيع قناة السويس، تطوير منطقة خليج العقبة اقتصادياً، وأخيراً تطوير منطقة باب المندب، لأن المصالح المشتركة ستفرض بالضرورة تقارباً سياسياً. 2-في الخليج العربي: 1- يجب تحديد موقف العرب حول المرور في مضيق هرمز. هل هو حق المرور الحر أو البريء؟ وثمة فارق كبير بين الاثنين. 2- تحديد مصدر التهديد الحقيقي للأمن في الخليج العربي: هل ينحصر ذلك في التهديد الإيراني، أم في تواجد الأساطيل الأجنبية أم في كليهما معاً. 3- لقد تم الاتفاق على تشكيل قوة عربية مشتركة للدفاع عن الخليج العربي، لكن هذه القوة، كي تتحول إلى قوة ردع حقيقية، لا بد من دعمها بالطاقة البشرية والمعدات والخبرة من سورية ومصر. 4- حل الخلافات الثنائية بين بعض الدول الخليجية، خصوصاً الخلافات حول الحدود. 5- المطالبة بإخراج أساطيل الدول العظمى من مياه الخليج وتحويله إلى منطقة آمنة، خارج نطاق الصراعات الدولية، وألا يكون من حق دولة عظمى مثل الولايات المتحدة فرض سيطرتها عليه لأي سبب من الأسباب.