إيلان بيرمان
نائب رئيس المجلس الأميركي للسياسة الخارجية. خبير في الأمن الإقليمي للشرق الأوسط، وآسيا الوسطى وروسيا الاتحادية
كيف تنظر الرياض إلى بكين؟ كان هذا أحد الأسئلة التي خطرت على ذهني الأسبوع الماضي، عندما قمت بقيادة وفد بحثي إلى السعودية بدعوة من وزارة الخارجية في المملكة. كانت الإجابات التي وجدتها، وهي مستمدة من محادثات مكثفة مع المسؤولين ورجال الأعمال في العاصمة السعودية، مفاجئة ومثيرة للقلق.
بشكل مباشر، أوضحت الزيارة أن آل سعود لا يشاركون وجهة النظر السائدة في واشنطن حول الصين. بذل المسؤولون السعوديون جهدا للتأكيد على أنهم يرون أن جمهورية الصين الشعبية "عاملا إيجابيا" إلى حد كبير في المنطقة، ويعتقدون أن طبيعة مصالح بكين فيها، وكذلك في الأجزاء من أفريقيا القريبة من المنطقة، "اقتصادية في غالبيتها".
وشدد المسؤولون السعوديون كذلك على أن حكومتهم تعتقد أن الشراكة مع الصين ستجعل بكين تتصرف على نحو أكثر مسؤولية على الساحة العالمية. تشبه هذه القراءة، والتي يمكن صياغتها بعبارة "الشريك المسؤول"، تلك التي سادت في الولايات المتحدة تجاه الصين في العقدين الماضيين ـ والتي فقدت مصداقيتها تماما بسبب سمات الإمبريالية الجديدة التي طغت على السياسة الخارجية الصينية منذ وصول شي جينبينغ في السلطة في عام 2013.
ومع ذلك، وبسبب هذه القراءة، لا يبدو أن المسؤولين السعوديين قلقون بشأن الوجود الاقتصادي الصيني المتنامي في بلادهم، على الرغم من نمو هذا الوجود بشكل متسارع. في ربيع عام 2017، أشرف العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود على توقيع صفقات بقيمة 65 مليار دولار عندما زار بكين. بعد نصف عام، وعندما رد نائب رئيس مجلس الدولة الصيني تشانغ غاولي الزيارة، قاد خلال وجوده في الرياض إبرام صفقات تجارية واستثمارية إضافية بقيمة 70 مليار دولار تقريبا.تعميق الوجود الصيني قد يترك أثرا لا يمحى على آل سعود
منذ ذلك الحين، وعلى حد تعبير تشانغ، ساد "عهد جديد" في العلاقات الصينية السعودية. في العام الماضي وحده، أسفرت زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لجمهورية الصين الشعبية عن 35 اتفاقية تعاون اقتصادي أخرى، تقدر قيمتها بنحو 28 مليار دولار، بما يوائم خطة "رؤية 2030"، التي أطلقتها المملكة، مع "مبادرة الحزام والطريق" التي تبنتها الصين.
لا شك أن المسؤولين السعوديين يعترفون بأن الاستثمارات الاقتصادية الصينية المماثلة أدت إلى تآكل كبير للسيادة في عدد الدول الأفريقية. ومع ذلك، يبدو هؤلاء المسؤولين واثقين من أن بلادهم لن تعاني المصير نفسه، ربما بسبب الوضع الاقتصادي القوي للمملكة عالميا أو ربما بسبب اعتماد الصين المكثف والمتنامي على مصادر الطاقة السعودية.
يسارع المسؤولون في الرياض اليوم إلى تصوير الصين على أنها فاعل حميد ـ على الأكيد خيّر ـ على المستوى الجيوسياسي والجغرافي والاقتصادي، كما أنها تتوق إلى التقليل من المخاطر المحتملة للتواصل الوثيق مع بكين. يكمن حساب التفاضل والتكامل خلف هذا التصور: رأس المال الصيني ضروري لتدعيم عجلة التغيّرات الاقتصادية والسياسية السريعة التي تحدث داخل المملكة. "الأمر بسيط"، قال لي رجل أعمال سعودي بارز، وأضاف: "نحن نستخدم الصين".
ومع ذلك، فمن الواضح بنفس القدر أن تعميق الوجود الصيني قد يترك أثرا لا يمحى على آل سعود، ويبرز هذا عبر طريقتين على الأقل.
أولا، بدأت هذه العلاقة بتهديد المكانة الأخلاقية للمملكة في العالم الإسلامي. ذلك لأنه، وعلى الرغم من رعاية آل سعود للمؤسسة الدينية والعناية بها على مدار القرن الماضي، فإن المسؤولين السعوديين فشلوا في التحدث بقوة ضد انتهاكات الحكومة الصينية لمواطنيها الذين يتشاركون الدين نفسه مع السعودية، في مقاطعة شينجيانغ الغربية. وعلى النقيض من ذلك، عندما تمعنوا في الموضوع، كانت القيادة السعودية تميل إلى اتخاذ موقف مؤيد تجاه سياسات بكين، والتي تضمنت اعتقال مليون أو أكثر من مسلمي الأويغور الصينيين في معسكرات "إعادة التعليم" الجماعية، وهي جهود تهدف إلى كسر العائلات المسلمة الصينية، واستخدام ما يرقى إلى العمل القسري في جميع أنحاء المقاطعة.
وفي فبراير من عام 2019، ذهب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى حد الدفاع عن هذه السياسات، قائلا إن الصين "لها الحق في مكافحة الإرهاب والتطرف من أجل أمنها القومي". بعد ذلك، في يوليو الماضي، انضمت المملكة العربية السعودية إلى 36 دولة أخرى في رسالة مفتوحة تدافع عن استراتيجية بكين في شينجيانغ، وتثني في الوقت نفسه على التقدم الذي أحرزته الصين في التنمية وحقوق الإنسان.
ثانيا، يمكن لتقرب المملكة المتنامي من الصين أن يؤثر سلبا على شراكتها الأقدم والأكثر ديمومة مع الولايات المتحدة. اليوم، تشكل المخاوف من تغيّر دور الصين عالميا موضوعا نادرا لاتفاق الحزبين في واشنطن المستقطبة بشكل حاد. نتيجة لذلك، بدأ القرب المتنامي بين الرياض وبكين في إطلاق أجراس الإنذار في واشنطن.تميل الرياض إلى تجاهل المخاوف الأميركية بشأن الصين باعتبارها قضية هامشية
ومع ذلك، وكما أوضحت زيارتي كل الوضوح، فإن هذا القلق المتزايد لا يزال غير مفهوم وغير مقبول إلى حد كبير داخل المملكة. وفي ظل الاضطرابات الحالية في العلاقات الأميركية ـ السعودية حول قضايا مثل الحرب المستمرة في اليمن ومقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي في 2018، تميل الرياض إلى تجاهل المخاوف الأميركية بشأن الصين باعتبارها قضية هامشية.
ومع ذلك، فإن هذا قد يكون خطأ خطيرا محتمل. العلاقة البالغة من العمر 75 عاما بين الرياض وواشنطن تمر اليوم بنقطة انعطاف فريدة. يقول صانعو الرأي السعوديون إن التغييرات في المنطقة، وفي المملكة نفسها، تجعل "النقلة النوعية" في العلاقات ضرورية. لكن هذه العوامل نفسها تتطلب أيضا أن تأخذ الرياض مخاوف واشنطن بشأن الصين على محمل الجد إذا أرادت للشراكة أن تزدهر.
مخاطر الشراكة الصينية ـ السعودية
www.alhurra.com