هل تحتاج لسلاح نووي..؟

إنضم
31 ديسمبر 2008
المشاركات
151
التفاعل
0 0 0

أعجبتني قصة أوردها رئيس الجمهورية الإيرانية محمد خاتمي في كتابه (الدين والفكر في شراك الاستبداد) عن أبي ليث الصفار الذي تمرد على الخلافة، وتجمع حوله الأشقياء والزعران من كل جنب، فحذره البعض من بيعة الخليفة فطلب من مساعده أن يحضر له (كتاب البيعة) فأحضر له العيار سيفا ملفوفاً بخرقة فامتشق أبو ليث الصفار السيف وصرخ، هذا هو عهد الخليفة؟ وهذا هو وضع الغابة العالمية اليوم. وأتعجب من المفكر (خاتمي) كيف يتورط في لعبة القوة لامتلاك السلاح النووي وهو يعرف أنه سلاح ليس للاستخدام.
وما يحدث لخاتمي حالياً حصل للخميني سابقاً; فبعد أن طوَّر سلاح المقاومة المدنية السلمية فنجح في إسقاط الشاه وزلزل الغرب، جرته أمريكا إلى الحقل الذي فيه يهزم; فتورط في حرب عجاف دامت ثماني سنوات سفك فيها دم مليون شاب وخسارة 400 مليار دولار، واضطر الخميني في النهاية أن يوقع على الصلح مثل من (يشرب السم) على حد تعبيره.
وتشبه قصة السلاح النووي حكاية المجنون الذي سئل عن الجسر لماذا اخترعه البشر فأجاب: كي يمر النهر من تحته. ومن يستخدم القوة يرتهن للقوة، فيرى العالم مقلوبا لأنه يمشي على رأسه.
وحين نتأمل تدفق التاريخ نرى مخططاً بيانياً ثابتاً لصعود القوة على حساب العقل، وخلال 3500 سنة من تاريخ الإنسان حسب إحصاءات (غاستون بوتول) الاستراتيجي الفرنسي فإن كل 13 سنة من تاريخ الإنسان كانت حربا وضربا، مقابل سنة واحدة للسلام. ثم شهد المخطط البياني انكساراً حاداً على امتداد خط (واشنطن ـ موسكو) حسب تعبير (مالك بن نبي) فكفت طبول الحرب عن القرع، ودخل الناس في دين السلام أفواجا، واليوم تتحد أوربا ليس تحت مدافع نابليون أو دبابات هتلر، بل على كلمة (السواء)، وألمانيا ليست فوق الجميع بل مثل الجميع، ويضم الاتحاد الأوربي عام 2004م 25 دولة فيها 450 مليوناً من الأنام، ما هو اكبر من تجمع الولايات المتحدة الأمريكية، وتشرق شمس اليورو على العالمين.
وتجربة باكستان النووية قد تكون درساً لإيران، وفي حرب أفغانستان كان موقف باكستان مضحكاً، فقد وقفت بجانب أمريكا خوفاً على منشآتها النووية. والسلاح النووي صنع من أجل أن يَحْمَي لا أن يُحمى، فتبين أنه صنم لا يضر ولا ينفع، ولكن لم ينتبه أحد لموضع النكتة.
وحسب رؤية (فؤاد زكريا) في كتابه (خطاب إلى العقل العربي) أن السلاح النووي لعبة مميتة ليست للاستخدام. ولكن لماذا تصنع؟ وحسب (موردخاي فعنونو) الذي خرج من محبسه في صيف عام 2004م، أن المنطقة كلها مهددة بالتلوث النووي بعد مرور أربعين سنة على تركيب المفاعل النووي الإسرائيلي بفعل قانون التقادم.
ولكن إسرائيل تراه سلاح المعبد، وبتعبير (سيمون هيرش) خيار (شمشون Samson Option). ففي لحظة الصفر يتم هدم المعبد على رؤوس الجميع. على قاعدة علي وعلى أعدائي.
ويبقى السؤال لماذا ركبت إسرائيل 200 رأس نووي ومن كل الأجيال وكان يكفيها عشر قنابل من عيار ميجاطن لمسح عواصم العالم العربي؟ هل هي ليوم الفزع الأكبر فتغرق ألمانيا بالطوفان النووي انتقاماً للهولوكوست؟ إن وصف (مناحيم بيجن) المستشار الألماني السابق (هيلموت شميدت) أنه من أبناء القتلة، يوحي أن أزمة الهولوكوست القديمة لم يتجاوزها اليهود بعد. وما فعله النازيون شيء فوق الحد والوصف، ولكن لا تزر وازرة وزر أخرى، والجيل الألماني الحالي ليس له علاقة بما فعله آباؤهم النازيون، كما أن الشعب العراقي ليس صدام المصدوم وعلي الكيماوي. وتلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون.
وإسرائيل أكملت بناء قلعتها النووية عام 1967م تحت الأرض سبعة أو ثمانية مستويات طبقا عن طبق، ولكن كارثة مثل (تشرنوبل) قابلة أن تلوث كل منطقة الشرق الأوسط.
والأوربيون لم يكونوا أولئك النزيهين ـ كما تكلم (مهاتير محمد) من أقصى الأرض ـ حينما دفعوا اليهود أن يستوطنوا الأرض عندنا بعد انقطاع ألفي سنة، كي يسلقوا في طنجرة بخارية واحدة هم والفلسطينيون. ونحن نعلم اليوم أنه لا راحة لأحد ما لم تحل مشكلة (اسراطين) بتعبير القذافي. وإسرائيل تمتلك اليوم كل أجيال السلاح النووي من قنابل (انشطارية) و(التحامية) و(نترونية)، يضاف إليها القنابل الذكية من أمريكا بزنة نصف طن، وتستطيع ثقب طبقة أسمنتية مسلحة بعشرات الأمتار، والقصد منها ضرب مفاعل (بوشهر) الإيراني المختبئ تحت الأرض بنفس الطريقة الإسرائيلية.
وحسب تصريحات رئيس قسم استخبارات الموساد للجهاز الخارجي (ماير داجان Meir Dagan): فهو يرى «أن إسرائيل لم تهدد قط بنفس الدرجة منذ نشأتها كما هو الحال مع السلاح النووي الإيراني».
أما وزير الدفاع الإسرائيلي (شاؤول موفاز Schaul Mofas) فهو يهدد: «إنهم لن يتحملوا قط أن تمتلك دولة شرق أوسطية سلاحاً نوويا تهدد به إسرائيل».
وإيران تمتلك حاليا صواريخ (شهاب 3) ومداها 1300 كم وهذا يعني إمكانية وصول الذراع الإيرانية إلى المدن الإسرائيلية، أو كما قال وزير الدفاع الإيراني (علي شمخاني) رداً على نظيره الإسرائيلي برد لا يقل تحديا واستفزازية: إن إيران سوف تضرب مفاعل ديمونة على نحو استباقي فيما لو هددت بهجوم إسرائيلي.
وقد يكون الإيرانيون قد تعلموا الدرس من تحطيم المفاعل النووي العراقي (أوزيراك) عام 1981م.
وحسب تقديرات مفتش أسلحة سابق هو (ديفيد البرايت) فإن إيران التي حولت 37 طنا من خام اليورانيوم إلى شكل (الهيكسافلور) بإمكانها أن تصنع خمسة رؤوس نووية صغيرة، ولو أرادت تسريع التقنية لضغطت الزمن وملكت قنبلتها الأولى قريباً.
وإيران حالياً مطوقة من كل الجهات بأمريكا ابتداء من العراق بـ 140 ألف جندي حتى أفغانستان بـ 19 ألف جندي، والصحفي (ويليام بفاف) يتوقع مفاجأة في أكتوبر فهل نحن على أبواب حرب جديدة؟
أما رأي الإيرانيين كما صرحوا بذلك للأوربيين: لماذا كان امتلاك السلاح النووي حلالا للشيطان الأكبر (أمريكا) والشيطان الأصغر (إسرائيل) وحرام على إيران؟.
والسؤال الجوهري والأخلاقي: هل السلاح النووي حلال لأحد؟ لإيران أم إسرائيل أم أمريكا؟ أم هل قتل العسكريين حلال والمدنيين حرام؟ وهل يمكن بناء سلام عالمي بدون الخوف من الردع النووي؟ ويبدو حسب المعطيات الحالية أن هذا غير ممكن. وسوف تمتلك إيران السلاح النووي كما امتلكته باكستان، وسوف يصل إليه العرب عاجلاً أم آجلاً. ولكن نهاية الرحلة ستكون كما حدث للقوى العظمى، فتتخلص من السلاح النووي.
مع ذلك فالعقل العلمي مفتوح على كل الاحتمالات، وهو سر تخوف الأوربيين من اندلاع حرب نووية في الشرق الأوسط، وهي قضية ناقشها (فيكتور فيرنر) في كتابه (الخوف الكبير)، ومستقبل الجنس البشري لا يعلمه إلا الله، وقبل سبعين ألف سنة هلك معظم الجنس البشري ولم يبق إلا بضعة آلاف. وكل الكتب المقدسة تحدثت عن نهاية وشيكة للعالم، وحماقات البشر لا نهائية. وكما يقول (توينبي) إن بعض البشر كانوا يفضلون الانتحار على الاحمرار. ويذكر وزير الدفاع الأمريكي الأسبق (مكنمارا) بعد مرور أربعين سنة على أزمة كوبا، أنه لم يكن يعلم أن الغواصات الروسية التي كانت تحوم مثل سمك القرش في المنطقة، تحمل في بطنها صواريخ نووية ومعها أوامر الضرب إذا هوجمت. وهكذا يمضي التاريخ وتخيب كل التوقعات والتحليلات؟
يحكى أن محنة عظيمة أصابت مدينة شيلم، فقد قتل إسكافي المدينة واحداً من زبائنه، فجيء به للمثول أمام القاضي، فحكم عليه بالإعدام شنقاً. نهض أحد رجال المدينة وصرخ: يا سيادة القاضي لقد حكمت بالإعدام على إسكافي المدينة الوحيد فمن يصلح أحذيتنا بعده؟ فصرخ أهالي شيلم نعم .. من؟ من؟ فهز القاضي رأسه موافقاً وقال: يا أهل شيلم الطيبين إن ما تقولونه صحيح، وبما أن في المدينة شخصين مختصين بإصلاح السطوح، فليشنق أحدهما بدلاً من الإسكافي.
فهذا هي قصة أمريكا وإسرائيل وإيران.

 
القنابل النووية في هذا العصر صارت للردع وليس للاستخدام
 
عودة
أعلى