صناعة السلاح النووي: بين الحقيقة والوهم
- تعدّ صناعة الرأس النووي عملية تجميعية تتصف بالدقة والتعقيد، وتعتمد على مواد عالية الجودة والنقاوة. وتتطلب هذه الشروط التقنية والمادية وجود بنية تحتية علمية وصناعية قادرة على الجمع بين العديد من المعارف العلمية والهندسية، ووسائل الإنتاج المتقدمة، والتعاون مع دول أخرى أو موافقتها على الأقل.
الفصل الأول: البنية التحتية للدولة
1. العلماء (محليين أو أجانب) المشروع الامريكي والروسي
أي دولة ترغب في دخول النادي النووي لا بد لها من إعداد العلماء والخبراء الذين يحملون مسئولية المشروع .أو حتى الاستعانة بالعلماء الأجانب من خلال استقطاب العقول! نرى هذا الأمر يتجلى بوضوح في مشروع مانهاتن النووي حيث هجرة العقول الأوروبية خلال الحرب العالمية الثانية إلى الولايات المتحدة الأمريكية وقد كان للعلماء إسهامات جوهرية في تطوير السلاح النووي.
- كما قام العلماء المهاجرون بتطوير القنبلة الهيدروجينية
- كذلك يتجلى دور العلماء الألمان في تطوير البرنامج النووي السوفيتي حيث لعب العلماء الألمان دوراً بارزا من خلال عملية Russian Alsos
صورة للعلماء الألمان في روسيا!
وهنا يسأل ستالين عن توقيع العالم الألماني نیکولاس ریهل بعد أن أرسل له العلماء الروس نجاح تجربة تفجير أول قنبلة نووية!
هنا يظهر مدخل أحد المنشآت النووية السرية داخل الجبل
ظهر مصطلح المدن السرية أو المغلقة خلال أربعينيات القرن الماضي أنثاء الحقبة السوفياتية ووصل عددها إلى 44. وكان الهدف وراء إغلاق تلك المدن، الحفاظ على سرية المؤسسات البحثية والمصانع العسكرية فيها.
صورة لمدخل مدينة ساروف
فمثلا تعتبر مدينة ساروف التي تبعد 500 كيلومتر عن العاصمة موسكو موطنا لصناعة أول قنبلة نووية سوفيتية! وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 20 ألفا من سكانة المدينة يعملون في المعهد الفيدرالي لأبحاث الفيزياء التجريبية الذي هو معمل لتصميم وصناعة القنابل النووية والهيدروجينية. ومن ضمنها قنبلة القيصر.
3. أن تكون دولة صناعية
أن تمتلك الدولة القدرة الصناعية لإنتاج المكونات والمعدات المطلوبة! فالمعرفة النظرية وحدها غير كافي للوصول إلى الهدف المنشود. فهناك مكونات نووية ومكونات غير نووية كأنظمة التوجيه والتفجير وأنظمة التحكم وأنظمة الأمان وغيرها.
صورة توضيحية لأجهزة الأمان في القنبلة النووية
الفصل الثاني: صناعة السلاح النووي
أي دولة ترغب في دخول النادي النووي لا بد لها من تطوير تقنيات امتلاك الطاقة النووية وإجراء اختبارات على تقنيات إنتاج القنبلة النووية. فمن الناحية الهيكلية ، تتكون القنبلة الذرية من عدد كبير من المكونات ، أهمها الجسم والأتمتة حيث تم تصميم الجسم الخارجي لحماية الأتمتة والشحنة النووية من التأثيرات الميكانيكية والحرارية وغيرها. كما تتحكم الأتمتة في توقيت الانفجار. كما تحتوي القنبلة على أجهزة تصويب وسلامة وأجهزة استشعار مختلفة ومصدر للطاقة!
فكما يظهر أن تقنية تصنيع القنبلة النووية ليست سهلة. كذلك الشأن بالنسبة لأنظمة استخدامها ونقلها. وهي أمور تشكل تحد كبير لأي دولة تحاول تصنيع القنبلة النووية والتي ربما تمر عبر خمس مراحل.
- الخطوة الأولى: المواد الأساسية
لتصنيع القنبلة يحتاج المُصنع إلى يورانيوم عال التخصيب أو بلوتونيوم نقي. وأي دولة تنتج كميات كافية من هذه المواد وتمتلك منجم لاستخراج اليورانيوم الطبيعي، فإن أولى الشروط لتصنيع القنبلة النووية متوفرة لديها بالفعل.
صورة لصندوق البلوتونيوم
الخطوة الثانية: عملية تخصيب اليورانيوم
الخطوة الثانية تقتضي تخصيب اليورانيوم. وهي عملية تتم من خلالها زيادة نسبة نظائر اليورانيوم 235 (عناصر كيميائية بكتل ذرية مختلفة) وإزالة نظائر أخرى. وتتم هذه العملية المعقدة اعتمادا على أسطوانات الطرد المركزي للغاز، التي يتم تغذيتها بغاز اليورانيوم لتسهيل عملية فصل النظائر. ولتصنيع القنبلة النووية يستلزم تخصيب اليورانيوم إلى درجة 85% فأعلى.
بالرغم أن الدول العظمى كأمريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا اعتمدت على تقنية التخصيب بالانتشار الغازي (Gaseous diffusion) لتخصيب اليورانيوم. إلا أن الدول العظمى والدول الآخرى تخلت عن هذه التقنية واتجهت إلى تقنية التخصيب بالطرد المركزي الغازي حيث تتميز بطاقتها الانتاجية الكبيرة وقلة تكاليفها التشغيلية على عكس الانتشار الغازي والذي يستهلك طاقة عالية!
إلا أن غاز سداسي فلوريد اليورانيوم يعتبر مادة آكلة (corrosive substance) وصعب التعامل معه ولإستخدام هذا الغاز في تقنيات تخصيب اليورانيوم يتطلب فولاذ أوستينيتي مقاوم للصدأ (austenitic stainless steel) ومواد آخرى.
لمحة سريعة :
تقنية الانتشار الغازي تم تطويرها من قبل العالم الألماني فرانسيس سيمون (Francis Simon) والعالم الهنغاري نيكولاس كورتي (Nicholas Kurti) في بريطانيا ضمن البرنامج النووي المسمى سبائك الانابيب (Tube Alloys) وتم نقل التقنية إلى أمريكا عندما تم دمج المشروع البريطاني إلى مشروع مانهاتن النووي (Manhattan Project)
تقنية الطرد المركزي تم اقتراحها في عام 1919م من قبل العالم الألماني فريدريك ليندمان (Frederick Lindemann) والعالم البريطاني فرانسيس أستون (Francis William Aston)
العالم الأمريكي جيسي بيامز (Jesse Beams) تلقى دعم حكومي لتطوير أجهزة الطرد المركزي لمشروع مانهاتن النووي إلا أن تصاميمه كانت بها عيوب حيث أنها فشلت في العمل بكفاءة وكانت تتعطل فتقرر أنها غير عملية لتحويلها للانتاج الصناعي حيث قرر علماء مشروع مانهاتن التوجه لتقنية الانتشار الغازي و الكهرومغناطيسية والحرارية كخيار أساسي وفي عام 1944 أوقف الجيش الامريكي الدعم عن تطوير أجهزة الطرد المركزي.
روسيا هي أول دولة تقوم بتطوير أجهزة الطرد المركزي على المستوى الصناعي
وقد ساهم العلماء الألمان والروس في هذا التطوير ومن أبرز المساهمين في هذا المجال من العلماء الألمان هو العالم ماكس ستينبك!
ومن العلماء الروس إيزاك كيكوين وإيفيجني كامينيف
وحاليا تحتكر روسيا عبر شركة TVEL واتحاد الشراكة الاوروبية (ألمانيا – بريطانيا - هولندا) عبر شركة URENCO الانتاج التجاري! أما فرنسا وأمريكا تعتمد على URENCO والصين تعتمد على TVEL وأما أجهزة التخصيب المتواجدة في الدول الاخرى فلا تخلو من مساعدات من دول متقدمة في هذا المجال سواء كان التعاون علنيا أو سريا طبقا لما تفرضه الظروف الجيوسياسية!
فمثلا البرازيل والارجنتين حصلتا على مساعدات من ألمانيا لتطوير برامجها النووية! والصين حصلت على مساعدات روسية في تطوير برامجها النووية وكذلك الهند وباكستان حصلتا على مساعدات من عدة أطراف دولية!