قد يكون ديكتاتور روسيا الأسبق جوزيف ستالين قد قتل بضعة ملايين من أبناء شعبه، لكن الشعب الروسي قد يختاره هذا الأسبوع، باعتباره أعظم شخصية في تاريخ بلاده.
لقد أقدمت محطة تليفزيون "روسيا" التي تعد إحدى أكبر المحطات التليفزيونية في البلاد على محاكاة المسابقة البريطانية التي أجريت منذ سنوات وحملت اسم "أعظم البريطانيين في التاريخ"، وأجرت القناة استطلاعا للرأي شمل روسيا بأسرها طوال العام الجاري الذي أوشك على نهايته.
ومن قائمة طويلة تضم 500 إسم هناك حاليا 12 إسما فقط يتعين أن يختار المشاهدون من بينها الشخصية التي يعتبرونها الأهم في تاريخ بلادهم.
وسيعلن إسم الفائز يوم الأحد. وقد أدلى نحو 3 ملايين ونصف مليون شخص بأصواتهم حتى الآن، وظل اسم ستالين- الجورجي الأصل- متقدما على ما عداه لعدة أشهر.
وكان ستالين قد تربع على القمة خلال الصيف إلى أن ناشد مدير المحطة التليفزيونية جمهور المشاهدين اختيار اسم آخر غيره.
وبين الأسماء المتنافسة في القائمة إيفان الرهيب، ولينين، وكاثرين العظيمة، والكسندر بوشكين.
غفران الأخطاء لم يشكل تقدم ستالين في القائمة مفاجأة بالنسبة لأعضاء الحزب الشيوعي الذي يظل أكبر الأحزاب السياسية في البلاد.
يقول سيرجي مالينكوفيتش زعيم الحزب الشيوعي في سانت بطرسبورج "لقد جعل ستالين روسيا قوة عظمى، وكان أحد مؤسسي التحالف المعادي لهتلر في الحرب العالمية الثانية".
ويضيف: "في كل الاستطلاعات جاء على القمة كأكثر الشخصيات شعبية. لم ينافسه شخص آخر. وبسبب كل ما قدمه لبلاده يمكننا أن نغفر له أخطاءه".
الأمر لا يتوقف فقط على "غفران" أخطاء ستالين الذي يعد أكثر الديكتاتوريين دموية في القرن العشرين بل يريد مالينكوفيتش أن يجعله أيضا "قديسا".
وبينما كنت أجري مقابلة معه كان يقبض بيده على أيقونة دقيقة لوجه ستالين.
وفي الشهر الماضي قام قس أرثوذوكسي بتعليق ايقونة لستالين في كنيسته الواقعة قرب سانت بطرسبورج.
ورغم أنه أرغم على إزالتها على الفور إلا أنه تعهد بأنه لن يسكت ومضى لكي يصف ستالين بأنه "الأب".
لايزال هناك كثيرون في روسيا يشعرون بالتقدير لستالين بسبب دوره في الحرب العالمية الثانية عندما قاد الجيش السوفيتي إلى أن تمكن من إلحاق الهزيمة بألمانيا النازية.
والآن أصبحت هناك حملة لإعادة الاعتبار إلى ستالين، ويبدو أن الحكومة نفسها تقف وراءها.
والدليل الأول على ذلك يتمثل فيما يذكره كتاب مدرسي في التاريخ يشيد بدور ستالين ويعتبره مقبولا.
يقول محرر الكتاب المؤرخ الكسندر دانيلوف: "أعتقد ان الفكرة جاءت من فلاديمير بوتين عندما كان رئيسا قبل أن يصبح رئيسا للحكومة".
لكن الأمر يتجاوز إعادة النظر في التاريخ الذي يدرس في المدارس، فقد اقتحمت شرطة مكافحة الشغب الشهر الماضي، مقر جماعة "ميموريا" المعروفة لحقوق الانسان.
وصادرت الشرطة 12 جهازا للكومبيوتر تضم المحتويات الكاملة لأرشيف الجماعة الذي يستعرض بالتفصيل التجاوزات التي ارتكبت في عهد ستالين وذلك بعد نشر مقال اعتبر "متطرفا" في إحدى الصحف المحلية.
ويتخصص فرع "ميموريا" في سانت بطرسبورج في دراسة الفظائع التي ارتكبت خلال العهد السوفيتي.
وتعتقد إرينا فليج مديرة المقر أن جماعتها أصبحت الآن مستهدفة من جانب السلطات بعد أن تغير الخطاب الأيديولوجي.
قومية جديدة وهي ترى أن "الأيديولوجية الجديدة" تتمثل في "البوتينية" (نسبة إلى بوتين) التي برزت خلال السنتين الأخيرتين، والتي تقوم على شكل من أشكال القومية.
وقد أصبح الروس يرغبون أكثر فأكثر في الشعور بالفخر بتاريخهم ونبذ الشعور بالعار، ولذا أصبحوا يرفضون كل من يذكرهم بما ارتكب في الماضي من تجاوزات.
تقول إرينا "الخط الرسمي الآن هو أن النظام السوفيتي نجح في خلق دولة عظيمة.. وإذا تم تبرير ما فعله ستالين تستطيع الحكومة الحالية أن تفعل ما يحلو لها".
وقد أثارت مصادرة أرشيف جماعة "ميموريال" ردود فعل تجاوزت الحدود.
المؤرخ البريطاني أورلاندو فيجيس تعاون مع "ميموريا" عندما كان يعد لوضع كتابه الأخير "الاتحاد السوفيتي من 1928 إلى 1953".
وهو يقول: "لقد قمع نحو 25 مليون شخص في الاتحاد السوفيتي حسب أكثر التقديرات تحفظا في الفترة من 1928 إلى 1953 أي خلال عهد ستالين".
ويضيف: "وهذا يعني الإعدامات والاعتقالات الجماعية والفردية وتشغيل المعتقلين في معسكرات العمل الشاق أي استعبادهم، أو ترحيلهم".
ويرى فيجيس أن الكي جي بي (الشرطة السرية) قد عادت للتحكم في الأمور في روسيا حاليا بشكل عملي، ولذا أصبحت النظرة سلبية إلى جماعات المعارضة التي تذكر الناس بما فعله جهاز الكي جي بي قبل 50 عاما.
ويبدو بالتالي، أنه أيا كان من سيقع عليه الاختيار يوم الأحد، سيكون الفائز الأكبر هو جوزيف ستالين بعد أن أعيد إليه الاعتبار في عالم روسيا الجديد.
بي بي سي العربية
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/world_news/newsid_7802000/7802052.stm