السلطان الاشرف طومان باي بعد خياناته من عربان مصر
وسلمه لسليم
بيمثل "طومان باي" أمام "سليم".. وبيلومه على قتل الرسل.. فبيخبره "طومان باي" إنه مش جبان.. ولو قتل الرسل كان قال دا صراحة.. وأنه مايعرفش عن الموضوع أي شيء.
"سليم" بيرد عليه.. بأنه أشجع منه.. لأنه انتصر عليه.. فرد عليه "طومان باي".. أنه العثمانيين مانتصروش إلا بالخيانة والغدر والخسة.. مش بالشجاعة.
والحقيقة أن رباطة جاش "طومان باي" عجبت "سليم" جدًا.. فعرض عليه يبقى في الحكم.. مقابل أنه يخضع للدولة العثمانية.. ويسدد لها جزية سنوية.
وهز "طومان باي" رأسه نفيًا.. وقال لـ"سليم" إنه مصر مابتخضعش لاحتلال.. فعرض عليه "سليم" يفضل في حكم مصر وميدفعش جزية.. بس يحارب جوار "سليم".. فقال له "طومان باي" بصلابة.. أن المماليك مبتحاربش إلا عشان أرض مصر.
وهنا عرض "سليم" عرض ماعرضوش منتصر على مهزوم في التاريخ.
عرض عليه يبقى في حكم مصر.. والدولة العثمانية.. هي اللي حتدفع له جعل سنوي.. مقابل إنه يحارب معاها!
ورفض "طومان باي". وقال له أن أبناء مصر مش مرتزقة بيحاربوا مع من يدفع أكثر.. وإن بين مصر والدولة العثمانية عرض ودم.. وإن الصلح عنده يعني انسحاب العثمانيين دون قيد أو شرط.. والامتناع عن الاعتداء على السيادة المصرية ثانية.. فرماه "سليم" في السجن مرة أخرى في حنق.
وهنا بيتدخل "خاير بك".. وبيقول لـ"سليم" إن ماينفعش "طومان" يفضل في السجن.. لأنه لو هرب.. حيعمل مشاكل كبيرة.. غير أنه بقى رمز للمقاومة.. ولازم يتعدم.
والحقيقة أن "طومان باي" مكانش ناوي يهرب.. لأنه مع خيانة البدوي "الشيخ مرعي" اللي هو أنقذه من الموت.. كان فقد الرغبة في القتال.. وشعر بالحزن والهزيمة والانكسار.. وربما فقد الرغبة في الحياة نفسها.
وبيدرك "سليم" أن كلام "خاير" صحيح.. وبيقرر إعدام "طومان باي" لأنه مبقاش رجل عادي.. أصبح رمز للمقاومة وذل العثمانيين.. وبيقترح "خاير" حرقه أو سلخه حيًا أو خوزقته.. لكن "سليم".. اللي بيحترم عدوه المحترم وبيحتقر حليفه الخائن.. بيرفض كل دا.. وبيأمر بإعدام "الأشرف طومان باي" شنقًا.
وفي 14 أبريل من العام 1517 ميلادية.. بيصطف الجنود العثمانيين بالآلاف وسط القاهرة في صفوف منتظمة تحجب البيوت.. وبينطلق في حراسة من خمسمائة جندي انكشاري مدججين بالسلاح.. رجل واحد على جواد.. مقيد بالأغلال.
وعند بوابة المتولي في القاهرة.. بيشاهد الرجل دا.. اللي كان هو "الأشرف طومان باي" نفسه.. حبل مشنقة متدلي.. فبيدرك إن النهاية قد حانت.
وكان "طومان باي" رجل صوفي متدين.. فبيلتفت للناس والسيدات المحتشدة وفقدن أزواجهن في القتال ضد الغزاة.. وبيطلب منه يقروا له الفاتحة ثلاثة مرات.. وبيقرأوها بالفعل وبيقرأها معهم.. وبعدين بيسلم نفسه للجلاد.. اللي بيحيط عنقه بالأنشوطة.. ويدفعه من فوق البوابة.. عشان يتدلى جسد البطل "الأشرف طومان باي".. في الفراغ ميتًا.. معلنًا نهاية دولة المماليك.. وانتصار الأعداء.. وسقوط القاهرة في أيدي الغزاة...
وفاضت روح السلطان الشهيد "الأشرف طومان باي" إلى بارئها.. و"صرخ الناس عليه صرخة عظيمة".. وكما يقول ابن إياس: "كان أشأم يوم مر على مصر".
وبقى اسم مصر وقتها "إيالة" مصر.. أو "ولاية" مصر.. وسمى "سليم" نفسه:
" ملك البرّين - بر مصر الشرقي والغربي - وخاقان البحرين - الأحمر والمتوسط - وكاسر الجيشين - مصر والشام - وخادم الحرمين الشريفين"
بيسيب "سليم" جثة "طومان باي" على المشنقة ثلاثة أيام.. وبعدين في 17 إبريل من العام نفسه.. بينطلق موكب من الإنكشارية.. وينزلوا الجثة.. وينطلقوا بها للقلعة.. تحت جنح الظلام.
ورغم إن التقاليد العثمانية بتمنع إن السلطان العثماني يحمل تابوت إلا تابوت أبوه.. لكن "سليم" كان منتظرهم على سلالم القلعة.. ونزل إليهم وحمل معهم بكتفه في احترام تابوت البطل الأشرف "طومان باي"..
متنساش أبدًا.. حتى عدوك.. دايمًا يحترمك لو كنت وطني.. ويحتقرك لو كنت خاين لوطنك.. مهما كافئك أو مدحك.
ساروا بالتابوت إلي قبة "السلطان الغوري".. عشان يدفنوا الجسد في مكان غير معلوم بها.. عشان ميتحولش قبره إلى مزار ورمز للبطولة.
لكن "سليم" كان أغفل شيء خطير جدًا.
إن "طومان باي" ايقظ المقاومة بالفعل في أهل الجنوب و.. والشمال.
فاثناء إعدام "طومان باي".. جاء رجل من مماليك الإسكندرية.. اسمه "المقدم حسن رأس الغول"...من تلاميذ "طومان باي".. "مقدم" دي كانت رتبة في العصر دا.. بتعني "الذي يقود الف جندي".. ومعاه طفل صغير.. ابنه.. ووقفوا يتفرجوا على مشهد شنق "طومان باي" في صمت خافت حزين.
وكان "حسن راس الغول" دا متزوج من سيدة من الفيوم.. اسمها "فاطمة".. أنجبت له الطفل اللي جه معاه يتفرج.. ويعرف ويعلمه إن العثمانيين غزاة لا عهد لهم.. وإن مقاومتهم حق.. والاستشهاد شرف.
وكان الطفل دا اسمه "علي"...
"علي بن حسن راس الغول" اللي حنعرفه تاريخيًا باسم نادر فريد...
"على الزيبق"....!
المؤرخين قالوا علي البطل "طومان باي" بسبب اللي هو عمله "انهزم حيًا وانتصر ميتًا".. لكن إحياء المقاومة في الصدور وقصة "علي الزيبق" مش موضوعنا.. فنكمل كلام عن باقي سلالة آل عثمان المعفنة.. ونرجيء الكلام عن القصص دي لاحقًا.
الأشرف "طومان باي" تسلل لوجدان المصريين كبطل شعبي.. لحد النهاردة.. في صعيد مصر بالذات.. في أهالي بتسمي أولادها "طومان".