انتهت سنوات أوباما وقد اصبح هنالك دولة داخل دولة في شمال شرق سوريا، تسمى منطقة الحكم الذاتي او منطقة روج آفا، عملياً هي جمهورية روج آفا، بالإضافة الى سقوط المساحات الأكبر من شرق سوريا بيد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بينما غرب سوريا تحت الوصاية الروسية الإيرانية، مع حرب باردة سرية بين ايران وروسيا حول مناطق النفوذ لصالح طهران وموسكو في غرب سوريا، مع رغبة مكتومة من النظام البعثي في التخلص من الوصاية الإيرانية لصالح الوصاية الروسية.
مع هذا المشهد المرتبك اتي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في يناير 2017، وارسل الجيش الأمريكي الى شرق سوريا وسحق داعش، ليحقق وعده الانتخابي من جهة ومن جهة اخري لكى تحافظ أمريكا على الأراضي التي خرجت عن سيطرة سوريا بعد ان اصبح زحف روسيا وايران وسوريا الى مناطق داعش مسألة وقت.
مع تعقد العلاقات الامريكية التركية على ضوء وصول ترامب للبيت الأبيض، تلقى رجب طيب اردوجان جزاء سنمار، واصبح الرئيس التركي هو سنمار الربيع العربي، حلم بسوريا ولاية عثمانية او جمهورية اخوانية وتاليا جمهورية داعشية، حلم بحلب ولاية اخوانية، وبعد كل هذا تفاجأ بجمهورية كردية كالطعنة في خاصرة تركيا، واصبح كل همه منطقة عازلة في شمال سوريا يحمي بها تركيا المعقل الأخير لحكم التنظيم الدولي للإخوان بعد خسارة مصر وسقوط داعش في كلاً من سوريا والعراق وترنح حكم اخوان داعش في ليبيا الغربية والجنوبية.
جمهورية روج آفا عقب الاحتلال الأمريكي لسوريا الشرقية تضخمت وأصبحت تضم كافة محافظة الحسكة وكامل محافظة الرقة وبعض مناطق محافظة حلب (حلب الشرقية) وبعض مناطق محافظة دير الزور (دير الزور الشمالية)، واصبحت القامشلي هي عاصمة الجمهورية السورية الشمالية الجديدة.
جمهورية روج آفا كانت حلم فرنسي قديم بصناعة جمهورية لأكراد سوريا ولبنان والعراق وتركيا في منطقة الجزيرة السورية، وحققها الامريكان عامي 2016 و2017، وضمت في شكلها المحدث صيف 2017 مناطق تضم سكان من ثقافات اخري غير الكرد، اذ ان منطقة الجزيرة السورية تضم القبائل السورية ذات الامتداد العشائري في العراق والجزيرة العربية.
كما تضم تلك المناطق، إضافة الى الكرد والعشائر السورية، المسيحيين المنتمين للثقافات السريانية والكلدان الى جانب اقلية تركمانية صغيرة للغاية.
هكذا أصبحت سوريا الشرقية عملياً تحت الانتداب الأمريكي وسوريا الغربية عملياً تحت الانتداب الروسي، ولم يكن الجيش الأمريكي هو الوحيد الموجود في سوريا الشرقية، حيث يتواجد قوات بريطانية وفرنسية والمانية، بالإضافة الى وجود تحالف دولي لمحاربة داعش يضم تلك الدول بالإضافة الى دول اخري مثل كندا وأستراليا والامارات والأردن.
لاحقاً بدأ ترامب في تنفيذ وعد انتخابي آخر، يتمثل في الانسحاب من الاتفاقيات الدولية والنزاعات الدولية التي تتسب في نزيف للاقتصاد الأمريكي، وسن سياسة "أمريكا اولاً"، وبدأ في سلسلة من التفاهمات الامريكية الروسية بتسليم روسيا وتالياً سوريا الأراضي السورية التي تقع تحت سيطرة الجيش الأمريكي او الحماية الامريكية والتي يرى ترامب ان أمريكا تنفق على حماية تلك المناطق بدون ادني استفادة استراتيجية او جيوسياسية.
بدأ الامر بالسماح للجيش السوري والميلشيات الإيرانية ببسط السيطرة على جنوب سوريا، وجنوب شرق سوريا، وعبور نهر الفرات في جنوب سوريا، بعد ان كان هنالك مخططات لمنطقة آمنة في الجنوب تتولى مسؤوليتها بريطانيا والأردن، وتارة قيل بالإضافة الى إسرائيل وتارة قيل بالإضافة الى المانيا، ولكن ترامب حكم تلك النظرية.
مع بداية العام 2019 رأى ترامب ان سيطرة أمريكا على محافظة الرقة ومحافظة الحسكة عبر حماية جمهورية روج آفا لا تحقق أي مكاسب أمريكية تذكر، وان وجود جمهورية داخل الجمهورية السورية مكلف للخزينة الامريكية، وان اكراد الثورة السورية مثلهم مثل داعش الثورة السورية مجرد مجرمين شاركوا في مؤامرة الربيع العربي التي صنعها باراك أوباما وهيلاري كلنتون وجون كيري وجون ماكين على سوريا، وبالتالي فأن انسحاب أمريكا من هذه المناطق والاحتفاظ بالقواعد الامريكية العسكرية الكبرى في محافظة دير الزور هو المكسب العسكري والاستراتيجي والجيوسياسي الحقيقي الوحيد لأمريكا.
وجود أمريكا في دير الزور دون الخروج منها يعني عملياً ان أمريكا لا تزال صاحبة اليد الطولي في سوريا الشرقية وغرب العراق، والحفاظ على مناطق غنية بالثروات الطبيعية.
كما ان خروج القوات الامريكية من الحسكة والرقة سوف يبعدها عن نيران الانتقام الإيراني حال اندلاع المواجهة المرتقبة بين المعسكرين في الولاية الثانية للرئيس الأمريكي كما يخطط منذ بداية العام 2019.
بالطبع تصفية جمهورية روج آفا خسارة كبيرة للمؤامرة والنيوليبرالية العالمية التي تريد للجمهورية الكردية ان تتمدد وان تتحول الى جمهورية كردية تضم جنوب تركيا وغرب ايران وشمال العراق ان امكن، لذا لا تستغرب ان عارضت المعارضة الامريكية او بعض الأصوات الدولية انسحاب أمريكا من شرق سوريا.
اذ للمرة الاولي في التاريخ نرى شخصيات تدعى الاستقامة السياسية تندد بانسحاب احتلال امريكي من بقعة جغرافية ما !
بقى ان يكون هنالك دافع ومحلل سياسي للعبة تسليم روسيا وسوريا كلاً من الرقة والحسكة وتفكيك جمهورية روج آفا وإعادة كرد الثورة السورية الى المربع رقم صفر، وهكذا كانت لعبة اطلاق رجب طيب اردوجان في شمال شرق سوريا حتى يقوم بتصفية الإرهاب الكردي كما قام الجيش الأمريكي يوماً بتصفية الإرهاب الإسلامي الداعشي في شرق سوريا، وحتى يجد ترامب مبرراً حربياً لإخراج اتفاقه مع بوتين الى النور.
كما ان ترامب يريد تفكيك دور تركيا في الشرق الأوسط في اطار مناهضته لأرث أوباما ومناهضته لإمبراطورية الإسلام السياسي في الشرق الأوسط وجرائمها وارهابها الذى ادي الى هجمة إرهابية داخل أمريكا وأوروبا، لذا فأن ترك الحبل على الغارب لاردوجان للانخراط في المستنقع السوري كان الغرض الأمريكي الترامبي منه هو امطار انقرة بالعقوبات الدولية والعسكرية والاقتصادية وهو ما جرى عقب بدء الحملة التركية شرق سوريا في 9 أكتوبر 2019 وما سوف يتصاعد تباعاً حتى في الأيام المقبلة التالية لهذه السطور.
بلع اردوجان الطعم، وتحرك الى شمال شرق سوريا وهو يطمع في اجتياح الحسكة والرقة ودير الزور والسيطرة على سوريا الشرقية كاملة واحتلال الفراغ الأمريكي في شرق سوريا، وقد صدق اردوجان كما صدق العالم ان أمريكا سوف تنسحب من مناطق قامت باحتلالها كاملة وهو امر لا يصدقه أي ساذج.
لم تنسحب أمريكا من سوريا الشرقية بل اعادت الانتشار فحسب وتركزت في دير الزور، وتركت اردوجان ينفذ مهمة أمريكية خالصة في الرقة والحسكة دون ان يدري، ولما فرغ من المهمة وبدأ في تخطى الخط الأحمر الأمريكي، بزيارة بسيطة من مايك بينس نائب الرئيس الأمريكي تم إيقاف الجيش التركي وحلم اردوجان عند منطقة آمنة لا تتجاوز 20 كيلو متر بعد ان كان اردوجان يحلم بسوريا الشمالية وشرق الفرات كاملاً عبر اربع محافظات سورية على الأقل.
كرد الثورة السورية كانوا امام امرين، اما الإبادة على يد تركيا وهى رغبة أمريكية من اجل إيقاع اردوجان في المصيدة السورية، او ان تحدث معجزة ما وينسحب الكرد ويتركون المنطقة للجيش السوري ويتم تنفيذ تفاهم ترامب بوتين بدون مجازر تركية.. وهنا اتى دور القاهرة.
انتظرت القاهرة تلك اللحظة منذ سنوات، وعمد الرئيس عبد الفتاح السيسي الى انخراط مصر في سلسلة من الوساطات التي نجحت في وقف اطلاق النار في اكثر من جبهة قتال في سوريا ابرزها جنوب دمشق، واكتسبت مصر سمعة محترمة مضافاً اليها الصيت التاريخي لدور مصر في عموم الشام، ولاحقاً تجمع العديد من الأحزاب المعارضة السورية في مصر واطلق على هذا التجمع منصة القاهرة مقابل منصة موسكو ومنصة الرياض.
ما ان بدأ الزحف التركي في 9 أكتوبر 2019 حتى حضر روج آفا او قسد ( قوات سوريا الديموقراطية ) الى القاهرة، واجتمعوا مع السفير سامح شكري وزير الخارجية المصري، وتم الاتفاق على الانسحاب الكردي من شرق سوريا لصالح الجيش السوري، لتفويت الفرصة على دخول الجيش التركي لشرق سوريا وذبح الأقليات الكردية والمسيحية والعشائرية في سوريا الشرقية، وحتى لا يتخذهم اردوجان ذريعة لغزو سوريا الشرقية ويتم إطالة امد الازمة الى ان يتم تنفيذ تفاهم ترامب بوتين بدخول الجيش السوري لهذه المناطق.
تلاعب عبد الفتاح السيسي برجب طيب اردوجان في شرق سوريا، ولم تكتفى القاهرة بنصب هذا الفخ لأنقرة، ولكن تم استغلال زيارة المهندس مصطفى مدبولي رئيس الوزراء المصري لواشنطن، وتم نقل رسالة واضحة ومطولة من القاهرة الى البيت الأبيض والرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر ترتيب لقاء يجمع بين مدبولي ومايك بينس نائب الرئيس الأمريكي.
خرج بينس من اللقاء يقول "لا يوجد غير مصر واحدة في العالم"، وعقب انتهاء قمة مدبولي – بينس خرج بيان من القاهرة يرحب بجهود الولايات المتحدة الامريكية في حل ازمة شرق سوريا، بينما خرج بيان من واشنطن يعلن بشكل مفاجئ ايفاد ترامب لنائبه الى انقرة لمقابلة اردوجان.
هكذا انسحب الاكراد من شمال شرق سوريا بترتيبات مصرية خالصة، تتوائم مع اتفاق امريكي روسي لإعادة الحسكة والرقة الى الدولة الوطنية السورية، وانهاك تركيا الورقة المحروقة في شرق سوريا، على وقع الاتفاق الموجود بين أمريكا وروسيا منذ تولي ترامب السلطة بأن اردوجان راحل لا محالة وانه يجب عصره والاستفادة منه وحرقه حتى اخر لحظة، لذا تجد اردوجان تارة في معسكر روسيا وتارة في معسكر أمريكا وفى كلا المرتين يتلقى الصفعة بلا كرامة تذكر ويهرول الى المعسكر الاخر.
حاول اردوجان المراوغة برفض مقابلة بينس، او اطلاق تصريحات عنترية قبل اللقاء، لانه يعرف جيداً انه سيد البيت الأبيض سوف يأمره بوقف الزحف في شرق سوريا، وان حلم اردوجان بضم سوريا الشرقية كاملة او حكم منطقة عازلة حكماً تركياً خالصاً قد انتهي، وانه سوف يحكم منطقة عازلة صغيرة نيابة عن الامريكان.
وانه قضى على الإرهاب الكردي نيابة عن الامريكان، وانه فكك جمهورية روج آفا نيابة عن السوريين والإيرانيين قبل ان يكون نيابة عن الامريكان والروس.
مجرد محلل وقطعة شطرنج تلاعب بها ترامب وبوتين والسيسي في شرق سوريا فحسب.
تعمد ترامب إهانة اردوجان عشية لقاء الأخير مع بينس، فسرب ترامب رسالته الى اردوجان والتي تحدث خلالها الى الرئيس التركي بألفاظ غير لائقة دبلوماسياً وتطاول واضح وصريح، كما غرد ترامب اكثر من مرة بشكل حاد حيال اردوجان، والسر في ذلك ان مكتب ترامب يحتوي على حزمة عقوبات مدمرة للاقتصاد التركي وكل ما يريده ترامب هو مزيد من التهور التركي لفرض هذه العقوبات، والتي جرى فرض بعضها بالفعل ما بين 9 و17 أكتوبر 2019، ما أعاد للأذهان التدمير الذى شنه ترامب حيال الاقتصاد التركي في مرحلة سابقة من العلاقات الامريكية التركية.
المشهد في انقرة يوم الخميس 17 أكتوبر 2019 هو خزي وعار للإسلام السياسي والإسلام السياسي العثماني وللتنظيم الدولي للإخوان وللجمهورية التركية ومقام الرئاسة التركية ولرجب طيب اردوجان، اردوجان الذى قال قبل اللقاء انه لم يوقف العملية العسكرية، اجتمع مع بينس وخضع لكل الاملاءات الامريكية وكافة رغبات ترامب.
وعقب اللقاء لم يظهر اردوجان ثانية وعقد بينس المؤتمر الصحفي في قلب انقرة دون أي نظير تركي له كأنما هنالك فراغ في السلطة في انقرة او ان السلطة التركية غير قادرة على إيجاد ممثل لها امام نائب الرئيس الأمريكي.
اعلن بينس بنفسه من قلب انقرة وقف العملية العسكرية التركية، رغم انه يفترض للجيش التركي ان يعرف هذا النبأ عبر قرار من القائد الأعلى للجيش التركي وليس نائب الرئيس الأمريكي، وان يعلن متحدث عسكري تركي القرار وليس نائب الرئيس الأمريكي، وان يتحدث نائب الرئيس الأمريكي في الشأن العسكري لبلاده وليس من قلب انقرة يصدر أوامر للجيش التركي بوقف التقدم في شرق سوريا وبدء الانسحاب!
لم يظهر اردوجان الا عقب انصراف بينس من تركيا، حيث انزوي اردوجان في الحرملك يبحث عن ربطة جأش بعد وصلة التعنيف التي حصدها من مايك بينك ومايك بومبيو، واكمل ترامب الإهانة الامريكية لتركيا بالحديث عن ممارسة الحب العنيف لثلاثة أيام من اجل الوصول لهدنة في شرق سوريا لتجتاح حملة سخرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي حيال الرئيس التركي الذى حصد ثلاثة أيام متتالية من النكاح العنيف بشهادة أمريكية رسمية!
طوقت الجهود المصرية طموحات العثمانيين الجدد في شرق وشمال سوريا، نفذ ترامب خطته بالانسحاب من خطوط المواجهة مع ايران في الحسكة والرقة، تسلمت سوريا المحافظتين مرة اخري إضافة الى مناطق جديدة في شرق حلب، نفذ تفاهم ترامب بوتين، كسب بوتين مساحات جديدة في سوريا ولا يعد الامر خسارة أمريكية لأنه بوتين تدخل في سوريا عام 2015 بتفاهمات مع جناح من داخل الدولة الامريكية يمثله ترامب في البيت الأبيض اليوم، تم تفكيك جمهورية روج آفا والنفوذ الحقيقي لقسد.
الخاسر الأول والأخير والوحيد هو رجب طيب اردوجان بكل ما يمثله من غطرسة الدولة والجيش والحكومة التركية والإسلام السياسي وتنظيم الاخوان وتنظيم العثمانيين الجدد.
لاحقاً حال اقدام اردوجان على استئناف العمل العسكري سوف يتعرض لعقوبات أمريكية...
لاحقاً سوف يتحدث الكرد والمسيحيين السريان عن جرائمه التي جرت على مدار ثمانية أيام من القصف العسكري بأسلحة محرمة دولياً وسوف يتم معاقبة تركيا...
لاحقاً سوف تواصل تركيا الاخوانية اضمحلالها على ضوء العقوبات التي سددها ترامب لأنقرة في الأيام الثمانية سالفة الذكر.
اردوجان اليوم حارس العشرين كيلو متر لصالح أمريكا وإسرائيل برغم انفه، وينتظره المزيد والمزيد من العقوبات والأيام الصعبة سواء ظل في مكانه او تقدم او انسحب من العشرين كيلو متراً.
للنقاش
مع هذا المشهد المرتبك اتي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في يناير 2017، وارسل الجيش الأمريكي الى شرق سوريا وسحق داعش، ليحقق وعده الانتخابي من جهة ومن جهة اخري لكى تحافظ أمريكا على الأراضي التي خرجت عن سيطرة سوريا بعد ان اصبح زحف روسيا وايران وسوريا الى مناطق داعش مسألة وقت.
مع تعقد العلاقات الامريكية التركية على ضوء وصول ترامب للبيت الأبيض، تلقى رجب طيب اردوجان جزاء سنمار، واصبح الرئيس التركي هو سنمار الربيع العربي، حلم بسوريا ولاية عثمانية او جمهورية اخوانية وتاليا جمهورية داعشية، حلم بحلب ولاية اخوانية، وبعد كل هذا تفاجأ بجمهورية كردية كالطعنة في خاصرة تركيا، واصبح كل همه منطقة عازلة في شمال سوريا يحمي بها تركيا المعقل الأخير لحكم التنظيم الدولي للإخوان بعد خسارة مصر وسقوط داعش في كلاً من سوريا والعراق وترنح حكم اخوان داعش في ليبيا الغربية والجنوبية.
جمهورية روج آفا عقب الاحتلال الأمريكي لسوريا الشرقية تضخمت وأصبحت تضم كافة محافظة الحسكة وكامل محافظة الرقة وبعض مناطق محافظة حلب (حلب الشرقية) وبعض مناطق محافظة دير الزور (دير الزور الشمالية)، واصبحت القامشلي هي عاصمة الجمهورية السورية الشمالية الجديدة.
جمهورية روج آفا كانت حلم فرنسي قديم بصناعة جمهورية لأكراد سوريا ولبنان والعراق وتركيا في منطقة الجزيرة السورية، وحققها الامريكان عامي 2016 و2017، وضمت في شكلها المحدث صيف 2017 مناطق تضم سكان من ثقافات اخري غير الكرد، اذ ان منطقة الجزيرة السورية تضم القبائل السورية ذات الامتداد العشائري في العراق والجزيرة العربية.
كما تضم تلك المناطق، إضافة الى الكرد والعشائر السورية، المسيحيين المنتمين للثقافات السريانية والكلدان الى جانب اقلية تركمانية صغيرة للغاية.
هكذا أصبحت سوريا الشرقية عملياً تحت الانتداب الأمريكي وسوريا الغربية عملياً تحت الانتداب الروسي، ولم يكن الجيش الأمريكي هو الوحيد الموجود في سوريا الشرقية، حيث يتواجد قوات بريطانية وفرنسية والمانية، بالإضافة الى وجود تحالف دولي لمحاربة داعش يضم تلك الدول بالإضافة الى دول اخري مثل كندا وأستراليا والامارات والأردن.
لاحقاً بدأ ترامب في تنفيذ وعد انتخابي آخر، يتمثل في الانسحاب من الاتفاقيات الدولية والنزاعات الدولية التي تتسب في نزيف للاقتصاد الأمريكي، وسن سياسة "أمريكا اولاً"، وبدأ في سلسلة من التفاهمات الامريكية الروسية بتسليم روسيا وتالياً سوريا الأراضي السورية التي تقع تحت سيطرة الجيش الأمريكي او الحماية الامريكية والتي يرى ترامب ان أمريكا تنفق على حماية تلك المناطق بدون ادني استفادة استراتيجية او جيوسياسية.
بدأ الامر بالسماح للجيش السوري والميلشيات الإيرانية ببسط السيطرة على جنوب سوريا، وجنوب شرق سوريا، وعبور نهر الفرات في جنوب سوريا، بعد ان كان هنالك مخططات لمنطقة آمنة في الجنوب تتولى مسؤوليتها بريطانيا والأردن، وتارة قيل بالإضافة الى إسرائيل وتارة قيل بالإضافة الى المانيا، ولكن ترامب حكم تلك النظرية.
مع بداية العام 2019 رأى ترامب ان سيطرة أمريكا على محافظة الرقة ومحافظة الحسكة عبر حماية جمهورية روج آفا لا تحقق أي مكاسب أمريكية تذكر، وان وجود جمهورية داخل الجمهورية السورية مكلف للخزينة الامريكية، وان اكراد الثورة السورية مثلهم مثل داعش الثورة السورية مجرد مجرمين شاركوا في مؤامرة الربيع العربي التي صنعها باراك أوباما وهيلاري كلنتون وجون كيري وجون ماكين على سوريا، وبالتالي فأن انسحاب أمريكا من هذه المناطق والاحتفاظ بالقواعد الامريكية العسكرية الكبرى في محافظة دير الزور هو المكسب العسكري والاستراتيجي والجيوسياسي الحقيقي الوحيد لأمريكا.
وجود أمريكا في دير الزور دون الخروج منها يعني عملياً ان أمريكا لا تزال صاحبة اليد الطولي في سوريا الشرقية وغرب العراق، والحفاظ على مناطق غنية بالثروات الطبيعية.
كما ان خروج القوات الامريكية من الحسكة والرقة سوف يبعدها عن نيران الانتقام الإيراني حال اندلاع المواجهة المرتقبة بين المعسكرين في الولاية الثانية للرئيس الأمريكي كما يخطط منذ بداية العام 2019.
بالطبع تصفية جمهورية روج آفا خسارة كبيرة للمؤامرة والنيوليبرالية العالمية التي تريد للجمهورية الكردية ان تتمدد وان تتحول الى جمهورية كردية تضم جنوب تركيا وغرب ايران وشمال العراق ان امكن، لذا لا تستغرب ان عارضت المعارضة الامريكية او بعض الأصوات الدولية انسحاب أمريكا من شرق سوريا.
اذ للمرة الاولي في التاريخ نرى شخصيات تدعى الاستقامة السياسية تندد بانسحاب احتلال امريكي من بقعة جغرافية ما !
بقى ان يكون هنالك دافع ومحلل سياسي للعبة تسليم روسيا وسوريا كلاً من الرقة والحسكة وتفكيك جمهورية روج آفا وإعادة كرد الثورة السورية الى المربع رقم صفر، وهكذا كانت لعبة اطلاق رجب طيب اردوجان في شمال شرق سوريا حتى يقوم بتصفية الإرهاب الكردي كما قام الجيش الأمريكي يوماً بتصفية الإرهاب الإسلامي الداعشي في شرق سوريا، وحتى يجد ترامب مبرراً حربياً لإخراج اتفاقه مع بوتين الى النور.
كما ان ترامب يريد تفكيك دور تركيا في الشرق الأوسط في اطار مناهضته لأرث أوباما ومناهضته لإمبراطورية الإسلام السياسي في الشرق الأوسط وجرائمها وارهابها الذى ادي الى هجمة إرهابية داخل أمريكا وأوروبا، لذا فأن ترك الحبل على الغارب لاردوجان للانخراط في المستنقع السوري كان الغرض الأمريكي الترامبي منه هو امطار انقرة بالعقوبات الدولية والعسكرية والاقتصادية وهو ما جرى عقب بدء الحملة التركية شرق سوريا في 9 أكتوبر 2019 وما سوف يتصاعد تباعاً حتى في الأيام المقبلة التالية لهذه السطور.
بلع اردوجان الطعم، وتحرك الى شمال شرق سوريا وهو يطمع في اجتياح الحسكة والرقة ودير الزور والسيطرة على سوريا الشرقية كاملة واحتلال الفراغ الأمريكي في شرق سوريا، وقد صدق اردوجان كما صدق العالم ان أمريكا سوف تنسحب من مناطق قامت باحتلالها كاملة وهو امر لا يصدقه أي ساذج.
لم تنسحب أمريكا من سوريا الشرقية بل اعادت الانتشار فحسب وتركزت في دير الزور، وتركت اردوجان ينفذ مهمة أمريكية خالصة في الرقة والحسكة دون ان يدري، ولما فرغ من المهمة وبدأ في تخطى الخط الأحمر الأمريكي، بزيارة بسيطة من مايك بينس نائب الرئيس الأمريكي تم إيقاف الجيش التركي وحلم اردوجان عند منطقة آمنة لا تتجاوز 20 كيلو متر بعد ان كان اردوجان يحلم بسوريا الشمالية وشرق الفرات كاملاً عبر اربع محافظات سورية على الأقل.
كرد الثورة السورية كانوا امام امرين، اما الإبادة على يد تركيا وهى رغبة أمريكية من اجل إيقاع اردوجان في المصيدة السورية، او ان تحدث معجزة ما وينسحب الكرد ويتركون المنطقة للجيش السوري ويتم تنفيذ تفاهم ترامب بوتين بدون مجازر تركية.. وهنا اتى دور القاهرة.
انتظرت القاهرة تلك اللحظة منذ سنوات، وعمد الرئيس عبد الفتاح السيسي الى انخراط مصر في سلسلة من الوساطات التي نجحت في وقف اطلاق النار في اكثر من جبهة قتال في سوريا ابرزها جنوب دمشق، واكتسبت مصر سمعة محترمة مضافاً اليها الصيت التاريخي لدور مصر في عموم الشام، ولاحقاً تجمع العديد من الأحزاب المعارضة السورية في مصر واطلق على هذا التجمع منصة القاهرة مقابل منصة موسكو ومنصة الرياض.
ما ان بدأ الزحف التركي في 9 أكتوبر 2019 حتى حضر روج آفا او قسد ( قوات سوريا الديموقراطية ) الى القاهرة، واجتمعوا مع السفير سامح شكري وزير الخارجية المصري، وتم الاتفاق على الانسحاب الكردي من شرق سوريا لصالح الجيش السوري، لتفويت الفرصة على دخول الجيش التركي لشرق سوريا وذبح الأقليات الكردية والمسيحية والعشائرية في سوريا الشرقية، وحتى لا يتخذهم اردوجان ذريعة لغزو سوريا الشرقية ويتم إطالة امد الازمة الى ان يتم تنفيذ تفاهم ترامب بوتين بدخول الجيش السوري لهذه المناطق.
تلاعب عبد الفتاح السيسي برجب طيب اردوجان في شرق سوريا، ولم تكتفى القاهرة بنصب هذا الفخ لأنقرة، ولكن تم استغلال زيارة المهندس مصطفى مدبولي رئيس الوزراء المصري لواشنطن، وتم نقل رسالة واضحة ومطولة من القاهرة الى البيت الأبيض والرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر ترتيب لقاء يجمع بين مدبولي ومايك بينس نائب الرئيس الأمريكي.
خرج بينس من اللقاء يقول "لا يوجد غير مصر واحدة في العالم"، وعقب انتهاء قمة مدبولي – بينس خرج بيان من القاهرة يرحب بجهود الولايات المتحدة الامريكية في حل ازمة شرق سوريا، بينما خرج بيان من واشنطن يعلن بشكل مفاجئ ايفاد ترامب لنائبه الى انقرة لمقابلة اردوجان.
هكذا انسحب الاكراد من شمال شرق سوريا بترتيبات مصرية خالصة، تتوائم مع اتفاق امريكي روسي لإعادة الحسكة والرقة الى الدولة الوطنية السورية، وانهاك تركيا الورقة المحروقة في شرق سوريا، على وقع الاتفاق الموجود بين أمريكا وروسيا منذ تولي ترامب السلطة بأن اردوجان راحل لا محالة وانه يجب عصره والاستفادة منه وحرقه حتى اخر لحظة، لذا تجد اردوجان تارة في معسكر روسيا وتارة في معسكر أمريكا وفى كلا المرتين يتلقى الصفعة بلا كرامة تذكر ويهرول الى المعسكر الاخر.
حاول اردوجان المراوغة برفض مقابلة بينس، او اطلاق تصريحات عنترية قبل اللقاء، لانه يعرف جيداً انه سيد البيت الأبيض سوف يأمره بوقف الزحف في شرق سوريا، وان حلم اردوجان بضم سوريا الشرقية كاملة او حكم منطقة عازلة حكماً تركياً خالصاً قد انتهي، وانه سوف يحكم منطقة عازلة صغيرة نيابة عن الامريكان.
وانه قضى على الإرهاب الكردي نيابة عن الامريكان، وانه فكك جمهورية روج آفا نيابة عن السوريين والإيرانيين قبل ان يكون نيابة عن الامريكان والروس.
مجرد محلل وقطعة شطرنج تلاعب بها ترامب وبوتين والسيسي في شرق سوريا فحسب.
تعمد ترامب إهانة اردوجان عشية لقاء الأخير مع بينس، فسرب ترامب رسالته الى اردوجان والتي تحدث خلالها الى الرئيس التركي بألفاظ غير لائقة دبلوماسياً وتطاول واضح وصريح، كما غرد ترامب اكثر من مرة بشكل حاد حيال اردوجان، والسر في ذلك ان مكتب ترامب يحتوي على حزمة عقوبات مدمرة للاقتصاد التركي وكل ما يريده ترامب هو مزيد من التهور التركي لفرض هذه العقوبات، والتي جرى فرض بعضها بالفعل ما بين 9 و17 أكتوبر 2019، ما أعاد للأذهان التدمير الذى شنه ترامب حيال الاقتصاد التركي في مرحلة سابقة من العلاقات الامريكية التركية.
المشهد في انقرة يوم الخميس 17 أكتوبر 2019 هو خزي وعار للإسلام السياسي والإسلام السياسي العثماني وللتنظيم الدولي للإخوان وللجمهورية التركية ومقام الرئاسة التركية ولرجب طيب اردوجان، اردوجان الذى قال قبل اللقاء انه لم يوقف العملية العسكرية، اجتمع مع بينس وخضع لكل الاملاءات الامريكية وكافة رغبات ترامب.
وعقب اللقاء لم يظهر اردوجان ثانية وعقد بينس المؤتمر الصحفي في قلب انقرة دون أي نظير تركي له كأنما هنالك فراغ في السلطة في انقرة او ان السلطة التركية غير قادرة على إيجاد ممثل لها امام نائب الرئيس الأمريكي.
اعلن بينس بنفسه من قلب انقرة وقف العملية العسكرية التركية، رغم انه يفترض للجيش التركي ان يعرف هذا النبأ عبر قرار من القائد الأعلى للجيش التركي وليس نائب الرئيس الأمريكي، وان يعلن متحدث عسكري تركي القرار وليس نائب الرئيس الأمريكي، وان يتحدث نائب الرئيس الأمريكي في الشأن العسكري لبلاده وليس من قلب انقرة يصدر أوامر للجيش التركي بوقف التقدم في شرق سوريا وبدء الانسحاب!
لم يظهر اردوجان الا عقب انصراف بينس من تركيا، حيث انزوي اردوجان في الحرملك يبحث عن ربطة جأش بعد وصلة التعنيف التي حصدها من مايك بينك ومايك بومبيو، واكمل ترامب الإهانة الامريكية لتركيا بالحديث عن ممارسة الحب العنيف لثلاثة أيام من اجل الوصول لهدنة في شرق سوريا لتجتاح حملة سخرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي حيال الرئيس التركي الذى حصد ثلاثة أيام متتالية من النكاح العنيف بشهادة أمريكية رسمية!
طوقت الجهود المصرية طموحات العثمانيين الجدد في شرق وشمال سوريا، نفذ ترامب خطته بالانسحاب من خطوط المواجهة مع ايران في الحسكة والرقة، تسلمت سوريا المحافظتين مرة اخري إضافة الى مناطق جديدة في شرق حلب، نفذ تفاهم ترامب بوتين، كسب بوتين مساحات جديدة في سوريا ولا يعد الامر خسارة أمريكية لأنه بوتين تدخل في سوريا عام 2015 بتفاهمات مع جناح من داخل الدولة الامريكية يمثله ترامب في البيت الأبيض اليوم، تم تفكيك جمهورية روج آفا والنفوذ الحقيقي لقسد.
الخاسر الأول والأخير والوحيد هو رجب طيب اردوجان بكل ما يمثله من غطرسة الدولة والجيش والحكومة التركية والإسلام السياسي وتنظيم الاخوان وتنظيم العثمانيين الجدد.
لاحقاً حال اقدام اردوجان على استئناف العمل العسكري سوف يتعرض لعقوبات أمريكية...
لاحقاً سوف يتحدث الكرد والمسيحيين السريان عن جرائمه التي جرت على مدار ثمانية أيام من القصف العسكري بأسلحة محرمة دولياً وسوف يتم معاقبة تركيا...
لاحقاً سوف تواصل تركيا الاخوانية اضمحلالها على ضوء العقوبات التي سددها ترامب لأنقرة في الأيام الثمانية سالفة الذكر.
اردوجان اليوم حارس العشرين كيلو متر لصالح أمريكا وإسرائيل برغم انفه، وينتظره المزيد والمزيد من العقوبات والأيام الصعبة سواء ظل في مكانه او تقدم او انسحب من العشرين كيلو متراً.
للنقاش