هيكل: أخشى على المنطقة العربية من مصير الأندلس
في لقاء مع القضاة المصريين : على العرب مراجعة موقفهم من إيران وتركيا وباكستان، كون هذه الدول تشكل رصيدا استراتيجيا للأمن القومي العربي
أكد الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل أن الأوضاع الحالية في المنطقة العربية تشبه إلى حد كبير ما شهدته دولة الأندلس في أخريات عهدها وقبل انهيارها على يد ملوك الطوائف، محذرا من أن تؤول المنطقة إلى نفس المصير، ومطالبا العرب بدراسة جيدة لتجربة دولة الأندلس الإسلامية. وقدم هيكل في محاضرة خلال لقاء مفتوح نظمه نادي القضاة المصريين بناديه النهري وحضره عدد كبير من رجال القضاء والفكر والصحافة والسياسة تشريحا للأوضاع في مختلف البلدان العربية وما تشهده من أحداث ساخنة، مشيرا في ذلك إلى الأزمة التي عاشها لبنان في الفترة الأخيرة ودور الجامعة العربية الذي "لم يكن شديد التوفيق" في مواجهة تلك الأزمة التي كادت تطيح باستقرار لبنان. وشدد الكاتب الكبير على ضرورة حفاظ الجانب العربي على سلاح حزب الله وعدم إهداره، معتبراً أن بقاءه يمثل ضرورة عربية وأنه أحدث نقلة نوعية في المقاومة.
كما عرج هيكل على الأحداث في السودان مطالبا بضرورة إنهاء المشكلات العالقة بين مختلف أقاليمه، حيث ينذر استمرار تلك المشكلات بجراح جديدة في الجسد العربي، متناولا أيضا العلاقات العربية الإيرانية والآثار السلبية لعدم التقارب بين الجانبين، متسائلا كيف يمكن للعرب التفاوض مع "إسرائيل" لحل الخلافات ولا يفعلون ذلك مع إيران، ودعا إلى استثمار الموقف الإيراني المتضامن مع القضايا العربية ضد "إسرائيل" وكذلك موقف طهران في مواجهة قوة الهيمنة الغربية وذلك في إحداث التقارب العربي الإيراني. وأكد هيكل وجود دور لبعض الحكومات العربية في مساعدة "إسرائيل" في فرض الحصار على قطاع غزة، مبديا تخوفه من تصفية القضية الفلسطينية بعد عشر سنوات من الآن، منتقدا أيضا حالة الصراع والجدل بين طرفي الأزمة في فلسطين. تناول هيكل كذلك الأوضاع على الساحة المصرية، مشيدا بالدور الذي يلعبه "الجيل الجديد" من الحركات الاحتجاجية في البلاد، وكذلك دور الصحافة المستقلة في إحداث حالة من اليقظة والوعي الحقيقي، ومتوقعا أن تشهد مصر في العامين المقبلين ردة غير مسبوقة في مجال الحريات، وتالياً نص اللقاء المفتوح.
بدأ الكاتب الكبير حديثه بالإشارة إلى ما حدث في دولة الأندلس وقال:
الكثيرون في المنطقة لم يستوعبوا درس دولة الأندلس العربية الإسلامية، التي قامت عناصر فيها بتغيير القيادة السياسية بالعسكريين، وأن الدولة العربية الإسلامية في الأندلس تكاد تكون درساً أو نموذجاً لهذه المنطقة يجب أن نتعلمه بقدر ما نستطيع، فقد رأينا تجربة الفتح بقيادة موسى بن نصير ومعه طارق بن زياد وكيف استطاعت حوافز وعناصر أن تدفع جيشا منتصرا إلى كافة أنحاء القارة الأوروبية، لكنها ألمت بها عناصر غيرت القادة السياسيين بالعسكريين، وفور أن تم النصر استدعى الخليفة في دمشق القائدين صاحبي النصر الكبير رافضا أن ينسب فضلا في بلده إلى غيره، وما حدث بعد ذلك أن واجه الأندلس أزمة بسبب خلافات بدأت يوم أن ظهرت غنائم كثيرة جدا لدى العرب، ويوم ظهر هذا الكم من التهافت من جانب العرب على الزواج من إسبانيات.
ودخلت الأندلس فترة انحطاط تخللتها فترة قوة لم تطل، حيث عادت نفس العناصر الحاكمة مرة أخرى إلى أن تشققت الأندلس تماما بسبب التقاتل على الغنائم والانبهار بالأجنبي والغفلة عن حقائق الصراع وإضاعة الوقت في مشاكل فرعية دونما نهاية بجانب الأنانية الشديدة جدا، والغريب جدا أن ملوك الطوائف استسلموا واستعانوا بجيوش أجنبية، واستعان الأمراء المسلمون بجيوش مرتزقة من الخارج من رومانيا وصقلية ودخلت الدولة العربية الإسلامية في الأندلس في متاهة وتحللت الدولة وانسحب العرب من الأندلس، وكلما أتأمل أحوال العرب الآن أتذكر بيت الشعر الذي يقول "يا أخت أندلس عليك سلام هوت الخلافة عنك والإسلام" لذا أخشى على المنطقة العربية مما جرى في الأندلس.
أحداث ساخنة
ثم طرح هيكل على الحضور الانتقال للحديث عن الشأن العربي خاصة البلدان ذات الأحداث الساخنة بهدف عرض رؤى لما يجري في الوطن العربي، وبدأ حديثه بالشأن السوداني قائلاً: أعتقد أن الكيان الموجود في السودان غير قادر على البقاء كما هو، لأنه ليس هناك رابط يجمع الشعب السوداني كله بفعل اختلاف اللغات والأصول العرقية والقبلية، لكن الأمل كان معقودا بعد الاستقلال عام 1956 على أن تصحح الدولة الوطنية بعض ما فعله الإنجليز أثناء الاحتلال، لأن ما فعله الإنجليز أثناء الاحتلال كرس الكراهية بين الجماعات بالسودان وقسمه إلى أربعة أقسام: "جنوب" ينتمي إلى شرق إفريقيا و"غرب" ينتمي إلى قبائل تشادية والذي يطلق عليه "فرنسا الاستوائية"، إضافة إلى الشمال والشرق، وكان هناك أمل في أن تتغلب الدولة الوطنية في السودان بعد الاستقلال عام 1956 على مشكلاتها وأن تخلق كيانا موحدا بواسطة دولة موحدة، لكن للأسف الشديد أن الشمال الذي تتمركز فيه سلطة الحكم والقريب من مصر لجأ إلى استخدام القوة العسكرية، معتقدا أنه بالقوة العسكرية يستطيع أن يسوي مشكلات تتعلق بالقوميات واللغات واختلاف القبائل، وفي النهاية هذا هو حال السودان بدت فيه حركة انفصال في إقليم دارفور وليس صحيحا أنها حركة مخترقة ولكن لها جذور وأصول وأسباب، وكذلك حركة الانفصال في الجنوب لها أسبابها هي الأخرى، وكذلك الشرق، بينما الشمال كان باستمرار الجزء الأقرب إلى مصر، وأعتقد أن السودان لن يحل مشاكله بالطريقة المتبعة حاليا، لأنه مع الأسف أن المشكلات التي يزيد إهمالها لن يجدي فيها أي جراح، وأخشى ما أخشاه أن السودان مقبل على جراح، وهذا ما أعتقده، وللأسف الشديد أيضا أن قادة وسياسيين يتحدثون عن السودان من دون أن يقوموا بزيارة السودان ويطلعوا على حقيقة مشكلاته والصراع الدائر فيه، ومن ذهب منهم اقتصرت زيارته على الخرطوم ولم يعرف حقيقة مجرى النيل باستثناء مفتش الري.
أزمة ومعجزة
وانتقل هيكل بالحديث إلى الأزمة اللبنانية قائلا: أعتقد أن لبنان اجتاز أزمة خطيرة جدا كان يمكن لها أن تعصف بهذا البلد، لأن لبنان لا يستطيع أن يقوم إلا على شرعية الطوائف وهذا لن يتحقق بالديمقراطية، لكنه يتحقق بالتراضي والقبول به بما يحقق بالتالي استمرار وجود لبنان بشرعية التوافق، وأي إخلال بهذه الشرعية يؤدي إلى عواقب خطيرة جدا، لأنه يشكل خطرا على التركيبة الفكرية والإنسانية والسياسية في الوطن العربي. ولعلي أتذكر هنا موقف الراحل رفيق الحريري في اتفاق الطائف، وأعتقد أنه كان "سياسيا بارعا" فقد استطاع إخماد شبح عودة الحرب الأهلية، وقد راح ضحية صراع كبير جدا غير أنه استطاع خلال رئاسته للحكومة أن يمسك بزمام الأمور في لبنان، لكن بعض الدول العربية سعت لارتكاب أخطاء مروعة في لبنان وليس سوريا فقط، ما خلق توتراً داخل لبنان، وبهذه المناسبة أعتقد أننا ظلمنا السيد حسن نصر الله ظلما شديدا، فأنا لا أعرف هذا السر الذي نتعامل به مع سماحته رغم أن حزب الله استطاع أن يقف في وجه "إسرائيل" ويصد عن لبنان الاعتداءات الوحشية "الإسرائيلية"، إلى أن جاءت الأزمة الأخيرة، التي بدأت بتوتر بين مجموعة الموالاة والممانعة، لكن هذه الأزمة أكبر بكثير مما يبدو على سطحها، وليس صحيحا أن الأزمة بدأت يوم أن تدخل حزب الله، بل بدأت يوم أن استشعر حزب الله أن 600 عنصر من خارج لبنان دخلوا البلاد ويمكن لهم تغيير الأوضاع داخل بيروت، فتحرك حزب الله، فضلا عما أثير بشأن أزمة شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله وواكب تلك الأزمة اغتيال القيادي عماد مغنية وهو الرجل الذي تولى الإشراف الميداني على عمليات حزب الله، وكان له أداء بارز، وأتصور أنه اغتيل ب "تواطؤ" من بعض الحكومات العربية، زد على ذلك تصريحات وليد جنبلاط أثناء زيارة بوش للمنطقة احتفالا بدولة الكيان الصهيوني، حيث قال جنبلاط إن الموالاة استطاعت توجيه ضربات "قاصمة" لحزب الله. ورغم أن جنبلاط رجل صديقي إلا أنه نصف فنان ونصف سياسي ونصف شاعر، فكان جنبلاط يعتقد أن الظروف التي أتت ببوش لزيارة المنطقة قد تحدث صدى لتصريحاته، وحزب الله تصرف بعدما اعتقد أن المسألة لا تحتمل "الهزار" وأنها مسألة حياة أو موت، وفي خلال أربع وعشرين ساعة تمت له السيطرة على بيروت، وأصبحنا أمام وضع جديد، واجتمعت جامعة الدول العربية وأعتقد أن الاجتماع لم يكن شديد التوفيق لأن أطرافا عربية رأت أن تتخذ مما يجري في بيروت ذريعة للتدخل، إلا أن الأطراف اللبنانية توصلت إلى حل سلمي وأعتقد أنه لابد من الحفاظ على القسمات المسيحية في لبنان، وأعتقد أنه لا ينبغي المساس بقضية سلاح حزب الله لأن هؤلاء الناس الذين خاضوا معركة باسلة ضد "إسرائيل" يجب أن نحافظ عليهم، فهم واجهة مشرفة للوطن العربي أجمع، وقد أعطوا درسا في المقاومة في المنطقة، كما يجب في ذات الوقت ألا يقع لبنان في يد حزب الله فقط رغم أن وجوده ضرورة عربية والمحافظة عليه تأتي عبر التوافق والتراضي العربي من خلال فهم حقيقي للمرحلة الحالية من الصراع العربي "الإسرائيلي"، كون أن المرحلة هي مرحلة البقايا والجيوب التي تقول لا، كما أننا أمام مرحلة بالغة الصعوبة من الصراع العربي "الإسرائيلي"، وأنا أرى أن هذه المرحلة من الصراع في منتهى الخطورة بصرف النظر عن الوضع في فلسطين، لأن هناك تناقضا مصريا "إسرائيليا" بسبب ضرورات الأمن في المنطقة، وهذه الجيوب لا تزال تقول لا، فمازال حزب الله يقول لا ومازالت حماس وبعض عناصر المقاومة تقول لا، وهو ما يؤدي إلى يقظة الأمة.
عداء غير مبرر
وانتقل بحديثه إلى الشأن الإيراني وقال لماذا حتى هذه اللحظة ومنذ ثلاثين عاما ونحن على خلاف مع إيران ولم نتقرب من الجمهورية الإسلامية، لا أجد سببا لذلك، رغم أن هذه المنطقة فيها بلدان أساسيان هما إيران ومصر، وكان ذلك نقطة خلاف بيني وبين الرئيس العراقي صدام حسين، ولا أفهم كيف لنا أن نعادي نظام الثورة الإسلامية في إيران، وأتذكر أنه في عام 1979 تقابلت مع الإمام الخميني في باريس وسألني لماذا تعاديني مصر، وكان الأزهر قد أصدر في ذلك الوقت فتوى ضد الخميني تشير إلى أن الخروج على طاعة ولي الأمر "معصية"، وأنا أرى أن الخلاف مع إيران ترك أثرا ضارا لا لزوم له، في الوقت الذي تتضامن فيه إيران مع قضايانا العربية ضد "إسرائيل" وضد قوى الهيمنة الغربية، وهما موقفان غاية في الأهمية ويجب استثمارهما للتقارب مع إيران، والحقيقة أنه حين نشهد تقاربا عربيا "إسرائيليا" لابد أن نطرح تساؤلا: كيف أننا كنا على علاقة وثيقة بشاه إيران الذي كان يبيع البترول الإيراني ل"إسرائيل"، وأن نعادي نظاما إيرانيا أيضا سواء كان إسلاميا أو غيره يأخذ مواقف ضد "إسرائيل"، ومن حسن حظ الصراع العربي "الإسرائيلي" أن إيران التي تقع شرق الوطن العربي على موقف معاد ل"إسرائيل" والوقوف ضد الهيمنة الأجنبية، وكيف لنا ألا نتحدث عن 150 قنبلة نووية موجودة في "إسرائيل" ثم نتحدث عن أن إيران تسعى لامتلاك برنامج نووي، رغم أنني أعلم أن إيران لو استطاعت امتلاك قنبلة نووية من 8 10 سنوات لكان هذا الأمر عظيما جدا، وهنا أتذكر أن موضوع التسليح النووي "الإسرائيلي" أثاره الوفد المصري المشارك في مباحثات السلام مع "إسرائيل" في كامب ديفيد، وفي ذلك الوقت قيل لهم بوضوح وبقسوة إننا هنا لنحل مشاكل لا لنثير مشاكل، وهنا لا أحد بمقدوره أن يقول لي إن أمن مصر وسوريا والعرب تهدده قنبلة مازالت في الأفق بعد 8 سنوات بينما لا تهدده 150 قنبلة لدى "إسرائيل".
تصفية
القضية الفلسطينية كانت هي المحور التالي في حديث الكاتب الكبير، مشيرا إلى أن القضية الفلسطينية اليوم في وضع مأساوي والعالم العربي لا يكاد يسمع عن هذه المأساة وقال هيكل: لقد زارني وفد حماس الذي جاء للقاهرة مؤخرا بقيادة محمود الزهار وقالوا لي إن الذي يحاصرنا ليس "إسرائيل" بل بعض العرب المجاورين لفلسطين حصارا من كل اتجاه ومن البحر والبر والجو، والآن نحن أمام جيوب معزولة تم تحريضها على بعضها ودخلت حربا أهلية وجميعهم أضيروا من الحصار، وعلى كل حال فإن القضية الفلسطينية هي "أعدل" قضية على وجه الأرض منذ قرن مضى، والآن هي تتعرض للتصفية بوحشية وقسوة، والعرب يكررون السيناريو الذي حدث في الأندلس، حيث الاستعانة بالأجانب، وأنا أعلم أن بعض القادة العرب كانوا سعداء لما يحدث في بعض الدول العربية وهو تكرار لعقلية معينة، لذا على العرب مراجعة موقفهم من إيران وتركيا وباكستان، كون هذه الدول تشكل رصيدا استراتيجيا للأمن القومي العربي، وأنا أعتقد أن "إسرائيل" تسعى في هذا الشأن إلى تقارب مع تلك الدول، فهي تتمنى أن يتغير النظام في إيران وتمكنت بالفعل من إحداث علاقة مع تركيا وباكستان تفوق العلاقات العربية معهما، وينبغي أن يتم حل أي خلاف بيننا وبين هذا الحزام (إيران تركيا باكستان) بالتفاوض وبفهم لعمق العلاقة الاستراتيجية مع دول الجوار الجغرافي، وليس كما حدث في الحرب بين إيران والعراق. ولعلي أتذكر الآن أنه في عام 1984 ذهبت إلى العراق وتقابلت مع الرئيس العراقي صدام حسين وكان حاضرا معنا طارق عزيز، ورجوته أن يوقف هذه الحرب بأسرع ما يمكن من خلال التفاوض والسلام الحقيقي، وحتى هذه اللحظة فأنا لا أجد تناقضا في المصالح مع إيران، وللأسف جرت عملية تحريض أجنبي بين دول المنطقة أثرت فيها وأدت بها في النهاية إلى الدخول في حروب أهلية لا علاقة لنا بها، ونحن العرب ليست لدينا رؤية تصون مصالحنا في إدارة شؤون الإقليم.
انعكاس
ما إن انتهى الكاتب الكبير من عرض رؤيته للأوضاع في المنطقة حتى توالت التساؤلات من الحضور، وكانت البداية من عند المستشار ناجي دربالة والذي تساءل عن الوضع في مصر في عام 2011 وهي من دون نائب للرئيس؟
وأجاب هيكل: ما يجري في العالم العربي هو انعكاس لما يحدث في مصر، وأنا أرى أن هذا البلد له دور محوري في حل المشكلات، وأعتقد أن تجديد حالة الطوارئ والعامين المقبلين يلخصان الوضع في مصر.
وتساءل رئيس نادي القضاة المستشار زكريا عبدالعزيز: ما هي المدة التي طبق فيها الاحتلال الأمريكي قانون الطوارئ في العراق؟
هيكل: أي احتلال لا يحتاج إلى قوانين طوارئ، وأنا أعلم أن الاحتلال في بداية أيامه أعلن حالة الطوارئ ثم ألغاها، لكن مع وجود قوة احتلال أجنبي لم يكن هناك داع لحالة طوارئ.
الكاتب الصحافي مصطفى بكري: بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية أتذكر لك مقولة "الآن بدأ المأزق"، وسيناريو الأحداث بدأ كذلك بعدها.. الآن ما هي إمكانية عودة لحمة الصف الفلسطيني في ضوء تمسك حماس بثوابتها وفي ضوء موقف محمود عباس أبو مازن وهل يمكن تحقيق ولو كياناً "كارتونياً" للدولة الفلسطينية خلال المدى المنظور؟
هيكل: أنا أعتقد أنه لا يوجد خلاف شخصي بين أطراف الصراع في فلسطين، لكن الخلاف واضح بين مدرستين، مدرسة المقاومة ومدرسة أخرى تقول بالحل السلمي، وببساطة ف"إسرائيل" تسعى لاحتواء كل فلسطين، هل تتصور أن "إسرائيل" بتصرفاتها يمكن لها أن تقيم دولة لفلسطين، وسبق أن سألني أحد: من هو رئيس الوزراء "الإسرائيلي" المفضل؟ قلت شارون لأنه مع شارون أستطيع أن أعرف الحقيقة وأعرف أين أقف، لكن مع بيريز وغيره أعتقد أنهم يقولون كلاماً مضللاً، "إسرائيل" في طريقها تسير وليس هناك ما يعوقها إلا القليل من الفلسطينيين المتمسكين بأرضهم، ويرفضون التحول إلى لاجئين والمطالبين بحق العودة، وأرى أن بوش غير قادر على تحقيق حلم دولة لفلسطين، وأخشى خلال السنوات العشر المقبلة أن تضيع الأرض التاريخية لفلسطين، بسبب غياب كامل الإرادة والمعرفة والقدرة في العالم العربي، والأجندة الوحيدة التي تتحرك الآن هي الأجندة "الإسرائيلية" مع الأسف.
سياسة ثابتة
المستشار أحمد مكي: هل هناك حل سلمي بعد خطاب بوش؟ وهل يمكن أن نعتبر أن الحل العربي التوافقي في شأن لبنان هو انتصار للعرب؟ وهل وجود محمود عباس في سدة السلطة الفلسطينية جاء في إطار إزاحة هم الحل السلمي عن كامل الحكام العرب؟
هيكل: بوش باقٍ له ستة شهور في الحكم ونحن أمام دولة ليست "جمهورية موز"، والسياسة الأمريكية مستمرة في التواجد والاستيلاء على مصادر الطاقة والعراق أحد أكبر هذه المصادر، والمطلوب أمريكيا احتلال مصادر الطاقة لأنها مصادر تنضب، وحتى في المستقبل سوف تظل هذه السياسة الأمريكية في المنطقة ثابتة بصرف النظر عمن يحكمها، وبخصوص الحل العربي في لبنان فإن ما صنع معجزة التوافق ليس هو الحكومات العربية، لكن إحساس اللبنانيين باختلاف طوائفهم بأنهم على حافة الهاوية كما أنهم جميعا تقريبا كانوا يتمنون الحل السلمي لأنهم أدركوا أن هذا البلد قد ينقرض وعليهم تحمل مسؤولياتهم، وبعض النزاعات تصبح جاهزة للحل تقريبا بدفعة بسيطة، وهذه الدفعة جاءت في تدخل اللجنة الوزارية.
د. نور فرحات: هل توجد بارقة أمل تنجو بنا من المصير الحالي؟ وما تقييمكم للمشهد في الشارع السياسي في مصر والعالم العربي؟ وهل بإمكان الشارع السياسي الضغط على الحكومات العربية لتدارك موقفها؟
هيكل: لا أتصور أن توجد حياة بلا أمل وأنا أتابع حركة الشارع السياسي ووجدت نفسي أمام ظواهر جديدة وجيل جديد مختلف عما كنا نعبر به، نحن أمام حالة حيوية دافقة في الشارع المصري والعربي، وهناك قوى كبيرة طالعة، لكن تواجهنا مشكلة نظم حكم لديها من وسائل التكنولوجيا القمعية ما يمكنها من المتابعة وما يجعلها تفرض جدول أعمالها على الشعوب، وهذه "نظرة معادية جدا للتاريخ" وأخشى أمام عناد وسائل التكنولوجيا من القمع استعداد هذا الجيل للأخذ بالاستشهاد وأن تدخل الأوطان في مشكلات، وأنا أرى أن الوضع الحالي لم يسبق له مثيل في التاريخ، وأعتقد أن الحكومات التي تسقط حاليا تسقط بفعل تضارب المصالح وليس بغضب الشعوب. ولعلي أتذكر موقف الصحافة المستقلة التي أحدثت وعيا شعبيا ويقظة حقيقية، والإطار الالكتروني المحيط بالأمة أصعب من زنزانة السجن ورغم ذلك فأرى أيضا بارقة أمل في قوى التغيير.
المستشار محمود مكي: ما رؤيتكم لما تقوم به "إسرائيل" من محاولات للتفاوض مع سوريا عبر وساطة تركيا وأثر ذلك في خلخلة جبهة سوريا إيران حزب الله؟
هيكل: لابد أن نفرق بين سوريا التاريخية وسوريا الإدارة الحالية، وأنا قلق على سوريا لأنها بلد ذو أهمية، والصراع الدائر حاليا على من يسيطر على دمشق، وسبق للرئيس حافظ الأسد أن أدرك بعد خروج مصر من ساحة الصراع أنه لا خيار أمامه سوى أن يقف مكانه، والأسد كان رجلا ذكيا فطريا، والآن نحن أمام نظام ثانٍ جديد، وهناك ضغوط بسبب ما يجري في العراق على سوريا، وفي هذا الجو إيران تساندها بحكم الجغرافيا السياسية، سوريا بسبب غياب مصر تعيش في حالة قلقلة سياسية، وأنا أعرف أن الرئيس بشار الأسد به من المزايا الكثير، وليس يقلقني أنها مع إيران بل يسعدني أن تجد لنفسها متكئا جغرافيا تتكئ عليه، وهناك ثلاث دول مطلوبة لدى الإدارة الأمريكية هي سوريا وإيران والعراق وهي أكبر موارد البترول في العالم والمنطقة، وأعتقد أن أمريكا لن تضرب إيران لكن كل ما يريدونه حاليا ليس وقيعة مع الشعب الإيراني لكن تغيير النظام وعدم الدخول في مشكلات مع الشعب، سوريا ليست لاعبا أساسيا ولكنها مطلب رئيسي.
وبشأن إحداث تسوية الجولان أعتقد أن "إسرائيل" ليست لديها النية لأي مفاوضات جادة بفعل موازين القوى الراهنة، أولمرت يريد مخرجا بشكل وآخر لذا يسعى للحديث عن سلام مع سوريا، وأعتقد أن الرئيس بوش تدخل مع لجنة "فينوجراد" لكي يخرج تقريرها مختلفا عن تقريرها الأول، لأن بوش يطمح الى أن يصل إلى شيء مع الفلسطينيين خلال هذا العام، وليس هناك أي حل بموازين القوى الحالية، وفي ما يتعلق بالعراق أنا لا أستبعد خلال عام أو عامين أن تكون هناك قوات عربية في العراق بدعوى التضامن العربي، وفي اعتقادي أن أمريكا لن تخرج من العراق خلال 12 عاما المقبلة لأن الهدف الرئيسي هو احتلال أكبر مورد في البترول في العالم فكيف لها أن تتركه؟!
مجدي الجلاد رئيس تحرير جريدة "المصري اليوم": هل ستشهد مصر ردة في حرية الرأي والتعبير خلال الفترة المقبلة؟
مصر قادمة خلال الفترة المقبلة على ما لم تشهده من قبل وأعتقد أن العامين المقبلين ستشهد مصر فيهما مشاهد أتمنى أن تخرج منها بعافية، وأتمنى من كل الأطراف قبل أن يقدم كل منها على أي مواقف أن يتدبر المواقف جيدا.. وتمديد حالة الطوارئ عامين أرى فيه علامات نذير على هذه المشاهد.
http://www.akhbaralaalam.net/news_detail.php?id=13462&uniq_id=1230755976