بدأت التوترات السياسية والشعبية عقب تأسيس حركة فتح ( حركة التحرير الوطني الفلسطيني ) عام 1959على يد عدداً من العناصر الاخوانية ( صلاح خلف الملقب بأبو اياد و خليل الوزير الملقب بأبو جهاد ) واليسارية (فاروق القدومي وخالد الحسن) عام 1960، على رأسهم محمد عبد الرؤوف (ياسر عرفات)، وكانت القاهرة في زمن عبد الناصر قد ظلت لسنوات مغلقة امام عرفات ورفاقه، بسبب انتماء عرفات الاخواني، ولكن عقب هزيمة يونيو 1967 وتململ الشعب الفلسطيني من قيادات منظمة التحرير الفلسطينية امتثلت القاهرة للأمر الواقع وفتحت أبوابها لعرفات وان ظل عبد الناصر حذراً من "ميوله الاخوانية".
هكذا بدأت حركة فتح على ايدي عرفات وأبو اياد وأبو جهاد وثلاثتهم كانوا في الكويت، حيث كان الاخوان هاربين من الأنظمة الجمهورية في مصر وسوريا والعراق، وان كان عرفات يختلف عن اغلب قادة فلسطين في القرن العشرين الا وهو انه من مواليد مصر، وتربي وتعلم في مصر وظل حتى وفاته يتحدث اللغة العربية باللهجة العامية المصرية عكس فلسطينيو الخليج الذين شكلوا معه حركة فتح والذين كانوا من مواليد فلسطين قبل النكبة وهربوا في الخليج مع اسرهم الاخوانية، ولاحقاً انضم اليه محمود عباس من قطر، و رغم ان الأخير ليس اخوانياً، الا ان سيطرة الاخوان على حكم قطر بانقلاب حمد بن خليفة آل ثاني عام 1995 سيطر على توجهات عباس حتى اليوم، وكانت قطر عراب صعود عباس لحكم منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح و رئيس السلطة الفلسطينية عام 2005 خلفاً للرئيس المؤقت روحي فتوح.
وما ان استتب الامر لحركة عرفات حتى بدأت المزايدات الفلسطينية للمرة الاولي في التاريخ ضد جيش وشعب وحكومة مصر، خصوصاً حينما قبل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بمبادرة روجرز الامريكية في أيامه الأخيرة، ونظراً لان تمويل اخوان الخليج في قطر والكويت لم يكن كافياً لعرفات ، وجد في الديباجات اليسارية الاشتراكية مصدراً للتمويل والتهليل الإعلامي من اليسار اللاتيني وصولاً الى فتح الكرملين لاستقبال الاخواني التائب ياسر عرفات، و لا مشكلة في الانتقال من التيار الإسلامي الى التيار اليساري فكلاهما ذو مرجعية محافظة ومظلومية اجتماعية حتى ان الإسلاميين في بدايات الثورة البلشفية في روسيا القيصرية وقفوا مع البلاشفة ضد القيصر قبل ان يغدر لينين وستالين بهم.
وعقب بدء المفاوضات المصرية لاسترداد باقي الأراضي المحتلة من إسرائيل دخلت لعبة اعلام فتح مرحلة جديدة، شارك فيها الإسلاميين واليساريين في مصر، من تخوين شعب وجيش وحكومة ورئيس مصر، وعقب إقرار اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، أصبحت ليبيا معمر القذافي وسوريا حافظ الأسد ولاحقاً إيران الخميني مقرات رسمية لمهرجانات سياسية ضد مصر، يتم تخوين شعبها وجيشها وحكومتها رئيسها، وكان عرفات ضيفاً في الكثير من تلك المناسك المقدسة لحالة العداء العروبي لمصر.
يمكن القول ان عداء شعوب الشرق الأوسط المعروف لمصر قد نشأ في هذه المرحلة، برعاية اعلام وصحف حافظ ومعمر وعرفات والخميني، وكان الاخوان (التنظيم المصري) حاضرين حتى مع بدء الخلافات بين الاخوان وبعض هذه الدول، بالإضافة الى كبار رموز اليسار، فكان الإسلاميون واليسار والليبراليين الحفاة يخرجون من مصر الى طرابلس ودمشق وبيروت وطهران يشاركون في مؤتمرات التآمر على مصر، ثم يعودون محملين بالدولارات، لتظهر صحف وأحزاب ويحقق اقطاب اليسار والإسلاميين أهدافهم الاجتماعية في الترقي الطبقي، نسخة طبق الأصل من تلامذتهم شباب الثورة الذين تاجروا بالوطن والشعب في يناير 2011 الى ان اسقط الشعب مؤامرتهم على وقع ثورة 30 يونيو 2013.
وكانت بعض عناصر الإرهاب التي ضرب مصر من سبعينات الى تسعينات القرن العشرين يظهرون في هذه المؤتمرات ايضاً، وكان معمر القذافي في هذه المؤتمرات يحرص على البعد الاممي، تجده يستضيف الزعيم الانفصالي العراقي الكردي مسعود برزاني، ذلك لان العراق كان يقف بجانب مصر امام هذه الحماقات.
وحينما انتصر الاقتصاد على السياسة وسقط الاتحاد السوفيتي الذي كان حافظ ومعمر وعرفات يتدثرون به امام مصر، هرول ثلاثتهم للموافقة على عودة مصر الى جامعة الدول العربية، ولكن بعد ان سكبوا في الوعي المصري والفلسطيني والسوري وباقي شعوب المنطقة ديباجات معادية لمصر لا تزال باقية حتى اليوم بكل اسف.
وتسلمت حركة حماس راية الإساءة لمصر من حركة فتح، وذلك حينما وجدت إسرائيل ان شعبية حركة فتح في قطاع غزة قد وصلت الى مستوي يهدد إسرائيل، لذا سمحوا للسجناء من أبناء الاخوان المسلمون ببدء الدعوة لتنظيم جديد قبل الافراج عنهم وعلى راسهم احمد ياسين، صحيح قامت حماس لاحقاً بعمليات حيال إسرائيل ولكن مكاسب إسرائيل من فرق تسد بين حماس وفتح كانت أكبر بكثير مما خسرته على يد حماس حتى مع توجه حماس في بعض الأوقات لإيران وسوريا، وحينما كان المجتمع الدولي يضغط على إسرائيل للتفاوض، وقبلت منظمة التحرير الفلسطينية بالتفاوض اخيراً، كانت حماس تحقق حلم إسرائيل بنفس المسار السلمي باللجوء الدائم للعمل العسكري، ما سمح لإسرائيل بتصفية القضية الفلسطينية على وقع الانتفاضة الثانية ثم تصفية ياسين عقب انتهاء الغرض منه وحتى اليوم لا يوجد أي تقدم للشعب الفلسطيني او القضية الفلسطينية منذ ظهور حماس على الساسة او اندلاع الانتفاضة الثانية او سيطرة حماس على قطاع غزة.
ويكفى فخراً لإسرائيل أن الكيان الإسلامي الذى سمحت له بالترعرع في سجونها ثم في قطاع غزة الذى كان تحت سيطرتها طيلة أربعة عقود قام اليوم بتحويل بندقية المقاومة الفلسطينية الى صدور الجيش المصري بدلا ً من الجيش الإسرائيلي، وتظل حماس الى اليوم راعية وحارسة المخطط الصهيوني لتهجير سكان غزة الى سيناء ولا يمكن ان نغفل حقيقة ان غزة التي تستقبل مسلحين وتقوم بتدريبهم في معسكرات القتال السلفية قبل ارسالهم بالسلاح والعتاد الى سيناء هي قطاع يديره حماس بل وكافة من يشرفون على هذه الأنشطة في غزة هم حمساويين يدعون انهم انشقوا عن التنظيم.
كما ان حركة حماس والاخوان المسلمون قاموا بأسلمة قضية فلسطين بينما هي ليست قضية دين بل قضية شعب له ارث مسيحي عتيد وبينهم يهود وطائفة سامرية، ولكن اسلمة القضية تجعل فلسطين تخسر دعماً من كنائس وشعوب مسيحية كانت ترفض هذه الوصاية اليهودية على كنيسة القيامة التي تضم قبر السيد المسيح.
وبالتزامن مع صعود حماس بخطابها الإعلامي المعادي لمصر ظهر تنظيم الجزيرة القطري، واعلام تركيا الإسلامية بصعود رجب طيب اردوجان، وبدأ الحفاة الزاحفون الى طهران وطرابلس ودمشق وبيروت يذهبون الى انقرة والدوحة.
هكذا تسممت العلاقات المصرية الفلسطينية، و العلاقات المصرية العربية – ان جاز التعبير – على المستوي الشعبي، بديباجات إعلامية وصحفية صنعها اعلام الجمهورية العربية السورية عبر حزب البعث ورئيسه حافظ الأسد، والجماهيرية العربية الليبية بقيادة الأخ العقيد معمر القذافي، و الجمهورية الإسلامية الإيرانية بقيادة روح الله الخميني، وتركيا الاردوجانية ودولة قطر بقيادة تنظيم الحمدين، وتنسيق مع الاخوان المسلمين في فلسطين سواء الذين تحولوا الى اليسار مثل حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية او الإسلاميين بشكل مباشر مثل حركة حماس وحركة الجهاد، وتعاون جحافل الحفاه الإسلاميين واليساريين وحتى الليبراليين في مصر خلال السنوات الأخيرة، وسط سعادة إسرائيل من تحقق اكبر واهم هدف بالنسبة لها، ان الدولة الوحيدة عبر التاريخ التي دافعت و حافظت على فلسطين الف سنة يصبح شعبها كاره لفلسطين ويصبح شعب فلسطين كاره لها و تصبح الدول العربية التي لم يدافع عنها امام غزوات التتار والصليبين والصهاينة غير مصر كارهين لمصر ولمصر فقط على وجه الخصوص!
وأغدق انصاف المتعلمين والمثقفين في مصر على إسرائيل بالهدايا، مثل القول ان العداء مع فلسطين قديم لأنهم موطن الهكسوس، بينما كافة المؤرخين لا يعرفون حتى اليوم الموطن الحقيقي للهكسوس سوى انهم من غرب آسيا!، بالإضافة الى ان الهكسوس ظهروا وابادهم المصريون قبل 300 عام من ظهور شعب فلستين على سواحل الشام فقد اتى الهكسوس ورحلوا قبل بدء تاريخ امة فلسطين!
أما نكتة القرن فهي أن اهل فلسطين قد باعوا أرضهم لليهود وبالتالي قيام دولة إسرائيل من الناحية القانونية صحيح !!، طالما اليهود حصلوا على أرض فلسطين بالبيع فكيف حينما قامت إسرائيل عام 1948 لم تكن تتضمن كامل أراضي قطاع غزة والضفة الغربية؟ وإذا كان اليهود قد اشتروا ارض فلسطين فلما الحاجة إلى انسحاب بريطانيا من الأراضي الفلسطينية المحتلة في 14 مايو 1948 حتى تعلن المستعمرات الصهيونية قيام دولة إسرائيل؟ وإذا كان اليهود قد اشتروا الأراضي الفلسطينية فلما الحاجة الى مذابح الصهاينة حيال دير ياسين وغيرها من اجل طرد اهل فلسطين.
والحاصل أنه جرت بضعة حوادث شراء أراضي ولكن لا تؤدى الى استيلاء اليهود على بضعة كيلومترات فحسب، اما حجة ان اهل فلسطين باعوا الأرض فأنها ليست حجة الاستيطان الصهيوني فحسب بل أيضا الاستعمار البريطاني حينما حاول تبرير انسحابه وتسليم الشعب الفلسطيني اعزل للميلشيات الإرهابية الصهيونية التي تعد في جرائها الإرهابية بمثابة النسخة الاولي من تنظيم داعش والقاعدة واخواتها.
تلك رحلة القومية الفلسطينية منذ فجر التاريخ لليوم، ليست لهم علاقة بالهكسوس، فهم شعب مستقل وقومية قائمة بذاتها عن باقي شعوب المنطقة والشام، كان لهم ولاية باسمهم منذ العصر الرومي لها اثار حتى اليوم عكس الممالك الإسرائيلية المزعومة التي لا أثر واحد لها في منطقة تحفل بأثار قبل وبعد الحقبة التي يزعم فيها اليهود بأنهم حكموا فيها إسرائيل.
عاشوا أكثر من ألف سنة تحت الحكم المصري دون مشاكل او ضغائن، اغتصبت العصابات الصهيونية ارضهم التي دافعوا عنها حتى اليوم الأخير قبل اعلان قيام دولة إسرائيل، من سمم العلاقات المصرية الفلسطينية والمصرية العربية على المستوي الشعبي هو حركتى فتح وحماس وأنظمة البعث السوري وجماهيرية معمر وملالي الخميني وتنظيم حمدين قطر وأتراك اردوجان، بالإضافة الى المعارضين المصريين الحفاة سواء إسلاميين او يساريين او ليبراليين ممن يعتمر سنوياً في طهران وبيروت ودمشق وطرابلس وانقرة والدوحة.
وللأسف لا أعتبر الشعوب التي صدقت هذه الأكاذيب هم جوقة من الأبرياء، فقد تحمسوا بكل سوقة وغوغاء بأن ينهشوا في سيرة مصر، فالصغير الوضيع دائماً ما يسعي للحظة التي يلوك فيها سيرة الكبير، وهذه السطور ليس الغرض منها اظهار هذه الشعوب باعتبارهم حفنة من الملائكة، ولكن لكي نعرف ان هذه الكراهية ما هو الا متغير حديث على يد أنصار القومية العربية والإسلاميين وازلامهم من اليسار والليبراليين.