الرغم من مرور 40 عاماً على فى حرب أكتوبر العظيمة المجيدة إلا أنه لازال الكثير من خفاياها غير معروف حتى الأن وما زال الكثير من جوانبها مطمور غير ظاهر أو يقف فى مناطق رمادية باهتة معتمة غير واضحة بعض الشيئ تحتاج إلى تسليط المزيد من الضوء عليها ليبرز وهجها ولمعانها مثل الجوهرة الثمينة التى تكون مطمورة فى الطين والتراب كلما جليتها وقمت بتنظيفها إزدادت بهاءاً وتلألئا ببيريق يخطف الأبصار ويخلب الألباب والقلوب ... هكذا حرب أكتوبر كلما طال على مرورها الزمن كلما ً إتضحت ضخامة الإنجاز المصرى العربى الذى تحقق ربما بشكل لم نستوعبه نحن بعد إلى الأن من ضمن المناطق الرمادية التى تأخر كثيراً أوان تسليط الضوء عليها هذه القصة المبهرة ...
قصة ملحمة جبارة من ملاحم حرب أكتوبر قام بها طيار مصرى مجهول غزا وحده قلب عاصمة العدو وأوقع الفزع والرعب فى قلوب ونفوس سكانها قبل تنفيذ الضربة الجوية الإفتتاحية الشهيرة بدقائق معدودة ...
هذا البطل المصرى الطيار أوكلت إليه مهمة سرية إنتحارية هى قيادة طائرة قاذفة إستراتيجية ثقيلة من طراز توبوليف 16 ذات المدى الواسع البعيد دون أن ترافقه طائرات الحماية الأخرى من طراز ميج 21 نظراً لأن مداها العملياتى يقصر عن الوصول لإسرائيل بعكس المدى البعيد جداً للتوبوليف 16 والذى يصل إلى 7200 كلم وبحمولة 9 أطنان من الذخيرة والقنابل وذلك للإغارة على هدف خطير حيوى خطير وثمين تمثل فى نسف المبنى الإدارى لمقر وزارة الدفاع الإسرائيلية والتى تمثل ـ مركز آلة الحرب الجهنمية الإسرائيلية الرئيسية ـ فى قلب مدينة تل أبيب ـ عاصمة العدو ـ وتدميره عن أخره حيث سيكون ذلك بمثابة طعنة نجلاء شبه قاضية فى قلب العدو الإسرائيلى مع بدء إندلاع حرب أكتوبر 1973 مما قد يشل نهائياً عملياته الحربية ويوقف تحركاته وردود أفعالة وسط المزيد من الذعر والإرتبالك والفوضى فى صفوفه ربما إلى نهاية الحرب نفسها .... لقد ظلت قصة هذه الغارة الجوية المصرية فى طى الكتمان لسنوات طويلة ولم يتطرق إلى ذكرها كلا الجانبين المصرى والإسرائيلى كأنهما إتفقا على ذلك حيث لكل طرف أسبابه الوجيهة فبالنسبة للجانب المصرى تقرر ضرب ستار من السرية والكتمان على هذه العملية بإعتبار أنها عملية فاشلة لم تؤدى الغرض المقصود منها بتدمير الهدف المعنى وإن لم ينتج عنها خسائر فى النهايه تستوجب الإعلان أو التبرير . فقد عاد الطيار المصرى سالماً إلى قاعدته حيث لم تسقط الطائرة المصرية ولم يؤسر الطيار المصرى إذن فلا داعى لذكر شيئ عنها . (وإكفى على الخبر ماجور) كما يقول المثل الشعبى المصرى ،، وبالنسبة للجانب الإسرائيلى فقد إعتبرها بمثابة فضيحة وإهانة لسمعتهم العسكرية المبالغ فيها وجرحاً خطيراً لكرامة سلاحهم الجوى الذى طالما ملأوا الدنيا طنطنة فارغة ولغطاً حول قدراته الخارقة وذراعه الطويلة فى الوصول إلى أى أراضى بعيدة فى العالم العربى وحتى جنوب أوربا نفسها وكذلك قدرته الفائقة على حماية السماء الإسرائيلية من أى ذبابة تفكر فى إختراق مجالها الجوى . فإذا به يفاجئ بطائرة مصرية بطيئة ثقيلة تخترق مجاله الجوى المراقب المحمى تماماً بكافة وسائل الإنذار المبكر ونطاقات الحماية الجوية المتعددة وتصل إلى ما فوق سواحل إسرائيل فى سماء تل أبيب نفسها بل وتتجرأ الطائرة المصرية وتحاول أن تقصف المبنى الذى يضم مكاتب الدفاع والمخابرات قلب وعقل الجهاز العسكرى الإسرائيلى كله ـ هكذا بكل بساطة !! يـــــالـــــهـــــــا مـــــن مـــــــهــــــزلــــــة ويــالــه من عار ..... والأدهى والأمر أن المهزلة إنقضت بدون ثأر ولا عقاب للجانب المصرى الذى طالت ذراعه الجوية القصيرة بغتة حتى وصلت إلى عاصمة العدو نفسه فلم يشفوا غليلهم بالنيل من الطائرة المصرية البطيئة العاجزة بإسقاطها أو حتى مجرد خدشها بخدش واحد ولم يظفروا أيضاً بالطيار المصرى نفسه ليدفع ثمن تجرأه عليهم حياً أو ميتاً فيما يعتبر هزيمة أخرى فى حد ذاتها وجرحاً جديدا لكرامتهم وسمعتهم العسكرية وسمعة طيرانهم بالأخص التى إنشرخت على يد السلاح الجو المصرى ثم تهاوت فى الحضيض تماماً ببدء نشوب حرب أكتوبر بعد هذه الحادثة بدقائق وتوجيه الضربة الجوية الساحقة لأهداف العدو فى سيناء .. لكن مع ذلك فقد كان الجانب الإسرائيلى هو من قام بإماطة اللثام عن القصة الكاملة لهذه الغارة المصرية بعد سنوات من خلال نشر القصة على لسان طيارى العدو والتى ذكرت فى كتاب خاص عن الحرب طبعته وزارة الدفاع الإسرائلية وبمناسبة مرور 23 سنة كاملة على حرب أكتوبر 1973 قررت مجلة روزاليوسف المصرية ـ عام 1996 ـ ترجمة ما نشر فى تقارير العدو الإسرائيلى تحت عنوان ( طائرة مصرية فى تل أبيب) فى عددها الصادر بالأسبوع الأول من شهر أكتوبر لسنة 1996 ،،،،، بعد سرد هذه المقدمة التى كان لابد منها أترككم الأن للإستمتاع بالشرح التفصيلى لهذه العملية البطولية الأسطورية التى ستحبس أنفاسكم من خلال التقارير الإسرائيلية نفسها .. فالحق ماشهدت به الأعداء كما تقول الأمثال العربية القديمة
. . . . . . فى كتاب الحرب الخاص بسلاح الطيران الإسرائيلى (( السماء ليست هى النهاية المكون من 672 صفحة ـ صدر عن وزارة الدفاع الإسرائلية ـ هذه القصة التى يرويها الكتاب وننشرها اليوم لأول مرة : مليئة بالإثارة لأنها تروى قصة الطائرة المصرية الوحيدة فى تاريخ الحروب الإسرائيلية / العربية التى ذهبت يوم 6 أكتوبر إلى تل أبيب نفسها . طائرة هذا النسر المصرى المجهول عادت سالمة لم تصاب بشظية واحدة بعد أن قصفت تل أبيب ، لكن هذا الصاروخ العملاق الذى أطلقته إندفع مسرعاً ليسطر صفحة جديدة التاريخ العسكرى إلى تل أبيب ، كانت لها قصة هامة وهو فى طريق رحلته للهدف ، قصة إستغرقت فى الطبيعة دقائق قليلة جداً لكنها مرت على سكان تل أبيب كالدهر ، إقتربت عقارب الساعة فى مركز المراقبة الأرضية ـ المركز الرئيسى لسلاح الطيران المركزى بإسرائيل فى الثانية إلا خمسة دقائق بعد ظهر يوم 6 أكتوبر 1973 العاشر من رمضان ،، وكانت كافة الأبراج الأمامية على الجبهة فى المواقع الإسرائيلية تخطر المحطة الأم برسالة غريبة جداً عبارة عن بعض كلمات لم يستوعبها فى البداية أحد ، ممن كانوا فى المركز الرئيسى للمراقبة : جاء فيها طبقاً لكتاب الحرب (هالو رافيديم : هالو رافديم .. أجب بسرعة .. طائرة مصرية واحدة تمرق أمام سواحل العريش فى طريقها إلى تل أبيب .. نكرر إلى تل أبيب .. نكرر إلى تل أبيب) هذه الرسالة اللاسلكية للمحطة المركزية أخذت تتكرر لمدة خمس دقائق كاملة مما جعل معظم الطيارين الإسرائليين الذين كانوا على نفس موجة الإرسال بطائراتهم يطلبون وقف بث تلك المعلومة لأنهم ركزوا تفكيرهم معها ،، ومع الهدف المنطلقة ناحيته مما يعرضهم للخطر فى هذه اللحظة صمت الجميع فى داخل غرفة المراقبة المركزية وتمتم قائد المراقبة بكلمات غير مفهومة واخذ ينظر حوله كأنه يبحث عن شيئ ضائع منه للتو وفجأة بدأ يصرخ ويسأل : أين ميخائيل ...؟ أجيبونى بسرعة بالله عليكم أين ميخائيل .؟ وأخبروه من بالغرفة أنه ميخائيل ذلك الطيار الإسرائيلى المدون عنه فى كتاب الحرب أنه كالأسورة فى الطيران ، وأنه الوحيد الحاصل على ميدالية الشرف الأولى فى الطيران الإسرائيلى بسبب عدد الطائرات العربية التى قصفها على الأرضى فى يونيو 1967 موجود فوق القناة أو بالأصح أنه عائد لتوه من رحلة تصوير للقناة والوضع بها ، وسأل القائد الغرفة المركزية هل هو جاهز للإقلاع ..؟ فكانت الإجابة : نعم جاهز . تمتم ثانية الرجل وهو يقول : لن يمنع هذه الكارثة سوى ميخائيل . فى مركز مراقبة تل أبيب بدأ الصراخ والعويل يعلو فى اللاسلكى فى نداء يائس للمركز الرئيسى بسبب أول ظهور للطائرة المصرية من نوع ( توبوليف 16) الثقيلة على شاشة رادر تل أبيب وسمع فى اللاسلكى نداء يقول : ((ستتعرض المدينة للهجوم خلال دقائق)) .. كان طيار التوبوليف ثقيلة الوزن قديمة الطراز يندفع نحو حرب خاصة جداً . قرر أن يخوضها وحده أمام سلاح الطيران الإسرائيلى كله والذى حتماً سيدفع له أفضل طياريه للدفاع عن عاصمة إسرائيل الحقيقية أثناء الحرب طلب مركز المراقبة بتل أبيب من أفضل طيار بالمنطقة المركزية بداخل إسرائيل وإسمه (إيتان) أن ينضم بطائرته الميراج الجديدة مع (فرميه ميخائيل) الذى يقود هو الأخر ميراج مماثلة ..
كانت الميراج فى الحرب هى طائرة إسرائيل الأولى .. وإلتحم ميخائيل وإيتان فى إتجاه شاطئ تل أبيب . وبعد ثوان معدودة مرت طويلة جداً على الإثنان كما شهدا فيما بعد لأنهما كانا فى شوق بالغ ملتهب للقاء هذا النسر المصرى صاحب القرار العجيب بالهجوم على تل أبيب ... يقول إيتان : (( كنت أنا وميخائيل نعلم أننا خلال ثوان سنلتحم فى معركة جوية مع هذا الطيار لكننا كنا نشعر قبل أن نراه بإحترام الشديد له كطيار جاء لينفذ مهمة كهذه))
مرت ثانيتان وظهر النسر المصرى أمامهما يقول إيتان : إتجهت بطائرتى الميراج بسرعة كبيرة جداً ناحية الطائرة المصرية لكننى رأيتها وكأنها تسقط بسرعة كبيرة جداً ناحية البحر ، ثم أدركت بعدها أنه لا يسقط بل أن هذا الطيار كان يقوم بحركة مناورة صعبة جداً أدهشتنا أنا وميخائيل نظراً للمستوى الفنى لهذا الطيار ويكمل ميخائيل قائلاً : (( لقد جعلتنى هذه المناورة أسرح لثانية فى مقارنة فنية بين هذا الطيار المصرى وأفضل الطيارين الغربيين الموجودين فى هذا الوقت)) يقول إيتان فى شهادته المسجلة فى صفحة 451 : (( لقد شاهدته يعد نفسه لإطلاق صاروخ (( جو/ أرض )) فى إتجاه كورنيش تل ابيب وأدركت المصيبة ، ذلك أنه لو قذف أحد بطوبة فقط من الجو على منطقة الكورنيش لأصابت حتماً شخصاً ، أو ربما أكثر فكيف يكون الحال لو قصفت هذه الطائرة صاروخاً على تل أبيب ..؟ )) يقول ميخائيل : (( لقد رأيت أن الصاروخ المعد للإطلاق هو (( كيليت)) : لأنه بمثابة بعبع المدن وحروبها لأن وزنه يبلغ طناً ونصف الطن متفجرات ، وهو مجهز للإنطلاق بواسطة جهاز رادارى متطور يجعله لا يخطئ الهدف المتجه إليه )) ويكمل إيتان قائلاً : (( هذا الصاروخ لا يختلف كثيراً عن كونه طائرة ميج 15 كاملة ، لكنه على شكل صاروخ بعد التطوير )) ويقول إيتان : (( لقد نقلت شكل الصاروخ كما هو إلى القاعدة المركزية وكان القرار هو أن ينطلق ميخائيل وراء الطيار المصرى بينما أنطلق أنا وراء صاروخ الطائرة)) ويكمل : (( كان الصاروخ يتبختر فى الجو فى طريقه للهدف فى كبرياء غريب أدهشنى ، ومع إننى إعتقدت أن مهمة إسقاط الصاروخ سهلة إلى حد ما لأنه كان على فقط أن أطلق على هذا العملاق المنطلق إلى تل أبيب صاروخ (الشفرير) إسرائلى الصنع الشهير عالمياً وقتها لكن الصاروخ اللعين ـ الشفرير ـ بعد إنطلاقه من باطن الميراج بثانية واحدة إنطفأت محركاته وإنطفأ جهاز توجيهه وسقط سريعاً ناحية البحر أمام الشاطئ . ويكمل إيتان لاهثاً بقوله : (( أصبحت مسألة الوقت حرجة جداً ، فما هى سوى ثوانى أخرى حتى يصل الصاروخ المصرى إلى الشاطئ وإلى العمارات العالية التى وقف بينها مبنى (( برج كل بوشالوم )) الذى يضم مكاتب المخابرات والدفاع والداخلية ،، وقلت لنفسى هو ثوانى وتشتعل منطقة الكورنيش باللهب ـ منطقة كورنيش تل أبيب ... فى مساحتها التى لا تتجاوز كلها بالعرض مساحة شاطئ سيدى بشر 1 + 2 فى مدينة الإسكندرية ـ ويسقط العشرات قتلى )) إقترب إيتان من الصاروخ أكثر وكأنه يصاحبه للهدف وتعجب إيتان ـ طبقاً لشهادته ـ من الكيفية التى طور بها المصريون طائرة ( ميج 15) فحولوها إلى صاروخ محمول بهذا الحجم وفى هذا الوقت قرر إيتان التعامل مع الصاروخ بطلقات النيران العادية للطائرة وهو يقول عن ذلك : (( فتحت نيران الطائرة بكثافة كالمجنون على بعد 300 متر فقط . وكنت أعلن أنه فى حالة إصابة الصاروخ سينفجر مسبباً دوياً هائلاً . كما سيسبب حلقة من الشظايا بالتأكيد ستصيب الطائرة الميراج التى أركبها )) ... وفعلاً إنفجر الصاروخ كما قدر إيتان ،، بشكل هز شوارع كورنيش تل أبيب ، وشعر به بقية سكان المدينة الذبن هرعوا للشوارع فى ذعر شديد وأصيبت طائرة إيتان الميراج فى جانبها الأيمن وكاد الطيار الإسرائيلى أن يفقد وعيه لأن قوة الإنفجار أحدثت خلخلة هواء جعلت الميراج تهتز بشدة مما أدى لإصطدام رأس إيتان فى زجاج كابينة قيادة الطائرة بقوة ... بعد أن غمر العرق وجه العرق وجه إيتان وهو يشاهد بقايا الصاروخ العجيب تسقط مباشرة أمام وعلى رمال الشاطئ ،، صمت لفترة ولم يجيب على المركز الأرضى باللاسلكى ،،، وبعد دقيقة بدأ يتحدث قائلاً : (( تم تدمير الهدف لكنه دمر أعصابى )) وفى نفس اللحظة كان الموجودين بكل مراكز التحكم الألارضى الجوى بإسرائيل يردون على إيتان بقولهم وأعصابنا نحن أيضاً )) .. وقيل فى كتاب الحرب الإسرائيلى أن هذا الصاروخ لو قدر له وأصاب الهدف لكان قد أنهى الحرب مبكراً جداً فى أول يوم بسبب الخسائر الفادحة والتى كانت ستحدث بعد الإنفجار فى قلب إسرائيل . ناهيك عتن الحالة النفسية السيئة جداً ، والتى كان من شأنها القضاء على معنويات جنود وضباط جيش الدفاع فوراً .. لكننا نعود إلى قصة الطيار المصرى مع ميخائيل الذى إنطلق خلفه .. يقول ميخائيل : (( لأول مرة فى معركة جوية أدخل بها لا أستطيع أن أسقط حتى ذبابة ولم أفهم كيف لم أستطيع أن ألحق به وهو يقود طائرة ثقيلة جداً )) الكتاب يقول : (( لقد إلتف الطيار المصرى بعد أن أطلق الصاروخ على تل أبيب بسرعة البرق فى إتجاه الحدود المصرية وفى دقائق كان قد ترك حدود إسرائيل وجيشها عائداً إلى مصر . لكنه جعل إسرائيل تعيش أكثر لحظات تاريخها رعباً بسبب التفكير فى حجم الضحايا والخسائر المادية والمعنوية التى كان سيحدثها صاروخه العجيب )) .. إنتهت القصة ولازال ميخائيل وإيتان يتذكران تلك اللحظات وكأنها تحدث الأن ...... إنتهت الرواية وفقاً لما نشرته مجلة روزاليوسف المصرية فى أول أكتوبر 1996 لكن بعد أن هدأت الأحداث وإنتهت الحرب إسترد الطيار الإسرائيلى (إيتان كارمى) شجاعته المفقودة وأدلى بحديث مختصر لجريدة يديعوت احرونوت الإسرائيلية حيث قال )) أنه إعتقد فى البداية أن ما شاهده كان عبارة عن طائرة حربية مصرية ولكنه عندما إقترب منها فوق سطح البحر أدرك أنه لايوجد طيار . وأن الحديث يجرى عن صاروخ موجه تم إطلاقه من طائرة قاذفة مصرية من طراز توبوليف 16 بإتجاه مدينة تل أبيب . فإقترب الطيار الإسراسلى من الصاروخ وحافظ على مسافة 200 متر ثم بدأ بإطلاق النار عليه حتى سقطت أجزاؤه فى البحر)) هكذا دون أدنى ذكر لحالة الرعب والإنهيار التى عاشتها القيادة الإسرائيلية كلها وكأنها كانت حادثة عادية لاتستحق الذكر !! والكاتب البريطانى المؤرخ الشهير إدجار أوبلانس المتخصص فى حروب الشرق الأوسط يشير إلى هذه الحادثة فى كتابه ــ حرب أكتوبر العبور .. والثغرة ــ طبعة عام 1987 حيث ذكرها فى صفحة 371 أن الشعب الإسرائيلى لم يعلم شيئ عن (صاروخ الكيلت الذى أطلقه المصريون) بينما لم يفسر هو أكثر ماهية الصاروخ الذى أطلق على إسرائيل ...!!! هذه هى قصة عملية قصف تل أبيب بصاروخ الكيليت المصرى خلال حرب أكتوبر عام 1973
التعليق : ــ بعد أن قرأنا القصة بالكامل يجدر بنا التوقف قليلاً لإلتقاط الأنفاس اللاهثة وإستخلاص بعض النتائج : ــ
ــ يجب على الجانب المصرى بعد كل هذه السنوات أن ينشر تقرير الطيار المصرى البطل عن نتيجة هذه العملية لكى نقف على حقيقة العوامل التى أدت لعدم نجاح مهمته الخطرة أو إستضافة البطل نفسه فى أحد البرامج التليفزيونية لنسمع منه أسرار القصة بلسانه هوشخصياً إذا كان لازال حياً متعه الله بالصحة والعافية أو نشر قصته إن كان قد إنتقل إلى الرفيق الأعلى
ــ واضح أن العملية كانت سرية وإنتحارية معاً وتعتمد على السرعة الخاطفة وإلا لكانت القيادة الجوية المصرية أرسلت سرباً كاملاً من التوبوليف 16 لتوسيع رقعة الدمار فى ساحة العدو الإسرائيلى لكن على ما يبدو أنه القيادة لم تكن تأمل فى عودة الطيار المصرى حياً لذا لم ترسل معه قاذفات أخرى خوفاً من زيادة معدل الخسائر فى صفوف طياريها وطائراتها وحت لاتهدى إسرائيل نصراً رخيصاً
ــ التأثير المعنوى والنفسى على إسرائيل ككل كان فظيعاً جدا من غارة طائرة مصرية واحدة فقط أثارت ذعراً رهيباً وإضطراباً بالغاً فى صفوفهم لدرجة أنهم تكلموا عن إنهاء الحرب مبكراً جداً فى حالة نجاح مهمتها !!
ـــ صاروخ الشفرير الإسرائيلى جو / جو الذى إستخدم فى إعتراض صاروخ الكيليت المصرى لم يكن فعالاً طوال حرب أكتوبر أو ربما لم يستعمل قط بعد هذه الحادثة
ــ مفهوم البطولة عند الإسرائيليين يثير الضحك والسخرية إذ أعتبروا الطيار / ميخائيل فرميه . بطلاً أسطورياً بما يناسب الشخصية اليهودية الغادرة الجبانة لمجرد أنه نجح فى تدمير عدد كبير من الطائرات العربية وهى جاثمة على الأرض فى يونيو 1967 .. أى بطولة وشجاعة فى ضرب طائرات عاجزة على الأرض بلا مقاومة ..؟؟ البطولة الحقيقية تقاس بالهجوم الجسور والنجاح فى المبارزات الجوية فى السماء بين طيارين نداً لبعضهم البعض أو طائرات متكافئة أو الهجوم على أهداف أرضية شرسة فى مقاومتها .. هنا فقط تتجلى البطولة والشجاعة الحقيقيتين فى هذا المضمار على هذا المعيار وحده
ــ لايفوتنا الإشادة ببديهة وببراعة وسرعة رد فعل الطيار الإسرائيلى الأخر إيتان كارمى الذى تصرف من واقع إحساسه العالى بالمسئولية وأنه لا بد أن ينقذ إسرائيل بأى شكل من الضربة القادمة حيث لم يقف مكتوف الأيدى أمام الصاروخ المصرى ذى المدى 150 كلم بوزن طن ونصف الطن حينما فشل فى إصابته بصاروخ طائرته الشفرير فلجأ إلى الإقتراب الخطر لمسافة 300 أو 200 متر من الصاروخ المنطلق فى الجو والتعامل معه بطلقات مدفعه الرشاش دون أن يبالى بالنتيجة وفى ذلك شجاعة تحسب له لإنقاذ دولته فى لحظات حرجة .
ــ وأخيراً .. كنا نتمنى لو وفق الطيار المصرى فى مهمته نظراً لما كان سينعكس ذلك التوفيق المرجو فى تغيير نتيجة الحرب منذ بدايتها بسرعة حسمها أو سريانها فى مسارات أخرى غير ما صارت عليه بما قد يزيد من مساحة النصر المصرى العظيم
المصادر : ــ
1 ــ مجلة روزاليوسف عدد أول أكتوبر 1996 ( نقلاً عن كتاب الحرب الإسرائيلي) 2ــ إشارة فى كتاب إدجار أوبلانس المترجم تحت عنوان حرب أكتوبر العبور والثغرة 1987 ـ نهاية صفحة 371 3 ــ موقع جلوبال سكيورتى تحت عنوان العمليات الجوية خلال حرب أكتوبر 1973 4 ــ موقع بحث جوجول نحت عنوان (وثائق إسرائيلية سرية تكشف عمق إسرائيل كان مكشوفاً كان فى مرمى صواريخ المصريين فى الحرب ) ومذكور فيه حديث إيتان إلى جريدة يديعوت أحرونوت وأوردته جريدة المصرى اليوم
قصة ملحمة جبارة من ملاحم حرب أكتوبر قام بها طيار مصرى مجهول غزا وحده قلب عاصمة العدو وأوقع الفزع والرعب فى قلوب ونفوس سكانها قبل تنفيذ الضربة الجوية الإفتتاحية الشهيرة بدقائق معدودة ...
هذا البطل المصرى الطيار أوكلت إليه مهمة سرية إنتحارية هى قيادة طائرة قاذفة إستراتيجية ثقيلة من طراز توبوليف 16 ذات المدى الواسع البعيد دون أن ترافقه طائرات الحماية الأخرى من طراز ميج 21 نظراً لأن مداها العملياتى يقصر عن الوصول لإسرائيل بعكس المدى البعيد جداً للتوبوليف 16 والذى يصل إلى 7200 كلم وبحمولة 9 أطنان من الذخيرة والقنابل وذلك للإغارة على هدف خطير حيوى خطير وثمين تمثل فى نسف المبنى الإدارى لمقر وزارة الدفاع الإسرائيلية والتى تمثل ـ مركز آلة الحرب الجهنمية الإسرائيلية الرئيسية ـ فى قلب مدينة تل أبيب ـ عاصمة العدو ـ وتدميره عن أخره حيث سيكون ذلك بمثابة طعنة نجلاء شبه قاضية فى قلب العدو الإسرائيلى مع بدء إندلاع حرب أكتوبر 1973 مما قد يشل نهائياً عملياته الحربية ويوقف تحركاته وردود أفعالة وسط المزيد من الذعر والإرتبالك والفوضى فى صفوفه ربما إلى نهاية الحرب نفسها .... لقد ظلت قصة هذه الغارة الجوية المصرية فى طى الكتمان لسنوات طويلة ولم يتطرق إلى ذكرها كلا الجانبين المصرى والإسرائيلى كأنهما إتفقا على ذلك حيث لكل طرف أسبابه الوجيهة فبالنسبة للجانب المصرى تقرر ضرب ستار من السرية والكتمان على هذه العملية بإعتبار أنها عملية فاشلة لم تؤدى الغرض المقصود منها بتدمير الهدف المعنى وإن لم ينتج عنها خسائر فى النهايه تستوجب الإعلان أو التبرير . فقد عاد الطيار المصرى سالماً إلى قاعدته حيث لم تسقط الطائرة المصرية ولم يؤسر الطيار المصرى إذن فلا داعى لذكر شيئ عنها . (وإكفى على الخبر ماجور) كما يقول المثل الشعبى المصرى ،، وبالنسبة للجانب الإسرائيلى فقد إعتبرها بمثابة فضيحة وإهانة لسمعتهم العسكرية المبالغ فيها وجرحاً خطيراً لكرامة سلاحهم الجوى الذى طالما ملأوا الدنيا طنطنة فارغة ولغطاً حول قدراته الخارقة وذراعه الطويلة فى الوصول إلى أى أراضى بعيدة فى العالم العربى وحتى جنوب أوربا نفسها وكذلك قدرته الفائقة على حماية السماء الإسرائيلية من أى ذبابة تفكر فى إختراق مجالها الجوى . فإذا به يفاجئ بطائرة مصرية بطيئة ثقيلة تخترق مجاله الجوى المراقب المحمى تماماً بكافة وسائل الإنذار المبكر ونطاقات الحماية الجوية المتعددة وتصل إلى ما فوق سواحل إسرائيل فى سماء تل أبيب نفسها بل وتتجرأ الطائرة المصرية وتحاول أن تقصف المبنى الذى يضم مكاتب الدفاع والمخابرات قلب وعقل الجهاز العسكرى الإسرائيلى كله ـ هكذا بكل بساطة !! يـــــالـــــهـــــــا مـــــن مـــــــهــــــزلــــــة ويــالــه من عار ..... والأدهى والأمر أن المهزلة إنقضت بدون ثأر ولا عقاب للجانب المصرى الذى طالت ذراعه الجوية القصيرة بغتة حتى وصلت إلى عاصمة العدو نفسه فلم يشفوا غليلهم بالنيل من الطائرة المصرية البطيئة العاجزة بإسقاطها أو حتى مجرد خدشها بخدش واحد ولم يظفروا أيضاً بالطيار المصرى نفسه ليدفع ثمن تجرأه عليهم حياً أو ميتاً فيما يعتبر هزيمة أخرى فى حد ذاتها وجرحاً جديدا لكرامتهم وسمعتهم العسكرية وسمعة طيرانهم بالأخص التى إنشرخت على يد السلاح الجو المصرى ثم تهاوت فى الحضيض تماماً ببدء نشوب حرب أكتوبر بعد هذه الحادثة بدقائق وتوجيه الضربة الجوية الساحقة لأهداف العدو فى سيناء .. لكن مع ذلك فقد كان الجانب الإسرائيلى هو من قام بإماطة اللثام عن القصة الكاملة لهذه الغارة المصرية بعد سنوات من خلال نشر القصة على لسان طيارى العدو والتى ذكرت فى كتاب خاص عن الحرب طبعته وزارة الدفاع الإسرائلية وبمناسبة مرور 23 سنة كاملة على حرب أكتوبر 1973 قررت مجلة روزاليوسف المصرية ـ عام 1996 ـ ترجمة ما نشر فى تقارير العدو الإسرائيلى تحت عنوان ( طائرة مصرية فى تل أبيب) فى عددها الصادر بالأسبوع الأول من شهر أكتوبر لسنة 1996 ،،،،، بعد سرد هذه المقدمة التى كان لابد منها أترككم الأن للإستمتاع بالشرح التفصيلى لهذه العملية البطولية الأسطورية التى ستحبس أنفاسكم من خلال التقارير الإسرائيلية نفسها .. فالحق ماشهدت به الأعداء كما تقول الأمثال العربية القديمة
. . . . . . فى كتاب الحرب الخاص بسلاح الطيران الإسرائيلى (( السماء ليست هى النهاية المكون من 672 صفحة ـ صدر عن وزارة الدفاع الإسرائلية ـ هذه القصة التى يرويها الكتاب وننشرها اليوم لأول مرة : مليئة بالإثارة لأنها تروى قصة الطائرة المصرية الوحيدة فى تاريخ الحروب الإسرائيلية / العربية التى ذهبت يوم 6 أكتوبر إلى تل أبيب نفسها . طائرة هذا النسر المصرى المجهول عادت سالمة لم تصاب بشظية واحدة بعد أن قصفت تل أبيب ، لكن هذا الصاروخ العملاق الذى أطلقته إندفع مسرعاً ليسطر صفحة جديدة التاريخ العسكرى إلى تل أبيب ، كانت لها قصة هامة وهو فى طريق رحلته للهدف ، قصة إستغرقت فى الطبيعة دقائق قليلة جداً لكنها مرت على سكان تل أبيب كالدهر ، إقتربت عقارب الساعة فى مركز المراقبة الأرضية ـ المركز الرئيسى لسلاح الطيران المركزى بإسرائيل فى الثانية إلا خمسة دقائق بعد ظهر يوم 6 أكتوبر 1973 العاشر من رمضان ،، وكانت كافة الأبراج الأمامية على الجبهة فى المواقع الإسرائيلية تخطر المحطة الأم برسالة غريبة جداً عبارة عن بعض كلمات لم يستوعبها فى البداية أحد ، ممن كانوا فى المركز الرئيسى للمراقبة : جاء فيها طبقاً لكتاب الحرب (هالو رافيديم : هالو رافديم .. أجب بسرعة .. طائرة مصرية واحدة تمرق أمام سواحل العريش فى طريقها إلى تل أبيب .. نكرر إلى تل أبيب .. نكرر إلى تل أبيب) هذه الرسالة اللاسلكية للمحطة المركزية أخذت تتكرر لمدة خمس دقائق كاملة مما جعل معظم الطيارين الإسرائليين الذين كانوا على نفس موجة الإرسال بطائراتهم يطلبون وقف بث تلك المعلومة لأنهم ركزوا تفكيرهم معها ،، ومع الهدف المنطلقة ناحيته مما يعرضهم للخطر فى هذه اللحظة صمت الجميع فى داخل غرفة المراقبة المركزية وتمتم قائد المراقبة بكلمات غير مفهومة واخذ ينظر حوله كأنه يبحث عن شيئ ضائع منه للتو وفجأة بدأ يصرخ ويسأل : أين ميخائيل ...؟ أجيبونى بسرعة بالله عليكم أين ميخائيل .؟ وأخبروه من بالغرفة أنه ميخائيل ذلك الطيار الإسرائيلى المدون عنه فى كتاب الحرب أنه كالأسورة فى الطيران ، وأنه الوحيد الحاصل على ميدالية الشرف الأولى فى الطيران الإسرائيلى بسبب عدد الطائرات العربية التى قصفها على الأرضى فى يونيو 1967 موجود فوق القناة أو بالأصح أنه عائد لتوه من رحلة تصوير للقناة والوضع بها ، وسأل القائد الغرفة المركزية هل هو جاهز للإقلاع ..؟ فكانت الإجابة : نعم جاهز . تمتم ثانية الرجل وهو يقول : لن يمنع هذه الكارثة سوى ميخائيل . فى مركز مراقبة تل أبيب بدأ الصراخ والعويل يعلو فى اللاسلكى فى نداء يائس للمركز الرئيسى بسبب أول ظهور للطائرة المصرية من نوع ( توبوليف 16) الثقيلة على شاشة رادر تل أبيب وسمع فى اللاسلكى نداء يقول : ((ستتعرض المدينة للهجوم خلال دقائق)) .. كان طيار التوبوليف ثقيلة الوزن قديمة الطراز يندفع نحو حرب خاصة جداً . قرر أن يخوضها وحده أمام سلاح الطيران الإسرائيلى كله والذى حتماً سيدفع له أفضل طياريه للدفاع عن عاصمة إسرائيل الحقيقية أثناء الحرب طلب مركز المراقبة بتل أبيب من أفضل طيار بالمنطقة المركزية بداخل إسرائيل وإسمه (إيتان) أن ينضم بطائرته الميراج الجديدة مع (فرميه ميخائيل) الذى يقود هو الأخر ميراج مماثلة ..
كانت الميراج فى الحرب هى طائرة إسرائيل الأولى .. وإلتحم ميخائيل وإيتان فى إتجاه شاطئ تل أبيب . وبعد ثوان معدودة مرت طويلة جداً على الإثنان كما شهدا فيما بعد لأنهما كانا فى شوق بالغ ملتهب للقاء هذا النسر المصرى صاحب القرار العجيب بالهجوم على تل أبيب ... يقول إيتان : (( كنت أنا وميخائيل نعلم أننا خلال ثوان سنلتحم فى معركة جوية مع هذا الطيار لكننا كنا نشعر قبل أن نراه بإحترام الشديد له كطيار جاء لينفذ مهمة كهذه))
مرت ثانيتان وظهر النسر المصرى أمامهما يقول إيتان : إتجهت بطائرتى الميراج بسرعة كبيرة جداً ناحية الطائرة المصرية لكننى رأيتها وكأنها تسقط بسرعة كبيرة جداً ناحية البحر ، ثم أدركت بعدها أنه لا يسقط بل أن هذا الطيار كان يقوم بحركة مناورة صعبة جداً أدهشتنا أنا وميخائيل نظراً للمستوى الفنى لهذا الطيار ويكمل ميخائيل قائلاً : (( لقد جعلتنى هذه المناورة أسرح لثانية فى مقارنة فنية بين هذا الطيار المصرى وأفضل الطيارين الغربيين الموجودين فى هذا الوقت)) يقول إيتان فى شهادته المسجلة فى صفحة 451 : (( لقد شاهدته يعد نفسه لإطلاق صاروخ (( جو/ أرض )) فى إتجاه كورنيش تل ابيب وأدركت المصيبة ، ذلك أنه لو قذف أحد بطوبة فقط من الجو على منطقة الكورنيش لأصابت حتماً شخصاً ، أو ربما أكثر فكيف يكون الحال لو قصفت هذه الطائرة صاروخاً على تل أبيب ..؟ )) يقول ميخائيل : (( لقد رأيت أن الصاروخ المعد للإطلاق هو (( كيليت)) : لأنه بمثابة بعبع المدن وحروبها لأن وزنه يبلغ طناً ونصف الطن متفجرات ، وهو مجهز للإنطلاق بواسطة جهاز رادارى متطور يجعله لا يخطئ الهدف المتجه إليه )) ويكمل إيتان قائلاً : (( هذا الصاروخ لا يختلف كثيراً عن كونه طائرة ميج 15 كاملة ، لكنه على شكل صاروخ بعد التطوير )) ويقول إيتان : (( لقد نقلت شكل الصاروخ كما هو إلى القاعدة المركزية وكان القرار هو أن ينطلق ميخائيل وراء الطيار المصرى بينما أنطلق أنا وراء صاروخ الطائرة)) ويكمل : (( كان الصاروخ يتبختر فى الجو فى طريقه للهدف فى كبرياء غريب أدهشنى ، ومع إننى إعتقدت أن مهمة إسقاط الصاروخ سهلة إلى حد ما لأنه كان على فقط أن أطلق على هذا العملاق المنطلق إلى تل أبيب صاروخ (الشفرير) إسرائلى الصنع الشهير عالمياً وقتها لكن الصاروخ اللعين ـ الشفرير ـ بعد إنطلاقه من باطن الميراج بثانية واحدة إنطفأت محركاته وإنطفأ جهاز توجيهه وسقط سريعاً ناحية البحر أمام الشاطئ . ويكمل إيتان لاهثاً بقوله : (( أصبحت مسألة الوقت حرجة جداً ، فما هى سوى ثوانى أخرى حتى يصل الصاروخ المصرى إلى الشاطئ وإلى العمارات العالية التى وقف بينها مبنى (( برج كل بوشالوم )) الذى يضم مكاتب المخابرات والدفاع والداخلية ،، وقلت لنفسى هو ثوانى وتشتعل منطقة الكورنيش باللهب ـ منطقة كورنيش تل أبيب ... فى مساحتها التى لا تتجاوز كلها بالعرض مساحة شاطئ سيدى بشر 1 + 2 فى مدينة الإسكندرية ـ ويسقط العشرات قتلى )) إقترب إيتان من الصاروخ أكثر وكأنه يصاحبه للهدف وتعجب إيتان ـ طبقاً لشهادته ـ من الكيفية التى طور بها المصريون طائرة ( ميج 15) فحولوها إلى صاروخ محمول بهذا الحجم وفى هذا الوقت قرر إيتان التعامل مع الصاروخ بطلقات النيران العادية للطائرة وهو يقول عن ذلك : (( فتحت نيران الطائرة بكثافة كالمجنون على بعد 300 متر فقط . وكنت أعلن أنه فى حالة إصابة الصاروخ سينفجر مسبباً دوياً هائلاً . كما سيسبب حلقة من الشظايا بالتأكيد ستصيب الطائرة الميراج التى أركبها )) ... وفعلاً إنفجر الصاروخ كما قدر إيتان ،، بشكل هز شوارع كورنيش تل أبيب ، وشعر به بقية سكان المدينة الذبن هرعوا للشوارع فى ذعر شديد وأصيبت طائرة إيتان الميراج فى جانبها الأيمن وكاد الطيار الإسرائيلى أن يفقد وعيه لأن قوة الإنفجار أحدثت خلخلة هواء جعلت الميراج تهتز بشدة مما أدى لإصطدام رأس إيتان فى زجاج كابينة قيادة الطائرة بقوة ... بعد أن غمر العرق وجه العرق وجه إيتان وهو يشاهد بقايا الصاروخ العجيب تسقط مباشرة أمام وعلى رمال الشاطئ ،، صمت لفترة ولم يجيب على المركز الأرضى باللاسلكى ،،، وبعد دقيقة بدأ يتحدث قائلاً : (( تم تدمير الهدف لكنه دمر أعصابى )) وفى نفس اللحظة كان الموجودين بكل مراكز التحكم الألارضى الجوى بإسرائيل يردون على إيتان بقولهم وأعصابنا نحن أيضاً )) .. وقيل فى كتاب الحرب الإسرائيلى أن هذا الصاروخ لو قدر له وأصاب الهدف لكان قد أنهى الحرب مبكراً جداً فى أول يوم بسبب الخسائر الفادحة والتى كانت ستحدث بعد الإنفجار فى قلب إسرائيل . ناهيك عتن الحالة النفسية السيئة جداً ، والتى كان من شأنها القضاء على معنويات جنود وضباط جيش الدفاع فوراً .. لكننا نعود إلى قصة الطيار المصرى مع ميخائيل الذى إنطلق خلفه .. يقول ميخائيل : (( لأول مرة فى معركة جوية أدخل بها لا أستطيع أن أسقط حتى ذبابة ولم أفهم كيف لم أستطيع أن ألحق به وهو يقود طائرة ثقيلة جداً )) الكتاب يقول : (( لقد إلتف الطيار المصرى بعد أن أطلق الصاروخ على تل أبيب بسرعة البرق فى إتجاه الحدود المصرية وفى دقائق كان قد ترك حدود إسرائيل وجيشها عائداً إلى مصر . لكنه جعل إسرائيل تعيش أكثر لحظات تاريخها رعباً بسبب التفكير فى حجم الضحايا والخسائر المادية والمعنوية التى كان سيحدثها صاروخه العجيب )) .. إنتهت القصة ولازال ميخائيل وإيتان يتذكران تلك اللحظات وكأنها تحدث الأن ...... إنتهت الرواية وفقاً لما نشرته مجلة روزاليوسف المصرية فى أول أكتوبر 1996 لكن بعد أن هدأت الأحداث وإنتهت الحرب إسترد الطيار الإسرائيلى (إيتان كارمى) شجاعته المفقودة وأدلى بحديث مختصر لجريدة يديعوت احرونوت الإسرائيلية حيث قال )) أنه إعتقد فى البداية أن ما شاهده كان عبارة عن طائرة حربية مصرية ولكنه عندما إقترب منها فوق سطح البحر أدرك أنه لايوجد طيار . وأن الحديث يجرى عن صاروخ موجه تم إطلاقه من طائرة قاذفة مصرية من طراز توبوليف 16 بإتجاه مدينة تل أبيب . فإقترب الطيار الإسراسلى من الصاروخ وحافظ على مسافة 200 متر ثم بدأ بإطلاق النار عليه حتى سقطت أجزاؤه فى البحر)) هكذا دون أدنى ذكر لحالة الرعب والإنهيار التى عاشتها القيادة الإسرائيلية كلها وكأنها كانت حادثة عادية لاتستحق الذكر !! والكاتب البريطانى المؤرخ الشهير إدجار أوبلانس المتخصص فى حروب الشرق الأوسط يشير إلى هذه الحادثة فى كتابه ــ حرب أكتوبر العبور .. والثغرة ــ طبعة عام 1987 حيث ذكرها فى صفحة 371 أن الشعب الإسرائيلى لم يعلم شيئ عن (صاروخ الكيلت الذى أطلقه المصريون) بينما لم يفسر هو أكثر ماهية الصاروخ الذى أطلق على إسرائيل ...!!! هذه هى قصة عملية قصف تل أبيب بصاروخ الكيليت المصرى خلال حرب أكتوبر عام 1973
التعليق : ــ بعد أن قرأنا القصة بالكامل يجدر بنا التوقف قليلاً لإلتقاط الأنفاس اللاهثة وإستخلاص بعض النتائج : ــ
ــ يجب على الجانب المصرى بعد كل هذه السنوات أن ينشر تقرير الطيار المصرى البطل عن نتيجة هذه العملية لكى نقف على حقيقة العوامل التى أدت لعدم نجاح مهمته الخطرة أو إستضافة البطل نفسه فى أحد البرامج التليفزيونية لنسمع منه أسرار القصة بلسانه هوشخصياً إذا كان لازال حياً متعه الله بالصحة والعافية أو نشر قصته إن كان قد إنتقل إلى الرفيق الأعلى
ــ واضح أن العملية كانت سرية وإنتحارية معاً وتعتمد على السرعة الخاطفة وإلا لكانت القيادة الجوية المصرية أرسلت سرباً كاملاً من التوبوليف 16 لتوسيع رقعة الدمار فى ساحة العدو الإسرائيلى لكن على ما يبدو أنه القيادة لم تكن تأمل فى عودة الطيار المصرى حياً لذا لم ترسل معه قاذفات أخرى خوفاً من زيادة معدل الخسائر فى صفوف طياريها وطائراتها وحت لاتهدى إسرائيل نصراً رخيصاً
ــ التأثير المعنوى والنفسى على إسرائيل ككل كان فظيعاً جدا من غارة طائرة مصرية واحدة فقط أثارت ذعراً رهيباً وإضطراباً بالغاً فى صفوفهم لدرجة أنهم تكلموا عن إنهاء الحرب مبكراً جداً فى حالة نجاح مهمتها !!
ـــ صاروخ الشفرير الإسرائيلى جو / جو الذى إستخدم فى إعتراض صاروخ الكيليت المصرى لم يكن فعالاً طوال حرب أكتوبر أو ربما لم يستعمل قط بعد هذه الحادثة
ــ مفهوم البطولة عند الإسرائيليين يثير الضحك والسخرية إذ أعتبروا الطيار / ميخائيل فرميه . بطلاً أسطورياً بما يناسب الشخصية اليهودية الغادرة الجبانة لمجرد أنه نجح فى تدمير عدد كبير من الطائرات العربية وهى جاثمة على الأرض فى يونيو 1967 .. أى بطولة وشجاعة فى ضرب طائرات عاجزة على الأرض بلا مقاومة ..؟؟ البطولة الحقيقية تقاس بالهجوم الجسور والنجاح فى المبارزات الجوية فى السماء بين طيارين نداً لبعضهم البعض أو طائرات متكافئة أو الهجوم على أهداف أرضية شرسة فى مقاومتها .. هنا فقط تتجلى البطولة والشجاعة الحقيقيتين فى هذا المضمار على هذا المعيار وحده
ــ لايفوتنا الإشادة ببديهة وببراعة وسرعة رد فعل الطيار الإسرائيلى الأخر إيتان كارمى الذى تصرف من واقع إحساسه العالى بالمسئولية وأنه لا بد أن ينقذ إسرائيل بأى شكل من الضربة القادمة حيث لم يقف مكتوف الأيدى أمام الصاروخ المصرى ذى المدى 150 كلم بوزن طن ونصف الطن حينما فشل فى إصابته بصاروخ طائرته الشفرير فلجأ إلى الإقتراب الخطر لمسافة 300 أو 200 متر من الصاروخ المنطلق فى الجو والتعامل معه بطلقات مدفعه الرشاش دون أن يبالى بالنتيجة وفى ذلك شجاعة تحسب له لإنقاذ دولته فى لحظات حرجة .
ــ وأخيراً .. كنا نتمنى لو وفق الطيار المصرى فى مهمته نظراً لما كان سينعكس ذلك التوفيق المرجو فى تغيير نتيجة الحرب منذ بدايتها بسرعة حسمها أو سريانها فى مسارات أخرى غير ما صارت عليه بما قد يزيد من مساحة النصر المصرى العظيم
المصادر : ــ
1 ــ مجلة روزاليوسف عدد أول أكتوبر 1996 ( نقلاً عن كتاب الحرب الإسرائيلي) 2ــ إشارة فى كتاب إدجار أوبلانس المترجم تحت عنوان حرب أكتوبر العبور والثغرة 1987 ـ نهاية صفحة 371 3 ــ موقع جلوبال سكيورتى تحت عنوان العمليات الجوية خلال حرب أكتوبر 1973 4 ــ موقع بحث جوجول نحت عنوان (وثائق إسرائيلية سرية تكشف عمق إسرائيل كان مكشوفاً كان فى مرمى صواريخ المصريين فى الحرب ) ومذكور فيه حديث إيتان إلى جريدة يديعوت أحرونوت وأوردته جريدة المصرى اليوم