مايكل نايتس هو زميل في برنامج الزمالة "ليفر" في معهد واشنطن ومقره في بوسطن، ومتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج.
10 تموز/يوليو 2019
في نهاية حزيران/يونيو، استخدمت الإمارات العربية المتحدة مجموعة من التسريبات والتصريحات للإعلان عن بدئها خفض عديدها العسكري الضخم الداعم للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، ولو عن غير جدارة.
مع إعلان الإمارات العربية المتحدة مؤخرًا عن نيتها خفض عديدها في اليمن، قد يكون من المبكر قليلًا بالنسبة إليها أن تسأل أصحاب المصلحة المعنيين باستقرار اليمن ما إذا كانوا قد بدأوا بالافتقاد لها. بالرغم من ذلك، أراهن على أن الأسرة الدولية ستفتقد يومًا ما البعثة العسكرية التابعة للإمارات العربية المتحدة في اليمن، والتي تسنت لي فرص عديدة لمراقبتها عن كثب خلال العام الماضي.
إن النية الحالية للإمارات العربية المتحدة المتمثلة بالحد من تدخلها العسكري تعني أن البعثة الإماراتية الصغيرة في مدينة مأرب قد انسحبت بشكل كامل تقريبًا وأن مجموعة القتال المسماة "النصح والمساعدة والمرافقة" التي تشغل الخطوط الأمامية في ميناء الحديدة على البحر الأحمر في صدد المغادرة ومجموعة القتال الكبيرة المكلفة إرساء الاستقرار في العاصمة المؤقتة عدن التابعة لحكومة هادي تستعد للعودة إلى ديارها.
ولكن خفض الإمارات العربية المتحدة لعديدها لا يعني أن المعركة الشرسة ضد تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" قد انتهت. فالوحدة الحربية للعمليات الخاصة التابعة للإمارات العربية المتحدة ستستمر بالعمل إلى جانب حلفائها اليمنيين والدوليين في جنوب وسط اليمن وشرقها طالما تدعو الحاجة إلى ذلك. في غضون ذلك، ستبقى قوة ضخمة للرد السريع على قاب قوسين اسميًا على أهبة الاستعداد وعلى مستوى عالٍ من الجهوزية للتصدي لأي محاولات من قبل الثوار الحوثيين تهدف إلى توسيع منطقة نفوذهم، كما فعلوا عندما احتلوا العاصمة اليمنية صنعاء عام 2014 وحاولوا السيطرة على الجزء المتبقي من البلاد عام 2015.
ولكن بالرغم من أن الإمارات العربية المتحدة تغادر مع النية بالعودة إذا دعت الحاجة وتعتزم تقديم دعم من بعيد، ما من بديل على "التواجد هناك"، يوميًا وبأعداد كبيرة. فالبكاد يدرك أحد مقدار العمل اليومي المتمثل بإدارة الأزمة وإرساء الاستقرار، الذي قامت به الإمارات العربية المتحدة في اليمن. وفيما كان تخفيض العديد محتمًا، إذ أنه ما من دولة بحجم الإمارات العربية المتحدة تستطيع أن تبقي بشكل دائم على مجموعات القتال الثلاث الحالية الضخمة وعدة كتائب أصغر التابعة لها في اليمن، قد يؤدي سحب كل هذا الدعم في مثل هذه المرحلة الباكرة من عملية إرساء الاستقرار في البلاد إلى تقويض الاستقرار الذي استطاعت الإمارات العربية المتحدة والقوات المحلية تحقيقه لغاية اليوم.
إن خفض الإمارات العربية المتحدة لعديدها لديه عدة تداعيات محتملة على مكافحة الإرهاب والوضع الإنساني وعملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة والتوازن العسكري داخل اليمن. باختصار، قد يتأزم الوضع في اليمن بفعل هذا الانسحاب ويحتّم في النهاية على الولايات المتحدة والأمم المتحدة بذل المزيد من الجهود لإرساء الاستقرار في اليمن. وقد تدفع هذه النتائج الكونغرس الأمريكي وهيئات أخرى إلى التفكير بالقيمة الصافية لإخراج هذا الشريك الأمريكي من الحرب اليمنية بواسطة حملة تشهير لا تركز سوى على سلبيات التدخل الإماراتي.
لمحة شخصية حول الإمارات العربية المتحدة في اليمن
خلال الأعوام الخمسة عشر الأخيرة، شاهدت المؤسسة العسكرية للإمارات العربية المتحدة تنمو من قوة شرطة صغيرة إلى أحد الشركاء العسكريين الأمريكيين الأكثر قوة وإثارة للإعجاب. وعلى ضوء هذه التطورات، حرصت على رؤية هذه القوات تعمل على الأرض في اليمن. فقد قمت بذلك، بزيارتي مراكز القيادة والدوريات والمشاركة المجتمعية ومواقع القتال الخاصة بها.
عندما يرافق مراقب قوات مقاتلة، يفقد حتمًا بعضًا من موضوعيته. فالمراقب المثالي لنزاع يرافق الطرفين، ولكن ذلك يكاد يكون شبه مستحيل وهو خطير إلى أقصى الدرجات، مثل مرافقة تنظيم "الدولة الإسلامية" أو حتى الحوثيين المناهضين للغرب والمعرضين للقصف السعودي.
ولكن في حالتي، لم تكوّن المرافقة وجهة نظري. فقد قدمت إلى اليمن مع قناعة إيديولوجية كنت قد كوّنتها مسبقًا بأن الحرب الرامية إلى منع استيلاء الحوثيين على اليمن كانت حربًا مستحقة. فيما يعتبر عدة مراقبين النزاع اليمني دراسة حالة محسومة للمغامرات السعودية ضد القبائل اليمنية المظلومة، لم أعتبره شخصيًا قط كذلك. أعتقد أن استيلاء الحوثيين على العاصمة اليمنية عام 2014 كان خاطئًا ومزعزعًا للاستقرار، وكان نداء الحكومة اليمنية المدعومة من قبل الأمم المتحدة عام 2015 للحصول على مساعدة عسكرية لدفاعها الذاتي منطقيًا. وكان عزم التحالف الخليجي بقيادة السعودية وتعبئته السريعة برأيي جديري بالثناء.
بالرغم من أن معظم جهود الحرب المبذولة من قبل السعودية كانت مؤسفة وذات نتائح عكسية، لا ينطبق الأمر ذاته على الإمارات العربية المتحدة، التي تصرفت باحترافية وتصميم. فبعد صمودها عبر تجربة الاحتلال الأمريكي للعراق، لم أتوقع من الإماراتيين أن يكونوا مثاليين أو يتجنبوا كافة المخاطر المرافقة لعملية إرساء استقرار معقدة، ولكنهم تخطوا توقعاتي إلى حد بعيد.
ما فعلته الإمارات العربية المتحدة
قلة هم الأشخاص الذين يفهمون القصة الداخلية لجهود الحرب الإماراتية في اليمن. بصورة خاصة، ما قد يغيب عن ذهن الكثيرين هو الطريقة التي دخلت فيها البلاد الحرب بنية الاضطلاع بدور صغير وتشغيلها في النهاية كل جبهة ناجحة في النزاع. فبعد شن حملة برمائية وحملة عمليات خاصة جريئة لمنع الحوثيين من الاستيلاء على ثاني أكبر مدينة في اليمن وهي عدن، استجاب الإماراتيون لنداء سعودي للحصول على مساعدة منعًا كذلك لاستيلاء الحوثيين على مركز النفط والغاز الرئيسي لليمن في مأرب. وتحقق ذلك بزخم كبير.
مع أنه كان بإمكان الإماراتيين ببساطة إيقاف جهودهم المناهضة لتنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" لحين انهزام الحوثيين، كما فعلت في الواقع الممكلة العربية السعودية، شنوا عوضًا عن ذلك حملة كبيرة ناجحة لإيقاف الخلافة الناشئة لتنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" انطلاقًا من ميناء المكلا الكبير. أُنجزت الحملة بالتوازي مع الجهود المناهضة للحوثيين، مضاعفةً بذلك المهام العسكرية الملقاة على عاتق المؤسسة العسكرية الإماراتية.
وعندما اتضح أن المملكة العربية السعودية غير مستعدة لشن عملية كبيرة لتقييد وصول الحوثيين إلى البحر، تدخلت الإمارات العربية المتحدة مجددًا وحررت مئات الأميال من الخط الساحلي قبل دفع الحوثيين إلى وصاية مشتركة على موانئ البحر الأحمر برعاية الأمم المتحدة.
دور الإمارات العربية المتحدة في إرساء الاستقرار
بموازاة عملياتها القتالية، لعبت مجموعات القتال الإماراتية والهلال الأحمر الإماراتي دورًا بارزًا في دعم الحوكمة وتوفير الخدمات وإرساء الاستقرار الاقتصادي ودعم البنى التحتية وإنفاذ القانون.
قامت الإمارات العربية المتحدة بتدريب وتجهيز حوالي 50000 قوة محلية، اضطلعت بمهامها باحترافية وعزم كبيرين فيما كانت تحت الإشراف الدقيق للجنود الإماراتيين. ورعت الإمارات العربية المتحدة ترتيبات أمنية محلية ناجحة للغاية من خلال الجلوس فعليًا كل مساء مع أصحاب المصلحة المحليين وتذليل الصعوبات المحلية. وما أثار دهشتي المطلقة هو أن مخططات حضرية للسيطرة على السلاح بدأت تظهر حتى في قرى يمنية. وبفضل التزامها بالمشاركة المحلية، نجحت الإمارات العربية المتحدة إلى حد كبير في تقويض تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب"، وعند الحاجة مساعدة الولايات المتحدة على استهداف الجيوب الإرهابية بشكل فعال بواسطة برنامج الطائرات بدون طيار الخاص بها.
حيثما عملت مجموعات القتال الإماراتية، شددت جهود إرساء الاستقرار الاقتصادي على مشاريع ذاتية الدعم تقوم على "الشراء المحلي" عوضًا عن تشويه الاقتصادات المحلية بواسطة السلع المستوردة. وقد أظهرت الجهود الإماراتية اهتمامًا بالتفاصيل: إذا كان الاقتصاد المحلي قائمًا على الاقتصاد، تصنع الإمارات العربية المتحدة مثلًا مصنع ثلج، وهي قطعة الأحجية التي يفتقدها الصيادون. وعلى نحو غير مفاجئ ربما، أثبتت قوة إرساء استقرار مؤلفة بالكامل من متحدثين عرب، تجمعهم مسبقًا روابط شخصية وقبلية بجنوب اليمن، براعتها في تعزيز الروابط المحلية التي كان لها منافع جمة لليمنيين في المناطق المحيطة.
تداعيات خفض عديد الإمارات العربية المتحدة
بالرغم من هذه النجاحات الهائلة على الأرض، لطالما اعتبر الكونغرس الأمريكي الإمارات العربية المتحدة جزءًا من المشكلة وليس من الحل في اليمن. وفي الوقت المناسب وبحسب رأيي، قد يُعترف بوجهة النظر هذه على أنها قصيرة النظر وانهزامية. ولكن في المدى القريب، إن احتمال خفض الإمارات العربية المتحدة لعديدها بشكل كبير يترك لدى الولايات المتحدة والأمم المتحدة نواقص محتملة خطيرة.
تراجع فعالية مكافحة الإرهاب: مع أن الإمارات العربية المتحدة ستبقي على وحدة حربية للعمليات الخاصة للاستمرار في ملاحقة تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" في مرتفعات أبين، ستتراجع بطبيعة الحالة فعالية العلاقات الإماراتية على المستوى المحلي. فالدور الهائل الذي لعبته القوات الإماراتية في اليمن أثبت أنها حليف قوي ملتزم بشكل مطلق على ما يبدو بمساعدة المناطق المتضررة على استعادة استقرارها. وهذا السلوك يوازي ثقله ذهبًا ضمن المجتمعات التي تتساءل حتمًا: "إذا وقفت إلى جانب الإمارات العربية المتحدة ضد "القاعدة" اليوم، هل ستبقى إلى جانبي غدًا؟" نظرًا لتراجع قدراتها الكبيرة، سيصبح من الأصعب اليوم على الإمارات العربية المتحدة المحافظة على الثقة المحلية.
من المحتمل جدًا أن يفرض خفض الإمارات العربية المتحدة لعديدها على المستوى الوطني عليها أن تعمل بجد أكبر محليًا لتبقي على الحملة الناجحة المناهضة لتنظيم "القاعدة في جزيرة العرب". فكلما تراجع أثر الإمارات العربية المتحدة، كلما أصبح من الأصعب للقيادة المشتركة للعمليات الخاصة الأمريكية أن تجد الأهداف الصحيحة داخل اليمن.
تُعتبر مسألة الاستقرار والثقة المحليين مقلقة في جنوب اليمن. فالاستقرار الذي نعمت به مناطق الجنوب مثل حضرموت وشبوة وعدن وساحل البحر الأحمر يُعزى بشكل كبير إلى الوساطة والتحكيم الإماراتيين المستمرين بين الفصائل المسلحة التي لا تتشارك بالضرورة أهدافًا خارج نطاق محاربة قوات الحوثيين. أما الآن فستغادر الإمارات العربية المتحدة قبل أن يتسنى الوقت لترسيخ الاستقرار والحوكمة المحلية وتطويرهما.
يمكن رؤية التأثيرات السلبية منذ الآن في مناطق مثل شبوة، حيث يعمل المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي إلى جانب قوات حكومة هادي. عوضًا عن تشجيع الانفصال، كان للإمارات العربية المتحدة تأثير مهدِئ على المجلس الانتقالي الجنوبي لتعزيز الاستقرار إلى أقصى حد وإعطاء الأولوية لمحاربة تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" والحوثيين. والآن، يتسلح المجلس الانتقالي الجنوبي بأسرع ما يمكن استباقًا للانسحاب الإماراتي ولاشتباك مع الحكومة اليمنية.
منذ أشهر، كان من المستحيل اندلاع جولات قتال متتالية على مدى أيام بين هاتين القوتين. فالضباط الإماراتيون كانوا ليوجهوا القوتين نحو المصالحة ويهدئوا غرورهما ويرعوا اتفاقات بينهما، وكل ذلك بواسطة الطائرات بدون طيار والطائرات المقاتلة والمركبات المدرعة. أما اليوم، تجد عتق وهي عاصمة محافظة شبوة نفسها ممزقة بفعل القتال، الذي لا يقاطعه سوى وقف إطلاق النار المحلي الهش. وبغياب وسيط خارجي فعال، يُتوقع أن يتأزم هذا الوضع.
شل عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة: بعيدًا عن الانتقادات الصادرة عن مؤتمرات الكونغرس الصحافية، التي شوهت سمعة الحملة العسكرية الإماراتية، أدرك المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث تمامًا أنه يمكن استخدام القدرات الهجومية للإمارات العربية المتحدة كتهديد قوي يقوم على أسلوب "الشرطي السيء" لدفع الحوثيين نحو اتفاق سلام بوساطة دولية. فالحوثيون لا يملكون الكثير من الدوافع للمشاركة في المحادثات ما عدا خطر الهزيمة العسكرية، وقد مارست الإمارات العربية المتحدة ما يكفي من الضغوطات لجلب المفاوضين الحوثيين إلى طاولة المفاوضات.
اليوم، زال فعليًا هذا الخطر. فالمملكة العربية السعودية يمكنها أن تمنع انتشار السلام وأن تستنزف الحوثيين على جبهة شمالية لامتناهية، ولكن الإمارات العربية المتحدة كانت الوحيدة التي تملك القدرة العسكرية والقوات الحليفة المحلية لتهديد الحوثيين جديًا بإلحاق الهزيمة بهم.
بالتالي، إذا ما أراد الكونغرس الأمريكي إنهاء الحرب وتجنب مجاعة تامة، مقابل معاقبة المملكة العربية السعودية ببساطة وإصدار اقتباسات متغطرسة، يجب ألا يرضى عن انسحاب الإمارات العربية المتحدة. فقد أزيل اليوم سهم مهم من جعبة الأمم المتحدة ولا يمكن استبداله بسهولة. ولا بد من صنع حوافز جديدة لانخراط الحوثيين في عملية السلام، ما سيتطلب وقتًا وجهودًا إضافية ملحوظة من قبل الأسرة الدولية.
وما لا يقل أهمية عن ذلك هو أن الأسرة الدولية يجب أن تبلّغ الحوثيين بأنه لن يُسمح لهم باجتياح أجزاء أخرى من اليمن بما أن التوازن العسكري قد تغير مجددًا. فلحين تدخل الإمارات العربية المتحدة، كان الحوثيون يستولون على المزيد من المناطق اليمنية عامي 2014 و2015. ولم يتم إيقاف الحوثيين ودفعهم إلى التراجع في عدن ومأرب إلا من خلال الإجراءات الدفاعية المدعومة من قبل الإمارات العربية المتحدة. فهل ستمنع الأمم المتحدة والولايات المتحدة اليوم الحوثيين من إعادة التوسع؟
يمكن أن يتقدم الحوثيون بسهولة مجددًا، خصوصًا في وقت لاحق من العام عندما تكون الإمارات العربية المتحدة قد سحبت عديدها بالكامل ويكون قد تسنى للحوثيين الوقت الكافي للاستعداد. لا يجب على أي جهة في واشنطن أو الأمم المتحدة أن تفترض أن خطوط المعركة الحالية ثابتة. فقد تتحرك بسهولة لمصلحة الحوثيين، مولدةً تأثيرات كارثية على عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة.
تعاظم مسؤولية الولايات المتحدة
ستكون الخسارة المترتبة عن انسحاب الإمارات العربية المتحدة من اليمن كبيرة، ولا بد للولايات المتحدة من أن تفكر مليًا بالمخاطر والمتطلبات والتكاليف الجديدة الناتجة عن ذلك. فإزالة القوة العسكرية الإماراتية فعليًا من اليمن ستؤدي إلى "نزع صمام الأمان" في الاستقرار المحلي في جنوب اليمن وستزيد من احتمال استرداد الحوثيين وتنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" لقوتهم. وستتزايد الأزمات المحلية في اليمن وتصبح أكثر خطورة.
10 تموز/يوليو 2019
في نهاية حزيران/يونيو، استخدمت الإمارات العربية المتحدة مجموعة من التسريبات والتصريحات للإعلان عن بدئها خفض عديدها العسكري الضخم الداعم للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، ولو عن غير جدارة.
مع إعلان الإمارات العربية المتحدة مؤخرًا عن نيتها خفض عديدها في اليمن، قد يكون من المبكر قليلًا بالنسبة إليها أن تسأل أصحاب المصلحة المعنيين باستقرار اليمن ما إذا كانوا قد بدأوا بالافتقاد لها. بالرغم من ذلك، أراهن على أن الأسرة الدولية ستفتقد يومًا ما البعثة العسكرية التابعة للإمارات العربية المتحدة في اليمن، والتي تسنت لي فرص عديدة لمراقبتها عن كثب خلال العام الماضي.
إن النية الحالية للإمارات العربية المتحدة المتمثلة بالحد من تدخلها العسكري تعني أن البعثة الإماراتية الصغيرة في مدينة مأرب قد انسحبت بشكل كامل تقريبًا وأن مجموعة القتال المسماة "النصح والمساعدة والمرافقة" التي تشغل الخطوط الأمامية في ميناء الحديدة على البحر الأحمر في صدد المغادرة ومجموعة القتال الكبيرة المكلفة إرساء الاستقرار في العاصمة المؤقتة عدن التابعة لحكومة هادي تستعد للعودة إلى ديارها.
ولكن خفض الإمارات العربية المتحدة لعديدها لا يعني أن المعركة الشرسة ضد تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" قد انتهت. فالوحدة الحربية للعمليات الخاصة التابعة للإمارات العربية المتحدة ستستمر بالعمل إلى جانب حلفائها اليمنيين والدوليين في جنوب وسط اليمن وشرقها طالما تدعو الحاجة إلى ذلك. في غضون ذلك، ستبقى قوة ضخمة للرد السريع على قاب قوسين اسميًا على أهبة الاستعداد وعلى مستوى عالٍ من الجهوزية للتصدي لأي محاولات من قبل الثوار الحوثيين تهدف إلى توسيع منطقة نفوذهم، كما فعلوا عندما احتلوا العاصمة اليمنية صنعاء عام 2014 وحاولوا السيطرة على الجزء المتبقي من البلاد عام 2015.
ولكن بالرغم من أن الإمارات العربية المتحدة تغادر مع النية بالعودة إذا دعت الحاجة وتعتزم تقديم دعم من بعيد، ما من بديل على "التواجد هناك"، يوميًا وبأعداد كبيرة. فالبكاد يدرك أحد مقدار العمل اليومي المتمثل بإدارة الأزمة وإرساء الاستقرار، الذي قامت به الإمارات العربية المتحدة في اليمن. وفيما كان تخفيض العديد محتمًا، إذ أنه ما من دولة بحجم الإمارات العربية المتحدة تستطيع أن تبقي بشكل دائم على مجموعات القتال الثلاث الحالية الضخمة وعدة كتائب أصغر التابعة لها في اليمن، قد يؤدي سحب كل هذا الدعم في مثل هذه المرحلة الباكرة من عملية إرساء الاستقرار في البلاد إلى تقويض الاستقرار الذي استطاعت الإمارات العربية المتحدة والقوات المحلية تحقيقه لغاية اليوم.
إن خفض الإمارات العربية المتحدة لعديدها لديه عدة تداعيات محتملة على مكافحة الإرهاب والوضع الإنساني وعملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة والتوازن العسكري داخل اليمن. باختصار، قد يتأزم الوضع في اليمن بفعل هذا الانسحاب ويحتّم في النهاية على الولايات المتحدة والأمم المتحدة بذل المزيد من الجهود لإرساء الاستقرار في اليمن. وقد تدفع هذه النتائج الكونغرس الأمريكي وهيئات أخرى إلى التفكير بالقيمة الصافية لإخراج هذا الشريك الأمريكي من الحرب اليمنية بواسطة حملة تشهير لا تركز سوى على سلبيات التدخل الإماراتي.
لمحة شخصية حول الإمارات العربية المتحدة في اليمن
خلال الأعوام الخمسة عشر الأخيرة، شاهدت المؤسسة العسكرية للإمارات العربية المتحدة تنمو من قوة شرطة صغيرة إلى أحد الشركاء العسكريين الأمريكيين الأكثر قوة وإثارة للإعجاب. وعلى ضوء هذه التطورات، حرصت على رؤية هذه القوات تعمل على الأرض في اليمن. فقد قمت بذلك، بزيارتي مراكز القيادة والدوريات والمشاركة المجتمعية ومواقع القتال الخاصة بها.
عندما يرافق مراقب قوات مقاتلة، يفقد حتمًا بعضًا من موضوعيته. فالمراقب المثالي لنزاع يرافق الطرفين، ولكن ذلك يكاد يكون شبه مستحيل وهو خطير إلى أقصى الدرجات، مثل مرافقة تنظيم "الدولة الإسلامية" أو حتى الحوثيين المناهضين للغرب والمعرضين للقصف السعودي.
ولكن في حالتي، لم تكوّن المرافقة وجهة نظري. فقد قدمت إلى اليمن مع قناعة إيديولوجية كنت قد كوّنتها مسبقًا بأن الحرب الرامية إلى منع استيلاء الحوثيين على اليمن كانت حربًا مستحقة. فيما يعتبر عدة مراقبين النزاع اليمني دراسة حالة محسومة للمغامرات السعودية ضد القبائل اليمنية المظلومة، لم أعتبره شخصيًا قط كذلك. أعتقد أن استيلاء الحوثيين على العاصمة اليمنية عام 2014 كان خاطئًا ومزعزعًا للاستقرار، وكان نداء الحكومة اليمنية المدعومة من قبل الأمم المتحدة عام 2015 للحصول على مساعدة عسكرية لدفاعها الذاتي منطقيًا. وكان عزم التحالف الخليجي بقيادة السعودية وتعبئته السريعة برأيي جديري بالثناء.
بالرغم من أن معظم جهود الحرب المبذولة من قبل السعودية كانت مؤسفة وذات نتائح عكسية، لا ينطبق الأمر ذاته على الإمارات العربية المتحدة، التي تصرفت باحترافية وتصميم. فبعد صمودها عبر تجربة الاحتلال الأمريكي للعراق، لم أتوقع من الإماراتيين أن يكونوا مثاليين أو يتجنبوا كافة المخاطر المرافقة لعملية إرساء استقرار معقدة، ولكنهم تخطوا توقعاتي إلى حد بعيد.
ما فعلته الإمارات العربية المتحدة
قلة هم الأشخاص الذين يفهمون القصة الداخلية لجهود الحرب الإماراتية في اليمن. بصورة خاصة، ما قد يغيب عن ذهن الكثيرين هو الطريقة التي دخلت فيها البلاد الحرب بنية الاضطلاع بدور صغير وتشغيلها في النهاية كل جبهة ناجحة في النزاع. فبعد شن حملة برمائية وحملة عمليات خاصة جريئة لمنع الحوثيين من الاستيلاء على ثاني أكبر مدينة في اليمن وهي عدن، استجاب الإماراتيون لنداء سعودي للحصول على مساعدة منعًا كذلك لاستيلاء الحوثيين على مركز النفط والغاز الرئيسي لليمن في مأرب. وتحقق ذلك بزخم كبير.
مع أنه كان بإمكان الإماراتيين ببساطة إيقاف جهودهم المناهضة لتنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" لحين انهزام الحوثيين، كما فعلت في الواقع الممكلة العربية السعودية، شنوا عوضًا عن ذلك حملة كبيرة ناجحة لإيقاف الخلافة الناشئة لتنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" انطلاقًا من ميناء المكلا الكبير. أُنجزت الحملة بالتوازي مع الجهود المناهضة للحوثيين، مضاعفةً بذلك المهام العسكرية الملقاة على عاتق المؤسسة العسكرية الإماراتية.
وعندما اتضح أن المملكة العربية السعودية غير مستعدة لشن عملية كبيرة لتقييد وصول الحوثيين إلى البحر، تدخلت الإمارات العربية المتحدة مجددًا وحررت مئات الأميال من الخط الساحلي قبل دفع الحوثيين إلى وصاية مشتركة على موانئ البحر الأحمر برعاية الأمم المتحدة.
دور الإمارات العربية المتحدة في إرساء الاستقرار
بموازاة عملياتها القتالية، لعبت مجموعات القتال الإماراتية والهلال الأحمر الإماراتي دورًا بارزًا في دعم الحوكمة وتوفير الخدمات وإرساء الاستقرار الاقتصادي ودعم البنى التحتية وإنفاذ القانون.
قامت الإمارات العربية المتحدة بتدريب وتجهيز حوالي 50000 قوة محلية، اضطلعت بمهامها باحترافية وعزم كبيرين فيما كانت تحت الإشراف الدقيق للجنود الإماراتيين. ورعت الإمارات العربية المتحدة ترتيبات أمنية محلية ناجحة للغاية من خلال الجلوس فعليًا كل مساء مع أصحاب المصلحة المحليين وتذليل الصعوبات المحلية. وما أثار دهشتي المطلقة هو أن مخططات حضرية للسيطرة على السلاح بدأت تظهر حتى في قرى يمنية. وبفضل التزامها بالمشاركة المحلية، نجحت الإمارات العربية المتحدة إلى حد كبير في تقويض تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب"، وعند الحاجة مساعدة الولايات المتحدة على استهداف الجيوب الإرهابية بشكل فعال بواسطة برنامج الطائرات بدون طيار الخاص بها.
حيثما عملت مجموعات القتال الإماراتية، شددت جهود إرساء الاستقرار الاقتصادي على مشاريع ذاتية الدعم تقوم على "الشراء المحلي" عوضًا عن تشويه الاقتصادات المحلية بواسطة السلع المستوردة. وقد أظهرت الجهود الإماراتية اهتمامًا بالتفاصيل: إذا كان الاقتصاد المحلي قائمًا على الاقتصاد، تصنع الإمارات العربية المتحدة مثلًا مصنع ثلج، وهي قطعة الأحجية التي يفتقدها الصيادون. وعلى نحو غير مفاجئ ربما، أثبتت قوة إرساء استقرار مؤلفة بالكامل من متحدثين عرب، تجمعهم مسبقًا روابط شخصية وقبلية بجنوب اليمن، براعتها في تعزيز الروابط المحلية التي كان لها منافع جمة لليمنيين في المناطق المحيطة.
تداعيات خفض عديد الإمارات العربية المتحدة
بالرغم من هذه النجاحات الهائلة على الأرض، لطالما اعتبر الكونغرس الأمريكي الإمارات العربية المتحدة جزءًا من المشكلة وليس من الحل في اليمن. وفي الوقت المناسب وبحسب رأيي، قد يُعترف بوجهة النظر هذه على أنها قصيرة النظر وانهزامية. ولكن في المدى القريب، إن احتمال خفض الإمارات العربية المتحدة لعديدها بشكل كبير يترك لدى الولايات المتحدة والأمم المتحدة نواقص محتملة خطيرة.
تراجع فعالية مكافحة الإرهاب: مع أن الإمارات العربية المتحدة ستبقي على وحدة حربية للعمليات الخاصة للاستمرار في ملاحقة تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" في مرتفعات أبين، ستتراجع بطبيعة الحالة فعالية العلاقات الإماراتية على المستوى المحلي. فالدور الهائل الذي لعبته القوات الإماراتية في اليمن أثبت أنها حليف قوي ملتزم بشكل مطلق على ما يبدو بمساعدة المناطق المتضررة على استعادة استقرارها. وهذا السلوك يوازي ثقله ذهبًا ضمن المجتمعات التي تتساءل حتمًا: "إذا وقفت إلى جانب الإمارات العربية المتحدة ضد "القاعدة" اليوم، هل ستبقى إلى جانبي غدًا؟" نظرًا لتراجع قدراتها الكبيرة، سيصبح من الأصعب اليوم على الإمارات العربية المتحدة المحافظة على الثقة المحلية.
من المحتمل جدًا أن يفرض خفض الإمارات العربية المتحدة لعديدها على المستوى الوطني عليها أن تعمل بجد أكبر محليًا لتبقي على الحملة الناجحة المناهضة لتنظيم "القاعدة في جزيرة العرب". فكلما تراجع أثر الإمارات العربية المتحدة، كلما أصبح من الأصعب للقيادة المشتركة للعمليات الخاصة الأمريكية أن تجد الأهداف الصحيحة داخل اليمن.
تُعتبر مسألة الاستقرار والثقة المحليين مقلقة في جنوب اليمن. فالاستقرار الذي نعمت به مناطق الجنوب مثل حضرموت وشبوة وعدن وساحل البحر الأحمر يُعزى بشكل كبير إلى الوساطة والتحكيم الإماراتيين المستمرين بين الفصائل المسلحة التي لا تتشارك بالضرورة أهدافًا خارج نطاق محاربة قوات الحوثيين. أما الآن فستغادر الإمارات العربية المتحدة قبل أن يتسنى الوقت لترسيخ الاستقرار والحوكمة المحلية وتطويرهما.
يمكن رؤية التأثيرات السلبية منذ الآن في مناطق مثل شبوة، حيث يعمل المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي إلى جانب قوات حكومة هادي. عوضًا عن تشجيع الانفصال، كان للإمارات العربية المتحدة تأثير مهدِئ على المجلس الانتقالي الجنوبي لتعزيز الاستقرار إلى أقصى حد وإعطاء الأولوية لمحاربة تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" والحوثيين. والآن، يتسلح المجلس الانتقالي الجنوبي بأسرع ما يمكن استباقًا للانسحاب الإماراتي ولاشتباك مع الحكومة اليمنية.
منذ أشهر، كان من المستحيل اندلاع جولات قتال متتالية على مدى أيام بين هاتين القوتين. فالضباط الإماراتيون كانوا ليوجهوا القوتين نحو المصالحة ويهدئوا غرورهما ويرعوا اتفاقات بينهما، وكل ذلك بواسطة الطائرات بدون طيار والطائرات المقاتلة والمركبات المدرعة. أما اليوم، تجد عتق وهي عاصمة محافظة شبوة نفسها ممزقة بفعل القتال، الذي لا يقاطعه سوى وقف إطلاق النار المحلي الهش. وبغياب وسيط خارجي فعال، يُتوقع أن يتأزم هذا الوضع.
شل عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة: بعيدًا عن الانتقادات الصادرة عن مؤتمرات الكونغرس الصحافية، التي شوهت سمعة الحملة العسكرية الإماراتية، أدرك المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث تمامًا أنه يمكن استخدام القدرات الهجومية للإمارات العربية المتحدة كتهديد قوي يقوم على أسلوب "الشرطي السيء" لدفع الحوثيين نحو اتفاق سلام بوساطة دولية. فالحوثيون لا يملكون الكثير من الدوافع للمشاركة في المحادثات ما عدا خطر الهزيمة العسكرية، وقد مارست الإمارات العربية المتحدة ما يكفي من الضغوطات لجلب المفاوضين الحوثيين إلى طاولة المفاوضات.
اليوم، زال فعليًا هذا الخطر. فالمملكة العربية السعودية يمكنها أن تمنع انتشار السلام وأن تستنزف الحوثيين على جبهة شمالية لامتناهية، ولكن الإمارات العربية المتحدة كانت الوحيدة التي تملك القدرة العسكرية والقوات الحليفة المحلية لتهديد الحوثيين جديًا بإلحاق الهزيمة بهم.
بالتالي، إذا ما أراد الكونغرس الأمريكي إنهاء الحرب وتجنب مجاعة تامة، مقابل معاقبة المملكة العربية السعودية ببساطة وإصدار اقتباسات متغطرسة، يجب ألا يرضى عن انسحاب الإمارات العربية المتحدة. فقد أزيل اليوم سهم مهم من جعبة الأمم المتحدة ولا يمكن استبداله بسهولة. ولا بد من صنع حوافز جديدة لانخراط الحوثيين في عملية السلام، ما سيتطلب وقتًا وجهودًا إضافية ملحوظة من قبل الأسرة الدولية.
وما لا يقل أهمية عن ذلك هو أن الأسرة الدولية يجب أن تبلّغ الحوثيين بأنه لن يُسمح لهم باجتياح أجزاء أخرى من اليمن بما أن التوازن العسكري قد تغير مجددًا. فلحين تدخل الإمارات العربية المتحدة، كان الحوثيون يستولون على المزيد من المناطق اليمنية عامي 2014 و2015. ولم يتم إيقاف الحوثيين ودفعهم إلى التراجع في عدن ومأرب إلا من خلال الإجراءات الدفاعية المدعومة من قبل الإمارات العربية المتحدة. فهل ستمنع الأمم المتحدة والولايات المتحدة اليوم الحوثيين من إعادة التوسع؟
يمكن أن يتقدم الحوثيون بسهولة مجددًا، خصوصًا في وقت لاحق من العام عندما تكون الإمارات العربية المتحدة قد سحبت عديدها بالكامل ويكون قد تسنى للحوثيين الوقت الكافي للاستعداد. لا يجب على أي جهة في واشنطن أو الأمم المتحدة أن تفترض أن خطوط المعركة الحالية ثابتة. فقد تتحرك بسهولة لمصلحة الحوثيين، مولدةً تأثيرات كارثية على عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة.
تعاظم مسؤولية الولايات المتحدة
ستكون الخسارة المترتبة عن انسحاب الإمارات العربية المتحدة من اليمن كبيرة، ولا بد للولايات المتحدة من أن تفكر مليًا بالمخاطر والمتطلبات والتكاليف الجديدة الناتجة عن ذلك. فإزالة القوة العسكرية الإماراتية فعليًا من اليمن ستؤدي إلى "نزع صمام الأمان" في الاستقرار المحلي في جنوب اليمن وستزيد من احتمال استرداد الحوثيين وتنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" لقوتهم. وستتزايد الأزمات المحلية في اليمن وتصبح أكثر خطورة.