بسم الله الرحمن الرحيم،
(وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام)
استيقظ في الصباح الباكر قبل طلوع الشمس. لبس بدلته. ودع عائلته وتوجه إلى بيت أبيه. لقد أقسم باليمين الغليظة التي لم يشك قلبه لحظة بها أنه سيحمي بيت أبيه بروحه وإن غضبه المطلق و ناره المحرقة ستعترض من يقترب من بيت أبيه.
وصل إلى موقعه وإذا بالكثير من إخوانه يحفون البيت. ممسكون بسلاحهم وعقيدتهم أصلب من الحديد. بيت أبينا لا يخلص إليه. أخذ ينظف المكان. يمسح الأرض. يجهز الماء. يراقب مواقعه. يراجع خطط التفويج. يتابع باللاسلكي الأوامر. يطير فرحا عندما يشاهد محتاجا. يمر في طريقه على الكعبة فيملأ عينيه منها. يرى مقام إبراهيم فتخنقه العبرة والحنين إلى جده. الحنين إلى أبيه. الحنين إلى أسلافه. يجتمعون يراجعون، يعملون، يجتهدون وهم فرحون مسرورون.
إنهم الجنود السعوديون. أبناء إبراهيم أبو الأنبياء. أبو العرب. أبو السعوديين. أبو الجيش السعودي.
نشهد في هذه الأيام العرض العسكري لقوة أمن الحج وهو عرض يقام كل عام لاظهار الاستعدادات الأمنية لمواجهة كل أعداء أبينا إبراهيم. أحفادهم موجودون إلى اليوم ينظرون إلى البيت الذي بناه أبونا بغضب وحنق وكراهية. لم تمر سنين قصيرة الا وحاولوا إفساده وتخريبه وتدمير شعائره لكن الله أنقذه من العابثين وقيظ له أبناء إبراهيم لحمايته وخدمته بيد حانية لكنها صلبة لا تلين ترفع علم محمد صلى الله عليه وسلم فوق بيت إبراهيم.
(وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين * وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود * وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب غليظ)
أبونا عليه السلام بنى هذا البيت. أبونا عليه السلام اصطفاه الله لعمارة هذا البيت و والله لا نتركه للعابثين أبد الدهر. والله لا نترك بيت أبينا إلا إذا قتلنا جميعا. رجالا ونساء وأطفالا.
(وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم * ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم * ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم * ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين * إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين)
لقد مرت سنين على البيت الحرام عندما كان في رعاية الأتراك وهو في قلق وخوف واضطراب. عندما كان والي العثمانيين يحكم بالطاغوت من جوار بيت إبراهيم وينهب الحجاج يوم عرفة حتى صرخ أحمد شوقي في قصيدته:
ضج الحجاز وضج البيت والحرم
واستصرخت ربها في مكة الأمم
قد مسها في حماك الضر فاقض لها
خليفة الله أنت السيد الحكم
الحجاج يمسهم الضر ويعتدي عليهم والي الأتراك. ويظلمهم. ويقهرهم. ويحكم بينهم بالطاغوت. حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون. حتى أعاد الله بيته الحرام إلى زيدي أبناء إبراهيم. ومنذ ذلك اليوم وأبناؤه حافون حوله. قابضون على سلاحهم. صدق فيهم قول الشاعر:
وأرعن يغشى الشمس لون حديده
وتخلس أبصار الكماة كتائبه
تغص به الأرض الفضاء إذا غدى
تزاحم أركان الجبال مناكبه
منذ أن عاد بيت إبراهيم إلى رعاية أبناءه والحاج آمن لا يخشى إلا الله. ترعاه يد حانية تحبه وتوده وتحرص عليه وقد أقسمت قسما ضمنيا أن بيت أبيهم، أن آمانة الله في أعناقهم لا رجعة عن رعايتها وحمايتها أبد الدهر. وهكذا فعل إسماعيل وأبناؤه حتى وصل الأمر إلينا.
وكما قال إسماعيل وأبيه، نقول نحن وآباؤنا من قبلنا (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم * ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم)
إنها الأمانة العظمى نتسلمها جيلا بعد جيل. وفي كل مرة نتذكر آباءنا وأجدادنا ودعائهم ووصيتهم. نتذكرها ونقبض على سلاحنا. بيت أبينا لا يفسده أحد.
السلام عليك يا إبراهيم ورحمة الله وبركاته. أبشرك أن أبناءك يرفعون علم محمد صلى الله عليه وسلم حول البيت الذي بنيته ووالله لن نتركه لأعداء الله طرفة عين. أبناؤك في الشعب السعودي يحفون الحرم بأرواحهم وكل ما ملكوا في هذه الدنيا. أبشرك يا أبانا عليك السلام
(ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين)
السلام عليك يا أبانا ورحمة الله وبركاته،
حج 1440 للهجرة