الأزمة الأخيرة بين الحكومة الأميركية وحكومة الملالي كشفت الوجه القبيح والرؤية المشوشة للسياسة الخارجية لدولة قطر، ووضعت الإعلام القطري -الممثل في قناة الجزيرة- في موقف لا يحسد عليه، فالحكومة القطرية راهنت على الضعف والانسحاب الأميركي من المشهد السياسي في الشرق الأوسط خلال فترة أوباما، فاندفعت نحو تحالفات وعلاقات مع دول وتنظيمات لا تعي متطلبات المنظومة الدولية، بل تعمل على تقويض الأمن والاستقرار، وعدم تحقيق السلام الذي أقيمت على ضوئه الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
هذه التحالفات كان لا بد لها أن تنكشف وينكشف معها ضعف البعد الاستراتيجي للسياسة الخارجية لقطر بعد عودة الدور الأميركي إلى أصله وزوال الزلزال السياسي الذي أحدثته سياسات أوباما الانهزامية الهزيلة.
إن من أبجديات العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية هي فهم منظومة الضبط والتوازن التي قامت عليها صناعة القرار الأميركي، أي أن الاتفاقيات الدولية مع أميركا تعد بمثابة خط على الرمل ما لم يتفق عليها من قبل السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية الممثلة بمجلس الشيوخ، كما كان الاتفاق النووي بين الملالي وأوباما، وكما كانت كل السياسة الخارجية لحكومة أوباما.
الحكومة القطرية من خلال منظومتها السياسية الخارجية تريد تحقيق معجزة دبلوماسية من خلال بناء علاقات ذات خصائص تُفقدها السيادة مع دول وتنظيمات تظهر العداوة لبعضها البعض..!
فقطر تقبّل يد الملالي من جهة، ومن جهة أخرى ترتمي في أحضان ترمب!! والأدهى من هذا وذاك أنها تحتضن تنظيم الإخوان الذي يسعى الرئيس ترمب لتصنيفه كتنظيم إرهابي.!! في هذا السياق قال جوناثان شانزر، الخبير في الشؤون الدولية خلال تصريح سابق له: إن «قطر التي يفترض أن تكون حليفاً للولايات المتحدة، تسعى بشكل مستمر لتحسين صورة التنظيمات الإرهابية!».
كذلك علقت محطة فوكس نيوز الأميركية على زيارة أمير قطر بقولها «إن تميم بن حمد أمير قطر جاء إلى واشنطن ليتسول رضا الرئيس دونالد ترمب!»، ووصف نيون جينجريتش، رئيس مجلس النواب الأميركي الأسبق، في تصريح لمحطة فوكس بأن زيارة تميم «جاءت من منطلق ضعف!». يغيب عن السياسيين داخل قطر أن صناعة الائتلافات والتحالفات السياسية تحكمها قيم اجتماعية وثقافية وجغرافية وتاريخية، تضع في المقام الأول مصلحة الوطن والمواطن.
بعد زيارة أمير قطر لأميركا وتسليم الأرض والمال دون قيد أو شرط انكشف المستور، وتعرى من خلاله طرح قناة الجزيرة ومنظومتها الإخبارية -المبنية على التحيز بالإغفال، والدعاية الزائفة والأكاذيب الصريحة-. قبل أيام كانت تشن حملة عنيفة ضد واشنطن وورشة المنامة الاقتصادية بوصفها مبادرة أميركية لبيع القضية الفلسطينية.
اليوم وبعد زيارة أمير قطر قدمت لنا هذه القناة مادة ثرية ومثالاً حياً على الطرح المتناقض وأن حبل عدم الموضوعية في الرسالة الإعلامية قصير. فبعد أن كان عقد الصفقات مع من نقل السفارة الأميركية إلى العاصمة الإسرائيلية خيانةً للقضية الفلسطينية وللأمة الإسلامية، أصبح اليوم بعد زيارة أمير قطر وتقديم الولاء -اللا مشروط- لترمب يعد من العبقرية السياسية، ومن متطلبات حل القضية الفلسطينية والنهوض بالأمة الإسلامية.
تحولات الأحداث والمواقف المتخبطة للسياسة الخارجية القطرية تكشف بما لا يدع مجالاً للشك أن قناة الجزيرة مجرد وسيلة قطرية وشبكة مختلطة خاصة ترعاها الدولة؛ ما يحول الشبكة فعليًا إلى أداة دبلوماسية عامة لقطر مدفوعة الأجر، تفتقر لأبجديات الطرح الإعلامي الموضوعي، ومن يعملون بها يدمرون حرية الإعلام من الداخل، مع أول اختبار أثبتت مكينة الدعاية الإعلامية القطرية أنها مجرد حالة من الكذب والتزييف وأداة لتشويه صورة حلفاء أميركا في المنطقة وفق أهواء سياسية، والدليل صمت القبور عن مخرجات لقاء الرئيس الأميركي بتميم وما صاحبه من اتفاقات مليارية تخطت قيمتها قيمة الناتج المحلي لقطر.
إذا لم تعد قطر ومنابرها الإعلامية على وجه السرعة وبصورة عاجلة من أجل «تغيير جذري» لنهجهم السياسي وطرحهم الإعلامي فإن مصداقيتهم ستستمر في التآكل، وقد تصل إلى مرحلة حيث تتضرر بشكل لا يمكن إصلاحه.!
المصدر