يتدربون على استخدام السلاح
بقلم: د. محمد عزت محمد علي
ذكرت التقارير أنه يوجد حالياً في العراق ما يقرب من 20 شركة أمن خاصة، تتولى حماية المنشآت الحيوية (آبار النفط، وأبنية الوزارات، والشخصيات الهامة، ومنهم السفير الأمريكي)، وبعض تلك الشركات كونت فروعًا خاصة بتجميع وتحليل المعلومات، وزودت موظفيها بأحدث التقنيات الأمنية والعسكرية، مثل شركة "جلوبال ريسكس" التي تتعهد حالياً بحماية مطار بغداد الدولي، والتي جندت لهذا الهدف 500 مرتزق من نيبال و500 من جزر فيجي، وهم من الجنسيات الأقل تكلفة من بين 30 جنسية مختلفة تتواجد حالياً على أرض العراق، تعمل لحساب من يدفع أكثر دون وازع أو رقيب.
المرتزقة يعيثون فسادًا في العراق
جاء في تقرير نشرته صحيفة التايمز اللندنية في مايو 2004م "أن عدد البريطانيين العاملين في هذه المجالات الأمنية قد تضاعف خلال عام 2003م، ووصل في عام 2004م إلى 1500، وأن من بينهم ضباط شرطة بريطانيين سابقين وضباط ورجال مظلات وبحرية بريطانيين سابقين"، وقد اعترف المسؤولون العراقيون بأنهم لا يعرفون عدد المرتزقة الموجودين على أرض العراق، في الوقت الذي ذكر فيه وزير الدفاع الأمريكي السابق "رونالد رامسفيلد" أن عددهم يمكن أن يكون قد وصل في عام 2005م إلى 100 ألف، وأرجع سبب استخدامهم إلى أن قوات التحالف لا تستطيع توفير الحماية للدبلوماسيين ورجال الأعمال الأجانب، كما أنه قدر حجم الأموال التي تنفق على شركات الأمن الخاصة بحوالي مليار جنية استرليني سنوياً.
ويذكر "بيتر سينجر" مؤلف كتاب: "محاربو الشركات"، والذي يعمل محللاً في مؤسسة "بروكنز" الشهيرة للأبحاث في أمريكا، أن معظم الحروب التي شاركت فيها الولايات المتحدة في التسعينيات قامت فيها الشركات الخاصة بدور مساعد، وضرب مثلاً لذلك بحروب الصومال وهايتي ورواندا والبلقان وإقليم تيمور الشرقية، أما أبرز الحروب في القرن الحادي والعشرين التي ساهمت فيها الشركات الخاصة بمجهود كبير، فهي الحرب في أفغانستان والعراق.
وعلى الرغم من أن القتلى من المرتزقة لا يحسبون عادة عند الإشارة إلى خسائر قوات التحالف، فإن وزير الخارجية البريطاني "جاك سترو" أعلن عن قلق بريطانيا المتزايد ازاء توحش شركات الأمن الخاصة في العراق، والتي لا يخضع أفرادها لسيطرة القانون.
إن فتح أبواب العراق من جانب قوات التحالف أمام المرتزقة الاجانب للقيام بمهام عسكرية خاصة، يضاف إلى الفتن والقلاقل الداخلية في العراق، ويثير الشكوك فيمن يقومون بكثير من العمليات التي تسئ إلى سمعة العراق والإسلام، وخصوصًا عمليات خطف وذبح الرهائن والاعتداء على المؤسسات والمباني الدولية.
ومع اندلاع حرب الخليج الثالثة وبقاء قوات التحالف في العراق، تجدد الحديث عن دور المرتزقة في الحروب، ومدى إسهامهم في هذه الحرب، وتسترهم وراء مسميات عديدة لا تنطلى على أحد، وهذه المسميات ابتدعتها الشركات التي توظفهم وتوفدهم إلى العراق وتنفق عليهم بسخاء يفوق بكثير ما ينفق على نظرائهم في القوات المسلحة النظامية، وأغلب هذه الشركات أمريكي أو بريطاني، وهذه الفئة شاركت وتشارك في العديد من المهام التي تكلف بها، وأهمها حماية الشخصيات والمواقع الهامة لدى قوات التحالف، إضافة إلى أعمال الإمداد والتموين والاستخبارات وغيرها.
كما ظهرت ضمن أدبيات الحرب الحديثة في أواخر القرن العشرين مسميات مثل: "الحرب عن بعد"، و "الحرب بالوكالة"، و "الحرب غير المتماثلة"،، سمعنا مؤخراً ضمن هذه الأدبيات المستحدثة عن "خصخصة الحروب"، ويقصد بهذا التعبير الحروب التي تشنها أو تشارك فيها قوات مستأجرة من شركات القطاع الخاص ولا تخضع للقوات المسلحة النظامية.
ماذا عن ظاهرة الارتزاق؟
الارتزاق ظاهرة طالما ازدهرت في أعقاب الحروب الكبرى، حيث يتم خفض عدد القوات المحاربة، سواء في صفوف الجيوش المتنصرة أو المنهزمة، ونتيجة لذلك تسعى العديد من تلك العناصر التي تم تسريحها إلى استثمار خبرتها القتالية بعرضها للإيجار لمن يدفع أكثر، وقد اعتقد الكثيرون أن ظاهرة الارتزاق سوف تنخفض بانتهاء الحرب الباردة لانتفاء المواجهة بين الشرق والغرب، إلا أن ما حدث هو العكس تمامًا، فبدلاً من أن تنتهى الظاهرة، فإنها اتخذت شكلاً وغطاءً وآباءً روحيين جددًا، وكثيرًا ما يطلق عليهم لفظ "المستشارين العسكريين"، وقد أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أنشطة المرتزقة في جمعيتها العامة المنعقدة في 30 يناير 1968م، كما أدانها مؤتمر جنيف الدبلوماسي المنعقد عامي 1974، 1977م، ووضع تعريفًا جامعًا مانعًا للمرترقة في المادة (47) من البرتوكول الأول الملحق باتفاقية جنيف لسنة 1977م، جاء فيه أن المرتزق هو:
1. من يجري تجنيده خصيصاً - محلياً أو في الخارج - ليقاتل في نظام مسلح.
2- من يشارك فعلاً ومباشرة في الأعمال العدائية.
3- من يكون حافزة الأساسي من الاشتراك في القتال الرغبة في تحقيق مغنم شخصي.
4- من ليس من رعايا طرف من أطراف النزاع، ولا متواطنًا في إقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع.
5- من ليس عضوًا في القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع.
6- من ليس موفداً في مهمة رسمية من قبل دولة ليست طرفًا في النزاع بوصفة عضوًا في قواتها المسلحة.
المرتزقة عبر التاريخ
هناك ارتباط قائم "بين صناعة المال وصناعة الحرب" وعلى جميع الاطراف المتحاربة أن تأخذ في اعتبارها تأثير عنصر المال في الحرب، لأن إنفاق المال كثيراً ما يسبب حالة من التضخم التي تطيل أمد الحرب.
وتعتبر حرفة الارتزاق عن طريق المتاجرة والمشاركة في الأعمال العسكرية من أقدم الحرف التي احترفها الإنسان - ولا يزال - منذ نشوب الصراعات بين الطوائف والجماعات، وإن كانت هذه الحرفة قد اختلفت طقوسها، وتطورت أساليبها، وحرفت مسمياتها مؤخرًا، ومع ذلك بقى الارتباط وثيقًا بين صناعتي المال والحرب. وتحكى لنا كتب التاريخ القديم أن العبرانين القدامي كانوا من المرتزقة منذ بداية ظهورهم، فكلمة "عبراني" تشير إلى العبد الذي تحول إلى العبودية برضاه، ليصبح عن طواعية أداة في يد الآخر، كما أن كلمة "الخابيرو" تعني العبرانيين أي الجنود المرتزقة، وكانت هذه الكلمة تطلق على جماعات من الرحل أو الغرباء أو الأشقياء المستعدين للانضمام إلى صفوف أي جيش لقاء أجر أو نظير اقتسام الغنائم.
دور المرتزقة في حروب القرن العشرين
انغمس العالم في القرن العشرين في أتون الصراعات العرقية أو المحلية، التي أوقعت به في سباق تسلح رهيب استنزف ثروات البلاد النامية والفقيرة وضاعف من فقرها، حتى أن عدد الحروب بلغ في هذا القرن 172 حربًا تقريبًا، منذ إلقاء قنبلتي هيروشيما ونجازاكي.
وفي معظم هذه الحروب، أسهمت فئة المرتزقة العسكريين بقدر لا يستهان به من الكوارث الإنسانية والدمار والخسائر الضخمة في العتاد والارواح، لأنها فئة لا تحارب دفاعًا عن وطن، وإعمالاً لمبادئ، ولا نشر لرسالة، ولا نصرة لمظلوم، إنما تحارب من أجل جمع الثروات، وفي صف من يدفع أكثر، وتتلون كالحرباء، وتنشر الرعب والخراب حيثما حلت، فهى فئة بلا وازع من ضمير ولا رادع من قيم، ترفع شعار: "قوات جاهزة تحت الطلب لمن يدفع أكثر"، وياله من شعار حقير، ومهما تسترت هذه الفئة وراء الشركات وغيرت من الأسماء، فستبقى وصمة عار في جبين العسكرية، ونقطة سوداء في تاريخ الإنسانية.
التربح من صناعة الحرب
وإذا كانت بعض الحروب والصراعات التي يشهدها العالم مؤخراً تنشب لأسباب عرقية أو دينية - كما في كوسوفا - أو من أجل الصراع على السلطة والنفوذ - كما في أوغندا والكونغو - أو بسبب أعمال اللصوصية - كما في "سيراليون" - أو لاحتراف تجارة محظورة كالأفيون - كما في "أفغانستان" - أو الكوكايين - كما في "كولومبيا" - فإن ذلك يؤكدأن العديد من الحروب الحديثة أصبح يدخلها عنصر التربح التجاري، خصوصاً في الدول ذات الموارد الغنية أو الحكومات الضعيفة والفاسدة. إن الحروب في مثل هذه الدول تخدم بعض المشاركين فيها بدرجة كبيرة، حيث يوفر العنف الغطاء اللازم لاستخراج وتهريب ثروات البلاد، ويفتح المجال واسعًا أمام المرتزقة التي تعمل ضمن الجيوش الخاصة.
وتعد إفريقيالمنطقة الاستراتيجية الأكثر تزعزعا على مستوى العالم، حيث سقطت دولها في أتون حروب أهلية لانهائية وصراعات عرقية مستمرة، وحروب فعلية واسعة النطاق، ومذابح جماعية وصلت إلى حد الإبادة، مما جعل أجزاء كبيرة منها تقع فريسة الفوضى الشاملة، وأصبحت نظرة الكثيرين إليها لا تعدو كونها بئرًا بلاقرار، خصوصاً بعد أن استعانت حكومات إفريقية بقوات من المرتزقة لفرض سيادتها على كامل ترابها الوطني، في مقابل حصول هؤلاء المرتزقة على نصيب من ثروات البلاد.
أسباب محلية وعالمية وراء رواج الارتزاق في إفريقيا
لقد راجت وازدهرت صناعة الارتزاق العسكري في الدول الإفريقية لأسباب عديدة؛ بعضها إفريقي، يرجع إلى التقاليد المنتشرة في الكثير من مناطق القارة، والتي تجعل القبول بفكرة الارتزاق مقبولة ومستساغة، حيث يسود الاعتقاد في هذه المناطق بأن الحكم ينبغي أن يكون لمن يحوز المال والأنصار والعصيبة القبلية، بصرف النظر عن الحق، كما أن انهيار النظام العنصري البائد في جنوب إفريقيا منذ عام 1994م، والذي كان قائماً على التعصب أدى إلى توافر فوائض من الكوادر ذات الخبرات العسكرية والمخابراتية التي لديها معرفة دقيقة بالدول المجاورة التي سبق أن حاربت على أرضها من قبل، ومازالت تلك الكوادر في قمة لياقتها العسكرية، كما أنها في الوقت نفسه ليست موضع ترحيب من النظام الجديد في بلدها بسبب تاريخها الأسود في سجل التفرقة العنصرية، وفي الوقت نفسه يصعب إخضاعها للسيطرة الكاملة مع وجود السوق المزدهرة بالإغراءات في القارة، وصعوبة التكيف مع الحياة المدنية دون رفقاء السلاح.
أما أسباب رواج الاترنزاق العالمية، فترجع إلى تطور العلاقات الدولية منذ بداية التسعينيات من القرن العشرين، بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، وانتهاء الحرب الباردة، واتجاه الولايات المتحدة الأمريكية لمحاولة ملء الفراغ الناتح عن انسحاب الدول الكبرى من إفريقيا، وذلك بالتركيز على تطوير علاقات استراتيجية بين المنظمات غير الحكومية والشركات عابرة القارات، بدلاً من علاقات الدولة دولة التي كانت سائدة في أوروبا زمن الحرب الباردة، كما أن نهاية الحرب الباردة شهدت شبه توقف من الدول الكبرى عن تزويد الدول الإفريقية - وبخاصة جنوب الصحراء - بالأسلحة المجانية، مما أثرّ بشدة على مستوى التسليح بتلك الدول، خصوصاً التي تفتقد البنية الأساسية الاقتصادية، كما أن الإمكانات العسكرية للقوات المسلحة في معظم دول الجنوب الإفريقي لم تعد تمكن الحكومة من فرض كامل سيطرتها على أراضيها ويرجع ضعف هياكل القوات المسلحة في تلك الدول إلى الاستعمار الذي حرص في تكوينة لهذه الهياكل على أن تكون كافية فقط للقيام بمهمة قمع حركات التحرر التي يمكن أن تواجهها.
إن انتهاء المنافسة الأمريكية السوفيتية لم تضع حداً في الواقع للحرب المتفجرة في إفريقيا، وكل ما حدث أنها قلّلت من الأهمية الاستراتيجية لهذه القارة، ومنذ ذلك الحين لم تعد هناك جدوى من خطب ود الدول الإفريقية بغية حشد المزيد من أصوات الدول الحليفة والصديقة، كما أن العديد من الدول الأوروبية - بسبب التقاليد، أو ربما بسبب عدم توفر الإدارة الكافية - قد تحفظت على فكرة التدخل العسكري خارج منطقة حلف شمال الأطلسي، وبصفة خاصة في إفريقيا.
ومنذ بداية التسعينيات، تغيرت مواقف فرنسا من إفريقيا، حيث اتجهت إلى التركيز على شؤون الوحدة الأوروبية، والأخذ بنظام التطوع العسكري منذ عام 1997م، مما أعجزها عن توفير العنصر البشري الكافي لقواعدها في إفريقيا، ولهذا بدأت في خفض قواتها العاملة في ست دول إفريقية هي: السنغال، والجابون، وإفريقيا الوسطى، وساحل العاج، وجيبوتي، وتشاد، ومن المتوقع أن يصل حجم القوات الفرنسية العاملة في إفريقيا في غضون السنوات الأربع القادمة إلى أقل من خمسة آلاف جندي، بعد أن كانت تقدر في الستينيات بأكثر من ثلاثين ألف جندي.
لقد أدى انتصار الرأسمالية على الشيوعية إلى سيطرة الروح التجارية، حتى في مجال أمن الشعوب، لحساب شركات الارتزاق، كما أن المواجهات التي كانت تحدث بين القوى العظمى، تحولت إلى العديد من الحروب والصراعات الصغرى في بؤر كثيرة تفتقد الاستقرار مثل: الكونغو، وزائير، وسيراليون.
كل هذه الأسباب الإقليمية والعالمية وغيرها، كانت وراء ازدهار سوق القوات المرتزقة، حتى أنها أصبحت تشكل صناعة وتجارة مربحة، على الرغم من عمليات التجميل المصطنعة، والتستر تحت حماية الدول المعرضة للقلاقل في آسيا وأمريكيا الجنوبية وأوروبا، وليس في أفريقيا وحدها. وقد بذلت شركات الارتزاق جهودًا كبيرة لتحويل الصورة التقليدية للارتزاق من نشاط إجرامي، محاوِلةً أن تضفي عليه مسحة من الشرعية تحت مسمى الشركات عابرة القارات.
التستر وراء الأقنعة الزائفة
أصبح العمل العسكري في إطار الجيوش الخاصة تجارة مزدهرة وصناعة متنامية، وادعى محترفوه أن أهداف منظماتهم هي نشر الاستقرار والأمن في الدول الضعيفة، وتأهيل قوات نظامية قادرة على حفظ الأمن الداخلي والخارجي لهذه الدول، مع تقديم العتاد اللازم، وهؤلاء يرفضون بشدة صفة المرتزقة، ويفضلون أن تطلق عليهم صفة "الجنود المتعاقدين"، لأن الارتزاق كلمة سيئة السمعة وتحمل في طياتها معاني السلب والنهب وسفك الدماء، أما الجنود المتعاقدون فهم فئة من رجال الأعمال، يديرون عملهم من المكاتب الفخمة، وفي إطار منظمات خاصة تقدم خدمات التدريب والحماية والقتال نيابة عن الغير وعلى نفقته.
إن أغراض شركات الارتزاق واضحة للعيان، مهما تخفت وراء الاقنعة، فهي تقوم بمهام: التجسس، والاغتيالات، وشن حرب العصابات على الدول المجاورة، علاوة على جلب الأسلحة، وتدريب قوات المتمردين في جنوب القارة الإفريقية، والقيام بعمليات التخريب وراء خطوط العدو، وتخطيط وتنفيذ الحملات الدعائية والسياسية، وتوثيق العلاقات مع الشركات العاملة في مجال تعدين الماس والذهب، والدفاع عن ثروات الحكام ونفوذهم، وممارسة التخريب، ونشر الفقر والدمار، لأنها جيوش خاصة لا تخضع لقوانين.
شركات عملاقة وإمكانات هائلة
من أشهر شركات المرتزقة الحديثة والرائدة في جنوب إفريقيا شركة "الفوائد التنفيذية EXECUTE OUTCOMES"، وهي شركة متخصصة في شن الحروب السرية والقيام بدوريات القتال الجوية، وينضم تحت لوائها آلاف المجندين، وقد ظفرت بعقود عمل في دول إفريقية عديدة، بلغت قيمتها مئات الملايين من الدولارات. وقد نصت عقود هذه الشركة على أنها تقدم خدمات أمنية مقابل البترول والماس، كما يدعي مسؤولوها أن شركتهم لا تتعامل إلا مع الحكومات أو بموافقتها. وتتكون هيئة العاملين بالشركة من عناصر الدفاع والشرطة المسرحين من جيش وشرطة جنوب إفريقيا، إلى جانب طيارين من أوكرانيا؛ والشرط الأساسي في اختيار هذه العناصر هو الخدمة السابقة في جيش أو شرطة جنوب إفريقيا، وتستخدم ضمن إمكاناتها طائرات ميج - 27 المقاتلة، والمروحيات الروسية إم -24 "M-24".
ولا تقتصر شركات الارتزاق على جنوب إفريقيا وحدها، ففي الولايات المتحدة الأمريكية، اشتهرت شركة عرفت باسم "شركة الموارد المهنية العسكرية" وتعرف اختصاراً باسم MPRL، وتضم عسكريين أو شبه عسكريين أمريكيين سابقين، وتحتل موقعاً على شبكة الانترنت تحت دعوى أنها تقوم بمهام التدريب على الطائرات العمودية. ويؤكد العاملون بهذه الشركة على أنهم ملتزمون بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية، ومرخص لهم من قبل وزارة الخارجية الأمريكية، وينفون عن أنفسهم صفة المرتزقة.
وفي بريطانيا تم اكتشاف الجمعيات التي تضم المرتزقة وتمتلك المقار الضخمة، ومهمتها تأجير السلاح والقوات إلى سيراليون، متحدية قرار الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة، ومن أهم الشركات العاملة في هذا المجال شركة "النظم الدفاعية البريطانية المحدودة" وتعرف اختصاراً باسم DSL، وهي تستأجر الجنود الذين سبق لهم أن عملوا في سلاح "الخدمات الجوية الخاصة" البريطاني، وقد قامت قوات هذه الشركة بتدريب القوات على التصدي للتمرد ورجال العصابات في كل من غينيا الجديدة وسيريلانكا وموزمبيق وكولومبيا.
وتمتلك شركة "النتائج الحاسمة" المسجلة في كل من المملكة المتحدة وجنوب إفريقيا جيشًا من المرتزقة يقدر قوامه بخمسة آلاف مرتزق، كما تمتلك أسطولاً من طائرات النقل المدنية والعسكرية، وعدداً من طائرات التجسس والاستطلاع، وأسطولاً من الطائرات العمودية الهجومية من طراز ميج - 24، وشركة طيران مدنية تحمل اسم "شركة ابيس" وتشمل رحلاتها دولاً إفريقية وشرق أوسطية وأوروبية؛ كما تمكنت هذه الشركة من شراء عشرات من شركات المرتزقة المنافسة، وكذلك شركة لإدارة امتيازات البترول والمعادن في كل من أنجولا وسيراليون وأوغندا وشمال شرق كنيا وتنزانيا وموزمبيق. وفي عام 1996م حصلت على عقد مع حكومة سيراليون لطرد قوات الجبهة الثورية الموحدة بقيادة "فوداي سنكوه"، وحققت في ذلك نتائج باهرة، وقد قال رئيس شركة "النتائج الحاسمة" في تصريح له: "إن استراتيجيتنا هي الدخول في حوار مع الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية لكي نوضح لهم: من نحن؟ وما الخدمات التي يمكن أن نقدمها؟ وما مدى أهمية هذه الخدمات؟ ونشرح لهم أسباب تميزنا وانخفاض تكلفة عملياتنا التي تصل إلى 10% فقط من تكاليف عملياتهم".
أما شركة "إفريقيا للأمن"، التي أسسها ضابط فرنسي سابق يدعى "باتريك تورن" في عام 1990م، فيعمل بها ما يقرب من 2500 مجند، يقومون بأعمال إخماد المعارضة لحكومات روندا والجابون والكامرون.
ويبلغ مرتب الجندي المرتزق في بعض شركات الارتزاق ما بين عشرين وثلاثين ألف فرنك فرنسي شهرياً، علاوة على تكاليف الإقامة والإعاشة، كما أن شركة E-o تدفع ثلاثة عشر ألف دولار أمريكي شهرياً لكل طيار أو جنوب إفريقي، وألفي دولار لكل ضابط صف، وهذا الدخل يمثل أربعة أمثال ما يدفع لزملائهم في جيش جنوب إفريقيا الذين مازالوا في الخدمة.
والخلاصة إنه عالم غريب، يضم فلول الجيوش المنهارة التي تلهث وراء الشهرة والمال والآثار، بعيداً عن كل اعتبارات وأخلاقيات الشرف العسكري
المصادر
1- مجلة العربي، العدد (428)، اليهود كمستوطنين ومرتزقة، للدكتور عبدالوهاب المسيري.
2- مجلة الحرس الوطني، أعداد متفرقة.
3- مجلة، African business Dec- 1997
4- The Economist- 4/2/2000.
5- صحيفة الأهرام، أخبار وتقارير متفرقة.
6- صحيفة لموند الفرنسية 28-1-2000م.
7- صحيفة لافيجارو الفرنسية 16-5-2000م.
8- نصوص اتفاقيات جنيف والبروتوكولان الإضافيان، جنيف، 1998م.