مفهوم نظرية الاستخبارات الاسرا ئيلية وفلسفتها واسلوب عملها
المقدمة
1. تحتل اجهزة الاستخبارات والامن الاسرائيلية مكانة واهمية بالغتين في البنية الاسرائيلية , وقد ادت ادوارا رئيسة وخطيرة ولاتزال في مجال تعزيز وجود الكيان الاسرائيلي وحمايته وتوسعه , لهذا تعتبر هذه الاجهزة من اهم ادوات الستراتيجية الاسرائيلية ونظريتها الامنية و( الدرع الحصين ) والذراع الطويلة في مواجهة تحديات الامن القومي الاسرائيلي بمختلف اشكالها..وتعتمد القيادة الاسرائيلية على هذه الاجهزة وما تقدمه من معلومات وتقديرات استخبارية استراتيجية وعملياتية في عملية صنع القرارات وفي توجيه سياستها الداخلية والخارجية على حد سواء ..
2. لتنفيذ هذه الستراتيجية تشكلت اجهزة الاستخبارات والامن الاسرائيلية الرئيسة ليضم كل منها دوائر واقسام متخصصة بجمع المعلومات وتحليلها وتقييمها خاصة ما يتعلق منها بالتنظيمات الفلسطينية وقياداتها وانشطتها وتنفيذ العمليات السرية ضدها وبالتنسيق مع اجهزة المخابرات المتحالفة معها..
ميدان البحث في مجال نظرية الاستخبارات الاسرائيلية
3. ان الهالة التي تحيط بهذه الاجهزة وتنظيماتها وانشطتها نابعة في الاساس من محدودية المعرفة بجوهرها وان البحث في نظرية الاستخبارات اعتمد على المتوفر من المصادر العلنية بالدرجة الاساس ومن تلك التي تصدر عن مؤسسات ومسؤولين اسرائيليين في الغالب وخاصة الصادرة باللغة العبرية , وحتى هذه المعلومات , التي قد تكون مسربة عن قصد بوسائل متعددة اعلامية او تنظيمات مشبوهة , يجب ان تخضع للتحليل والتمحيص والتدقيق كلما كان ذلك ممكنا ,للتوصل الى الاستنتاجات الاكثر صوابا وقربا من الحقيقة والواقع .. من هنا تقتضي الضرورة اعطاء العدو حجمه الحقيقي فلا تقزيمه يفيد ولا تضخيمه يحقق الغاية المتوخاة..
4.في كتابه ( اليهودي اللايهودي) يصور ( اسحاق دويتشر) حالة المستوطنين الاسرائيليين والفلسطينيين بشخص سقط من طابق في فندق فوقع بالصدفة على شخص كان عابرا فوقع كلاهما كسيحا , ويرى ( دويتشر) ان عليهما ان يتعاونا للنهوض,والواقع ان اليهودي الذي سقط على الفلسطيني على ارض فلسطين لم يكن قد سقط بالصدفة بل كان عملا مخططا له وجزءا من مشروع مدروس ومحمي بايديولوجية معلنة وليس هناك من خيار امام الفلسطيني الا التعامل مع هذا المشروع انطلاقا من حسابات دقيقة وبما يخدم قضيته العادلة على كافة الاصعدة و المستويات , فهذا قدره لان الصراع ليس مجرد صدفة بل هو مصيري وتشكل معرفة العدو العنصر الاكثر اهمية وتاثيرا فيه , وبالطبع فان هذا لايتم بمعزل عن التعاون والتنسيق مع الدول العربية والاسلامية والصديقة ..
5.ان الباحث المتتبع لما ينشر من معلومات في المصادر العلنية يجد ان هناك تشابها كبيرا فيما تحتوي هذه المصادر وتطرحه عن الانشطة الاستخبارية وهذا يعني ان هناك مادة قليلة مكررة بصيغ واشكال مختلفة لكنها تتوزع على اكبر عدد من المصادر العلنية الاسرائيلية والعربية والاجنبية , وهذا الموضوع يشكل معضلة بالنسبة للباحثين المختصين في مجال الاستخبارات , خاصة المبتدئين منهم , غالبا ما ينتج عنها اخطاء كثيرة .. ولاجل تفادي هذه الاخطاء او التكرار او التضليل المتعمد للمعلومات والمادة المنشورة وتقديم مادة مقبولة ومفيدة للقارىء العربي وللمختصين في هذا المجال فقد عمد الباحث الى جعل منهج دراسته يرتكز على ما ياتي :
أ . الرجوع الى المصادر الاصلية , سواء المنشورة باللغة العبرية وترجمتها من قبل الباحث شخصيا او المترجمة عنها, وخاصة الصادرة عن مراكز الابحاث والمسؤولين الامنيين الاسرائيليين بعد اخضاعها للتحليل والاستنتاج..
ب.الاستعانة بالمصادر الفلسطينية والعربية المتخصصة والرصينة وكذلك بالمصادر الخاصة ..
ج.اجتزاء ( نصوص) وادراجها في الدراسة للتعزيز والتدليل , مع الاشارة الى ذلك في سياق الشرح او قائمة المصادر ..
د. اعتماد مبدا التحليل والترابط المنطقي لمواد وفقرات الدراسة واغنائها واثرائها بما يعتقده الباحث انها قريبة من الواقع مستعينا بخبرات اشخاص متخصصين في هذا المجال تم اللقاء بهم لهذا الغرض..
مفهوم نظرية الاستخبارات الاسرائيلية
6. تقوم نظرية الاستخبارات الاسرائيلية على اساس تعددية الاجهزة الامنية والاستخبارية والبحثية لغرض خلق حالة من التنافس فيما بينها من اجل خدمة الامن القومي الاسرائيلي وللتقليل من احتمالات المباغتة العربية , بالاضافة الى بناء اجهزة متعددة تقوم على اساس التخصص في المهام والعمل حسب الموقع الجغرافي ..
7.ان الخبرة الاستخبارية التي يتلقاها المسؤولون الاسرائيليون من الغرب بشكل خاص تنعكس هي الاخرى على وضع النظرية الاستخبارية موضع التطبيق في مجالات التنظيم والتخصص ولهذا نجدها في الغالب من حيث المهام والمسؤوليات والتنظيم تتشابه مع مثيلاتها من الاجهزة الاخرى في الدول الغربية ..
8. ثمة عامل اخر ساهم في هذه التعددية هو طبيعة ( العدو) المقابل وتهديدات الامن الاسرائيلي كالانتفاضة الفلسطينية على سبيل المثال لا الحصر ..
9. من مزايا هذه التعددية ايضا هي انها منحت الاجهزة نوعا من الاستقلالية ولكن هذه الحالة لن تخلو من عيوب وثغرات عانت منها هذه الاجهزة والقيادة الاسرائيلية على حد سواء منذ مرحلة التاسيس الرسمي والمنظم لها في بداية الخمسينات , ومن ذلك ان الاهداف والمهمات الملقاة على عاتقها كثيرة ومتعددة وبعضها صعبا , فهي تتطلب نطاق معلومات واسع وشامل وتفصيلي وفي ميادين كثيرة وانتشار على مساحة جغرافية واسعة في العالم ومواجهة اجهزة استخبارية وامنية ونظم سياسية متقدمة ونامية .. وقد انعكس هذا على وضع وامكانيات الاجهزة الاسرائيلية لانها تتطلب قدرات فنية وبشرية كبيرة وكلف مادية عالية وهياكل تنظيمية ادارية كبيرة ومتعددة ….الخ ومع ان قيادة العدو الاسرائيلي وضعت لها عددا من المعالجات , لامجال لذكرها هنا , الا انها كانت حلولا جزئية وليست جذرية مازالت تشكل معضلة تعاني منها الاجهزة الاسرائيلية حتى الوقت الحاضر .
10. مما جاء في اعلاه تتضح وجهة النظر الاسرائيلية حول التعددية الاستخبارية على النحو الاتي:
أ. ان التنسيق حالة ملحة وضرورية لاجهزة الاستخبارات وهي انعكاس طبيعي وتحصيل حاصل لتعددية الاجهزة..
ب . ان خطوط وقنوات التنسيق في البنى التحتية والفوقية للاجهزة الامنية غير كافية وتعاني من مشاكل وعيوب ..
ج . ان ايجاد التعددية لخلق حالة التنافس بقدر ماهي حالة مفيدة لكونها تعزز حالة الفردية في العمل وتسير بالاتجاه المعاكس للتنسيق خاصة عندما يتولى قيادة احد هذه الاجهزة او بعضها في الخط الاول والثاني قادة ذوي ميول ونزعات فردية في العمل .
فلسفة نظرية الاستخبارات الاسرائيلية
11. ان فلسفة الاستخبارات الاسرائيلية تنبع اساسا من طبيعة المجتمع الاسرائيلي حيث السمة الغالبة لهذا المجتمع هي التنافر وعدم الانسجام نتيجة لتعدد الجنسيات واختلاف البيئات التي جاء منها اليهود لاقامة الاستيطان الاحلالي في فلسطين , فقد نقلت جماعات المهاجرين عاداتها وتقاليدها وطرق معيشتها المتباينة الى الكيان الاسرائيلي الغاصب,ويتضح ذلك التنافر في التفرقة العنصرية السائدة داخل هذا الكيان بين طوائف الاشكنازيم والسفاراديم واليهود السود ( الفلاشا ) وتتاكد هذه الخلافات ايضا داخل المجتمع الاسرائيلي حيث ينقسم الى جناحين رئيسيين : الاول ديني والثاني علماني , الامر الذي ترك بصمات اجتماعية سلبية على مجمل الحياة داخل اسرائيل ..
12. في ضوء هذا الواقع تعمل القيادة الاسرائيلية على صهر المجتمع الاسرائيلي في بوتقة واحدة في محاولة منها لخلق مجتمع متجانس له طابعه وسماته المشتركة وذلك بتنفيذ سلسلة من الاجرات ابرزها:
أ . استخدام الجيش للتجنيد الاجباري كوسيلة من وسائل صهر المجتمع ..
ب. توحيد مناهج التعليم لخلق ثقافة مشتركة ..
ج. تامين حد ادنى لمستوى المعيشة وادخال العمال في الهستدروت ..
د. اقامة مستعمرات خاصة بالشباب ليكونوا نواة المجتمع في المستقبل ..
هـ. اقرار اللغة العبرية ونشرها لخلق قاسم مشترك جديد غير الديانة اليهودية يجتمع عليه الاسرائيليون و المتدينون ..
و. تلقين الصغار والكبار مبادىء الحركة الصهيونية القائمة على مثلث ( الهجرة والاستيطان – القوة – ألصفاء العرقي ) ..
13. استنادا الى ماتقدم فان الصهيونية العالمية نجحت , من جانب اخر , في ان تغرس في نفوس المستوطنين الصهاينة منذ بداية الاستيطان الصهيوني لفلسطين عقيدة سارت عليها الاستخبارات الاسرائيلية اهم مرتكزاتها هي :
أ. ان اسرائيل في حالة حرب دائمة مع الاقطار العربية حتى تحقق اهدافها بالكامل..
ب. ان اسرائيل تشكل نقطة ارتكاز ليهود العالم وهي تسعى الى تهويد الاراضي الفلسطينية بكافة الوسائل وتهجير سكاتها العرب لاستيطان اكبر عدد من اليهود ..
ج. ان قيام ( الدولة ) هو تحقيق لاسطورة توراتية صنعها اليهود منذ القدم وتمكنوا من اقناع الغربيين بها وهي أن الرب وعدهم بارض الميعاد ..
د. ان تاسيس هذه ( الدولة ) مسؤولية دينية واجبة على كل
يهودي في بقعة من العالم ..
هـ. ان ولاء اليهودي مهما كانت جنسيته يجب ان يكون للوطن
الام اسرائيل وتحقيق امن واستقرار ( الدولة ) وازدهارها هو الخطوة الاولى لعودة ملكوت اسرائيل طبقا للوعد الالهي ..
14. في ضوء العقيدة انفة الذكر خططت قيادة العدو الاسرائيلي وبالتشاور مع اجهزتها الاستخبارية والامنية من اجل استغلال الظروف التي مرت بها الجاليات اليهودية في مختلف انحاء العالم , مستغلة الكراهية التي كانت سائدة ضدهم ، في تلقين اطفالهم العقيدة الدينية والسياسية ولقد استخدمت الصهيونية العالمية اساليب مختلفة لابقاء جذوة هذه العقيدة مشتعلة, فقد حرصت , وما تزال , على ان تذكر اليهود في العالم والراي العام العالمي دائما وبكل الطرق بحق اليهود في العودة الى ارض الميعاد ..
15. لقد افرزت مرتكزات نظرية الاستخبارات الاسرائيلية وعقيدتها فلسفة خاصة بالعنف والارهاب يمكن ايجازها على النحو الاتي :
أ. اذا ضربت احد الكوادر ( المعادية ) فان ظهور بديل له سيستغرق وقتا طويلا وبالتالي سيفكك الشبكة ( المعادية ) وربما سيمزقها ..
ب. الاغتيال يعني القضاء على الكادر القيادي الاكثر خبرة وخطورة وهذا يعني انك حققت الردع ضد الاخرين ..
ج. ان اغتيال الخصوم يرفع معنويات الاسرائيليين ويكون تاثيره سلبيا على اتباع هؤلاء الخصوم خاصة اذا جرى التخطيط للعملية وتنفيذها بطريقة استعراضية ونظيفة ومن دون ان تترك أي اثر ..
دوراجهزة الامن والاستخبارات الاسرائيلية في صناعة القرار السياسي ( تصفية القيادات الفلسطينية نموذجا)بقلم: عبدالوهاب محمد الجبوري
تاريخ النشر : Monday, 18 September 2006
دوراجهزة الامن والاستخبارات الاسرائيلية في صناعة القرار السياسي ( تصفية القيادات الفلسطينية نموذجا)
بقلم الباحث : عبدالوهاب محمد الجبوري
1. معروف أن صناعة القرار السياسي في اسرائيل امر يرتبط بوجودها غير الشرعي على الارض الفلسطينية وكذلك يرتبط بادراك العوامل المحركة والرابطة للاحداث والتطورات الداخلية والخارجية بغية الوصول الى تحديد واضح للسلوك الاسرائيلي تجاه ( ازمة ما ) والباحث في السياسة الاسرائيلية يجد انها تتسم بثلاث سمات رئيسة هي :
أ.الثقافة السياسية , التي تعبر عن مجموعة العقائد والافكار التي يعتنقها صانعو القرارات..
ب. اصطباغ السياسة بالصيغة الاجتماعية او ما يسمى التفاعل الاجتماعي للسياسة ..
ج. خصائص البنيان السياسي ذاته ..
2. من دراسة هذه السمات وتطبيقاتها الميدانية , حتى قبل ظهور الكيان الاسرائيلي للوجود عام 1948 , نجد ان هذا الكيان العنصري التوسعي هو كيان منتج للعنف والارهاب بحكم طبيعته وتكوينه البنيوي وتشكله التاريخي ولا يمكن لهذا الكيان ان يتخلى عن العنف حتى لو اراد ذلك لان المجتمع الاسرائيلي لايمكن ان ينتج شيئا بعيدا عن الارهاب لانه متشبع بمبادىء الحركة الصهيونية , القائمة على العنف والارهاب, والتي اقرها مؤتمرها التاسيسي في بازل بسويسرا عام 1897 وما تلاها من مؤتمرات وقرارات وممارسات ارهابية لاحقا , وانواع الارهاب حسب الفلسفة الصهيونية ثلاثة هي :
أ. الارهاب المادي : الذي يعني الاستخدام غير العادل للقوة بشكل سلوك
فعلي او لفظي لالحاق الاذى بالاخرين ..
ب. الارهاب الرمزي : الذي يستهدف الحاق الضرر بالطرف الذي يمارس عليه الارهاب والعنف سايكولوجيا لزعزعة شعوره بالامن والطمأنينة وخلخلة توازنه ..
ج. الارهاب الفكري : هو المقدمة التي يتكىء عليها الارهاب المادي والرمزي , فيعمد الى تجريد ( الضحية ) باستخدام الية التهميش والتغييب وهو ما تطبقه اسرائيل حاليا في الاراضي العربية المحتلة ومن بين اجراءاتها , على سبيل المثال , الغاء اسماء القرى والبلدات والشوارع الفلسطينية ..
3. حسب هذا المفهوم الاسرائيلي للعنف والارهاب فأن القوى الفاعلة والضاغطة في اسرائيل , والتي تتحكم في مسارات السياسة الارهابية الاسرائيلية , تتمثل في الاحزاب السياسية والجماعات الضاغطة او ذات المصالح التي تلعب دورا فاعلا في التاثير على شكل القرار وطبيعته ومحتواه .. ومن تصنيفات هذه الجماعات تبرز المؤسسة العسكرية والاجهزة الاستخبارية والامنية الاسرائيلية وما يسمى يهود الشتات واتحاد العمال اليهود او الهستدروت , وبعض هذه الجماعات قليلة التأثير و سريعة الزوال لكن البعض الاخر يتصف بالتركيب الحيوي المستمر ومن ذوي الاهمية خاصة تجاه قضايا حيوية بالنسبة لاسرائيل ومن ذلك الموقف من عمليات المقاومة الفلسطينية والانتفاضة وغيرهما ..
4. فالمؤسسة العسكرية تمثل مركز الصدارة لاعتبارات قوية جعلت منها احد العناصرالتي منها وبها يتشكل القرار السياسي على اساس أن الامن , حسب الادبيات الاسرائيلية , هو الاطار الذي يتحكم في العمل السياسي ..
جدير بالذكر ان دور العسكريين في الحياة السياسية الاسرائيلية يعتمد بشكل كبير على دور رئيس الوزراء ووزير الدفاع ..
ويمكن تلمس ذلك في الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها اولمرت حاليا , وقبله شارون , والذي يتمكن من اتخاذ قرارات مهمة وشاملة وخطيرة مثل اعلان الطوارىء وتعبية الاحتياط لمواجهة الظروف الطارئة كما يحصل في الاجراءات القسرية التي تنفذها قوات الاحتلال ..
5. التصنيف الثاني الذي يلعب دورا اساسيا في صناعة القرار السياسي وخاصة مايتعلق بالارهاب والعنف والتصفية الجسدية هي الاجهزة الاستخبارية الاسرائيلية التي تحتل موقعا متقدما وخطيرا في بنية الكيان الاسرائيلي , لذلك تعد من اهم ادوات الستراتيجية والحرب الاسرائيلية وتعتمد عليها قيادة العدو في عملية صنع القرارات السياسية وفي توجيه سياستها الداخلية والخارجية والعسكرية وذلك استنادا لمهامها وتنظيمها وخصائصها , وللاستخبارات الاسرائيلية خاصية تختلف عن باقي اجهزة الاستخبارات في العالم كونها تشكل العمود الفقري لنظرية الامن الاسرائيلي , وهذه الاخيرة تمثل جوهر العقيدة العسكرية الاسرائيلية , وعليها يتوقف بقاء ( الدولة ) واستقرارها في كيانها الحالي ..من هذا يتبين ان هذه الاجهزة تحظى ايضا باهتمام وعناية من الدرجة الاولى مقارنة بالمؤسسات الاسرائيلية الاخرى
6. أن القرارات السياسية الخطيرة والمصيرية في اسرائيل تبنى على ما تقدمه اجهزتها الاستخبارية من معلومات وتقديرات وانذارات عن ( العدو) وتتمثل مساهمة هذه الاجهزة في رسم السياسة الاسرائيلية في صورتين هما :
أ. تقديرات وتوقعات بشان موضوع محدد ومبلور , الهدف منها مساعدة صانع القرار في عملية اتخاذ القرار او مجموعة القرارات ..
ب. تقديرات جارية ومستنفذة تشمل مجالات اهتمام صانعي القرارات ويكون الهدف منها في هذه الحالة اطلاع المستوى القيادي على التطورات المستجدة وشحذ ادراكهم ويقظتهم تجاه المعضلات والتحديات الاكثر خطرا واهمية بالنسبة لاسرائيل ..
في الصورة الاولى : تقديرات تمهيدا لاتخاذ القرار السياسي , الستراتيجي , وهنا تكون الاستخبارات احدى الهيئات الرئيسة التي تساعد على توضيح الاحتمالات التي تواجه القادة السياسيين تمهيدا لاتخاذ القرار , فمثلا : مساهمة هذه الاجهزة بمساعدة صانعي القرار بشأن موضوع الانتفاضة والثورة الشعبية الفلسطينية , تركزت بشكل خاص على جمع المعلومات الدقيقة عن اماكن تواجد الفدائيين والابلاغ المسبق عن استعدادهم للقيام بعملية فدائية في احدى المناطق الفلسطينية المحتلة , وعندما ينجح الفدائيون في تنفيذ عمليتهم الفدائية ضد اهداف اسرائيلية يعمل الموساد والاستخبارات العسكرية وجهاز الامن العام على تزويد صانعي القرارات بالمعلومات لتحديد هوية منفذي العملية وقواعدهم ومن ثم تقديم المعلومات والمشورة ودراسة الاحتمالات للعمل المضاد وهنا تشارك الاستخبارات العسكرية ( أمان) بثقل في هذه المرحلة كونها تتطلب اتخاذ اجراءات عسكرية معينة ..
ان هذه المعلومات الوضعية تشكل مساهمة ذات اهمية كبيرة , وحاسمة احيانا , في عملية اتخاذ قرار الرد على العملية الفدائية ..
في الصورة الثانية : الموجهة لاثراء معلومات ومعرفة ويقظة صانعي القرار بشكل اوسع تبرز هنالك قيود الاستخبارات سواء في مجال المواضيع او في مجال الصورة والعمق في عرضها .. فالانذار الاستخباري الفوري هو الذي يفرض الى درجة كبيرة مدى وافق المواضيع , في حين ان النظرة للمسائل الاساسية في السياسة الخارجية , هي بشكل عام تتجاوز افق النظرة الانذارية الفورية .. وهنا قد يحصل تقاطع بين تقييم ومشورة اجهزة الاستخبارات وبين تقييم الجانب السياسي للموضوع وهذه الحالة هي من افرازات الفشل الاستخبار ي الاسرائيلي الذي تكرر اكثر من مرة , ولذلك اتخذت الحكومة الاسرائيلية جملة من الاجراءات لاحتواء هذه الحالة ( لامجال لذكرها هنا ) ولكن الامر ظل بين مد وجزر ومناقشات مطولة ولم يحسم بشكل نهائي كونه يتعلق بنظرة وفهم واجتهادات شخصية لكل من قادة الاجهزة الاستخبارية والقادة السياسيين وهذا يفسر سبب حصول تغييرات مستمرة لبعض القادة الاستخباريين والسياسيين والعسكريين بين الحين والاخر ..
7. ان مدراء ورؤساء الاجهزة الامنية والاستخبارية يساهمون هم الاخرون في عملية المناقشة مع القادة السياسيين والعسكريين حول المواقف والاحداث والقرارات من خلال اللجان السياسية والعسكرية والتي هم اعضاء فيها او يستدعون اليها عند الحاجة ( هيئة الاركان العامة في الجيش , اللجنة الوزارية لشؤون الامن , لجنة الخارجية و الامن في الكنيست ….الخ ) لذلك فهم يساهمون شخصيا ببناء ووضع القرارات الى جانب المعلومات والانذارات والتقديرات التي تقدمها اجهزتهم للقيادة الاسرائيلية ..ومن الامثلة على ذلك المشورة التي قدمتها اجهزة الاستخبارات لرئيس الوزراء شارون منتصف شهر ايلول عام 2002 بعدم تصفية او ابعاد الرئيس الراحل ياسرعرفات من رام الله والاستمرار بمحاصرته ومضايقته لتحقيق اهداف سياسية وعسكرية ونفسية محددة ..
8. من جانب اخر فان صاحب القرار السياسي الذي يعتمد على معلومات الاستخبارات في صنع قراراته السياسية دائما يتاثر بقدرات وحدود التقدير والتحليل الاستخباري لهذه الاجهزة , وهذه مسالة ذات أهمية حيوية بالنسبة لصانعي السياسة , لذلك نجد ان نظرية الاستخبارات الاسرائيلية في تقديم التقديرات الاستخبارية لصانع القرار السياسي ترتبط دائما بمواقف ثلاثة كل موقف له شروطه الخاصة وهي :
أ. قيام الاستخبارات بقراءة القرارات المتخذة من قبل الجانب السياسي . بصورة صحيحة وفي الوقت المناسب ..
ب. تولي الاستخبارات تحديد ردود الفعل المحتملة والممكنة تجاه موقف معين واي من هذه الردود هو الاكثر احتمالا ..
ج.ينبغي على الاستخبارات تحديد بداية أي عملية وان تراقب عن كثب تطورها وان تعرف في وقت مبكر لحظة القرار..
تنسيق عمل الاجهزة الامنية والاستخبارية ميدانيا
9.لغرض اعداد ملفات التصفية الجسدية وأحكام صياغة القرارات الخاصة بعمليات الارهاب والعدوان العسكري ضد ابناء شعبنا الفلسطيني المجاهد وقياداته وممتلكاته , كنموذج لصناعة القرار السياسي , تتولى لجنة رؤساء الاجهزة والمعروفة باسم ( فاعادات) - وهي الهيئة التي تنسق بين عمليات وانشطة اجهزة الامن والاستخبارات والتي يشرف عليها رئيس الوزراء شخصيا او ينوب عنه مدير الموساد عند غيابه - ادارة الاجتماعات الخاصة باتخاذ مثل هذا القرار , وهذه الاجتماعات يحضرها في بعض الاحيان وزير الدفاع او أي مسؤول اخر تتطلب المهمة التجسسية او الارهابية او العسكرية حضوره في مقر جهاز الموساد في ضواحي تل ابيب او في مدرسة الاستخبارات العسكرية شمالي تل ابيب على الطريق المؤدية الى مطار ( سديه دوف) او في غيرها من المقرات الامنية .
10.يتم خلال هذه الاجتماعات تبادل وتنسيق المعلومات والخبرات والاراء التي تساعد في بلورة قرارات العمليات السرية الجديدة وطرق تنفيذها ضد الاهداف والمؤسسات الفلسطينية .. وتشير بعض المصادر المتخصصة بالاستخبارات الاسرائيلية ( انظر : قصي عدنان عباس في كتابه المخابرات الاسرائيلية ) ان احد اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية يتولى افتتاح هذا الملف الاساسي ثم توزيعه على ممثلي الاجهزة الامنية ذات العلاقة وهي الموساد والامان والشاباخ وكل طرف من هذه الاجهزة يقوم برسم خطته وتحديد وسائل العلاج والمتابعة الخاصة به بناء على حدود صلاحياته ونطاق مسؤولياته
11. بعد ذلك تقوم الاجهزة الثلاثة المذكورة بجمع المعلومات عن الهدف المطلوب , وكل حسب وسائل تجسسه الخاصة من المصادر البشرية والالكترونية , ثم ترسل هذه المعلومات الى ( بنك معلومات ) مشترك , مهمته الاشراف على تحليلها وتقييمها بطرق مختلفة , بناء على درجة الاهتمام الموجودة لدى كل جهاز لذلك الهدف ..وجدير بالذكر ان قسم جمع المعلومات في الاستخبارات العسكرية ( امان ) هو الذي يتولى مسؤولية الاشراف على ادارة مهام ذلك ( البنك المشترك ) ..
12. بعد عملية جمع المعلومات عن الهدف واجراء التحليل الاستخباري والامني لها والتوصل الى استنتاج مشترك مفاده ان الهدف يشكل خطرا على اسرائيل وانه ينوي القيام بعمل مباشر ضدها يباشر فورا بوضع الخطط المقترحة للاغتيال او للقيام بالعمل العسكري المطلوب ضد هذا الهدف ..
13. تقوم بعد ذلك لجنة فاعادات بدراسة الخطط المقترحة من كافة جوانبها لحين القرار على خطة واحدة , ويتركز جانب مهم من مراحل اعداد عملية التنفيذ على كل الاحتمالات بما في ذلك اعداد خطط بديلة وطرق فرار وانسحاب مختلفة وكل ذلك يتم وفقا لتطور الاوضاع على الارض ..
14. ان عملية التصفية الجسدية مسالة استخبارية ميدانية معقدة يشارك فيها عادة عشرات العناصر , وبسبب التكتم الشديد عليها لايسمح الا باطلاع عدد محدود جدا من المسؤولين على تفاصيل الخطة النهائية للعملية بعد ان يصادق عليها المجلس الوزاري الامني , واذا كانت العملية تختص بجهاز واحد فقط فان هذا الجهاز غير ملزم بكشف تفاصيلها او وصف الية العمل , لكنه ملزم بتحديد وقت العملية ومكان تنفيذها لعدم حصول تقاطعات في العمل او تضارب في مصالح الاجهزة الاخرى التي تعمل في نفس الوقت في نفس المنطقة او تمس بعملية جمع معلومات يقوم بها جهاز اخر ..الا ان الكثير من عمليات الاغتيال التي نفذت كانت باشتراك جهازين على الاغلب ..
اساليب اجهزة الاستخبارات في تصفية القيادات الفلسطينية
15.تقوم اجهزة الاستخبارات والامن الاسرائيلية بتنفيذ عملياتها بوسائل مختلفة ومنها :
أ. استخدام الوحدات العسكرية والقوة الجوية والسمتيات والدبابات والمدفعية والصواريخ الموجهة والقطع البحرية والعبوات الناسفة التي توضع في العجلات او في مكان الهدف ويتم تفجيرها بتوقيت زمني محدد او بالتفجير المسيطر عليه عن بعد وكذلك قصف المنازل والمقرات التي يتواجد فيها الهدف المطلوب ..
ب. استخدام الغازات الكيمياوية , حيث اشارت مصادر مطلعة ان قوات الاحتلال الاسرائيلي استخدمت خلال الانتفاضتين الاخيرتين ثلاثة انواع من الغازات هي : غاز مسيل للدموع(cn) وغاز مهيج للاغشية المخاطية (dm) وعبوة رصاصية امريكية الصنع تحوي غاز (cn + dm)وغاز سام مجهول بالاضافة الى استخدام الغازات المسببة لحالات الاغماء والانهيار وشل القدرة
ج. استخدام وحدات القناصة لقتل واصابة القيادات الفلسطينية وتركيز الاصابة في مناطق الراس والصدر ..
د.مشاغلة اهداف فلسطينية في غزة ومدن فلسطينية اخرى بصواريخ ارض-ارض التعبوية ..
هـ. استخدام وحدات ( دوفدوفان وشمشون ) وهي وحدات من المستعربين في الجيش الاسرائيلي لتنفبذ عمليات تصفية جسدية ضد كوادر الانتفاضة والقيادات الثورية الفلسطينية ..
و.استخدام عناصر من جيش لحد لتنفيذ مثل تلك العمليات وظهر ان هذا جزء لايتجزأ من خطة ( حقل الاشواك التي سنتحدث عنها في مقالة لاحقة انشاء الله)لتكون ردا على أي انتفاضة لشعبنا الفلسطيني المجاهد ..
ز. قيام عناصر الامن العام باقتحام المناطق الفلسطينية عن طريق التسلل اولا ثم الانتشار المقنع في الضفة والقطاع وفي المناطق الحساسة ..
ح. استخدام الوحدات المظلية والقوات الخاصة لاقتحام محاور الطرق والمدن والمناطق المأهولة بمشاركة طائرات الكوبرا وبلاك هوك والاباتشي والشينوك المروحية ..
ط. استخدام التعري لاصطياد شبان الانتفاضة والثورة الشعبية , وتعد هذه من اقذر الوسائل التي تستخدمها الاجهزة الاستخبارية والامنية الاسرائيلية لتحقبق اهدافها , لكنها لاتشكل مفاجاة بالنسبة للمطلعين على تعاليم التلمود التي توصي باستخدام الجنس والمال لتحقيق المطامع الصهيونية .. وقد اكدت هذه المعلومات مصادر فلسطينية مطلعة وذكرت ان سلطات الاحتلال تلجأ الى الحيل لاصطياد شبان الثورة الفلسطينية والانتفاضة بما في ذلك استخدام المجندات الاسرائيليات من وحدات سلاح النساء ( حيل ناشيم ) في التعري امامهم ثم اطلاق النار عليهم ..
ي.استخدام طريقة جديدة في تعذيب المعتقلين الفلسطينيين هي التعذيب عن بعد بالريموت كونترول , فقد كشف تقرير اعدته لجنة اسرائيلية مناهضة للتعذيب النقاب عن ان خبراء الامن الداخلي ابتدعوا هذه الطريقة , واعترفت اللجنة ان عناصر الشاباخ مستمرون في اساليب تعذيبهم للسجناء الفلسطينيين بطرق واساليب اجرامية لاانسانية منها جلسة الضفدع وربط اليدين والرجلين والهز العنيف ومنع النوم …الخ ( وهناك مقالة خاصة عن اساليب التعذيب الاسرائيلية الوحشية ) ..
ك. .استخدام القوات الاسرائيلية لمنظومات الاسلحة الاكثر تطورا ووحشية وتدميرا وكذلك الاسلحة المحرمة دوليا كاليورانيوم المنضب حيث اكدت مصادر رسمية وغير رسمية ومنها منظمة ( انترناشيونال اكشن سنتر ) الامريكية ان القوات الاسرائيلية قصفت مكاتب حركة فتح في رام الله بقذائف وصواريخ احتوت على اليورانيوم المنضب اطلقت من طائرات الهيليكوبتر والاباتشي والكوبرا.. ( تنويه: لمن يريد من القراء الكرام معرفة المزيد عن مقذوفات اليورانيوم المنضب ومكوناتها واساليب استخدامها وتاثيراتها على الانسان والنبات والحيوان والبيئة يمكنه الكتابة مباشرة الى الباحث ) ..
وقد اعترفت صحيفة ( يديعوت احرونوت )الصادرة بتاريخ 10/ 1/ 2001
ان هذه القذائف موجودة ومستخدمة من قبل القوات الاسرائيلية منذ عشرين
عاما واضافت انه يتم تجهيز الطرادات البحرية القاذفة للصواريخ بمدافع خاصة نوع ( فالكون ) عيار 20 ملم قادرة على اطلاق ما بين ( 2000 – 6000) اطلاقة يورانيوم بالدقيقة ..كذلك استخدمت قوات اسرائيلية اعتدة الدمدم والاطلاقات المطاطية وقنابل النابالم والقنابر الذكية والعنقودية والفراغية وكلها اسلحة متطورة وخطيرة وذات تاثيرات هائلة تكاد تصل الى مستوى تاثيرات الاسلحة النووية التعبوية .. جدير بالذكر ان هذه الترسانة العسكرية المدمرة والمخصصة اصلا لقتال الجيوش النظامية في الميدان , والتي تم تحريمها دوليا , قد استخدمتها القوات الاسرائيلية بعشوائية وهمجية لم يشهد لها التاريخ مثيلا ضد شعب اعزل يقاتل بالحجارة وضد اهداف مدنية خالية من أي وسائل الدفاع والحماية .. الاستخبارات والامن الاسرائيلية.
المقدمة
1. تحتل اجهزة الاستخبارات والامن الاسرائيلية مكانة واهمية بالغتين في البنية الاسرائيلية , وقد ادت ادوارا رئيسة وخطيرة ولاتزال في مجال تعزيز وجود الكيان الاسرائيلي وحمايته وتوسعه , لهذا تعتبر هذه الاجهزة من اهم ادوات الستراتيجية الاسرائيلية ونظريتها الامنية و( الدرع الحصين ) والذراع الطويلة في مواجهة تحديات الامن القومي الاسرائيلي بمختلف اشكالها..وتعتمد القيادة الاسرائيلية على هذه الاجهزة وما تقدمه من معلومات وتقديرات استخبارية استراتيجية وعملياتية في عملية صنع القرارات وفي توجيه سياستها الداخلية والخارجية على حد سواء ..
2. لتنفيذ هذه الستراتيجية تشكلت اجهزة الاستخبارات والامن الاسرائيلية الرئيسة ليضم كل منها دوائر واقسام متخصصة بجمع المعلومات وتحليلها وتقييمها خاصة ما يتعلق منها بالتنظيمات الفلسطينية وقياداتها وانشطتها وتنفيذ العمليات السرية ضدها وبالتنسيق مع اجهزة المخابرات المتحالفة معها..
ميدان البحث في مجال نظرية الاستخبارات الاسرائيلية
3. ان الهالة التي تحيط بهذه الاجهزة وتنظيماتها وانشطتها نابعة في الاساس من محدودية المعرفة بجوهرها وان البحث في نظرية الاستخبارات اعتمد على المتوفر من المصادر العلنية بالدرجة الاساس ومن تلك التي تصدر عن مؤسسات ومسؤولين اسرائيليين في الغالب وخاصة الصادرة باللغة العبرية , وحتى هذه المعلومات , التي قد تكون مسربة عن قصد بوسائل متعددة اعلامية او تنظيمات مشبوهة , يجب ان تخضع للتحليل والتمحيص والتدقيق كلما كان ذلك ممكنا ,للتوصل الى الاستنتاجات الاكثر صوابا وقربا من الحقيقة والواقع .. من هنا تقتضي الضرورة اعطاء العدو حجمه الحقيقي فلا تقزيمه يفيد ولا تضخيمه يحقق الغاية المتوخاة..
4.في كتابه ( اليهودي اللايهودي) يصور ( اسحاق دويتشر) حالة المستوطنين الاسرائيليين والفلسطينيين بشخص سقط من طابق في فندق فوقع بالصدفة على شخص كان عابرا فوقع كلاهما كسيحا , ويرى ( دويتشر) ان عليهما ان يتعاونا للنهوض,والواقع ان اليهودي الذي سقط على الفلسطيني على ارض فلسطين لم يكن قد سقط بالصدفة بل كان عملا مخططا له وجزءا من مشروع مدروس ومحمي بايديولوجية معلنة وليس هناك من خيار امام الفلسطيني الا التعامل مع هذا المشروع انطلاقا من حسابات دقيقة وبما يخدم قضيته العادلة على كافة الاصعدة و المستويات , فهذا قدره لان الصراع ليس مجرد صدفة بل هو مصيري وتشكل معرفة العدو العنصر الاكثر اهمية وتاثيرا فيه , وبالطبع فان هذا لايتم بمعزل عن التعاون والتنسيق مع الدول العربية والاسلامية والصديقة ..
5.ان الباحث المتتبع لما ينشر من معلومات في المصادر العلنية يجد ان هناك تشابها كبيرا فيما تحتوي هذه المصادر وتطرحه عن الانشطة الاستخبارية وهذا يعني ان هناك مادة قليلة مكررة بصيغ واشكال مختلفة لكنها تتوزع على اكبر عدد من المصادر العلنية الاسرائيلية والعربية والاجنبية , وهذا الموضوع يشكل معضلة بالنسبة للباحثين المختصين في مجال الاستخبارات , خاصة المبتدئين منهم , غالبا ما ينتج عنها اخطاء كثيرة .. ولاجل تفادي هذه الاخطاء او التكرار او التضليل المتعمد للمعلومات والمادة المنشورة وتقديم مادة مقبولة ومفيدة للقارىء العربي وللمختصين في هذا المجال فقد عمد الباحث الى جعل منهج دراسته يرتكز على ما ياتي :
أ . الرجوع الى المصادر الاصلية , سواء المنشورة باللغة العبرية وترجمتها من قبل الباحث شخصيا او المترجمة عنها, وخاصة الصادرة عن مراكز الابحاث والمسؤولين الامنيين الاسرائيليين بعد اخضاعها للتحليل والاستنتاج..
ب.الاستعانة بالمصادر الفلسطينية والعربية المتخصصة والرصينة وكذلك بالمصادر الخاصة ..
ج.اجتزاء ( نصوص) وادراجها في الدراسة للتعزيز والتدليل , مع الاشارة الى ذلك في سياق الشرح او قائمة المصادر ..
د. اعتماد مبدا التحليل والترابط المنطقي لمواد وفقرات الدراسة واغنائها واثرائها بما يعتقده الباحث انها قريبة من الواقع مستعينا بخبرات اشخاص متخصصين في هذا المجال تم اللقاء بهم لهذا الغرض..
مفهوم نظرية الاستخبارات الاسرائيلية
6. تقوم نظرية الاستخبارات الاسرائيلية على اساس تعددية الاجهزة الامنية والاستخبارية والبحثية لغرض خلق حالة من التنافس فيما بينها من اجل خدمة الامن القومي الاسرائيلي وللتقليل من احتمالات المباغتة العربية , بالاضافة الى بناء اجهزة متعددة تقوم على اساس التخصص في المهام والعمل حسب الموقع الجغرافي ..
7.ان الخبرة الاستخبارية التي يتلقاها المسؤولون الاسرائيليون من الغرب بشكل خاص تنعكس هي الاخرى على وضع النظرية الاستخبارية موضع التطبيق في مجالات التنظيم والتخصص ولهذا نجدها في الغالب من حيث المهام والمسؤوليات والتنظيم تتشابه مع مثيلاتها من الاجهزة الاخرى في الدول الغربية ..
8. ثمة عامل اخر ساهم في هذه التعددية هو طبيعة ( العدو) المقابل وتهديدات الامن الاسرائيلي كالانتفاضة الفلسطينية على سبيل المثال لا الحصر ..
9. من مزايا هذه التعددية ايضا هي انها منحت الاجهزة نوعا من الاستقلالية ولكن هذه الحالة لن تخلو من عيوب وثغرات عانت منها هذه الاجهزة والقيادة الاسرائيلية على حد سواء منذ مرحلة التاسيس الرسمي والمنظم لها في بداية الخمسينات , ومن ذلك ان الاهداف والمهمات الملقاة على عاتقها كثيرة ومتعددة وبعضها صعبا , فهي تتطلب نطاق معلومات واسع وشامل وتفصيلي وفي ميادين كثيرة وانتشار على مساحة جغرافية واسعة في العالم ومواجهة اجهزة استخبارية وامنية ونظم سياسية متقدمة ونامية .. وقد انعكس هذا على وضع وامكانيات الاجهزة الاسرائيلية لانها تتطلب قدرات فنية وبشرية كبيرة وكلف مادية عالية وهياكل تنظيمية ادارية كبيرة ومتعددة ….الخ ومع ان قيادة العدو الاسرائيلي وضعت لها عددا من المعالجات , لامجال لذكرها هنا , الا انها كانت حلولا جزئية وليست جذرية مازالت تشكل معضلة تعاني منها الاجهزة الاسرائيلية حتى الوقت الحاضر .
10. مما جاء في اعلاه تتضح وجهة النظر الاسرائيلية حول التعددية الاستخبارية على النحو الاتي:
أ. ان التنسيق حالة ملحة وضرورية لاجهزة الاستخبارات وهي انعكاس طبيعي وتحصيل حاصل لتعددية الاجهزة..
ب . ان خطوط وقنوات التنسيق في البنى التحتية والفوقية للاجهزة الامنية غير كافية وتعاني من مشاكل وعيوب ..
ج . ان ايجاد التعددية لخلق حالة التنافس بقدر ماهي حالة مفيدة لكونها تعزز حالة الفردية في العمل وتسير بالاتجاه المعاكس للتنسيق خاصة عندما يتولى قيادة احد هذه الاجهزة او بعضها في الخط الاول والثاني قادة ذوي ميول ونزعات فردية في العمل .
فلسفة نظرية الاستخبارات الاسرائيلية
11. ان فلسفة الاستخبارات الاسرائيلية تنبع اساسا من طبيعة المجتمع الاسرائيلي حيث السمة الغالبة لهذا المجتمع هي التنافر وعدم الانسجام نتيجة لتعدد الجنسيات واختلاف البيئات التي جاء منها اليهود لاقامة الاستيطان الاحلالي في فلسطين , فقد نقلت جماعات المهاجرين عاداتها وتقاليدها وطرق معيشتها المتباينة الى الكيان الاسرائيلي الغاصب,ويتضح ذلك التنافر في التفرقة العنصرية السائدة داخل هذا الكيان بين طوائف الاشكنازيم والسفاراديم واليهود السود ( الفلاشا ) وتتاكد هذه الخلافات ايضا داخل المجتمع الاسرائيلي حيث ينقسم الى جناحين رئيسيين : الاول ديني والثاني علماني , الامر الذي ترك بصمات اجتماعية سلبية على مجمل الحياة داخل اسرائيل ..
12. في ضوء هذا الواقع تعمل القيادة الاسرائيلية على صهر المجتمع الاسرائيلي في بوتقة واحدة في محاولة منها لخلق مجتمع متجانس له طابعه وسماته المشتركة وذلك بتنفيذ سلسلة من الاجرات ابرزها:
أ . استخدام الجيش للتجنيد الاجباري كوسيلة من وسائل صهر المجتمع ..
ب. توحيد مناهج التعليم لخلق ثقافة مشتركة ..
ج. تامين حد ادنى لمستوى المعيشة وادخال العمال في الهستدروت ..
د. اقامة مستعمرات خاصة بالشباب ليكونوا نواة المجتمع في المستقبل ..
هـ. اقرار اللغة العبرية ونشرها لخلق قاسم مشترك جديد غير الديانة اليهودية يجتمع عليه الاسرائيليون و المتدينون ..
و. تلقين الصغار والكبار مبادىء الحركة الصهيونية القائمة على مثلث ( الهجرة والاستيطان – القوة – ألصفاء العرقي ) ..
13. استنادا الى ماتقدم فان الصهيونية العالمية نجحت , من جانب اخر , في ان تغرس في نفوس المستوطنين الصهاينة منذ بداية الاستيطان الصهيوني لفلسطين عقيدة سارت عليها الاستخبارات الاسرائيلية اهم مرتكزاتها هي :
أ. ان اسرائيل في حالة حرب دائمة مع الاقطار العربية حتى تحقق اهدافها بالكامل..
ب. ان اسرائيل تشكل نقطة ارتكاز ليهود العالم وهي تسعى الى تهويد الاراضي الفلسطينية بكافة الوسائل وتهجير سكاتها العرب لاستيطان اكبر عدد من اليهود ..
ج. ان قيام ( الدولة ) هو تحقيق لاسطورة توراتية صنعها اليهود منذ القدم وتمكنوا من اقناع الغربيين بها وهي أن الرب وعدهم بارض الميعاد ..
د. ان تاسيس هذه ( الدولة ) مسؤولية دينية واجبة على كل
يهودي في بقعة من العالم ..
هـ. ان ولاء اليهودي مهما كانت جنسيته يجب ان يكون للوطن
الام اسرائيل وتحقيق امن واستقرار ( الدولة ) وازدهارها هو الخطوة الاولى لعودة ملكوت اسرائيل طبقا للوعد الالهي ..
14. في ضوء العقيدة انفة الذكر خططت قيادة العدو الاسرائيلي وبالتشاور مع اجهزتها الاستخبارية والامنية من اجل استغلال الظروف التي مرت بها الجاليات اليهودية في مختلف انحاء العالم , مستغلة الكراهية التي كانت سائدة ضدهم ، في تلقين اطفالهم العقيدة الدينية والسياسية ولقد استخدمت الصهيونية العالمية اساليب مختلفة لابقاء جذوة هذه العقيدة مشتعلة, فقد حرصت , وما تزال , على ان تذكر اليهود في العالم والراي العام العالمي دائما وبكل الطرق بحق اليهود في العودة الى ارض الميعاد ..
15. لقد افرزت مرتكزات نظرية الاستخبارات الاسرائيلية وعقيدتها فلسفة خاصة بالعنف والارهاب يمكن ايجازها على النحو الاتي :
أ. اذا ضربت احد الكوادر ( المعادية ) فان ظهور بديل له سيستغرق وقتا طويلا وبالتالي سيفكك الشبكة ( المعادية ) وربما سيمزقها ..
ب. الاغتيال يعني القضاء على الكادر القيادي الاكثر خبرة وخطورة وهذا يعني انك حققت الردع ضد الاخرين ..
ج. ان اغتيال الخصوم يرفع معنويات الاسرائيليين ويكون تاثيره سلبيا على اتباع هؤلاء الخصوم خاصة اذا جرى التخطيط للعملية وتنفيذها بطريقة استعراضية ونظيفة ومن دون ان تترك أي اثر ..
دوراجهزة الامن والاستخبارات الاسرائيلية في صناعة القرار السياسي ( تصفية القيادات الفلسطينية نموذجا)بقلم: عبدالوهاب محمد الجبوري
تاريخ النشر : Monday, 18 September 2006
دوراجهزة الامن والاستخبارات الاسرائيلية في صناعة القرار السياسي ( تصفية القيادات الفلسطينية نموذجا)
بقلم الباحث : عبدالوهاب محمد الجبوري
1. معروف أن صناعة القرار السياسي في اسرائيل امر يرتبط بوجودها غير الشرعي على الارض الفلسطينية وكذلك يرتبط بادراك العوامل المحركة والرابطة للاحداث والتطورات الداخلية والخارجية بغية الوصول الى تحديد واضح للسلوك الاسرائيلي تجاه ( ازمة ما ) والباحث في السياسة الاسرائيلية يجد انها تتسم بثلاث سمات رئيسة هي :
أ.الثقافة السياسية , التي تعبر عن مجموعة العقائد والافكار التي يعتنقها صانعو القرارات..
ب. اصطباغ السياسة بالصيغة الاجتماعية او ما يسمى التفاعل الاجتماعي للسياسة ..
ج. خصائص البنيان السياسي ذاته ..
2. من دراسة هذه السمات وتطبيقاتها الميدانية , حتى قبل ظهور الكيان الاسرائيلي للوجود عام 1948 , نجد ان هذا الكيان العنصري التوسعي هو كيان منتج للعنف والارهاب بحكم طبيعته وتكوينه البنيوي وتشكله التاريخي ولا يمكن لهذا الكيان ان يتخلى عن العنف حتى لو اراد ذلك لان المجتمع الاسرائيلي لايمكن ان ينتج شيئا بعيدا عن الارهاب لانه متشبع بمبادىء الحركة الصهيونية , القائمة على العنف والارهاب, والتي اقرها مؤتمرها التاسيسي في بازل بسويسرا عام 1897 وما تلاها من مؤتمرات وقرارات وممارسات ارهابية لاحقا , وانواع الارهاب حسب الفلسفة الصهيونية ثلاثة هي :
أ. الارهاب المادي : الذي يعني الاستخدام غير العادل للقوة بشكل سلوك
فعلي او لفظي لالحاق الاذى بالاخرين ..
ب. الارهاب الرمزي : الذي يستهدف الحاق الضرر بالطرف الذي يمارس عليه الارهاب والعنف سايكولوجيا لزعزعة شعوره بالامن والطمأنينة وخلخلة توازنه ..
ج. الارهاب الفكري : هو المقدمة التي يتكىء عليها الارهاب المادي والرمزي , فيعمد الى تجريد ( الضحية ) باستخدام الية التهميش والتغييب وهو ما تطبقه اسرائيل حاليا في الاراضي العربية المحتلة ومن بين اجراءاتها , على سبيل المثال , الغاء اسماء القرى والبلدات والشوارع الفلسطينية ..
3. حسب هذا المفهوم الاسرائيلي للعنف والارهاب فأن القوى الفاعلة والضاغطة في اسرائيل , والتي تتحكم في مسارات السياسة الارهابية الاسرائيلية , تتمثل في الاحزاب السياسية والجماعات الضاغطة او ذات المصالح التي تلعب دورا فاعلا في التاثير على شكل القرار وطبيعته ومحتواه .. ومن تصنيفات هذه الجماعات تبرز المؤسسة العسكرية والاجهزة الاستخبارية والامنية الاسرائيلية وما يسمى يهود الشتات واتحاد العمال اليهود او الهستدروت , وبعض هذه الجماعات قليلة التأثير و سريعة الزوال لكن البعض الاخر يتصف بالتركيب الحيوي المستمر ومن ذوي الاهمية خاصة تجاه قضايا حيوية بالنسبة لاسرائيل ومن ذلك الموقف من عمليات المقاومة الفلسطينية والانتفاضة وغيرهما ..
4. فالمؤسسة العسكرية تمثل مركز الصدارة لاعتبارات قوية جعلت منها احد العناصرالتي منها وبها يتشكل القرار السياسي على اساس أن الامن , حسب الادبيات الاسرائيلية , هو الاطار الذي يتحكم في العمل السياسي ..
جدير بالذكر ان دور العسكريين في الحياة السياسية الاسرائيلية يعتمد بشكل كبير على دور رئيس الوزراء ووزير الدفاع ..
ويمكن تلمس ذلك في الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها اولمرت حاليا , وقبله شارون , والذي يتمكن من اتخاذ قرارات مهمة وشاملة وخطيرة مثل اعلان الطوارىء وتعبية الاحتياط لمواجهة الظروف الطارئة كما يحصل في الاجراءات القسرية التي تنفذها قوات الاحتلال ..
5. التصنيف الثاني الذي يلعب دورا اساسيا في صناعة القرار السياسي وخاصة مايتعلق بالارهاب والعنف والتصفية الجسدية هي الاجهزة الاستخبارية الاسرائيلية التي تحتل موقعا متقدما وخطيرا في بنية الكيان الاسرائيلي , لذلك تعد من اهم ادوات الستراتيجية والحرب الاسرائيلية وتعتمد عليها قيادة العدو في عملية صنع القرارات السياسية وفي توجيه سياستها الداخلية والخارجية والعسكرية وذلك استنادا لمهامها وتنظيمها وخصائصها , وللاستخبارات الاسرائيلية خاصية تختلف عن باقي اجهزة الاستخبارات في العالم كونها تشكل العمود الفقري لنظرية الامن الاسرائيلي , وهذه الاخيرة تمثل جوهر العقيدة العسكرية الاسرائيلية , وعليها يتوقف بقاء ( الدولة ) واستقرارها في كيانها الحالي ..من هذا يتبين ان هذه الاجهزة تحظى ايضا باهتمام وعناية من الدرجة الاولى مقارنة بالمؤسسات الاسرائيلية الاخرى
6. أن القرارات السياسية الخطيرة والمصيرية في اسرائيل تبنى على ما تقدمه اجهزتها الاستخبارية من معلومات وتقديرات وانذارات عن ( العدو) وتتمثل مساهمة هذه الاجهزة في رسم السياسة الاسرائيلية في صورتين هما :
أ. تقديرات وتوقعات بشان موضوع محدد ومبلور , الهدف منها مساعدة صانع القرار في عملية اتخاذ القرار او مجموعة القرارات ..
ب. تقديرات جارية ومستنفذة تشمل مجالات اهتمام صانعي القرارات ويكون الهدف منها في هذه الحالة اطلاع المستوى القيادي على التطورات المستجدة وشحذ ادراكهم ويقظتهم تجاه المعضلات والتحديات الاكثر خطرا واهمية بالنسبة لاسرائيل ..
في الصورة الاولى : تقديرات تمهيدا لاتخاذ القرار السياسي , الستراتيجي , وهنا تكون الاستخبارات احدى الهيئات الرئيسة التي تساعد على توضيح الاحتمالات التي تواجه القادة السياسيين تمهيدا لاتخاذ القرار , فمثلا : مساهمة هذه الاجهزة بمساعدة صانعي القرار بشأن موضوع الانتفاضة والثورة الشعبية الفلسطينية , تركزت بشكل خاص على جمع المعلومات الدقيقة عن اماكن تواجد الفدائيين والابلاغ المسبق عن استعدادهم للقيام بعملية فدائية في احدى المناطق الفلسطينية المحتلة , وعندما ينجح الفدائيون في تنفيذ عمليتهم الفدائية ضد اهداف اسرائيلية يعمل الموساد والاستخبارات العسكرية وجهاز الامن العام على تزويد صانعي القرارات بالمعلومات لتحديد هوية منفذي العملية وقواعدهم ومن ثم تقديم المعلومات والمشورة ودراسة الاحتمالات للعمل المضاد وهنا تشارك الاستخبارات العسكرية ( أمان) بثقل في هذه المرحلة كونها تتطلب اتخاذ اجراءات عسكرية معينة ..
ان هذه المعلومات الوضعية تشكل مساهمة ذات اهمية كبيرة , وحاسمة احيانا , في عملية اتخاذ قرار الرد على العملية الفدائية ..
في الصورة الثانية : الموجهة لاثراء معلومات ومعرفة ويقظة صانعي القرار بشكل اوسع تبرز هنالك قيود الاستخبارات سواء في مجال المواضيع او في مجال الصورة والعمق في عرضها .. فالانذار الاستخباري الفوري هو الذي يفرض الى درجة كبيرة مدى وافق المواضيع , في حين ان النظرة للمسائل الاساسية في السياسة الخارجية , هي بشكل عام تتجاوز افق النظرة الانذارية الفورية .. وهنا قد يحصل تقاطع بين تقييم ومشورة اجهزة الاستخبارات وبين تقييم الجانب السياسي للموضوع وهذه الحالة هي من افرازات الفشل الاستخبار ي الاسرائيلي الذي تكرر اكثر من مرة , ولذلك اتخذت الحكومة الاسرائيلية جملة من الاجراءات لاحتواء هذه الحالة ( لامجال لذكرها هنا ) ولكن الامر ظل بين مد وجزر ومناقشات مطولة ولم يحسم بشكل نهائي كونه يتعلق بنظرة وفهم واجتهادات شخصية لكل من قادة الاجهزة الاستخبارية والقادة السياسيين وهذا يفسر سبب حصول تغييرات مستمرة لبعض القادة الاستخباريين والسياسيين والعسكريين بين الحين والاخر ..
7. ان مدراء ورؤساء الاجهزة الامنية والاستخبارية يساهمون هم الاخرون في عملية المناقشة مع القادة السياسيين والعسكريين حول المواقف والاحداث والقرارات من خلال اللجان السياسية والعسكرية والتي هم اعضاء فيها او يستدعون اليها عند الحاجة ( هيئة الاركان العامة في الجيش , اللجنة الوزارية لشؤون الامن , لجنة الخارجية و الامن في الكنيست ….الخ ) لذلك فهم يساهمون شخصيا ببناء ووضع القرارات الى جانب المعلومات والانذارات والتقديرات التي تقدمها اجهزتهم للقيادة الاسرائيلية ..ومن الامثلة على ذلك المشورة التي قدمتها اجهزة الاستخبارات لرئيس الوزراء شارون منتصف شهر ايلول عام 2002 بعدم تصفية او ابعاد الرئيس الراحل ياسرعرفات من رام الله والاستمرار بمحاصرته ومضايقته لتحقيق اهداف سياسية وعسكرية ونفسية محددة ..
8. من جانب اخر فان صاحب القرار السياسي الذي يعتمد على معلومات الاستخبارات في صنع قراراته السياسية دائما يتاثر بقدرات وحدود التقدير والتحليل الاستخباري لهذه الاجهزة , وهذه مسالة ذات أهمية حيوية بالنسبة لصانعي السياسة , لذلك نجد ان نظرية الاستخبارات الاسرائيلية في تقديم التقديرات الاستخبارية لصانع القرار السياسي ترتبط دائما بمواقف ثلاثة كل موقف له شروطه الخاصة وهي :
أ. قيام الاستخبارات بقراءة القرارات المتخذة من قبل الجانب السياسي . بصورة صحيحة وفي الوقت المناسب ..
ب. تولي الاستخبارات تحديد ردود الفعل المحتملة والممكنة تجاه موقف معين واي من هذه الردود هو الاكثر احتمالا ..
ج.ينبغي على الاستخبارات تحديد بداية أي عملية وان تراقب عن كثب تطورها وان تعرف في وقت مبكر لحظة القرار..
تنسيق عمل الاجهزة الامنية والاستخبارية ميدانيا
9.لغرض اعداد ملفات التصفية الجسدية وأحكام صياغة القرارات الخاصة بعمليات الارهاب والعدوان العسكري ضد ابناء شعبنا الفلسطيني المجاهد وقياداته وممتلكاته , كنموذج لصناعة القرار السياسي , تتولى لجنة رؤساء الاجهزة والمعروفة باسم ( فاعادات) - وهي الهيئة التي تنسق بين عمليات وانشطة اجهزة الامن والاستخبارات والتي يشرف عليها رئيس الوزراء شخصيا او ينوب عنه مدير الموساد عند غيابه - ادارة الاجتماعات الخاصة باتخاذ مثل هذا القرار , وهذه الاجتماعات يحضرها في بعض الاحيان وزير الدفاع او أي مسؤول اخر تتطلب المهمة التجسسية او الارهابية او العسكرية حضوره في مقر جهاز الموساد في ضواحي تل ابيب او في مدرسة الاستخبارات العسكرية شمالي تل ابيب على الطريق المؤدية الى مطار ( سديه دوف) او في غيرها من المقرات الامنية .
10.يتم خلال هذه الاجتماعات تبادل وتنسيق المعلومات والخبرات والاراء التي تساعد في بلورة قرارات العمليات السرية الجديدة وطرق تنفيذها ضد الاهداف والمؤسسات الفلسطينية .. وتشير بعض المصادر المتخصصة بالاستخبارات الاسرائيلية ( انظر : قصي عدنان عباس في كتابه المخابرات الاسرائيلية ) ان احد اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية يتولى افتتاح هذا الملف الاساسي ثم توزيعه على ممثلي الاجهزة الامنية ذات العلاقة وهي الموساد والامان والشاباخ وكل طرف من هذه الاجهزة يقوم برسم خطته وتحديد وسائل العلاج والمتابعة الخاصة به بناء على حدود صلاحياته ونطاق مسؤولياته
11. بعد ذلك تقوم الاجهزة الثلاثة المذكورة بجمع المعلومات عن الهدف المطلوب , وكل حسب وسائل تجسسه الخاصة من المصادر البشرية والالكترونية , ثم ترسل هذه المعلومات الى ( بنك معلومات ) مشترك , مهمته الاشراف على تحليلها وتقييمها بطرق مختلفة , بناء على درجة الاهتمام الموجودة لدى كل جهاز لذلك الهدف ..وجدير بالذكر ان قسم جمع المعلومات في الاستخبارات العسكرية ( امان ) هو الذي يتولى مسؤولية الاشراف على ادارة مهام ذلك ( البنك المشترك ) ..
12. بعد عملية جمع المعلومات عن الهدف واجراء التحليل الاستخباري والامني لها والتوصل الى استنتاج مشترك مفاده ان الهدف يشكل خطرا على اسرائيل وانه ينوي القيام بعمل مباشر ضدها يباشر فورا بوضع الخطط المقترحة للاغتيال او للقيام بالعمل العسكري المطلوب ضد هذا الهدف ..
13. تقوم بعد ذلك لجنة فاعادات بدراسة الخطط المقترحة من كافة جوانبها لحين القرار على خطة واحدة , ويتركز جانب مهم من مراحل اعداد عملية التنفيذ على كل الاحتمالات بما في ذلك اعداد خطط بديلة وطرق فرار وانسحاب مختلفة وكل ذلك يتم وفقا لتطور الاوضاع على الارض ..
14. ان عملية التصفية الجسدية مسالة استخبارية ميدانية معقدة يشارك فيها عادة عشرات العناصر , وبسبب التكتم الشديد عليها لايسمح الا باطلاع عدد محدود جدا من المسؤولين على تفاصيل الخطة النهائية للعملية بعد ان يصادق عليها المجلس الوزاري الامني , واذا كانت العملية تختص بجهاز واحد فقط فان هذا الجهاز غير ملزم بكشف تفاصيلها او وصف الية العمل , لكنه ملزم بتحديد وقت العملية ومكان تنفيذها لعدم حصول تقاطعات في العمل او تضارب في مصالح الاجهزة الاخرى التي تعمل في نفس الوقت في نفس المنطقة او تمس بعملية جمع معلومات يقوم بها جهاز اخر ..الا ان الكثير من عمليات الاغتيال التي نفذت كانت باشتراك جهازين على الاغلب ..
اساليب اجهزة الاستخبارات في تصفية القيادات الفلسطينية
15.تقوم اجهزة الاستخبارات والامن الاسرائيلية بتنفيذ عملياتها بوسائل مختلفة ومنها :
أ. استخدام الوحدات العسكرية والقوة الجوية والسمتيات والدبابات والمدفعية والصواريخ الموجهة والقطع البحرية والعبوات الناسفة التي توضع في العجلات او في مكان الهدف ويتم تفجيرها بتوقيت زمني محدد او بالتفجير المسيطر عليه عن بعد وكذلك قصف المنازل والمقرات التي يتواجد فيها الهدف المطلوب ..
ب. استخدام الغازات الكيمياوية , حيث اشارت مصادر مطلعة ان قوات الاحتلال الاسرائيلي استخدمت خلال الانتفاضتين الاخيرتين ثلاثة انواع من الغازات هي : غاز مسيل للدموع(cn) وغاز مهيج للاغشية المخاطية (dm) وعبوة رصاصية امريكية الصنع تحوي غاز (cn + dm)وغاز سام مجهول بالاضافة الى استخدام الغازات المسببة لحالات الاغماء والانهيار وشل القدرة
ج. استخدام وحدات القناصة لقتل واصابة القيادات الفلسطينية وتركيز الاصابة في مناطق الراس والصدر ..
د.مشاغلة اهداف فلسطينية في غزة ومدن فلسطينية اخرى بصواريخ ارض-ارض التعبوية ..
هـ. استخدام وحدات ( دوفدوفان وشمشون ) وهي وحدات من المستعربين في الجيش الاسرائيلي لتنفبذ عمليات تصفية جسدية ضد كوادر الانتفاضة والقيادات الثورية الفلسطينية ..
و.استخدام عناصر من جيش لحد لتنفيذ مثل تلك العمليات وظهر ان هذا جزء لايتجزأ من خطة ( حقل الاشواك التي سنتحدث عنها في مقالة لاحقة انشاء الله)لتكون ردا على أي انتفاضة لشعبنا الفلسطيني المجاهد ..
ز. قيام عناصر الامن العام باقتحام المناطق الفلسطينية عن طريق التسلل اولا ثم الانتشار المقنع في الضفة والقطاع وفي المناطق الحساسة ..
ح. استخدام الوحدات المظلية والقوات الخاصة لاقتحام محاور الطرق والمدن والمناطق المأهولة بمشاركة طائرات الكوبرا وبلاك هوك والاباتشي والشينوك المروحية ..
ط. استخدام التعري لاصطياد شبان الانتفاضة والثورة الشعبية , وتعد هذه من اقذر الوسائل التي تستخدمها الاجهزة الاستخبارية والامنية الاسرائيلية لتحقبق اهدافها , لكنها لاتشكل مفاجاة بالنسبة للمطلعين على تعاليم التلمود التي توصي باستخدام الجنس والمال لتحقيق المطامع الصهيونية .. وقد اكدت هذه المعلومات مصادر فلسطينية مطلعة وذكرت ان سلطات الاحتلال تلجأ الى الحيل لاصطياد شبان الثورة الفلسطينية والانتفاضة بما في ذلك استخدام المجندات الاسرائيليات من وحدات سلاح النساء ( حيل ناشيم ) في التعري امامهم ثم اطلاق النار عليهم ..
ي.استخدام طريقة جديدة في تعذيب المعتقلين الفلسطينيين هي التعذيب عن بعد بالريموت كونترول , فقد كشف تقرير اعدته لجنة اسرائيلية مناهضة للتعذيب النقاب عن ان خبراء الامن الداخلي ابتدعوا هذه الطريقة , واعترفت اللجنة ان عناصر الشاباخ مستمرون في اساليب تعذيبهم للسجناء الفلسطينيين بطرق واساليب اجرامية لاانسانية منها جلسة الضفدع وربط اليدين والرجلين والهز العنيف ومنع النوم …الخ ( وهناك مقالة خاصة عن اساليب التعذيب الاسرائيلية الوحشية ) ..
ك. .استخدام القوات الاسرائيلية لمنظومات الاسلحة الاكثر تطورا ووحشية وتدميرا وكذلك الاسلحة المحرمة دوليا كاليورانيوم المنضب حيث اكدت مصادر رسمية وغير رسمية ومنها منظمة ( انترناشيونال اكشن سنتر ) الامريكية ان القوات الاسرائيلية قصفت مكاتب حركة فتح في رام الله بقذائف وصواريخ احتوت على اليورانيوم المنضب اطلقت من طائرات الهيليكوبتر والاباتشي والكوبرا.. ( تنويه: لمن يريد من القراء الكرام معرفة المزيد عن مقذوفات اليورانيوم المنضب ومكوناتها واساليب استخدامها وتاثيراتها على الانسان والنبات والحيوان والبيئة يمكنه الكتابة مباشرة الى الباحث ) ..
وقد اعترفت صحيفة ( يديعوت احرونوت )الصادرة بتاريخ 10/ 1/ 2001
ان هذه القذائف موجودة ومستخدمة من قبل القوات الاسرائيلية منذ عشرين
عاما واضافت انه يتم تجهيز الطرادات البحرية القاذفة للصواريخ بمدافع خاصة نوع ( فالكون ) عيار 20 ملم قادرة على اطلاق ما بين ( 2000 – 6000) اطلاقة يورانيوم بالدقيقة ..كذلك استخدمت قوات اسرائيلية اعتدة الدمدم والاطلاقات المطاطية وقنابل النابالم والقنابر الذكية والعنقودية والفراغية وكلها اسلحة متطورة وخطيرة وذات تاثيرات هائلة تكاد تصل الى مستوى تاثيرات الاسلحة النووية التعبوية .. جدير بالذكر ان هذه الترسانة العسكرية المدمرة والمخصصة اصلا لقتال الجيوش النظامية في الميدان , والتي تم تحريمها دوليا , قد استخدمتها القوات الاسرائيلية بعشوائية وهمجية لم يشهد لها التاريخ مثيلا ضد شعب اعزل يقاتل بالحجارة وضد اهداف مدنية خالية من أي وسائل الدفاع والحماية .. الاستخبارات والامن الاسرائيلية.